ليالي بيشاور

ليالي بيشاور3%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241879 / تحميل: 4158
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

وأصحاب الضمير والوجدان؟!

ثم فكّروا ، وأنصفوا! ألا يكون هذا الطلب والأمر الذي تريدون منّا ، مخالفا لما أراده الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

اتحاد المسلمين

أمّا قولك : أليس من الأفضل أن نتّحد؟

فنقول : إنّنا نتمنّى ذلك ، ولا نزال نسعى لتحقيق هذا الأمر ، ونسأل الله تعالى أن يوحّد المسلمين على الهداية وعدم الضلالة ، وهذا لا يكون الاّ بالتمسك بالثّقلين كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا».

ولقد ذكرت لكم في الليالي الماضية مصادر هذا الحديث الشريف من كتبكم المعتبرة ، وقد صرّح بعض علمائكم أنه من الأحاديث المتواترة.

ويبيّن لنا القرآن الكريم كذلك أساس الاتحاد وعدم التفرق فيقول :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) .

قال ابن حجر في الصواعق المحرقة(٢) في تفسير الآية : أخرج الثعلبي في تفسير هذه الآية عن جعفر الصادقرضي‌الله‌عنه أنه قال «نحن حبل الله الذي قال الله تبارك وتعالى :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) ». فالاتحاد يصبح ممكنا إذا كان على أساس التمسّك بالقرآن وأهل البيتعليهم‌السلام ، وإلاّ فلا يمكن ذلك ولا يتحقّق أبدا. كما نرى

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٣.

(٢) الصواعق المحرقة / الباب الحادي عشر / الفصل الأول / الآية الخامسة.

١٠٤١

بعض علمائكم وأعلامكم يكتبون على الشيعة في كتبهم ويفترون عليهم ويتّهمونهم بالكفر والشرك ، وهو ادّعاء بلا دليل. فامنعوا أوّلا هؤلاء المتعصّبين المعاندين التابعين للخوارج والنواصب من هذه التهجّمات والتعسّفات ، وردّوا أقاويلهم وأباطيلهم ، حتى يتحقّق إن شاء الله التّقارب والاتحاد بين الشيعة وأهل السنّة ، مع غضّ النظر عن الاختلافات الموجودة بينهم في العقائد والقواعد الدينيّة ، كالتقارب والاتحاد بين المذاهب الأربعة ، مع غض النظر عن كل الاختلافات الموجودة بينهم ، مع أننا نجد في كتبهم أنّهم كانوا يكفّرون بعضهم بعضا ، لشدّة اختلافاتهم ، ـ وقد نقلت لكم بعض تكفيرهم بعضهم في الليالي الماضية ـ ومع ذلك نرى أتباع ايّ واحد من المذاهب الأربعة يتمتّع بالحريّة الكاملة في كل البلدان والمدن الإسلاميّة ، فيعمل برأي إمامه ويقوم بعباداته كلّها على أساس مذهبه من غير مانع ورادع ، حتى لو كان أهل تلك المدن من أتباع مذهب آخر.

ولكن نحن الشيعة على حسب مذهب أئمة أهل البيت ـ وهم العترة الهادية ـ يجب أن نسجد على التراب ، فنأخذ معنا قطعة من الطين اليابس فنسجد عليه ، وإذا بكم تهرّجون ضدّنا وتفترون علينا فتقولون لجهالكم بأنّ الشيعة عبّاد الصنم ، وتستدلّون لهم بسجودنا على الطينة اليابسة ، فتلبسون عليهم الأمر وتدلّسون عليهم ، بأنّ الطينة صنم ، والشيعة يعبدونه!!

الشيخ عبد السلام : إذن فلما ذا تختلفون أنتم في صلاتكم وسجودكم مع المسلمين؟! ولو كنتم توافقونهم ما حدث هذا الاشتباه أو سوء التعبير والفهم. وأنا أنصحكم إن كنتم تريدون رفع الاتّهام عن

١٠٤٢

أنفسكم ، فصلّوا كما يصلّي المسلمون عامّة.

قلت : هذا الاختلاف إنما هو مثل اختلافكم أنتم اتباع الشافعي مع سائر المذاهب.

الشيخ عبد السلام : نحن نختلف في الفروع وأنتم تختلفون في الأصول.

قلت : أوّلا : السجود جزء من الصلاة ، والصلاة من فروع الدين.

ثانيا : اختلافكم مع اتباع مالك وأحمد وأبي حنيفة لم يكن في الفروع فحسب بل تعدّى إلى الأصول أيضا بحيث نجد في الكتب كما قلت آنفا يفسّق ويكفّر بعضكم بعضا.

الشيخ عبد السلام : التكفير والتفسيق من عمل المتعصّبين والجاهلين ، وإلاّ فاجماع علماء العامّة وأعلام أهل السنّة على أنّ العمل بفتوى أيّ واحد من الأئمة الأربعة صحيح ، والعامل مأجور ومثاب.

قلت : بالله عليكم فكّروا وانصفوا!! لما ذا العمل برأي الأئمة الأربعة صحيح والعامل به مأجور ومثاب ـ مع العلم أن تعيين هؤلاء الأربعة إنّما كان بأمر أحد الملوك واسمه «بيبرس» كما في خطط المقريزي كما مرّ قوله في الليالي الماضية ـ مع شدّة اختلافهم في الفروع وحتى في أصول الدين؟ ولكن تجعلون العمل برأي أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، والأخذ بنظر العترة الهادية يوجب الكفر! مع العلم بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرجع أمّته إليهم إذا اختلفوا في الرأي. فأمر أن يؤخذ برأيهم

١٠٤٣

لأنّهم على الهدى والصواب ، ومخالفهم يكون في العمى والضلال(١) .

__________________

(١) نقل ابن حجر في الصواعق المحرقة / الباب الحادي عشر / الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم / الآية الرابعة / نقل في ذيلها حديث الثقلين بطرق كثيرة ، وقال في نهاية كلامه وفي رواية صحيحة «إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا ان تبعتموهما وهما : كتاب الله وأهل بيتي عترتي». وزاد الطبراني «إني سألت ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم».

ثم قال : اعلم أنّ لحديث التّمسك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيّف وعشرين صحابيا ومرّ له طرق مبسوطة وفي بعض تلك الطرق أنّه قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة ، وفي أخرى أنّه قال بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي أخرى أنّه قال ذلك بغدير خم ، وفي أخرى أنه قال لمّا قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مرّ ، ولا تنافي إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة.

وفي رواية عند الطبراني عن ابن عمر [آخر ما تكلّم به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اخلفوني في أهل بيتي ..». وبعد نقل روايات وكلمات قال تنبيه : سمّى رسول الله (ص) القرآن وعترته ـ وهي بالمثناة الفوقية : الأهل والنسل والرهط الأدنون ـ ثقلين لأنّ الثقل كل نفيس خطير مصون ، وهذان كذلك إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنيّة والأسرار والحكم العليّة ، والأحكام الشرعيّة ، ولذا حث صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الاقتداء والتمسّك بهم والتعلّم منهم ، وقال (ص) «الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت». وقيل سمّيا ثقلين : لثقل وجوب رعاية حقوقهما.]

ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنّما هم العارفون بكتاب الله وسنّة رسوله ، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب ، ويؤيّده الخبر السابق : «ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم» وتميّزوا بذلك عن بقيّة العلماء لأنّ الله أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ، وشرّفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة ، وقد مرّ بعضها وسيأتي

١٠٤٤

فسوء التعبير وسوء الفهم منكم بالنسبة لنا ، لم يكن لأجل اختلافنا معكم في الأعمال ، وإنّما منشؤه حبنا وولاؤنا لأهل البيت والعترة الطاهرةعليهم‌السلام وبغضنا لأعدائهم وظالميهم. وإلاّ فإنّ الاختلاف في الأعمال والأحكام موجود بين نفس المذاهب الأربعة في الأصول والفروع من الطهارة إلى الديات ، والجدير أنّ بعض فتاوي أئمتكم مخالفة لصريح القرآن واجتهادا خلاف النصّ ، ومع ذلك تغضّون النظر وتوجّهون الفتوى بشيء من التوجيه وتعذرون المفتي بأنّه عمل

__________________

قال : وفي أحاديث الحث على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض ـ كما يأتي ـ ويشهد لذلك الخبر السابق : «في كل خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي». قال ابن حجر [ثمّ أحقّ من يتمسّك به منهم إمامهم وعالمهم عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، لما قدّمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته. ومن ثمّ قال أبو بكر : عليّ عترة رسول الله (ص) ، أي الذين حث على التمسّك بهم فخصّه لما قلنا. قال : وكذلك خصّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما مرّ يوم غدير خم ، والمراد بالعيبة والكرش في الخبر السابق آنفا ، أنّهم موضع سرّه ، وأمانته ، ومعادن نفائس معارفه وحضرته ، إذ كل من العيبة والكرش مستودع لما يخفى فيه مما به القوام والصلاح ، لأنّ الأول : لما يحرز فيه نفائس الأمتعة والثاني : مستقرّ الغذاء الذي به النموّ وقوام البنية. وقيل : هما مثلان لاختصاصهم بأموره الظاهرة والباطنة ، إذ مظروف الكرش باطن ، والعيبة ظاهر ، وعلى كلّ فهذا غاية في التعطّف عليهم والوصيّة بهم.]

أقول : إنّما نقلت هذا الكلام ليهتدي من يهتدي عن بيّنة ، ويضلّ من ضلّ عن بيّنة ، و ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ ) .

«المترجم»

١٠٤٥

بالقياس والاستحسان.

ولكن الشيعة لا عذر لهم في سجودهم على التراب وهو مع كونه على أساس النّصوص وعمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» ، يوجب عندكم كفر الشيعة وشركهم والعياذ بالله سبحانه وتعالى.

الشيخ عبد السلام : أرجو أن تذكر بعض تلك الفتاوى التي أصدرها أئمة أهل السنّة على خلاف القرآن الكريم!!

