ليالي بيشاور

ليالي بيشاور3%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242296 / تحميل: 4166
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

فيحصل من هذه الكلمات والجمل أنّهعليه‌السلام قعد عن حقه وسكت. رعاية لما هو أهم ، إذ أنّه كان يعلم بأنّ المنافقين وأعداء الدين يترصدون ويتربّصون ليوقعوا بالمسلمين ويقضوا على الدين ، وإذا كان الإمام عليعليه‌السلام يقوم بمطالبة حقه ويجرّد الصمصام ، لاغتنم المنافقون واليهود والنصارى الفرصة وقضوا على الإسلام. لذلك صبر وتحمّل وسكت عن حقه وتنازل. بعد ما احتجّ عليهم وأثبت حقّه في الأشهر الست التي ما بايع فيها كما في كتب أعلامكم ، فكانعليه‌السلام يتكلّم مع رءوس المهاجرين والأنصار ويستدلّ على حقوقه المغصوبة بالآيات البيّنات والسنن الواضحات والأمور الظاهرات ، فبعد ما بيّن لهم الحق وأتمّ عليهم الحجج بايع مكرها لا طائعا فصبر على أمرّ من العلقم وأحرّ من الجمر ، كما أشار إلى حاله في الخطبة الشقشقية المرويّة في نهج البلاغة وهي معروفة قالعليه‌السلام :

«أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة وانّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى ينحدر عني السّيل ولا يرقى إليّ الطير فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده.». الخ.

ولا أطيل عليكم أكثر من هذا ، إنّما ذكرت لكم بعض كلماته وخطبهعليه‌السلام لنعرف آلامه القلبيّة من تلك الأحداث ثم نعرف علل قعوده وسكوته عن حقه.

١٠٠١

هل الخطبة الشّقشقية للإمام عليعليه‌السلام ؟

الشيخ عبد السلام : أوّلا : ليس في هذه الخطبة ما يدلّ على تألمات سيدنا عليّ كرّم الله وجهه.

ثانيا : المشهور أنّ هذه الخطبة من إنشاء الشريف الرضي ، ألحقها بخطب أمير المؤمنين وليست من إنشاء سيدنا عليّ ، وقد ثبت في التاريخ أنه ما كان ناقما على خلافة الخلفاء الراشدين قبله بل كان راضيا منهم ومن منجزاتهم.

قلت : كلام الشيخ ينبعث من إفراطه في حبّ الخلفاء والتعصّب لهم ، وإلاّ فإنّ تألّمات الإمام عليّعليه‌السلام واضحة في غير الخطبة الشقشقيّة أيضا وهي لا تخفى على كلّ من تابع الأحداث والقضايا التي وقعت وحدثت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا سيّما على المتتبّع لخطب الإمام وكتبه وكلماته واحتجاجاته مع مناوئيه وخصومه.

وأما كلامك بأنّ هذه الخطبة من إنشاء السيد الرضي (رضوان الله تعالى عليه) ، فهو افتراء منك على ذلك السيد الزاهد العابد الورع التقيّ ، فإنّه أجلّ وأورع من أن يضع خطبة وينسبها إلى سيد الأوصياءعليه‌السلام ، فإنّ هذا الكلام بعيد عن الإنصاف ، وبعيد من أهل التحقيق ، ولقد تبعت أسلافك ، وهم تبعوا المعاندين المتعصّبين ، وإلاّ لو كنت تطالع كتب أعلامكم وتحقّق عن الخطبة في تصانيف علمائكم لوجدت اعترافهم وتصريحهم بأنّها من خطب الإمام عليعليه‌السلام لا محالة.

والشارحون لنهج البلاغة من علمائكم مثل ابن أبي الحديد ،

١٠٠٢

والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصريّة ، والشيخ محمد الخضري في كتاب محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية صفحة ٢٧ وغيرهم قد صرّحوا أنّ الخطبة الشقشقية من بيان الإمام عليّعليه‌السلام وردّوا القائلين بأنّها من إنشاء الشريف الرضي ، وهم بعض المعاندين والمتعصّبين من المتأخّرين ، وإلاّ فأكثر من أربعين عالم من الفريقين الشيعة والسنّة شرحوا كتاب نهج البلاغة وكلهم أذعنوا بأن الخطبة الشقشقية أيضا من كلام الإمام عليعليه‌السلام لأنها على نسق خطبة الأخرى ، إذ بيانهعليه‌السلام يمتاز ببلاغة منفردة تخصّه ولا يمكن لأحد أن يشابهه ويقلّده فيها حتى الشريف الرضي على ما كان يتمتع به من الأدب الرفيع والفصاحة والبلاغة في التكلم والكتابة ، فهو عاجز أن ينسج مثل الخطبة الشقشقية ، وهذا ليس كلامي وإنما هو كلام علمائكم الكبار مثل الشيخ محمد عبده والعلاّمة ابن أبي الحديد فإنّه نقل في آخر شرحه على الخطبة الشقشقيّة في الجزء الأول ، عن المصدّق بن شبيب أنّه قال لابن الخشّاب وهو من اساتذة هذا الفن [إنّ كثيرا من الناس يقولون إن الخطبة الشقشقيّة من كلام الرضيّرحمه‌الله تعالى. فقال : أنّى للرضي ولغير الرضيّ هذا النفس وهذا الأسلوب! قد وقفنا على رسائل الرضيّ وعرفنا طريقته وفنّه في الكلام المنثور ، وما يقع مع هذا الكلام في خلّ ولا خمر.]

الخطبة الشقشقيّة كانت قبل مولد الرضيّ

وبغضّ النظر عن البلاغة الخاصة بكلام الإمام عليّعليه‌السلام والمقايسات التي أشار إليها ابن الخشّاب وغيره ، فإنّ كثيرا من علماء

١٠٠٣

الفريقين قالوا : إنّهم وجدوا هذه الخطبة في الكتب المنتشرة قبل أن يولد الشريف الرضيّ وقبل أن يولد أبوه أبو أحمد النقيب ـ نقيب الطالبيين ـ ، فقد نقل ابن أبي الحديد في آخر شرحه للخطبة ، عن الشيخ عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشّاب أنّه قال [والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنّفت قبل أن يخلق الرضيّ بمائتي سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها ، وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضيّ.]

ثم قال ابن أبي الحديد : وقد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة ، وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة. ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبه ـ أحد متكلمي الإماميّة ـ المشهور المعروف بكتاب «الإنصاف» ، وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخيرحمه‌الله ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضيّرحمه‌الله تعالى موجودا. انتهى.

وقال كمال الدين ابن ميثم البحراني الحكيم المحقّق في كتابه شرح نهج البلاغة في الخطبة : إنّي وجدت هذه الخطبة في كتاب الإنصاف لابن قبه ، وهو متوفى قبل أن يولد الشريف الرضيّ.

ووجدتها أيضا بخطّ الوزير ابن فرات ، كان قد كتبها قبل ميلاد الرضيّ بستّين سنة.

فالدلائل والبيّنات قائمة على أنّ الخطبة كانت في الكتب والمصنّفات قبل أن يولد الشريف الرضيّرحمه‌الله تعالى. ولكنّ المعاندين المتعصّبين خلقوا هذه الفرية بأنّ الشقشقية من كلام الشريف

١٠٠٤

الرضي ، حتى يجدوا لأنفسهم مفرّا من الجواب.

وعلى فرض صحّة كلامهم ، فلو فرّوا وأعرضوا عن قبول الخطبة ومحتواها من هذا الطريق ، فما يصنعون مع سائر الخطب التي تعرّض فيها أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضا إلى الحوادث والوقائع التي أحدثوها في الاسلام ، فيشكو فيها الإمام عليعليه‌السلام ، ويبدي ظلامته ، ويفشي مكنون صدره وآلام قلبه من سوء سلوك القوم وظلمهم له ولأهل بيت المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

وقد أشرنا إلى بعضها في المجالس السالفة ، ومع ذلك فالشيخ عبد السلام ـ سلّمه الله ـ يقول : ما كان علي ناقما من خلافة الراشدين قبله ، وكان راضيا على ما أنجزوا ، ولا أعلم كيف عرف رضاه وهوعليه‌السلام كان في كل فرصة ومناسبة يعرب عن سخطه من عمل القوم؟ ويقول : إنّهم أخّروه عن مقامه وهو أولى بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيره ، كما في الخطبة المرقمة ١٩٠ في شرح ابن أبي الحديد. قال «ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّي لم أردّ على الله ولا على رسوله ساعة قطّ ، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال ، وتتأخّر الأقدام ، نجدة أكرمني الله بها.

ولقد قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّ رأسه لعلى صدري ، ولقد سالت نفسه في كفّي ، فأمررتها على وجهي ولقد ولّيت غسله والملائكة أعواني ، فضجّت الدار والأفنية ، ملأ يهبط وملأ يعرج ، وما فارقت سمعي هينمة منهم ، يصلّون عليه ، حتى واريناه في ضريحه ، فمن ذا أحقّ به منّي حيا وميّتا؟!

ثم قال : فو الذي لا إله إلاّ هو ، إنّي لعلى جادّة الحق ، وإنّهم

١٠٠٥

لعلى مزلّة الباطل».

ليت شعري ما يقول الشيخ وأتباعه في هذه الخطبة وأمثالها؟

وبأيّ بيان تريدون أن يفشي الإمام عليّعليه‌السلام سخطه وعدم رضاه في خلافة أبي بكر والذين تقدّموا عليه وأخّروه؟

فحق الإمام عليعليه‌السلام واضح ولائح ، وفضله وعلوّه على غيره ظاهر باهر ، ولا يمكن إخفاؤه بالكلمات( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) (١) .

