شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء ١

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور13%

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور مؤلف:
المحقق: محمد شعاع فاخر
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-503-000-5
الصفحات: 439

الجزء ١
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35926 / تحميل: 5346
الحجم الحجم الحجم
شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور

شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور الجزء ١

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٥٠٣-٠٠٠-٥
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

[ المقصد الأوّل ]
[ في سند الحديث الشريف ]

الفصل الأوّل في تعريف آحاد الرواة لهذا الحديث وبيان حاله بحسب الاصطلاح من حيث الاعتبار والضعف

أمّا رواية الشيخ فإنّ بيانها كما يلي :

نقل الشيخرحمه‌الله عن« محمّد بن إسماعيل » ومن المعلوم أنّ هذه الرواية تدلّ على حدوث النقل من كتابه وكانت الكتب في ذلك الزمان مقطوعاً بصدورها من مؤلّفيها ، وإنّما يذكر وسط السند لغرض اتصاله فحسب ، فلو كان الطريق ضعيفاً فلا يضرّ ضعفه صاحب الكتاب أي لو كان الطريق إلى صاحب الكتاب ضعيفاً فلا يضرّ بحاله

ولكنّنا لسنا بحاجة إلى هذا التقريب فإنّ طريق الشيخ ـ الطوسي ـ ينتهي بمحمّد بن إسماعيل وهو طريق صحيح كما صرّح العلّامة وغيره بذلك ، بل لا يحتاج حتّى للتأمّل ؛ لأنّ الشيخ يروي عن المفيد وهو عن الصدوق وهو عن أبيه وهو عن أحمد بن محمّد بن عيسى وهو عن محمّد بن إسماعيل وهذه الطبقة جميعاً من مشايخ الإماميّة بحيث يمكن الوثوق والقطع برواية كلّ واحد منهم

٦١

ومحمّد بن إسماعيل نفسه من أجلّة الثقاة عند الإماميّة وقد أجمعت الطائفة على جلالة قدره وعظم شأنه وتسري وثاقته إلى من يروي عنه أي إلى شيخه ؛ لأنّ ذلك دليل على توثيقه والاعتماد عليه

« عن صالح » وهو مروي عنه أيضاً وصالح هو ابن عُقْبة ـ بضمّ العين وسكون القاف ـ ابن قيس بن سمعان ـ بفتح السين ـ ذكره النجاشي في الرجال فقال : قيل : إنّه روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (١)

وذكر النجاشي للراوي في كتابه دليل على كونه إماميّاً ـ كما حقّقنا ذلك في موضعه ـ لأنّه كتب كتابه أصلاً لإحصاء مؤلّفي الشيعة وقد التزم النجاشي بذكر القدح أيضاً لو كان حاصلاً ؛ سواءاً في ترجمة الراوي أو في موضع سواه من الكتاب ، ولمّا لم يورد فيه قدحاً علم أنّه سالم من عيوب الرواة ، وهذا نوع مدح له

ومن هذه الجهة كان الشيخ الفاضل تقي الدين الحسن بن داودرحمه‌الله يذكر ذلك في كثير من مواضع كتابه فيقول « أثنى عليه النجاشي » فيعترض من لا علم له ولا اطّلاع عليه بقوله : لم نعثر على هذا الثناء في كلام النجاشي وما دروا أنّ الغرض من الثناء هو عدم ذكر القادح

وقد أشار فحول هذه الصناعة إلى ذكر هذا المطلب في محلّه وقد ذكرت أنا ذوالبضاعة المزجاة في حاشية رجال النجاشي مواقع هذه الفوائد بإشارات وافية ، ولكن على سبيل الإجمال

وذكره الشيخ في فهرسته وقال : « له كتاب »(٢) وهذا دليل على استقامة الراوي في المذهب ؛ لأنّ الشيخ التزم في الفهرست بذكر علماء الإماميّة إلّا في المواضع

_________________

(١) رجال النجاشي ١ : ٢٠٠ رقم ٥٣٢

(٢) الطوسي ، الفهرست : ٨٤ رقم ٣٥٢ ( المترجم )

٦٢

التي يذكر فيها خلافاً ، ولا يخلو إثبات الكتاب له من مدحه

وقال العلّامة في حقّه « كذّاب غالٍ لا يلتفت إليه » وتبادر إلى فهم محقّقي هذا الفنّ كالعلّامة المجلسي الأوّل والأُستاذ الأعظم أنّ هذا القدح من ابن الغضائري ؛ لأنّ الغالب على كتاب الخلاصة للعلّامة أنّه تابع في الجرح والتعديل إلى الأُصول الرجاليّة الخمس :

١ ـ رجال الشيخ ؛

٢ ـ الفهرست ؛

٣ ـ رجال الغضائري ؛

٤ ـ رجال النجاشي ؛

٥ ـ رجال الكشي

وورد قليل من الجرح والتعديل في هذا الكتاب مستقلّاً عنها وكان من عادة ابن الغضائري الوقيعة في الثقاة وجرحهم والقدح في العدول ونسبة الغلوّ بسبب الروايات المتضمّنة مدح أهل البيت ، وظاهر النجاشي كما جرى التمهيد له عدم صحّة هذا القدح ورواية محمّد بن إسماعيل ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عنه مرشدة إلى اعتباره ودليل على الاعتماد عليه ، وظاهر الصدوق الاعتماد على كتابه لذلك عمل المشايخ الثلاثة : الصدوق والمفيد والطوسي ـ وهم مدار الفقه الجعفري ـ بأخباره

إذاً الأقوى والأصحّ سلامة الخبر الذي يرويه من الطعن

وكان أبوه عقبة بن قيس من أصحاب الصادقعليه‌السلام وقد وثّق الشيخ المفيد وابن شهر آشوب في معالم العلماء جميع أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام ، وإذا ثبتت رواية صالح عن الإمام الصادقعليه‌السلام فهي دليل وثاقته أيضاً وتثبت استقامته على المذهب عن طريق هذه الرواية

٦٣

ومجمل القول : بناءاً على رأي الشيخ أنّ الخبر هنا يتأرجح بين الحسن والصحّة ـ طبقاً لمذهب المتأخّرين ـ وبناءاً على طريقة السابقين الذين يصحّحون ما هو قطعيّ الصدور من الأخبار أنّ الخبر صحيح قطعاً ووفقاً لطريقتنا التي تابعنا بها المتأخّرين في الاصطلاح ، ولا تخلو حجّيّة متابعة المتقدّمين من حجّة ، وإن لم يصرّحوا بالصحّة

هذا كلّه بقطع النظر عن ذيل الحديث فإنّ الأمر فيه أخفّ ؛ لأنّ فيه يروي محمّد ابن إسماعيل الحديث عن سيف بن عميرة ـ بفتح السين المهملة ـ وهو عن علقمة وظاهر الرواية أنّ علقمة كان حاضراً وسمع الكلام وسأل تعليم الدعاء ، مع أنّ حاجتنا تنحصر فيما نقله علقمة

وصرّح الشيخ في الفهرست والنجاشي والعلّامة في الخلاصة بوثاقة سيف وقال النجاشي في حقّه : « له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا »(١) وهذا مدح عظيم ولم يقدح فيه أحد سوى الآبي في محكي « كشف الرموز » وجاء في الطعن وإنّه قال : « مطعون فيه ملعون » واستند فيه ظاهراً إلى ما نسبه ابن شهرآشوب إليه من الوقف ومن هذه الجهة قال الشهيد : « وربّما ضعّف بعضهم سيفاً والصحيح إنّه ثقة » وكلام ابن شهرآشوب مخالف لصريح الفهرست والنجاشي مع أنّ أحداً لم يوافقه عليه ، وقول الشيخين مقدّم على قوله البتّة

وطعن كشف الرموز مستند إلى قدح ابن شهرآشوب فيه كما مرّت الإشارة إليه مع « انضمام عدم حجيّة الموثّق »(٢) ولو أنّنا افترضنا تقديم قول ابن شهرآشوب فإنّ شهادة المشايخ الثلاثة : النجاشي والعلّامة والشهيد بوثاقته باقية على حالها

_________________

(١) النجاشي : له كتاب يرويه جماعة يختلف برواياتهم ( رجال النجاشي ٢ : ٢٠٧ رقم ٥٠٤ ) ( المترجم )

(٢) يقدّم رأي الجارح على المعدّل ؛ لأنّه ربّما اطّلع على أمر لم يطّلع عليه المعدِّل أو الموثِّق ( المترجم )

٦٤

وقد استوفينا حجيّة الأخبار في محلّها وأظهرناها على منصّة الثبوت

أمّا« علقمة بن محمّد » فإنّ الشيخ في كتاب الرجال اعتبره من أصحاب الباقر والصادقعليهما‌السلام وقال : « أسند عنه »(١) وهذه العبارة تفيد المدح في مذهب الكثيرين وإن كانت محلّ تأمّل ولكن الشيخ الكشي نقل عنه مناظرة مع زيد بن عليّ تدلّ على بصيرته وحسن حاله ويفهم من ذيل الرواية أنّ جلالة قدره بلغت شأنها الأقصى أنّ عدم ذكره في الرواية عارض رواية صفوان ، ولا يندرج في الاحتمال نسيانه أو تجاهله وقد اعتذر صفوان بعذر آخر وزعم أنّ الحديث صدر في موضع آخر واشتمل على الدعاء

وخلاصة القول : إنّه يظهر من كلام سيف وصفوان أنّ شرايط الرواية ذاتاً متوفّرة في علقمة ، وهذا يعتبر إمّا تعديلاً أو مدحاً كبيراً وبناءاً على عموم شهادة الشيخ المفيد وابن شهرآشوب إنّه يكون ثقة من ثمّ يعتبر الخبر بين الحسن والصحيح لهذا السبب ، إذا لم نأخذ بظاهر الشهادة كما هو الظاهر من عدم اعتبار العلماء هذا العموم موجباً للتوثيق ، وللحصول على التفصيل في هذا المجال تراجع المطوّلات وعلى كلّ حال فإنّه يكون حجّة على الصحيح

وطريق آخر وقع للشيخ في ذيل هذا الحديث حيث رواهرحمه‌الله عن محمّد بن خالد الطيالسي ـ بكسر اللام ـ منسوب إلى الطيالسة جمع الطيلسان لبيعه لها ، وطريقه إليه كما هو مذكور في الفهرست ورجال النجاشي ، ولم يقدح به أحد منهما بل ذكر أنّه صاحب كتاب ونوادر ثمّ هو إماميّ ممدوح ، وروى عنه عليّ بن الحسن بن فضّال ومحمّد بن عليّ بن محبوب وجماعة من أجلّاء القوم وهو دليل على غاية الاعتماد والاستناد

_________________

(١) رجال الطوسي : ٢٦٢ ( المترجم )

٦٥

وقال الشيخ في الرجال : روى عنه حميد أُصولاً كثيرة(١)

وهذا أيضاً يعتبر في عرفهم مدحاً جليلاً

ومن مجموع هذه الأمارات يحصل الظنّ بعدالته لممارس علم الرجال من حيث قول الشيخ : قال سيف بن عميرة ، فإذا كان حديث بهذه المثابة صحيحاً بالاتفاق لأنّ سنده طريق الشيخ إلى سيف وهو معلوم الصحّة ، وجلالة قدر صفوان لا تكاد تخفى على أحد ولا تحتاج إلى تنبيه ثمّ إذا كان ذيل هذا الحديث من تتمّة رواية محمّد بن خالد كما هو الظاهر فإنّه يحكم على ظاهره بالصحّة واحتمال تصنيفه في الحديث الحسن احتمال بعيد

