ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 236404 / تحميل: 3913
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فقرائنا وكنت غلاماً يتيماً لا مال لي فأعطاني قلوصاً(١) (٢) .

ولا دلالة فيه ؛ لاحتمال الدفع إلى وليّه أو من يقوم بأمره ، ولأنّه لا حجّة في فعل الساعي.

ب - لا فرق بين أن يكون يتيماً أو غيره ؛ فإنّ الدفع إلى الولي ، فإن لم يكن له ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره ويعتني بحاله.

ج - حكم المجنون حكم الصبي غير المميّز ، أمّا السفيه فإنّه يجوز الدفع اليه لكن يحجر عليه الحاكم.

د - إنّما يعطى أطفال المؤمنين ؛ لأنّهم بحكم آبائهم ، ولا يجوز إعطاء أولاد المشركين إلحاقاً بآبائهم ، وكذا أولاد غير المؤمنين. ولو أسلم أحد أبوي الطفل لحق به سواء الأب والاُم ، ويأخذ الزكاة حينئذٍ.

ه- لا يجوز إعطاء المملوك ؛ لأنّه لا يملك ، فيكون العطاء لمولاه.

ولأنّه غني بمولاة فلا يستحقّ الزكاة.

مسألة ١٩٤ : لا يشترط في الغازي الفقر‌ - وبه قال الشافعي(٣) - للعموم ، ولأنّه كالاُجرة، وكذا الغارم لإِصلاح ذات البين.

وقال أبو حنيفة : يشترط ، لقولهعليه‌السلام : ( اُمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردّها في فقرائكم )(٤) .

وهو لا يقتضي اختصاصها بالفقراء. وينتقض بابن السبيل ؛ فإنّه يعطى وإن كان غنيّاً في بلده قادراً على الاستدانة في سفره.

____________________

(١) القلوص : الناقة الشابة. النهاية لابن الأثير ٤ : ١٠٠.

(٢) المغني ٢ : ٥٠٩ ، وانظر : سنن الدارقطني ٢ : ٣٦ / ٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٦١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٦.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٦١ ، وانظر : تفسير القرطبي ٣ : ٣٣٧ و ٨ : ١٦٨ و ١٧٢.

٢٨١

ومعارض بعموم( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) (١) وبما رووه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا تحلّ الصدقة لغني إلّا لثلاثة ) وذكر من جملتهم الغازي(٢) .

مسألة ١٩٥ : يشترط في المكاتب الإِسلام‌ ، فلو كان كافراً لم يجز دفع الزكاة إليه ، وبه قال الشافعي(٣) .

ويشترط فيه الحاجة إلى ما يدفعه في الكتابة ، فلو كان معه وفاء بما عليه لم يدفع إليه ، وبه قال الشافعي(٤) ، لأنّها جعلت إرفاقا بالمساكين وإعانة للفقراء ، فإن كان قد حلّ عليه النجم وليس معه وفاء دفع إليه.

وإن لم يكن قد حلّ اُعطي أيضاً ؛ لوجود الحاجة ، فإنّه قد يحلّ عليه وليس معه فيفسخ الكتابة ، وللعموم ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : لا يجوز ، لانتفاء الحاجة في الحال(٥) . وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإذا ادّعى المكاتب الكتابة ، فإن صدّقه مولاه قبل ، لأنّ الحقّ في العبد له ، فإذا أقرّ بالكتابة قبل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يقبل ؛ لإِمكان التواطؤ(٦) .

وليس بجيّد ؛ لأصالة العدالة.

وإن كذَّبه السيد لم يقبل قوله إلّا بالبيّنة.

وإن تجرَّد عنهما إمّا لبُعده أو لغير ذلك احتمل قبول قوله ؛ لأنّه مسلم أخبر عن أمر ممكن فقُبل قوله كالفقير ، والعدم ؛ لإِمكان إقامة البيّنة عليه ، وبه قال الشافعي(٧) .

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٢١٠ ، مسند أحمد ٣ : ٣١ و ٩٧.

(٣) المجموع ٦ : ٢٠٥.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠١.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٧.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨.

(٧) اُنظر : المجموع ٦ : ٢٠٣.