الشيخ عبد السلام : إنّي أؤجّل جوابي إلى الليلة المقبلة إن شاء الله والآن نختم المجلس فقد طال بنا وتعب الحاضرون.

فتوادعنا وخرجوا.

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٣٢.

١٠٠٦

المجلس العاشر

ليلة الأحد ـ الثالث من شعبان المعظم

اجتمع القوم أوّل الليل ـ وكان صاحب البيت قد استعدّ للاحتفال بذكرى ميلاد الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي يصادف ذلك اليوم فهيّأ الفواكه والحلويّات ، وبعد تناولها ، بدأ حضرة النوّاب عبد القيوم خان وقال :

أيها العلماء! اسمحوا لي بطرح سؤال قبل أن تدخلوا في موضوع الليلة الماضية ، والسؤال موجّه لسماحة السيد وأطلب منه الجواب.

قلت : أنا على أتمّ الاستعداد لذلك.

سؤال : حول علم عمر

النوّاب : اجتمع في بيتي صباح هذا اليوم كثير من الأصدقاء والأقرباء ، وكان بعضهم ممن لازم حضور مجالس البحث والحوار في كلّ الليالي الماضية ، وشرعوا بالحديث عن المناقشات والموضوعات التي طرحت فيها ، وأبدوا آراءهم في النتائج الحاصلة منها ، وكانت الصحف والمجلاّت التي نقلت تلك الأبحاث والمناظرات موجودة

١٠٠٧

عندهم يراجعونها عند الضرورة ، وكان كلام الحاضرين يدور حول المواضيع المطروحة. وإذا بولدي (عبد العزيز) ـ وهو طالب في إحدى المدارس الإسلاميّة ـ يقول : إنّ أستاذنا المعلّم ـ قبل أيّام ـ تكلم خلال الدرس عن الصحابة الذين برزوا وامتازوا في علم الفقه فذكر الخليفة عمر ، والإمام علي كرّم الله وجهه ، وعبد الله بن عبّاس ، وعبد الله بن مسعود ، وعكرمة ، وزيد بن ثابت (رضي الله عنهم) وقال بأن عمر بن الخطاب كان أبرزهم في علم الدين وأفقههم في أحكام الشرع المبين. حتى أنّ عليّ بن أبي طالب الذي اشتهر بعلمه وفقهه كان في بعض المسائل يتحيّر فيراجع الفاروق عمر بن الخطاب ويحصل على الجواب.

قال النواب : والجدير بالذكر أنّ أهل مجلسنا الحاضرين في داري كلهم أيّدوا ما نقله ولدي عن معلّمه ، وقالوا بأنّ علماءنا أيضا يقولون بذلك ، وهو ثابت عند كلّ المسلمين.

ولكنّي بقيت ساكتا متوقفا في الموضوع ، لأني جاهل وليس لي علم بالتاريخ والسيرة حتى أعرف صحّة مقال المعلم أو خطئه. لذلك وعدت ولدي والحاضرين أن أطرح هذا الموضوع هذه الليلة في مجلسنا هذا ، لكي نستفيد من محضر العلماء الحاضرين لا سيّما سماحة السيد المعظّم.

أفيدونا! جزاكم الله خير جزاء المحسنين.

قلت : كلام هذا المعلّم يثير تعجّبي ، ولكن العوام لا يؤاخذون في مثل هذه الأمور ، لأنّهم غالبا يسلكون طريق الإفراط والتفريط ، وهذا المعلم الجاهل سلك سبيل الغلوّ والإفراط ، لأنّه ادّعى ما لم يقله أحد من علمائكم ، حتى أنّ ابن حزم لمّا ذكر في بعض مقالاته هذا الأمر

١٠٠٨

المخالف للواقع ، خطّأه كبار علمائكم وردّوا عليه مقالته ، والجدير بالذكر أنّ عمر بن الخطّاب هو أيضا ما ادّعى هذا الأمر في حياته ، وربما لم يرض من أحد أن يقول ذلك.

نعم ذكر أكثر المؤرّخين سياسة عمر ، وإدارته وفطنته ، ولكنهم لم يذكروا فقهه وعلمه بأحكام الدين ، بل ذكروا أنّه جهل كثيرا من المسائل التي طرحت عليه وعجز عن الجواب ، فراجع فيها ابن مسعود أو الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالمدينة المنورة.

وقد قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة [أنّ عبد الله بن مسعود كان من فقهاء المدينة ، وكان عمر بن الخطّاب يصحبه معه ولا يفارقه ليرجع إلى رأيه في المسائل الفقهيّة.]

الشيخ عبد السلام : كأنّك تريد أن تقول بأنّ عمر الفاروق (رض) ما كان يعلم المسائل الفقهيّة والأحكام الشرعيّة فيحتاج الى ابن مسعود أو الإمام عليّ (رضي الله عنهما) ، وهذا ما لم نسمعه قبل اليوم.

قلت : أيها الشيخ لا تهرّج ولا تغالط ، فإنّي ما قلت بأنّ عمر ما كان يعلم المسائل الفقهيّة ، وإنّما قلت إنّه في كثير من المسائل كان يراجع الإمام عليّعليه‌السلام أو ابن مسعود أو ابن عباس ، لأنّه كان يجهلها.

نعم أقول ولا أنكر ما قلت : أنّ عمر بن الخطاب كان يجهل كثيرا من المسائل والأحكام الدينيّة ، وهذا ليس من عندي بل ذكره كبار أعلامكم ، والجدير بالذكر ما رواه علماؤكم في الكتب المعتبرة والمصادر المنتشرة ، عن اعتراف الخليفة بذلك في قضايا جديرة ومناسبات كثيرة.

الشيخ عبد السلام : لو سمحت اذكر لنا من تلك القضايا

١٠٠٩

حتى نعرفها.

كلّ الناس أفقه من عمر حتى ربّات الحجال

لقد ذكر كثير من كبار علمائكم وأعلام محدثيكم ومفسريكم بطرق شتى وألفاظ مختلفة والمعنى واحد ، أن الخليفة عمر صعد المنبر في المسجد وخطب فقال : لا يبلغني أنّ امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ ارتجعت ذلك منها ، فردّت عليه امرأة قائلة : ما جعل الله لك ذلك ، إنّه تعالى قال في سورة النساء :( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) (١) ؟.

فقال عمر [كل الناس افقه من عمر ، حتى ربّات الحجال! ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت؟!]

هذا نصّ ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ١٨٢ ، ط إحياء الكتب العربية ، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور : ج ٢ / ١٣٣ وابن كثير في تفسيره : ج ١ / ٣٦٨ ، والزمخشري في تفسير الكشّاف : ج ١ / ٣٥٧ ، والنيسابوري في غرائب القرآن : ج ١ / في تفسير الآية الكريمة ، والقرطبي في تفسيره : ج ٥ / ٩٩ ، وابن ماجه في السنن : ج ١ ، والسندي في حاشية السنن : ج ١ / ٥٨٣ ، والبيهقي في السنن : ج ٧ / ٢٣٣ ، والقسطلاني في إرشاد الساري : ج ٨ / ٥٧ ، والمتّقي في كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٨ ، والحاكم النيسابوري في المستدرك : ج ٢ / ١٧٧ ، والباقلاني في التمهيد / ١٩٩ ، والعجلوني

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢٠.

١٠١٠

في كشف الخفاء : ج ١ / ٢٧٠ ، والشوكاني في فتح القدير : ج ١ / ٤٠٧ ، والذهبي في تلخيص المستدرك ، والحميدي في الجمع بين الصحيحين ، وابن الأثير في النهاية ، وغيرهم رووا بأسانيدهم عن طرق متعددة هذا الخبر وإن كانت ألفاظ بعضهم مختلفة ، ولكنّهم متفقون في المعنى.

فتحصّل من الخبر أنّ عمر كان جاهلا حتّى بالأحكام المنصوصة في القرآن الحكيم.

الشيخ عبد السلام : كلامكم مردود ، فإنّ الخليفة عمر (رض) كان عارفا بكتاب الله العزيز وكان حافظا لكثير من القرآن. وإنّما أراد من كلامه حمل الناس على العمل والالتزام بسنّة رسول الله (ص).

قلت : يا شيخ لقد اجتهد الخليفة فأخطأ ، وقد اعترف بخطئه ، وتراجع عن قوله ، وإنّ إصرارك لتصحيح خطأ الخليفة ذنب لا يغفر لأنّ الخليفة قد أخطأ جاهلا بالآية الكريمة ، ولمّا ردّت عليه المرأة ، قبل منها ، وتريد أنت تصحيح الخطأ بعد ما علمت أنّه مخالف لكتاب الله عزّ وجلّ.

ولا يخفى أنّ جهل الخليفة بكلام الله عزّ وجلّ لم ينحصر في هذا المورد ، بل هناك مورد آخر ، نقله أيضا كبار أعلامكم ، ورواه كل المؤرخين من غير استثناء.

إنكار عمر موت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

اتفق أصحاب الحديث والتاريخ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما توفّي أنكر عمر موته ، وكان يحلف بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما مات ولا يموت ، فلو كان عمر يحفظ القرآن أو يتفكر فيه ، ما أنكر موت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله

١٠١١

تعالى :( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (١) وقوله سبحانه :( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (٢) .