ونتيجة البحث : إنّ هذه الرواية متناً وذيلاً في هذا المكان من المصباح نقلت بثلاث طرق ، ومن ملاحظة ما تقدّم فإنّ المحدّث الخبير والفقيه البصير يعذر إذا قطع بصدوره

أمّا رواية الكامل فقد اشتملت على طريقين أو سندين :

الأولى : حكيم بن داود ، عن محمّد بن موسى ، عن محمّد بن خالد الطيالسي وهذا الطريق وإن عُلّ بمحمّد بن موسى لأنّه ضعيف ظاهراً ، وعندي أنّ حكيم بن داود مجهول الحال فعلاً ، ولكنّ الظاهر ظهوراً بيّناً أنّ ذكر الطريق لأجل اتصال السند والرواية أخذت من الكتاب كما هو ظاهر عبارة الشيخرحمه‌الله من أنّ كتاب محمّد بن خالد موجود بحيازته بل صريح عبارة الفهرست ذلك ، ويغلب على الظنّ أنّ الكتاب أيضاً موجود عند ابن قولويه وبهذا الاستظهار لا يتردّد أهل الفنّ عن القطع به

كما أنّنا أوضحنا حال محمّد بن خالد وسيف بن عميرة وصالح بن عقبة ومحمّد بن علقمة

_________________

(١) رجال الطوسي : ٤٤١ ( المترجم )

٦٦

والطريق الثاني : يبدأ سنده بمحمّد بن إسماعيل وقد حذف السند لتواتر الكتاب عنه وعبارته التي يقول فيها : « ومحمّد بن إسماعيل » إنّه ليس عطفاً على علقمة بن محمّد لتكون جزءاً من السند السابق ـ كما توهّم ذلك بعض الأكابر ـ وإنّما هو سند مستأنف والعطف فيه على « حكيم بن داود » وليس من المستبعد بل من الممكن جدّاً أن تعود العبارة إلی محمّد بن خالد وحكيم بن داود ومحمّد بن موسى ؛ وهؤلاء طريق ابن قولويه إلى محمّد بن إسماعيل

وعلى أيّة حال فإنّ المتأمّل يقطع بفساد الاحتمال الأوّل(١) بأدنى التفات بل لا يحصل الترديد في أوّل النظرة في السند بين الاحتمالين

وحال « صالح بن عقبة » معلومة

و « مالك الجهني » من أصحاب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام وقد مدح الإمام الباقر في أبيات أخرجها صاحب الإرشاد ، وهي :

إذا طلب الناس علم القرآن

كانت قريش عليه عيالا

وإن قيل أين ابن بنت النبي

نلت بذاك فروعاً طوالا

نجوم تهلّل للمدلجينّ

جبال توازن علماً جبالا(٢)

وفي الكافي بسند صحيح أنّ الإمام الباقر قال له : أنتم شيعتنا ، ألا ترى أنّك تفرط في أمرنا ، أنّه لا يقدر على صفة الله ، فكما لا يقدر على صفة الله كذلك لا يقدر على صفتنا ، وكما لا يقدر على صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن ، إنّ المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحاتّ عن

_________________

(١) كون العطف على « علقمة بن محمّد » ( المترجم )

(٢) الإرشاد ٢ : ١٥٧ و ١٥٨ وفيه : « توارث علماً »

٦٧

وجوههما كما يتحاتّ الورق عن الشجر حتّى يتفرّقا ، فكيف يقدر على صفة من هو كذلك(١)

وهذا الخبر يتضمّن مدحاً جليلاً لأنّ وصف الراوي بكونه لهم شيعة خير من النصّ على العدالة مأة مرّة

وطريقه وإن اشتمل على محمّد بن عيسى العبيدي عن يونس وقد توقّف فيه بعض العلماء ، ولكنّنا أثبتنا بنحو واف عدالته وجلالة أمره في مواضع كثيرة وقد شهد له بالوثاقة جمع من الأعيان والأكابر

قال النجاشي في الرجال : « ثقة عين كثير الرواية حسن التصنيف »(٢) وفي ردّه على الصدوق لقوله : « ما يكتبه محمّد بن عيسى عن يونس ويرويه لا صحّة له » قال : وأنا رأيت الأصحاب ـ وهذه علامة على الإجماع ـ ينكرون على ابن بابويه ويقولون : « من مثل أبي جعفر ؟ »

وقال الفضل بن شاذان في حقّه : « ومن في الأقران مثله ؟ »

وصرّح الكشي في ترجمة محمّد بن سنان بعدالته ونحن في رسالة « الإصابة » أثبتنا أنّ جميع ما في كتاب « اختيار معرفة الرجال » هو مختار الشيخ ، والشيخ موافق على توثيق يونس ، وأمّا تضعيفه في الفهرست فإنّه اتّباع وترديد لما قال ابن بابويه

وجاء في رسالة « أبو غالب » في بيان حال آل أعين إنّه كاتب الإمام صاحب

_________________

(١) الكافي ٢ : ١٨٠ ح ٦ علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن يحيى الحلبي ، عن مالك الجهني قال : قال لي أبو جعفر ( هامش الأصل ، وقد جرت مطابقته مع نسخة تحقيق غفاري ط ١٣٦٥ هـ دار الكتب الإسلاميّة )

(٢) عبارة النجاشي في الرجال كالتالي : كان وجهاً من أصحابنا متقدّماً عظيم المنزلة ( الرجال ٢ : ٤٢٠ ـ ٤٢١ ) ( المترجم )

٦٨

الزمان أرواحنا له الفداء بدون واسطة وصدرت في حقّه توقيعات كريمة من الناحية المقدّسة وهذا حال عمّا للرجل من المقام الرفيع والمرام المنيع ، ولم يكن قدح ابن بابويه فيه لضعف في نفسه بل الظاهر أنّ ذلك راجع إلى تشكيك ابن الوليد في جواز إجازة الصغير ، وليس لهذا وجه ، إذ سنّ البلوغ مشترط في الراوي عند الأداء لا عند التحمّل ، ولو سلّمنا جدلاً بذلك فإنّ اتفاق الأصحاب على خلافه كاف في ردّه

ثمّ إنّ شهادة الكشي التي وجدناها في حقّه وعبارة « رسالة أبي غالب » بالتفصيل الذي ذكرنا في محلّه وتوثيق النجاشي له يرفع(١) جميع وجوه الإشكال ، لهذا جزم جماعة من الأكابر والمحقّقين بعدالته ووثاقته

ولا يضير اشتمال السند على « مالك » لأنّه واقع في طريق يونس بن عبدالرحمن ومقتضى القاعدة أنّ العصابة أجمعت على صحّة الحديث المنتهي سنده إليه وهذه العبارة إن لم تدلّ على عدالة جميع من يروي عنه فهي دليل على صحّة الخبر كما حقّقنا ذلك على الوجه الأتم والأوفى في « رسالة الإصابة في قاعدة إجماع الصحابة » وقد بيّنّا وجوهه ودلائله وأمارته ، وبناءاً على هذا يكون السند صحيحاً ولا مجال للمناقشة فيه ويوجد في روضة الكافي خبر عن عبد الله ابن مسكان وهو من أصحاب الإجماع منقولاً عنه(٢) وهذا يدلّ على علوّ رتبته في الرواية

ومن مجموع هذه الأمارات تكون عدالته وجلالته أظهر من الشمس(٣) مضافاً

_________________

(١) فاعل الفعل « يرفع » قوله : شهادة الكشي ( المترجم )

(٢) روضة الكافي : ١٤٦ ح ١٢٢ ( هامش الأصل ) عنه عن ابن مسكان عن مالك الجهني قال : قال لي أبو عبد الله الخ ( المترجم )

(٣) قرن الغزالة ـ المؤلّف

٦٩

إلى أنّ رواية ابن مسكان ويونس بذاتها أمارة على المدح وابن أبي عمير الذي لا يروي إلّا عن الثقات يروي عنه ، وهذا وحده كاف في تعديله ، كما اعتمد على ذلك كثير من الأساطين وبيّنّا ذلك في الرسالة المذكور بإطناب ونظراً لما قلناه فإنّ العلّامة والشهيد قدّس سرّهما في كتاب المواريث حكما بصحّة حديثه

ومجمل القول : إنّ رتبة الحديث في الطريق الثاني هي « الحسن » وقد بيّنّا حسن حال صالح بن عقبة على طريقة الإجمال لا التفصيل وتحصّل بأيدينا أنّ صدر هذا الحديث المبارك نقله عدّة من أصحاب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام وهم عقبة بن قيس وعلقمة بن محمّد ومالك الجهني ونقل متن الزيارة الشريفة علقمة عن الإمام الباقرعليه‌السلام كما فعل صفوان عن الإمام الصادقعليه‌السلام بالسند الذي سمعت ، وتكرّر مجيئه في الكتب المعتبرة المعتمدة ، وروى الدعاء آخر الزيارة صفوان واشتهاره بدعاء علقمة لا وجه له وهو خطأ محض

ومجمل القول أنّه لا ريب في اعتبار سند الرواية ، وكان عمل الشيعة على تطاول الزمان وتمادي العصور والدهور على هذه الرواية حيث جعلوا هذه الرواية من أورادهم اللازمة وأذكارهم الدائمة ، وتكون مع انضمام هذه القرائن قطعيّة الصدور مضافاً إلى كون إسنادها منه ما هو الصحيح ومنه ما هو الحسن

وأخيراً بناء على رويّة مذهب التحقيق ليس في وثاقة سندها أدنى تأمّل على الإطلاق لهذا لم يطعن أحد من العلماء بصحّة سندها ولم يتوقّف فيه

٧٠

الفصل الثاني

لا بدّ من التعرّض هنا لما قاله العلّامة المجلسي في هذا الباب ، فنقول : قال في زاد المعاد :

أمّا زيارتهعليه‌السلام المشهورة فقد رواها الشيخ الطوسي وابن قولويه وغيرهما عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة وكلاهما رواها عن محمّد بن إسماعيل وعقبة بن محمّد الحضرمي وكلاهما عن مالك الجهني فإنّه قال : قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام ، ثمّ يأخذ بترجمة حديث كامل الزيارة حتّى يصل إلى حديث محمّد بن خالد الطيالسي وينقله أيضاً ، وبعد نقل الدعاء المذكور يشرع في ترجمة حديث سيف ابن عميرة ، وعبارة تحفة الزائر قريبة من هذه العبارة ، وظاهر كلامه يدلّ على أنّ المجموع من النقول ما هو إلّا عبارات مشتركة بين الشيخ وابن قولويه

وفي هذا القول وجوه من المناقشات يجلّ عنها مقام هذا العلّامة الذائع الصيت والمحدّث الكبير العلمي(١) ولكن نزولاً عند قوله تعالى :( الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ ) (٢) لأجل تنبيه الغافلين وتبيان الحقّ وإيضاح وجه الصواب فلابدّ من ذكرها بحيث لا تصطدم مع ما للشيخ من جلالة القدر ، ولقد اطّلعت على جانب منها في كلام السيّد الأجل الأعظم حجّة الفرقة ، سيّد الطائفة ، الحاج السيّد محمّد باقر الرشتي الأصفهانيقدس‌سره (٣) وأنعم به اتفاقاً ونلت من هذا الاطّلاع قدراً من الاستفادة ، والله الموفّق

_________________

(١) « العلمي » صفة لمقام ( المترجم )

