المصابيح

المصابيح9%

المصابيح مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 659

المصابيح
  • البداية
  • السابق
  • 659 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87460 / تحميل: 4179
الحجم الحجم الحجم
المصابيح

المصابيح

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

على ما صنعت؟ فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة الله عزّوجلّ، وقلت لنفسي: يا نفس ذوقي، فما عند الله أعظم مما صنعت بك؟

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لقد خفت ربك حق مخافته، وإن ربك ليباهي بك أهل السماء. ثم قال لاصحابه: يا معشر من حضر، ادنوا من صاحبكم حتى يدعو لكم. فدنوا منه فدعا لهم، وقال: اللهم اجمع أمرنا على الهدى، واجعل التقوى زادنا، والجنة مآبنا(١) .

وصلّى الله على محمّد وآله، وحسبنا الله ونعم الوكيل

______________

(١) بحار الانوار ٧٠: ٣٧٨/٢٣.

٤٢١

[ ٥٥ ]

المجلس الخامس والخمسون

مجلس يوم الجمعة

الرابع من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٥٦٠/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطان وعليّ بن أحمد بن موسى الدقاق ومحمّد بن أحمد السناني (رضي الله عنهم)، قالوا: حدّثنا أبوالعباس أحمد ابن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا محمّد بن العباس، قال: حدثني محمّد بن أبي السري، قال: حدّثنا أحمد بن عبدالله بن يونس، عن سعد بن طريف الكناني، عن الاصبغ بن نباتة، قال: لما جلس علي عليه السلام في الخلافة وبايعه الناس، خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، لابسا بردة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم منتعلا نعل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، متقلدا سيف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فصعد المنبر، فجلس عليه متمكنا، ثم شبك بين أصابعه، فوضعها أسفل بطنه، ثم قال: يا معشر الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، هذا ما زقني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم زقا زقا، سلوني فإن عندي علم الاولين والآخرين، أما والله لوثنيت لي وسادة، فجلست عليها، لافتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الانجيل بإنجيلهم حتى ينطق الانجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد

٤٢٢

أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟ ولولا آية في كتاب الله عزّوجلّ لاخبرتكم بما كان وبما يكون، وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية:( يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (١) .

ثم قال: عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو سألتموني عن أية آية، في ليل أنزلت، أو في نهار أنزلت، مكيها ومدنيها، سفريها وحضريها، ناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها، إلا أخبرتكم.

فقال إليه رجل يقال له ذعلب، وكان ذرب اللسان، بليغا في الخطب، شجاع القلب، فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة، لاخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه.

فقال: يا أميرالمؤمنين، هل رأيت ربك؟ فقال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره.

قال: فكيف رأيته؟ صفه لنا. قال: ويلك! لم تره العيون بمشاهدة الابصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، ويلك يا ذعلب، إن ربي لا يوصف بالعبد ولا بالحركة ولا بالسكون، ولا بقيام - قيام انتصاب - ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة(٢) ، قائل لا بلفظ، هو في الاشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شئ ولا يقال شئ فوقه، أمام كل شئ ولا يقال له أمام، داخل في الاشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا كشئ من شئ خارج. فخر ذعلب

______________

(١) الرعد ١٣: ٣٩.

(٢) المجسة: ما يجس به.

٤٢٣

مغشيا عليه، ثم قال: تا لله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها.

ثم قال عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه الاشعث بن قيس، فقال: يا أميرالمؤمنين، كيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب، ولم يبعث إليهم نبي؟ فقال: بلى يا أشعث، قد أنزل الله عليهم كتابا، وبعث إليهم نبيا، وكان لهم ملك سكر ذات ليلة، فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها، فلما أصبح تسامع به قومه، فاجتمعوا إلى بابه، فقالوا: أيها الملك، دنست علينا ديننا فأهلكته، فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد. فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي، فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم. فاجتمعوا، فقال لهم: هل علمتم أن الله عزّوجلّ لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم وأمنا حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملك. قال: أفليس قد زوج بنيه من بناته، وبناته من بينه؟ قالوا: صدقت، هذا هو الدين، فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله ما في صدورهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة، يدخلون النار بلا حساب، والمنافقون أشد حالا منهم.

فقال الاشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.

ثم قال عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه رجل من أقصى المسجد، متوكئا على عكازة، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال: يا أميرالمؤمنين، دلني على عمل إذا أنا عملته نجاني الله من النار. فقال له: اسمع يا هذا، ثم افهم، ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا يبخل بماله على أهل دين الله عزّوجلّ، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغني، ولم يصبر الفقير، فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى بدئها، أي إلى الكفر بعد الايمان. أيها السائل، فلا تغترن بكثرة المساجد، وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى.

أيها الناس، إنما الناس ثلاثة: زاهد، وراغب، وصابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه، ولا يحزن على شئ منها فاته، وأما الصابر فيتمناها بقلبه، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، وأما الراغب فلا يبالي من

٤٢٤

حل أصابها أم من حرام.

قال: يا أميرالمؤمنين، فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه، وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه وإن كان حبيبا قريبا. قال: صدقت والله يا أميرالمؤمنين، ثم غاب الرجل فلم نره، وطلبه الناس فلم يجدوه، فتبسم علي عليه السلام على المنبر ثم قال: ما لكم، هذا أخي الخضر عليه السلام.

ثم قال عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني. فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم قال للحسن عليه السلام: يا حسن، قم فاصعد المنبر، فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي، فيقولون: إن الحسن لا يحسن شيئا.

قال الحسن عليه السلام: يا أبه، كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى؟ قال: بأبي وأمي أواري نفسي عنك، وأسمع وأرى ولا تراني.

فصعد الحسن عليه السلام المنبر، فحمد الله بمحامد بليغة شريفة، وصلى على النبي وآله صلاة موجزة، ثم قال: أيها الناس، سمعت جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وهل تدخل المدينة إلا من بابها، ثم نزل، فوثب إليه علي عليه السلام فتحمله، وضمه إلى صدره.

ثم قال للحسين عليه السلام: يا بني، قم فاصعد فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي، فيقولون: إن الحسين بن عليّ لا يبصر شيئا، وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك، فصعد الحسين عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه وآله صلاة موجزة، ثم قال: معاشر الناس، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يقول: إن عليا مدينة هدى، فمن دخلها نجا، ومن تخلف عنها هلك. فوثب علي عليه السلام فضمه إلى صدره وقبله، ثم قال: معاشر الناس، اشهدوا أنهما فرخا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ووديعته التي استودعنيها، وأنا استودعكموها. معاشر الناس، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سائلكم عنهما(١) .

______________

(١) التوحيد: ٣٠٤/١، الاختصاص: ٢٣٥، بحار الانوار ١٠: ١١٧/١.

٤٢٥

٥٦١/٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أيوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن مثنى بن الوليد الحناط، عن أبي بصير، قال: قال لي أبوعبدالله الصادق عليه السلام: أما تحزن، أما تهتم، أما تألم؟ قلت: بلى والله. قال: فإذا كان ذلك منها فاذكر الموت، ووحدتك في قبرك، وسيلان عينيك على خديك، وتقطع أوصالك، وأكل الدود من لحمك، وبلاك، وانقطاعك عن الدنيا، فإن ذلك يحثك على العمل، ويردعك عن كثير من الحرص على الدنيا(١) .

٥٦٢/٣ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم رحمه الله، قال: حدثني أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: إن أبا ذر رحمه الله، مر برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعنده جبرئيل عليه السلام في صورة دحية الكلبي، وقد استخلاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلما رآهما انصرف عنهما، ولم يقطع كلامهما. فقال جبرئيل عليه السلام: يا محمّد، هذا أبوذر قد مر بنا، ولم يسلم علينا، أما لو سلم علينا لرددنا عليه. يا محمّد، إن له دعاء يدعو به معروفا عند أهل السماء، فسله عنه إذا عرجت إلى السماء. فلما ارتفع جبرئيل عليه السلام جاء أبوذر إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما منعك - يا أبا ذر - أن تكون قد سلمت علينا حين مررت بنا؟ فقال: ظننت - يا رسول الله - أن الذي كان معك دحية الكلبي، قد استخليته لبعض شأنك. فقال: ذاك كان جبرئيل عليه السلام يا أبا ذر، وقد قال: أما لو سلم علينا لرددنا عليه. فلما علم أبوذر أنه كان جبرئيل عليه السلام دخله من الندامة ما شاء الله حيث لم يسلم.

فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما هذا الدعاء الذي تدعو به؟ فقد أخبرني أن لك دعاء معروفا في السماء. قال: نعم يا رسول الله، أقول: اللهم إني أسألك الايمان بك، والتصديق بنبيك، والعافية من جيمع البلاء، والشكر على العافية، والغنى عن

______________

(١) بحار الانوار ٧٦: ٣٢٢/٥.

٤٢٦

شرار الناس(١) .

٥٦٣/٤ - حدّثنا سليمان بن أحمد اللخمي، قال: حدّثنا الحضرمي، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب، قال: حدّثنا ثابت بن حماد، عن موسى بن صهيب، عن عبادة ابن نسي، عن عبدالله بن أبي أوفى، قال: آخى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين أصحابه وترك عليا عليه السلام، فقال له: آخيت بين أصحابك وتركتني؟ فقال: والذي نفسي بيده، ما أخرتك إلا لنفسي، أنت أخي ووصيي ووارثي. قال: ما أرث منك، يا رسول الله؟ قال: ما أورث النبيون قبلي، أورثوا كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت وابناك معي في قصري في الجنة(٢) .

٥٦٤/٥ - حدّثنا عبدالله بن محمّد الصائغ رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوحاتم محمّد بن عيسى بن محمّد الوسقندي، قال: أخبرنا أبي، قال: حدّثنا إبراهيم بن ديزيل، قال: حدّثنا الحكم بن سليمان الجبلي أبومحمّد، قال: حدّثنا عليّ بن هاشم، عن مطير بن ميمون، أنه سمع أنس بن مالك يقول: حدثني سلمان الفارسي رحمه الله، أنه سمع نبي الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: إن أخي ووزيري وخير من أخلفه بعدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام(٣) .

٥٦٥/٦ - حدّثنا أبوعبدالله الحسين بن أحمد العلوي من ولد محمّد بن عليّ ابن أبي طالب، قال: حدّثنا أبوالحسن عليّ بن أحمد بن موسى، قال: حدّثنا أحمد بن علي، قال: حدثني أبوعلي الحسن بن إبراهيم بن عليّ العباسي، قال: حدثني أبوسعيد عمير بن مرداس الدولقي(٤) ، قال: حدثني جعفر بن بشير المكي، قال: حدّثنا وكيع، عن المسعودي رفعه، عن سلمان الفارسي رحمه الله، قال: مر إبليس بنفر يتناولون أميرالمؤمنين عليه السلام، فوقف أمامهم، فقال القوم: من الذي وقف أمامنا؟

______________

(١) الكافي ٢: ٤٢٧/٢٥، بحار الانوار ٢٢: ٤٠٠/٩.

