ليالي بيشاور

ليالي بيشاور1%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234364 / تحميل: 3840
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

ونقل أبو الحجاج البلوي في كتابه «الف باء» ج ١ / ٢٢٢ قال : لما وصل معاوية خبر قتل عليّعليه‌السلام ، قال : لقد ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب.]

وهكذا يروى عن سعيد بن المسيب أنّه قال [كان عمر (رض) يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو الحسن(١) .]

__________________

(١) هذا الخبر ذكره جمع كثير من علماء العامة وأعلامهم منهم :

الحاكم النيسابوري في المستدرك رواه عن سعيد بن المسيّب ورواه عنه أيضا ابن عبد البرّ في الاستيعاب : ج ٢ / ٤٨٤ ، ورواه محب الدين الطبري في ذخائر العقبى / ٨٢ ، فإنّه بعد ما ذكر مراجعة عمر بن الخطاب إلى الإمام علي عليه‌السلام في حكم المرأة التي ولدت لستة أشهر ، قال : وعن سعيد بن المسيّب أنّه قال [كان عمر يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو الحسن.] قال الطبري : أخرجه أحمد بن حنبل وأبو عمر.

وروى العلامة سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص مسائل وقضايا شتى راجع فيها عمر علياعليه‌السلام وأخذ منه حكمها ، وذكرها في فصل بعنوان : (فصل في قول عمر ابن الخطاب [أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن ، وما ورد في هذا المعنى) فنقل في أوله مقال سعيد بن المسيّب عن كتاب «الفضائل» لأحمد بن حنبل ، ثم نقل قضايا ، قال عمر في إحداها [لو لا عليّ لهلك عمر.

وقال في اخرى : اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب.

وقال في أخرى : لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب.

ونقل المتقي في كنز العمال : ج ٣ / ٥٣ ، عن عمر أنّه قال : اللهم لا تنزل بي شدّة إلاّ وأبو الحسن إلى جنبي.]

وروى الطبري أيضا في ذخائر العقبى / ٨٢ ، مراجعة عمر في قضاياه المعضلة وأموره المشكلة ، ثم قوله [اللهم لا تنزلنّ بي شديدة إلاّ وأبو الحسن إلى جنبي ، وذكر أنّ عمر كان يقول لعليّ إذا سأله ففرّج عنه : لا أبقاني الله بعدك يا علي.]

وقال الطبري : وعن أبي سعيد الخدري أنّه سمع عمر يقول لعلي ـ وقد سأله عن معضل فأجابه ـ [أعوذ بالله أن أعيش في يوم لست فيه يا أبا الحسن.]

والعبارات في هذا المعنى كثيرة جدا. «المترجم»

١٠٢١

وقال أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي في شرح «الفتح المبين» : [كانت الصحابة (رضي الله عنهم) يرجعون إليه ـ أي إلى عليّعليه‌السلام ـ في أحكام الكتاب ويأخذون عنه الفتاوى ، كما قال عمر بن الخطاب (رض) في عدّة مواطن : لو لا علي لهلك عمر.]

وقال النبي (ص) «أعلم أمّتي علي بن أبي طالب».

فتحصّل من كتب التاريخ والسير أنّ عمر بن الخطّاب كان ضعيفا في الفقه وعلم الأحكام ، لذلك كان في أغلب القضايا يراجع من حضره من الصحابة العارفين بالفقه وأحكام الشريعة. وربّما اشتبه في المسائل الدينيّة والأحكام الشرعيّة التي كان يعرفها أكثر المسلمين ، فكان الحاضرون ينبّهونه ويرشدونه إلى الصواب.

الشيخ عبد السلام : لا نسمح لك أن تتكلّم هكذا على خليفة المسلمين وتنسب إليه الجهل والاشتباه ، نحن لا نتحمل منكم هذا التجاسر ، ولا شك أنّ كلامكم بعيد عن الصواب ، وقائله مفتر كذّاب!!

قلت : على مهلك يا شيخ! قف عند حدّك ولا تهرّج ، تريد بهذا الكلام أن تحرّك أحاسيس الحاضرين من أهل السنّة ، ولكنّهم عرفوا في الليالي السالفة والمناقشات الماضية بأنّي لا أتكلم بغير دليل وبرهان ، وهذه المرة كالمرّات الأخرى ، إنّما قلت ما قلت من كتب كبار علمائكم ومسانيد أعلامكم ، فإن كان في كلامي تجاسر على عمر فليس مني بل من علمائكم ، وإن كان الكلام بعيدا عن الصواب ، وقائله مفتر كذّاب ـ كما زعمت ـ فقائله بعض أعلامكم وأئمتكم.

