المحاضرات المنبريّة في المجالس الصفريّة

المحاضرات المنبريّة في المجالس الصفريّة13%

المحاضرات المنبريّة في المجالس الصفريّة مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-8163-14-6
الصفحات: 288

المحاضرات المنبريّة في المجالس الصفريّة
  • البداية
  • السابق
  • 288 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36941 / تحميل: 5254
الحجم الحجم الحجم
المحاضرات المنبريّة في المجالس الصفريّة

المحاضرات المنبريّة في المجالس الصفريّة

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٨١٦٣-١٤-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

السيد ابن طاووس :

ذكر السيد ابن طاووسقدس‌سره ان مولانا الحسن العسكريعليه‌السلام كان قد أراد قتله الملوك الثلاثة الذين كانوا في زمانه حيث بلغهم ان مولانا المهديعليه‌السلام يكون من ظهره صلوات الله عليه وحبسوه عدة دفعات واضطربت الشيعة وأقلقهم ذلك فدعا عليهم فهلكوا في سريع من الأوقات

ولمّا ولد الحجة ( عج ) قال أبو محمد العسكريعليه‌السلام زعمت الظلمة انهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل كيف رأوا قدرة القادر( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ
مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
) وقد أخفى الامام الحسن العسكريعليه‌السلام خبر ولادة الحجة إلّا القليل من أصحابه ، وذلك لشدة طلب السلطان هذا المولود ، ليقتلوه ولذلك تولّى جعفر الهادي المعروف ( بجعفر الكذاب ) أخذ تركته وميراثه وسعى في حبس جواري أبي محمدعليه‌السلام واعتقال حلائله ، وذلك بعد ما دفنوا الامام الحسن العسكريعليه‌السلام ، هجموا على داره ونهبوا أمواله

أقول : هذه ليست أول قارورة كسرت ، فقد هجموا على دار أُمه الزهراء بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكذلك هجموا على مخيم أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وروّعوا النساء ، قال السيد ابن طاووسقدس‌سره وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول وقرة عين الزهراء البتول حتى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها وخرجن بنات آل الرسول وحريمه يتساعدن على البكاء

وحائرات أطار القوم أعينها

رعباً غداة عليها خدرها هجموا

  

انه شايطه ونده ابصوتي

يسمعوني او يغضون اخوتي

يا ريت قبل احسين موتي

او لا شوف العده تنهب ابيوتي

  

٢٤١

يحسين انه اختك هاي يحسين

يحسين اجتنه الگوم صوبين

يحسين وتسلب النساوين

يحسين وتوج الصواوين

  

امسه المسه والنار ما خلّت لنا اخيام

صيوان ما ظل تلتجي ابظله هليتام

اقبل عليّه الليل وازدادت الوحشه

ما شوف غير ايتام تتصارخ ابدهشه

او شيخ العشيره احسين محّد شال نعشه

مطروح وابجنبه علي الأكبر او جسّام

     

  

احمى الضائعات بعدك ضعنا

في يد النائبات حسرى بوادي

  

٢٤٢

مجلس عن الامام الحسن العسكريعليه‌السلام

رحلوا وما رحلوا أهيل ودادي

إلّا بحسن تصبّري وفؤادي

ساروا ولكن خلفوني بعدهم

حزناً أصوب الدمع صوب عهادي

وسرت بقلبي المستهام ركابهم

تعلو به جبلا وتهبط وادي

وخلت منازلهم فها هي بعدهم

قفرىٰ وما فيها سوى الأوتاد

يا دار أين مضى ذووك أمالهم

بعد الترحل عنك يوم معاد

يا دار قد ذكرتني بعراصك القفرا

عَراص بني النبيّ الهادي

لمّا سرى عنها ابن بنت محمد

بالأهل والأصحاب والأولاد

قد شتتوهم بين مقهور ومأسور

ومنحور بسيف عناد

* * *

منهم بسامرا ومنهم في خراسان

ومنهم بأرض طيبة ومنهم بأرض كوفان

واعظم مصيبة مصيبة المذبوح عطشان

حسين وين اللّي يواسيني على احسين

     

  

٢٤٣

على العسچري يدمعي سيل من دم

غريب الدار وافاه المحتّم

بعيد امن العشيره مات بالسم

ما بيهم المات اعلى الوساده

  

گضوا كلهم چتل بالسم او بالسيف

ما ماتوا ابراحه ألف يا حيف

چانوا للفقير او منوة الضيف

هذا الهم يشيعي الچتل عاده

  

ومضرج بالسيف آثر عزّه

وآبى خضوعه

ومكابد للسم قد

سقيت حشاشته نقيعه

  

« فعلى الاطائب من آل بيت محمد وعلي صلّى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون » :

عاصر الإمام العسكريعليه‌السلام سنّي إمامته التي دامت ست سنوات ثلاثة من خلفاء بني العباس وهم :

١ ـ المعتزّ ٢ ـ المهتدي ٣ ـ المعتمد

وسوف نشير إلى ظروف كل من هؤلاء الثلاثة وكيف عاملوا الامام الحسن العسكريعليه‌السلام :

أولاً : المعتز :

فهو أحمد المعتز بالله ابن المتوكل ، بويع له بسرّ من رأى يوم الخميس لسبع خلون من المحرم سنة ( ٢٥٢ هـ ) ، وكانت خلافته بعد ان خلع المستعين نفسه من الخلافة ليتقلدها المعتز بالله

٢٤٤

وقتل المعتز كثيراً ممن امتنع عن بيعته مثل ابن مجاهد والي شمشاط وبعد ذلك جهّز جيشاً لقتل المستعين الذي سلّم إليه الخلافة

قال ابن كثير : في شوال عام ( ٢٥٢ هـ ) كتب المعتز إلى نائبه محمد بن عبد الله بن طاهر يأمره بتجهيز جيش نحو المستعين ، فجهّز أحمد بن طولون التركي ، فوافاه ، فأخرجه لست من رمضان ( ٦ رمضان ) فقدم به القاطول ، لثلاث مضين من شوال ، ثم قتل ، فقيل ضرب حتى مات ، بل وقيل غرق في دَجييل ، وقيل بل ضربت عنقه

وقد ذكر ابن جرير : أن المستعين سأل سعيد بن صالح التركي حين أراد قتله : أن يمهله حتى يصلّي ركعتين فأمهله ، فلمّا كان في السجدة الأخيرة قتله وهو ساجد ، ودفن جثته في مكان صلاته ، وأخفى أثره ، وحمل رأسه إلى المعتز ، فدخل به عليه وهو يلعب بالشطرنج ، فقيل هذا رأس المخلوع ، فقال ضعوه حتى أفرغ من الدست ، فلمّا فرغ ، نظر إليه وأمر بدفنه ، ثم أمر لسعيد بن صالح الذي قتله بخمسين ألف درهم ، وولّاه معونة البصرة(١)

قال ابن واضح الأخباري : لقد كثرت الاضطرابات في زمان المعتز ، وتأخرت
أموال البلدان ونقد ما في بيوت الأموال ، فوثب الأتراك يكرخ سر من رأى ،
فخرج إليهم وصيف ليسكنهم ، فرموه وقتلوه وحزّوا رأسه عام ( ٢٥٣ هـ ) ،
وتفرّد بغا بالتدبير ثم تحرك صالح بن وصيف واجتمع إليه أصحاب أبيه فصار
في منزله ، وضعف أمر المعتز حتى لم يكن لهم أمر ولا نهي ، وانتقضت الأطراف ،
وخرج بديار ربيعة رجل من الشراة يقال له مساور بن عبد الحميد ويعرف
بأبي صالح من بني شيبان ، ثم صار إلى الموصل فطرد عاملها وسار حتى
___________________

(١) البداية والنهاية ١١ : ١١

٢٤٥

قرب من سرّ من رأى ، ونزل في المحمديّة ثلاثة فراسخ من قصور الخليفة ، فدخل القصر وجلس على الفرش(١)