(٢) بحار الانوار ٣٨: ٣٣٤/٦.

(٣) بحار الانوار ٤٠: ٦/١٢.

(٤) في الانساب ٢: ٥٠٩، ومعجم البلدان ٢: ٤٨٩: الدونقي.

٤٢٧

فقال: أنا أبومرة. فقالوا: يا أبا مرة أما تسمع كلامنا؟ فقال: سوءة لكم، تسبون مولاكم عليّ بن أبي طالب! فقالوا له: من أين علمت أنه مولانا؟ فقال: من قول نبيكم: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. فقالوا له: فأنت من مواليه وشيعته؟ فقال: ما أنا من مواليه ولا من شيعته، ولكني أحبه، وما يبغضه أحد إلا شاركته في المال والولد.

فقالوا له: يا أبا مرة، فتقول في علي شيئا؟ فقال لهم: اسمعوا مني معاشر الناكثين والقاسطين والمارقين، عبدت الله عزّوجلّ في الجان اثني عشر ألف سنة، فلما أهلك الله الجان شكوت إلى الله عزّوجلّ الوحدة، فعرج بي إلى السماء الدنيا، فعبدت الله عزّوجلّ في السماء الدنيا اثني عشر ألف سنة أخرى في جملة الملائكة، فبينا نحن كذلك نسبح الله عزّوجلّ ونقدسه إذ مر بنا نور شعشعاني، فخرت الملائكة لذلك النور سجدا، فقالوا: سبوح قدوس، نور ملك مقرب أو نبي مرسل، فإذا النداء، من قبل الله عزّوجلّ: لا نور ملك مقرب ولا نبي مرسل، هذا نور طينة عليّ بن أبي طالب(١) .

٥٦٦/٧ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعي، عن إبراهيم بن الحكم، عن عمرو بن جبير، عن أبيه، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليا عليه السلام إلى اليمن، فانفلت فرس لرجل من أهل اليمن، فنفح(٢) رجلا برجله فقتله، وأخذه أولياء المقتول، فرفعوه إلى علي عليه السلام، فأقام صاحب الفرس البينة أن الفرس انفلت من داره فنفح الرجل برجله، فأبطل علي عليه السلام دم الرجل، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يشكون عليا عليه السلام فيما حكم عليهم، فقالوا: إن عليا ظلمنا، وأبطل دم صاحبنا. فقال رسول

______________

(١) علل الشرائع: ١٤٣/٩، بحار الانوار ٣٩: ١٦٢/١.

(٢) نفحت الدابة الشئ: ضربته بحد حافرها.

٤٢٨

الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن عليا ليس بظلام، ولم يخلق علي للظلم، وإن الولاية من بعدي لعلي، والحكم حكمه، والقول قوله، لا يرد حكمه وقوله وولايته إلا كافر، ولا يرضى بحكمه وقوله وولايته إلا مؤمن. فلما سمع اليمانيون قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في علي عليه السلام قالوا: يا رسول الله، رضينا بقول علي وحكمه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: هو توبتكم مما قلتم(١) .

وصلّى الله على محمّد وآله، وحسبنا الله ونعم الوكيل

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٠١/٢٢.

٤٢٩

[ ٥٦ ]

المجلس السادس والخمسون

مجلس يوم الثلاثاء

الثامن من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٥٦٧/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن بن شمون، عن عبدالله بن سنان، عن الفضيل بن يسار، قال: انتهيت إلى زيد بن عليّ عليه السلام صبيحة يوم خرج بالكوفة فسمعته يقول: من يعينني منكم على قتال أنباط أهل الشام؟ فو الذي بعث محمّدا بالحق بشيرا، لا يعينني منكم على قتالهم أحد إلا أخذت بيده يوم القيامة فأدخلته الجنة بإذن الله.

قال: فلما قتل اكتريت راحلة، وتوجهت نحو المدينة، فدخلت على الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، فقلت في نفسي: لا أخبرته بقتل زيد بن عليّ فيجزع عليه، فلما دخلت عليه قال لي: يا فضيل، ما فعل عمي زيد؟ قال: فخنقتني العبرة، فقال لي: قتلوه؟ قلت: إي والله، قتلوه. قال: فصلبوه؟ قلت: إي والله صلبوه. قال: فأقبل يبكي ودموعه تنحدر على ديباجتي خده كأنها الجمان.

ثم قال: يا فضيل، شهدت مع عمي قتال أهل الشام؟ قلت: نعم. قال: فكم

٤٣٠

قتلت منهم؟ قلت: ستة. قال: فلعلك شاك في دمائهم؟ قال: فقلت: لو كنت شاكا ما قتلتهم. قال: فسمعته وهو يقول: أشركني الله في تلك الدماء، مضى والله زيد عمي وأصحابه شهداء، مثلما مضى عليه عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه(١) .

٥٦٨/٢ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أي المال خير؟ قال: زرع زرعه صاحبه وأصلحه، وأدى حقه يوم حصاده.

قيل: يا رسول الله، فأي المال بعد الزرع خير؟ قال: رجل في غنمه، قد تبع بها مواضع القطر، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة.

قيل: يا رسول الله، فأي المال بعد الغنم خير؟ قال: البقر تغدو بخير وتروح بخير.

قيل: يا رسول الله فأي المال بعد البقر خير؟ قال: الراسيات في الوحل، والمطعمات في المحل، نعم الشئ النخل، من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدت به الريح في يوم عاصف، إلا أن يخلف مكانها.

قيل: يا رسول الله، فأي المال بعد النخل خير، فسكت. فقال له رجل: فأين الابل؟ قال: فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار، تغدو مدبرة وتروح مدبرة، ولا يأتي خيرها إلا من جانبها الاشأم(٢) ، أما إنها لا تعدم الاشقياء الفجرة(٣) .

٥٦٩/٣ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن حماد بن عثمان، عن عبدالله بن أبي يعفور، عن الصادق جعفر بن

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٥٢/٧، بحار الانوار ٤٦: ١٧١/٢٠.

(٢) زاد في نسخة: قيل: فيترك الناس الابل حينئذ، قال: كلا.

(٣) الخصال: ٢٤٥/١٠٥، معاني الاخبار: ١٩٦/٣، بحار الانوار ٦٤: ١٢١/٥.

٤٣١

محمّد عليهما السلام، قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الناس في حجة الوداع بمنى في مسجد الخيف، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها، ثم بلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل(١) عليهن قلب امرء مسلم: اخلاص العمل لله والنصيحة لائمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم المسلمون إخوة تتكافا دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، هم يد على من سواهم(٢) .

٥٧٠/٤ - حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه رحمه الله، عن عمه محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى الخزاز، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لانسبن الاسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي، الاسلام هو التسليم، والتسليم هو التصديق، والتصديق هو اليقين، واليقين هو والاداء هو العمل، إن المؤمن أخذ دينه عن ربه ولم يأخذه عن رأيه.

أيها الناس، دينكم دينكم، تمسكوا به، لا يزيلكم أحد عنه، لان السيئة فيه خير من الحسنة في غيره، لان السيئة فيه تغفر، والحسنة في غيره لا تقبل(٣) .

٥٧١/٥ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، قال: دخل أبوشاكر الديصاني على أبي عبدالله الصادق عليه السلام، فقال له: إنك أحد النجوم الزواهر، وكان آباؤك بدورا بواهر، وأمهاتك عقيلات عباهر(٤) ، وعنصرك من أكرم

______________

(١) هو من الاغلال: الخيانة في كل شئ. ويروى (يغل) بفتح الياء، من الغل: وهو الحقد والشحناء، أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق. وروي (يغل) بالتخفيف، من الوغول: الدخول في الشر. والمعنى أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر « النهاية ٣: ٣٨١ ».

(٢) الخصال: ١٤٩/١٨٢، بحار الانوار ٢٧: ٦٧/٣.

(٣) معاني الاخبار: ١٨٥/١، بحار الانوار ٦٨: ٣٠٩/١.

(٤) في نسخة: أباهر، والعباهر: العظيم من كل شئ، والعبهرة من النساء: التي تجمع الحسن في الجسم والخلق.

٤٣٢

العناصر، وإذا ذكر العلماء فبك تثني الخناصر، فخبرني أيها البحر الخضم الزاخر، ما الدليل على حدث العالم؟

فقال الصادق عليه السلام: يستدل عليه بأقرب الاشياء، قال: وما هو؟ قال: فدعا الصادق عليه السلام ببيضة، فوضعها على راحته، ثم قال: هذا حصن ملموم، داخله غرقئ(١) رقيق، تطيف به فضة سائلة، وذهبة مائعة، ثم تنفلق عن مثل الطاوس، أدخلها شئ؟ قال: لا. قال: فهذا الدليل على حدث العالم. قال: أخبرت فأوجزت، وقلت فأحسنت، وقد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركناه بأبصارنا، أو سمعناه بآذاننا، أو لمسناه بأكفنا، أو شممناه بمناخرنا، أو ذقناه بأفواهنا، أو تصور في القلوب بيانا، واستنبطته الروايات إيقانا.

فقال الصادق عليه السلام: ذكرت الحواس الخمس، وهي لا تنفع شيئا بغير دليل، كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح(٢) .

٥٧٢/٦ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد ابن عبدالله، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام أنه دخل عليه رجل، فقال له: يابن رسول الله، ما الدليل على حدث العالم؟ قال: أنت لم تكن ثم كنت، وقد علمت أنك لم تكون نفسك، ولا كونك من هو مثلك(٣) .

٥٧٣/٧ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، قال: حدثني أبوأحمد محمّد بن زياد الازدي، عن أبان بن عثمان الاحمر، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم وهو في

______________

(١) الغرقئ: القشرة الرقيقة الملتزقة ببياض البيض

(٢) التوحيد: ٢٩٢/١، بحار الانوار ٣: ٣٩/١٣.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١٣٤/٣٢، التوحيد: ٢٩٣/٣، الاحتجاج: ٣٩٦، بحار الانوار ٣: ٣٦/١١.

٤٣٣

مسجد قباء والانصار مجتمعون: يا علي، أنت أخي وأنا أخوك، يا علي أنت وصيي، وخليفتي، وإمام امتي بعدي، وإلى الله من والاك، وعادى الله من عاداك، وأبغض الله من أبغضك، ونصر الله من نصرك، وخذل الله من خذلك.

يا علي، أنت زوج ابنتي، وأبو ولدي. يا علي، إنه لما عرج بي إلى السماء عهد إلي ربي فيك ثلاث كلمات، فقال: يا محمّد. قلت: لبيك ربي وسعديك، تبارك وتعاليت. فقال: إن عليا إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، ويعسوب المؤمنين(١) .