الشيخ عبد السلام : هذا الكلام غير مقبول ، ولا أظن قائله إلاّ

١٠٢٢

أحد المردودين غير المعتبرين لدى عامّة أهل السّنّة ، والجدير أنّك لمّا تنقل خبرا في إثبات كلامك ، تقول : نقله أعلامكم وأئمتكم ، ولم تذكر اسم القائل ، فنراه ليس من أعلامنا وأئمتنا ، بل هو كاتب سنيّ غير معتبر ، ولا يعتمد أعلامنا على كتابه ، لذلك أنا لا أقبل منك نقل الرواية والخبر في هذا الموضوع إلاّ من الأئمة الأعلام الذين نرجع إليهم في أمور ديننا ، كأصحاب الصحاح والمسانيد أو السنن التي نعتمد عليها.

قلت : لقد أسهبت في البيان وذربت باللسان وقضيت خلاف الحق والوجدان ، وأنا أترك التحكيم للحاضرين لا سيما أهل العلم والإيمان ، ولكي تعرف زيف كلامك وتعلم صدق مقالي ، أذكر لكم من الكتب التي تقبلونها وتعتمدون عليها في أمور الدين والمذهب من الصحاح والمسانيد المعتبرة لديكم ، أذكر اشتباها واحدا من عشرات الاشتباهات التي ارتكبها الخليفة عمر بن الخطاب مضافا إلى ما مرّ ، وأكتفي بذلك رعاية للوقت.

عمر : لا يعرف التيمّم وأحكامه!!

جاء في صحيح مسلم / باب التيمّم ، وذكره أيضا الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين ، وأحمد بن حنبل في مسنده ج ٤ / ٢٦٥ و ٣١٩ ، والبيهقي في السنن : ج ١ / ٢٠٩ ، وأبو داود في السنن : ج ١ / ٥٣ ، وابن ماجة في السنن : ج ١ / ٢٠٠ ، والنسائي في السنن : ج ١ / ٥٩ الى ٦١ ، هؤلاء كلّهم عندكم من الأئمة والأعلام المعتمد عليهم في مسائل الحلال والحرام وجميع أحكام الإسلام ، وذكر

١٠٢٣

أيضا جمع كثير من علمائكم الكرام غير هؤلاء ذكروا بأسانيدهم عن طرق كثيرة رووا بألفاظ مختلفة والمعنى واحد ، وأنقله من صحيح مسلم / كتاب الطهارة / في باب التيمّم / روى بسنده عن عبد الرحمن بن أبزي [أنّ رجلا أتى عمر فقال : إنّي أجنبت فلم أجد ماء. فقال : لا تصلّ.]

فقال عمّار [أما تذكر يا أمير المؤمنين! إذ أنا وأنت في سريّة فأجنبنا فلم نجد ماء. أمّا أنت فلم تصلّ وأمّا أنا فتمعّكت في التراب ـ وفي صحيح النسائي / باب التيمم : فتمرّغت في التراب ـ فصلّيت.

فقال النبي (ص) «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفّيك».

فقال عمر : اتّق الله يا عمّار! قال : إن شئت لم أحدّث به.]

فمن هذا الخبر يظهر زيف كلام ذلك المعلم الجاهل وبطلان زعمه ومدّعاه بأنّ عمر أحد الفقهاء الكبار ، إذ كيف يمكن لفقيه لازم صحبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة أعوام ، وسمع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحكام الاسلام ، وتلا كلام الله العزيز في القرآن حيث يقول :( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) .

فيفتي بترك الصلاة الواجبة ، عند فقدان الماء!!

هل يصحّ أن يقال لهكذا مفتي أنه فقيه أو عالم بأحكام الدين؟! والجدير بالذكر ، أنّ مسئلة التيمّم من المسائل المبتلى بها في المسلمين ، فلذا يعرفها حتى عوام المسلمين والسّوقيين منهم الملتزمين بالصلاة

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٦.

١٠٢٤

والعبادة ، فكيف بأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وكيف بحاكم المسلمين؟!

ليس لأحد أن يقول بأنّ عمر كان متعمّدا في فتواه بترك الصلاة ، أو كان يقصد تبديل حكم الله والإخلال أو التغيير في دين الله سبحانه ، ولكن لنا أن نقول : بأنّه ما كانت له الإحاطة الكافية بجميع أحكام الدين ومسائل الشّرع المبين ، وكم فرق بينه وبين من كان محيطا بجميع مسائل الإسلام وأحكام العبادات والحلال والحرام ، وكان سريع الجواب حتى في جزئيّات الأحكام ، ولا يخفى عليه شيء من أمور الدين صغيرا كان أو كبيرا؟!

الشيخ عبد السلام : ما كان أحد غير رسول الله (ص) يتصف بصفة أنه لا يخفى عليه شيء من أمور الدين صغيرا كان أو كبيرا.

قلت : نعم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان أحد من الصحابة يتصف بهذه الصفة العظمى ، إلاّ باب علمه ووارث مقامه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولذلك خاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه قائلا «أعلمكم عليّ».

إحاطة الإمام عليّعليه‌السلام بالعلوم

روى العلاّمة موفق بن أحمد الخوارزمي في كتابه المناقب بأنّ يوما سأل الخليفة عمر بن الخطاب ، الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام إذ رآه يجيب سريعا على كل ما يسأل بغير تأنّ وتفكّر. فقال [يا علي! كيف تجيب على المسائل سريعا بالبداهة من غير تفكير؟!