وأضاف ابن كثير لثلاث بقين من رجب خلع الخليفة المعتز بالله وكان سبب خامه أن الجند اجتمعوا فطلبوا منه أرزاقهم فلم يكن عنده ما يعطيهم ، فسأل من أُمّه أن تقرضه مالاً يدفعه إليهم ، فلم تعطه ، فاجتمع الأتراك على خلعه ، وخلع نفسه بعد الضرب والإهانة ولمّا خلع نفسه قتلوه بشر قتلة فهلك لعنه الله

ما صنعه المعتز مع إمامنا العسكريعليه‌السلام :

١ ـ الإمام يسجن عند أشرّ خلق الله :

روى الشيخ الكلينيقدس‌سره عن علي بن عبد الغفار ، قال دخل العباسيون على صالح بن وصيف ودخل صالح بن علي وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية ، على صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمدعليه‌السلام ، فقال لهم صالح : وما أصنع ؟ قد وكلّت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه ، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم ، فقلت لهما : ما تقولان فيه ؟ فقالا : ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كلّه لا يتكلّم ولا يتشاغل ، وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلما سمعوا ذلك انصرفوا خائبين ؟

٢ ـ الإمام يسجن عند علي بن اوتامش :

روى المفيدقدس‌سره عن محمد به إسماعيل العلوي ، قال حبس أبو محمدعليه‌السلام عند
علي بن اوتامش وكان شديد العداوة لآل محمد عليهم‌السلام غليظاً على آل أبي طالب ،
___________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٢

٢٤٦

وقيل له إفعل به وافعل ، قال : فما قام إلّا يوماً حتى وضع خدّيه له ، وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً له وإعظاماً ، وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسنهم فيه قولاً(١)

٣ ـ عزم المعتز على قتل الإمام عليه‌السلام :

وذلك أن أمر سعيداً الحاجب أن يأخذ الامامعليه‌السلام على طريق الكوفة ويقتله هناك ولكنّ الإمامعليه‌السلام قد شكاه إلى الله ودعا عليه فقتل على أثر دعائه في اليوم الثالث

ثانياً : المهتدي بالله :

هو أبو عبد الله محمد بن الواثق بن المعتصم بن هارون الرشيد الملقب بالمهتدي ، قال ابن كثير كانت بيعته يوم الأربعاء لليلة بقيت من رجب من هذه السنة عام ( ٢٥٥ هـ ) بعد خلع المعتز نفسه بين يديه وإشهاده عليه بأنه عاجز عن القيام بها ، وكان متزهداً لا زاهداً ، وقد سجن الإمام الحسن العسكري في سجونه ، روى الشيخ الطوسي عن سعد عن أبي هاشم قال : كنت محبوساً مع أبي محمدعليه‌السلام في حبس المهتدي ، ابن الواثق فقال : يا أبا هاشم ! إنّ هذا الطاغي أراد أن يتعبث بالله في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره ، وجعله للقائم من بعده ـ ولم يكن لي ولد ـ وسأرزق ولداً قال أبو هاشم : فلما أصبحنا شغب الأتراك على المهتدي فقتلوه ، وولي المعتمد مكانه وسلّمنا الله(٢)

وكان إمامنا الحسن العسكريعليه‌السلام قد أخبر بموته قبل ستة أيام من قتله يدل
على ذلك ما رواه الكليني قدس‌سره عن محمد بن الحسن بن شمون ، قال : حدثني
___________________

(١) الإرشاد : ٣٤٢

(٢) الغيبة : ١٣٤

٢٤٧

أحمد بن محمد ، قال كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام حين أخذ المهتدي في قتل الموالي : يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنّا ، فقد بلغني أنّه يتهدّدك ويقول : والله لأجلينّهم عن جديد الأرض فوقع أبو محمدعليه‌السلام بخطه ذاك أقصر لعمره ، عدّ من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به ، فكان كما قال(١)

ثالثاً : المعتمد العباسي :

وهو أحمد بن جعفر بن المتوكل ، بويع له بالخلافة في اليوم الذي قتل فيه المهتدي وكان عمره حين ولي الخلافة خمساً وعشرين سنة

كانت للمعتمد العباسي مواقف كثيرة ، سعی اخلالها إلى تصفية الامام العسكريعليه‌السلام : قال ابن شهر آشوب : وروي أنّه سلّم إلى يحيى بن قتيبة ، وكان يضيّق عليه فقالت له امرأته إتق الله فإنّي أخاف عليك منه ، قال : والله لأرمينّه بين السباع ، ثم استأذن في ذلك ، فأذن له ، فرمى به إليها ولم يشكّوا في أكلها إياه ، فنظروا إلى الموضع ، فوجوده قائماً يصلّي ، فأمر بإخراجه إلى داره ! وفي حديث آخر أن يحيى بن قتيبة الأشعري أتاه بعد ثلاث مع الأستاذ فوجداه يصلّي ، والأسود حوله ، فدخل الاستاذ الغيل ( موضع الأسد ) فمزقوه وأكلوه وانصرف يحيى في قومه إلى المعتمد ، فدخل المعتمد على العسكري وتضرع إليه ، وسأل ان يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة ، فقالعليه‌السلام مد الله في عمرك فأجيب وتوفي بعد عشرين سنة(٢)

___________________

(١) الكافي ١ : ٥١٠

(٢) نفس المصدر السابق

٢٤٨

الإمام العسكري في سجن علي بن جرين :

ولم يترك المعتمد العباسي الإمام العسكريعليه‌السلام حتى في الأيام الأخيرة من حياته ، فسلمه إلى علي بن جرين ليضيق عليه في السجن وكان يسأل عن أخباره في كل وقت روى العلامة المجلسيقدس‌سره عن ابن طاووس قال وروى أيضاً عن الحميري عن الحسن بن علي بن ابراهيم بن مهزيار ، عن محمد بن أبي الزعفران ، عن أُم أبي محمدعليه‌السلام قال : قالی لي يوماً من الأيام : تصيبني في سنة ستين ومائتين حزازة أخاف ان أنكب منها ، قالت وأظهرت الجزع وأخذني البكاء ، فقال لابدّ من وقوع أمر الله لا تجزعي وفي رواية أمرها ابو محمدعليه‌السلام بالحج في سنة تسع وخمسين ومائتين وعرّفها ما يناله في سنة ستين وخرجت أُم أبي محمدعليه‌السلام إلى مكة وروي أنه أي الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام قال في سنة مائتين وستين تفترق شيعتي ففيها قبض أبو محمدعليه‌السلام مسموماً شهيداً

بنفسي مكروباً قضى بعد سمّه

بكاه الموالي والعدو المشاكس

حكى جدّه عمراً وسمّاً وغربة

ومارس من أعدائه ما لم يمارس

  

اعلى ابو محمد يويلي اتراكم الهم

عگب ما چبد ابوه انمرد بالسم

  

عليه المعتمد كل يوم يشتد

يويلي او ظل يجور اعلى ابو محمد

سگاه السم لمن چبده اتمرد

او لا راگب الباري او لا تندّم

  

خلص گلبه ابكثر ما ينزف الدم

اثاري طيحته طيحة المنسم

ثلث تيام بفراش المرض تم

ست اوقات ما طبگ الجفنين

  

٢٤٩

بعد ما ودّع ابنه ابگلب مجروح

تشاهد ويل گلبي او طلعت الروح

ثار اصياح اهل بيته او علا النوح

رحت وهل الديانه اتذيه لا وين

  

گام او غسله المهدي ابگلب مالوم

وینوح اعلیه وهو محرم لطيب النوم

او ظل ابن الحسن غايب لهذا اليوم

يمته ايلوح غوچه او یأخذ ابثاره

  

يمته ابن الحسن يظهر او يطلب ثار

يوم الغاضريه او يشب بيه النار

ياخذ ثار جده او چتلة الأنصار

وأهله الغرّبت ويه العده ايساره

  

الى مَ التواني صاحب الطلعة الغرّاء

اما ان من اعداك ان تطلب الومرا

  

٢٥٠

تمهيد الامام الحسن العسكري
لولده المهدي ( عج )