قلت : فتاواهم المخالفة للنصوص كثيرة ولو أردتم الاطّلاع على جملتها أو جلّها فراجعوا كتاب «الخلاف في الفقه» تأليف العلاّمة الكبير والبحر الغزير والفقيه البصير شيخ الطائفة الإماميّة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (رحمه‌الله تعالى)(١) .

ولكي يعرف الحاضرون الكرام بأنّي ما كذبت على أئمتهم وما افتريت على فقهائهم ، أذكر بعض النماذج من تلك الفتاوى المخالفة لصريح القرآن الكريم.

فتوى أبي حنيفة : بجواز الوضوء بالنبيذ

كل مسلم له أدنى اطّلاع واقلّ معرفة بأحكام الدين والمسائل الشرعيّة ، أو يتلو كتاب الله العزيز بتفكّر وتدبّر ، يعلم بأنّه إذا حضر وقت الصلاة وأراد أن يؤديها يجب عليه الوضوء أولا لقوله تعالى :

__________________

(١) وكتاب النصّ والاجتهاد للإمام شرف الدين عليه رحمة ربّ العالمين يذكر فيه فتاوى القوم والنصوص المعارضة لها من الكتاب والسنّة فراجع.

«المترجم»

١٠٤٦

( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) (١) ويجب أن يتمّ الغسل بالماء القراح ، واذا لم يوجد الماء القراح المطلق ، فيجب التيمم حينئذ ، لقوله سبحانه :( ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) (٢) .

وعلى هذا يكون إجماع الشيعة وأتباع مالك والشافعي وأحمد ابن حنبل ، وخالف أبو حنيفة الإجماع برأيه وأفتى بأنّه لو فقد الماء وهو في السفر وأراد إقامة الصلاة فيتوضّأ بنبيذ التمر ، ولو كان مجنبا يغتسل به. وكلّنا نعلم بأنّ النبيذ يكون ماء مضافا ، وهو ليس بالماء المطلق الذي ذكره الله سبحانه في القرآن الحكيم ، ولذا نجد في صحيح البخاري بابا عنوانه : (لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكّر).

الحافظ محمد رشيد : إنّي على مذهب الإمام الشافعي ، وأوافقكم على انّ الوضوء لا يجوز إلا بالماء المطلق ، وكذلك الغسل ، وعند فقدانه يجب التيمم فلا يجوز عندنا الوضوء والغسل بالنبيذ. ولكن اظنّ أنّ هذه الفتوى منسوبة للإمام أبي حنيفة ولم تكن فتواه وإن اشتهر عنه ونسبت إليه ، ولكن ربّ مشهور لا أصل له.

قلت : دفاعك مبني على الظنّ ، وقال الله سبحانه :( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (٣) . ولقد نقل جمع كثير هذه الفتوى عن أبي حنيفة الفخر الرازي في تفسيره المسمّى بمفاتيح الغيب : ج ٣ / ٥٥٢ في تفسير آية التيمّم أو آية الوضوء ، قال في المسألة الخامسة : قال الشافعيرحمه‌الله : لا يجوز الوضوء بنبيذ التمر ، وقال أبو حنيفةرحمه‌الله :

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٦.

(٢) سورة النساء ، الآية ٤٣.

(٣) سورة يونس ، الآية ٣٦.

١٠٤٧

يجوز ذلك في السفر.

وكذلك نقلها ابن رشيد في كتابه بداية المجتهد.

الشيخ عبد السلام : لم تكن فتوى الإمام الأعظم مخالفة للنصّ ، بل هي موافقة لعمل رسول الله (ص) كما في بعض النصوص المرويّة.

قلت : تفضّل بذكر تلك النصوص.

الشيخ عبد السلام : منها الخبر المروي عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن ابن مسعود قال : إنّ رسول الله (ص) قال لي في ليلة الجنّ : «عندك طهور؟ قلت : لا ، إلاّ شيء من نبيذ في إداوة. قال (ص) : تمرة طيّبة وماء طهور ، فتوضّأ».

وجاء عن طريق آخر ، روى عباس بن وليد بن صبيح الحلاّل عن مروان بن محمد الدمشقي عن عبد الله بن لهيعة عن قيس بن الحجّاج عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس عن ابن مسعود أنّه قال : إنّ رسول الله (ص) قال له ليلة الجنّ «معك ماء؟ قال : لا ، إلاّ نبيذا في سطيحة ، قال رسول الله (ص) : تمرة طيّبة وماء طهور. صبّ عليّ ، قال : فصببت عليه فتوضّأ به».

ومن الواضح أنّ عمل النبي (ص) حجّة لنا ، فأيّ نصّ أظهر من العمل؟

قلت : لو كنت تعرف قول علمائكم الأعلام في رواة هذا الخبر ما احتججت به. ومن الواضح أنّ العلماء قبل أن يبنوا على الخبر ويعملوا به فإنهم يحققون حول رواته. فإذا حصل الوثوق بهم والاعتماد عليهم قبلوا روايتهم وعملوا بها ، وإلاّ أعرضوا عنها ولم يعملوا بها.

لذلك قبل أن نبحث في أصل الموضوع ، نبحث عن إسناد الخبر

١٠٤٨

ورواته ، فنقول : أولا : أبو زيد مولى عمرو بن حريث ، مجهول عند علماء الرواية والدراية ، ولم يعبئوا بروايته وردّ عليه الترمذي وغيره ، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال : إنّه مجهول ، وإنّ الحديث والخبر الذي نقله عن ابن مسعود غير صحيح. وقال الحاكم لن نجد غير هذا الخبر من هذا الرجل وهو مجهول ، وعدّه البخاري من الضعاف لذا نرى القسطلاني والشيخ زكريا الأنصاري وهما اللذان شرحا صحيح البخاري ، قالا في شرحهما في باب : لا يجوز الوضوء بالنبيذ ، والخبر المروي عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث ، ضعيف.

وأمّا الخبر الثاني : فهو أيضا مردود لجهات عديدة : أوّلا : هذا الحديث والخبر غير مشهور ولم ينقله بهذا الطريق أحد من علمائكم وأعلامكم غير العلاّمة ابن ماجة القزويني. وثانيا : عدم نقل علمائكم الخبر بهذا الطريق معلوم بأنّهم ما اعتمدوا على بعض رواته وسلسلة سنده كما قال الذهبي في ميزان الاعتدال وذكر أقوال العلماء في الأمر فقال : عباس بن وليد لم يوثّق ولم يسلم من جرح أرباب الجرح والتعديل فتركوه. وكذلك مروان بن محمد الدمشقي فإنّه من المرجئة الضّلال ، وحكم الذهبي وابن حزم بضعفه ، وهكذا عبد الله بن لهيعة فإنّ علماءكم عدوّه من الضعفاء ، فإذا كان في رواة هذا الحديث عدد من الضعفاء أو كان أحدهم ضعيفا فإن الرواية تسقط عن الاعتبار.

ثالثا : بناء على الأخبار التي رواها علماؤكم بطرقهم عن عبد الله ابن مسعود فإنّه في ليلة الجن لم يكن أحد مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما نقل أبو داود في السنن في باب الوضوء ، والترمذي في صحيحه عن علقمة قال : سألوا ابن مسعود : من كان منكم مع رسول الله (ص) ليلة الجن؟

١٠٤٩

فقال : ما كان معه أحد منّا.

رابعا : ليلة الجنّ كانت في مكة قبل الهجرة ، ونزول آية التيمّم كان في المدينة المنوّرة بإجماع المفسرين. فعلى فرض صحّة الخبر فإنّ آية التيمّم نزلت ناسخة له.

ولهذه العلل فأنا أتعجّب من الشيخ عبد السلام ، سلّمه الله! كيف يتمسّك بخبر مجهول ضعيف مردود من جهات عديدة عند العلماء الاعلام ، فيتمسك به لينصر رأي أبي حنيفة الذي يعارض نصّ كلام الله العزيز ، كما ذكرنا؟

النوّاب : هل المقصود من النبيذ ، هذا الشراب المسكر الذي يحرّمه أكثر العلماء؟

قلت : النبيذ قسمان : قسم غير مسكر وهو طاهر وحلال ، وذلك عبارة عن الماء المضاف إليه التمر ، وقبل أن يحدث فيه انقلاب وفوران يصفّى ويشرب ، وهو شراب حلو طيّب الطعم والرائحة. وقسم آخر يبقى التمر في الماء حتى يحدث فيه الانقلاب والفوران ، فيتغيّر طعمه ورائحته ، ويكون مسكرا حراما. والنبيذ الذي محلّ بحثنا هو النبيذ غير المسكر ، وإلاّ فبإجماع المسلمين لا يجوز الوضوء بالنبيذ المسكر ، كما مرّ بأنّ البخاري فتح بابا في صحيحه بعنوان [باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر].

غسل الرجلين في الوضوء مخالف للنصّ القرآني

ومن فتاوى أئمتكم المناقضة لكلام الله والمخالفة للنصّ الصريح فتواهم في الوضوء بوجوب غسل الرجلين ، مع العلم بأنّ الله عزّ وجلّ

١٠٥٠

يقول :( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) .

وكلنا نعرف الفرق بين الغسل والمسح.

الشيخ عبد السلام : توجد أخبار مرويّة في كتبنا توجب غسل الرجلين.

قلت : الأخبار والروايات تكون معتبرة إذا لم تكن مناقضة للقرآن الحكيم ، ونحن نرى كلام الله العزيز يصرّح بمسح الرجلين ، فأيّ اعتبار لتلك الأخبار والروايات المغايرة للقرآن؟!

فآية الوضوء صريحة بالغسل ثم المسح بقوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (١) .

فقد عطفت أرجلكم على ما قبلها أي :( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) .

الشيخ عبد السلام : إذا كان العطف على ما قبلها فيلزم أن تكون ارجلكم ـ مجرورة ـ مثل برؤسكم ، وحيث نراها منصوبة فيكون العطف على جملة : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم.