٢٨٢

مسألة ١٩٦ : لو ادّعى الغارم الغُرم‌ ، فإن كان لإِصلاح ذات البين فالأمر فيه ظاهر ، فإذا علمه الإِمام دفع إليه ، وإن كان لخاص نفسه قُبل قوله إن صدّقه المالك ، وهو احد وجهي الشافعي ؛ لأنّه مسلم أخبر عن أمر ممكن.

وفي الآخر : لا يقبل ، لجواز التواطؤ(١) .

ولو كذَّبه لم يقبل قوله ؛ لظنّ كذبه. وإن تجرَّد عن الأمرين قُبل ؛ لما تقدَّم.

وقال الشافعي : لا يقبل إلّا بالبيّنة ؛ لأنّه مُدّعٍ ، فلا يقبل إلّا بالبيّنة(٢) .

مسألة ١٩٧ : إذا قال الغازي : اُريد الغزو ، قُبل قوله‌ ودفع إليه دفعاً مراعىً ، وإنّما يدفع إليه قدر كفايته لذهابه وعوده ، وهو يختلف بكونه فارساً أو راجلاً ، وقُرب المسافة وبُعدها ، وأحواله من كونه له صاحب أو لا ، وغير ذلك.

وإذا جعلنا سبيل الله أعمّ من الغزو في الجهاد - كما اخترنا أوّلاً - دخل فيه معونة الزوّار والحجيج.

وهل يشترط حاجتهم؟ إشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السُّهمان ، ومن اندراج إعانة الغني تحت سبيل الخير.

ولا فرق بين قضاء الدين عن الحي والميت ، وسواء كان الميت الذي يقضى عنه - إذا لم يخلِّف شيئاً - ممّن تجب عليه نفقته في حال حياته أو لا ، ولو خلَّف ما يقضى به الدّين لم يجز القضاء عنه كالحي.

مسألة ١٩٨ : ابن السبيل إذا كان مجتازاً وكان محتاجاً دفعنا إليه الزكاة‌ وإن كان غنيّاً في بلده؛ لوجود الحاجة حال الدفع ، وبه قال الشافعي(٣) .

____________________

(١ و ٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ - ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٠.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٤ - ٢١٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٦١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٩.

٢٨٣

وإن كان مُنشئاً للسفر من بلده ، فإن كان غنيّاً لم يدفع إليه ، وإن كان فقيراً دفعنا إليه لسفره وعوده.

وإن أراد لعوده ، فإن ادّعى ابن السبيل الحاجة ولم يعلم له أصل مال قُبل قوله.

وإن علم له أصل مال في مكانه فادّعى ذهابه قُبل قوله ، سواء ادّعى سبباً ظاهراً أو خفيّاً ، من غير يمين - خلافاً للشافعي(١) - لما تقدّم في الفقير.

ولو علم أنّ له ببلده مالاً ولا يعلم له في موضعه قُبل قوله إجماعاً.

والحاصل : أنّ الذي يأخذ مع الغنى خمسة : العامل والمؤلَّفة قلوبهم والغارم لإِصلاح ذات البين والغازي وابن السبيل إذا كان محتاجاً في مكانه.

مسألة ١٩٩ : يأخذ ابن السبيل إذا كان سفره واجباً كالحج والعمرة ، أو ندباً كزيارة النبي والأئمةعليهم‌السلام ، ولا يعطى إذا كان معصيةً كقطع الطريق وما أشبه ذلك إجماعاً.

وإن كان مباحاً كسفر التنزّه جاز له الأخذ أيضاً ؛ لأنّه فعل سائغ غير معصية ، فأشبه سفر الطاعة ، ولهذا يترخّص في القصر كسفر الطاعة ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : لا يعطي؛ لأنّه لا حاجة به إليه ، فأشبه الغني(٢) . والعلّة ممنوعة.

مسألة ٢٠٠ : مستحقّو الزكاة ينقسمون‌ ، فمنهم من يأخذ أخذاً مستقرّاً وهُم أربعة : الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلَّفة قلوبهم بمعنى أنّ لهم صرف ما يأخذونه في أيّ شي‌ء أرادوا ، سواء صرفوه في السبب الذي أخذوا لأجله أو لا.