لقد بدا يسر المليك الأكبر

في قائد الحقّ الزكي العسكريّ

سرّ النبيّ في محاسن الشيم

( ومن يشابه اَبَهُ فما ظَلَم )

بل هو في كلّ معانيه حسن

فانّه سيّر النبيّ المؤتمن

هو الزكيّ في علوّ الشأن

عن وصمة الحدوث والإمكان

له من المعروف والأيادي

ما هو معروف بكلّ نادي

وهو أمين الله في الأنام

وصدره مستودع الأحكام

وهو ابو الخاتم للولاية

من هو مأمول لكلّ غاية

قاسى عظيماً في عظيم شأنه

من خلفاء الجور في زمانه

حتى قضى العمر بما يقاسي

فسمّه المعتمد العباسي

قضى على شبابه مسموماً

مضطهداً محتسباً مظلوماً(١)

  

___________________

(١) شهادة الامام الحسن العسكريعليه‌السلام العلامة الشيخ محمد حسين الاصفهاني

٢٥١

يعيني على ابو محمد صبي الدمع دم

عزيز الروح بفراش المرض تم

خلص گلبه ابونينه او مردة السم

سقط من ساعته او مدد الرجلين

  

عليل العسچري يلتنشد اعليه

طاح ابعلته او زاد المرض بيه

جابوله الطبيب او بس وصل ليه

طلع مأيوس منه امغورج العين

  

بس شافه الطبيب اشلون مصفر

اخذ بيده او گعد عنده ايتحسر

طلع مأيوس صاح الله اكبر

هذي طيحته طيحة الميتين

  

منهم چتل خلصوا او منهم

بالسم گضوا ويلي عليهم

واشعطل ابن الحسن عنهم

ما يظهر او يطلب ابدمهم

  

ادرك تراتك ايّها الموتور

فلكم بكل يد دم مهدور

  

تمهيد الامام الحسن العسكريعليه‌السلام لولده المهدي ( عج ) :

عن الامام الحسن العسكريعليه‌السلام يا أحمد بن اسحاق : لولا كرامتك على الله عزّ وجل وعلى حججه ، ما عرضت عليك ابني هذا ، إنه سمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً ، يا أحمد بن اسحاق ، مثله في هذه الأُمة مثل الخضر ، ومثل ذي القرنين ، والله ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلّا من ثبته الله على القول بإمامته ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه

٢٥٢

المقدمة :

هناك عدة أدوار قام بها إمامنا الحسن العسكريعليه‌السلام فيما يرتبط بولده المهدي ( عج ) :

أولاً : كتمان ولده الحجّة عليه‌السلام : وذلك خوفاً عليه من الأعداء ، وقد قال لأحمد بن اسحاق : « ولد لنا مولود ، فليكن عندك مستوراً ، وعن جميع الناس مكتوماً »(١)

ثانياً : بشارة الخواص من الشيعة بولادته : روى الشيخ الصدوققدس‌سره بسنده عن أحمد بن اسحاق قال سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري يقول : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي ، أشبه الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلقاً وخُلقاً ، يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته ، ثم يظهره فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً(٢)

ثالثاً : عرض الإمام الحجّة على الخواص : روى الشيخ الطوسي في الغيبة عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز ، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال ومحمد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيوب بن نوح قالوا جميعاً : اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام نسأله عن الحجة من بعده وفي مجلسهعليه‌السلام أربعون رجلاً ، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري ، فقال له : يابن رسول الله ! أريد ان اسألك عن أمر أنت أعلم به مني ، فقال له : اجلس يا عثمان

فقام مغضباً ليخرج ، فقال لا يخرجن أحد ، فلم يخرج أحد إلى أن كان بعد ساعة فصاحعليه‌السلام بعثمان فقام على قدميه فقال : أخبركم بما جئتم ؟

___________________

(١) كمال الدين ٢ : ٤٣٤

(٢) كمال الدين ٢ : ٤٠٨

٢٥٣

قالوا نعم يابن رسول الله

قال ( جئتم ) تسألونني عن الحجة من بعدي

قالوا : نعم ، فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمدعليه‌السلام ، فقال : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم ، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر فاقبلوا من عثمان ما يقوله ، وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله ، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه(١)

رابعاً : التنصيص على الحجة والتصريح بإمامته :

روى الصدوق بسنده عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي قال سمعت أبا محمد الحسن بن عليعليهم‌السلام يقول : كأنّي وقد اختلفتم بعدي في الخلف مني أما إن المقرّ بالأئمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنكر لولدي كمن أقرّ بجميع الأنبياء الله ورسله ثم أنكر نبوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والمنكر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كمن أنكر جميع أنبياء الله لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أولنا ، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا ، أما إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلّا من عصمه الله عزّ وجل(٢)

وكذلك يؤيّد ذلك ما رواه الشيخ الصدوققدس‌سره بسنده عن أبي علي بن همام قال :
سمعت محمد بن عثمان العمري قدس‌سره يقول : سمعت أبي يقول : سئل أبو محمد
الحسن بن علي عليهم‌السلام وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائهعليهم‌السلام « إنّ الأرض لا
تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة ، وان من مات ولم يعرف إمام زمانه
مات ميتة جاهلية » فقال عليه‌السلام : إنّ هذا حقّ كما أن النهار حق ، فقيل له : يابن رسول
الله ! فمن الحجة والإمام بعدك ؟ فقال : ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي ، من
___________________

(١) الغيبة : ٢١٧

(٢) كمال الدين ٢ : ٤٠٩

٢٥٤

مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ، أما إن لم غيبة يحار فيها الجاهلون ، ويهلك فيها المبطلون ، ويكذّب فيها الوقّاتون ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة(١)

خامساً : تهيئة الأرضية لعصر الغيبة : بمعنى أنه كان يهيء الناس لمرحلة غيبة إمامهم من بعده ، ومن الأعمال التي قام بها سلام الله عليه تحقيقاً لهذا الغرض :

أ ـ الاحتجاب : استخدم الإمام العسكريعليه‌السلام أُسلوب الاحتجاب عن الناس بصورة ملحوظة تمهيداً وإعداداً لذهنية الناس عامة والشيعة خاصة لقبول مرحلة الغيبة ، قال المسعودي : « وروي أن أبا الحسن الهاديعليه‌السلام احتجب عن كثير من الشيعة إلّا عن عدد يسير من خواصة أصحابه فلمّا أفضى الأمر إلى أبي محمدعليه‌السلام ، كان يكلّم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر إلّا في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان ، وأنّ ذلك إنما كان منه ومن أبيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان ، لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة ، وتجري العادة بالإحتجاب والإستتار »(٢)

ب ـ إرجاع الشيعة إلى الوكلاء : كما عيّن الامام العسكري نواباً من قبله ، داعماً
إياهم بالتأييد والتوثيق ، كي يكونوا رابطاً بينه وبين شيعته لحلّ مشكلاتهم الدينية
والدنيوية وهذا مما يظهر من كتابه إلى أحمد بن إسحاق الأشعاري مؤيداً نائبه
الثقة المأمون عثمان بن سعيد العمري قائلاً : هذا أبو عمر والثقة الأمين ، ثقة
الماضي وثقتي في المحيا والممات فما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّىٰ إليكم فعنّي
يؤدي ، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون (٣) ويؤيّد ما ذكرناه ما نقله
___________________

(١) كمال الدين ٢ : ٤٠٩

(٢) اثبات الوصية : ٢٦٢

(٣) غيبة الطوسي : ٢١٥

٢٥٥

المامقانيقدس‌سره في ترجمة العمري « قال ويقال له السّمان لأنه كان يتّجر في السمن ، تغطية على الأمر ، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمدعليه‌السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال ، أنفذوا إلى أبي عمرو فجعله في جراب السمن وزقاقه ، ويحمله إلى أبي محمدعليه‌السلام تقية وخوفاً »(١)