قلت : أوّلا : الأقرب يمنع الأبعد ، فإن جملة :( وَامْسَحُوا ) أقرب إلى كلمة :( أَرْجُلَكُمْ ) فلا مجال لعمل جملة :( فَاغْسِلُوا ) . ثمّ المقدّر في العطف كلمة :( وَامْسَحُوا ) ، فيكون( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) و( امْسَحُوا أَرْجُلَكُمْ ) . فتكون أرجلكم منصوبة لمحلّ امسحوا وكذلك لقاعدة النصب بنزع الخافض وهي القاعدة المقبولة عند النحاة والمعمول بها كما في القرآن الحكيم قوله تعالى :

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٦.

١٠٥١

( وَأعدَّ لهم جنّات تجري تحتَها الانهار ) (١) .

أي: تجري من تحتّها الأنهار، فنصبت كلمة تحتها لحذف حرف الجرّ وكذلك قوله سبحانه:( وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً ) (٢) تقديره : واختار موسى من قومه ولكن كلمة قومه نصبت لحذف «من» وذلك للقاعدة التي ذكرناها.

وكذلك في آية الوضوء نصبت كلمة :( أَرْجُلَكُمْ ) لحذف الباء عنها فتكون منصوبة بنزع الخافض.

وإذا أردتم تفصيلا أكثر فراجعوا تفسير الفخر الرازي فله بحث مفصّل في تفسير الآية الكريمة ويخرج من البحث بنتيجة وجوب المسح لا الغسل.

فتواهم بجواز المسح على الخفّ

وأعجب من فتواهم بوجوب غسل الرجلين في الوضوء ، فتواهم بجواز وكفاية المسح على الخفّين في الوضوء ، وهذا خلافه لنصّ القرآن أظهر من الأول. ومن بواعث العجب والاستغراب في نفس كلّ عاقل فتواهم بعدم كفاية المسح على الرجلين بل وجوب غسلهما في الوضوء ، ولكن كفاية مسح الخفّين في الوضوء دون غسل الرجلين ، فكيف المسح على الخفّين يحلّ محلّ غسل الرجلين؟ فاعتبروا يا أولي الألباب!!

الشيخ عبد السلام : لقد أفتى الأئمة الكرام (رضي الله عنهم)

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٥٥.

١٠٥٢

بجواز مسح الخفين في الوضوء وكفايته عن غسل الرجلين عند ضرورة سفر أو وجود خطر ، بدليل الروايات الموجودة في كتبنا التي تحكي عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك.

قلت : لقد ذكرنا لكم مرارا حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإعراض عن الروايات والأحاديث التي تروى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتكون معارضة لكلام الله ومغايرة للقرآن الحكيم ، فأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإسقاطها وعدم اعتبارها. وعلى هذا نجد روايات كثيرة جدّا ردّها وأسقطها علماؤكم وأعرضوا عنها وأعلنوا بأنها من الموضوعات.

وأمّا الأخبار والروايات التي وردت في كتبكم عن جواز المسح على الخفين في الوضوء ، فهي متعارضة ومختلفة ، وعليها نشأ الاختلاف في آراء الأئمة الأربعة ، فبعضهم أجاز ذلك في السفر دون الحضر ، وبعضهم أجاز ذلك في السفر والحضر وغير ذلك.

قال ابن رشيد الأندلسي في كتابه بداية المجتهد ج ١ ص ١٥ و ١٦ / قال في الموضوع : سبب اختلافهم تعارض الأخبار في ذلك. وقال في موضع آخر : والسبب في اختلافهم اختلاف الآثار في ذلك.

فكيف يجوز لكم عقلا وشرعا العمل بالأخبار المتعارضة والمتضاربة ، والمخالفة لنصّ القرآن؟! وكلنا نعلم أن الأصل والقاعدة المعمول بها عند تعارض الأخبار أن يؤخذ بالخبر الموافق للقرآن ويترك غيره.

فتواهم بجواز مسح العمامة

والنص الصريح في القرآن الحكيم على مسح الرأس بقوله تعالى :( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) . وعلى أساسه أفتى ائمة أهل البيت والعترة

١٠٥٣

الهاديةعليهم‌السلام بوجوب مسح بعض الرأس لوجود الباء وهي باء التبعيض.

وأفتى الشافعي ، ومالك ، وأبو حنيفة بوجوب مسح الرأس أيضا ، ولكن خالفهم أحمد بن حنبل وإسحاق والثوري والأوزاعي فأفتوا بجواز وكفاية مسح العمامة التي على الرأس في الوضوء ، فلا حاجة لكشف الرأس. هذا ما نقله عنهم الفخر الرازي في تفسيره الكبير في تفسير الآية الكريمة. وأنتم تعلمون ـ كما أن كلّ عاقل يعلم ـ بأنّ العمامة غير الرأس حتى إذا كانت على الرأس ، فإنّ الرأس عرفا ولغة يطلق على جزء من بدن الإنسان ، وهو أعلى الأجزاء وقمّة البدن ، ويتشكل من عظم الجمجمة واللحم والجلد والشعر الذي يكون على ذلك العظم ، وأمّا العمامة شيء آخر وهي قطعة من قماش تلف على الرأس.

لما ذا تفرّقون بين المسلمين؟

نحن وانتم كلنا مسلمون ، واختلاف الشيعة وأهل السنّة كاختلاف أتباع المذاهب الأربعة فيما بينهم علما أنّ اختلافهم لم يكن في الفروع فقط ، بل اختلفوا في الأصول أيضا ، ومع ذلك يغضّون النظر عن اختلافاتهم ، ويتحمّل أتباع كلّ مذهب أتباع المذاهب الأخرى من غير صدام وصراع ، ومن غير نزاع وعراك ، فيعمل كل منهم ويلتزم برأي رئيس مذهبه ، دون أن يعارضه أحد من أتباع المذاهب الثلاثة الأخرى.

ولكن أكثر هؤلاء إذا رأوا الشيعة يعملون بما يخالفهم ، هاجموهم ورموهم بالكفر والشرك ، مع علمهم بأنّ الشيعة يلتزمون

١٠٥٤

بقول أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ويتمسكون بالعترة الهادية ويأخذون عنهم.

وحتى في هذا المجلس الذي انعقد للتفاهم والنقاش السليم ، كم ذكرتم أعمال الشيعة واستدللتم بها على كفرهم وشركهم لجهلكم بواقع الأمر ، ولما كشفنا لكم الحقيقة وسمعتم إلى دلائلنا ، اعتذرتم ورجعتم عن قولكم. وقد تكرر منكم الهجوم ومنّا الدفاع ، ومع تكرار اعتذاركم إلينا لم يتوقف تهجمكم علينا ، وآخر ذلك صدر بصيغة العتاب والنّصح وهو قول الشيخ عبد السلام ـ سلّمه الله ـ في أوائل البحث إذ قال : وأنا أنصحكم ، إن كنتم تريدون رفع الاتهام عن أنفسكم ، فصلّوا كما يصلّي المسلمون عامّة.

ومع احترامي لجناب الشيخ وتقديري لنصحه ، أقول : نحن وأنتم متفقون على وجوب الصلاة في اليوم خمس مرّات ، ومتفقون على عدد ركعاتها وهي : في الصبح ركعتان والظهر أربع ومثلها العصر وفي المغرب ثلاث ركعات وفي العشاء أربع ، لكن في فروع الصلاة ومسائلها توجد اختلافات كثيرة بين كل المذاهب والفرق الإسلامية لا بين الشيعة والسنّة فحسب ، فكما يختلف واصل بن عطاء مع أبي الحسن الأشعري في الأصول والفروع ، ويختلف الأئمة الأربعة في أكثر المسائل الفقهية ، ويختلف سائر علمائكم وأصحاب الرأي والاجتهاد من أعلامكم مثل داود وكثير وسفيان الثوري وحسن البصري والأوزاعي وقاسم بن سلام وغيرهم ، فآراؤهم تختلف في المسائل والأحكام ورأي أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وفتاواهم في المسائل والأحكام أيضا تختلف مع المذاهب الأربعة وغيرهم.

فإذا كان اختلاف الرأي يوجب التّهجّم والاتّهام ، فلما ذا لا يكون التّهجّم والاتهام على غير الشيعة ، يعني : اتباع المذاهب الأربعة؟ مع

١٠٥٥

العلم أنّ أئمتهم يفتون في بعض المسائل على خلاف ما أنزل الله تعالى ، كما ذكرنا نماذج منها!!

ولكنّا إذا خالفنا العامّة في صلاتنا ، بأن سجدنا على طينة يابسة فبدل أن يسألونا عن الدليل والسبب ، يتّهمونا بعبادة الأصنام ويسمّون تلك الطينة التي نسجد عليها بالصنم ، فلما ذا هذا الجهل والجفاء؟! ولما ذا هذا التفريق بين المسلمين؟!

الشيخ عبد السلام : كما قلتم بأنّ مجلسنا هذا إنما انعقد للتعارف والتفاهم ، وأنا أشهد الله سبحانه بأنّي لم اقصد الإساءة إليكم والتجاسر عليكم ، فإذا صدر مني ما يسوء فسببه عدم اطلاعنا على مذهبكم وعدم مطالعتنا لكتبكم ، فما كنّا نعرفكم حق المعرفة ، لأنّا ما عاشرناكم ولا جالسناكم وإنما سمعنا وصفكم من لسان غيركم وتلقّيناها بالقبول من دون تحقيق ، فالتبست علينا كثير من الحقائق ، ومع تكرار الاعتذار ، أرجوكم أن تبيّنوا لنا سبب سجودكم على الطينة اليابسة؟

لماذا نسجد على التربة؟

قلت : أشكر شعوركم الطيّب وبيانكم الحلو العذب. وأشكركم على هذا الاستفهام ، لأنّ السؤال والاستفهام أجمل طريقة وأعقل وسيلة لإزاحة أيّ شبهة وإبهام.

وأمّا جواب السؤال : راجعوا كتب التفاسير واللغة فإنّهم قالوا في معنى السجود : وضع الجبهة على الأرض للعبادة ، وهو منتهى الخضوع ، ولقد

١٠٥٦

أفتى أئمتكم بأنّ كل ما يفرش به الأرض يجوز السجود عليه سواء كان من صوف أو قطن أو إبريسم أو شيء آخر ، فأجازوا السجود على كل شيء حتى أفتى بعضهم بجواز السجود على العذرة اليابسة!