ومنهم من يأخذ أخذاً مراعىً بمعنى أنّه إن صرفه في السبب الذي أخذ لأجله استقرّ ملكه وإلّا استعيد منه على خلاف ، وهُم أربعة : الغارم والمكاتب‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٦١.

٢٨٤

وابن السبيل والغازي ؛ لأنّ الله تعالى أضاف إلى الأربعة الاُولى بلام التمليك ، وعطف الأربعة الباقية بحرف ( في ) المقتضي للظرفية.

والفرق : أنّ هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة ، والأوّلون حصل المقصود بأخذهم وهو ( غنى )(١) الفقير والمسكين وتأليف المؤلَّفين وأداء أجر العاملين.

إذا عرفت هذا فنقول : إذا دفع المكاتب المال في الكتابة وعتق فلا بحث ، فإن عجز نفسه بأن يقصر ما معه عن مال الكتابة ، فإن كان ما أخذه من الزكاة باقياً استردّ منه ؛ لأنّه دفع إليه ليؤدّيه في العتق ، فإذا لم يحصل المقصود استرجع ، وبه قال الشافعي وأحمد في رواية(٢) .

وقال الشيخ : لا يسترجع منه ؛ لأنّه أخذه باستحقاقه ، فارتجاعه يفتقر إلى دليل ، وليس هنا ما يدلّ عليه(٣) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه دُفع إليه ليصرفه في الكتابة فيرتجع بالمخالفة ؛ لأنّ الخيار إلى المالك في صرف الزكاة في الأصناف.

وإن كان قد دفعه إلى السيد لم يستردّ ، وهو اختيار الشيخ(٤) وأحد وجهي الشافعية ؛ لأنّه دُفع إليه ليدفعه إلى سيده وقد فعل. والثاني : يستردّ(٥) ؛ لأنّ القصد به تحصيل العتق ، فإذا لم يحصل به وجب استرجاعه ، كما لو كان في يد المكاتب.

____________________

(١) ورد بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجرية والنسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : ( عين ) وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٧ ، المغني ٢ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٢ - ٧٠٣.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٤.

(٥) المجموع ٦ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٧.

٢٨٥

والفرق ظاهر ؛ لأنّ السيد ملك المدفوع بالدفع من المكاتب.

ولو تطوّع إنسان بالقضاء عنه أو أبرأه المالك من مال الكتابة فكالأول.

مسألة ٢٠١ : لو صرف الغارم السهم المدفوع إليه في غير قضاء الدَّين‌ ، قال الشيخ : لا يرتجع سواء اُبرئ من الدّين أو تطوَّع غيره بالقضاء عنه(١) ، خلافاً للشافعي(٢) ، وقد سلف مثله في المكاتب.

أمّا لو قضاه من ماله أو قضاه من غيره فلا يجوز له أن يأخذ عوضه من مال الصدقة.

مسألة ٢٠٢ : لو دفع الإِمام إلى الغازي السهم ولم يَغْزُ استردّ منه‌ ، وهو اختيار الشيخ(٣) أيضاً ، وبه قال الشافعي(٤) ؛ لأنّه أخذه لذلك فكان كالاُجرة. وكذا لو غزا ورجع من الطريق قبل الغزو.

أمّا لو غزا وعاد وقد فضل معه شي‌ء من الصدقة فإنّه لا يستردّ منه قولاً واحداً ، وبه قال الشافعي(٥) ؛ لأنّا دفعنا كفايته ، وإنّما فضل بما ضيَّق على نفسه فلا يستردّ منه.

أمّا ابن السبيل فإذا دفع إليه مؤونة السفر فلم يسافر ، ردّها ، وإن سافر وعاد وفضل معه شي‌ء لم يستردّ ؛ لأنّه ملكه بسبب السفر وقد وجد ، فلا يحكم عليه فيما يدفع إليه.