(٢) يونس : ٣٥

(٣) كان هذا البحث جواباً على سؤال ورد على المرحوم آية الله عن زيارة عاشوراء وطبع ضمن مجموع « الأسئلة والأجوبة » ص ٢٥ ـ ٤١ ( هامش المحقّق )

٧١

المناقشة الأُولى :

أنّ محمّد بن إسماعيل بحسب ما أفادته الرواية روى عن شيخين هما سيف ابن عميرة وصالح بن عقبة ولكن المجلسي قصّر الرواية على محمّد بن إسماعيل واعتبرها منتهية إليه ؛ وهذا خلاف الواقع ؛ لأنّ عبارة « المصباح » و « كامل الزيارة » تنصّ على روايته عن شيخه صالح ، وذيل عبارة المصباح صريحة بروايته عنه وعن سيف ، وهذا غاية في الغرابة لكونه منافٍ للوضع الطبقي للرواة لأنّهما أسنّ من محمّد بن إسماعيل فهما من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام وهو من أصحاب الكاظم والرضا والجوادعليهم‌السلام ، والذي درج عليه الناس وشاع بين الرواة هو رواية الأصاغر عن الأكابر لا العكس ، وإن لم يكن مستحيلاً ولكن العمل الرجالي قائم على تمييز الأسماء المشتركة بتميّز الطبقات غالباً ، وجعل هذا الأمر خاصّاً بهؤلاء الرواة يبدو بعيداً ، ولو ألغينا هذا الوجه من الاعتبار ولم نسلم به فإنّ الوجه الأوّل يكفي في ردّ قول المجلسي

المناقشة الثانية :

وأمّا قول المجلسي « وكلاهما عن مالك الجهني » يقتضي أنّ رواية محمّد بن إسماعيل عن مالك وهذا خلاف الواقع ؛ لأنّ رواية « المصباح » و « كامل الزيارة » تنصّ على أنّه رواها عن صالح ولا يوجد في أيّ كتاب ما يحمل على التوهّم من روايته عن كلا الاثنين ، أضف إلى ذلك أنّ البحث في أحوال الرواة وترتيب الطبقات يقضي بفساد هذا الاحتمال ؛ لأنّ الشيخ قدّس الله نفسه قال عن مالك بأنه توفّي في عصر الإمام الصادقعليه‌السلام ، ولم يعتبر أحدٌ محمّداً بن إسماعيل من أصحاب الصادقعليه‌السلام بل اعتبروه من أصاغر أصحاب الكاظم وفتيانهم ، وأدرك

٧٢

آخر أيّام الإمام الكاظمعليه‌السلام وبقي على قيد الحياة حتّى وافىٰ زمن الإمام الجواد ، من هنا جزمنا ببُعد رواية صالح عنه كلّ البُعد

المناقشة الثالثة :

أنّه نسب الرواية بهذا السند إلى الشيخ وابن قولويه كليهما ونحن فيما سلف نقلنا عبارة الإثنين بالتفصيل وبان لنا رواية الشيخ عن محمّد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة التي يرويها عن أبيه عقبة ولم يرد ذكر لمالك في عبارة الشيخ سواء ما جاء منها في المصباح أو التي نقلها هذا المحدّث النحرير في البحار(١)

المناقشة الرابعة :

أنّ علقمة روى الرواية عن الباقرعليه‌السلام من دون واسطة كما ورد في المصباح وكامل الزيارة ، وكما نقلناها عنهما ولم نعثر على موضع منها أنّ علقمة رواها بواسطة مالك ، وربّما كان منشأ الوهم هو ما أشرنا إلى فساده من اعتبار المجلسي عبارة « ومحمّد بن إسماعيل » عطفاً على علقمة بن محمّد في كامل الزيارة بينما هو سند مستأنف وعلى أساس من هذا الوعهم عزا رواية سيف وصالح عن محمّد بن إسماعيل ، وقد علمت فيما سلف أنّ العطف إمّا أن يكون على حكيم بن داود على أبعد الوجهين ، أو على محمّد بن خالد وهو الأظهر فعلاً في نظره

وممّا ينتظم في هذا النسق أنّه صرّح في ذيل حديث سيف ابن عميرة أنّ علقمة روى هذا الخبر بدون واسطة عن الإمام الباقرعليه‌السلام وهذا العلامة نفسه ترجم عين العبارة ولاحظ الأصل في كتابين إجمالاً وتفصيلاً ، وحكاه في البحار ، ومع كلّ هذا

_________________

(١) بحار الأنوار ٩٨ : ٢٩٣ ط بيروت ( هامش المحقّق وجرى تطبيقها )

٧٣

فقد اعتبر علقمة راوياً عن مالك مع قول علقمة نفسه « قلت لأبي جعفرعليه‌السلام » ومع هذا التصريح لا يتطرّق علينا احتمال حذف الواسطة بينه وبين الإمام الباقرعليه‌السلام

المناقشة الخامسة :

أنّ ظاهر كلامه يدلّ على أنّ محمّداً بن إسماعيل وعلقمة بن محمّد متعاصران ويعيشان في زمن واحد وكلاهما يروي عن راوٍ واحد ، وعلمت فيما سبق بأنّ علقمة من أصحاب الصادقينعليهما‌السلام في حين أنّ محمّداً بن إسماعيل من أصحاب الكاظم والرضا والجوادعليهم‌السلام ولا يمكن اتحاد طبقتهما ، ويستحيل في ميزان الاعتبار تعاصرهما

المناقشة السادسة :

لم يرد في أيّ كتاب آخر نسبة هذه الرواية وبهذا السند إلى غير الشيخ وابن قولويه ، ولم يسمع أحد بهذا في أُذنيه ولم يشاهده بعينيه وكما علمت أنّ الرواية مطلقاً لم تصحّ عن أحد ، وأوّل من عزاها إلى غير الشيخ وابن قولويه هو المرحوم المجلسي وما وجدناه في الطروس ، إنّ الرواية رويت عن علقمة ؛ إمّا بطريق الشيخ أو بطريق ابن قولويه وإمّا مرسلة

المناقشة السابعة :

ما نسبه إلى الشيخ من أنّ رواية المصباح نصّت على أنّ ثواب زيارة يوم عاشوراء تعدل ألفي ألف حجّة وهكذا ، وفي ذيل العبارة : أنّ ثواب زيارة البعيد تعدل ألف ألف حجّة مع أنّ المذكور في المصباح لا يتعدّى الألفين والألف ، والذي ذكره من مضاعفة الألف إنّما هو رواية كامل الزيارة وقريب من هذا الخلط وقع في البحار كما قلنا ذلك

٧٤

المناقشة الثامنة :

ما ورد في ذيل حديث علقمة من ترجمة هذه العبارة « يا علقمة إذا أنت صلّيت ركعتين بعد أن تومي إليه بالسلام وقلت بالإيماء إليه هذا القول ، فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة الخ »(١) وهذه الترجمة عبارة كامل الزيارة ، بينما لم تذكر العبارة التي ينبغي أن تذكر بعد قوله : « إنّك إذا قلت ذلك » ، ولقد سمعت عبارة الشيخ ولاحظت سياق ترجمتها وعرفت الفرق بينها وبين عبارة كامل الزيارة ، بل إنّ لفظ « بعد الركعتين » كما سيأتي تصحيف لقوله بعد التكبير ، وهذا الاختلاف صار منشأ لمعركة آراء بين الفقهاء إذ كيف يسوغ لمحدّث أمين أن ينسب ذلك إلى الشيخ مع أنّه لا يوجد له عين ولا أثر في كلامه ، وبالطبع يحمل ذلك على سائر الفقرات التي بدرت سهواً من مزبرهرحمه‌الله

المناقشة التاسعة :

أنّه نسب رواية محمّد بن خالد الطيالسي التي أوردها بعد نقل الزيارة في المصباح إلى ابن قولويه ولكنّه لا أثر لذكر هذا الدعاء على الإطلاق ولا لهذا الخبر عن ابن قولويه في كامل الزيارة

المناقشة العاشرة :

أنّه نسب رواية صفوان إلى ابن قولويه ، وليس عنده من ذلك عين ولا أثر في كتاب كامل الزيارة ، وقد تنبّه نفسه إلى ذلك في بحار الأنوار فنقل صدر الحديث من كامل الزيارة ونسب الذيلين إلى الشيخ

_________________

(١) كامل الزيارة : ٣٢٧

٧٥

وهذه في حسابنا عشر مناقشات ولكنّها تنحلّ بعد التأمّل إلى اثنى عشر مناقشة ؛ لأنّ المناقشة الأُولى والثانية تتضمّن جهتين من البحث ؛ أحدهما مخالفة الواقع ، والثانية : مخالفة الطبقات مضافاً إلى أنّنا حين نتتبّع خصوصيّات كلامه وجزئيّاته من ملاحظة كامل الزيارة ونسبة ما فيها للشيخ وبالعكس وبمراجعة ما ترجمناه والبحث في زاد المعاد وتأمّل متن الخبر وملاحظة مواضع الاختلاف التي أشرنا إليها في الحاشية يظهر ذلك واضحاً

ووقوع هذه الأخطاء من هؤلاء العظماء إنّما حدثت بعين الله وذلك لنفي العصمة عنهم ولكي لا تتجمّد الأذهان والقرائح في البحث والطلب ، ولكلّ واحد بناءاً على ما قاله الأديب الحكيم :

لكلّ مجتهدٍ حظٌّ من الطلبُ

فاسبق بعزمك سير الأنجم الشهب

حظّه من بذل الجهد واستفراغ الوسع وخلع ربقة التقليد ووضع قدمه في وادي حلّ المشكلات بتأمّل وتحقيق مستمدّاً العون من الله تعالى بشفاعة الأئمّة وإعانتهم وبالطبع لا يرجع خائباً بائساً ، فارغ الوفاظ والله الموفّق وهو العاصم

٧٦

المقصد الثاني
في فقه الحديث وذكر محتملاته وتحقيق ما هو
المطلوب من العمل بهذه الزيارة وذكر بعض
الفوائد المتعلّقة بها متناً وحكماً وفضلاً

ولمّا قضى قانون التعليم أن يوعب الحقّ الصراح والصدق القراح في الذهن الساذج والفهم الفارغ لكي يغرس جذره في تربة صالحة ويتمكّن من النمو والرسو في تلك التربة ، كما قيل :

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى

فصادف قلباً فارغاً فتمكّنا

لأنّ ذكر الباطل إذا أخذ طريقه إلى القلب قبل غيره ربّما تمكّن منه ، وكان البرهان المتأخّر عنه غير قادر على إزالة آثاره ، وهذا شأنه شأن الصحيفة البيضاء النقيّة فإنّ ما يكتب فيها أوّل مرّة تعسر إزالته إلّا بمحوه ، وربّما فارق بضاعته الأُولى

اى برادر مزرع ناكشته باش

كاغذ اسپيد نابنوشته باش

كن كارض البكر لا زرع بها

أو كطرس ما جرىٰ فيه قلم

لذلك نشرع أوّلاً بذكر الاحتمال المرضي المختار ثمّ نتبع ذلك بذكر الأُمور المحتملة الأُخرى ، مع مناقشتها وبذل المحاولة في ردّها بالأدلّة المقنعة بإذن الله

٧٧

تعالى التي ترفع الشكّ وتكشف غبش الريب وتزيل الخطأ

وقبل أن نبدأ بذلك يجب أن يعلم بأنّ خلافات عريضة جرت لفهم هذا الخبر ، كما حدثت مشاجرات طويلة بين العلماء العظام والفقهاء الكرام ، ومنشأ الخلاف في الأعمّ الأغلب يعود إلى الاختلاف في عبارات نسختي الكامل والمصباح ، وهناك وجوه إضافيّة سوف نتعرّض لها أثناء الحديث بالشرح والتفصيل ، كما نعرض لمختلف الاحتمالات التي يثيرها هذا الخبر الشريف سواءاً اعتمدها جماعة من العلماء أو كانت مجرّد احتمال معروض للبحث والمداولة ولم ينسب إلى أحد وذلك في وجوه :