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ / ٤٠ ، ط دار إحياء الكتب العربية :

وروى جميع أصحاب السيرة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا توفي كان أبو بكر في منزله بالسّنح ، فقام عمر بن الخطّاب فقال [ما مات رسول الله صلى الله عليه ولا يموت حتى يظهر دينه على الدين كلّه ، وليرجعنّ فليقطّعنّ أيدي رجال وأرجلهم ممّن أرجف بموته ، لا أسمع رجلا يقول : مات رسول الله إلاّ ضربته بسيفي.]

فجاء أبو بكر وكشف عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : بأبي وأمّي! طبت حيّا وميّتا ، ثم خرج والناس حول عمر ، وهو يقول لهم : إنّه لم يمت ويحلف ، فقال له : أيها الحالف ، على رسلك! ثم قال : [من كان يعبد محمدا فإنّ محمدا قد مات. ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت. قال الله تعالى :( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (٣) .

وقال عزّ وجلّ :( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (٤) .

قال عمر : فو الله ما ملكت نفسي حيث سمعتها أن سقطت إلى الأرض ، وعلمت أنّ رسول الله صلى الله عليه قد مات.]

فإذا كان عمر تاليا لكتاب الله العزيز آناء الليل وأطراف النهار ، عارفا لرموز القرآن وتعاليمه ، ما أنكر موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جازما بحيث يحلف عليه ويهدّد من خالفه في معتقده بالسيف!!

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ٣٠.

(٣) سورة الزمر ، الآية ٣٠.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٤٤.

(٤) سورة آل عمران ، الآية ١٤٤.

١٠١٢

وأمّا جهله وعدم معرفته بأحكام الله سبحانه فمذكور أيضا في كتب أعلامكم. ولقد اشتهر عنه في ذلك قضايا كثيرة لم ينكرها أحد من علمائكم ، وأنا أذكر بعضها لينكشف الواقع للحاضرين.

لو لا عليّ لهلك عمر

[١] الزناة الخمسة

روى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين قال : في خلافة عمر بن الخطّاب ، جاءوا بخمسة رجال زنوا بامرأة وقد ثبت عليهم ذلك. فأمر الخليفة برجمهم جميعا. فأخذوهم لتنفيذ الحكم ، فلقيهم الإمام علي بن أبي طالب وأمر بردّهم ، وحضر معهم عند الخليفة وسأله هل أمرت برجمهم جميعا؟ فقال عمر [نعم فقد ثبت عليهم الزنا ، فالذنب الواحد يقتضي حكما واحدا.

فقال عليّ : ولكن حكم كل واحد من هؤلاء الرجال يختلف عن حكم صاحبه.

قال عمر : فاحكم فيهم بحكم الله فإني سمعت رسول الله (ص) يقول «عليّ أعلمكم ، وعليّ أقضاكم».

فحكم الإمام عليّعليه‌السلام بضرب عنق أحدهم ، ورجم الآخر ، وحدّ الثالث وضرب الرابع نصف الحدّ ، وعزّر الخامس.

فتعجّب عمر واستغرب فقال : كيف ذلك يا أبا الحسن؟!

فقال الإمام عليّ : أمّا الأوّل : فكان ذميّا ، زنى بمسلمة فخرج عن ذمّته ، والثاني : محصن فرجمناه ، وأمّا الثالث : فغير محصن فضربناه

١٠١٣

الحدّ ، والرابع : عبد مملوك فحدّه نصف ، وأمّا الخامس : فمغلوب على عقله فعزّزناه.

فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر ، لا عشت في أمّة لست فيها يا أبا الحسن!]

[٢] الزانية الحامل

ذكر كثير من أعلامكم منهم : أحمد في المسند ، والبخاري في الصحيح ، والحميدي في الجمع بين الصحيحين ، والقندوزي في الينابيع / باب الرابع عشر / عن مناقب الخوارزمي ، والفخر الرازي في الأربعين / ٤٦٦ ، والمحب الطبري في الرياض : ج ٢ / ١٩٦ وفي ذخائر العقبى / ٨٠ ، والخطيب الخوارزمي في المناقب / ٤٨ ، ومحمد بن طلحة العدوي النصيبي في مطالب السئول / الفصل السادس ، والعلاّمة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / آخر باب ٥٩ ، ـ والنصّ للأخير ـ قال [روي إنّ امرأة أقرّت بالزنا ، وكانت حاملا فأمر عمر برجمها ، فقال عليّعليه‌السلام إن كان لك سلطان عليها فلا سلطان لك على ما في بطنها. فترك عمر رجمها(١) .]

__________________

(١) واخرج الكنجي في الباب قبل هذه القضيّة ، قضيّة أخرى قال [روي أنّ عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر ، فرفع ذلك إلى عليّعليه‌السلام ، فنهاهم عن رجمها وقال : أقلّ مدّة الحمل ستة أشهر. فأنكروا ذلك. فقال : هو في كتاب الله تعالى ، قوله عزّ اسمه :( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) ثم بيّن مدّة إرضاع الصغير بقوله :( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) ، فتبيّن من مجموع الآيتين أنّ أقلّ مدة الحمل ستة أشهر ، فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر.]

أقول : لقد اشتهر هذا القول من عمر في حق الإمام عليّ عليه‌السلام في كتب أعلام

١٠١٤

[٣] المجنونة التي زنت

وكذلك روى أحمد في المسند ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى / ٨١ وفي الرياض / ١٩٦ ، والقندوزي في الينابيع / باب ١٤ ، وابن حجر في فتح الباري : ج ١٢ / ١٠١ ، وأبو داود في السنن : ج ٢ / ٢٢٧ ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة تحت عنوان [فصل في قول عمر بن الخطاب : أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن] ، وابن ماجة في السنن : ج ٢ / ٢٢٧ ، والمناوي في فيض القدير : ج ٤ / ٣٥٧ ، والحاكم في المستدرك : ج ٢ / ٥٩ ، والقسطلاني في إرشاد الساري : ج ١٠ / ٩ ، والبيهقي في السنن : ج ٦ / ٢٦٤ ، والبخاري في صحيحه باب لا يرجم المجنون والمجنونة ، هؤلاء وغيرهم من كبار أعلامكم رووا بأسانيدهم من طرق شتى قالوا [أتي عمر (رض) بامرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا ليرجموها فرآهم الإمام عليّعليه‌السلام في الطريق ، فقال : ما شأن هذه؟ فأخبروه فأخلى سبيلها ، ثم جاء إلى عمر فقال له : لم رددتها؟ فقالعليه‌السلام : لأنّها معتوهة آل فلان ، وقد قال رسول الله (ص) :

__________________

العامّة حتى كاد أن يكون من المتواترات المسلّم صدورها منه ، حتى أنّ سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص فتح فصلا بعنوان : (فصل في قول عمر [أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن ، وما ورد في هذا المعنى) ثم نقل قضايا كثيرة حكم فيها الإمام عليعليه‌السلام ، كان عمر يجهلها ولذا كرّر قوله : لو لا علي لهلك عمر] أو ما بمعناه. «المترجم»

١٠١٥

«رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ والصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق». فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر(١) .]

ولقد ذكر ابن السّمّان في كتابه «الموافقة» روايات كثيرة من هذا القبيل فيها قد أخطأ عمر في الحكم ، حتى وجدت في بعض الكتب قريبا من مائة قضيّة من هذا القبيل ، ولكن ما نقلناه من كتب الأعلام يكفي لإثبات المرام.

وإنّما نقلت هذه الروايات ، تبيانا للحق وكشفا للحقيقة ، حتى يعرف حضرة النوّاب وابنه عبد العزيز وذلك المعلّم الذي زعم كذبا وادّعى باطلا ، ويعرف الذين أيّدوا مقال المعلم الجاهل وصدّقوه عن جهلهم ، ويعرف الحاضرون أجمع ، بأنّ الخليفة عمر بن الخطّاب ربّما كان عارفا بالسياسة وإدارة البلاد وتسيير العباد ، ولكن ما كان عالما بالفقه والأحكام الدينيّة وما كان عارفا بدقائق كلام الله العزيز وحقائق كتابه المجيد(٢) .

__________________

(١) ذكر هذه القضيّة ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٢ / ٢٠٥ ، ط إحياء الكتب العربي ذكرها ضمن المطاعن الواردة على عمر ، قال [الطعن الثالث ، خبر المجنونة التي امر برجمها ، فنبّهه أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال «إنّ القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق». فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر]. وذكر بحثا طويلا في الموضوع ، فراجع.

«المترجم»

(٢) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ١٨١ ، دار إحياء الكتب العربية [وكان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه. ويفتي بضدّه وخلافه.]

وروى في ج ١٢ قضايا تدل على عدم فهمه لدقائق القرآن الكريم. فقال في صفحة ١٥ [مرّ عمر بشاب من الأنصار وهو ظمآن فاستسقاه ، فخاض له عسلا ،

١٠١٦

__________________

فردّه ولم يشرب وقال : إنّي سمعت الله سبحانه يقول :( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها ) الأحقاف : ٢٠ ، فقال الفتى : إنها والله ليست لك ، فاقرأ يا أمير المؤمنين ما قبلها :( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ) الخ ، أفنحن منهم! فشرب وقال : كل الناس أفقه من عمر!] وروى في صفحة ١٧ قال [وكان يعسّ ليلة فمرّ بدار سمع فيها صوتا ، فارتاب وتسوّر ، فرأى رجلا عند امرأة وزقّ خمر ، فقال : يا عدوّ الله ، أظننت أنّ الله يسترك وأنت على معصية! فقال : لا تعجل يا أمير المؤمنين! ان كنت اخطأت في واحدة فقد أخطأت [أنت] في ثلاث : قال الله تعالى :( وَلا تَجَسَّسُوا ) الحجرات : ١٢ ، وقد تجسّست.