٥٧٤/٨ - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه، قال: حدّثنا الحسن بن متيل الدقاق، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدّثنا محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن على الباقر عليه السلام، قال: سمعت جابر بن عبدالله الانصاري يقول: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان ذات يوم في منزل أم إبراهيم، وعنده نفر من أصحابه، إذ أقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلما بصر به النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: يا معشر الناس، أقبل إليكم خير الناس بعدي، وهو مولاكم، طاعته مفروضة كطاعتي، ومعصيته محرمة كمعصيتي. معاشر الناس، أنا دار الحكمة، وعلي مفتاحها، ولن يوصل إلى الدار إلا بالمفتاح، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا(٢) .

٥٧٥/٩ - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال ذات يوم لجابر بن عبدالله الانصاري: يا جابر، إنك ستبقى حتى تلقى ولدي محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، المعروف في التوراة بالباقر فإذا لقيته فأقرئه مني السلام.

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٠٢/٢٣.

(٢) بحار الانوار ٣٦: ١٠٢/٢٤.

٤٣٤

فدخل جابر إلى عليّ بن الحسين عليهما السلام فوجد محمّد بن عليّ عليهما السلام عنده غلاما، فقال له، يا غلام، أقبل. فأقبل، ثم قال له: أدبر. فأدبر، فقال جابر: شمائل رسول الله ورب الكعبة، ثم أقبل على عليّ بن الحسين عليهما السلام فقال له، من هذا؟ قال: هذا ابني، وصاحب الامر بعدي محمّد الباقر. فقام جابر فوقع على قدميه يقبلهما، ويقول: نفسي لنفسك الفداء يا بن رسول الله، اقبل سلام أبيك، إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقرأ عليك السلام. قال: فدمعت عينا أبي جعفر عليه السلام، ثم قال: يا جابر، على أبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم السلام ما دامت السماوات والارض، وعليك - يا جابر - بما بلغت السلام(١) .

٥٧٦/١٠ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن خلف بن حماد الاسدي، عن أبي الحسن العبدي، عن الاعمش، عن عباية بن ربعي، عن عبدالله بن عباس، قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما أسري به إلى السماء، انتهى به جبرئيل إلى نهر يقال له النور، وهو قول الله عزّوجلّ: [خلق الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ](٢) ، فلما انتهى به إلى ذلك النهر قال: له جبرئيل عليه السلام: يا محمّد، اعبر على بركة الله، فقد نور الله لك بصرك، ومد لك أمامك، فإن هذا نهر لم يعبره أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، غير أن لي في كل يوم اغتماسة فيه، ثم أخرج منه، فأنفض أجنحتي، فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا مقربا، له عشرون ألف وجه وأربعون ألف لسان، كل لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللسان الآخر.

فعبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، حتي انتهى إلى الحجب، والحجب خمسمائة حجاب، من الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام، ثم قال: تقدم يا محمّد. فقال له: يا جبرئيل، ولم لا تكون معي؟ قال: ليس لي أن أجوز هذا المكان. فتقدم

______________

(١) بحار الانوار ٤٦: ٢٢٣/١.

(٢) كذا، وفي سورة الانعام ٦: ١: [وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ].

٤٣٥

رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما شاء الله أن يتقدم، حتى سمع ما قال الرب تبارك وتعالى: أنا المحمود، وأنت محمّد، شققت اسمك من اسمي، فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتلته(١) انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك، وأني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا، وأنك رسولي، وأن عليا وزيرك.

فهبط رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فكره أن يحدث الناس بشئ كراهية أن يتهموه، لانهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية، حتى مضى لذلك ستة أيام، فأنزل الله تبارك وتعالى:( فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ) (٢) ، فاحتمل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك حتى كان يوم الثامن، فأنزل الله تبارك وتعالى عليه( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٣) ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: تهديد بعد وعيد، لامضين أمر الله عزّوجلّ، فإن يتهموني ويكذبوني، فهو أهون علي من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة.

قال: وسلم جبرئيل على علي بإمرة المؤمنين، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، أسمع الكلام ولا أحس الرؤية. فقال: يا علي، هذا جبرئيل، أتاني من قبل ربي بتصديق ما وعدني.

ثم أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رجلا فرجلا من أصحابه حتى سلموا عليه بإمرة المؤمنين، ثم قال: يا بلال، ناد في الناس أن لا يبقى غدا أحد إلا عليل إلا خرج إلى غدير خم، فلما كان من الغد خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بجماعة أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى أرسلني إليكم برسالة، وإني ضقت بها ذرعا مخافة ان تتهموني وتكذبوني حتى أنزل الله علي وعيدا بعد وعيد،

______________

(١) في نسخة: بتكته، وكلاهما بمعنى قطعته.

(٢) هود ١١: ١٢.

(٣) المائدة ٥: ٦٧.

٤٣٦

فكان تكذيبكم إياي أيسر علي من عقوبة الله إياي، إن الله تبارك وتعالى أسرى بي وأسمعني وقال: يا محمّد، أنا المحمود، وأنت محمّد، شققت اسمك من اسمي، فمن وصلك وصلته، ومن قطعك بتلته(١) ، انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك، وأني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا، وأنك رسولي، وأن عليا وزيرك.

ثم أخذ صلّى الله عليه وآله وسلّم بيدي عليّ بن أبي طالب، فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما، ولم ير قبل ذلك، ثم قال: أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى مولاي، وأنا مولى المؤمنين، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

فقال الشكاك والمنافقون والذين في قلوبهم مرض وزيع: نبرأ إلى الله من مقالة ليس بحتم، ولا نرضى أن يكون علي وزيره، هذه منه عصبية.

فقال سلمان والمقداد وأبوذرّ وعمار بن ياسر: والله ما برحنا العرصة حتى نزلت هذه الآية:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (٢) ، فكرر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك ثلاثا، ثم قال: إن كمال الدين وتمام النعمة ورضا الرب بإرسالي إليكم، بالولاية بعدي لعليّ بن أبي طالب(٣) .

وصلّى الله على محمّد وآله، وحسبنا الله ونعم الوكيل

______________

(١) في نسخة: بتكته.

(٢) المائدة ٥: ٣.

(٣) بحار الانوار ٣٧: ١٠٩/٣.

٤٣٧

[ ٥٧ ]

المجلس السابع والخمسون

مجلس يوم الجمعة

الحادي عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٥٧٧/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدّثنا محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت مولاي الصادق عليه السلام يقول: كان فيما ناجى الله عزّوجلّ به موسى بن عمران عليه السلام أن قال له: يا بن عمران، كذب من زعم أنه يحبني فإذا جنه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه، ها أنا ذا - يا بن عمران - مطلع على أحبائي، إذا جنهم الليل حولت أبصارهم من قلوبهم، ومثلت عقوبتي بين أعينهم، يخاطبوني عن المشاهدة، ويكلموني عن الحضور. يا بن عمران، هب لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع في ظلم الليل، وادعني فإنك تجدني قريبا مجيبا(١) .

٥٧٨/٢ - وبهذا الاسناد قال: كان الصادق عليه السلام يدعو بهذا الدعاء: إلهي كيف أدعوك وقد عصيتك، وكيف لا أدعوك وقد عرفت حبك في قلبي! وإن كنت

______________

(١) بحار الانوار ١٣: ٣٢٩/٧.

٤٣٨

عاصيا مددت إليك يدا بالذنوب مملوءة، وعينا بالرجاء ممدودة، مولاي أنت عظيم العظماء، وأنا أسير الاسراء، أنا أسير بذنبي مرتهن بجرمي، إلهي لئن طالبتني بذنبي لاطالبنك بكرمك، ولئن طالبتني بجريرتي لاطالبنك بعفوك، ولئن أمرت بي إلى النار لاخبرن أهلها أني كنت أقول: لا إله إلا الله، محمّد رسول الله، اللهم إن الطاعة تسرك، والمعصية لا تضرك، فهب لي ما يسرك، واغفر لي ما لا يضرك، يا أرحم الراحمين(١) .

٥٧٩/٣ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن خالد ابن نجيح الجواز، عن وهب بن عبد ربه، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: من قال يعلم الله لما لا يعلم الله، اهتز العرش إعظاما لله عزّوجلّ(٢) .

٥٨٠/٤ - حدّثنا محمّد بن القاسم الاسترآبادي رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن عليّ بن الناصر، عن أبيه، عن محمّد بن علي، عن أبيه الرضا، عن موسى بن جعفر عليهم السلام، قال: سئل الصادق عليه السلام عن الزاهر في الدنيا. قال: الذي يترك حلالها مخافة حسابه، ويترك حرامها مخافة عذابه(٣) .

٥٨١/٥ - وبهذا الاسناد، قال: رأى الصادق عليه السلام رجلا قد اشتد جزعه على ولده، فقال: يا هذا، جزعت للمصيبة الصغرى، وغفلت عن المصيبة الكبرى، لو كنت لما صار إليه ولدك مستعدا لما اشتد عليه جزعك، فمصابك بتركك الاستعداد له أعظم من مصابك بولدك(٤) .

٥٨٢/٦ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن عثمان بن عيسى، عن عبدالله بن مسكان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: ثلاثة هم أقرب الخلق إلى

______________

(١) بحار الانوار ٩٤: ٩٢/٥.

(٢) بحار الانوار ١٠٤: ٢٠٧/٥.

(٣) معاني الاخبار: ٢٨٧/١، عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٥٢/١٩٩، بحار الانوار ٧٠: ٣١٠/٦.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٥/١٠، وسائل الشيعة ٢: ٦٤٩/٦.

٤٣٩

الله عزّوجلّ يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرته في حال غضبه إلى أن يحيف على من تحت يديه، ورجل مشى بين اثنين فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعيرة، ورجل قال الحق فيما عليه وله(١) .

٥٨٣/٧ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قلت لابي عبدالله الصادق عليه السلام: بم يعرف الناجي؟ فقال: من كان فعله لقوله موافقا فهو ناج، ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع(٢) .

٥٨٤/٨ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم، عن الصادق جعفر ابن محمّد عليهما السلام، أنه قال: عليكم بأتيان المساجد، فإنها بيوت الله في الارض، ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه، وكتب من زواره، فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء، وصلوا من المساجد في بقاع مختلفة، فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة(٣) .

٥٨٥/٩ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، قال: حدثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدّثنا الحسن ابن محبوب، قال: حدّثنا معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم(٤) .

٥٨٦/١٠ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد، عن محمّد بن

______________

(١) بحار الانوار ٦٩: ٣٧٠/١٠.

(٢) بحار الانوار ٢: ٢٦/١.

(٣) بحار الانوار ٨٣: ٣٨٤/٥٩.