الوجه الأوّل :

من لوازم هذه الزيارة التوجّه إلى الصحراء أو الصعود إلى السطح مع التكبير والإيماء إلى القبر المقدّس ثمّ تلاوة الزيارة بعد ذلك مصحوبة باللعن مأة مرّة والسلام مثلها ثمّ يدعو بدعاء « اللهمّ خصّ » ويقرأ دعاء السجود وبعد ذلك يصلّي ركعتين ، هذا ما ورد في وجه أدائها

ويمكن أن يقال بجواز خلوّها من التكبير والإصحار بها أو رقي السطح لها واعتبار ذلك من الآداب المكمّلة لا قوامها الذي هو جزء وجودها ، بل قال العالم المتبحّر الآقا محمّد علي الكرمانشاهيقدس‌سره في المقامع في زيارة البعيد يجوز التوجّه إلى القبلة كما يجوز التوجّه إلى القبر الشريف ولكن احتمال كون هذه الاُمور غير مشترطة خلاف لظاهر الرواية لا سيّما الإشارة والتكبير الذي يتركّب العمل منه ويترتّب الثواب عليه نعم ربّما قيل بسقوط الإصحار والسطح وله وجه وتوضيح هذا الوجه بحيث يرفع غواشي الأوهام ويسهل مسالك الأفهام ، وظاهر الرواية كما يلي :

٧٨

وذلك أنّ الإمامعليه‌السلام بعد أن أوضح زيارة عاشوراء لمالك أو لعقبة بن قيس وأمره بالصعود على السطح وبالإصحار والإيماء كان علقمة بن محمّد شاهد الحال أيضاً فسأله أن يعلّمه دعاءاً خاصّاً يقوله عند الإشارة ، ولم يكتف بمطلق السلام فأجاب الإمام طلبه وعلّمه الدعاء الذي هو عبارة عن زيارة عاشوراء ، والظاهر في العمل السابق أنّ الصلاة مقدّمة على الإيماء ولكنّه لمّا طلب الدعاء مقارناً للإيماء إلى القبر الشريف علم منها أنّ الصلاة مقدّمة على الزيارة ، وهذه قرينة واضحة ودلالة بيّنة على المطلوب لأنّه لو كانت الزيارة بعد الصلاة والإيماء لكانت عملاً مستقلّاً ولا ترتبط بسؤال علقمة

ثمّ إنّ آداب المحاورة وحكمة السؤال والجواب وحكمهما لا يبيح أدباً عدم إجابة السائل إمّا نفياً وإمّا إثباتاً ، ثمّ لا ينبغي عند البلغاء أن يتخلّل الكلام المتّصل في موضوع كلام أجنبيّ عنه دون أن ينبّه عليه الإمام لأنّه يوهم ارتباطه من غير تنبيه بمجمل الموضوع المتكلّم فيه

وهذا لو كان صادراً من العامّة والحوشية لكان ساقطاً مستهجناً فكيف يظنّ فيه ذلك وهو صادر من مشكاة الإمام مشرع الفصاحة وينبوع المحاسن تعالى شأنه عن ذلك علوّاً كبيراً

وبناءاً على هذا فقوله : « أومأت » الواردة في عبارة السؤال معناها إرادة الإيماء أو أنّها تعني نفس التوجّه والانصراف إلى القبر الشريف المقدّس وبالطبع فإنّ التأويل الثاني في عبارة « المصباح » يبدو بعيداً وهو قوله : « أومأت إليه من بعد البلاد بالتسليم » ومن المعلوم أنّ القصد من الإيماء هو المصاحب للسلام ومحصّله الإشارة مع السلام كما أنّ الظاهر من حال علقمة أنّه طلب الدعاء الخاصّ بمقتضى سياق الرواية كما أشرنا إليه سابقاً للزيارة وليس بعدها

وهنا دقيقة من دقائق الكلام وهو أنّ نصّ الجواب دليل على المطلوب وذلك

٧٩

أنّ في بعض نسخ المصباح وتمام نسخ كامل الزيارة « قلت » أو « فقل عند الإيماء » وفي بعض النسخ ورد بلفظ « بعد الإيماء » أيضاً ولا يوثق بصحّة هذه العبارة وعلى فرض صحّتها يكون معناه بعد إرادة الإيماء أو بعد التوجّه بقرينة وجوب انطباق السؤال على الجواب

ويجب أن يعلم أنّ المراد بالإيماء إن كان مطلق التوجّه أو الإشارة فما من داع للزوم الإصحار أو الصعود على السطح ، وإن كان إشارة إلى السؤال كما يدلّ على ذلك اقترانه بـ « لام التعريف » مبنى على دستور العمل السابق حيث يقول : فإذا أدّيت العمل الذي أُمرت به فلابدّ من أن أتلو دعاءاً بعده وحينئذٍ يكون لازماً بعد فرض اللزوم

والظاهر من إرادة الصحراء ليست على الحقيقة فلا خاصيّة له بل المراد مكان واسع وفضاء مفتوح كيفما كان ، وبالطبع لا بدّ من فعل هذه الخصوصيّة من المكان الواسع أو الصعود على ظهر سطح لإحراز الواقع ومن الشواهد على مذهبنا في توجيه الحديث ما ورد في نسخة « كامل الزيارة » : إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه وقلت عند الإيماء هذا القول فإنّك إن قلت ذلك فقد دعوت لأنّ صريح هذه الرواية قاضٍ بأنّك إذا صلّيت الصلاة بعد الإيماء وقلت هذا الكلام أثنائه فإنّك تحصل على الثواب ولا يبعد أن تكون عبارة كامل الزيارة « من بعد الركعتين » تحريف من الكتّاب ولفظ الحديث هو من بعد التكبير الوارد في نسخة المصباح

ولا يعتري المتأمّل البصير والناقد الخبير ريب بأنّ هذا الحديث الوارد في الكتابين هو حديث واحد وإن ورد اختلاف فيه بالنقل ووقع ذلك في المتن والسند منه بحسب اختلاف الناقل أو تعدّد النقل أو خطأ الرواة ، ولكن الظنّ القوي قائم باتحاد الحديث ونسخ المصباح غالباً أصحّ من نسخ كامل الزيارة بل وكما قال بعض الناقدين : إنّ كامل الزيارة ليست من الكتب المقرونة والمسموعة

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ووجب الترجيح بها وكذا وجب ترجيح احتمال ذي المزية في صورة الدوران ولا وجه لترجيح احتمال الحرمة مطلقا لاجل ان دفع المفسدة أولى من ترك المصلحة ضرورة أنه رب واجب يكون مقدما على الحرام في صورة المزاحمة بلا كلام فكيف يقدم على احتماله احتماله في صورة الدوران بين مثليهما فافهم

______________________________

الجانبين (قوله: ووجب) معطوف على (لا يجوز) وضمير بها في المقامين راجع إلى الشك والزيادة (قوله: وكذا وجب) على معطوف (لا يجوز) ايضا يعنى بحيث تكون شدة الطلب تبلغ حدا موجبا للتعيين في محتملها عند الدوران بين التعيين والتخيير (قوله: الحرمة مطلقا) يعني وان لم تكن مشتملة على الشدة والزيادة (قوله: يكون مقدما على) كما لو توقف اتقاذ الغريق على استطراق ارض مغصوبة أو ركوب سفينة كذلك (قوله: على احتماله) ضمير الاول للواجب والثاني للحرام (قوله: مثليهما) اي الواجوب والتحريم. تنبيه. لو بني على التخيير في المقام فهل هو ابتدائي بحيث لا يجوز له في الزمان الثاني اختيار غير ما اختاره اولا، أو استمراري ؟ قولان اقواهما الثاني لعدم الفرق بين الوقائع في نظر العقل فكما يخير في الزمان الاول يخير في الزمان الثاني. ودعوى لزوم المخالفة القطعية لو اختار غير ما اختاره اولا مندفعة بلزوم الموافقة القطعية أيضا ولا ترجيح للموافقة الاحتمالية على الموافقة القطعية الملازمة للمخالفة القطعية. هذا بناء على التخيير العملي أما بناء على التخيير في الأخذ باحد المحتملين فحيث كان المستند فيه اخبار التخيير بين المتعارضين فالمرجع اطلاق تلك الاخبار، ومع عدمه الاستصحاب والظاهر ثبوت الاطلاق لأخبار التخيير من حيث الزمان لأن اختلاف الزمان موجب لتعدد الوقائع التي لا فرق فيها في مرجعية تلك الاخبار كما هو ظاهر بالتأمل، فالتخيير إذا استمراري ايضا وسيأتي انشاء الله في أحكام التعارض ماله نفع في المقام فانتظر والله سبحانه الموفق المعين

٢٨١

فصل

لو شك في المكلف به مع العلم بالتكليف من الايجاب أو التحريم فتارة لتردده بين المتباينين وأخرى بين الاقل والاكثر الارتباطيين فيقع الكلام في مقامين (المقام الاول) في دوران الامر بين المتباينين. لا يخفى أن التكليف المعلوم بينهما مطلقا - ولو كانا فعل أمر وترك آخر - ان كان فعليا من جميع الجهات بان

______________________________

الدورانه بينه المتباينين

(قوله: بين المتباينين) تباين المكلف به (تارة) يكون بالذات كما لو علم اجمالا بوجوب عتق رقبة أو صيام شهرين (وأخرى) بالعرض كما لو علم اجمالا بوجوب القصر أو التمام، فان القصر إنما يباين التمام بلحاظ اخذ بشرط لا في القصر وشرط شئ في التمام فلا ينطبق احدهما على الآخر، وهذا بخلاف الأقل والأكثر فان الأقل لا يباين الاكثر، بل الاقل بعض الاكثر الموجب لكون وجوده عين وجود الاكثر. وان شئت قلت: لابد في كل علم اجمالي قائم بالمتباينين من امكان فرض قضيتين شرطيتين مقدم احداهما احد الامرين وتاليها نقيض الآخر ومقدم ثانيتهما عين الآخر وتاليها نقيض مقدم الاولى كقولنا: إن كان العتق واجبا فليس الصيام واجبا، وان كان الصيام واجبا فليس العتق واجبا، وان كان القصر واجبا فليس التمام واجبا، وان كان التمام واجبا فليس القصر واجبا، ولا يصح فرضهما في الأقل والاكثر، فلا يقال: إن كانت العشرة واجبة فليست التسعة واجبة لان التسعة بعض العشرة فوجوب العشرة وجوب التسعة وزيادة. ثم إن المراد من القضية السلبية في التالي سلب المعلوم بالاجمال فلا ينافي احتمال فرد آخر غيره. فلاحظ (قوله: الارتباطيين) أما الأقل والاكثر الاستقلاليان فلا اجمال في المكلف به فيهما لأن الأقل معلوم التكليف به والزائد مشكوك التكليف بدوا (قوله: ولو كان فعل امر وترك) لا يخفى أنه إذا علم اجمالا بوجوب شئ وحرمة آخر فلا علم اجمالا