وهكذا نلاحظ الامام المهدي ( عج ) في غيبته الصغرى التي دامت قرابة السبعون عاماً كان يرجع الناس إلى الاتصال بالسفراء الأربعة الذين جعلهم الإمام ( عج ) وبعد ذلك غاب الغيبة الكبرى والتي رجّع الناس فيها إلى الفقهاء والعدول كما ورد في توقيع صادر من الناحية المقدّسة « من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه تاركاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه في العوام ان يقلّدوه فهو حجتي عليكم وأنا حجة الله »

تحقيق القول في كيفية موتة الحسن العسكريعليه‌السلام :

وجهة نظر معظم علماء الشيعة تقول : إنّ الأئمة الهداةعليهم‌السلام ، لم يموتوا الوت الطبيعي ، بل أنهمعليهم‌السلام مضوا إمّا بالسيف أو بالسم ، بشهادة الحديث المنقول عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : « ما منّا إلّا مقتول أو شهيد »(٢)

قال الشيخ الصدوققدس‌سره في كتاب الإعتقادات : واعتقادنا في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سمّ في غزوة خيبر إلى أن قال والحسن بن علي العسكري قتله المعتمد لعنه الله بالسمّ

قال الشيخ الكفعميقدس‌سره في مصباحه : سمّ المعتمد الحسن العسكري

___________________

(١) تنقيح المقال ٢ : ٢٤٦

(٢) إعلام الورى : ٣٤٩

٢٥٦

وقال الشيخ الطبرسيقدس‌سره في إعلام الورى : ذهب كثير من أصحابنا أن العسكري مضى مسموماً واستدلّوا عليذلك بما روي عن الصادقعليه‌السلام « ما منّا إلّا مقتول شهيد » والله أعلم بحقيقة ذلك

نعم تردد الشيخ المفيدقدس‌سره في كل الأئمة هل قتلوا أم ماتوا وذكر المقطوع بذلك منهم ( أمير المؤمنين والحسن والحسين وموسى بن جعفر ، ويقوي في النفس أمر الرضا وإن كان فيه شك )(١) وفي حديث الامام الرضاعليه‌السلام مما يؤيد شهادة الأئمةعليهم‌السلام قال ابو الصلت الهروي لما سمع الإمام الرضاعليه‌السلام مقولة البعض أنّ الحسين لم يقتل بل شبّه لهم ، فقال الامام الرضاعليه‌السلام : « والله لقد قتل الحسين ، وقتل من كان خيراً من الحسين أمير المؤمنين والحسن بن علي وما منّا إلّا مقتول ، وإنّي والله لمقتول بالسمّ باغتيال ما يغتالني »(٢)

وقد ورد عن النائب ( السفير ) الثالث الحسين بن روح النوبختيقدس‌سره قال محدّثنا عن الإمام الحجة ( عج ) : « أن يحيى ابن خالد سمّ موسى بن جعفرعليه‌السلام في إحدى وعشرين رطبة ، وبها مات ، وأنّ النبي والأئمة ما ماتوا إلّا بالسيف أو السم »(٣)

أتقتل يا ابن الشفيع المطاع

ويا ابن المصابيح وابن الغرر

ويا ابن الشريعة وابن الكتاب

ويا ابن الرواية وابن الأثر

  

قال أبو الحسن علي بن محمد بن هباب حدثنا أبو الأديان قال كنت أخدم
الحسن بن علي العسكري وأحمل كتبه إلى الأمصار قد خلت عليه في علته التي
___________________

(١) اوائل المقالات : ٢٣٨

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٠٠ ـ ٢٠٢

(٣) كمال الدين غيبة الطوسي : ٢٣٨

٢٥٧

توفي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال تمضي بها إلى المدائن فانّك ستغيب خمسة عشر يوماً فتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل قال أبو الأديان فقلت يا سيدي فإذا كان ذلك فمن الإمام والحجة قال من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي ثم منعتني هيبة أن اسأله ما في الهميان وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال ليعليه‌السلام فإذا أنا بالواعية في داره ، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة حوله يعزّونه ويهنونه ، فقلت في نفسي إن يكون هذا الامام فقد مات الامامة لأني كنت اعرفه بالانحراف يقول فتقدّمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شيء ثم خرج عقيد فقال يا سيدي قد كفن أخوك فقم للصلاة عليه فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله فلما صرنا بالدار إذا أنا بالحسن بن عليعليه‌السلام على نعشه مكفّناً فتقدّم جعفر بن علي ليصلّي على أخيه فلمّا همّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط وباسنانه تفليج فجذب رداء جعفر وقال تأخر يا عم أنا أحق بالصلاة على أبي فتأخر جعفر وقد أريد وجهه فتقدم الصبي فصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه

أقول : إمامنا الحسن العسكري غسّل كفّن صلّي عليه ، دفن أسفي عليك يا غريب كربلاء يا أبا عبد الله ، يقول الشاعر :

جت الناس تتراكض ابدهشه

لقو دار العلوم اشلون وحشه

بچو عالباب لمن طلع نعشه

تلقوه ابلطم يدمي الخدين

  

سارت بالنعش تبچي حواليه

لما دفنوه ردّوا للعزه اعليه

بس احسين ما واحد وصل ليه

ثلث تيام عاري ابغير تچفين

  

٢٥٨

بعد ما نزّلوه ابوسط لحده

دارت عالقبر تبچي اعلى فقده

بس احسين محد حضر عنده

ثلث تيام مرمي ابغير تغسيل

  

يا سائلاً وشظايا القلب في شجنِ

هل جهّزوا لقتيل مات ممتحن

اجبته بقلب واله حزن

ما غسلوه ولا لفوه في كفن

يوم الطفوف ولا مددا عليه ردا

         

  

٢٥٩

مجلس خاص
بالامام الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام

حتام طيّك لليباب المقفر

فارح بسامراء نبكي العسكري

نبكي مليكاً أحزن الأملاك في

ملكوتها ودهى الصفا بتكدر

حطم الحطيم مصابه وله الهدى

بالنوح يشعر معلناً بالمشعر

نبكي فتىً أبكى البتولة فاطماً

وأذاب أحشاء الرسول وحيدر

ما زال في سجن الطغاة مكابداً

هماً فيا عين الفخار تفجّري

أرداه معتمد الضلال بسمه

فقضى شهيداً يا سماء تفطّري

يا صاحب الأمر الذي قد كان عن

مولاه خير مترجم ومعبّر

بأبيك آجرك الإله فبعده

قد حلّ كسر بالهدى لم يجبر

  

منهم چتل خلصوا او منهم

بالسم گضوا ويلي عليهم

واشعطّل ابن الحسن عنهم

ما يظهر او يطلب ابدمهم

  

حوت بدرين سامره عزلها

تنوح او تلطم الشيعة عزلها

العسكري مهجته بالسم عزلها

وصل صارت وحگ ربّ البريّه

  

٢٦٠

يبو صالح جزاك العتب واللوم

تظل صابر على أخذ الثار لليوم

يا هو المن هلك ما راح مظلوم

يو مذبوح يو مچتول بالسم

  

عجب كل العجب منك يمحجوب

ما تنهض تجيم اعليها الحروب

نسيت اللي سبوها اوگطعت ادروب

يو ناسي الضلع لمّن تهشّم

  

گضه بالسم يويلي العسكري اليوم

مات الحسن يا هلناس مسموم

گعده عنده اوليده بگلب مالوم

يگله اوداعة الله والدمع دم

  

قال القطب الراوندي : وأمّا الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام فقد كانت أخلاقه كأخلاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

ابوه : علي بن محمد الهادي ، الامام العاشر من أئمة اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا

أُمه : سليل مسلولة من الآفات والأرجاس والأنجاس

نشأته : لقد نشأ الإمام الزكي أبو محمد في بيت القرآن ، ومركز الإسلام وكان أبوه الهاديعليه‌السلام عملاق هذه الأُمة يغذيه بهديه ويفيض عليه بمثله ليكون امتداداً ذاتياً لرسالة الاسلام حتى قال في حقّه والده علي بن محمد العسكري : «أبو محمد ابني أصح آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله غريزة وأوثقهم حجة ، وهو الأكبر من ولدي ، وهو الخلف وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامنا »(١)