لكن فقهاءنا تبعا لأئمة أهل البيت من العترة الهاديةعليهم‌السلام قالوا بعدم جواز السجود إلاّ على الأرض أو ما انبتته مما لا يؤكل ولا يلبس ، فالبساط والفرش لا يصدق عليه اسم الأرض ، بل يكون حاجزا بينها وبين الجبهة. لذلك فنحن نأخذ طينة يابسة ـ تسهيلا للأمر ـ ونسجد عليها في الصلاة.

لماذا السجود على التربة الحسينية؟

الشيخ عبد السلام : نحن نعلم بأنّكم تخصّصون تراب كربلاء للسجود فتصنعون منه أشكالا مثل الأصنام فتقدّسونها وتحملونها في مخابئكم وتقبّلونها وتوجبون السجود عليها. وهذا العمل يخالف سيرة المسلمين ، ولذلك يهاجمونكم ويشنّون عليكم تلك التهم والكلمات غير اللائقة بكم.

قلت : هذه المعلومات التي أبديتها هي من تلك المسموعات التي سمعتها من مخالفينا وأعدائنا ، وتلقّيتها بالقبول بدون تحقيق وتفحّص ، وإنّ من دواعي الأسف وجود هذه الحالة ، إذ تذعنون بشيء من غير تحقيق فترسلونها إرسال المسلّمات ، وتنتقدون الشيعة في أشياء وهميّة ليس لها وجود ، وقد قيل : «ثبّت العرش ثم انقش» ، وإنّ كلامكم بأنّنا نصنع من تراب كربلاء أشكالا مثل الأصنام فنقدّسها كلام فارغ وتقوّل باطل وليس إلاّ اتهاما وافتراء علينا ، وغرض المفترين إلقاء العداوة

١٠٥٧

والبغضاء بيننا وبينكم. وتمزيق المسلمين وتفريقهم ، كل ذلك لأجل الوصول إلى مصالحهم الشخصيّة ومنافعهم الماديّة الفرديّة كما قيل : «فرّق تسد».

ولو كنتم ـ قبل الحين وقبل أن تصدّقوا كلام المغرضين ـ تفتشون عن الواقع وتحققون عن الموضوع ، بأن تسألوا من الشيعة الذين تعرفونهم وتجاورونهم : ما هذه الطينة التي تسجدون عليها؟ لسمعتم الجواب : أنّنا نسجد لله سبحانه على التراب ، خضوعا وتعظيما له عزّ وجلّ ، لقالوا : لا يجوز عندنا السجود بقصد العبادة لسوى الله سبحانه وتعالى.

السجود على تراب كربلاء غير واجب عندنا

واعلم أيها الشيخ بأن علماءنا وفقهاءنا لم يوجبوا السجود على تراب كربلاء كما زعمت! ويكفيك مراجعة كتبهم الفقهيّة ورسائلهم العمليّة التي تتضمّن الفروع والمسائل الأوليّة في العبادات والمعاملات وغيرها ، فإنّهم أجمعوا على جواز السجود على الأرض سواء التراب أو الحجر والمدر والرمال وغيرها من ملحقات الأرض وعلى كل ما يطلق عليه الأرض عدا المعادن ، وكذلك أجازوا السجود على كلما تنبتها من غير المأكول والملبوس. هذا بحكم السنّة الشريفة ، والأوّل بحكم الكتاب العزيز. ولذا قالوا بأنّ السجود على الأرض أفضل ، وبعض فقهائنا أجاز السجود على النبات من غير المأكول والملبوس عند فقدان مشتقّات الأرض. لذلك وعملا بالأفضل نحمل معنا طينة يابسة

١٠٥٨

لكي نضعها على الفرش والبساط ونسجد عليها في الصلوات ، لأنّ أكثر الأماكن مفروشة بما لا يجوز السجود عليه كالبسط المحاكة من الصوف أو القطن وما شابه ذلك ، وتسهيلا للأمر فإننا نحمل معنا الطينة اليابسة ، لنسجد عليها في الصلاة ، وأمّا إذا صادف أن وقفنا على التراب للصلاة ، فلا نضع الطينة اليابسة بل نسجد على نفس التراب مباشرة ، إذ يتحقّق السجود الذي أراده الله تعالى من عباده المؤمنين.

الشيخ عبد السلام : لكنّا نرى أكثركم تحملون تربة كربلاء وتقدسونها ، وكثيرا ما نرى الشيعة يقبّلونها ويتبرّكون بها ، فما معنى هذا؟ وهي ليست إلاّ تربة كسائر التراب.

فضيلة السجود على تربة كربلاء

قلت : نعم نحن نسجد على تراب كربلاء ، ولكن هذا لا يعني الوجوب فلا يوجد فقيه واحد من فقهاء الشيعة في طول التاريخ أفتى بوجوب السجود على تراب كربلاء. وإنّما أجمعوا على جواز السجود على تراب أي بلد كان ، إلاّ أنّ تراب كربلاء أفضل وذلك للروايات الواردة عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بأنّ السجود على تراب كربلاء يخرق الحجب السبع ، يعني «يصل إلى عرش الرحمن والصلاة تقع مقبولة عند الله سبحانه وتعالى».

وهذا تقدير معنوي لجهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، إذ إنّه أقدم على الشهادة في سبيل الله لأجل إحياء الصلاة وسائر العبادات. فتقديس التربة التي أريق عليها دماء الصفوة من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقديس

١٠٥٩

التربة التي تحتضن الأجساد المخضّبة بدماء الشهادة والجهاد المقدس ، والتربة التي تضم أنصار دين الله وأنصار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الأطهار ، تقديسها تقديس للدين وللنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكل المكارم والقيم ولكل المثل العليا التي جاء بها سيد المرسلين وخاتم النبيّين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولكن مع كل الأسف نرى بعض من ينتسبون إلى أهل السنّة ـ وهم أشبه بالخوارج والنواصب ـ يفترون على الشيعة بأنّهم يعبدون الإمام الحسين ، ويستدلّون لإثبات فريتهم وباطلهم ، بسجود الشيعة على تراب قبر الحسينعليه‌السلام !! مع العلم بأنّه لا يجوز عندنا عبادة الإمام الحسينعليه‌السلام ولا عبادة جدّه المصطفى وأبيه المرتضى اللذين هما أعظم رتبة وأكبر جهادا من الحسينعليه‌السلام .

وأقول بكل وضوح : بأنّ عبادة غير الله سبحانه وتعالى كائنا من كان ، كفر وشرك. ونحن الشيعة لا نعبد إلاّ الله وحده لا شريك له ولا نسجد لغيره أبدا. وكل من ينسب إلينا غير هذا فهو مفتر كذّاب.

الشيخ عبد السلام : الدلائل التي نقلتموها في سبب تقديسكم لتراب كربلاء إنّما هي دلائل عقليّة مستندة إلى واقعة تاريخية أو بالأحرى هي دلائل عاطفيّة ، ونحن بصدد الاستماع إلى أدلّة نقليّة ، فهل توجد روايات معتبرة تحكي تقديس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعتنائه بتراب كربلاء؟

اهتمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتربة كربلاء

قلت : أمّا في كتب علمائنا المحدّثين ونقلة الأخبار والروايات فقد ورد الكثير عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تقديس تربة كربلاء واهتمامهم واعتنائهم بها وهم قد رغّبوا شيعتهم بالسجود

١٠٦٠

عليها وفضّلوها على سائر التراب ، وكلامهم سند محكم لنا ودليل أتم للعمل بدين الله عزّ وجلّ.

وأمّا الروايات المنقولة في كتبكم فكثيرة أيضا ، منها : كتاب الخصائص الكبرى للعلاّمة جلال الدين السيوطي ، فقد ذكر روايات كثيرة عن طريق أبي نعيم الحافظ والبيهقي والحاكم وغيرهم ، وهم بالإسناد إلى أم المؤمنين أم سلمة وعائشة ، وأم الفضل زوجة العباس عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن عباس وأنس بن مالك وغيرهم ، ومن جملة تلك الروايات قول الراوي [رأيت الحسين في حجر جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي يده تربة حمراء وهو يشمها ويبكي ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟ وممّ بكاؤك؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «كان عندي جبرئيل فأخبرني أنّ ولدي الحسين يقتل بأرض العراق ، وجاءني بهذه التربة من مصرعه».

ثم ناولها لأم سلمة (رض) وقال لها «انظري إذا انقلبت دما عبيطا فاعلمي بأنّ ولدي الحسين قد قتل».

فوضعتها أم سلمة في قارورة وهي تراقبها كل يوم ، حتى إذا كان يوم عاشوراء من سنة ٦١ هجرية فإذا بالتربة قد انقلبت دما عبيطا ، فصرخت : وا ولداه وا حسيناه. واخبرت أهل المدينة بقتل الحسينعليه‌السلام (١) .]

__________________

(١) روى ابن حجر الهيثمي في كتاب الصواعق المحرقة / ص ١١٥ ، ط الميمنية بمصر قال : «الحديث الثامن والعشرون» : أخرج ابن سعد والطبراني عن عائشة أنّ النبي (ص) قال «أخبرني جبريل أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطّف ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أنّ فيها مضجعه».

١٠٦١

__________________

الحديث التاسع والعشرون : أخرج أبو داود والحاكم عن أم الفضل بنت الحرث أنّ النبي (ص) قال «أتاني جبريل فأخبرني أنّ أمّتي ستقتل ابني هذا ـ يعني الحسين ـ وأتاني بتربة حمراء».

(وأخرج) أحمد «لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل عليّ قبلها فقال لي : إنّ ابنك هذا حسينا مقتول ، وإن شئت اريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، قال : فأخرج تربة حمراء».