فبسط عليعليه‌السلام كفّه وسأله : كم عدد أصابع الكف؟ فأجاب عمر سريعا من غير تأخير : خمسة.

فقال له عليّ : كيف أسرعت في الجواب من غير تفكير؟

١٠٢٥

فأجاب عمر : إنّه واضح ، لا يحتاج إلى تفكير.

فقال عليعليه‌السلام : اعلم أنّ كل شيء عندي واضح بهذا الوضوح فلا أحتاج إلى تفكير في جواب أي سؤال(١) .]

__________________

(١) لا يشك المحقق البصير والمدقق الخبير ، بأنّ أحدا من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقاس بالإمام عليّعليه‌السلام في العلم والمعرفة ، فهو أعلمهم قاطبة وكلهم كانوا يحتاجون إليه في علم الدين وكانوا يراجعونه في المسائل والأحكام وكان غنيّا عنهم ، روى العلاّمة القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر في غزارة علمهعليه‌السلام ، روايات كثيرة في هذا المعنى وكلها من الكتب المعتبرة لدى العامّة.

فقال : وعن الكلبي ، قال ابن عباس [علم النبي (ص) من علم الله سبحانه وعلم عليّ من علم النبي (ص) ، وعلمي من علم عليّ. وما علمي وعلم الصحابة في علم عليّ إلاّ كقطرة في سبعة أبحر.]

وفي أواخر الباب روى عن المناقب ، عن عمّار بن ياسر (رض) قال [كنت مع أمير المؤمنين عليه‌السلام سائرا فمررنا بواد مملوءة نملا. فقلت : يا أمير المؤمنين ترى أحدا من خلق الله تعالى يعلم عدد هذا النمل؟

قال : نعم يا عمار ، أنا أعرف رجلا يعلم عدده ، ويعلم كم فيه ذكر وكم فيه أنثى.

فقلت من ذلك الرجل؟

فقال : يا عمار ما قرأت في سورة يس ، الآية ١٢ : ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) !

فقلت : بلى يا مولاي ، قال : أنا ذلك الإمام المبين.]

وروى أيضا عن أبي ذر (رض) قال [كنت سائرا مع عليّ عليه‌السلام ، إذ مررنا بواد نمله كالسيل ، فقلت : الله أكبر جلّ محيصه فقال عليه‌السلام : لا تقل ذلك ، ولكن قل جلّ بارؤه.

فو الذي صوّرني وصوّرك ، إنّي أحصي عددهم ، وأعلم الذكر منهم والأنثى بإذن الله عزّ وجلّ.]

أيّها القارئ الكريم : الروايات في باب إحاطة علم الإمام عليّ عليه‌السلام بالأشياء كثيرة في كتب الفريقين ، وقد ذكرت نموذجا منها. «المترجم»

١٠٢٦

اعتراف معاوية وإقراره بعلم الإمام عليّعليه‌السلام

لقد تذكّرت الآن خبرا أنقله للحاضرين الكرام من باب :

(وفضائل شهد العدوّ بذكرها

والفضل ما شهدت به الأعداء)

نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، وابن حجر في الصواعق المحرقة / ١٠٧ طبع المطبعة الميمنيّة بمصر / قال : وأخرج أحمد [بن حنبل] : [أنّ رجلا سأل معاوية عن مسئلة ، فقال : اسأل عنها عليّا فهو أعلم.

فقال : يا أمير المؤمنين! جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب علي.

قال : بئسما قلت ، لقد كرهت رجلا كان رسول الله (ص) يعزه بالعلم عزا ، ولقد قال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه ، قال ابن حجر : وأخرجه آخرون بنحوه(١) .]

عجز عمر في حلّ المعضلات وخضوعه لعليّعليه‌السلام

نقل جمع من أعلامكم وكبار علمائكم منهم العلاّمة نور الدين

__________________

(١) وذكر ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة : ٢٤ و ٢٥ ، طبع دار إحياء الكتب العربية [ولمّا قال محفن بن أبي محفن لمعاوية : جئتك من عند أعيا الناس ـ وقصد علياعليه‌السلام ـ قال له :

ويحك! كيف يكون أعيا الناس! فو الله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره.]

«المترجم»

١٠٢٧

المالكي في كتابه الفصول المهمة / ١٨ ، في القسم الثالث من الفصل الأول / ونسب الكلام المرموز إلى رجل مجهول. ولكن العلاّمة الكنجي الشافعي روى بإسناده في كتاب كفاية الطالب / الباب السابع والخمسون عن حذيفة بن اليمان أنّه لقي عمر بن الخطّاب فقال له عمر [كيف أصبحت يا ابن اليمان؟ فقال : كيف تريدني أصبح؟! أصبحت والله أكره الحق ، وأحبّ الفتنة ، وأشهد بما لم أره ، وأحفظ غير المخلوق ، وأصلّي على غير وضوء ، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء. فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد أعجله أمر وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك.