وقال الشافعي : يستردّ ، بخلاف الغازي ؛ لأنّا دفعنا إليه الكفاية لأجل الغزو ، لحاجتنا إليه ، فصار كالمعاوضة ، وقد أتى به فلم يردّ ، وهنا دفعنا إليه ، لحاجته إلى سفره وقد حصل ، فما فضل يردّه ، لزوال حاجته إليه ، ولأنّه‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥١.

(٢) المجموع ٦ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٠.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٢.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٤.

(٥) المجموع ٦ : ٢١٤.

٢٨٦

غني في بلده ، ولا فرق بين أن يضيّق على نفسه أو يستعين بغيره(١) .

أمّا لو صرف ما دفع إليه في غير مؤونة السفر ففيه إشكال ينشأ من أنّه دفع إليه في هذا الوجه ولم يصرفه فيه فيستردّ منه كالغارم ، ومن منع الحكم في الأصل.

والوجه : الأول ؛ لأنّه دفع إليه لقصد الإِعانة فيستردّ اقتصاراً على قصد الدافع.

هذا في حقّ المجتاز عند الشيخ(٢) ، وهو الأظهر من مذهبنا ، وعلى قول ابن الجنيد والشافعي(٣) فإنّ الحكم ينسحب عليه وعلى منشئ السفر من بلده.

قال الشيخ : لو كان المنشئ للسفر من بلده فقيراً اُعطي من سهم الفقراء لا من سهم أبناء السبيل(٤) .

ولو قال : لا مال لي ، اُعطي ولم يكلّف بيّنةً ، كما تقدّم.

ولو قال : كان لي مال وتلف ، قال الشيخ : لا يقبل إلّا بالبيّنة(٥) .

والوجه : القبول ؛ لأنّه قد يتعذّر عليه البيّنة فيؤدّي المنع إلى إضراره ، ولأنّه مسلم أخبر بأمر ممكن ، والأصل فيه الصدق ، فيبني عليه إلى أن يظهر المنافي.

إذا ثبت هذا ، فلو تلف المال المدفوع إلى من أخذه مراعىً بغير تفريط قبل صرفه في وجهه لم يرجع عليهم بشي‌ء.

____________________

(١) المجموع ٦ : ٢١٦.

(٢) اُنظر : المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٢.

(٣) حيث قالا بإطلاق ابن السبيل على المجتاز والمنشئ للسفر. اُنظر : المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، والمجموع ٦ : ٢١٤ ، وحلية العلماء ٣ : ١٦١ ، والمعتبر للمحقّق الحلّي : ٢٨١ حيث فيه حكاية قول ابن الجنيد.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٢.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٤.

٢٨٧

مسألة ٢٠٣ : لا يجب إعلام المدفوع إليه أنّها زكاة‌ ، فلو استحيي الفقير من أخذها علانيةً استحبّ إيصالها إليه على وجه الهدية ، ولا يُعلِم أنّها زكاة ؛ لما في الإِعلام من إذلال المؤمن والاحتقار به.

ولأنّ أبا بصير سأل الباقرعليه‌السلام : الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة فاُعطيه من الزكاة ولا اُسمّي له أنّها من الزكاة؟ قال : « أعطه ولا تسمّ له ولا تذلّ المؤمن »(١) ولا نعلم في ذلك خلافاً.

* * *

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٣ - ٥٦٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٨ / ٢٥ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ / ٢٩٤.

٢٨٨

٢٨٩

الفصل الثاني

في وقت الإخراج‌

وفيه بحثان :

الأول

في التأخير‌

مسألة ٢٠٤ : الأموال قسمان : ما يراعى فيه الحول وهو الحيوان والأثمان ، ولا تجب الزكاة فيها حتى يحول عليها الحول ، وهو : أن يمضي لها في ملكه أحد عشر شهراً ثم يهلّ الثاني عشر في ملكه ، وتكون الشرائط موجودةً طول الحول كلّه ، وهي : النصاب وإمكان التصرف وزيادة السوم في الماشية والنقش في النقدين ، وقد تقدّم بيان ذلك كلّه.

وما لا يعتبر فيه الحول وهو : الثمار والغلّات ، ولا تجب الزكاة فيها حتى يبدو صلاحها ، وأمّا الإِخراج منها فلا يجب حتى تجذّ الثمرة ، وتشمّس وتجفّف ، وتحصد الغلّة ، وتصفي من التبن والقشر بلا خلاف.