الحديث الثلاثون : أخرج البغوي في معجمه من حديث أنس أنّ النبي (ص) قال : «استأذن ملك القطر ربّه أنّه يزورني ، فأذن له ، وكان في يوم أم سلمة فقال رسول الله (ص) : يا أمّ سلمة! احفظي علينا الباب لا يدخل أحد ، فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين فاقتحم فوثب على رسول الله (ص) فجعل رسول الله (ص) يلثمه ويقبّله.

فقال له الملك : أتحبه؟ قال : نعم. قال : إنّ أمّتك ستقتله وإن شئت أريك المكان الذي يقتل به. فأراه ، فجاء بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها».

قال ثابت : كنّا نقول إنها كربلاء ، وأخرجه أيضا أبو حاتم في صحيحه ، وروى أحمد نحوه ، وروى عبد بن حميد وابن أحمد نحوه أيضا ، لكن فيه أنّ الملك جبرئيل ، فإن صحّ فهما واقعتان ، وزاد الثاني أيضا : أنّه صلى الله عليه وسلم شمّها وقال : «ريح كرب وبلاء». ـ والسهلة بكسر اوّله رمل خشن ليس بالدقاق الناعم ـ وفي رواية الملا وابن أحمد في زيادة المسند قالت ـ أي أم سلمة ـ : ثم ناولني كفّا من تراب أحمر وقال «إنّ هذا من تربة الأرض التي يقتل بها ، فمتى صار دما فاعلمي أنّه قد قتل. قالت أم سلمة : فوضعته في قارورة عندي وكنت أقول : إنّ يوما يتحوّل فيه دما ليوم عظيم».

١٠٦٢

__________________

وفي رواية عنها : «فأصبته يوم قتل الحسين وقد صار دما».

وفي أخرى ـ أي رواية أخرى ـ ثم قال يعني جبريل «ألا أريك تربة مقتله؟ فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله (ص) في قارورة ، قالت أم سلمة : فلما كانت ليلة قتل الحسين ، سمعت قائلا يقول :

أيّها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتذليل

لقد لعنتم على لسان بن داود

وموسى وحامل الإنجيل

قالت : فبكيت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دما».

وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال [مرّ علي رضي‌الله‌عنه بكربلاء عند مسيره إلى صفّين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ، فوقف وسأل عن اسم هذه الأرض؟

فقيل : كربلاء ، فبكى حتى بلّ الأرض من دموعه. ثم قال «دخلت على رسول الله (ص) وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ قال (ص) : كان عندي جبريل آنفا وأخبرني ، أنّ ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له : كربلاء ، ثم قبض جبريل قبضة من تراب شمّني إيّاه ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا». ورواه أحمد مختصرا عن عليّ.

وأخرج أيضا ـ أي ابن سعد ـ [أنّه صلى الله عليه وسلّم كان له مشربة ، درجتها في حجرة عائشة يرقى إليها إذا أراد لقى جبريل. فرقى إليها وأمر عائشة أن لا يطلع إليها أحد. فرقى حسين ولم تعلم به. فقال جبريل : من هذا؟ قال (ص) : ابني ، فأخذه رسول الله (ص) فجعله على فخذه. فقال جبريل : ستقتله أمّتك. فقال (ص) : ابني؟! قال : نعم وإن شئت أخبرتك الارض التي يقتل فيها ، فأشار جبريل بيده إلى الطّف بالعراق فأخذ منها تربة حمراء ، فأراه إيّاها وقال : هذه من تربة مصرعه.]

هذا ما اردنا نقله من كتاب الصواعق المحرقة.

١٠٦٣

__________________

ولا يخفى أنّ حديث التربة ورد بأسانيد وبطرق شتّى رواه كبار علماء العامّة وأعلامهم ، منهم : العلاّمة ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد : ج ٢ / ٢١٩ ، طبع الشرقيّة بمصر ، والعلاّمة المحب الطبري في ذخائر العقبى صفحة ١٤٧ ، طبع القدسي بالقاهرة ، والحافظ الذهبي الدمشقي في ميزان الاعتدال : ج ١ / ٨ ، طبع القاهرة ، والعلاّمة المتقي في كنز العمال : ج ٣ / ١١١ ، طبع حيدرآباد ، والعلاّمة السيوطي في الخصائص الكبرى : ج ٢ / ١٢٥ ، طبع حيدرآباد ، والعلاّمة الحرّاني القشيري في تاريخ الرقة ٧٥ / طبع القاهرة ، والعلاّمة ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة : ١٥٤ / طبع الغري ، والعلاّمة الشبلنجي في نور الأبصار ١١٦ ، ط مطبعة المليجية بمصر ، والعلاّمة عبد الغفّار الهاشمي في كتابه أئمة الهدى ٩٦ ، طبع القاهرة ، والعلاّمة الخوارزمي في مقتل الحسين : ج ٢ / ٩٤ ، والعلاّمة الطبراني في المعجم الكبير ، كما نقل عنه الصواعق ، والعلاّمة العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ٢ / ٣٤٦ ، طبع حيدرآباد ، والعلاّمة أبو زرعة في طرح التثريب : ج ١ / ٤١ ، طبع مصر ، والعلاّمة الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٩ ، طبع القدسي بالقاهرة ، والعلاّمة الشيخ صفي الدين الخزرجي في خلاصة تذهيب الكمال ٧١ ، طبع مصر ، والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ٢٧٩ ، طبع الغري ، والعلامة الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين ٢١٥ ، ط مطبعة القضاء بمصر.

والعلاّمة عبد القادر الحنبلي في الغنية لطالبي طريق الحق : ج ٢ صفحة ٥٦ ، طبع مصر ، والعلاّمة ابن الأثير الجزري في النهاية : ج ٢ صفحة ٢١٢ ، طبع الخيرية بمصر ، والعلاّمة جمال الدين محمد بن مكرم في لسان العرب : ج ١١ / ٣٤٩ ، طبع دار الصادر بيروت ، والعلاّمة الصدّيقي الفتني في مجمع بحار الأنوار : ج ٢ / ١٦١ ، طبع لكهنو ، والعلاّمة ابن عساكر في تاريخه الكبير / في ترجمة

١٠٦٤

__________________

الحسينعليه‌السلام : ج ٤ صفحة ٣٣٧ و ٣٣٨ ، والعلاّمة باكثير الحضرمي في وسيلة المآل صفحة ١٨٢ ، نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق ، وابن الأثير الجزري أيضا في تاريخه الكامل : ج ٣ / ٣٠٣ ، طبع المنيرية بمصر.

هؤلاء كلهم رووا بأسانيد عديدة وطرق متعدّدة حديث التربة بألفاظ شتى عن أم سلمة سلام الله عليها.

ورواه جمع من علماء أهل السنّة عن ابن عباس رضي الله عنهم ، منهم : الحافظ أبو الفداء في البداية والنهاية : ج ٦ / ٢٣٠ ، طبع السعادة بمصر نقله عن مسند أبي بكر البزّار ، ومنهم : الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٩١ ، طبع القدسي بالقاهرة ، رواه عن البزّار أيضا وقال : رجاله ثقاة.

وروى حديث التربة جماعة من أعلام أهل السنة عن الإمام علي عليه‌السلام ، منهم : أحمد ابن حنبل في المسند : ج ١ / ٨٥ ، طبع الميمنية بمصر ، والعلاّمة الذهبي في تاريخ الإسلام : ج ٣ / ٩ ، طبع مصر ، وفي سير أعلام النبلاء : ج ٣ / ١٩٣ ، طبع مصر ومنهم : العلاّمة المتقي الهندي في كنز العمال : ج ١٣ / ١١٢ ، طبع حيدرآباد ، ومنهم : العلامة الطبراني في المعجم الكبير ومنهم : الخوارزمي في مقتل الحسين : ج ١ / ١٧٠ طبع الغرى ، والعلامة المحب الطبري في ذخائر العقبى ١٤٧ طبع القدسي بمصر ، والعلاّمة العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ٢ / ٣٤٦ ، ط حيدرآباد ، والعلاّمة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ص ٢٢٥ ، طبع مؤسسة أهل البيت / بيروت. والعلاّمة السيوطي في الخصائص الكبرى : ج ٢ / ١٢٦ ، طبع حيدرآباد.

والعلاّمة محمد بن حوت البيروتي في أسنى المطالب ٢٢ ، ط مصطفى الحلبي.

والعلاّمة المناوي في الكواكب الدّرّيّة : ج ١ / ٥٦ ، ط الأزهريّة بمصر والعلاّمة القندوزي في ينابيع المودّة / ٣١٩ ، طبع إسلامبول.

وروى حديث التربة معاذ بن جبل في حديث مفصّل ، أخرجه العلاّمة الطبراني في

١٠٦٥

__________________

المعجم الكبير وأخرجه عن طريق الطبراني الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٩ ، طبع القدسي بالقاهرة وأخرجه العلاّمة الخوارزمي في مقتل الحسين : ج ١ / ١٦٠ ، ط الغري والمتقي الهندي في كنز العمال : ج ١٣ / ١١٣ ، طبع حيدرآباد الدكن ، أخرجه عن طريق الديلمي.

والعلاّمة البدخشي في (مفتاح النجا) أيضا عن طريق الديلمي.

وروى جماعة من أعلام أهل السنّة حديث التربة عن عائشة منهم : الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٧ ، طبع القدسي بالقاهرة ، أخرجه عن المعجم الكبير للطبراني ، والخوارزمي في (مقتل الحسين) والمتقي الهندي في كنز العمال : ج ١٣ / ١١١ ، ط حيدرآباد ، وابن حجر في الصواعق كما مرّ آنفا ، والمناوي في الكواكب الدريّة : ج ١ / ٤٥ ، طبع الأزهريّة بمصر ، والعلاّمة القندوزي في الينابيع / ٣١٨ ، ط اسلامبول والعلاّمة النبهاني في الفتح الكبير : ج ١ / ٥٥ ، طبع مصر ، والعلاّمة البدخشي في مفتاح النجا : ١٣٤ ، والعلاّمة القلندر الهندي في الروض الأزهر : ١٠٤ ، طبع حيدرآباد ، وأكثرهم رووا الحديث عن عائشة عن طريق ابن سعد والطبراني.