(٤) بحار الانوار ٢: ٤١/٢.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

فلما قرأ كتابه بعث إليه ، وقال : ويحك كيف يجوز نسخ هذا الأمر وقد تقدمت في إبرامه أو الرجوع عنه ، وقد سعيت في تأكيده؟

فقال له : تحتال برفقك ولطفك حتى تطلق عنك عقاله وتفك(١) يدك من غله ، فإن الرأي في يدك ما لم تمضه فإذا أمضيته لزمك خطؤه وصوابه ، واعلم أن هذا الأمر الذي تطلب ليس بصغير القدر ولا بيسير الخطر ، وإن جل أصحابك لهولاء القوم كارهون ، ولو قد بارزت الخليفة بخلعه وعاندته بنصب إمام دونه لصرف(٢) إليك رأيه ومكيدته ، ورماك بأنصاره وجنوده ، ثم لا عراق لك ولا شام ، إن لجأت إلى العراق فهم أهل الكوفة المجبولون على الغدر والختر والمعروفون بقلة الوفاء والصبر ، ثم هم بعد أهواء متفرقة وآراء مختلفة ، كل يريد أن تكون الرئاسة في يده ، وأن يكون من فوقه تبعا له ، وإن صرت إلى الشام فكيف لك بالمقام فيهم والامتناع بهم ، وعامتهم من قتل عليعليه‌السلام أباه وجده وابن عمه وحميمه ، وكلهم يطلب هؤلاء القوم بوتر ويرى أن له عندهم(٣) دخلا ، فأنشدك الله أن تفرق جماعة قيس ، وتشتت أمرها ، وتحمل العرب طرا على أكتافها(٤) ، فو الله لئن مضيت على رأيك وشهرت بهذا الرجل نفسك ليرمينك الناس عن(٥) قوس واحدة وليجمعن على قتالك.

فندم نصر على ما كان منه وتخوف العواقب ، وأتى محمداعليه‌السلام وقال له : يا بن محمد رسول الله ، قد كان سبق إليك مني قول عن غير مشاورة لأصحابي ولا معرفة لرأي قومي ، وكنت أرجو أن لا يتخلف عليّ منهم متخلف ، ولا يتنكر علي منهم متنكر ، وقد عرضت عليهم بيعتك فكرهوها ، وامتنعوا من إجابتي إليها ، فإن رأيت أن تقيلني وتجعلني في سعة من رجوعي ، وأنا مقويك بما احتجت إليه ، وهذه خمسة آلاف دينار ففرقها في أصحابك ،

__________________

(١) في (ب ، ج ، د) : ونفك.

(٢) في (ب) : اصرف ، ولعله تصحيف.

(٣) نهاية الصفحة [٣١٤ ـ أ].

(٤) في (ج) : أكنافها.

(٥) في (ج) : على.

٥٢١

واستعن بها على أمرك ، فأبى محمد أن يقيله وامتنع من قبول ما بذله(١) ورجع مغضبا ، فأنشأ يقول :

سنغني بعون الله عنك بعصبة

يهشون للداعي(٢) إلى أرشد الحق

ظننت بك الحسنى فقصرت

وأصبحت مذموما وفاز ذوو

[أبو السرايا ومواقفه مع صاحب الترجمة](٣)

قال نصر بن مزاحم : حدثني الحسن بن خلف(٤) قال : كنت ممن شخص مع محمدعليه‌السلام إلى نصر بن شبيب ، فلما بلغنا في رجعتنا إلى غانات(٥) ، قال : إن بهذه الناحية رجلا أعرابي المنشأ علوي الرأي صادق النية في محبتنا أهل البيت المعروف بأبي السرايا ، فالتمسوه(٦) لي لعلنا نستعين به على بعض أمرنا ، ونكثر به جماعتنا ، فخرجنا في طلبه فما وجدنا(٧) أحدا من أهل تلك الناحية يعرفه ، ولا يخبر بخبره ، فلما أردنا الانصراف لقينا رجل من أنباط(٨) تلك الناحية فسألناه عنه ، فقال : أما الرجل الذي تطلبونه فلا أعرفه ، ولكن في هذه القرية ؛ وأومأ بيده إلى بعض قرى غانات أعرابي يعلف أفرسا له ، فأتوه لعلكم تجدون عنده علما من صاحبكم.

__________________

(١) في (ب ، ج ، د) : دونها.

(٢) في (د) : يمشون إلى الداعي.

(٣) انظر : الأعلام (٣ / ٨٢) ، البداية والنهاية (١٠ / ٢٤٤) ، والطبري (٧ / ١١٨) وما بعدها ، الكامل (٥ / ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٧٩ ، ١٩٠) ، مقاتل الطالبيين ص (٤٢٩ ، ٤٤٦) وما بعدها ، مروج الذهب (٢ / ٢٢٤) ، ومراجع أخرى عديدة تناولت التاريخ الإسلامي ، خصوصا زمن صاحب الترجمة.

(٤) في (ب ، ج) : الحسين بن خلف.

(٥) انظر : الأنساب للسمعاني (٤ / ١١٩) ، الروض المعطار (٤٢٥ ـ ٤٢٦) ، معجم البلدان (٤ / ١٨٤) ، ولعل فيها تصحيف.

(٦) نهاية الصفحة [٣١٥ ـ أ].

(٧) في (ب ، ج) : عرفنا.

(٨) في (أ، د) أبناء. والأنباط : شعب شامي ، كانت له دولة في شمالي الجزيرة العربية ، وعاصمتهم سلع ، وتعرف اليوم بالبتراء ، وأيضا المشتغلون بالزراعة ، وقد استعمل أخيرا في أخلاط الناس من غير العرب ، المعجم الوسيط (٨٩٨).

٥٢٢

قال : فأتيناه وهو في قصر من قصور القرية وبين يديه مرآة ودواء وهو ينظر في المرآة ويداوي جراحة به في وجهه ، فلما رآنا أنكرنا حتى عرفنا في وجهه(١) التغير والغضب ، فسلمنا فرد جواب سلامنا ، ثم قال : من أنتم؟

قلنا : بعض أبناء السبيل ، انتجونا ابن عم لنا فخفي علينا موضعه ، فرجونا أن تكون عارفا به وبمكانه.

قال : ومن هو ابن عمكم؟

قلنا : أبو السرايا السري بن منصور الشيباني(٢) .

قال : هل تعرفونه إن رأيتموه(٣) ؟

قلنا : نعرف النسب وننكر الرؤية.

قال : فأنا هو.

فأكببنا عليه وصافحناه وعانقناه ، ثم قلنا : إن في السفر معنا بعض من تحب لقاءه وترغب في السلام عليه ، فهل يخف عليك النهوض معنا إليه؟

قال : ومن هو؟

قلنا : بعض أهل بيت نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولاة دينك.

فقال : الحمد لله رب العالمين ، والله ما انفككت داعيا إلى الله «أن»(٤) يريني بعض ولد نبيه ، فأبذل نفسي له وأموت تحت ركابه.

قلنا : من تحب أن ترى منهم؟

فقال : محمد بن إبراهيم فإنه وصف(٥) لي برأي ودين ، فإني كنت كاتبته ودعوته إلى الذب عن دينه وطلب وراثة جده.

__________________

(١) في (ب ، ج ، د) : عرفنا فيه.

(٢) هو السري بن منصور أحد بني ربيعة بن ذهل بن شيبان ، وقد سبق التنويه إلى أهم مراجع ومصادر ترجمته.

(٣) في (ب ، ج ،) : إذا رأيتموه.

(٤) ساقط في (ج).

(٥) نهاية الصفحة [٣١٦ ـ أ].

٥٢٣

قال : قلنا : فإنه معنا ، فخر لله ساجدا ، ثم وثب ولبس ثيابه وتقلد سيفه ، وأقبل إليه ، فلما رآه محمد اعتنقه وأدنى مجلسه(١) .

قال(٢) نصر بن مزاحم : حدثني عبد الله بن محمد قال : لما كان في يوم الخميس لسبع ليال خلون من رجب وهو اليوم الذي تواعد فيه محمد بن إبراهيم وأبو السرايا ، خرج محمد من جبانة بشر(٣) من منزل عمران بن مسعد(٤) فيمن كان بايعه من الزيدية ، ومن معه من عوام الناس إلى مسجد السهلة(٥) لموعده فأبطأ عليهم حتى ندم محمد وخاف أن يكون قد غدر به وعرف الكآبة في وجهه ، فلما تعالى النهار وافاهم أبو السرايا مما يلي القنطرة.

قال نصر بن مزاحم : فحدثني محبوب بن يزيد النهشلي ، قال : سمعت صيحة(٦) الناس وتكبيرهم فخرجت لأستعلم الخبر ، فلقيت أبا الفضل مولى العباسيين ، فقلت : ما الخبر؟ فقال :

ألم تر أن الله أظهر دينه

وضلت بنو العباس خلف بني علي

وقد ظهر ما كنتم تسرون وعلا ما كنتم تكتمون ، وهذا محمد بن إبراهيم في المسجد

__________________

(١) انظر المقاتل ص (٤٢٦) وما بعدها.

(٢) القائل هو : المنقري بنفس الإسناد السابق.

(٣) جبّانة : الجبّان في الأصل الصحراء وأهل الكوفة يسمون المقابر جبّانة ، كما يسميها أهل البصرة المقبرة ، وبالكوفة محالّ تسمى بهذا الاسم وتضاف إلى القبائل منها : جبانة كندة ، وجبانة السبيع كان بها يوم للمختار بن عبيد ، وجبانة ميمونة منسوبة إلى أبي بشير ميمون مولى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس صاحب الطاقات ببغداد بالقرب من باب الشام ، وجبانة عرزم نسب إليها بعض أهل العلم ، وجبانة سالم تنسب إلى سالم بن عمارة بن عبد الحارث بن ملكان بن نهار ، وجبانة بشر لعلها تنسب إلى بشر بن مروان ، ولي إمرة الكوفة والبصرة لأخيه عبد الملك سنة (٧٤ ه‍) ، انظر : معجم البلدان (٢ / ٩٩ ـ ١٠٠) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٣٥٩).

(٤) في (ب ، ج) : سعد.

(٥) مسجد بالكوفة ، قال أبو حمزة الثمالي : قال لي أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : يا أبا حمزة هل تعرف مسجد سهل؟ قلت : عندنا مسجد يسمى السهلة قال : أما إني لم أرد سواه لو أن زيدا أتاه فصلى فيه واستجار ربه من القتل لأجاره ، إن فيه لموضع البيت الذي كان يحط فيه إدريسعليه‌السلام ، ومنه رفع السلام ، ومنه كان إبراهيمعليه‌السلام يخرج إلى العمالقة وفيه موضع الصخرة التي صورة الأنبياء فيها ، وفيه الطينة التي خلق الله الأنبياء منها ، وهو موضع مناح الخضر وما أتاه مغموم إلّا فرج الله عنه ، معجم البلدان (٣ / ٢٩٠ ـ ٢٩١).