___________________

(١) أعيان الشيعة ٣ ، ٤ / ٢٩٥

٢٦١

عبادته :

كان الامام ابو محمدعليه‌السلام أعبد أهل زمانه وأكثرهم طاعة لله تعالى وكان يحيي لياليه بالصلاة وتلاوة الكتاب والسجود لله ، فقد قال محمد الشاكري : كان الامام يجلس في المحراب ويسجد فأنام وانتبه وهو ساجد وكان الامامعليه‌السلام يتجه في صلاته بقلبه ومشاعره نحو الله عزّ وجل

قال ابو هاشم الجعفري كان الامام الحسنعليه‌السلام يصوم في السجن فإذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه إليه في جونة مختومة

دخل العباسيون على صالح بن وصيف عندما حبس ابو محمدعليه‌السلام فقالوا له : ضيّق عليه ولا توسع ، فقال صالح : ما اصنع به وقد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم ، ثم أمر باحضار الموكلين فقال لهما : ويحكمها ما شأنكما في أمر هذا الرجل ؟ فقالا له ، ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كلّه لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة ، فإذا نظر إلينا ارعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلما سمع العباسيون ذلك انصرفوا خائبين(١)

علمه :

يقول في حقه الطبيب المسيحي بخشوع «وهو أعلم في يومنا هذا ممن هو تحت السماء»(٢) وقد وجّهت بعض الأسئلة إلى الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام فأجاب عنها بعلم منها :

___________________

(١) الإرشاد : ٣٧١

(٢) بحار ٥٠ : ٢٦١

٢٦٢

١ ـ سأله الفهفكي : ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين ؟

فقالعليه‌السلام : لأنّ المرأة ليس لها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة وذلك على الرجل

٢ ـ قال الحسن بن ظريف : كتبت إلى أبي محمد اسأله عن معنى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنينعليه‌السلام : «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه»

فقالعليه‌السلام : أراد بذلك أن يجعله علماً ، يعرف به حزب الله عند الفرقة

٣ ـ قال جعفر بن محمد بن حمزة العلوي : كتبت إلى أبي محمد الحسن بن علي ابن محمد بن الرضا اسأله لم فرض الله تعالى الصوم ؟

فكتب إليّ : فرض الله تعالى الصوم ليجد الغني مسَ الجوع ليحنو على الفقير

سمو أخلاقه :

كان يقابل الصديق والعدو بمكارم أخلاقه ، وقد ورثها عن جدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نقل المؤرخون أنه حبس على عهد أحد طواغيت بني العباس ( المتوكل ) وكان شديد العداوة لآل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحاقداً على آل أبي طالب وقد أمر بالتنكيل بالامام والتشديد عليه إلّا أنه لمّا اتصلّ به وشاهد سمو أخلاقه وعظيم هديه وصلاحه انقلب رأساً على عقب فكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وتعظيماً له ، ولمّا خرج الامام من عنده كان أحسن الناس بصيرة وأحسنهم قولاً في الإمام(١)

قال أحمد بن عبد الله بن خاقان وهو من المخالفين : ما رأيت أنقع ظرفاً ولا أغضُ طرفاً ولا أعف لساناً ولا أوسع كفاً من الحسن العسكري ، وسمعت أبي يقول لو زالت الخلافة من بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله وعفافه وصلاته وصيامه

___________________

(١) كشف الغمة ٣ / ٢٠٤

٢٦٣

كرمه :

محمد بن علي بن ابراهيم بن الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام قال ضاقت أُمورنا ، فقال أبي : امضِ بنا حتى نصير إلى هذا الرجل يعني (أبا محمد) فإنه قد وصف لنا سماحه ، فقلت له تعرفه ؟ قال ما أعرفه ، ولا رأيته قط ، قال فقصدناه ، فقال أبي في الطريق ، ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم ، مئتي درهم للكسوة ، ومئتي درهم للدقيق ، ومائة درهم للنفقة

وقلت : في نفسي ليته أمر لي بثلاثمائة درهم ، مائة أشتري بها حماراً ، ومائة للنفقة ، ومائة للكسوة ، فأخرج إلى الجبل ، فلما وافينا الباب خرج إلينا غلامه ، فقال يدخل علي بن إبراهيم ومحمد ابنه ، فلما دخلنا عليه وسلمنا ، قال لأبي : يا علي ما خلّفك عنا إلى هذا الوقت ، يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال ، ومكثا وقتاً يسيراً ثم خرجا فجاء غلام الامام إليهما وناول علياً صرة فيها دراهم كانت حسب طلبته أو ما تمناه وهكذا محمد ثم قال لمحمد لا تخرج إلى الجبل ، وصر إلى سوراء ، فصار إليها فتحسنت أُموره وصار من أثرياء العلويين

أعطىعليه‌السلام احمد بن صالح الكوفي ثلاثة آلاف درهم

أرسلعليه‌السلام إلى أبي هاشم الجعفري مائة دينار وكتب إليه : إن كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم واطلبها فإنّك على ما تحب إن شاء الله

النص عليه بالامامة :

١ ـ داود بن القاسم الجعفري ( ابو هاشم ) قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقلت ولم جعلني الله

٢٦٤

فداك ؟ فقال إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكر باسمه ، فقلت كيف نذكره ؟ فقال : قولوا الحجة من آل محمدعليهم‌السلام (١)

٢ ـ عبد العظيم الحسني عن الامام الهاديعليه‌السلام قال الامام من بعدي الحسن ابني فكيف للناس بالخلف من بعده(٢)

٣ ـ علي بن مهزيار قال : قلت لأبي الحسنعليه‌السلام إن كان كون وأعوذ بالله ، فإلى مَن ؟ قال عهدي إلى الأكبر من ولدي يعني الحسن(٣)

٤ ـ روى عبد الله بن محمد الاصفهاني قال ، قال أبو الحسن ، صاحبكم بعدي الذي يصلّي عليّ ، قال : ولم نمكن نعرف أبا محمد قبل ذلك فلما مات أبو الحسنعليه‌السلام خرج ابو محمدعليه‌السلام فصلّى عليه(٤)

من دلائل الامامة :

١ ـ العلم بالمغيبات بتعليم من الله عزّ وجل : قال محمد بن الحسن بن ميمون : كتبت إلى مولاي العسكريعليه‌السلام أشكو الفقر ، ثم قلت في نفسي أليس قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا ، والقتل معنا خير من الحياة مع عدونا » فرجع الجواب : « إنّ الله جلّ وعزّ يمحص ذنوب أولياءنا إذا تكاشفت بالفقر وقد يعفو عن كثير ، وهو كما حدثتك نفسك ، الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا ، ونحن كهف لمن التجأ إلينا ، ونور لمن استبصر بنا ، وعصمة لمن اعتصم بنا ، من أحبنا كان معنا في السنام الأعلى ومن انحرف عنا فإلى النار هوى »(٥)

___________________

(١) اصول الكافي ١ / ٣٢٨

(٢) كمال الدين ٢ / ٥٥

(٣ و٤) إعلام الورى : ٣٦٨

(٥) مناقب ٤ / ٤٢٥

٢٦٥

٢ ـ علمه بالفقه : روى ابو هاشم الجعفري قال سأل الفهفكي الامام أبا محمدعليه‌السلام عن السبب في أخذ الرجل سهمين ، والمرأة تأخذ سهماً واحداً في الميراث فأجابه الامامعليه‌السلام : « إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة » ، يقول أبو هاشم فخطر في نفسي أن هذه المسألة عين المسألة التي سأل بها ابن أبي العوجاء الامام الصادقعليه‌السلام وقد أجابه بمثل هذا الجواب ، فأقبل عليّ الامام ابو محمد ، وقال نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منّا واحد إذا كان معنى المسألة واحداً جرى لآخرنا ما جرى لأولنا ، وأولنا وآخرنا في العلم والأمر سواء ، ولرسول الله ، وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما فضلهما(١)