٢٨٢

يكون واجدا لما هو العلة التامة للبعث أو الزجر الفعلي مع ما هو عليه من الاجمال والتردد والاحتمال فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته وحينئذ لا محالة يكون ما دل بعمومه على الرفع أو الوضع أو السعة أو الاباحة مما يعم أطراف العلم مخصصا عقلا لاجل مناقضتها معه، وإن لم يكن فعليا كذلك - ولو كان بحيث لو علم تفصيلا لوجب امتثاله وصح العقاب على مخالفته لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعا عن شمول أدلة البراءة الشرعية للاطراف. ومن هنا انقدح انه لا فرق بين العلم التفصيلي والاجمالي إلا أنه

______________________________

بوجوب أو تحريم وإنما علم اجمالا بالالزام المردد بين الوجوب والتحريم فلا يدخل في العنوان المذكور في صدر المبحث إلا إذا اريد من المكلف به ما هو اعم من الفعل والترك فانه حينئذ يصح أن يقال: علم بوجوب فعل احدهما أو ترك الآخر أو بحرمة احدهما أو ترك الآخر. لكن عليه كان اللازم الاكتفاء باحد الامرين من الوجوب والتحريم ولا داعي إلى ذكرهما معا، والامر سهل (قوله: فلا محيص عن تنجزه) قد عرفت الاشارة سابقا إلى أن التكليف الفعلي من جميع الجهات حيث كان مضادا للترخيص الشرعي فلا فرق بين العلم به والظن به واحتماله ولو موهوما في امتناع شمول ادلة الترخيص لأن شمولها يوجوب إما العلم بالمتضادين أو الظن بهما أو احتمالهما، والجميع ممتنع ولا ميز للعلم الاجمالي على الظن والاحتمال في امتناع شمول ادلة الترخيص لمورده دون موردهما، بل الجميع مما لا مجال لشمول ادلة الترخيص لمورده. نعم بينهما ميز في ثبوت الترخيص العقلي وعدمه فان العلم لما كان واجدا لمقتضي الحجية سواء أكان بنحو العلية التامة أم مجرد الاقتضاء امتنع الترخيص العقلي في مخالفته، وليس كذلك الظن والاحتمال. هذا لو لم يكن معنى فعليته من جميع الجهات مساوقا لتنجزه وإلا فلا مجال لاحتمال فعليته من جميع الجهات مع عدم المنجز له في ظرف الشك فيه (قوله: لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعا) (اما) عدم المانع عقلا فلان العلم الاجمالي ليس علة تامة للتنجز

٢٨٣

* كالعلم التفصيلي حتي يمتنع الترخيص الشرعي في مخالفته لكونه ترخيصا في المعصية قبيحا في نظر العقل كما أشار إليه في مبحث القطع. هذا وقد عرفت هناك ما فيه وأن العلم الاجمالي ليس سنخا غير سنخ العلم التفصيلي، بل كشفه واراءته لمتعلقه كشف العلم التفصيلي عنه، بل هو هو غاية الامر يشك في انطباقه على كل واحد من اطرافه على البدل، وهو امر خارج عن متعلق العلم، وقد يكون المعلوم بالتفصيل كذلك فيشك فيما علم وجوب اكرامه تفصيلا أنه عالم أو جاهل أو غني أو فقير... إلى غير ذلك من العناوين المنطبقة عليه، فكما لا يقدح ذلك في كشف العلم التفصيلي عن متعلقه لا يقدح الشك في انطباق المعلوم بالاجمال في كشف العلم الاجمالي عن متعلقه كما هو ظاهر. نعم الشك المذكور يوجب كون كل واحد من الاطراف موضوعا لادلة الاصول، وهذا المقدار لا أثر له في عدم منجزية العلم لأن إعمال أدلة الاصول في كل واحد من الاطراف يتوقف على عدم المانع عقلا عنه فإذا كان العلم الاجمالي منجزا لمتعلقه في نظر العقلاء منع ذلك من إعمال ادلة الاصول لأن إعمالها يكون ترخيصا في محتمل المعصية وهو قبيح عقلا. فالعمدة حينئذ هو اثبات هذه الجهة، اعني كونه منجزا في نظر العقلاء محدثا بمجرد حدوثه للداعي العقلي نحو موافقته كما في العلم التفصيلي فيكون ذلك مانعا عن اجراء الاصول في الاطراف، وإلا فمجرد كون كل واحد من الاطراف مشمولا لأدلة الاصول لا أثر له في رفع منجزيته، وقد عرفت فيما سبق أن احداثه للداعي العقلي إلى موافقته مما لا مجال للريب فيه عند العقلاء، إذ لافرق عندهم في حدوث الداعي المذكور بين أن يسمع العبد مولاه يقول: اكرم هذا، مشيرا إلى معين، وبين أن يسمعه يقول: اكرم زيدا، مع تردد زيد في نظر العبد بين شخصين معينين، وكما ينبعث نحو موافقة العلم في الاول بمجرد حصوله ينبعث نحو موافقته في الثاني ايضا كذلك ولا يتوقف حدوث الداعي له على عدم ورود الترخيص في مخالفته بحيث يكون منتظرا لذلك، بل لو سمع المولى يقول: لا تكرم هذا ولا ذلك لانك لا تعرف كلا منهما أنه زيد، عد ذلك منه مخالفا لقوله الأول مضادا له، وأقل

٢٨٤

* سبر لحال العقلاء في هذا المقام كاف في اثبات ما ذكرنا. مع ان ما ذكره المصنف (ره) لا يكاد يلتزم به هو (ره) ولا غيره في جميع الموارد الفقهية، وان صدر من بعضهم ما يوهم ذلك كان في مقام التشكيك وابداء الاحتمال مما لا يعد خلافا في المسألة فراجع كلماتهم في المباحث الفقهية وتامل (واما) عدم المانع شرعا فلان المحتمل في المنع احد امرين (الاول) ان موضوع ادلة الاصول ما لم يعلم انه حرام، وهذا العنوان مما لا يحرز في كل واحد من الاطراف لأن المعلوم بالاجمال لما كان معلوما أنه حرام فمع احتمال انطباقه على كل واحد من الطرفين يكون كل واحد منهما مما يحتمل أنه معلوم الحرمة واحتمال انه معلوم الحرمة ينافي احراز انه لم يعلم انه حرام، ومع عدم احراز عنوان العام لا يجوز التمسك بالعام (وهذه) الشبهة ذكرها المصنف (ره) في مجهول التاريخ في مبحث الاستصحاب ولم يذكرها هنا مع عدم ظهور الفرق بين المقامين (وحاصل) الوجه في دفعها: أن العلم ليس من الصفات التي تسري إلى ما ينطبق عليه موضوعها كالصفات الخارجية حتى يصح قياسها عليها بحيث يكون حال العلم حال نفس النجاسة، فكما أن احتمال انطباق النجس المعلوم بالاجمال على كل واحد من الاطراف موجبا لاحتمال كون كل واحد منها محتملا أنه نجس يكون احتمال انطباق المعلوم الحرمة على كل واحد من الاطراف موجبا لاحتمال كونه معلوم الحرمة بل ليس العلم إلا قائما بنفس الصورة لا يتعداها إلى ما تتحد معه تلك الصورة خارجا. والوجه في ذلك: انه لا ريب في مضادة الشك للعلم كما لا ريب في كون كل واحد من الاطراف مشكوك الحرمة فيمتنع ان يحتمل انه معلوم الحرمة، وهذا واضح بانى تأمل (الثاني) لزوم التناقض في مدلول أدلة الاصول لو بني على تطبيقها على كل واحد من الطرفين. فان قوله (ع): كل شئ لك حلال حتى تعلم انه حرام، لو بني على تطبيق صدره على كل واحد من الطرفين كان اللازم تطبيق ذيله على المعلوم بالاجمال فيلزم التناقض لأن عدم حل المعلوم بالاجمال وحل كل واحد من طرفيه مما لا يجتمعان (وفيه) أن هذا الاشكال على تقدير تماميته - كما سيجيئ توضيح الحال فيه في الاستصحاب انشاء الله - مختص بمثل

٢٨٥

* روايتي مسعدة وابن سنان المشتملتين على قوله (ع): فتدعه، فيكون نظير قوله (ع) في بعض أخبار الاستحصاب: ولكن تنقضه بيقين آخر، ولا مجال له في مثل احاديث الوضع والرفع والسعة، بل وفي مثل كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام لأن عدم الحكم على المعلوم بالاجمال من حيث كونه معلوما لا ينافي الحكم بالحل على كل واحد من طرفيه لكونه مشكوكا لجواز اجتماع عناوين متعددة بعضها موضوع للحكم وبعضها غير موضوع له، فان زيدا العالم يجب اكرامه لكونه عالما ولا يجب اكرامه لكونه غنيا أو فقيرا أو طويلا أو قصيرا... إلى غير ذلك. اللهم إلا أن يستفاد منه أن الحكم بالحل على المشكوك لعدم المقتضي للمنع وعدم الحكم به على المعلوم الحرمة لوجود المقتضي للمنع، وحينئذ ففعلية الحل لا تكون الا في ظرف عدم المانع عنه المقتضي للمنع، فلا يمكن تطبيق الرواية الا في مورد لا يكون فيه مانع عن الحكم بالحل كالشبهات البدوية، بل يشكل التمسك حينئذ بمثل حديث الرفع أيضا لوقوع التعارض بينه وبين الغاية في هذه الرواية الموجب لتقديم الغاية لعدم التنافى بين المقتضي واللا مقتضي، ويكون مفاد مجموع الأدلة أن المشكوك لا مقتضي فيه للمنع، والمعلوم فيه مقتضى المنع ففي الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي لا مجال لفعلية الحل في كل واحد من الاطراف للاقتران بالمانع. فلاحظ وتأمل (ثم انه) لو بني على شمول ادلة الاصول لكل واحد من الاطراف فلابد من رفع اليد عنها لما عرفت من كون العلم علة تامة للتنجز فيكون الترخيص في اطرافه ترخيصا في المعصية وهو قبيح بل ممتنع لانه نقض للغرض ومضاد للحرمة المعلومة كما عرفت الاشارة إليه في الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية (فان قلت): رفع اليد عن عموم أدلة الاصول إنما يتم لو كان العلم الاجمالي علما حقيقيا أما لو كان دليلا علميا كالعموم أو الاطلاق أو نحوهما من الظهورات فلا وجه لتعين رفع اليد عن عموم أدلة الاصول بل يدور الامر بين رفع اليد عنها وبين رفع اليد عن الدليل المثبت للحرمة اجمالا، فلابد حينئذ من الرجوع إلى الاقوى فقد يكون عموم