فبينا هو في الطّريق إذ مرّ بعلي بن أبي طالب ، فرأى الغضب في وجهه ، فقال : ما أغضبك يا عمر؟!

فقال : لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت؟ فقال : أصبحت أكره الحق ، فقالعليه‌السلام : صدق ، يكره الموت وهو حق.

فقال : يقول : وأحب الفتنة ، قال (ع) : صدق ، يحب المال والولد ، وقد قال الله تعالى :( أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (١) . فقال : يا علي يقول : واشهد بما لم أره. فقالعليه‌السلام : صدق ، يشهد لله بالوحدانيّة والموت والبعث والقيامة والجنة والنار والصراط ولم ير ذلك كلّه. فقال : يا علي وقد قال : إنّني أحفظ غير المخلوق ، قالعليه‌السلام : صدق ، يحفظ كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق ، قال : ويقول : أصلّي على غير وضوء. فقالعليه‌السلام : صدق ، يصلّي على ابن عمّي رسول الله (ص) على غير وضوء ، وهي جائزة.

فقال : يا أبا الحسن قد قال : أكبر من ذلك ، فقال (ع) : وما هو؟

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ٢٨.

١٠٢٨

قال : قال : إنّ لي في الأرض ما ليس لله في السماء. قالعليه‌السلام : صدق ، له زوجة ، وتعالى الله عن الزوجة والولد.

فقال عمر : كاد يهلك ابن الخطاب لو لا علي بن أبي طالب.

ثم قال العلاّمة الكنجي : هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحد من أهل السّير.]

وقد روى العلماء أخبارا كثيرة وقضايا عسيرة من هذا القبيل كانت تحدث في خلافة الشيخين أبي بكر وعمر ، فكانا يعجزان عن حلّها وفهمها فكانا يرجعان بها إلى الإمام عليّعليه‌السلام فيعطيهم الجواب ، لا سيما المسائل التي كان يطرحها علماء اليهود والنصارى والماديّون ، فكانت معضلات علميّة ومشكلات كلاميّة لم يتمكن أحد من الصحابة ردّها والإجابة عليها بالصواب إلاّ سيد الوصيين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولقد روى أكثر أعلامكم وكبار علمائكم في كتبهم بعض تلك القضايا منهم : البخاري ومسلم في الصحيحين ، والنيسابوري في التفسير ، وابن المغازلي في المناقب ، ومحمد بن طلحة العدوي في الباب الرابع من كتابه مطالب السّئول ، والحميدي في الجمع بين الصحيحين ، وأحمد بن حنبل في المسند ، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة : ص ١٨ ، وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب / ٣٣٧ ، طبع حيدرآباد ، وفي الإصابة ج ٢ / ٥٠٩ ، طبع مصر ، والقاضي روزبهان في إبطال الباطل ، والمحب الطبري في الرياض النضرة : ج ٢ / ١٩٤ ، وابن الأثير الجزري المتوفّى سنة ٣٦٠ هجرية في أسد الغابة : ج ٤ / ٢٢ ، وابن قتيبة المتوفى سنة ٢٧٦ هجرية في كتابه تأويل مختلف الحديث : ٢٠١ ـ ٢٠٢ طبع مصر ،

١٠٢٩

وابن عبد البر القرطبي في الاستيعاب ج ٢ / ٤٧٤ وج ٣ / ٣٩ ، وابن كثير في تاريخه : ج ٧ / ٣٥٩ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : ٦٦ ، والسيد مؤمن الشبلنجي في نور الأبصار : ص ٧٣ ، والعلاّمة السمهودي في جواهر العقدين ، والحاج أحمد أفندي في هداية المرتاب / ١٤٦ و ١٥٢ ، والشيخ محمد الصبّان في إسعاف الراغبين : ص ١٥٢ ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص في الباب السادس ، وابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة ، والمولى علي القوشچي في شرح التجريد : ص ٤٠٧ ، والخوارزمي في المناقب / ٤٨ و ٦٠ ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : ص ١٠٧ طبع المطبعة الميمنيّة بمصر ، والعلاّمة ابن قيّم الجوزية في كتاب الطرق الحكمية / ٤٧ و ٥٣ ، تجد في هذه المصادر قضايا عسيرة ومشاكل كثيرة راجع فيها الشيخان أيام خلافتهما ، عليّاعليه‌السلام وهو حكم فيها ، وخاصّة عمر بن الخطاب ، فقد كان يقول عبارته المشهورة بعد كل معضلة حلّها الإمام عليّعليه‌السلام [أعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو الحسن ، ويقول في بعضها الآخر : لو لا علي لهلك عمر. وقوله : كاد يهلك ابن الخطاب لو لا علي بن أبي طالب.]

ولقد تحصّل من هذه الأخبار أنّهم كانوا يحتاجون إلى الإمام عليعليه‌السلام لحلّ القضايا والحكم فيها ، وكانوا يحتاجون إلى رأيه وقضائه في فصل النزاع والتخاصم ، وبحكم العقل ونظر العقلاء فإنّ الأعلم مقدّم على غيره وهو أحقّ أن يتّبع ، وقال الله سبحانه :( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) ؟

__________________

(١) سورة يونس ، الآية ٣٥.