وقال : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) البقرة : ١٨٩. وقد تسوّرت.

وقال : ( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا ) النور : ٦١. وما سلّمت. فقال : هل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال : نعم ، والله لا أعود. فقال : اذهب فقد عفوت عنك.

وروى في صفحة ٣٣ قال [خرج عمر يوما إلى المسجد وعليه قميص في ظهره أربع رقاع ، فقرأ «سورة عبس» حتى انتهى إلى قوله : ( وَفاكِهَةً وَأَبًّا ) فقال : ما الأبّ؟

ثم قال : إنّ هذا لهو التكلّف! وما عليك يا ابن الخطّاب ألاّ تدري ما الأب؟!]

وقال في صفحة ٦٩ : أسلم غيلان بن سلمة الثقفي عن عشر نسوة ، فقال له النبي (ص) [اختر منهنّ أربعا وطلّق ستا ، فلمّا كان على عهد عمر طلّق نساءه الأربع ، وقسّم ماله بين بنيه ، فبلغ ذلك عمر. فأحضره فقال له : إنّي لأظنّ الشيطان فيما يسترق من السمع ، سمع بموتك فقذفه في نفسك ، ولعلّك لا تمكث إلاّ قليلا! وأيم الله لتراجعن نساءك ، ولترجعنّ في مالك ، أو لأورّثنهنّ منك ، ولآمرنّ بقبرك فيرجم ، كما رجم قبر أبي رغال.]

١٠١٧

ولقد اتّفق جلّ علماء الاسلام أو كلّهم ، وثبت بالدلائل الواضحة والشواهد اللائحة أنّ أمير المؤمنين علياعليه‌السلام أعلم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقضاهم وأعرفهم بالفقه وأحكام الدين. وصرّح بهذا الرأي كثير من علماء السّنّة وأعلامهم ، منهم : العلاّمة نور الدين بن صبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة / الفصل الثالث في ذكر شيء من

__________________

أقول : لا أدري بأيّ دليل من القرآن والسّنّة أصدر هذا الحكم؟! ولا يخفى أنّ حكمه مخالف لحكم الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ونقل في صفحة ١٠٢ قال [وجاء رجل إلى عمر ، فقال : إنّ ضبيعا التميمي لقينا فجعل يسألنا عن تفسير حروف من القرآن. فقال : اللهم أمكني منه ، فبينا عمر يوما جالس يغدّي الناس إذ جاءه الضبيع وعليه ثياب وعمامة ، فتقدّم فأكل ، حتى إذا فرغ ، قال : يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى :( وَالذَّارِياتِ ذَرْواً* فَالْحامِلاتِ وِقْراً ) ؟ سورة الذاريات : ١ و ٢.

قال : ويحك أنت هو فقام إليه فحسر عن ذراعيه ، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته ، فإذا له ضفيرتان ، فقال : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك ، ثم أمر به فجعل في بيت [أي حبسه] ثم كان يخرجه كلّ يوم فيضربه مائة ، فإذا أبرأ أخرجه فضربه مائة أخرى ، ثم حمله على قتب وسيّره إلى البصرة ، وكتب إلى أبي موسى يأمره أن يحرّم على الناس مجالسته ، وأن يقوم في الناس خطيبا ، ثم يقول : إنّ ضبيعا قد ابتغى العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعا في قومه وعند الناس حتى هلك ، وقد كان من قبل سيّد قومه.]

أقول : ليت شعري بأيّ حق عامل الرجل بهذه القسوة!! وبأيّ مستند شرعيّ أو عرفيّ حكم على الضبيع بالنفي من بلده وقومه؟! وذلّله بعد أن كان سيّدا عزيزا ، أكان يحق لعمر ذلك؟ أكان الضبيع يستحق ذلك الضرب والهتك والتبعيد و..؟!! «المترجم»

١٠١٨

علومه قال : فمنها علم الفقه الذي وهو مرجع الأنام ومنبع الحلال والحرام ، فقد كان عليّ مطّلعا على غوامض أحكام الإسلام ، منقادا له جامحه بزمامه ، مشهودا له فيه بعلوّ محلّه ومقامه. ولهذا خصّه رسول الله (ص) بعلم القضاء ، كما نقله الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمة الله عليه في كتابه المصابيح ، مرويّا عن أنس بن مالك أنّ رسول الله (ص) لمّا خصّص جماعة من الصحابة كلّ واحد بفضيلة خصّص عليا بعلم القضاء ، فقال صلى الله عليه وسلّم «وأقضاكم عليعليه‌السلام ».

وروى هذا الحديث أيضا محمد بن طلحة العدوي في كتابه مطالب السئول / الفصل السادس / قال : ومن ذلك ـ أي الأحاديث الواردة في علم الإمام علي ـ ما نقله القاضي الإمام أبو محمد الحسين ابن مسعود البغوي : أنّ رسول الله (ص) خصّص جماعة من الصحابة كلّ واحد بفضيلة وخصّص عليّا بعلم القضاء. فقال «وأقضاهم عليعليه‌السلام ».

قال محمد بن طلحة : وقد صدع بالحديث بمنطوقه وصرّح بمفهومه أنّ أنواع العلم وأقسامه قد جمعها رسول الله (ص) لعليّعليه‌السلام دون غيره. وبعد تفصيل الحديث والخبر قال في أواخر الصفحة : فالنبي (ص) قد أخبر بثبوت هذه الصّفة العالية لعليّعليه‌السلام مع زيادة فيها على غيره بصيغة (أفعل التفضيل) ولا يتّصف بها إلاّ بعد أن يكون كامل العقل ، صحيح التمييز ، جيّد الفطنة ، بعيدا عن السهو والغفلة ، يتوصّل بفطنته إلى وضوح ما أشكل وفصل ما أعضل ، ذا عدالة تحجزه أن يحوم حول حمى المحارم ، ومروّة تحمله على محاسن الشّيم ومجانبة

١٠١٩

الدنايا ، صادق اللهجة ظاهر الأمانة ، عفيفا على المحظورات ، مأمونا في السخط والرّضا ، عارفا بالكتاب والسنّة ، والاتّفاق والاختلاف ، والقياس ولغة العرب بحيث يقدّم المحكم على المتشابه والخاص على العام والمبيّن على المجمل والناسخ على المنسوخ وبعد تفصيل وشرح مبسّط للعلوم اللازمة للقضاء ، قال : فظهر لك أيّدك الله تعالى أنّ رسول الله (ص) حيث وصف علياعليه‌السلام بهذه الصفة العالية بمنطوق لفظه المثبت له فضلا فقد وصفه بمفهومه بهذه العلوم المشروحة المتنوّعة الأقسام فرعا وأصلا ، وكفى بذلك دلالة لمن خصّ بهديّة الهداية قولا وفعلا على ارتقاء عليّعليه‌السلام في مناهج معارج العلوم إلى المقام الأعلى الخ.

والجدير بالذكر أنّ عمر بن الخطاب ـ الذي يحسبه الجاهلون المتعصّبون أمثال ذاك المعلم ومؤيّديه بأنّه أفقه وأعلم من الإمام عليعليه‌السلام ـ قد أعلن كرّات ومرّات وقال [لو لا علي لهلك عمر] أو بعبارات اخرى تتضمّن نفس المعنى ، حتى أنّ كبار علمائكم قالوا [أنّ عمر في سبعين موضع حينما عجز عن الفصل والقضاء راجع علي بن أبي طالب ، ولمّا حكم في القضيّة وبيّن الدلائل الشرعيّة والعقليّة في حكمه وقضائه ، قال عمر : لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن.]

ولقد قال أحمد بن حنبل في المسند ، ومحبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى كما نقل عنهما الحافظ القندوزي في ينابيع المودّة / باب ٥٦ ، وكذلك في كتاب الرياض النضرة للطبري أيضا : ج ٢ / ١٩٥ ، رووا أنّ معاوية قال [إنّ عمر بن الخطاب إذا أشكل عليه شيء أخذ من علي بن أبي طالب.

١٠٢٠

ونقل أبو الحجاج البلوي في كتابه «الف باء» ج ١ / ٢٢٢ قال : لما وصل معاوية خبر قتل عليّعليه‌السلام ، قال : لقد ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب.]

وهكذا يروى عن سعيد بن المسيب أنّه قال [كان عمر (رض) يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو الحسن(١) .]

__________________

(١) هذا الخبر ذكره جمع كثير من علماء العامة وأعلامهم منهم :

الحاكم النيسابوري في المستدرك رواه عن سعيد بن المسيّب ورواه عنه أيضا ابن عبد البرّ في الاستيعاب : ج ٢ / ٤٨٤ ، ورواه محب الدين الطبري في ذخائر العقبى / ٨٢ ، فإنّه بعد ما ذكر مراجعة عمر بن الخطاب إلى الإمام علي عليه‌السلام في حكم المرأة التي ولدت لستة أشهر ، قال : وعن سعيد بن المسيّب أنّه قال [كان عمر يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو الحسن.] قال الطبري : أخرجه أحمد بن حنبل وأبو عمر.

وروى العلامة سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص مسائل وقضايا شتى راجع فيها عمر علياعليه‌السلام وأخذ منه حكمها ، وذكرها في فصل بعنوان : (فصل في قول عمر ابن الخطاب [أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن ، وما ورد في هذا المعنى) فنقل في أوله مقال سعيد بن المسيّب عن كتاب «الفضائل» لأحمد بن حنبل ، ثم نقل قضايا ، قال عمر في إحداها [لو لا عليّ لهلك عمر.