٢٨٦

* الأصل وقد يكون دليل الحكم المعلوم بالاجمال (قلت): هذا الاشكال وان أجيب عنه بوجوه كثيرة، إلا أن التحقيق في الجواب أن اصالة الظهور في دليل التحريم حاكمة على اصالة العموم في دليل الأصل لأن أصالة الظهور في كل مقام انما تجري في مورد يحتمل مطابقة مؤداها للواقع اما لو علم بعدم مطابقة مؤداها للواقع فلا موضوع لها واعمال اصالة الظهور في دليل التحريم يوجب العلم بعدم مطابقة أصالة الظهور في دليل الأصل للواقع دون العكس لأن إعمال اصالة الظهور في دليل التحريم يوجب تنجز التحريم عند العقل، وحينئذ يمتنع الترخيص في مخالفته فيعلم بعدم مطابقة الظهور لدليل الترخيص للواقع فلا موضوع لأصالة الظهور فيه، وإعمال اصالة الظهور في دليل الترخيص لا يوجب العلم بعدم مطابقة ظهور دليل التحريم للواقع لامكان مطابقته للواقع حينئذ وانما توجب سقوط الظهور عن الحجية فيه إذ المصحح للترخيص عدم الحجة على التحريم الواقعي لا عدم التحريم في نفسه (والوجه) في أصل الاشكال توهم التنافي بين التحريم الواقعي والترخيص فتتعارض اصالة الظهور المثبتة لهما فلابد من الأخذ بالأقوى، وليس الامر كذلك لما عرفت من عدم التضاد بين الحكم الواقعي والظاهري وانما التنافي بين الحجة على الحكم الواقعي والترخيص في مخالفته فيكون العلم بالحجة على الحكم الواقعي وهي اصالة الظهور في دليل التحريم موجبا للعلم بعدم الترخيص فلا، مجال لاعمال اصالة الظهور في دليل الترخيص للعلم بمخالفتها للواقع، وليس العلم بالحجة على الترخيص موجبا للعلم بعدم التحريم واقعا، بل هو مستحيل إذ لا ترخيص الا في مورد الشك فيه فلا تكون اصالة الظهور في دليل الترخيص رافعة لموضوع اصالة الظهور في دليل الواقع، بل هذه مزيلة وتلك مزالة فلا يتعارضان (فان قلت): إذا كان العلم الاجمالي علة تامة للتنجز بنحو يمتنع الترخيص في مخالفته كان اللازم عدم العمل على الامارة القائمة على نفي التكليف في بعض الاطراف كما لو قامت البينة على طهارة احد الاناءين في الشبهة المحصورة، مع أنه لا ريب في جواز العمل عليها، فيكشف ذلك عن جواز الترخيص في مخالفته فلا يكون علة لوجوب الموافقة القطعية،

٢٨٧

* (قلت): قد عرفت الاشارة في مبحث القطع إلى أنه لا مجال للتفكيك في اقتضاء العلم الاجمالي بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية، وما ذكر في السؤال لا يدل على خلاف ذلك لأن المقصود من كونه علة لوجوب الموافقة القطعية أنه يقتضي تنجز المعلوم بقول مطلق وليس للشارع الاقدس التصرف في مقام منجزيته له والردع عنها لا أنه بحيث يمنع عن تصرف الشارع الاقدس في مقام الفراغ، فان العلم التفصيلي - مع انه لا اشكال في منجزيته لمتعلقه - قد ثبت تصرفه في مقام الفراغ عنه بجعل الامارات والاصول المفرغة، مثل قاعدتي التجاوز والفراغ واصالة الطهارة من الخبث واستصحاب الطهارة من الحديث ونحوها والبينة القائمة على طهارة أحد الاناءين في الشبهة المحصورة من هذا القبيل، فان مدلولها المطابقي وان كان هو طهارة ما قامت على طهارته من الاناءين، الا ان مدلولها الالتزامي كون الآخر هو النجس، فمقتضي حجيتها في مدلولها الالتزامي أن ترك الآخر ترك المعلوم بالاجمال وفراغ عنه، فحجيتها في هذا المقام تصرف في مقام الفراغ عما تنجز بالعلم لا تصرف في أصل التنجز الممنوع عنه عقلا بناء على انه علة لوجوب الموافقة القطعية، وهذا هو ما اشتهر من جواز الترخيص بعد جعل البدل، واصل الطهارة ونحوه من الاصول النافية للتكليف انما امتنع جريانها في أحد الاطراف لانها لا تصلح لتعيين المعلوم بالاجمال الابناء على الأصل المثبت الذي لا نقول به (فان قلت): إذا جاء الترخيص بعد جعل البدل فلم لا يكون عموما أدلة الأصول بعد ما كان شاملا لكل واحد من الأطراف كاشفا عن جعل البدل ؟ فان عمومه لكل واحد منها وان كان شموليا لا بدليا إلا أنه لما امتنع ذلك لأنه ترخيص في المعصية فليحمل على أنه بدلي ويكون كاشفا عن جعل مقدار الحرام بدلا على البدل إذ هو أولى من رفع اليد عنه بالنسبة إلى جميع الأطراف بالمرة (قلت): قد عرفت سابقا أن المصحح للترخيص في نظر العقل ليس مجرد جعل البدل واقعا بل المصحح هو العلم بجعل البدل، واحتمال جعل البدل واقعا غير كاف بل هو نظير احتمال مخالفة الحجة القائمة على ثبوت المعلوم بالاجمال للواقع لا يصلح

٢٨٨

* عذرا في نظر العقل، فما لم يعلم العقل بجعل البدل يرد الترخيص، فإذا كانت صحة الترخيص في نظر العقل موقوفة على العلم بجعل البدل امتنع استكشاف جعل البدل من دليل الترخيص لأنه دور، فانه على هذا يكون العلم بجعل البدل موقوفا على العلم بالترخيص، وقد عرفت أن العلم بالترخيص موقوف على العلم بجعل البدل، (وبالجملة): احتمال جعل البدل لما لم يكن حجة على جعله ولا يصلح عذرا في نظر العقل كان اقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية بحاله فيكون الترخيص في بعض الأطراف ترخيصا في محتمل المعصية الممتنع، فلا يخرج الترخيص عن كونه ترخيصا في محتمل المعصية حتى يكون جعل البدل معلوما محرزا فيمتنع استفادة العلم بجعل البدل من قبل دليل الترخيص. نعم لو فرض النص من الشارع الأقدس على جواز ارتكاب بعض أطراف الشبهة لابد حينئذ من استفادة جعل البدل صونا لكلام الحكيم عن اللغوية، لكن هذا ليس مما نحن فيه لأن الكلام في استفادة جعل البدل من نفس دليل الترخيص بحيث يكون مدلولا التزاميا له فانه موقوف على احتمال ارادة الترخيص، وقد عرفت القطع بعدم ارادته لأنه ترخيص في المعصية والاستفادة في الفرض المذكور ليست من نفس الكلام الملقي إلى المكلف بل من قاعدة امتناع صدور اللغو من الحكيم. فتأمل في المقام فانه به حقيق ومنه سبحانه نستمد التوفيق (فان قلت): لو نذر المكلف ان يتصدق بدرهم لو لم يكن مشغول الذمة لزيد بدرهم، فانه يعلم اجمالا اما بوجوب دفع درهم لزيد وفاء لما في ذمته واما بوجوب الصدقة بدرهم، ولا ريب في جريان استصحاب عدم اشتغال ذمته بدين لزيد، وهذا الاستصحاب اصل ناف جار في بعض اطراف العلم وليس متعرضا لمقام الفراغ وجعل البدل فيكشف ذلك عن عدم وجوب الموافقة القطعية (قلت): ما ذكرت من جريان الاصل المذكور مسلم وكذا عدم كونه من قبيل جعل البدل لانه لابدان يكون بلسان تعيين المعلوم بالاجمال والاصل لا يفي بذلك الا بناء على الاصل المثبت، والوجه في جريانه - مع انه اصل ناف للتكليف - ان من آثار موارده ثبوت التكليف في الطرف الآخر

٢٨٩

* لا مجال للحكم الظاهري مع التفصيلي فإذا كان الحكم الواقعي فعليا من سائر الجهات لا محالة يصير فعليا معه من جميع الجهات وله مجال مع الاجمالي فيمكن أن لا يصير فعليا معه لامكان جعل الظاهري في اطرافه وإن كان فعليا من غير هذه الجهة فافهم. ثم إن الظاهر أنه لو فرض أن المعلوم بالاجمال كان فعليا من جميع الجهات لوجب عقلا موافقته مطلقا ولو كانت أطرافه غير محصورة وإنما التفاوت بين المحصورة وغيرها

______________________________

فيكون من قبيل الاصل المثبت للتكليف في احد الاطراف فيوجب انحلال العلم الاجمالي كما تقدم تفصيله فراجعه. ومن هنا يظهر لك الفرق بين جعل البدل وبين الانحلال مع اشتراكهما في عدم لزوم الاحتياط فان الاول يلزم فيه ان يكون متعرضا لتعيين المعلوم بالاجمال ولا كذلك الثاني، ويلزم في الثاني ان يكون متقدما أو مقارنا للعلم ولا يلزم ذلك في جعل البدل، فان الامارة القائمة بعد العلم على تعيين المعلوم بالاجمال تسوغ ارتكاب بقية الاطراف، ولا كذلك الاصل المثبت للتكليف في بعض الاطراف إذا كان متاخرا عن العلم كما عرفت ذلك كله في مبحث الانحلال والله سبحانه اعلم (قوله: لا مجال للحكم الظاهري) لأن العلم التفصيلي لا يكون مقرونا بالشك الذي هو موضوع الحكم الظاهري فلا يمكن جعل الحكم الظاهري معه (قوله: وله مجال مع الاجمالي) أي وللحكم الظاهري مجال مع العلم الاجمالي (قوله: لامكان جعل) لاقترانه بالشك (قوله: فعليا من غير) اي فعليا من سائر الجهات بحيث لو علم تفصيلا لتنجز وان لم يكن فعليا من الجهة التي تضاد الترخيص وجعل الحكم الظاهري (قوله: ولو كانت أطرافه غير محصورة) إشكال على ما اشتهر من وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي إذا كانت محصورة وعدم وجوبه إذا كانت اطرافه غير محصورة، وحاصل الاشكال: ان الحكم المعلوم بالاجمال ان كان فعليا من جميع الجهات بحيث يمتنع الترخيص في مخالفته ولو في حال الشك فيه يجب الاحتياط في اطرافه وان كانت غير محصورة لامتناع الترخيص في بعض الاطراف حتى لا يجب الاحتياط فيه، وان لم يكن

٢٩٠

هو ان عدم الحصر ربما يلازم ما يمنع عن فعلية المعلوم مع كونه فعليا لولاه من سائر الجهات (وبالجملة) لا يكاد يرى العقل تفاوتا بين المحصورة وغيرها في التنجز وعدمه فيما كان المعلوم اجمالا فعليا يبعث المولى نحوه فعلا أو يزجر عنه كذلك مع ما هو عليه من كثرة أطرافه والحاصل أن اختلاف الاطراف في الحصر وعدمه لا يوجب تفاوتا في ناحية العلم ولو أوجب تفاوتا فانما هو في ناحية المعلوم في فعلية البعث أو الزجر مع الحصر وعدمها مع عدمه فلا يكاد يختلف العلم الاجمالي باختلاف الاطراف قلة وكثرة في التنجيز وعدمه ما لم يختلف المعلوم في الفعلية وعدمها بذلك وقد عرفت آنفا أنه لا تفاوت بين التفصيلي والاجمالي في ذلك ما لم يكن تفاوت

______________________________

فعليا كذلك بحيث يصح الترخيص في بعض اطرافه لا يجب الاحتياط في اطرافه وان كانت اطرافه محصورة كما عرفت سابقا فكون الاطراف محصورة أو غير محصورة مما لا أثر له في الفرق من حيث وجوب الاحتياط وعدمه، بل الفرق في ذلك انما ينشأ من اختلاف المعلوم من حيث كونه فعليا من جميع الجهات بحيث يضاده الترخيص الشرعي أو غير فعلي بحيث لا يضاده الترخيص الشرعي (قوله: هو ان عدم الحصر) يعني عدم حصر الأطراف قد يلازم وجود المانع من فعلية الحكم من سائر الجهات بحيث لولا المانع الملازم لكان فعليا من سائر الجهات غير الجهة التي تضاد الترخيص ولأجل المانع لا يكون فعليا من سائر الجهات بحيث لو علم به تفصيلا لما تنجز، وذلك مثل الخروج عن محل الابتلاء أو الاضطرار إلى الارتكاب أو غيرهما مما سيذكره المصنف (ره) (قوله: لولاه من سائر) ضمير (لولاه) راجع إلى (ما يمنع) و (من سائر) متعلق بقوله: (فعليا) (قوله: في فعلية) بيان ل‍ (ناحية المعلوم) و (مع الحصر) متعلق ب‍ (فعلية) (قوله: والاجمالي في ذلك)