١٠٣٠

وقال عزّ وجلّ :( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (١) ؟

فهل كان من الحق والإنصاف أن يتقدّموا على الأعلم والأفضل والأحق وأن يؤخّروا من قدّمه الله تعالى وفضّله على غيره؟!

الإمام عليعليه‌السلام وخلافة من سبقوه

الشيخ عبد السلام : لا ينكر أحد فضائل ومناقب سيدنا عليّ كرّم الله وجهه إلاّ معاند متعصّب أو جاهل متعنّت. ولكن ثبت عند أهل العلم والتحقيق أيضا بأنّ عليا رضي بخلافة الراشدين وسلّم الأمر إليهم وبايعهم بالطوع والرغبة ، فليس لنا بعد ذلك ولا يصحّ منّا أن نجدّد ذكر الحوادث التي تبعث الاختلاف بين المسلمين وتشبّ نار الفرقة والنزاع بين المؤمنين.

أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونترك هذه الأبحاث ونتّحد مع بعض ونتّبع الواقع ونخضع للتاريخ؟

فلا ينكر أحد من أهل العلم والاطّلاع أنّ الخلافة ثبتت لأبي بكر ، وبعده استقرّت لعمر بن الخطاب ، وبعده تعيّن عثمان بن عفّان لها. فمع تسليمنا وخضوعنا لمقام سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه وتفوّقه العلمي والعملي وقرابته من رسول الله (ص) وجهاده ، ندعوكم أن تخضعوا أيضا لخلافة الراشدين قبل الامام عليّ حتى نحسبكم مثل أحد المذاهب الأربعة المؤيدة من قبل عامّة المسلمين.

وقلت : بأننا لا ننكر تفوّق سيدنا عليّ كرّم الله وجهه في العلم والعمل ولكن أظنكم تصدّقوني بأنّ أبا بكر (رض) كان أولى بالخلافة

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ٩.

١٠٣١

لكبر سنّه ، وكثرة تجاربه ، وعلمه بالسياسة ، وإدارة الأمور ، ولوجود هذه الامتيازات فيه أجمعوا على خلافته ، فإنّ سيدنا عليّ كرم الله وجهه كان حينذاك شابا غير محنّك في أمور السياسة والإدارة ، وحتى من بعد وفاة رسول الله (ص) بخمسة وعشرين عام لمّا بايعوه بالخلافة لم يستقر له الأمر لعدم سياسته وحدثت في أيّامه حروب طاحنة بين المسلمين فسفكت الدّماء وزهقت النفوس ، كل ذلك بسبب خطئه في الإدارة والسياسة.

قلت : لقد خلطت الحابل بالنابل ، وضربت السليم بالسّقيم ، فلا بدّ لي أن أميّز بين كلامك ، وأضع كل جملة في موضعها وأجيبك عليها.

مثل مناسب ولا مناقشة في الأمثال

أولا : لقد جاء في الأمثال : أنّ عجوزا طلبت من ولدها ـ وكان سارقا ـ أن يأتي لها بكفن من كسب حلال.

فجاء الولد وهو شاب قويّ إلى بيّاع الأكفان ـ وكان شيخا ضعيفا ـ قريبا من بيت العجوز ، فأخذ منه كفنا ولم يعطه الثمن ، ولمّا أراد أن يذهب ، طالبه صاحب الكفن بالثمن ، فقال السارق : ليس عندي ثمنه وأريد منك أن تحلّه لي.

فقال الشيخ : لا أحلّه. إمّا أن تعطي الثمن أو تردّ الكفن! فغضب السارق وأخذ بتلابيب الشيخ وضربه حتى سقط على الأرض وبدأ يركله برجله ، ويسحقه بأقدامه ، ويقول : هبني الثمن وحلّل الكفن وإلاّ قتلتك!!

١٠٣٢

فقال الشيخ بصوت منخفض ـ وهو تحت أقدام السارق ـ : وهبتك الثمن وحلّلت الكفن.

فقال السارق : لا أقبل. إلاّ ان تصيح بصوت رفيع ، تسمعك أمّي في بيتها.

فصاح الشيخ بكل صوته : وهبتك الثمن وحللت الكفن.

فتركه وجاء الى أمه العجوز وأعطاها الكفن.

وقال لها : يا أمّاه سمعت صوت الشيخ يقول : حللت الكفن! قالت : نعم يا ولدي جزاك الله خيرا!!

أقول : فلو درت العجوز بصنيع ولدها الظالم بالشيخ المظلوم ، هل كانت تؤيّده وتقول له : جزاك الله خيرا؟!