وروى حديث التربة جماعة من أعلام العامّة عن أبي أمامة منهم العلاّمة الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٩ ، ط القدسي بالقاهرة ، وقال في آخره : رواه الطبراني ورجاله موثوقون. ومنهم العلاّمة الذهبي في تاريخ الاسلام : ج ٣ / ١٠ ، طبع مصر ، وفي كتابه الآخر (سير أعلام النبلاء) ج ٣ / ١٩٤ ، طبع مصر.

وروى حديث التربة جمع من أعلام أهل السنّة عن زينب بنت جحش ، منهم الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٨ ، طبع القدسي بالقاهرة ، وقال : رواه الطبراني بإسنادين ، ومنهم العلاّمة المتقي الهندي في (كنز العمال) ج ١٣ / ١١٢ ، طبع حيدرآباد الدكن ، والعلاّمة البدخشي في مفتاح النجا : ص ١٣٥

١٠٦٦

__________________

رواه من طريق الطبراني وأبي يعلى. ومنهم العلاّمة العسقلاني في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية صفحة ٩ / طبع الكويت ، أخرجه عن طريق أبي يعلى.

وروى حديث التربة جماعة من أعلام العامّة عن أم الفضل بنت الحارث ، منهم الحاكم في المستدرك : ج ٣ / ١٧٦ ، طبع حيدرآباد ، وقال : حديث صحيح ، والعلاّمة ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة صفحة ١٥٤ ، ط الغري ، وابن حجر في الصواعق كما مرّ آنفا ، أخرجه عن أبي داود والحاكم ، والعلاّمة المتقي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند : ج ٥ / ١١١ ، ط الميمنيّة بمصر ، والعلاّمة ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية : ج ٦ / ٢٣٠ ، طبع القاهرة ، رواه عن طريق البيهقي ، والعلاّمة الذهبي في (تلخيص المستدرك) المطبوع في ذيل المستدرك : ج ٣ / ١٧٦ ، حيدرآباد ، والعلاّمة السيوطي في الخصائص الكبرى : ج ٢ / ١٢٥ ، ط حيدرآباد ، رواه عن طريق الحاكم والبيهقي ، والعلامة الخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح : ٥٧٢ ، ط دهلي ، والعلامة أحمد بن يوسف الدمشقي في أخبار الدول وآثار الأول : ١٠٧ ، ط بغداد ، والعلاّمة البدخشي في مفتاح النجا ١٣٤ رواه عن البيهقي من دلائل النبوّة ، والعلاّمة القندوزي في الينابيع / ٣١٨ ، ط اسلامبول نقلا عن المشكاة ، وفي صفحة ٣١٩ رواه عن أبي داود والحاكم ، والعلاّمة الشبلنجي في (نور الأبصار) ١١٦ طبع مصر ، والعلاّمة الخوارزمي في (مقتل الحسين) ج ١ / ١٥٨ طبع الغري ، والعلاّمة النبهاني في (الفتح الكبير) ج ١ / ٢٢ طبع مصر.

ورواه جماعة من أعلام العامّة عن أنس بن مالك ، منهم : أبو نعيم الحافظ في دلائل النبوّة ٤٨٥ طبع حيدرآباد ، وأحمد في المسند : ج ٤ / ٢٤٢ ، طبع الميمنيّة بمصر ، والعلاّمة المحب الطبري في ذخائر العقبى ١٤٦ ، طبع القدسي بمصر ، قال : خرّجه البغوي في معجمه ، وخرّجه أبو حاتم في صحيحه ، والعلاّمة الخوارزمي في مقتل الحسين : ج ١ صفحة ١٦٠ طبع الغري ، والعلاّمة الذهبي في تاريخ الاسلام :

١٠٦٧

__________________

ج ٣ صفحة ١٠ طبع مصر ، وفي سير أعلام النبلاء : ج ٣ / ١٩٤ ، طبع مصر ، والحافظ ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية : ج ٦ / ٢٢٩ ، ط القاهرة ، والعلاّمة الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٧ ، طبع القدسي بمصر ، وابن حجر في الصواعق كما ذكرناه عنه آنفا ، وجلال الدين السيوطي في الخصائص :ج ٢ / ١٢٥ ، طبع حيدرآباد / قال : وأخرج البيهقي وأبو نعيم ، عن أنس الخ ، وفي كتابه الآخر الحبائك في أخبار الملائك ٤٤ طبع دار التقريب بالقاهرة ، والعلاّمة الشعراني في (مختصر تذكرة الشيخ أبي عبد الله القرطبي) ١١٩ ط مصر ، والعلاّمة النبهاني في الأنوار المحمدية ٤٨٦ ط الأدبية بيروت ، والعلاّمة البرزنجي في (الإشاعة في أشراط الساعة) ٢٤ / ط مصر ، والعلاّمة القندوزي في (ينابيع المودة) الباب الستّون / قال : وأخرج البغوي في معجمه وأبو حاتم في صحيحه وأحمد بن حنبل وابن أحمد وعبد بن حميد وابنه أحمد ، عن أنس الخ ، والعلاّمة الحمزاوي في مشارق الأنوار : ١١٤ طبع الشرقية بمصر.

ورواه بعض أعلام العامة عن أبي الطفيل ، منهم الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٩٠ طبع القدسي في القاهرة ، وقال : رواه الطبراني وإسناده حسن.

ورواه بعض أعلام العامّة عن سعيد بن جمهان ، منهم الحافظ محمد بن قايماز الدمشقي المشهور بالذهبي في (تاريخ الاسلام) ج ٣ / ١١ طبع مصر ، وفي كتابه الآخر (سير أعلام النبلاء) ج ٣ / ١٩٥ طبع مصر.

أقول : وأمّا في خصوص تقبيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقديسه تربة كربلاء فقد وردت روايات في كتب أعلام أهل السنّة منهم : الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري في (المستدرك) ج ٤ / ٣٩٨ طبع حيدرآباد ، قال ـ وذكر السند إلى عبد الله بن وهب بن زمعة ـ قال : أخبرتني أمّ سلمة (رض) [أنّ رسول الله (ص) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر ، ثم اضطجع فرقد ، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت

١٠٦٨

ولقد أجمع علماؤنا أنّ أوّل من اتخذ من تراب كربلاء ـ بعد استشهاد أبي عبد الله الحسين سيد الشهداء وانصاره وصحبه السعداء الشهداء الأوفياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ هو الإمام السجاد زين العابدين ، إذ حمل معه كيسا من تلك التربة الزاكية الطيّبة ، فكان يسجد على بعضها ، وصنع ببعضها مسباحا يسبّح به. وهكذا فعل أئمة أهل البيتعليهم‌السلام من بعده ، وهم أحد الثقلين ، فيلزم الاقتداء بهم والأخذ بقولهم وفعلهم لقول النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إني تارك

__________________

به المرّة الأولى ، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبّلها.

فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟! قال «أخبرني جبريل عليه الصلاة والسلام : أنّ هذا يقتل بأرض العراق ـ للحسين ـ. فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي يقتل بها ، فهذه تربتها». قال : هذا حديث صحيح.]

ورواه العلاّمة الطبراني في (المعجم الكبير) ص ١٤٥ مخطوط ، بإسناده إلى أم سلمة عن طريق آخر ، فذكر الحديث بعين ما تقدّم عن المستدرك لكنّه أسقط قولها [ثم اضطجع ، إلى قولها : فاستيقظ]. وذكر بدل قوله حائر : خائر النفس.

ورواه المحب الطبري في (ذخائر العقبى) ١٤٧ طبع القدس بالقاهرة عن طريق ثالث بالإسناد إلى أم سلمة بعين ما تقدّم عن (المستدرك) من قوله [استيقظ وهو حائر دون ما رأيت] الخ لكنّه ذكر بدل كلمة حائر : خائر.

فإذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّل تربة كربلاء باعتبار أنّها تكون مضجع ولده الحسين في المستقبل ، كيف لا يجوز لنا ان نقبّل تلك التربة ونقدّسها بعد أن أريقت عليها دماء الحسين وأصحابه وآله الأبرار الطيبين الأخيار ، وصارت لهم مرقدا إلى يوم الحساب؟ فصلوات الله وسلامه عليهم وعلى أبدانهم وأرواحهم ، ولقد طابوا وطابت الأرض التي دفنوا فيها.

«المترجم»

١٠٦٩

فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

فالتمسك بهم وبقولهم وفعلهم أمان من الضلال وموجب لدخول الجنّة معهم إن شاء الله تعالى.

ولقد روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي رضوان الله تعالى عليه ، في كتابه مصباح المتهجّد ، بأنّ الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام كان يحمل معه شيئا من تربة كربلاء في منديل أصفر ، وكان وقت الصلاة يفتح ذلك المنديل ويسجد على تلك التربة ، وكان يقول : إنّ السجود على تراب قبر جدّي الحسينعليه‌السلام غير واجب ولكن أفضل من السجود على غيره من بقاع الأرض. وهذا رأي جميع فقهاء الشيعة بلا استثناء.

فكانت الشيعة أيضا تحمل من تراب كربلاء في مناديل معهم ، فإذا صار وقت الصلاة فتحوا المنديل وسجدوا على التراب الذي فيه ؛ وبعد ذلك فكّروا بصنع قطعات يسهل حملها ، فمزجوا تراب كربلاء بالماء وجعلوا منه قطعات من الطين اليابس تسهيلا لحمله ونقله فكلّ من أحبّ يأخذ معه طينة يابسة يحملها معه فإذا صار وقت الصلاة ، وضعها حيث يشاء فيسجد عليها ، وهو من باب الفضيلة والاستحباب ، وإلاّ فنحن نسجد على كلّ ما يطلق عليه اسم الأرض ، من الحجر والمدر والتراب والحصى والرمل من كل بقاع الأرض.