٢٩١

في طرف المعلوم أيضا فتأمل تعرف وقد انقدح أنه

______________________________

المشار إليه التنجيز وعدمه (قوله: في طرف المعلوم) يعني من حيث كونه فعليا من جميع الجهات وليس فعليا كذلك فان العلم التفصيلي لما لم يكن معه الشك الذي هو موضوع الحكم الظاهري صار الحكم معه فعليا من جميع الجهات والعلم الاجمالي لما كان معه الشك لم يكن الحكم معه كذلك. ثم إن اوجه ما يذكر في الفرق بين العلم بالمردد بين الأطراف المحصورة والعلم بالمردد بين الأطراف غير المحصورة أن احتمال انطباق المعلوم بالاجمال في الثاني على كل واحد من الاطراف لما كان ضعيفا لم يكن محركا على الموافقة بخلاف الأول، للفرق الواضح بين العلم بنجاسة اناء مردد بين اناءين وبين العلم بنجاسة اناء مردد بين عشرة الآف فان احتمال الانطباق في الاول لما كان قويا كان محركا على الموافقة وفي الثاني لما كان ضعيفا لم يصلح ان يكون محركا ونظيره في العرفيات سب أحد ثلاثة على الاجمال وسب واحد من اهل البلد كذلك إذ في الاول يتأثر كل واحد من الثلاثة، وفي الثاني لا يتأثر واحد من أهل البلد، وكذا لو علم أن في احد الاناءين سما فانه يمنع من استعمالهما معا ولا كذلك العلم بان في احد عشرة الآف سما فانه لا يصلح رادعا عن الارتكاب. وفيه أنه إن كان الغرض أن نفس العلم المتعلق بالامر المردد بين الامور غير المحصورة لا يصلح ان يكون بيانا على متعلقه ومنجزا له، ففيه ما عرفت من انه إذ لا قصور في ناحية العلم لكشفه عن متعلقه كشفا تاما، ولا في ناحية المعلوم لكونه فعليا بحيث لو علم به تفصيلا لوجبت موافقته فلم لا يكون بيانا عليه ؟ وان كان الغرض انه ينجز متعلقه لكن احتمال انطباقه على كل واحد لما كان ضعيفا لم يحدث داعيا إليه، ففيه أنه بعد تنجز المعلوم واستحقاق العقاب على مخالفته كيف لا يكون احتمال انطباقه على كل واحد من الاطراف موجبا لحدوث الداعي العقلي إلى اجتناب كل واحد منها ؟ مع أن احتمال الانطباق ملازم لاحتمال العقاب على تقدير الارتكاب المانع من جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان. واما ما ذكر من ضعف احتمال

٢٩٢

* لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة

______________________________

الانطباق، ففيه أنه مسامحة لأن ضعف احتمال الانطباق يلازمه قوة احتمال عدم الانطباق الذى هو الظن بعدم الانطباق ويلازمه الظن بالانطباق على غير الأطراف وهو خلف (وبالجملة): العلم المذكور بعد ما كان بيانا على متعلقه كان منجزا له، وحينئذ فيكون احتمال انطباقه على كل واحد من الأطراف ملازما لاحتمال العقاب على تقدير المخالفة، وهذا الاحتمال لابد أن يكون داعيا في نظر العقل موجبا لرجحان الاحتياط في كل واحد من الأطراف على عدمه وان كان ذلك الاحتمال ضعيفا جدا، ولذا لو فرض كون احتمال الانطباق على بعض الأطراف في الشبهة المحصورة كان ضعيفا لا مجال لتوهم عدم وجوب الاحتياط عقلا فيه. وأما ما ذكر من الأمثلة العرفية فلا مجال للاستشهاد به للفرق بينها وبين ما نحن فيه، فان قاعدة وجوب دفع الضرر المقطوع به أو المظنون أو المحتمل وان كانت من القواعد الفطرية الموجبة للداعي النفسي إلا أن باب تزاحم الدواعي واسع جدا، فقد يترجح عندهم الاقدام على الضرر المحتمل لداع آخر أهم إذ لو فرض الاجتناب عما يحتمل عندهم كونه سما لتردده بين الاطراف غير المحصورة لزم الهرج والمرج لوجود هذا الاحتمال في اكثر موارد الابتلاء، وكذا الحال في السباب فان سب واحد من أهل البلد لا يكون نقصا في كل واحد لكثرة وجود من يستحق السب في اكثر البلاد، وسب واحد من اثنين يكون نقصا في كل واحد لندرة الاستحقاق، ولذا ترى الانسان لا يتأثر إذا قيل له: أنت تغضب في السنة مرة، بل لعله يعده مدحا لكثرة وقوع الغضب من اكثر أفراد الانسان، ويغضب إذا قيل له: أنت تغضب في كل ساعة مرة (وبالجملة): لا مجال لقياس ما نحن فيه على الامور العرفية، والتأمل يشهد بذلك. فتأمل. ويمكن أن يقال: ان الشبهة بعد ما لم تكن الا محصورة أو غير محصورة كان الفرق بينهما دائما بزيادة واحد والعقل لا يجد لزيادة الواحد دخلا في عدم وجوب الاحتياط. فلاحظ، (قوله: لا وجه لاحتمال عدم) مما ذكرنا هنا وفي مبحث القطع الاجمالي

٢٩٣

مخالفتها ضرورة أن التكليف المعلوم إجمالا لو كان فعليا لوجب موافقته قطعا وإلا لم يحرم مخالفته كذلك ايضا. ومنه ظهر أنه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالا إما من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه أو من جهة الاضطرار إلى بعضها معينا أو مرددا أو من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر كايام حيض المستحاضة مثلا لما وجب موافقته بل جاز مخالفته وأنه لو علم فعليته ولو كان بين أطراف تدريجية لكان منجزا ووجب موافقته فان التدرج لا يمنع عن الفعلية ضرورة أنه كما يصح التكليف بامر حالي كذلك يصح بامر استقبالي كالحج في الموسم للمستطيع فافهم.

______________________________

يتضح لك سقوط هذا الاحتمال. فراجع وتأمل (قوله: مخالفتها) هذه الاضافة لا تخلو من سماجة وتقدم مثلها (قوله: أو من جهة تعلقه بموضوع) هذا لا ينبغي عده قسما مقابلا لما قبله فانه من القسم الاول أعني عدم الابتلاء، (قوله: كأيام حيض المستحاضة) يعني لو ابتلي الرجل بزوجته في أثناء الشهر فوجدها مستمرة الدم فانه يعلم بان لها أيام حيض يحرم فيها نكاحها لكن لا يدري انها فيما مضى أو في الحال أو فيما يأتي (قوله: بين أطراف تدريجية) كما لو نذر أن يصوم يوم الجمعة وتردد بين غده وما بعده فانه يعلم اجمالا بوجوب صوم الغد أو ما بعده وهما مترتبان زمانا ولا يقدح ترتبهما في وجوب الاحتياط. ودعوى أن ما بعد الغد مستقبل فلا يصح التكليف به لعدم القدرة عليه قبل وجوده فلا علم اجمالي بالتكليف. مندفعة بانه يصح التكليف بالاستقبالي كما يصح بالحالي كما هو موضح في الواجب المعلق، ونظيره التكليف بالحج في الموسم وهو أيام الحج من شهر ذي الحجة فانه يتحقق عند خروج الرفقة عليه بمدة طويلة،

٢٩٤

تنبيهات

(الأول): أن الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معين ضرورة

______________________________

 (قوله: ان الاضطرار كما يكون) اعلم ان الاضطرار إلى مخالفة العلم في بعض الاطراف (تارة) يكون إلى واحد معين (وأخرى) يكون إلى واحد غير معين، وكل منهما إنما أن يكون حال العلم، واما أن يكون طاريا بعده، وكل منهما إما أن يرتفع الاضطرار بحيث يحسن التكليف به حال العلم معلقا على ارتفاع الاضطرار، اولا اما لاستمرار الاضطرار إلى آخر العمر أو لارتفاعه في زمان بعيد عن العلم بحيث لا يحسن التكليف به. ولا بأس بالتعرض لاحكام كل واحدة من الصور تفصيلا (فنقول): إذا كان الاضطرار إلى معين حال العلم مستمرا أو مرتفعا بحيث لا يحسن التكليف به حال العلم معلقا فلا ينبغي التأمل في عدم وجوب الاحتياط في بقية الاطراف لعدم العلم بالتكليف وان علم بموضوعه فان الفرد المضطر إليه مما يعلم بعدم التكليف به والفرد الآخر مما يشك في كونه موضوعا له فيكون التكليف به مشكوكا بدوا (فان قلت): لا ريب في كون الشك في الاضطرار إلى الحرام موضوعا لوجوب الاحتياط فالموضوع المحرم محرز الثبوت وانما الشك في الاضطرار إليه، فلا وجه لرفع اليد عن التكليف مع الشك في الاضطرار إليه (قلت): ما نحن فيه مما لم يحرز فيه موضوع التكليف لما عرفت من أن المضطر إليه خارج عن حيطة التكليف قطعا والطرف الآخر مما أحرز عدم الاضطرار إليه ويشك في كونه موضوعا للتكليف. نعم لو احرز موضوع التكليف كهذا الاناء المعين وشك في الاضطرار إليه كان ذلك مجرى لاصالة الاحتياط (وان كان) الاضطرار إلى المعين حال العلم يعلم بارتفاعه بحيث يحسن التكليف به بعده وجب الاحتياط في الطرف الآخر للعلم الاجمالي بالتكليف بالامر المردد بينه وبين المضطر إليه بعد ارتفاع الاضطرار. مثلا إذا

٢٩٥

حدث العلم بغصبية احد الاناءين يوم الخميس مع الاضطرار إلى استعمال الأبيض منهما إلى صباح الجمعة فانه يعلم بوجوب الاجتناب اما عن الابيض يوم الجمعة لو كان هو النجس أو الاسود من الآن فيجب الاجتناب عن الاسود لانه أحد الفردين المعلوم وجوب الاجتناب عن أحدهما (وان طرأ) الاضطرار إلى معين بعد حدوث العلم مستمرا أو بحيث لا يحسن التكليف به معلقا حال العلم وجب الاحتياط في الطرف الآخر، وذلك لأن التكليف بالمضطر إليه على تقديره وان كان ينتهي بالاضطرار إلا أن العلم الاجمالي حين حدوثه لما نجز المعلوم بالاجمال المحتمل الانطباق على الطرف الآخر كما يحتمل انطباقه على المضطر إليه قبل زمان الاضطرار وجب الاحتياط في الطرف غير المضطر إليه لاصالة الاشتغال، وان ارتفع العلم بالتكليف فعلا لانه يكفي في بقاء تنجز الصوم المردد بقاء العلم به ولو بعد موافقته في بعض أطرافه، ولا يعتبر في بقاء التنجز بقاء العلم بالتكليف الفعلي الباقي ببقاء العلم كما لو علم بوجوب صوم أحد اليومين من الخميس والجمعة فصام الخميس فانه في عشاء الجمعة لا يعلم بالتكليف فعلا لكنه يعلم بوجوب صوم اليوم المردد بين اليومين وهو كاف في بقاء تنجزه، فلم يكن بد من الاحتياط بصوم يوم الجمعة لقاعدة الاشتغال وان كان صوم يوم الجمعة مشكوك الوجوب لأن الشك في التكليف انما يكون موردا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان إذا لم يحتمل كونه المنجز، والا كان المرجع فيه قاعدة الاشتغال، ولذا لو شك في التكليف الذي علم ثبوته تفصيلا للشك في امتثاله كانت هي المرجع دون اصالة البراءة كما هو واضح فكذا في المقام (وان كان) الاضطرار إلى المعين طارئا بعد حدوث العلم ويعلم بارتفاعه في زمان يحسن التكليف به حال العلم معلقا وجب الاحتياط في الطرف الآخر لما عرفت وللعلم الاجمالي بالمردد بينه وبين المضطر إليه بعد العلم كما عرفته في الصورة الثانية فهذه صور أربع للاضطرار إلى معين لا يجب الاحتياط في الاولى منها ويجب في الثلاث الأخيرة (ولو كان) الاضطرار إلى غير المعين فصوره ايضا أربع وهي الجارية في الاضطرار إلى معين بعينها، ففي الصورة الاولى لا يجب الاحتياط