إنّ كلامك بأنّ علياعليه‌السلام كان راضيا بخلافة الراشدين قبله ، وأنّه بايعهم بالطوع والرغبة ، فقد تكرّر ونحن أجبنا عليه من قبل بالإجابات القانعة المستندة الى كتبكم وتواريخكم ، بأنّهم أجبروه على البيعة بحرق بابه ، وإسقاط ولده المحسن ، وإيذاء زوجته وهي سيدة نساء العالمين ، وإخراجه من البيت حاسرا قد جرّدوا السيف على رأسه ، وهدّدوه بالقتل إن لم يبايع ؛ وما إلى ذلك من حوادث أليمة وفجائع عظيمة.

فلو تظاهر الإمام عليعليه‌السلام بالرضا فإنّما كان رضاه مثل رضا الشيخ بيّاع الأكفان ، عن كره وإجبار ، لا كما تزعمون عن طوع ورغبة. فكيف رضي وهوعليه‌السلام إلى آخر عمره كان يشتكي من أعمالهم ويتذمّر؟

وكما نرى في خطبه وكلماته وكتبه في نهج البلاغة ، كان كلّما وجد فرصة مناسبة يبدي ظلامته ويقول «صبرت وفي العين قذى وفي

١٠٣٣

الحلق شجى». فأين هذا الكلام من الرضا؟

ثانيا : قلتم : أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونترك هذه الأبحاث ونتّحد مع بعض ...؟ كما قلتم قبله ، ولا يصح منّا أن نجدّد ذكر الحوادث التي تبعث الاختلاف والفرقة بين المسلمين.

فأقول : نحن في طول التاريخ كنا نراعي جانب الاتحاد ، وكنّا نحذّر من الفرقة والاختلاف ، ونبتعد عن التخاصم والنزاع ، ولو راجعتم التاريخ ومررتم بالأحداث لأذعنتم لقولي ، ولقد مضى في أبحاثنا أنّ الإمام عليّعليه‌السلام إنّما سكت وسكن مدة خمس وعشرين سنة ـ مدة حكومة الثلاثة قبله ـ حذرا من الاختلاف والفرقة بين الأمّة ولقد تحمّل ما لو نزل على صمّ الصخور لتصدّعت وصارت هباء منثورا.

وكذلك الإمام المجتبى الحسن السبط سلام الله عليه ، إنّما هادن معاوية ليوحّد بين المسلمين ويحسم النزاع والتخاصم ، ولكن معاوية سحق شروط الإمام الحسنعليه‌السلام التي كان قد وقّع عليها. وبعده أيضا كانت الشيعة في كل عصر وزمان دعاة الاتحاد والائتلاف ، وأنتم كنتم تعملون بالعكس والخلاف ، وذلك بتصدير الفتاوى ضد الشيعة ، والافتراء عليهم ، واتهامهم بالكفر ، وتسميتهم بالرافضة ، وإباحة أموالهم ودمائهم وأعراضهم و... ، ومن باب الدفاع عن النفس كنا نردّ عليكم ونثبت بالمنطق والدليل بأنّنا مؤمنون ومسلمون ولسنا بكافرين ومشركين.

لا يصح اختيار دين بغير دليل!!

ثالثا : أما قولك : أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونتحد مع بعض ونتّبع الواقع؟

١٠٣٤

فأقول : بل الأفضل أن نعتبر من الماضي ولا نكرر أخطاء أسلافنا الماضين ولا سيما في أمر الدين.

والأفضل أيضا أن نتحد مع بعض ، ولكن يجب أن يكون اتحادنا على قبول الحق ، فيلزم قبل الاتحاد أن نبحث ونناقش لنعرف الحق فنتقبّله ونتمسك به كلّنا ، وهذا هو الاتحاد الممدوح والذي يريده الله تعالى.

وأما قولك : فنتّبع الواقع ونخضع للتاريخ. فهو كلام أوهن من بيت العنكبوت. وفيه ضرب من المغالطة ، لأنك بهذا الكلام تريد منّا أن نتّبع من غلب ، ونخضع لمن حكم ، وما أكثر الظالمين الذين غلبوا المظلومين وما أكثر الطغاة الذين حكموا في العالم. فليس كل من غلب وحكم حقيق بأن نتّبعه ونخضع له.

وأما فيما هو بحثنا وهو الخلافة ، فإنّ التاريخ يحدّث ويحكي بأنّه بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انقسم المسلمون واختلفوا ، فقسم منهم تبعوا أبا بكر وبايعوه وخضعوا لحكمه وخلافته ، والقسم الآخر خالفوه ورفضوا حكمه وخلافته ، وتبعوا عليا وأطاعوه مستندين في عملهم بالقرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فالواجب علينا اليوم أن ننظر إلى أقوال الطرفين ودلائلهم ونختار مذهب أحدهما بالدليل والبرهان ، فإنّه لا يصح التقليد في أصول الدين والمذهب. فهل يعذر أبناء اليهود والنصارى إذ اتّبعوا ملّة آبائهم وقلّدوا أسلافهم بحجّة القول :( إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) (١) ؟

بل يجب على كلّ مكلّف أن يتديّن بدين الله تعالى عن دراسة

__________________

(١) سورة الزخرف ، الآية ٢٣.

١٠٣٥

وتحقيق ، ولا بدّ له من دليل عقلي في اختيار الدين والمذهب.