وقال في اخرى : اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب.

وقال في أخرى : لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب.

ونقل المتقي في كنز العمال : ج ٣ / ٥٣ ، عن عمر أنّه قال : اللهم لا تنزل بي شدّة إلاّ وأبو الحسن إلى جنبي.]

وروى الطبري أيضا في ذخائر العقبى / ٨٢ ، مراجعة عمر في قضاياه المعضلة وأموره المشكلة ، ثم قوله [اللهم لا تنزلنّ بي شديدة إلاّ وأبو الحسن إلى جنبي ، وذكر أنّ عمر كان يقول لعليّ إذا سأله ففرّج عنه : لا أبقاني الله بعدك يا علي.]

وقال الطبري : وعن أبي سعيد الخدري أنّه سمع عمر يقول لعلي ـ وقد سأله عن معضل فأجابه ـ [أعوذ بالله أن أعيش في يوم لست فيه يا أبا الحسن.]

والعبارات في هذا المعنى كثيرة جدا. «المترجم»

١٠٢١

وقال أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي في شرح «الفتح المبين» : [كانت الصحابة (رضي الله عنهم) يرجعون إليه ـ أي إلى عليّعليه‌السلام ـ في أحكام الكتاب ويأخذون عنه الفتاوى ، كما قال عمر بن الخطاب (رض) في عدّة مواطن : لو لا علي لهلك عمر.]

وقال النبي (ص) «أعلم أمّتي علي بن أبي طالب».

فتحصّل من كتب التاريخ والسير أنّ عمر بن الخطّاب كان ضعيفا في الفقه وعلم الأحكام ، لذلك كان في أغلب القضايا يراجع من حضره من الصحابة العارفين بالفقه وأحكام الشريعة. وربّما اشتبه في المسائل الدينيّة والأحكام الشرعيّة التي كان يعرفها أكثر المسلمين ، فكان الحاضرون ينبّهونه ويرشدونه إلى الصواب.

الشيخ عبد السلام : لا نسمح لك أن تتكلّم هكذا على خليفة المسلمين وتنسب إليه الجهل والاشتباه ، نحن لا نتحمل منكم هذا التجاسر ، ولا شك أنّ كلامكم بعيد عن الصواب ، وقائله مفتر كذّاب!!

قلت : على مهلك يا شيخ! قف عند حدّك ولا تهرّج ، تريد بهذا الكلام أن تحرّك أحاسيس الحاضرين من أهل السنّة ، ولكنّهم عرفوا في الليالي السالفة والمناقشات الماضية بأنّي لا أتكلم بغير دليل وبرهان ، وهذه المرة كالمرّات الأخرى ، إنّما قلت ما قلت من كتب كبار علمائكم ومسانيد أعلامكم ، فإن كان في كلامي تجاسر على عمر فليس مني بل من علمائكم ، وإن كان الكلام بعيدا عن الصواب ، وقائله مفتر كذّاب ـ كما زعمت ـ فقائله بعض أعلامكم وأئمتكم.

الشيخ عبد السلام : هذا الكلام غير مقبول ، ولا أظن قائله إلاّ

١٠٢٢

أحد المردودين غير المعتبرين لدى عامّة أهل السّنّة ، والجدير أنّك لمّا تنقل خبرا في إثبات كلامك ، تقول : نقله أعلامكم وأئمتكم ، ولم تذكر اسم القائل ، فنراه ليس من أعلامنا وأئمتنا ، بل هو كاتب سنيّ غير معتبر ، ولا يعتمد أعلامنا على كتابه ، لذلك أنا لا أقبل منك نقل الرواية والخبر في هذا الموضوع إلاّ من الأئمة الأعلام الذين نرجع إليهم في أمور ديننا ، كأصحاب الصحاح والمسانيد أو السنن التي نعتمد عليها.

قلت : لقد أسهبت في البيان وذربت باللسان وقضيت خلاف الحق والوجدان ، وأنا أترك التحكيم للحاضرين لا سيما أهل العلم والإيمان ، ولكي تعرف زيف كلامك وتعلم صدق مقالي ، أذكر لكم من الكتب التي تقبلونها وتعتمدون عليها في أمور الدين والمذهب من الصحاح والمسانيد المعتبرة لديكم ، أذكر اشتباها واحدا من عشرات الاشتباهات التي ارتكبها الخليفة عمر بن الخطاب مضافا إلى ما مرّ ، وأكتفي بذلك رعاية للوقت.

عمر : لا يعرف التيمّم وأحكامه!!

جاء في صحيح مسلم / باب التيمّم ، وذكره أيضا الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين ، وأحمد بن حنبل في مسنده ج ٤ / ٢٦٥ و ٣١٩ ، والبيهقي في السنن : ج ١ / ٢٠٩ ، وأبو داود في السنن : ج ١ / ٥٣ ، وابن ماجة في السنن : ج ١ / ٢٠٠ ، والنسائي في السنن : ج ١ / ٥٩ الى ٦١ ، هؤلاء كلّهم عندكم من الأئمة والأعلام المعتمد عليهم في مسائل الحلال والحرام وجميع أحكام الإسلام ، وذكر

١٠٢٣

أيضا جمع كثير من علمائكم الكرام غير هؤلاء ذكروا بأسانيدهم عن طرق كثيرة رووا بألفاظ مختلفة والمعنى واحد ، وأنقله من صحيح مسلم / كتاب الطهارة / في باب التيمّم / روى بسنده عن عبد الرحمن بن أبزي [أنّ رجلا أتى عمر فقال : إنّي أجنبت فلم أجد ماء. فقال : لا تصلّ.]

فقال عمّار [أما تذكر يا أمير المؤمنين! إذ أنا وأنت في سريّة فأجنبنا فلم نجد ماء. أمّا أنت فلم تصلّ وأمّا أنا فتمعّكت في التراب ـ وفي صحيح النسائي / باب التيمم : فتمرّغت في التراب ـ فصلّيت.

فقال النبي (ص) «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفّيك».

فقال عمر : اتّق الله يا عمّار! قال : إن شئت لم أحدّث به.]

فمن هذا الخبر يظهر زيف كلام ذلك المعلم الجاهل وبطلان زعمه ومدّعاه بأنّ عمر أحد الفقهاء الكبار ، إذ كيف يمكن لفقيه لازم صحبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة أعوام ، وسمع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحكام الاسلام ، وتلا كلام الله العزيز في القرآن حيث يقول :( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) .

فيفتي بترك الصلاة الواجبة ، عند فقدان الماء!!

هل يصحّ أن يقال لهكذا مفتي أنه فقيه أو عالم بأحكام الدين؟! والجدير بالذكر ، أنّ مسئلة التيمّم من المسائل المبتلى بها في المسلمين ، فلذا يعرفها حتى عوام المسلمين والسّوقيين منهم الملتزمين بالصلاة

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٦.

١٠٢٤

والعبادة ، فكيف بأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وكيف بحاكم المسلمين؟!

ليس لأحد أن يقول بأنّ عمر كان متعمّدا في فتواه بترك الصلاة ، أو كان يقصد تبديل حكم الله والإخلال أو التغيير في دين الله سبحانه ، ولكن لنا أن نقول : بأنّه ما كانت له الإحاطة الكافية بجميع أحكام الدين ومسائل الشّرع المبين ، وكم فرق بينه وبين من كان محيطا بجميع مسائل الإسلام وأحكام العبادات والحلال والحرام ، وكان سريع الجواب حتى في جزئيّات الأحكام ، ولا يخفى عليه شيء من أمور الدين صغيرا كان أو كبيرا؟!

الشيخ عبد السلام : ما كان أحد غير رسول الله (ص) يتصف بصفة أنه لا يخفى عليه شيء من أمور الدين صغيرا كان أو كبيرا.

قلت : نعم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان أحد من الصحابة يتصف بهذه الصفة العظمى ، إلاّ باب علمه ووارث مقامه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولذلك خاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه قائلا «أعلمكم عليّ».

إحاطة الإمام عليّعليه‌السلام بالعلوم

روى العلاّمة موفق بن أحمد الخوارزمي في كتابه المناقب بأنّ يوما سأل الخليفة عمر بن الخطاب ، الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام إذ رآه يجيب سريعا على كل ما يسأل بغير تأنّ وتفكّر. فقال [يا علي! كيف تجيب على المسائل سريعا بالبداهة من غير تفكير؟!

فبسط عليعليه‌السلام كفّه وسأله : كم عدد أصابع الكف؟ فأجاب عمر سريعا من غير تأخير : خمسة.

فقال له عليّ : كيف أسرعت في الجواب من غير تفكير؟

١٠٢٥

فأجاب عمر : إنّه واضح ، لا يحتاج إلى تفكير.

فقال عليعليه‌السلام : اعلم أنّ كل شيء عندي واضح بهذا الوضوح فلا أحتاج إلى تفكير في جواب أي سؤال(١) .]

__________________

(١) لا يشك المحقق البصير والمدقق الخبير ، بأنّ أحدا من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقاس بالإمام عليّعليه‌السلام في العلم والمعرفة ، فهو أعلمهم قاطبة وكلهم كانوا يحتاجون إليه في علم الدين وكانوا يراجعونه في المسائل والأحكام وكان غنيّا عنهم ، روى العلاّمة القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر في غزارة علمهعليه‌السلام ، روايات كثيرة في هذا المعنى وكلها من الكتب المعتبرة لدى العامّة.