خبر شهادته :

تقول جارية الإمام العسكري صيقل : إنّ الامام العسكريعليه‌السلام دعا بولده ساعة احتضاره وكان قد بلغ به الضعف إلى حدٍّ شديد ، بحيث قدّمت إليه الدواء فلم يستطع أن يشرب فقال لي : انطلقي إلى تلك الحجرة وادعي لي ولدي ، تقول صيقل : دخلت عليه فوجدته متوجّهاً إلى القبلة يناجي ربّه ، فقلت له سيّدي إنّ أباك يدعوك إليه ، فأقبل نحو أبيه وسقاه ذلك الدواء وجلس عند رأسه فضمّه الإمام الحسن إلى صدره وقال له ولدي أنت بقية الله في أرضه ثم أسبل يديه ومدّد رجليه وفارقت روحه الدنيا مسموماً مظلوماً

بعد ما ودّع ابنه بگلب مجروح

تشاهد ويل گلبي وطلعت الروح

ثار اصياح اهل بيته وعلا النوح

اثاري مات اويلي الحسن بالسم

  

___________________

(١) المناقب ٤ / ٤٣٧

٢٦٦

يبو صالح علينه الهم تلملم

يوم المات ابوك العسچري ابسم

  

ذاك اليوم مدري اشلون من يوم

مرّ اعليك يمشيّم يجيدوم

طفل واتشوف ابوك الحسن مسموم

ايتگلب والچبد منّه ايتجسّم

  

مات أو أشرفت انته اعلى گبره

او نزّلته بديك او تجر حسره

بس جدّك بگه ابحرّة الغبره

طريح ابلا دفن عاري الجسم تم

  

ابوك انته الدفنته ابوسط لحده

وانته الوسّدت عالترب خدّه

او جدّك ظل ثلث تيّام وحده

بالبر والصدر منّه اتهشّم

  

ولصدره تطأ الخيول وطالما

بسريره جبريل كان موكلا

  

٢٦٧

ذكرىٰ هدم القبور
في ٨ شوال

ولمّا رأين الرأس في رأس ذابل

كبدر الدجىٰ قد لاح في ربعة العشر

سقطن على حرّ الوجوه لرهبة

وأيقن بالتهتيك والسبيّ والأسر

وقد قبضت أحشائها بيمينها

عقيلة آل المصطفى أحمد الطهر

تضمّ عليّاً تارة نحو صدرها

وأُخرى صغاراً هجهجتهم يد الذعر

وتدعو حسيناً ياابن أُمي تركتني

أعاني الأيامى واليتامى من الضرّ

ففي مقلتي دمع يدافع مقلتي

وفي كبدي جمر يُبَرَّدُ بالجمر

سأبكيك عمري يابن بنت محمّد

وأسعد من يبكي عليك مدى عمري(١)

  

على امصابك يخويه لصب دمعي

وخلّي اعليك نوح الليل طبعي

لحرّم ما يجيس الگاع ضلعي

ولا گلبي بعد فرگاك يستر

  

___________________

(١) علي بن حماد العبدي البصري ، أدب الطف ٤ : ١٨٥

٢٦٨

يخويه باد حيلي وحگ جدّك

عسن للگاع خدي دون خدك

يخويه شال راس الدين بعدك

والدنيا اظلمت والكون مغبر

  

لجيم العزه واصبغ هدومي

سود على إخوتي وروس گومي

نخيت اخوتي ولا جاوبوني

ياهل الحميّه ما تجوني

ومن الضرب ورمن امتوني

لو چان بيدي يا خليصي ابگيت ويّاك

واگعد على گبرك ينور العين وانعاك

لچني لو ظليت من يبره اليتاماك

لو طوّح الحادي أو سره او عنّك مشينه

أحمى الضائعات بعدك ضعنا

في يد النائبات حسرى بوادي

             

  

( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) (١)

______________________

المقدمة :

مسألة البناء على القبور من جملة المسائل التي صار فيها الجدل والنزاع وهل
يصحّ لنا أن نرفع البناء على القبر أو لابدّ أن نسوّيه وما هو المراد من التسوية هل
يعني درس القبر ومحو أثره البتة أم يجوز رفعه ولو لشبر أو نحوه من هنا كان
___________________

(١) سورة النور : الآية ٣٦

٢٦٩

لابدّ أن نبيّن هذه المسألة ليكون الإنسان على بصيرة من أمره وقبل أن ندخل في بيان هذه المسألة لابدّ لنا من المرور في الآية الشريفة لننظر ما هو المراد من البيوت التي اذن الله عزّ وجل أن ترفع ؟

ما هي هذه البيوت ؟

سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيّ البيوت هذه ؟ فقال : بيوت الأنبياء ، فأشار أبو بكر إلى بيت علي وفاطمة وقال : هذا منها ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله نعم من أفاضلها(١) أقول : وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أفاضلها تصريحٌ بأنّ بيت عليٍّ وفاطمةعليها‌السلام أفضل من بيوت الأنبياء ومعلوم أنّ شرف البيت بشرف ساكنيه

العلامة المجلسيقدس‌سره : ذكر العلامة المجلسيقدس‌سره المراد من البيوت هي بيوت الأنبياء والأولياء في حياتهم ، وبعد وفاتهم محل قبورهم من أين أخذ هذا المعنى ؟ لعلّ هذا الحديث المعروف عن الامام الباقرعليه‌السلام حينما أقبل إليه فقيه أهل البصرة وكان من العامة ورأى حلقة مجتمعة حول إمامنا الباقرعليه‌السلام والناس تسأله وهو يجيب ، فغاضَهُ هذا الموقف ، فقال وتكلّم بكلمات تقطر حسداً لما يتمتع به الإمام الباقرعليه‌السلام ، فقال من هذا الذي يحفّ به الناس ؟ لأسألنَهُ مسألة فأخزيته !

فلما اقترب من مجلس الإمام الباقرعليه‌السلام وإذا به يرتعد وقد نسىٰ السؤال ، فكلّم
الامام عليه‌السلام بخضوع وقال إني جلست في مجالس كثيرة ولم يحدث لي ما حدث
الآن ! فقال له الامام الباقر عليه‌السلام : أتدري بين يدي من أنت ؟ بين يدي بيوت أذن الله
أن ترفع إذن في حياة الأئمة هي بيوتهم الظاهرية التي سكنوها ، فالإنسان
___________________

(١) رواه الالوسي في روح المعاني ١٨ / ١٧٤ ، والدر المنثور ( للسيوطي ) ٥ / ٥٠ ، طبع مصر
وفي طبعة أُخرى ٦ / ٢٠٣ ، والحاكم في شواهد التنزيل ١ / ٥٣٤ ، الحديث ٥٦٨ .

٢٧٠

يقصدهم ويتوجه إليهم ويسألهم المسائل الدينية وغيرها فيجيبوه ، إذن هذه بيوت العلم والحكمة ، ومن هنا أمرنا القرآن بسؤالهم عند الحَيرة قال تعالى :( فَاسْأَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
) (١)

وبعد موتهم وشهادتهمعليه‌السلام ينبغي على الأُمة أن تهتمّ وتشيد وتبني قبورهم لأنّ الله أمر برفعها لتتميّز عن بقية القبور إعلاءً لشأنهم ، وإشارة للأُمة لمقامهم ومنزلتهم ودرجتهم الرفيعة وهذا هو معنىٰ الرفع الذي أشارت إليه الآية ( أن ترفع ) أي فيه دلالة على أن تكرّم وتعظّم وتشيّد معنوياً وماديّاً في حياتهم وبعد الممات

ما الدليل على التعظيم بعد الممات ؟

قد يسأل سائل ويقول أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما تكلّم علي وفاطمة كانا أحياءاً فما الدليل بعد الوفاة ؟ والجواب أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فسّرها في بداية الحديث ببيوت الأنبياء ولم يكونوا أحياءاً حين كلامه

يقول البعض أن تعظيم البيوت شرك ؟!