فلا يصحّ أن يتبع الهوى فيميل إلى من أحبّ ويختار مذهبه ، فإنّ اختيار الدين والمذهب يجب أن يكون على أساس المنطق القويم والعقل السليم.

ما هو دليلي على اختياري التّشيع؟

أتظنّون أنّي اخترت مذهب التشيّع ، لأنّي وجدت آبائي على هذا المذهب فقلّدتهم تقليد أعمى؟ لا والله!

فانّي من حين عرفت نفسي وأحسست بحاجتي إلى دين أتديّن به وأعمل بأحكامه وتعاليمه ، بدأت أطالع في الأديان السماويّة وغيرها ، حتى أنّي طالعت أقوال الماديين والوجوديين أيضا ، لكي أعرف الحق والحقيقة. فاخترت الإسلام عن معرفة ودراية ، ثم درست أصوله وفروعه بدقة وتحقيق ، فوحّدت الباري جلّ وعلا وعبدته وفوّضت إليه أموري كلها ، وطالعت تاريخ سيد المرسلين وفهمت رسالته الشريفة ، وقد ثبت عندي بالأدلّة العقليّة وبمقايسة دينه بسائر الأديان أنّ الإسلام هو الدين الأكمل والمعتقد الأفضل.

ثم نظرت إلى اختلاف المذاهب وتاريخ تأسيسها في الإسلام ، وطالعت الأحداث التي حدثت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقضيّة الخلافة وتشكيل السقيفة وما بعدها ، وطالعت تاريخ الخلفاء وأعمالم ، وكنت معتمدا في دراستي ومطالعاتي على مصادر الفريقين وكتب علماء الطرفين ومحدّثيهم ومتكلّميهم ومؤرّخيهم.

وأشهد الله أنّي وصلت إلى حقّانيّة مذهب الشيعة ، وحقيقة

١٠٣٦

أقوالهم وعقائدهم ، وعرفت حقّ الإمام عليعليه‌السلام بالولاية والخلافة وأنّ الآخرين قد غصبوا حقّه.

وأقسم بالله أنّي ما حصلت على هذه النتائج والحقائق إلاّ من الروايات والأخبار المذكورة في كتب علماء العامّة وأعلامهم ، وفي صحاحهم ومسانيدهم المعتبرة والموثوقة التي لا يجوز عندهم ردّها ، ولقد اعتمدت في بحث الخلافة والإمامة خاصّة ، على تآليف وتصانيف علماء السّنة وطالعتها ، أكثر من مطالعتي لكتب الشيعة. لأنّ الدلائل التي ذكرها علماء الشيعة في كتبهم ، كانت أكثرها من كتب علماء السنّة وأعلامهم. فرجعت الى المصادر فوجدت فيها الدلائل أكمل وأتم. ولكن علماء السنة عند ما يذكرون الآية القرآنية وشأن نزولها في الامام عليّعليه‌السلام ، أو يذكرون حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل الإمام عليّعليه‌السلام فإنهم ينظرون إليها نظرا سطحيا ، ويمرّمون عليها من غير تحقيق وتدقيق ، فلا يتعمّقون في معانيها والمقصود منها ، ولو نظروا فيها بنظر التحقيق لوجدوا فيها نصوصا صريحة في خلافة الإمام عليّعليه‌السلام وإمامته ، وشهدوا كما نشهد بأنّ الإمام عليّعليه‌السلام وليّ الله وحجة الله وخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الأول بلا فصل.

الشيخ عبد السلام : لا توجد في كتبنا المعتبرة نصوص في ولاية سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه وإمامته ولزوم طاعته على الأمّة!!

قلت : أظنّك يا شيخ كثير النسيان ، وكأنّك لم تذكر من أحاديثنا ومحاوراتنا إلا قليلا ، فلذا أدعوك للرجوع إلى الصّحف والمجلاّت التي نشرت مناقشاتنا الماضيّة ، فإنّنا ذكرنا فيما سبق في كلامنا نصوصا كثيرة من القرآن الحكيم وحديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إمامة علي بن أبي

١٠٣٧

طالب ولزوم طاعته ومتابعته ، وسأذكر بعضها من باب( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) (١) .

الآيات والروايات في لزوم طاعة عليّعليه‌السلام

أمّا النصوص في ولاية الإمام عليّعليه‌السلام فكثيرة منها ما رواه الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة / باب ٣٧ عن الفردوس للديلمي ، وعن أبي نعيم الحافظ ، وعن محمد بن إسحاق المطّلبي صاحب كتاب المغازي ، وعن الحاكم ، والحمويني ، والخوارزمي ، وابن المغازلي ، وبعضهم أسند إلى ابن عباس ، وبعضهم إلى ابن مسعود ، وبعضهم إلى أبي سعيد الخدري أنهم قالوا : لمّا نزلت الآية الكريمة :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢) .

قال النبي (ص) «إنّهم مسئولون عن ولاية علي بن أبي طالب(٣) ».

__________________

(١) سورة الذاريات ، الآية ٥٥.