فقال : وعن الكلبي ، قال ابن عباس [علم النبي (ص) من علم الله سبحانه وعلم عليّ من علم النبي (ص) ، وعلمي من علم عليّ. وما علمي وعلم الصحابة في علم عليّ إلاّ كقطرة في سبعة أبحر.]

وفي أواخر الباب روى عن المناقب ، عن عمّار بن ياسر (رض) قال [كنت مع أمير المؤمنين عليه‌السلام سائرا فمررنا بواد مملوءة نملا. فقلت : يا أمير المؤمنين ترى أحدا من خلق الله تعالى يعلم عدد هذا النمل؟

قال : نعم يا عمار ، أنا أعرف رجلا يعلم عدده ، ويعلم كم فيه ذكر وكم فيه أنثى.

فقلت من ذلك الرجل؟

فقال : يا عمار ما قرأت في سورة يس ، الآية ١٢ : ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) !

فقلت : بلى يا مولاي ، قال : أنا ذلك الإمام المبين.]

وروى أيضا عن أبي ذر (رض) قال [كنت سائرا مع عليّ عليه‌السلام ، إذ مررنا بواد نمله كالسيل ، فقلت : الله أكبر جلّ محيصه فقال عليه‌السلام : لا تقل ذلك ، ولكن قل جلّ بارؤه.

فو الذي صوّرني وصوّرك ، إنّي أحصي عددهم ، وأعلم الذكر منهم والأنثى بإذن الله عزّ وجلّ.]

أيّها القارئ الكريم : الروايات في باب إحاطة علم الإمام عليّ عليه‌السلام بالأشياء كثيرة في كتب الفريقين ، وقد ذكرت نموذجا منها. «المترجم»

١٠٢٦

اعتراف معاوية وإقراره بعلم الإمام عليّعليه‌السلام

لقد تذكّرت الآن خبرا أنقله للحاضرين الكرام من باب :

(وفضائل شهد العدوّ بذكرها

والفضل ما شهدت به الأعداء)

نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، وابن حجر في الصواعق المحرقة / ١٠٧ طبع المطبعة الميمنيّة بمصر / قال : وأخرج أحمد [بن حنبل] : [أنّ رجلا سأل معاوية عن مسئلة ، فقال : اسأل عنها عليّا فهو أعلم.

فقال : يا أمير المؤمنين! جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب علي.

قال : بئسما قلت ، لقد كرهت رجلا كان رسول الله (ص) يعزه بالعلم عزا ، ولقد قال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه ، قال ابن حجر : وأخرجه آخرون بنحوه(١) .]

عجز عمر في حلّ المعضلات وخضوعه لعليّعليه‌السلام

نقل جمع من أعلامكم وكبار علمائكم منهم العلاّمة نور الدين

__________________

(١) وذكر ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة : ٢٤ و ٢٥ ، طبع دار إحياء الكتب العربية [ولمّا قال محفن بن أبي محفن لمعاوية : جئتك من عند أعيا الناس ـ وقصد علياعليه‌السلام ـ قال له :

ويحك! كيف يكون أعيا الناس! فو الله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره.]

«المترجم»

١٠٢٧

المالكي في كتابه الفصول المهمة / ١٨ ، في القسم الثالث من الفصل الأول / ونسب الكلام المرموز إلى رجل مجهول. ولكن العلاّمة الكنجي الشافعي روى بإسناده في كتاب كفاية الطالب / الباب السابع والخمسون عن حذيفة بن اليمان أنّه لقي عمر بن الخطّاب فقال له عمر [كيف أصبحت يا ابن اليمان؟ فقال : كيف تريدني أصبح؟! أصبحت والله أكره الحق ، وأحبّ الفتنة ، وأشهد بما لم أره ، وأحفظ غير المخلوق ، وأصلّي على غير وضوء ، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء. فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد أعجله أمر وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك.

فبينا هو في الطّريق إذ مرّ بعلي بن أبي طالب ، فرأى الغضب في وجهه ، فقال : ما أغضبك يا عمر؟!

فقال : لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت؟ فقال : أصبحت أكره الحق ، فقالعليه‌السلام : صدق ، يكره الموت وهو حق.

فقال : يقول : وأحب الفتنة ، قال (ع) : صدق ، يحب المال والولد ، وقد قال الله تعالى :( أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (١) . فقال : يا علي يقول : واشهد بما لم أره. فقالعليه‌السلام : صدق ، يشهد لله بالوحدانيّة والموت والبعث والقيامة والجنة والنار والصراط ولم ير ذلك كلّه. فقال : يا علي وقد قال : إنّني أحفظ غير المخلوق ، قالعليه‌السلام : صدق ، يحفظ كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق ، قال : ويقول : أصلّي على غير وضوء. فقالعليه‌السلام : صدق ، يصلّي على ابن عمّي رسول الله (ص) على غير وضوء ، وهي جائزة.

فقال : يا أبا الحسن قد قال : أكبر من ذلك ، فقال (ع) : وما هو؟

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ٢٨.

١٠٢٨

قال : قال : إنّ لي في الأرض ما ليس لله في السماء. قالعليه‌السلام : صدق ، له زوجة ، وتعالى الله عن الزوجة والولد.

فقال عمر : كاد يهلك ابن الخطاب لو لا علي بن أبي طالب.

ثم قال العلاّمة الكنجي : هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحد من أهل السّير.]

وقد روى العلماء أخبارا كثيرة وقضايا عسيرة من هذا القبيل كانت تحدث في خلافة الشيخين أبي بكر وعمر ، فكانا يعجزان عن حلّها وفهمها فكانا يرجعان بها إلى الإمام عليّعليه‌السلام فيعطيهم الجواب ، لا سيما المسائل التي كان يطرحها علماء اليهود والنصارى والماديّون ، فكانت معضلات علميّة ومشكلات كلاميّة لم يتمكن أحد من الصحابة ردّها والإجابة عليها بالصواب إلاّ سيد الوصيين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولقد روى أكثر أعلامكم وكبار علمائكم في كتبهم بعض تلك القضايا منهم : البخاري ومسلم في الصحيحين ، والنيسابوري في التفسير ، وابن المغازلي في المناقب ، ومحمد بن طلحة العدوي في الباب الرابع من كتابه مطالب السّئول ، والحميدي في الجمع بين الصحيحين ، وأحمد بن حنبل في المسند ، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة : ص ١٨ ، وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب / ٣٣٧ ، طبع حيدرآباد ، وفي الإصابة ج ٢ / ٥٠٩ ، طبع مصر ، والقاضي روزبهان في إبطال الباطل ، والمحب الطبري في الرياض النضرة : ج ٢ / ١٩٤ ، وابن الأثير الجزري المتوفّى سنة ٣٦٠ هجرية في أسد الغابة : ج ٤ / ٢٢ ، وابن قتيبة المتوفى سنة ٢٧٦ هجرية في كتابه تأويل مختلف الحديث : ٢٠١ ـ ٢٠٢ طبع مصر ،

١٠٢٩

وابن عبد البر القرطبي في الاستيعاب ج ٢ / ٤٧٤ وج ٣ / ٣٩ ، وابن كثير في تاريخه : ج ٧ / ٣٥٩ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : ٦٦ ، والسيد مؤمن الشبلنجي في نور الأبصار : ص ٧٣ ، والعلاّمة السمهودي في جواهر العقدين ، والحاج أحمد أفندي في هداية المرتاب / ١٤٦ و ١٥٢ ، والشيخ محمد الصبّان في إسعاف الراغبين : ص ١٥٢ ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص في الباب السادس ، وابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة ، والمولى علي القوشچي في شرح التجريد : ص ٤٠٧ ، والخوارزمي في المناقب / ٤٨ و ٦٠ ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : ص ١٠٧ طبع المطبعة الميمنيّة بمصر ، والعلاّمة ابن قيّم الجوزية في كتاب الطرق الحكمية / ٤٧ و ٥٣ ، تجد في هذه المصادر قضايا عسيرة ومشاكل كثيرة راجع فيها الشيخان أيام خلافتهما ، عليّاعليه‌السلام وهو حكم فيها ، وخاصّة عمر بن الخطاب ، فقد كان يقول عبارته المشهورة بعد كل معضلة حلّها الإمام عليّعليه‌السلام [أعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو الحسن ، ويقول في بعضها الآخر : لو لا علي لهلك عمر. وقوله : كاد يهلك ابن الخطاب لو لا علي بن أبي طالب.]

ولقد تحصّل من هذه الأخبار أنّهم كانوا يحتاجون إلى الإمام عليعليه‌السلام لحلّ القضايا والحكم فيها ، وكانوا يحتاجون إلى رأيه وقضائه في فصل النزاع والتخاصم ، وبحكم العقل ونظر العقلاء فإنّ الأعلم مقدّم على غيره وهو أحقّ أن يتّبع ، وقال الله سبحانه :( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) ؟

__________________

(١) سورة يونس ، الآية ٣٥.

١٠٣٠

وقال عزّ وجلّ :( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (١) ؟

فهل كان من الحق والإنصاف أن يتقدّموا على الأعلم والأفضل والأحق وأن يؤخّروا من قدّمه الله تعالى وفضّله على غيره؟!

الإمام عليعليه‌السلام وخلافة من سبقوه

الشيخ عبد السلام : لا ينكر أحد فضائل ومناقب سيدنا عليّ كرّم الله وجهه إلاّ معاند متعصّب أو جاهل متعنّت. ولكن ثبت عند أهل العلم والتحقيق أيضا بأنّ عليا رضي بخلافة الراشدين وسلّم الأمر إليهم وبايعهم بالطوع والرغبة ، فليس لنا بعد ذلك ولا يصحّ منّا أن نجدّد ذكر الحوادث التي تبعث الاختلاف بين المسلمين وتشبّ نار الفرقة والنزاع بين المؤمنين.

أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونترك هذه الأبحاث ونتّحد مع بعض ونتّبع الواقع ونخضع للتاريخ؟

فلا ينكر أحد من أهل العلم والاطّلاع أنّ الخلافة ثبتت لأبي بكر ، وبعده استقرّت لعمر بن الخطاب ، وبعده تعيّن عثمان بن عفّان لها. فمع تسليمنا وخضوعنا لمقام سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه وتفوّقه العلمي والعملي وقرابته من رسول الله (ص) وجهاده ، ندعوكم أن تخضعوا أيضا لخلافة الراشدين قبل الامام عليّ حتى نحسبكم مثل أحد المذاهب الأربعة المؤيدة من قبل عامّة المسلمين.

وقلت : بأننا لا ننكر تفوّق سيدنا عليّ كرّم الله وجهه في العلم والعمل ولكن أظنكم تصدّقوني بأنّ أبا بكر (رض) كان أولى بالخلافة

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ٩.

١٠٣١

لكبر سنّه ، وكثرة تجاربه ، وعلمه بالسياسة ، وإدارة الأمور ، ولوجود هذه الامتيازات فيه أجمعوا على خلافته ، فإنّ سيدنا عليّ كرم الله وجهه كان حينذاك شابا غير محنّك في أمور السياسة والإدارة ، وحتى من بعد وفاة رسول الله (ص) بخمسة وعشرين عام لمّا بايعوه بالخلافة لم يستقر له الأمر لعدم سياسته وحدثت في أيّامه حروب طاحنة بين المسلمين فسفكت الدّماء وزهقت النفوس ، كل ذلك بسبب خطئه في الإدارة والسياسة.

قلت : لقد خلطت الحابل بالنابل ، وضربت السليم بالسّقيم ، فلا بدّ لي أن أميّز بين كلامك ، وأضع كل جملة في موضعها وأجيبك عليها.

مثل مناسب ولا مناقشة في الأمثال

أولا : لقد جاء في الأمثال : أنّ عجوزا طلبت من ولدها ـ وكان سارقا ـ أن يأتي لها بكفن من كسب حلال.

فجاء الولد وهو شاب قويّ إلى بيّاع الأكفان ـ وكان شيخا ضعيفا ـ قريبا من بيت العجوز ، فأخذ منه كفنا ولم يعطه الثمن ، ولمّا أراد أن يذهب ، طالبه صاحب الكفن بالثمن ، فقال السارق : ليس عندي ثمنه وأريد منك أن تحلّه لي.

فقال الشيخ : لا أحلّه. إمّا أن تعطي الثمن أو تردّ الكفن! فغضب السارق وأخذ بتلابيب الشيخ وضربه حتى سقط على الأرض وبدأ يركله برجله ، ويسحقه بأقدامه ، ويقول : هبني الثمن وحلّل الكفن وإلاّ قتلتك!!

١٠٣٢

فقال الشيخ بصوت منخفض ـ وهو تحت أقدام السارق ـ : وهبتك الثمن وحلّلت الكفن.

فقال السارق : لا أقبل. إلاّ ان تصيح بصوت رفيع ، تسمعك أمّي في بيتها.

فصاح الشيخ بكل صوته : وهبتك الثمن وحللت الكفن.

فتركه وجاء الى أمه العجوز وأعطاها الكفن.

وقال لها : يا أمّاه سمعت صوت الشيخ يقول : حللت الكفن! قالت : نعم يا ولدي جزاك الله خيرا!!

أقول : فلو درت العجوز بصنيع ولدها الظالم بالشيخ المظلوم ، هل كانت تؤيّده وتقول له : جزاك الله خيرا؟!

إنّ كلامك بأنّ علياعليه‌السلام كان راضيا بخلافة الراشدين قبله ، وأنّه بايعهم بالطوع والرغبة ، فقد تكرّر ونحن أجبنا عليه من قبل بالإجابات القانعة المستندة الى كتبكم وتواريخكم ، بأنّهم أجبروه على البيعة بحرق بابه ، وإسقاط ولده المحسن ، وإيذاء زوجته وهي سيدة نساء العالمين ، وإخراجه من البيت حاسرا قد جرّدوا السيف على رأسه ، وهدّدوه بالقتل إن لم يبايع ؛ وما إلى ذلك من حوادث أليمة وفجائع عظيمة.

فلو تظاهر الإمام عليعليه‌السلام بالرضا فإنّما كان رضاه مثل رضا الشيخ بيّاع الأكفان ، عن كره وإجبار ، لا كما تزعمون عن طوع ورغبة. فكيف رضي وهوعليه‌السلام إلى آخر عمره كان يشتكي من أعمالهم ويتذمّر؟

وكما نرى في خطبه وكلماته وكتبه في نهج البلاغة ، كان كلّما وجد فرصة مناسبة يبدي ظلامته ويقول «صبرت وفي العين قذى وفي

١٠٣٣

الحلق شجى». فأين هذا الكلام من الرضا؟

ثانيا : قلتم : أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونترك هذه الأبحاث ونتّحد مع بعض ...؟ كما قلتم قبله ، ولا يصح منّا أن نجدّد ذكر الحوادث التي تبعث الاختلاف والفرقة بين المسلمين.

فأقول : نحن في طول التاريخ كنا نراعي جانب الاتحاد ، وكنّا نحذّر من الفرقة والاختلاف ، ونبتعد عن التخاصم والنزاع ، ولو راجعتم التاريخ ومررتم بالأحداث لأذعنتم لقولي ، ولقد مضى في أبحاثنا أنّ الإمام عليّعليه‌السلام إنّما سكت وسكن مدة خمس وعشرين سنة ـ مدة حكومة الثلاثة قبله ـ حذرا من الاختلاف والفرقة بين الأمّة ولقد تحمّل ما لو نزل على صمّ الصخور لتصدّعت وصارت هباء منثورا.

وكذلك الإمام المجتبى الحسن السبط سلام الله عليه ، إنّما هادن معاوية ليوحّد بين المسلمين ويحسم النزاع والتخاصم ، ولكن معاوية سحق شروط الإمام الحسنعليه‌السلام التي كان قد وقّع عليها. وبعده أيضا كانت الشيعة في كل عصر وزمان دعاة الاتحاد والائتلاف ، وأنتم كنتم تعملون بالعكس والخلاف ، وذلك بتصدير الفتاوى ضد الشيعة ، والافتراء عليهم ، واتهامهم بالكفر ، وتسميتهم بالرافضة ، وإباحة أموالهم ودمائهم وأعراضهم و... ، ومن باب الدفاع عن النفس كنا نردّ عليكم ونثبت بالمنطق والدليل بأنّنا مؤمنون ومسلمون ولسنا بكافرين ومشركين.

لا يصح اختيار دين بغير دليل!!

ثالثا : أما قولك : أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونتحد مع بعض ونتّبع الواقع؟

١٠٣٤

فأقول : بل الأفضل أن نعتبر من الماضي ولا نكرر أخطاء أسلافنا الماضين ولا سيما في أمر الدين.

والأفضل أيضا أن نتحد مع بعض ، ولكن يجب أن يكون اتحادنا على قبول الحق ، فيلزم قبل الاتحاد أن نبحث ونناقش لنعرف الحق فنتقبّله ونتمسك به كلّنا ، وهذا هو الاتحاد الممدوح والذي يريده الله تعالى.

وأما قولك : فنتّبع الواقع ونخضع للتاريخ. فهو كلام أوهن من بيت العنكبوت. وفيه ضرب من المغالطة ، لأنك بهذا الكلام تريد منّا أن نتّبع من غلب ، ونخضع لمن حكم ، وما أكثر الظالمين الذين غلبوا المظلومين وما أكثر الطغاة الذين حكموا في العالم. فليس كل من غلب وحكم حقيق بأن نتّبعه ونخضع له.

وأما فيما هو بحثنا وهو الخلافة ، فإنّ التاريخ يحدّث ويحكي بأنّه بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انقسم المسلمون واختلفوا ، فقسم منهم تبعوا أبا بكر وبايعوه وخضعوا لحكمه وخلافته ، والقسم الآخر خالفوه ورفضوا حكمه وخلافته ، وتبعوا عليا وأطاعوه مستندين في عملهم بالقرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فالواجب علينا اليوم أن ننظر إلى أقوال الطرفين ودلائلهم ونختار مذهب أحدهما بالدليل والبرهان ، فإنّه لا يصح التقليد في أصول الدين والمذهب. فهل يعذر أبناء اليهود والنصارى إذ اتّبعوا ملّة آبائهم وقلّدوا أسلافهم بحجّة القول :( إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) (١) ؟

بل يجب على كلّ مكلّف أن يتديّن بدين الله تعالى عن دراسة

__________________

(١) سورة الزخرف ، الآية ٢٣.

١٠٣٥

وتحقيق ، ولا بدّ له من دليل عقلي في اختيار الدين والمذهب.

فلا يصحّ أن يتبع الهوى فيميل إلى من أحبّ ويختار مذهبه ، فإنّ اختيار الدين والمذهب يجب أن يكون على أساس المنطق القويم والعقل السليم.

ما هو دليلي على اختياري التّشيع؟

أتظنّون أنّي اخترت مذهب التشيّع ، لأنّي وجدت آبائي على هذا المذهب فقلّدتهم تقليد أعمى؟ لا والله!