(٦) في (أ) : ضجة.

٥٢٤

يدعو الناس إلى الرضا من آل محمد ، فرجعت إلى منزلي فلبست(١) سلاحي ومضيت مع الناس(٢) فبايعت.

قال : فأقام محمدعليه‌السلام بالمسجد حتى بايعه خلق كثير عظيم من أهل الكوفة ، وصلى بالناس ، ثم دخل القصر ، فلما صلّى الظهر بعث إلى الفضل بن العباس بن موسى(٣) بن عيسى رسولا يقول له : يقرئك ابن عمك السلام ، ويقول لك : أمددنا(٤) بما قدرت عليه من سلاح وكراع.

فوافى الرسول الفضل وقد بلغه خبر محمد فخندق على داره وجمع مواليه وأتباعه ، ففرق فيهم الصلاة وقوّاهم بالأسلحة ، وأقام على سور قصره(٥) ، فلما وصل الرسول إليه رماه خادم «بسهم»(٦) من فوق الدار فجرحه ، فرجع إلى أبي السرايا متخضبا بدمه ، فدخل أبو السرايا على محمد ، فقال : يا ابن رسول الله إن الفضل بدأنا بالقتال ، ونصب لنا الحرب وأظهر لنا المعاندة ، وجرح رسولنا وقد استحق أن نحاربه فأذن لي فيه ، فإنا نرجوا أن يجاز لنا عليه وأن يغنمنا الله ماله وسلاحه ، فأذن له فيه وأمره أن لا يسفك دما ولا ينتهك حرمة(٧) .

وقال نصر بن مزاحم : عن عبد الله بن محمد قال : نادى أبو السرايا في الناس : أن اخرجوا إلى دار العباس فخرجوا حتى النساء والصبيان ، قال : فلقيته حين فصل من طاق المحامل على فرس أدهم عليه قباء أبيض ، وهو يقول :

قد وضح الحق لكم فسيروا

فكلكم مؤيد منصور

سيروا بنيّات لها تشمير

ولا يميلن بكم غرور

__________________

(١) في (أ) : ولبست سلاحي ومضيت إلى الناس.

(٢) في (أ) : إلى الناس.

(٣) نهاية الصفحة [٣١٧ ـ أ].

(٤) في (أ) : أمدنا.

(٥) الخبر في : مقاتل الطالبيين ص (٤٢٩).

(٦) ساقط في (أ، د).

(٧) الخبر في : مقاتل الطالبيين ص (٤٢٩).

٥٢٥

فتبعته إلى دار العباس فلما انتهينا إلى الخندق صاح بالناس فعبروه «وتطاعنوا»(١) بالرماح ساعة ، ورماهم النشابة من فوق الدار حتى قتلوا رجلا من أهل الكوفة ، ثم إن الموالي انهزموا وظفر أبو السرايا(٢) بالدار فأمر الناس بانتهاب ما فيها ، وخرج النساء متلدمات(٣) ، واستبطن الفضل بطن الخندق هاربا في ستة فوارس ، حتى أخذ على قرية أبي حمار ، ثم خرج إلى شاطئ الفرات فعبر إلى الفرات ، وركب وجهة إلى بغداد.

عن نصر بن مزاحم لما نزل زهير وأصحابه ، وهو على برذون أدهيم(٤) وعليه قباء ملجم بسواد(٥) .

فقال : يا أبا السرايا علاما نكثت الطاعة ، وفرقت الجماعة ، وهربت من الأمن إلى الخوف ، ومن العز إلى الذل ، أما والله لكأني بك قد أسلمك من غرّك ، وخذلك من استفزك ، وصرت كالأشقر إن تقدمت نحرت ، وإن تأخرت عقرت ، وإن طلبت دنيا فالدنيا عندنا ، وإن التمست الآخرة فباب الآخرة التمسك بطاعتنا الأمان قبل العثار ، والتقدم قبل التندم.

فقال له أبو السرايا : يا أبا الأزهر ، الكلام يطول ، والاحتجاج يكثر ، وقد أعطيت الله عهدا أن لا أراجع(٦) لابس سواد بسلم ، ولا أنزع له عن منكر ، فإن رأيت أن تنزع سوادك وتحاورني فافعل.

قال : فولى زهير وجهه إلى أصحابه ، فابتدره الخدم ينزعون سواده فكبر أبو السرايا ، ثم

__________________

(١) ورد في الأصل : اطعنوا.

(٢) نهاية الصفحة [٣١٨ ـ أ].

(٣) لدم لدما : ضربه بشيء ثقيل يسمع وقعة ، وتلدمت النساء : ضربن وجوههن في المآثم ، المعجم الوسيط : مادة (لدم).

(٤) برذون أدهيم : البرذون يطلق على غير العربي من الخيل والبغال من الفصيلة الخيلية ، عظم الخلقة ، غليظ الأعضاء ، قوي الأرجل ، عظيم الحوافر ، المعجم الوسيط مادة : (برذن). وأدهيم : الدهم الفرس الأسود ، والدهيم الأحمق.

(٥) قباء : القباء ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ويتمنطق عليه ، والقباء : قباء القوس من مقبض القوس إلى طرفها أي نصفها ، يقال : بينها قباء قوسين : طول قوس ، المعجم الوسيط مادة : (قباه).

(٦) في (ب ، ج) : أرجع.

٥٢٦

قال : ولّاني ظهره وخلع(١) سواده ، والله لأهزمن جمعه ، ولأخلعن سواده يعني جماعته وعزه.

[٤٣] [أخبرنا أبو العباس الحسني قال : حدثنا أبو زيد العلوي عن أبي جعفر أحمد بن الحسين الكوفي] عن نصر بن مزاحم ، عن يزيد بن موسى الجعفي قال : كنت مع العلاء بن المبارك ، في الرابئين(٢) يوم القنطرة ، فنظر إلى الناس يمرون إلى الكناسة(٣) إلى العسكر والوقعة ، فقال لي : يا أبا خالد ، أترى الله ينصر(٤) هؤلاء جميعا ، أو يدفع بهم عن حريم(٥) ، فما افترقنا من مجلسنا حتى رأيت الناس يتباشرون بالفتح ، والرءوس على أطراف الرماح ، وصدور الخيل.

[وفاته ووصيته لأبي السرايا](٦)

قال نصر بن مزاحم : رجع أبو السرايا والناس من الوقعة وقد طعن محمدعليه‌السلام على خاصرته(٧) ، وهو يجود بنفسه ، فقعد عند رأسه ، ثم قال : يا ابن رسول الله ، إن كل حي ميت ، وكل جديد بال ، وهذا مقام فراق ، ومحل وداع ، فمرني بأمرك ، وأودعني وصيتك.

فقالعليه‌السلام : أوصيك بتقوى الله ، فإنها أحرز جنة ، وأمنع عصمة ، والصبر فإنه أفضل مفزع وأحمد معول ، وأن تستتم الغضب لربك ، وتدوم على منع دينك ، وتحسن صحبة من استجاب لك ، وولي الناس الخيرة لأنفسهم في من يقوم مقامي فيهم من آل عليعليه‌السلام فإن اختلفوا فالأمر إلى علي بن عبيد الله بن الحسين ، فإني قد بلوت دينه ورضيت طريقته ، فارضوا به ، واسكنوا إليه ، وأحسنوا طاعته تحمدوا رأيه وبأسه.

ثم اعتقل لسانه(٨) عليه‌السلام وهدأت جوارحه فغمضه أبو السرايا وسجاه ، وكتم أمره ،

__________________

(١) في (أ) : وخلع لي سواده.

(٢) الرابئين : لعله نهر بين واسط ، وبغداد قرب النعمانية ، وأظنها نهر قوسان ، انظر معجم البلدان (٣ / ١٢٥).

(٣) بالضم ، والكنس : كسح ما على وجه الأرض من القمام ، والكناسة ملقي ذلك وهي بالكوفة ، انظر : معجم البلدان (٤ / ٤٨٠).

(٤) نهاية الصفحة [٣١٩ ـ أ].

(٥) في (أ) : ويدفع بهم عن حريم.

(٦) انظر مقاتل الطالبيين ص (٤٣٤). ومنه : الطبري (١٠ / ٢٢٧) ، ابن الأثير (٦ / ١١٢).

(٧) في (ب ، ج ، د) : في خاصرته.

(٨) في (أ) : ثم انعقل.

٥٢٧

فلما كان الليل غسله وأدرجه في أكفانه ثم شده على حمار(١) فأخرجه هو ونفر من الزيدية إلى الغري(٢) ، فلما استودعه قبره قال أبو السرايا : يرحمك الله يا أبا عبد الله عشت بقدر ، ومت بأجل ، عمرت فعملت ، ودعيت فأجبت ، أما والله لقد كنت وفيّ العهد(٣) ، ومحكم العقد لطيف النظر ، نافذ البصر ، ثم بكى ، وقال منشدا :

عاش الحميد فلما أن قضى ومضى

كان الفقيد فمن ذا بعده خلف

لله درك أحييت الهدى(٤) وبدت

بك المعالم عنها الجور ينكشف

[٤٤] قال أبو زيد العلويرحمه‌الله : قبرهعليه‌السلام عندنا بالكوفة فتراه إذا رأيته كأنه قطعة جنة ، قد بقلت.

قال أبو زيد : سمعت من الناس من يقول : أنا أفضله(٥) بعد زيد بن عليعليه‌السلام على الجميع(٦) .

وذكر أنهعليه‌السلام لم ير في زمانه أكمل منه ، وكان إذا باشر الجهاد أشجع من أوضع(٧) فيه الروح ، وأبذله مهجة في ذات الله ، ثم بكى أبو زيد.

[٤٥] قال أبو العباس الحسني : سألت أبا زيد كم كانت مدة محمد بن إبراهيم ومكثه بعد الخروج والمبادرة بالدعوة؟ فقال : قرابة شهرين فيما سمعت علماءنا يذكرون ، فقيل : إنه شهر وأيام دون كمال العشر(٨) .

__________________

(١) في (أ، ج) : ثم شد على حماره.

(٢) انظر : معجم البلدان (٤ / ١٩٦ ـ ٢٠٠).

(٣) نهاية الصفحة [٣٢٠ ـ أ].

(٤) في (ج ، د) : لله درك أجبت الهدى.

(٥) في (ب) : أتفضله.

(٦) روي عن الإمام زيدعليه‌السلام قوله : (يبايع الناس لرجل منا عند قصر الضرتين سنة تسع وتسعين ومائة في عشر من جمادى الأول يباهي الله به الملائكة) ، انظر : مقاتل الطالبيين ص (٤٢٨ ـ ٤٢٩).

(٧) في (أ، ب ، ج) : وضع.