٢٩٦

* في غير ما اختاره عند المصنف (ره) خلافا لشيخه - رحمه الله - في رسائله فاوجب الاحتياط فيه، والوجه فيما اختاره المصنف (ره): ما ذكره في المتن من أن الاضطرار لما كان مانعا من فعلية التكليف كان الاضطرار إلى غير المعين موجبا لتضييق دائرة التكليف وتقييده بغير ما اختار فيكون ما اختاره اولا حلالا وما يبقى مشكوك الحرمة بدوا للشك في كونه هو النجس والاصل فيه البراءة، وقد عرفت في المقدمة الرابعة من مقدمات الانسداد الاشكال عليه من بعض مشايخنا المعاصرين دام تأييده، كما عرفت دفع ذلك الاشكال فيما هو محل الكلام من ارتكابهما تدريجا أما لو ارتكبهما دفعة فلا ينبغي التأمل في تحقق المعصية لاندفاع الاضطرار بغير الحرام جزما فلا وجه لارتفاع حرمته. وتوضيحه يظهر من ملاحظة تقريب الاشكال هناك فراجع وتأمل. وربما يوجه ما ذكره شيخنا في رسائله بان الاضطرار إلى واحد غير معين ليس اضطرارا إلى الحرام، ولذا لو انكشف الحال وارتفع الاجمال كان المتعين أنه الحلال كافيا في رفع الاضطرار، وإذا لم يكن الاضطرار إلى الحرام لا وجه لرفع اليد عن فعلية التكليف به غاية الامر أن العقل يعذر في ارتكاب واحد منهما فيبقي الباقي على منعه لأن الترخيص الآتي من قبل الاضطرار انما يمنع عن تحصيل العلم بالموافقة فيسقط وجوبه لا عن نفس الموافقة فيبقي وجوبها (وفيه) أنه لا ريب في أن الاضطرار إلى واحد غير معين من الامرين اضطرار إلى كل منهما تخييرا ولا فرق بين الاضطرار التعييني والتخييري في رفع فعلية التكليف (فان قلت): لازم ذلك جواز الارتكاب للنجس حتى لو ارتفع الاجمال (قلت): لا يجوز حينئذ لامكان الجمع بين غرضي الشارع وهما رفع الاضطرار والاجتناب عن النجس، ولولا ما ذكرنا من كون الاضطرار التخييري كالتعييني لم يكن وجه للترخيص في ارتكاب واحد من الأطراف لأن التكليف بالحرام إذا كان غير مزاحم بشئ كان مطلقا من حيث الانطباق على كل واحد من الطرفين، ومع هذا الاطلاق لا مجال للترخيص في بعض الاطراف فانه مناف للواقع المعلوم اجمالا كما هو ظاهر، فلا يكون الترخيص الا من جهة تقييد

٢٩٧

أنه مطلقا موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه تعيينا أو تخييرا وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا وكذلك لا فرق بين أن يكون الاضطرار كذلك سابقا على حدوث العلم أو لا حقا وذلك لأن التكليف (١)

______________________________

الواقع بحالة عدم انطباقه على ما يختار، ولذا لا ريب في ان ما يختاره لرفع الاضطرار حلال واقعا وان كان هو النجس، وذلك كله شاهد بكون الاضطرار إلى غير المعين اضطرارا إلى الحرام في الجملة ولو تخييرا وانه كاف في تقييد الواقع. فلاحظ (وأما) بقية صور الاضطرار إلى غير معين فيعلم الحكم فيها مما تقدم في الثلاث الأخيرة من صور الاضطرار إلى معين لعدم الفرق بينها في مقتضيات الاحتياط. ويعلم ذلك بمقايسة كل صورة إلى نظيرتها، فلاحظ والله سبحانه ولي التوفيق (قوله: انه مطلقا) يعني سواء أكان اضطرارا إلى معين ام إلى غير معين (قوله: ارتكاب) يعني في الشبهة التحريمية (قوله: أو تركه) يعني في الشبهة الوجوبية (قوله: تعيينا) يعني إذا كان الاضطرار إلى معين (قوله: أو تخييرا) يعني إذا كان الاضطرار إلى غير معين (قوله: وهو ينافي العلم) لأن جواز ارتكاب واحد ينافي حرمته على تقدير الارتكاب فلابد من تضييق دائرة الحرمة وتقييد اطلاقها فتختص بالنجس ان كان هو الباقي ولا تكون له ان كان ما ارتكب فيكون ثبوت الحرمة مشكوكا للشك في كون الباقي هو النجس كما عرفت بيانه ايضا في الحاشية السابقة (قوله: وكذلك لا فرق) يعني فلا يجب الاحتياط في الباقي ولو كان الاضطرار مطلقا لاحقا للعلم الاجمالي (قوله: وذلك لان التكليف) اشارة إلى وجه القول بوجوب

______________

(١) لا يخفى ان ذلك انما يتم فيما كان الاضطرار إلى احدهما لا بعينه واما لو كان إلى احدهما المعين فلا يكون بمانع عن تأثير العلم للتنجز لعدم منعه عن العلم بفعلية التكليف المعلوم اجمالا المردد بين ان يكون التكليف المحدود في ذلك الطرف أو المطلق في الطرف الآخر ضرورة عدم ما يوجب عدم فعلية مثل هذا المعلوم اصلا وعروض -

٢٩٨

الاحتياط إذا كان الاضطرار لاحقا للعلم ودفعه، وحاصل الوجه: أنه قبل طروء الاضطرار يعلم اجمالا بوجوب الاجتناب عن النجس المردد مثلا وهذا العلم يوجب تنجيز المعلوم بالاجمال، وبعد طروء الاضطرار إلى معين أو غير معين وان ارتفع العلم المذكور الا ان قاعدة الاشتغال بالتكليف المنجز تقتضي وجوب الاحتياط في الباقي. وحاصل الدفع: أن وجوب الاجتناب المعلوم قبل طروء الاضطرار ليس مطلقا بل هو مقيد بعدم طروء الاضطرار ففي زمان الاضطرار لا علم بالتكليف من أول الأمر حتى يكون الباقي طرفا لمعلوم منجز فيكون مجرى لقاعدة الاشتغال ليجب فيه الاحتياط. هذا وقد استشكل المصنف (ره) في هذا الدفع في حاشيته على المقام بان الباقي طرف لعلم اجمالي قائم بين التدريجيين وهما الباقي مطلقا والمضطر إليه قبل طروء الاضطرار، كما اشرنا إليه هنا واوضحناه في مبحث الانحلال، فوجوب الاحتياط فيه لأجل هذا العلم القائم بين التدريجيين وان لم يكن طرفا لعلم اجمالي آخر قائم بين الدفعيين من جهة منافاة الاضطرار لفعلية التكليف مطلقا، لكنه خص هذا الاشكال بالاضطرار إلى معين دون الاضطرار إلى غير معين، مع ان الفرق بينهما غير واضح لانه إذا اختار المكلف احد الطرفين فارتكبه كان الآخر عنده طرفا لعلم اجمالي قائم بينه وبين ما ارتكبه قبل طروء الاضطرار بعين العلم الحاصل له في صورة الاضطرار إلى معين، ومن هنا ذكرنا سابقا ان الحكم في الصور الثلاث الاخيرة الجارية في الاضطرار إلى غير معين هو الحكم فيها في الاضطرار إلى المعين (فان قلت): إذا كان الاضطرار إلى غير معين منهما فكل منهما موضوع للاضطرار كما تقدم فلا يكون احدهما قبل الارتكاب طرفا لعلم اجمالي تدريجي (قلت): الاضطرار وان

______________

- الاضطرار انما يمنع عن فعلية التكليف لو كان في طرف معروضه بعد عروضه لا عن فعلية المعلوم بالاجمال المردد بين التكليف المحدود في طرف المعروض والمطلق في الآخر بعد العروض وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلى احدهما لا بعينه فانه يمنع عن فعلية التكليف في البين مطلقا فافهم وتأمل (منه قدس سره)

٢٩٩

* المعلوم بينها من أول الامر كان محدودا بعدم عروض الاضطرار إلى متعلقه فلو عرض على بعض أطرافه لما كان التكليف به معلوما لاحتمال أن يكون هو المضطر إليه فيما كان الاضطرار إلى المعين أو يكون هو المختار فيما كان إلى بعض الأطراف بلا تعيين (لا يقال): الاضطرار إلى بعض الأطراف ليس الا كفقد بعضها فكما لا إشكال في لزوم رعاية الاحتياط في الباقي مع الفقدان كذلك لا ينبغي الاشكال في لزوم رعايته مع الاضطرار فيجب الاجتناب عن الباقي أو ارتكابه خروجا عن عهدة ما تنجز عليه قبل عروضه (فانه يقال): حيث أن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده كان التكليف المتعلق به مطلقا فإذا اشتغلت الذمة به كان قضية الاشتغال به يقينا الفراغ عنه كذلك وهذا بخلاف الاضطرار إلى تركه فانه من حدود التكليف به وقيوده

______________________________

كان إلى كل منهما إلا أنه على البدل فيكون هناك علم اجمالي على البدل قائم بالطرف الذي لا ينطبق عليه الاضطرار فتأمل جيدا (قوله: محدودا بعدم) يعني مشروطا بعدم طروء الاضطرار بحيث ينتهي التكليف بطروئه، (قوله: حيث ان فقد المكلف به) المراد من المكلف به في المقام الموضوع الذي يتعلق به فعل المكلف مثل الاناء النجس كما تقتضيه قرينة السؤال ووجه الفرق بين فقد بعض الاطراف والعجز عنه والاضطرار إليه مع اشتراكها في كون عدمها دخيلا في التكليف في الجملة - بحيث ربما يقال يعتبر في التكليف عدم الاضطرار والقدرة وكون موضوعه في مقام الابتلاء بحيث يكون موجودا لا مفقودا - أن مقام شرطية هذه الامور الثلاثة للتكليف مختلفة فان شرطية عدم الاضطرار راجعة إلى شرطية عدم المزاحم للمصلحة المقتضية للحكم، فان المفسدة في النجس مثلا إنما تصلح للتأثير في حرمة شربه إذا لم تزاحم بمصلحة أهم كما لو توقف حفظ النفس من الهلاك على شرب النجس الذي هو معنى الاضطرار إليه أما إذا زوحمت كان شرب النجس ارجح من عدمه، وشرطية القدرة راجعة إلى شرطية عدم المانع من تعلق الارادة

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439