فانّي من حين عرفت نفسي وأحسست بحاجتي إلى دين أتديّن به وأعمل بأحكامه وتعاليمه ، بدأت أطالع في الأديان السماويّة وغيرها ، حتى أنّي طالعت أقوال الماديين والوجوديين أيضا ، لكي أعرف الحق والحقيقة. فاخترت الإسلام عن معرفة ودراية ، ثم درست أصوله وفروعه بدقة وتحقيق ، فوحّدت الباري جلّ وعلا وعبدته وفوّضت إليه أموري كلها ، وطالعت تاريخ سيد المرسلين وفهمت رسالته الشريفة ، وقد ثبت عندي بالأدلّة العقليّة وبمقايسة دينه بسائر الأديان أنّ الإسلام هو الدين الأكمل والمعتقد الأفضل.

ثم نظرت إلى اختلاف المذاهب وتاريخ تأسيسها في الإسلام ، وطالعت الأحداث التي حدثت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقضيّة الخلافة وتشكيل السقيفة وما بعدها ، وطالعت تاريخ الخلفاء وأعمالم ، وكنت معتمدا في دراستي ومطالعاتي على مصادر الفريقين وكتب علماء الطرفين ومحدّثيهم ومتكلّميهم ومؤرّخيهم.

وأشهد الله أنّي وصلت إلى حقّانيّة مذهب الشيعة ، وحقيقة

١٠٣٦

أقوالهم وعقائدهم ، وعرفت حقّ الإمام عليعليه‌السلام بالولاية والخلافة وأنّ الآخرين قد غصبوا حقّه.

وأقسم بالله أنّي ما حصلت على هذه النتائج والحقائق إلاّ من الروايات والأخبار المذكورة في كتب علماء العامّة وأعلامهم ، وفي صحاحهم ومسانيدهم المعتبرة والموثوقة التي لا يجوز عندهم ردّها ، ولقد اعتمدت في بحث الخلافة والإمامة خاصّة ، على تآليف وتصانيف علماء السّنة وطالعتها ، أكثر من مطالعتي لكتب الشيعة. لأنّ الدلائل التي ذكرها علماء الشيعة في كتبهم ، كانت أكثرها من كتب علماء السنّة وأعلامهم. فرجعت الى المصادر فوجدت فيها الدلائل أكمل وأتم. ولكن علماء السنة عند ما يذكرون الآية القرآنية وشأن نزولها في الامام عليّعليه‌السلام ، أو يذكرون حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل الإمام عليّعليه‌السلام فإنهم ينظرون إليها نظرا سطحيا ، ويمرّمون عليها من غير تحقيق وتدقيق ، فلا يتعمّقون في معانيها والمقصود منها ، ولو نظروا فيها بنظر التحقيق لوجدوا فيها نصوصا صريحة في خلافة الإمام عليّعليه‌السلام وإمامته ، وشهدوا كما نشهد بأنّ الإمام عليّعليه‌السلام وليّ الله وحجة الله وخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الأول بلا فصل.

الشيخ عبد السلام : لا توجد في كتبنا المعتبرة نصوص في ولاية سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه وإمامته ولزوم طاعته على الأمّة!!

قلت : أظنّك يا شيخ كثير النسيان ، وكأنّك لم تذكر من أحاديثنا ومحاوراتنا إلا قليلا ، فلذا أدعوك للرجوع إلى الصّحف والمجلاّت التي نشرت مناقشاتنا الماضيّة ، فإنّنا ذكرنا فيما سبق في كلامنا نصوصا كثيرة من القرآن الحكيم وحديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إمامة علي بن أبي

١٠٣٧

طالب ولزوم طاعته ومتابعته ، وسأذكر بعضها من باب( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) (١) .

الآيات والروايات في لزوم طاعة عليّعليه‌السلام

أمّا النصوص في ولاية الإمام عليّعليه‌السلام فكثيرة منها ما رواه الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة / باب ٣٧ عن الفردوس للديلمي ، وعن أبي نعيم الحافظ ، وعن محمد بن إسحاق المطّلبي صاحب كتاب المغازي ، وعن الحاكم ، والحمويني ، والخوارزمي ، وابن المغازلي ، وبعضهم أسند إلى ابن عباس ، وبعضهم إلى ابن مسعود ، وبعضهم إلى أبي سعيد الخدري أنهم قالوا : لمّا نزلت الآية الكريمة :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢) .

قال النبي (ص) «إنّهم مسئولون عن ولاية علي بن أبي طالب(٣) ».

__________________

(١) سورة الذاريات ، الآية ٥٥.

(٢) سورة الصافات ، الآية ٢٤.

(٣) رواه جمع كثير من كبار علماء العامّة وأعلامهم ، منهم ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة في الفصل الأول من الباب الحادي عشر ، يذكر فيه الآيات النازلة في فضل أهل البيتعليهم‌السلام ، فقال : الآية الرابعة ، قوله تعالى :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أنّ النبي (ص) قال :وقفوهم إنّهم مسئولون ، عن ولاية عليّ (انتهى كلام ابن حجر).

وأخرجه العلاّمة الآلوسي في تفسيره المسمّى بروح المعاني ، في تفسير الآية ، ورواه العلاّمة الكشفي الترمذي في (مناقب مرتضوي) نقل عن ابن مردويه في مناقبه وعن أحمد بن حنبل في مسنده ، عن أبي سعيد الخدري أنه [يسأل في القيامة عن ولاية علي بن أبي طالب]. [ونقل عن فردوس الأخبار عن ابن عباس وأبي سعيد قالا عن النبي (ص) قال : يسألون عن الإقرار بولاية علي بن أبي طالب.]

١٠٣٨

ثم إنّنا نجد في كثير من الأخبار المرويّة في كتبكم المعتبرة ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يختار الإمام عليّ من دون كلّ الصحابة ، فيجعله باب علمه ويأمر المسلمين بلزوم طاعته بل يجعل طاعته طاعة الله سبحانه.

فقد روى أحمد بن حنبل في المسند ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، والحافظ القندوزي في الينابيع ، والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال» يا معشر الأنصار! ألا أدلّكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا

__________________

وأخرجه الشيخ أبو بكر بن مؤمن في كتاب رسالة الاعتقاد : وأخرج العلاّمة الكنجي في كتابه كفاية الطالب / الباب الثامن والستون / صفحة ١٢٠ ، طبع مطبعة الغري.

قال : وروى ابن جرير الطبري ، وتابعه الحافظ أبو العلاء الهمداني. وذلك ذكره الخوارزمي عن أبي إسحاق عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) يعني [عن ولاية عليّ عليه‌السلام .]

ورواه العلاّمة أبو نعيم الحافظ في كتابه ما نزل من القرآن في عليّ.

وأخرج سبط بن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / الباب الثاني / قال : ومنها في الصافات قوله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) . قال : قال مجاهد [عن حبّ علي عليه‌السلام .]

أقول : هذا التفسير يأتي بالمعنى الأعم ، وأما بالمعنى الأخصّ فلا.

لأنّ ما يوجب التوقف عند الصراط ويقتضي السؤال عنه. فهو الولاية بمعنى الإمامة ، فإنّ حبّ الإمام عليّ عليه‌السلام لم يجعل بانفراده أصلا اعتقاديا يسأل عنه كما يسأل عن الرب وعن الكتاب وعن النبي ، فالسؤال عن الولاية أي الخلافة التالية للنبوّة ، فهذا التفسير هو الذي يقتضيه الحال والمقال.

«المترجم»

١٠٣٩

بعدي أبدا؟ قالوا : بلى.

قال : هذا عليّ فأحبّوه وأكرموه واتّبعوه ، إنّه مع القرآن والقرآن معه ، إنّه يهديكم إلى الهدى ولا يدلّكم على الرّدى ، فإنّ جبرائيل أخبرني بالذي قلته».

وكذلك روى كثير من علمائكم ونقلته لكم في الليالي السالفة ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمار بن ياسر «يا عمّار إن سلك الناس كلهم واديا وسلك عليّ واديا فاسلك وادي عليّ وخلّ عن الناس».

وكذلك ذكرت لكم في الليالي الماضية من كتب أعلامكم : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال تكرارا وأعلن مرارا بين أصحابه «من أطاع عليّا فقد أطاعني ، ومن أطاعني فقد أطاع الله عزّ وجلّ».

فلا يخفى على العالم المتتبّع أنّ مثل هذه الأحاديث كثيرة جدّا في كتبكم ، وقد صحّحها كبار أعلامكم وأئمتكم ، حتى كاد يحصل منها التواتر المعنوي في لزوم متابعة الإمام عليّعليه‌السلام ووجوب طاعته.

مع العلم بأنّنا ما وجدنا ولا وجد غيرنا حتى حديثا واحدا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول للمسلمين بأن يطيعوا بعده أبا بكر أو عمر أو عثمان ، ولا يوجد في الكتب حديث واحد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فيه بأنّ أحد هؤلاء الثلاثة وصيّه أو باب علمه ، أو خليفته.

ومع ذلك ، تريدون منّا أن نوافقكم في قولكم بأنّ الإمام عليّعليه‌السلام هو رابع الخلفاء الراشدين ، ونقدّم عليه أولئك الذين لن نجد حتى في كتبكم ما ينبئ بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيّنهم أوصياء وخلفاء له ، وأئمّة على المسلمين!!

فهل هذا يوافق حكم العقل؟ وهل هو صحيح عند العقلاء

١٠٤٠

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205