(٢) سورة الصافات ، الآية ٢٤.

(٣) رواه جمع كثير من كبار علماء العامّة وأعلامهم ، منهم ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة في الفصل الأول من الباب الحادي عشر ، يذكر فيه الآيات النازلة في فضل أهل البيتعليهم‌السلام ، فقال : الآية الرابعة ، قوله تعالى :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أنّ النبي (ص) قال :وقفوهم إنّهم مسئولون ، عن ولاية عليّ (انتهى كلام ابن حجر).

وأخرجه العلاّمة الآلوسي في تفسيره المسمّى بروح المعاني ، في تفسير الآية ، ورواه العلاّمة الكشفي الترمذي في (مناقب مرتضوي) نقل عن ابن مردويه في مناقبه وعن أحمد بن حنبل في مسنده ، عن أبي سعيد الخدري أنه [يسأل في القيامة عن ولاية علي بن أبي طالب]. [ونقل عن فردوس الأخبار عن ابن عباس وأبي سعيد قالا عن النبي (ص) قال : يسألون عن الإقرار بولاية علي بن أبي طالب.]

١٠٣٨

ثم إنّنا نجد في كثير من الأخبار المرويّة في كتبكم المعتبرة ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يختار الإمام عليّ من دون كلّ الصحابة ، فيجعله باب علمه ويأمر المسلمين بلزوم طاعته بل يجعل طاعته طاعة الله سبحانه.

فقد روى أحمد بن حنبل في المسند ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، والحافظ القندوزي في الينابيع ، والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال» يا معشر الأنصار! ألا أدلّكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا

__________________

وأخرجه الشيخ أبو بكر بن مؤمن في كتاب رسالة الاعتقاد : وأخرج العلاّمة الكنجي في كتابه كفاية الطالب / الباب الثامن والستون / صفحة ١٢٠ ، طبع مطبعة الغري.

قال : وروى ابن جرير الطبري ، وتابعه الحافظ أبو العلاء الهمداني. وذلك ذكره الخوارزمي عن أبي إسحاق عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) يعني [عن ولاية عليّ عليه‌السلام .]

ورواه العلاّمة أبو نعيم الحافظ في كتابه ما نزل من القرآن في عليّ.

وأخرج سبط بن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / الباب الثاني / قال : ومنها في الصافات قوله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) . قال : قال مجاهد [عن حبّ علي عليه‌السلام .]

أقول : هذا التفسير يأتي بالمعنى الأعم ، وأما بالمعنى الأخصّ فلا.

لأنّ ما يوجب التوقف عند الصراط ويقتضي السؤال عنه. فهو الولاية بمعنى الإمامة ، فإنّ حبّ الإمام عليّ عليه‌السلام لم يجعل بانفراده أصلا اعتقاديا يسأل عنه كما يسأل عن الرب وعن الكتاب وعن النبي ، فالسؤال عن الولاية أي الخلافة التالية للنبوّة ، فهذا التفسير هو الذي يقتضيه الحال والمقال.

«المترجم»

١٠٣٩

بعدي أبدا؟ قالوا : بلى.

قال : هذا عليّ فأحبّوه وأكرموه واتّبعوه ، إنّه مع القرآن والقرآن معه ، إنّه يهديكم إلى الهدى ولا يدلّكم على الرّدى ، فإنّ جبرائيل أخبرني بالذي قلته».

وكذلك روى كثير من علمائكم ونقلته لكم في الليالي السالفة ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمار بن ياسر «يا عمّار إن سلك الناس كلهم واديا وسلك عليّ واديا فاسلك وادي عليّ وخلّ عن الناس».

وكذلك ذكرت لكم في الليالي الماضية من كتب أعلامكم : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال تكرارا وأعلن مرارا بين أصحابه «من أطاع عليّا فقد أطاعني ، ومن أطاعني فقد أطاع الله عزّ وجلّ».

فلا يخفى على العالم المتتبّع أنّ مثل هذه الأحاديث كثيرة جدّا في كتبكم ، وقد صحّحها كبار أعلامكم وأئمتكم ، حتى كاد يحصل منها التواتر المعنوي في لزوم متابعة الإمام عليّعليه‌السلام ووجوب طاعته.

مع العلم بأنّنا ما وجدنا ولا وجد غيرنا حتى حديثا واحدا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول للمسلمين بأن يطيعوا بعده أبا بكر أو عمر أو عثمان ، ولا يوجد في الكتب حديث واحد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فيه بأنّ أحد هؤلاء الثلاثة وصيّه أو باب علمه ، أو خليفته.

ومع ذلك ، تريدون منّا أن نوافقكم في قولكم بأنّ الإمام عليّعليه‌السلام هو رابع الخلفاء الراشدين ، ونقدّم عليه أولئك الذين لن نجد حتى في كتبكم ما ينبئ بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيّنهم أوصياء وخلفاء له ، وأئمّة على المسلمين!!

فهل هذا يوافق حكم العقل؟ وهل هو صحيح عند العقلاء

١٠٤٠

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205