والآن فكروا هل يصح منكم ـ وأنتم علماء القوم ـ أن تهاجموا الشيعة المؤمنين ، لأجل سجودهم على تراب كربلاء؟ فتلبسوا الواقع

١٠٧٠

على أتباعكم ، فيظنّون بأنّ الشيعة كفار ومشركون ، يعبدون الأصنام ، ومن المؤسف أنّ بعض علماء أهل السنة أيضا يماشي عامة الناس ويؤيّدهم من غير أن يتحقق في الموضوع ، ليعرف ما هو دليل الشيعة على عملهم وما هو معنى ومغزى سجودهم على الطينة اليابسة؟!

ولو كان علماء العامّة يحقّقون في ذلك لعرفوا أنّ الشيعة أكثر خضوعا وأكثر تذلّلا لله عزّ وجلّ ، إذ يضعون جباههم ـ وهو أفضل مواضع الجسم ـ على التراب الذي يسحق بالأقدام ، يضعون جباههم عليه خضوعا لله وعبوديّة له سبحانه ، وهكذا يتصاغرون أمام عظمة الله تعالى ويتذلّلون له عزّ وجلّ.

فالعتب على علماء العامّة إذ يتّبعون بعض أسلافهم في إثارة التّهم والافترءات والأكاذيب على الشيعة ، بغير تحقيق وتدبّر ، فنحن ندعوهم إلى التفكّر والتعمّق في معتقداتهم ومعتقداتنا ، ونطلب منهم بإلحاح أن يحقّقوا المسائل الخلافية بيننا وبينهم ، فيعرفوا دلائلنا ، لعلّهم يجدوا الحقّ فيتّبعوه.

كما نؤكّد عليهم أن يمرّوا بفتاوى أئمة المذاهب الأربعة ، ليجدوا سخافة الرأي وغريب النّظر فيها من قبيل جواز نكاح الأم ، ونكاح الولد الأمرد في السفر ، أو المسح على العمامة والخفّين في الوضوء والوضوء بالنبيذ ، أو السجود على العذرة اليابسة وغيرها من الفتاوى العجيبة والآراء الغريبة(١) . والأغرب تسليم سائر علمائكم لتلك

__________________

(١) توجد هذه الفتاوى وغيرها في كتاب الفقه على المذاهب الخمسة وهو كتاب علمي تحقيقي تأليف حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد جواد مغنيةرحمه‌الله تعالى.

«المترجم»

١٠٧١

الآراء وعدم نقضها ، ولكنّهم يطعنون في رأي أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ويتجرءون على ردّهم ، والتجاسر على رمي شيعتهم الذين يتبعونهم بالكفر والشرك ، وربما أفتوا بجواز قتل الشيعة وإباحة أموالهم ، فبهذه الفتاوى والأعمال يضعّفون جانب الإسلام ، ويعبّدون الطريق لسلطة اليهود والنصارى على رقاب المسلمين وبلادهم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوحّد بين المسلمين ويؤلّف قلوبهم ويلقي بيننا وبينكم المودّة والمحبّة إنّه سميع مجيب.

الرجوع الى موضوع نقاشنا في الليلة الماضية

نكتفي بهذا المقدار من العتاب والتظلّم ، ونرجع إلى موضوع الحوار والنقاش الذي تركناه ناقصا في الليلة الماضية. وهو ردّنا لكلام فضيلة الشيخ عبد السلام ، إذ قال : حيث كان أبو بكر أكبر سنا من سيدنا علي كرّم الله وجهه ، أجمع الأصحاب على تقديمه في الخلافة فبايعوه وأخّروا عليا.

فأقول : أولا : ادّعاء الإجماع باطل لمخالفة بني هاشم قاطبة ، وكذلك مخالفة الذين اجتمعوا في بيت السيدة فاطمةعليها‌السلام ، وهكذا سعد ابن عبادة فإنّه خالف خلافة أبي بكر وما بايعه إلى آخر عمره ، وتبعه أكثر قومه لأنّه كان صاحب الحلّ والعقد فيهم وكانوا له خاضعين تابعين(١) .

__________________

(١) أقول : لا شك ولا ريب أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة من فلتات الجاهليّة ، وقد صرّح بذلك عمر بن الخطاب ، راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٢ / ٢٢ وما بعدها / ط دار إحياء الكتب العربية بيروت.

١٠٧٢

__________________

فأين الفلتة من الإجماع؟!

ولو نظرنا إلى الحوادث والوقائع التي كانت عقيب السقيفة والمعارضات التي بدت من المهاجرين والأنصار لخلافة أبي بكر ، عرفنا أنّ الإجماع ما تمّ أبدا ، وإنّما بايع بعض وعارض آخرون ، ثم خضعوا خوفا من القتل. كما روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ٢١٩ ، ط دار إحياء الكتب العربية بيروت. [وقال البرّاء بن عازب : وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالازر الصنعانيّة ، لا يمرّون بأحد إلاّ خبطوه ، وقدّموه فمدّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ؛ شاء ذلك أو أبى ؛ فأنكرت عقلي

قال : ورأيت في الليل ، المقداد وسلمان ، وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيّهان وحذيفة وعمّارا ، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين.]

ونقل أيضا ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ١٩ ، عن الزبير بن بكّار أنّه قال : فلما بويع أبو بكر ، أقبلت الجماعة التي بايعته تزفّه زفّا إلى مسجد رسول الله (ص) ، فلمّا كان آخر النهار ، افترقوا إلى منازلهم ، فاجتمع قوم من الأنصار وقوم من المهاجرين ، فتعاتبوا فيما بينهم ، فقال عبد الرحمن بن عوف : يا معشر الأنصار ، إنّكم وإن كنتم أولي فضل ونصر وسابقة ؛ ولكن ليس فيكم مثل أبي بكر ولا عمر ولا عليّ ولا أبي عبيدة.

فقال زيد بن أرقم : إنّا لا ننكر فضل من ذكرت يا عبد الرحمن. وإنّ منّا لسيّد الأنصار : سعد بن عبادة ، ومن أمر الله رسوله أن يقرئه السلام ، وأن يؤخذ عنه القرآن : أبيّ بن كعب ، ومن يجيء يوم القيامة امام العلماء : معاذ بن جبل ، ومن أمضى رسول الله (ص) شهادته بشهادة رجلين : خزيمة بن ثابت ؛ وإنّا لنعلم أنّ ممّن سمّيت من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد : علي بن أبي طالب.

١٠٧٣

__________________

ونقل ابن أبي الحديد في ص ٢١ قال : وروى الزبير بن بكّار ، قال : روى محمد بن إسحاق أنّ أبا بكر لما بويع افتخرت تيم بن مرّة.

قال : وكان عامّة المهاجرين وجلّ الانصار لا يشكّون أنّ عليا هو صاحب الأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأما الذين عارضوا خلافة أبي بكر ولم يبايعوه ، منهم : ، سعد بن عبادة سيد الخزرج وزعيمهم ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ١٠ : فكان لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يجتمع بجماعتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وجد أعوانا لضاربهم ، فلم يزل كذلك حتى مات أبو بكر

فلم يلبث سعد بعد ذلك إلاّ قليلا حتى خرج إلى الشام ، فمات بحوران ولم يبايع لأحد ، لا لأبي بكر ولا لعمر ولا لغيرهما.

ومنهم خالد بن سعيد بن العاص ، كما في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ٤١ ، قال ابن أبي الحديد نقلا عن أبي بكر الجوهري وهو بإسناده إلى مكحول قال [إنّ رسول الله (ص) استعمل خالد بن سعيد بن العاص على عمل ، فقدم بعد ما قبض رسول الله (ص) وقد بايع الناس أبا بكر ، فدعاه إلى البيعة ، فأبى ، فقال عمر : دعني وإيّاه ، فمنعه أبو بكر ، حتى مضت عليه سنة.]

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ٢١٨ ، ط دار إحياء الكتب العربية ، تحت عنوان : اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله (ص) [لما قبض رسول الله (ص) واشتغل علي عليه‌السلام بغسله ودفنه ، وبويع أبو بكر ؛ خلا الزبير وأبو سفيان وجماعة من المهاجرين بعبّاس وعليّ عليه‌السلام لإجالة الرأي الخ ، وقد استعرض في هذا الفصل بعض الخلافات التي شبّت عقيب بيعة أبي بكر ، إلى أن قال : بأنّ أبا بكر وعمر وأبا عبيدة والمغيرة ، دخلوا على العباس وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله (ص) ، فبدأ أبو بكر بالكلام إلى أن قال للعباس : فقد

١٠٧٤

__________________

جئناك ، ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا ، ولمن بعدك من عقبك ، إذ كنت عمّ رسول الله (ص) وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله (ص) ومكان أهلك ، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم ، وعلى رسلكم بني هاشم ؛ فإنّ رسول الله (ص) منّا ومنكم.

فاعترض كلامه عمر ، وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته ، فقال : إي والله. وأخرى : إنّا لم نأتكم حاجة إليكم ، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم ولعامّتهم. ثم سكت.

فتكلّم العباس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنّ الله ابتعث محمدا (ص) نبيّا كما وصفت ووليّا للمؤمنين إلى أن قال لأبي بكر : فإن كنت برسول الله (ص) طلبت ـ الخلافة ـ فحقّنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ؛ ما تقدمنا في أمركم فرطا ولا حللنا وسطا. ولا نزحنا شحطا ؛ فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنّا نحن كارهين. وما أبعد قولك : إنّهم طعنوا من قولك إنّهم مالوا إليك! وأمّا ما بذلت لنا ، فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك ، وإن يكن حقّ المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن يكن حقّنا لم نرض لك ببعضه دون بعض.

وما أقول هذا أروم صرفك عمّا دخلت فيه ، ولكن للحجّة نصيبها من البيان. وأمّا قولك : إنّ رسول الله (ص) منّا ومنكم. فإنّ رسول الله (ص) من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها.

وأما قولك يا عمر : إنّك تخاف الناس علينا. فهذا الذي قدمتموه أوّل ذلك ، وبالله المستعان.]