(٨) ذكر الطبري أنه خرج يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ١٩٩ ه‍ ، وفي المقاتل في عشرة من جمادى الأولى من نفس السنة ، وفي الإفادة أنه توفي يوم السبت لليلة دخلت من رجب أي من نفس السنة (١٩٩ ه‍) ، وعلى هذا فإن المدة من خروجه إلى استشهاده ـ إذا ما اعتبرنا تاريخ خروجه الأخير والذي ذهب إليه أبو الفرج الأصفهاني ـ خمسين يوما يزيد بيوم أو ينقص. والله أعلم.

٥٢٨

[خطبة أبي السرايا بعد استشهاده (ع)]

[٤٦] عن نصر بن مزاحم ، عن عبد الله بن محمد قال : لما أصبح أبو السرايا جمع من بالكوفة من العلويين ، ثم قام فيهم خطيبا ، فقال : الحمد لله الخالق الرازق الباعث الوارث المحيي المميت ، رب الدنيا والآخرة ، والعاجلة والآجلة ، أحمده إقرارا به ، وأشكره تأدية لحقه.

[وحدثنا أبو العباس الحسني قال : حدثنا أبو زيد العلوي عن الكوفي] إلى أن قال : أما بعد فإن أخاكم محمد بن إبراهيمعليه‌السلام عاش إلى مدته(١) ، وانتهى إلى غايته ، فلما نفدت أيامه ، وتصرم أجله ، واستوفى رزقه اختار الله له ما عنده ، واستأثره بما أحب(٢) أن يصيره إليه من جواره ومقارنة نبيه ، فقبضه إليه أحوج ما كنا إلى حياته حين شمر عن ساقه ، وحسر عن ذراعه ، وغضب لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذب عن أمة نبيه ، فرحمه‌الله وغفر له ، وتجاوز عن ذنوبه «ونوّر له في قبره»(٣) ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وقد أوصى أبو عبد اللهرحمه‌الله بهذا الأمر إلى شبهه ، ومن وقع عليه اختياره ، وكان ثقته ، وهو علي بن عبيد الله فإن رضيتم به وإلا فاختاروا لأنفسكم ، وولوا من يجمع(٤) عليه رأيكم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

قال : فصاحوا ما بين باك ومسترجع حتى ارتفعت أصواتهم إعظاما لوفاته ، فمكثوا عامة النهار(٥) يكره كل واحد منهم أن يتكلم.

__________________

(١) في (ب) : مدة.

(٢) نهاية الصفحة [٣٢١ ـ أ].

(٣) ساقط في (أ).

(٤) في (أ، ب ، د) : يجتمع.

(٥) في (ب ، ج) : فمكثوا عليه عامة النهار.

٥٢٩

[(٢٠) محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين](١)

(١٧٤ ه‍ ـ ٢٠٢ ه‍ / ٧٩٠ م ـ ٨١٨ م)

[خروجه وبيعته]

[٤٧] حدثنا(٢) أبو العباس الحسني بإسناده عن عبد الله بن محمد قال : لما مات محمد بن إبراهيم ، وخطب أبو السرايا من الغد فقام إليه الناس وضجوا ، وتكلم القراء وغيرهم ، قال : فوثب محمد بن محمد بن زيد ؛ وهو «يومئذ»(٣) أحدثهم سنا ؛ فقال : يا آل علي فات الهالك فنجا ، وبقي الباقي فلزمه النظر إلى دين الله ، إن دين الله لا ينصر بالفشل ، وعدو الله لا يدفع بالتخاذل ، ثم التفت إلى علي بن عبيد الله ، فقال : ما تقول يا أبا الحسن ، فقد رضينا «باختيارك»(٤) ، وقبلنا وصية أبي عبد اللهعليه‌السلام وقد اختار فلم يعد الثقة في نفسه ، ولم

__________________

(١) انظر : تأريخ الطبري (٧ / حوادث سنة ١٩١ ، ١٩٩ ، ٢٠١) ، الجامع الوجيز (خ) ، ابن الأثير (٥ / ١٧٥) ، مقاتل الطالبيين (٤٢٢ ، ٤٣٤ ، ٤٣٦ ، ٤٤٣ ، ٤٤٧) ، التحف (١٤٩ ـ ١٥٠) وفيه توفي وهو في (٢٨ ه‍) وعليه اعتمدنا ، عمدة الطالب لابن عنبة (٣٢) ، وفيه أنه توفي سنة (٢٠٢ ه‍) وهو ابن عشرين سنة ، وقد اختلف في تاريخ وفاته ، وكذا عمره ، ففي الكتاب موضوع الدراسة والتحقيق قال : وهو ابن (٣١ سنة) ويقال : (٣٣ ه‍) ، وانظر اللآلي المضيئة في أخبار أئمة الزيدية (خ) ، مطمح الآمال (تحت الطبع).

(٢) في (ب) : السند «حدثنا أبو العباس الحسني ، قال : حدثنا أبو زيد العلوي عن أحمد الحسني الكوفي ، قال : حدثنا نصر بن مزاحم عن عبد الله بن محمد إلخ».

(٣) ساقط في (أ).

(٤) ساقط في (أ).

٥٣٠

يأل جهدا في تأدية حق(١) الله الذي قلده؟ فقال : ما أرد وصيته تهاونا بأمره ، ولا أدع القيام بهذا الأمر نكولا عنه ، ولكني أتخوف أن أشعل به عن غيره مما هو أحمد مغبة ، وأفضل عاقبة ، فامضي رحمك الله لأمرك واجمع شمل بني عمك ، فقد قلدتك «الأمر»(٢) ، وأنت رضا عندنا ثقة في أنفسنا ، وقد قلدناك الرئاسة ، فتقلدها بطاعة الله والحزم ، وقولي تبع لقولك(٣) .

فمدوا يد محمد(٤) بن محمد فبايعوه ، ثم خرج(٥) إلى الناس ، وأبو السرايا أمامه ، فحمد الله أبو السرايا وأثنى عليه ، ثم قال : يا معشر الزيدية ، إن محمد بن إبراهيمعليهم‌السلام كان عبدا من عباد الله قدر الله حياته وأجل مماته ، فلما انقضى القدر ووفي الأجل قبضه الله إليه ، ونقله إلى ما اختار له من ثوابه ورحمته ، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصبنا به من فقده ، وعدمنا من رأيه وفضله ، ونسأل الله أن يغفر له ويرحمه ، ويتجاوز عنه ، ويلحقه بنبيه «محمد»(٦) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويربط على قلوبكم وقلوبنا بالصبر.

ثم أخذ بيد محمد بن محمد فقال : هذا شبيهه(٧) ونظيره المقتفي أثره ، والمحيي سنته قد تقلد القيام بأمركم بعده ، وندب نفسه لما نكل عنه غيره من أهل بيته محتسبا للأجر ملتمسا للثواب لدين الله والذب عن عباد الله(٨) ، والدعاء إلى أوليائه(٩) ، فمن كان منكم مقيما على نيته راغبا في الوفاء لله بعهده فليبايع له ، وليسارع إلى طاعته(١٠) وإجابته ، فبكى الناس حتى ارتفعت أصواتهم(١١) ، وعلا نحيبهم ، وجزعوا(١٢) حتى تخوف عليهم الفتنة.

__________________

(١) نهاية الصفحة [٣٢٢ ـ أ].

(٢) ساقط في (أ).

(٣) انظر مقاتل الطالبيين ص (٤٣٤ ـ ٤٣٥).

(٤) في (د) : لمحمد.

(٥) في (ج) : وخرج.

(٦) ساقط في (أ، د).

(٧) في (ب ، ج) : شبهه.

(٨) في (ب ، ج) : عبيد الله.

(٩) في (ب ، ج) : أولياء الله.

(١٠) ساقط في (أ).

(١١) نهاية الصفحة [٣٢٣ ـ أ].

(١٢) في (أ) : خرجوا.

٥٣١

[خطبته بعد مبايعته]

فقام(١) محمد بن محمد ، فقال : الحمد لله الذي كتب على خلقه الفناء ، ولم يخلقهم للبقاء والخلود ، ولم يجعل الموت عقابا عاقب به أهل معصيته ، ولا الحياة ثوابا أثاب به أهل طاعته ، أحمده على سراء الأمور وضرائها ، ومحبوبها ومكروهها.

أما بعد : فإن أبا عبد الله محمداعليه‌السلام كان لكم كهفا حصينا ، وحرزا منيعا جمع الله به أمركم ، وأعز على طاعته نصركم ، فعمره الله ما أحب أن يعمره ، ثم قبضه إليه(٢) بالأجل الذي قدر له ، فإنا لله وإنا إليه راجعون على المصيبة ، ونسأل الله أن يحسن الخلافة علينا وعليكم بعده ، ولا يحرمنا وإياكم الأجر والثواب ، وإني قد قمت مقامه ، وتحملت حمله ، من غير مشاورة مني لملئكم ، ولا معرفة بما اجتمعت(٣) عليه في أمري أهواؤكم ، طلبا للمّ شعثكم ، وتسكين نفرتكم ، وجمع شتيتكم(٤) ، فمن كان راضيا بي وولايتي فرضاه التمست ، وإلى ما وافقه وأصلحه أسرعت ، ومن كان كارها فليظهر كراهته ، ويجعلني على علم من ذات نفسه ، لأجتنب مساءته ، وأعتزل عنه(٥) ، فإنه لا حاجة لي في أمر اختلف فيه مختلف ، ونقمه ناقم ، وأنا أسأل الله خير القضاء ، وحسن عواقب الأمور ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم ، وصلّى الله على محمد وآله أجمعين.

فقال محمد بن علي الأنصاري(٦) : فيما كان من ذلك من أمورهم(٧) :

__________________

(١) في (أ) : فجاء.

(٢) في (ب ، ج ، د) : الله.

(٣) في (أ) : لما اجتمعت.

(٤) في (ب) : كلمتكم.

(٥) في (أ) : منه.

(٦) محمد بن علي الأنصاري : لم تسعفني المصادر والمراجع المتوفرة الوقوف على ترجمته ، والأبيات في الحدائق الوردية (١ / ٢٠٩) عما هنا.

(٧) نهاية الصفحة [٣٢٤ ـ أ].