والجواب على هذه الشبهة أن نقول ، أيأمر الله بالشرك ؟! وقد أمر بأن ترفع في الآية ! حاشا وكلّا ، ولكنّ البعض من المعلمين لعدم تدبّرهم بالكتاب الكريم أو السنّة النبوية الشريفة وبالتالي يقعوا في مثل هذه الاشتباهات ، وعلى سبيل المثال نذكر لكم هذا الشاهد

___________________

(١) سورة النحل : الآية ٤٣

٢٧١

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : « والذي نفسي بيده لولا أن تقول أقوام فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالاً لا تمرُّ بأحد من المسلمين إلّا أخذوا التراب من أثر قدميك يطلبون به البركة »(١)

أليس نفهم من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حثّ المسلمين على التبرّك بالتراب الذي يطأه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فإذا كان التراب الذي يطأه الأولياء فيه هذه البركة فكيف بالبيت الذي يسكنه سنوات طويلة يطأ ترابه بأقدامه الشريفة كيف لا يكون محلاً للبركات ؟ ومن هنا يعلّمنا الامام الهاديعليه‌السلام في الزيارة الجامعة الكبيرة أن نخاطب الأئمةعليهم‌السلام : « السلام على مساكن بركة الله »

ما المراد من الحديث المنسوب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أن لا أدع قبراً مشرفاً إلّا سويته )

أولاً : سند هذا الحديث ضعيف بل راويه « أبو الهياج » الذي قال في حقّه أحمد بن حنبل إنّه أخطأ في خمسمائة حديث ، وفي سنده أبو وائل وهو معروف ببغضه لعلي بن أبي الطالب ، ومبغض أمير المؤمنينعليه‌السلام في النار ومن أهل النار للروايات الكثيرة فلا نقبل حديث من أحد هو من أهل النار

ثانياً : أنّ لفظ ( التسوية ) تعني الاعتدال بين الارتفاع العظيم وبين الهدم الماحي للأثر ، والدليل أنّ الشريعة الإسلامية عن طريق الروايات الواردة في هذا المجال تذكر استحباب رفع القبر شبراً أو أربع أصابع عن الأرض وهذا بالنسبة لقبر كل إنسان مسلم فلا يصلح هذا الحديث لمدّعى القوم إلى إمحاء اثر القبر تماماً والتسوية نفهمها بالمعنى الذي أشارت إليه الروايات كما وضحناه لا كما فهم من ذلك الوهابيون

___________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ / ١٦٠ ، تاريخ ابن عساكر ١ / ٢٢٦ وغيرهما من المصادر

٢٧٢

ثالثاً : لسنا الشيعة المنفردين بالبناء على القبور ، فهذا قبر إبراهيمعليه‌السلام في الأُردن له قباب وأضرحة ، وقبر موسىعليه‌السلام بين القدس وعمّان له بناية كبيرة ، وقبر أبي حنيفة ببغداد ، وقبر أبي هريرة وقبر عبد القادر الجيلاني في الأعظمية ببغداد ، فضلاً عن قبور الملوك والعظماء ، ولم يعترض أحد من المسلمين على هذه القبور فالأصل الجواز

رابعاً : الأهتمام بقبور الأنبياء والأولياء يمثّل حالة حضارية ومدنية لربط الأُمة بعظمائها وتخليداً لذكرى هؤلاء العظماء ولعلّ القرآن الكريم فيه إشارة إلى هذه المسألة بشكل ما ، حينما يتعرض لقصة أصحاب الكهف ، ويصل إلى كيفية احياء الله لهم من بعد موتهم وهكذا إلى أن اطّلع الناس على حقيقتهم أماتهم مرّة ثانية ، فهنا صار نزاع بين طرفين في أمرهم ، وكان نظر المؤمنين وموقفهم منهم أن قالوا :( فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ
عَلَيْهِم مَّسْجِدًا
) (١)

إذن نظر المؤمنين هو بناء المسجد على أصحاب أهل الكهف وليس ذلك إلّا تعظيماً لأمرهم واهتماماً بشأنهم

نحن نأسف لمّا ننظر إلى قبور ائمتنا في البقيع وقد قام أعداء أهل البيت واتباع الفكرة المنحرفة التي أسّسها ابن تيمية وسار على نهجه الضالّ المبتدع المنحرف محمد بن عبد الوهاب ، وقد قام أتباع هذا المبدأ بهدم قبور ائمتنا في البقيع في الثامن من شوال بعد أن استمعتم وقرأتم هذه الأدلة الدامغة التي تؤيّد تشييد قبور الأولياء والعظماء حيث أمر الله أن ترفع

___________________

(١) سورة الكهف : الآية ٢١

٢٧٣

يا أرض طيبة يا أريج محمد

يا قدس طهّره البقيعُ الغرقد

أفدي ترابك بالجنان وكيف لا

وبنو علي علىٰ ترابك رقّد

حسن وزين العابدين وباقر

والصادق البحر الخضم المزيد

أولاءهم آل النبيّ ومن بهم

نهج النبي وشرعه يتجدّد

وهم ذوي القربى فويل عند من

آذى بقتلهم النبيّ وألحدوا

وأبىٰ عليهم أن يُشيّد مرقد لهم

وشيّد للتوافه مرقد

مهلاً فما مدح الكتاب بجلده

والسيف يبني المجد وهو مجرد

لابدّ من يوم على أجسادهم

كما لآل الكهف يبنىٰ مسجد

  

أقول انظر إلى مقبرة البقيع ، ومرّة ثانية انظر إلى مرقد يتيمة الحسينعليه‌السلام في دمشق السيد رقية التي عمرها(٤) سنوات كيف شيّد لها حرم واسع وقبّة ونلاحظ الآف المحبين الذينَ يفدون لزيارتها والتوسل بها إلى الله عزّ وجل في قضاء حوائجهم وكذلك لاترى إلّا قارئ للقرآن ومصل وراكع وساجد

وهذه الطفلة كانت قد رأت أباها في عالم الرؤيا لما كانوا في خربة الشام هذه الخربة التي كان يقول عنها زين العابدينعليه‌السلام : « لا تقينا من حرارة الشمس ولا من برد الشتاء حتى لقد تقشّرت وجوه عمّاتي واخواتي » في هذه الخربة رأت أباها في عالم الرؤيا وأخذت تتحدث معه بلهفة وبشوق وحرارة وفجأة انتبهت من النوم وإذا بها لا تجد أباها فأخذت بالبكاء ، فسألتها عمتها الحوراء عن سبب بكائها فقالت لها عمة أين والدي ؟ الآن كان معي فبكت الحوراء وبكين النسوة حيث علمن وعرفن أنّ هذه الطفلة رأت أباها في عالم الرؤيا ، ولما ضجّوا بالبكاء ارتفعت اصواتهم ووصل الصوت إلى مسامع يزيد لعنه الله ، فقال

٢٧٤

ما الخبر ؟ فقيل له إنّ ابنة الحسين الصغيرة رأت أباها في عالم الرؤيا فهي تريده ، فقال لهم خذوا لها رأس أبيها

فزت الطفلة او تهمل العين

وتنادي اريدن والدي احسين

عمه يزينب چان هالحين

يمي او يگلي لا تخافين

وايده اعلى راسي او تهمل العين

چاوين صار اساع چاوين

  

جاءوا لها برأس أبيها في طبق مغطّى بمنديل ، فلمّا رفعت المنديل وإذا برأس أبيها وقعت عليه تقبله وهي تنادي أبه من للصغير حتى يكبر ، أبه من لليتيمه .