وروى ابن أبي الحديد أيضا في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ١١ ، ط دار إحياء التراث

١٠٧٥

ثانيا : أما قولك بأن أبا بكر كان أحق بالخلافة من الإمام عليّعليه‌السلام لأنّه كان أكبر سنّا ، فمردود أيضا ، ولا يخفى على من درس التاريخ وسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأنّ رسول الله كان يولّي عليا مهامّ الأمور ، مع وجود المسنّين ، لكنّه كان يرى عليا لائقا وأهلا لتولّي الأمور المهام

__________________

العربي قال [وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة ، منهم أسيد بن خضير وسلمة بن أسلم ، فقال لهم : انطلقوا فبايعوا ، فأبوا عليه ؛ وخرج إليهم الزبير بسيفه ، فقال عمر : عليكم الكلب ، فوثب عليه سلمة بن أسلم ، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ، ثم انطلقوا به وبعليّ ومعهما بنو هاشم ، وعليّ يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله (ص) ، حتى انتهوا به إلى أبي بكر ، فقيل له : بايع ، فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله (ص) ، فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار. فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم ، وإلاّ فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون.]

فقال عمر : إنّك لست متروكا حتى تبايع. فقال له عليّ «أحلب يا عمر حلبا لك شطره! أشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا! ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه». فقال له أبو بكر : فإن لم تبايعني لم أكرهك ، فقال عليّ «يا معشر المهاجرين ، الله الله! لا تخرجوا سلطان محمد (ص) عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن ـ أهل البيت ـ أحقّ بهذا الأمر منكم ، ما كان منّا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بالسنّة ، المضطلع بأمر الرّعية! والله إنّه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى ، فتزدادوا من الحقّ بعدا».

بالله عليكم أيّها الإخوان! أنصفوا! أين هذا الكلام من الإجماع؟!

«المترجم»

١٠٧٦

ولا يرى للمسنّين لياقة وكفاءة مثل الإمام عليّعليه‌السلام .

وإنّ عزل أبي بكر من تبليغ الآيات الأولى من سورة براءة ، ونصب عليّعليه‌السلام مكانه من أجلى مصاديق ذلك وأظهرها وأشهرها.

النوّاب : أرجو أن تبيّنوا لنا هذا الموضوع ، لأنّكم في إحدى الليالي السالفة أيضا أشرتم إليه وما شرحتموه ، ويبدو أنّ هذه القضيّة من الأمور المهمة والمسلّمة ، لأنّي ما أحسست مخالفة وإنكارا من علمائنا ، حينما تشيرون إليها.

الله جلّ جلاله عزل أبا بكر ونصب علياعليه‌السلام

قلت : لقد أجمع علماء المسلمين وأهل التاريخ والسّير والمفسّرون بأنّ آيات أول سورة براءة حين نزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيها ذم المشركين والبراءة منهم وإعلان الحرب عليهم ، بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر بالآيات ليؤذّن بها في موسم الحج ويسمعها المشركين ، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة ، فلما انطلق أبو بكر نحو مكة ومعه جماعة من المسلمين ، دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا فقال له : أخرج بهذه الآيات ، فإذا اجتمع الناس إلى الموسم فأذّن بها حتى يسمع كل من حضر من المشركين فيبلّغوا أهل ملّتهم ، أن لا يدخلوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ، ودفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناقته العضباء إلى الإمام عليّعليه‌السلام فركبها وسار حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة ، فأخذ منه الآيات وأبلغه أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرجع أبو بكر إلى المدينة فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله هل نزل فيّ قرآن؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا ولكن لا يبلّغ عني إلاّ أنا أو رجل منّي».

وأمّا عليّعليه‌السلام فقد ذهب بالآيات وأذّن بها في الحج ويوم النحر

١٠٧٧

وأسمعها كل من حضر من المشركين ، كما أمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

النوّاب : هل ذكر أعلام العامّة وكبار علماء السنّة هذا العزل والنصب في كتبهم ، أم أنّ الشيعة انفردوا بنقل هذا الخبر؟

قلت : لقد بيّنت لكم آنفا ، أنّ علماء الإسلام من محدّثين ومؤرخين ومفسرين ذكروا الخبر ونشروه في كتبهم ، وسأذكر لكم بعضها لكي تطمئنّ قلوبكم بحقيقة الخبر وصدقه :

صحيح البخاري : ج ٤ و ٥ ، والجمع بين الصحاح الستة ج ٢ ، وسنن البيهقي صفحه ٩ و ٢٢٤ ، وجامع الترمذي : ج ٢ / ١٣٥ ، وسنن أبي داود ، ومناقب الخوارزمي ، وتفسير الشوكاني : ج ٢ / ٣١٩ ، ومطالب السئول ، وينابيع المودة / باب ١٨ ، والرياض النضرة وذخائر العقبى / ٦٩ ، وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزي تحت عنوان : تفسير معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ولا يؤدّي عنّي إلاّ عليعليه‌السلام ، وكتاب خصائص مولانا علي بن أبي طالب للنسائي / ٢٠ ، طبع التقدّم بالقاهرة نقل الحديث والخبر عن ستة طرق ، والبداية والنهاية لابن كثير الدمشقي : ج ٥ / ٣٨ وج ٧ / ٣٥٧ ، والإصابة لابن حجر العسقلاني : ج ٢ / ٥٠٩ ، وتفسير الدرّ المنثور للسيوطي : ج ٣ / ٢٠٨ في أول تفسير سورة براءة ، والطبري في جامع البيان : ج ١٠ / ٤١ ، والثعلبي في تفسير كشف البيان ، وابن كثير أيضا في تفسيره : ج ٢ / ٣٣٣ ، وروح المعاني للآلوسي : ج ٣ / ٢٦٨ والصواعق المحرقة لابن حجر المكّي / ١٩ ، طبع الميمنية بمصر ، ومجمع الزوائد للحافظ الهيثمي : ج ٧ / ٢٩ ، وكفاية الطالب للعلاّمة الكنجي الشافعي / باب ٦٢ رواه مسندا عن أبي بكر ، ثمّ قال : هكذا رواه الإمام أحمد في مسنده ، ورواه أبو نعيم الحافظ ،

١٠٧٨

وأخرجه الحافظ الدمشقي في مسنده بطرق شتى ، وأخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ١ / ٣ و ١٥١ ، وج ٣ / ٢٨٣ ، وج ٤ / ١٦٤ و ١٦٥ ، والمستدرك للحاكم : ج ٢ / ٥١ و ٣٣١ ، وكنز العمال : ج ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٩ وج ٦ / ١٥٤ في فضائل عليعليه‌السلام . ورواه غير هؤلاء وهو من الأخبار المتواترة.

السيد عبد الحي : حينما أسمع أو أقرأ هذا الخبر ، يتبادر سؤال في نفسي وهو : أن رسول الله (ص) في مثل هذه الأمور لا يقدم إلاّ بإشارة من الله سبحانه ، فكيف بعث أوّلا أبا بكر (رض) ثم عزله وبعث سيدنا عليا كرم الله وجهه؟ يا ترى ما الحكمة في هذا العمل؟! وهو لا يخلو من شيء لا من الاستخفاف وشبهه!!

لما ذا عزل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر؟

قلت : لم يذكر أحد العلماء والمحدثين في الكتب سببا منصوصا لعمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما ذكروا بعض الأسباب الاحتماليّة ، أشهرها ما نقله ابن حجر في صواعقه / ١٩ ، وسبط ابن الجوزي في تذكرته تحت عنوان : تفسير قوله (ص) : ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي جاء فيه ، وقال الزهري [إنّما أمر النبي (ص) علياعليه‌السلام أن يقرأ براءة دون غيره لأنّ عادة العرب أن لا يتولّى العهود إلاّ سيد القبيلة وزعيمها أو رجل من أهل بيته يقوم مقامه كأخ أو عم أو ابن عم فأجراهم على عادتهم ،] قال : وقد ذكر أحمد في الفضائل بمعناه. (انتهى ما نقلناه من التذكرة).

وأما هذا في نظري غير تامّ ، لأنّه لو كان كذلك لما بعث رسول

١٠٧٩

الله (ص) أبا بكر أوّلا. بل كان من بادئ الأمر يبعث عمّه العباس وهو ذو شيبة وكان يعدّ الشيخ ذا السّنّ من بني هاشم ، وإنما الذي يظهر من هذا الأمر ، أنّ الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرادا أن يظهرا مقام الإمام عليّعليه‌السلام ومنزلته ، وأنّه سفير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والذي هو كفو وأهل لينوب عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

نعم أرادا كشف هذه الحقيقة حتى يستنبط شيعة عليعليه‌السلام منها الرّدّ القانع والجواب القاطع على كلامكم الزائف وقولكم بأنّ أبا بكر أحق بالخلافة من عليّعليه‌السلام لأنّه كان أسنّ منه.

وإذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبعث علياعليه‌السلام بادئ الأمر ، ما كان يلفت النظر ولم يكن له هذا الصّدى والانعكاس الذي حصل من عزل أبي بكر ونصب الإمام عليّعليه‌السلام وذلك بأمر من جبرئيل عن الله عزّ وجلّ إذ قال «لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك».

فيحصل من هذا الخبر المتواتر أنّ نيابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقيام مقامه لا يرتبط بكبر السنّ أو حداثته ، وإنّما يلزم فيه الكفاءات ، واللياقات التي كانت في الإمام عليّعليه‌السلام ولم تكن في أبي بكر ، ولذا عزل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بأمر الله سبحانه ـ أبا بكر ونصب الامام عليّ لأداء تلك المهمّة ، فهو المقدّم عند الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أبي بكر وغيره.

السيد عبد الحيّ : لقد ورد في بعض الأخبار عن أبي هريرة بأنّ عليا كرم الله وجهه التحق بأبي بكر بأمر النبي (ص) ، وذهبا معا إلى مكة فعلي بلّغ الآيات النازلة في أوّل سورة البراءة ، وأبو بكر علّم الناس مناسك الحج ، فكلاهما متساويان في التبليغ.

قلت : هذا الخبر من وضع البكريين وأكاذيبهم وهو غير مشهور

١٠٨٠

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205