٥٣٢

أبت السكون فما تجف مدامعي

عين تفيض بدمعها المتتابع

لما تذكرت الحسين وبعده

زيدا تحرك حزن قلب جازع

صلى الإله على الحسين وفتية

في كربلاء تتابعوا بمصارع

وعلى قتيل بالكناسة مفرد

نائي المحل عن الأحبة شاسع

وجزى ابن إبراهيم عن أشياعه

خيرا وأكرمه بصنع الصانع

نعم الخليفة والإمام المرتضى

ذا الدين(١) كان ومستقر ودائع

وجزى الإله أبا السرايا خير ما

يجزي وصولا من مطيع سامع

حاط الإمام بسيفه وبنفسه

بلسان ذي صدق وفعل نافع(٢)

في فتية جعلوا السيوف حصونهم

مع كل سلهبة وطرف رائع

فتلقين يا ابن النبي فما لها

أحد سواك برغم أنف الطامع

فلقد رأيت بها عليك طلاوة

وضياء نور في جبينك ساطع

قال نصر بن مزاحم : دخلت عليه في «اليوم»(٣) الذي بويع فيه مع رجل من المحبين والمهنئين فعزاه أكثر الناس ودخل رجل من الزيدية ، فقال : يا ابن رسول الله ، لم يمت من قمت مقامه ، ولم يعدم من سددت مكانه ، فأنت خير خلف من أفضل سلف ، كشف الله بك الكربة ، ودمل بك كلوم(٤) الرزية ، وراجع بك آمال الشيعة ، وقطع بقيامك ظنون الأعداء والحسدة(٥) ، فرحم الله أبا عبد الله قد قضى حق الله عليه ، وخرج من الدنيا سالما بدينه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون(٦) ، ثم بكى ، فقال له(٧) : اقعد رحمك الله فقعد ، وسألت بعض من حضر :

من هذا؟ فقال : هذا محمد بن علي الأنصاري.

__________________

(١) في (ب ، ج) : للدين.

(٢) في (أ) : وقلب خاشع.

(٣) ساقط في (أ).

(٤) في (أ) : الكلوم.

(٥) في (أ) : الحساد.

(٦) نهاية الصفحة [٣٢٥ ـ أ].

(٧) ساقط في (أ).

٥٣٣

[بعض أخباره]

[٤٨] [أخبرنا أبو العباس الحسني قال : حدثنا أبو زيد العلوي عن الكوفي] عن نصر بن مزاحم قال : لما قعد محمد للناس دخل عليه أشراف الكوفة ورؤساء(١) الزيدية ، ووفد عليه الأعراب من القرى ، والبوادي ، وقدم عليه مسافر الطائي(٢) ، وموسى النهروي(٣) ، ومنصور المحلمي ، وركضة التميمي ، ويعقوب بن حمران(٤) العجلي ، ورستم الغنوي ، ولم تبق(٥) قبيلة من قبائل العرب إلّا أجابته ، وسارعت إليه ، إلّا بني ضبة(٦) فإنها قعدت عن نصرته «وخذلت الناس عنه»(٧) ، فغلظ ذلك قلوب أهل الكوفة عليهم ، وأغراهم باللعنة لهم.

قال نصر : لما مضت لمحمد بن محمد ثالثة يوم بويع له فرّق عماله وعقد ألويته(٨) ، فولى إسماعيل(٩) بن علي خلافته(١٠) على الكوفة ، وولى روح بن الحجاج العجلي شرطته ، وأحمد بن السري الأنصاري ديوانه(١١) ، وأقر عاصم بن عامر على القضاء ، وولى نصر بن مزاحم السوق(١٢) ، وعقد لإبراهيم بن موسى بن جعفر على اليمن ، ولزيد أخيه على الأهواز ،

__________________

(١) في (أ) : وسائر.

(٢) مسافر الطائي : أحد أعوان أبي السرايا كان من بني شيبان ، إلّا أنه نزل في قبائل طيئ فنسب إليهم ، وقد حمل على المسودة فهزمهم حتى ردهم إلى موقعهم ، انظر : مقاتل الطالبيين ص (٤٤٩).

(٣) وفي (أ) : اليهودي ، ولعله تصحيف ، والصحيح أنه موسى النهروي.

(٤) في (أ) : عمران.

(٥) في (أ، د) : يسبق.

(٦) انظر : معجم كحالة (٢ / ٦٦١ ـ ٦٦٢).

(٧) ساقط في (أ).

(٨) انظر : مقاتل الطالبيين ص (٤٣٥).

(٩) هو إسماعيل بن علي بن إسماعيل بن جعفر.

(١٠) ساقط في (أ).

(١١) في مقاتل الطالبيين : (رسائله) والمعنى واحد.

(١٢) هو سوق الكوفة.

٥٣٤

وللعباس بن محمد على البصرة ، وولى جرير بن الحصين على السنين وسورا(١) ، وولى علي بن الفهد بالبداة ، وعمير بن جعفر العطاردي تستر(٢) ، ويحيى بن فزعة الساحلين ونهر يوسف وناروشا(٣) ونهر الملك وكسور(٤) الراوي(٥) ، وولى الفلوجتين عبد الملك بن شاه(٦) والنهرين وعين التمر الصقر بن برزة(٧) ، وعقد لابن الأفطس على مكة ، وفرض للولاة الفروض ، وقواهم بالرجال ، وأقام أبو السرايارحمه‌الله بالكوفة حتى سكنت روعة الناس ، واندملت مصيبتهم(٨) ، ثم توجه بهم إلى القصر(٩) .

قال نصر : حدثني رجل من أهل الكوفة ممن سكن(١٠) القصر ، قال : وافى زهير(١١) القصر

__________________

(١) السنين سوار : السنين بلد فيه رمل وفيه هضاب ووعورة وهو من بلاد بني عوف بن عبد أخي قريط بن عبد بن أبي بكر.معجم البلدان (٣ / ٢٧٠). أمّا سورا : فمدينة بناحية سواد الكوفة ، حسنة متوسطة القدر ذات سور وأسواق وفيها يصب الفرات فيما يحاذي قطر ابن هبيرة ، وبها قبر الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهم‌السلام وله مشهد عظيم ، الروض المعطار ص (٣٣٢) المقدس (١١٧) البدء والتاريخ ، نزهة المشتاق (٢٠٢).

(٢) تستر مدينة بالأهواز ، بينها وبين سابور ثمانية فراسخ ، انظر : الروض المعطار ص (١٤٠ ـ ١٤١) ، نزهة المشتاق (١٢٣) ، فتوح البلدان (٤٦٧).

(٣) في (د) : باروشا.

(٤) في (د) : كنوز.

(٥) نهر يوسف : راجع معجم البلدان (٥ / ٣١٥ ـ ٣٢٤). ناروشا : لم أقف على هذا الموضع. نهر الملك : كورة واسعة ببغداد عد نهر عيسى. انظر معجم البلدان (٥ / ٣٢٤). كسور الراوي : لم أقف على هذا الموضع.

(٦) الفلوجتين ، شاة : الفلوجتين : الفلوجة الكبرى والفلوجة الصغرى ، قريتان كبيرتان من سواد بغداد والكوفة قرب عين التمر ، ويقال : الفلوجة العليا والفلوجة السفلى ، معجم البلدان (٤ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦). وشاة : لعلها شاة دز أو شاة هنبر ، انظر معجم البلدان (٣ / ٣١٦).

(٧) النهرين : برزة : النهرين : راجع معجم البلدان (٥ / ٣١٥ ـ ٣٢٤). عين تمر : بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة بقربها ، افتتحها المسلمون في أيام أبي بكر سنة (١٢ ه‍) ، معجم البلدان (٤ / ١٧٦).

(٨) نهاية الصفحة [٣٢٦ ـ أ].

(٩) في (أ) : ثم توجه إلى القصر ، وانظر الطبري حوادث سنة (٢٠١ ، ١٩٩ ، ١٩١) ، مقاتل الطالبيين ص (٤٣٦) وما بعدها.والقصر : لعله قصر ابن هبيرة ، راجع الروض المعطار ص (٤٧٥).

(١٠) في (أ) : يسكن.

(١١) هو زهير بن المسيب ، انظر مقاتل الطالبيين (٤٣٠ ، ٤٣٢ ، ٤٣٣).

٥٣٥

في اليوم الذي هزم فيه فأقام به أياما ، حتى سكن قلبه ووافى من كان تفرق عليه بالهزيمة من أصحابه ، ثم نادى فيمن كان بالقصر من الكوفيين : برأت الذمة ممن أقام بعد ثلاث ، فكان الكوفيون يلقى ببعضهم بعضا ، ويقولون(١) : ما ترون ما أصبنا به من ظلم هذا الرجل إيانا ، وتحامله علينا ، إن تركنا القصر وخرجنا عنه أضعنا معايشنا ، وإن أقمنا بعد ندائه فينا عرّضنا نفسنا.

قال : فما وفت الثلاث حتى رأينا أعلام أبي السرايا قد أقبلت من جسر سوراء ، فكبرنا سرورا بها ، وسمع زهير التكبير فخرج هاربا ، ودخلت خيل أبي السرايا القصر فأقاموا بها حتى أراحوا «خيولهم»(٢) ودوابهم ، وودعوا أنفسهم ، ثم رجع إلى سوق أسد.

[٤٩] حدثنا(٣) أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني بإسناده عن نصر بن مزاحم ، عن رجل من أهل الجامع قال : نزل عبدوس بن أبي خالد الجامع فيمن كان معه من خيول أهل بغداد ورجالهم ، فلما(٤) بلغه هزيمة زهير ودخول أبي السرايا سوق أسد(٥) خندق حوله ، وحصن عسكره ، وعمد إلى ما كان في البيادر من الأطعمة فاحتازه ، وجمعه ، ثم فرقه في أهل الجامع وأمرهم(٦) أن يطحنوه(٧) لأصحابه ، وتهيأ للقتال ، واستعد للحرب ، قال : فتقاعد أهل الجامع به ، انتظارا(٨) لقدوم أبي السرايا فنادى فيهم وعاقب بعضهم ، فما قطع(٩) المنادي نداءه حتى وافى أبو السرايا سوراء فيمن معه.

__________________

(١) في (أ) : فيقولون ، (ج ، د) : يقولون.

(٢) ساقط في (أ).

(٣) السند : «قال : حدثنا أبو زيد عيسى بن محمد العلوي ، قال : حدثنا نصر بن مزاحم إلخ»

(٤) في (ب) : لما.

(٥) هو السوق المسمى بسوق أسد بن عبد الله القسري ، أخي خالد بن عبد الله أمير العراقين ، انظر : معجم البلدان (٣ / ٢٨٣).

(٦) في (أ، ج ، د) : يأمرهم.

(٧) في (أ) : أن يطحنوا الدقيق.

(٨) في (أ) : استبطاء.

(٩) نهاية الصفحة [٣٢٧ ـ أ].

٥٣٦

عن نصر بن مزاحم عن عبد الله بن محمد قال : وقف أبو السرايا على شاطئ سوراء(١) مما يلي الكوفة ، ونادى عبدوس في أصحابه ، فركبوا دوابهم ولبسوا أسلحتهم ، ووقف حياله ، وقال : يا أبا السرايا على من تجاهل(٢) وإلى كم تمادي في غيك ، وتتابع في ضلالك مرة شارد تحارب جنود أمير المؤمنين وتقتل رعيته ، ومرة لص تقطع الطريق وتخيف السابلة ، ومرة تستنهض السفهاء إلى خلع الطاعة ونكث البيعة ، أما آن لك أن ترجع إلى حظك ، ويفارقك شيطانك ، أترجوا أن تزيل الدولة وتغير الخلافة بغوغاء الكوفة ويهود الحيرة؟ هيهات هيهات دون ذلك سيوف خراسان ورماحها(٣) ، وفرسان الأنبار وحماتها ، أما والله إن الأمان لأودع وأعود عليك ، وأحقن لدمك ، فالنهضة قبل الصرعة والرجعة قبل الندامة(٤) .