يا والدي والله هظيمة

أنه أصير من زغري يتيمه

اثاري الابو يا ناس خيمه

يفيّ على ابناته وحريمه

  

طفلة المظلوم خرت فوگ راسه اتقبله

اتصیح بویه ضیعتني او گبل چنت امدللـه

قرح اجفاني يبويه او ذوّب احشاي اليتم

من تهل الدمع عيني يضربوني وانشتم

جيت بحماكم عزيزه او لا شفت ذل أو هظم

وأصبحت بعدك ذليلة فوگ ناگه امهزله

وانحنت فوگه اتشمه او دمعها ابخدها سفوح

او عن جبينه امسحت دمه او شهگت او غابت الروح

ماتت وراسه ابحجرها والحرم ضجت بنوح

او كعبة الأحزان گامت والمدامع سايله

     

  

٢٧٥

وزينبعليها‌السلام :

يحسين والله حيرتني

حرمه ابجريره كلفتني

چا ليش يبن أُمي جبتني

هذه يتاماكم تلوذ ببعضها

ولكم نساء تلتجى لنساء

         

  

٢٧٦

مجلس عن الامام الهاديعليه‌السلام

من مبلغ حيدر الكرار نائبة

لها يشيب قذال الرأس في الصّغر

يوم به سمّم الهادي بغربته

حتى قضى فتردّى البشر بالكدر

ما زال يبكي عليه العسكريّ أسى

حتى قضى بعده بالسمّ في الأثر

لا سرّها الله سامراء كيف حوت

قبرين من آل بيت المصطفى الغرر

لا سرّها الله إذ أدمت لنا مقلاً

وأحرقت مهجاً بالنار والشّرر

قد غيّبت ولداً في قبر والده

بدران غابا عن الأبصار في الحُفر(١)

  

مصايب هلك يالمحجوب

من عدها تشوغ الروح

وحده اتزود عن وحده

البلسمّ مات والمذبوح

لاچن هظمة الهادي

خلّت كل گلب مجروح

مات ابديرة الغربه

وابنه على امصابه اينوح

  

___________________

(١) الإمام الهاديعليه‌السلام

٢٧٧

يوم اشلون يوم اشضجت أصوات

زلم نسوان يا مكثر العبرات

يهل تنشد على الهادي گضه او مات

ثالث رجب لو سادس أو عشرين

  

بنفسي مسموماً قضى وهو نازح

عن الأهل والأوطان جمّ المهاضم

  

عن الامام الهاديعليه‌السلام يا أبا هاشم أيّ نعم الله تريد أن تؤدي شكرها ؟ رزقك الايمان فحرّم به جسدك عن النار ، ورزقك العافية فأعانك بها على الطاعة ورزقك القناعة فصانك بها عن التبذّل يا أبا هاشم انما ابتدأتك بهذا لأنّي ظننت أنّك تريد أن تشكو إليّ من فعل بك هذا ، وقد أُمرت لك بمائة دينار فخذها(١)

المقدمة :

الإمام الهاديعليه‌السلام عاشر ائمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس
وطهّرهم تطهيرا ، جدّه الامام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ( عالم آل محمد ) ، وأبوه
باب المراد الإمام محمد الجواد عليه‌السلام ، وأُمه سمانة الغربية التي قال في حقّها إمامنا
الهادي عليه‌السلام : « إنّ أُمي عارفة بحقّي وهي من أهل الجنة وهي مكلؤه بعين الله » ،
وكنيته أبو الحسن وألقابه النقي ، الهادي ، انجيب ، المؤتمن ، العسكري ، المتوكل ،
وقد ولد في المدينة المنوّرة في منتصف ذي الحجة عام ( ٢١٢ هـ ) ويروى انها
كانت في الخامس من شهر رجب وربّما يؤيده التوقيع الصادر من الناحية المقدّسة
___________________

(١) بحار الأنوار ، حياة الامام الهادي

٢٧٨

الدعاء الذي يدعى به في أيام رجب :« اَللّٰهُمَّ اِنّي اَسئَلُكَ بِالْمَوْلُودَيْنِ في رَجَبٍ ،
مُحَمَّدِ بْنِ عَليٍّ الثٰاني وَابْنِهِ عَلِيٍّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُنْتَجَبِ »
(١) وقد استدعاه المتوكل العباسي إلى سامراء فمكث فيها عشرين سنة وتسعة أشهر ، وقد عاصر الإمام الهاديعليه‌السلام من ملوك عصره ، المعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز واستشهد في يوم الاثنين الثالث من رجب سنة ( ٢٥٤ هـ ) متأثراً بسمّ المعتز العباسي

نعم الله على الإنسان كثيرة لا تعد ولا تحصى :

القرآن الكريم كلام الله الناطق بالحكمة والموعظة ، وهو قول فصل وما هو بالهزل أشار إلى أنّ نعم الله على الانسان لا تعد ولا تحصى قال تعالى :( وَإِن
تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا
) وأبو هاشم الجعفري من أصحاب الامام الهاديعليه‌السلام اسمه داود بن القاسم الجعفري ، نسبه يرجع إلى جعفر الطيّار وهو من المؤمنين والملازمين لأئمة الحقّ والهدى عاصر الامام الرضاعليه‌السلام والجواد والهادي والعسكري وأدرك مولانا المهدي لأرواحنا لتراب مقدمه الفداء هذا الرجل وبسبب ملازمته للإمام الهاديعليه‌السلام طاغية زمانه العباسي قطع عطاءه لعلّه ينفضّ عن الإمام ويتركه ، لكنّ أبا هاشم مؤمناً تقيّاً فلم يقطع صلته بالإمامعليه‌السلام واحتاج في يوم من الأيام فقصد الامام ليشكوا له الحالة وقد عرف الامامعليه‌السلام سبب قدومه فابتدأه الامامعليه‌السلام قائلاً : يا أبا هاشم أي نعم الله تريد أن نؤدي شكرها رزقك الايمان فحرّم به جسدك عن النار

___________________

(١) مفاتيح الجنان ، أدعية شهر رجب

٢٧٩

نعمة الإيمان والولاية لأهل البيت من النعم المهمة :

ابتدأ الإمام الحديث عن هذه النعمة لأهميتها ، إذ بالإيمان يدخل الانسان الجنة ويحرّم جسده عن النار ، الإيمان أخصّ من الإسلام ، ومراد الامامعليه‌السلام اعتراف ابو هاشم الجعفري بائمة أهل البيت وطاعته لهم وحبّه وموالاته لهم هذه النقطة مهمّة جداً ، إذ ببركة الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام تقبل الطاعة المفترضة ، وقد أشار الإمام الهاديعليه‌السلام في الزيارة الجامعة الكبيرة وهي من غرر الزيارات الواردة التي يزار بها الأئمة المعصومين حيث أفاد :« بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي وَنَفْسي ، بِمُوٰالٰاتِكُمْ عَلَّمَنَا اللهُ مَعٰالِمَ
دِينِنٰا ، وَاَصْلَحَ مٰا كٰانَ فَسَدَ مِنْ دُنْيٰانٰا ، وَبِمُوٰالٰاتِكُمْ تَمَّتِ الْكَلِمَةُ ، وَعَظُمَتِ النِّعْمَةُ ،
وَائْتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ ، وَبِمُوٰالٰاتِكُمْ تُقْبَلُ الطّٰاعَةُ الْمُفْتَرَضَةُ ، وَلَكُمُ الْمَوَدَّةُ الْوٰاجِبَةُ »

نعمة العافية :

من جملة النعم الإلهية على الانسان والتي ذكرها الإمام الهاديعليه‌السلام لأهميتها هي نعمة العافية إذ لولاها ما استطاع الانسان أن يقوم باداء الواجبات والتكاليف الإلهية ومن هنا أجاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّن سأله ماذا أطلب في ليلة القدر ؟ فأجابه بقوله سل الله العافية ، العافية مهمّة جداً ، ولكن بعض الناس بل كثير منهم يكفر هذه ( مكفورتان الصحة والأمان ) يقول بعض الناس باللهجة العامية ( ربّ شمنطيني )

القناعة :

النقطة الثالثة التي أشار لها الامام الهاديعليه‌السلام مسألة القناعة ، من المسائل
المهمّة وكما قيل ( القناعة كنز لا يفنى ) (١) يريد الإمام عليه‌السلام أنت لمّا كنت متصّفاً
___________________

(١) مدينة المعاجز : ٤٧٤

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288