قال : وإنه ليكلمه بهذا الكلام إذ أتى أبا السرايا رجل من أهل القرى فدله على مخاضة ، فدعا أبا كتيلة(٥) فوجهه عليها ، فسار على سوراء يريد العبور من تلك المخاضة ، وأتاه رجل آخر فدله على مخاضة أخرى فوجه عليها أبا الشوك(٦) ، وأمره أن يعبر منها ، فلم يلبث أن سمعنا التكبير من ناحية الجامع ، والنداء بشعار أبي السرايا ، فعبر الكوفيون النهر بالتراس والرماح فوضعوا فيهم أسيافهم وانهزم أهل بغداد ، فلم ينج منهم إلّا(٧) القليل ، وقتل عبدوس ، واصطلم عسكره وأسر أخوه هارون(٨) .

عن نصر بن مزاحم(٩) ، عن عبد الله بن محمد قال : رأيت ظفر بن عصام(١٠) يعترض عسكر

__________________

(١) موضع يقال له : جنب بغداد ، وقيل : هو بغداد نفسها ، قيل : سميت بسوراء بنت أردوان بن باطي الذي قتله كسرى أردشير وهي ابتنها ، والشاطئ منسوب إليها مما يلي الكوفة ، معجم البلدان (٣ / ٢٧٨).

(٢) في (أ) : تحمل.

(٣) في (ج) : أرماحها.

(٤) انظر مقاتل الطالبيين ص (٤٢٩) وما بعدها.

(٥) انظر مقاتل الطالبيين ص (٤٤٢).

(٦) أبا الشوك : انظر مقاتل الطالبيين ص (٤٢٦ ـ ٤٤٦).

(٧) نهاية الصفحة [٣٢٨ ـ أ].

(٨) إخوة هارون : انظر مقاتل الطالبيين ص (٤٣٣) ، وفي الطبري ، وهارون بن محمد بن أبي خالد.

(٩) عنه بنفس الإسناد السابق.

(١٠) لم أقف على ترجمته.

٥٣٧

عبدوس بسيفه(١) وهو يقول :

كيف رأيتم بأسنا وجدّنا

وفعلنا حين قصدتم قصدنا

قال : وضرب فيها مسافر الطائي بسيفه حتى انكسر وطعن برمحه حتى انقصف ، وحمل عليهم بالعمود وهو يقول :

بغوا فقد صاروا(٢) إلى التدمير

إلى أشد الحال والمصير

ما بين مقتول إلى أسير

ثم تذوقوا لهب السعير

قال نصر بن مزاحم : حدثني عبد الله بن عبد الحميد قال : رأيت أعرابيا بجنب عدة أسرى وفي يده رأس عبدوس ، وهو يقول :

لم تر عيني منظرا كاليوم

وإن على سيوفنا من لوم

ما صنعت ضباتها بالقوم

كأن ذا في خطرات النوم

قال : ورأيت أبا كتيلة على فرس أدهم معمما(٣) بعمامة حمراء ، في يده سيف وترس يشد على أصحاب عبدوس وهو يقول :

اصطبروا أين إلى أين الهرب

واستشعروا الويل ونادوا بالحرب

قد ذهب الرأس فما صبر الذنب

يا أهل بغداد تهيئوا للعطب(٤)

كيف رأيتم وقع أسياف العرب

قال : فأمر أبو السرايا الناس ليعبروا الأسرى ويعبروا الرءوس ، ثم بعثهم إلى الكوفة(٥) ، وتوجه إلى القصر.

__________________

(١) في (أ) : بنفسه.

(٢) في (د) : طاروا.

(٣) في (أ) : معتما.

(٤) في (د) : للقطب.

(٥) نهاية الصفحة [٣٢٩ ـ أ].

٥٣٨

ثم إن الحسن بن سهل دعا بالسندي بن شاهك(١) ، فقال له : ترى ما هجم علينا من هؤلاء القوم ، وقتلهم من قتلوا وأسرهم من أسروا ، وقد أردت توجيهك(٢) إلى هرثمة بن أعين وهو ممن قد عرفت عداوته لنا ، وإنكاره حقنا وسروره بكل ما دخل علينا من الوهن ، والنقص في دولتنا ، ولست أرجو قدومه ولا آمل رجعته ، وكتب إلى هرثمة ، قال السندي : فلحقت هرثمة بحلوان(٣) حين هم بالرحلة منها ، فلما قيل له : السندي بالباب أمر بإدخالي عليه ، فلما قدمت عليه وأخبرته الخبر ، وورد عليه كتاب من منصور بن مهدي(٤) في جوفه رقعة كتب بها إليه أبو السرايا فيها أبيات من شعر :

هزمت زهيرا واصطلمت جيوشه(٥)

وقلدته عارا شديدا إلى الحشر

وأوردت عبدوس المنايا وحزبه

وأخرجت هارونا إلى أضيق الأمر

وأيتمت أولادا أرملت نسوة

وأنهبت أقواما فصاروا إلى الفقر

فلما وصل إليه كتاب منصور وقرأ الشعر الذي فيه بكى حتى رأيت الدموع تنحدر(٦) على لحيته تحدرا وأمر قواده وجنوده بالمسير ، وتوجه نحو بغداد ، فلما وصل إلى النهروان تلقاه بنو هاشم وأشراف الناس سرورا بقدومه وتعظيما لأمره ، وارتفعت الأصوات بالتكبير والدعاء حتى دخل من أبواب خراسان فتلقاه النساء والصبيان بالضجيج والبكاء على قتلاهم ، ورفع إليه الأطفال واليتامى ، فلما رأى كثرة من قتل(٧) منهم بكى ، ثم قال : لا يهدى الله من كان هذا فعله ، وبعث إلى الحسن بن سهل رسولا يسأله تقويته بما في بيت المال من الأموال ،

__________________

(١) السندي بن شاهك. انظر : مقاتل الطالبيين ص (٤١٦ ، ٤١٧ ، ٤٣٦) ، الكامل لابن الأثير (٥ / ١٠٨ ، ١٣٦).

(٢) في (أ، د) : توجهك.

(٣) حلوان في عدة مواضع ، حلوان العراق وهي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد ، وأيضا بليدة بقوهستان نيسابور وهي آخر حدود خراسان مما يلي أصبهان ، انظر معجم البلدان (٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩٤).

(٤) في (ج) : المهدي.

(٥) في (ب ، ج ، د) : خيوله.

(٦) الأولى أن يقول : تنحدر ، وفي (ج) : تنحدر من على.

(٧) نهاية الصفحة [٣٣٠ ـ أ].

٥٣٩

وبما في الخزائن من السلاح ، وأقام بالياسرية(١) يضيف أصحابه وقواده ، ثم توجه إلى نهر صرصر(٢) ، وتوجه أبو السرايا إلى نهر صرصر حين أتاه فتح المدائن(٣) ، وقد نزل هرثمة في الجانب الشرقي منه ، ونزل الرستمي ، وكان على مقدمته ، فلقي الرستمي فقاتله قتالا شديدا حتى انهزم وغلبه أبو السرايا على الجانب الغربي ، فأقام بنهر صرصر خمسة عشر يوما وليلة يترامون بالنشاب والحجارة ، ويقتتلون في السفن ، فلما ارتحل أبو السرايا من نهر صرصر أمر هرثمة عدة من القواد فاقتتلوا قتالا شديدا حتى انهزم أبو السرايا وقتل أخوه فركب وجهه هاربا إلى الكوفة ، واتبعه هرثمة فيمن معه من أصحابه وقواده(٤) .

قال : وعسكر هرثمة بالجارية ، وعسكر أبو السرايا بالعباسية(٥) ، ولم يكن بينهما قتال كثير إلّا أن الطلائع تلقى الطلائع فيقاتل بعضها بعضا ، فأمرهم هرثمة بقطع شربهم ، وسد الفرات(٦) عليهم ، وأمر هرثمة من كان في عسكره من الفعلة ، وحشر أنباط(٧) القرى فسكّروا(٨) الفرات بالجارية ، وحفروا مغيضا(٩) يحمل الماء إلى الآجام ، والصحاري بمهل لينقطع عن أهل الكوفة.

__________________

(١) منسوبة إلى ياسر اسم رجل ، وهي قرية كبيرة على ضفة نهر عيسى ـ نهر صرصر ـ بينها وبين بغداد ميلان ، وعليها قنطرة مليحة فيها بساتين بينهما وبين المحوّل نحو ميل واحد ، معجم البلدان (٥ / ٤٢٥) ، وانظر (١ / ٣٢٢).

(٢) صرصر : قريتان من سواد بغداد ، صرصر العليا وصرصر السفلى وهما على ضفة نهر عيسى ، وربما قيل : نهر صرصر فنسب النهر إليهما ، وبين صرصر السفلى وبغداد نحو فرسخين ، وصرصر أيضا في طريق الحجاج من بغداد كانت تسمى قديما الدير ، أو صرصر الدير ، وقد يطلق عليها نهر الملك ، معجم البلدان (٣ / ٤٠١). ونهر عيسى : هو نهر عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، وهي كورة وقرى كثيرة ، وعمل واسع في غربي بغداد يعرف بهذا الاسم ، ومأخذه من الفرات عند قنطرة ريما ، ثم يمر فيسقي طسوج فيروز سابور حتى ينتهي إلى المحول ثم تتفرع منه أنهار تتخرق مدينة السلام ثم يمر بالياسرية ثم قنطرة الرومية إلخ ، معجم البلدان (٥ / ٣٢١ ـ ٣٢٢).

(٣) انظر : معجم البلدان (٥ / ٧٤ ـ ٧٥).

(٤) انظر : مقاتل الطالبيين ص (٤٤١) وما بعدها.

(٥) محلة كانت ببغداد ، وقد خربت. أمّا العباسية : فقال الحموي : العباسية محلة كانت ببغداد وأظنها خربت الآن ، وكانت بين يدي قصر المنصور قرب المحلة المعروفة اليوم بيات البصرة ، انظر : معجم البلدان (٤ / ٧٥ ـ ٧٦).

(٦) سد الفرات : انظر معجم البلدان (٤ / ٢٤١ ـ ٢٤٢).

(٧) أنباط : هم المشتغلون بالزراعة ، والأنباط أيضا شعب سامي كانت له دولة في شمال جزيرة العرب ، المعجم الوسيط مادة : (نبط).

(٨) في (أ، د) : فكسروا ، وهو تصحيف ، والمعنى هنا : أي أغلقوا نهر الفرات.

(٩) المغيض الذي يغيض فيه الماء.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659