إذا عرفت هذا ، فإذا حال الحول أو صُفّت الغلّة وجُذّت الثمار وجب الإِخراج على الفور ، ولا يجوز تأخيرها ، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو الحسن‌

٢٩٠

الكرخي من الحنفية(١) ؛ لقوله تعالى :( وَآتُوا الزَّكاةَ ) (٢) والأمر على الفور عند بعض علمائنا(٣) ، وعند الحنفي على الفور(٤) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها »(٥) .

ولأنّ المستحقّ مطالب بشاهد الحال فيجب التعجيل كالدَّين الحالّ والوديعة.

ولأنّ العبادة التي لا تتكرر لا يجوز تأخيرها إلى وجوب مثلها كالصلاة والصوم.

وقال أبو بكر الرازي من الحنفية : إنّها على التراخي ، وبه قال أبو حنيفة ما لم يطالب بها ؛ لأنّ الأمر ورد بها مطلقاً ، فلا يختص زماناً كما لا يختص مكاناً. ولأنّها لو هلكت لم تضمن(٦) .

ونمنع الإِطلاق ، بل الأمر بها معجَّل ، والزمان يخالف المكان في الانتفاع بالتعجيل دون التخصيص بالمكان. ونمنع عدم الضمان مع التفريط بالتأخير.

مسألة ٢٠٥ : لو أخَّر الإِخراج مع إمكان الأداء وحضور الوقت أثم وضمن‌ ، لأنّه أخَّر الواجب المضيَّق عن وقته ، وفرَّط بالتأخير فكان آثماً ضامناً ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١١ ، المغني ٢ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣.

(٢) الحج : ٤١ ، المزّمّل : ٢٠.

(٣) وهو : الشيخ الطوسي في العدّة : ٨٥ - ٨٦.

(٤) الظاهر أنّ المراد بـ ( الحنفي ) هو : أبو الحسن الكرخي. وانظر : اُصول السرخسي ١ : ٢٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ - ١٦ / ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ / ١٢٥.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٣ ، المجموع ٥ : ٣٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١١ ، المغني ٢ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٦.

٢٩١

وبه قال الزهري والحكم وحمّاد والثوري وأبو عبيد وأحمد والشافعي(١) ؛ لما تقدّم.

ولأنّه حقّ على رب المال تلف قبل وصوله إلى مستحقّه فلا يبرأ منه ، كدَيْن الآدمي.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها »(٢) .

وقال أصحاب الرأي : يزكّي الباقي إلّا أن يقصر عن النصاب فتسقط الزكاة فرَّط أو لم يفرّط(٣) .

أمّا لو كان عليه ضرر في تعجيل الإِخراج مثل أن يحول عليه الحول قبل مجي‌ء الساعي ، ويخاف إن أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرّة اُخرى ، أو خشي في إخراجها ضرراً في نفسه أو مال له سواها ، فله تأخيرها ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا ضرر ولا ضرار )(٤) .

فروع :

أ - لو أخَّر مع إمكان الأداء كان عاصياً على ما قلناه ، ولا تقبل منه صلاته في أول الوقت ، وكذا جميع العبادات الموسَّعة ؛ لأنّ المضيَّق أولى بالتقديم ، وكذا مَن عليه دَيْن حالّ طولب به مع تمكّنه من دفعه ، أو خُمس أو صدقة مفروضة.

ب - يجوز التأخير لعذر كعدم المستحقّ أو منع الظالم ؛ لأنّ الزكاة معونة‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٤٢ - ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٧ ، المجموع ٦ : ١٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ - ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ - ١٦ - ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ - ١٢٥.

(٣) المغني ٢ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٧.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٤ / ٢٣٤٠ و ٢٣٤١ ، سنن الدارقطني ٣ : ٧٧ / ٢٨٨ و ٤ : ٢٢٧ / ٨٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٠ ، ١٥٧ و ١٠ : ١٣٣ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٧ - ٥٨.

٢٩٢

وإرفاق فلا تكون سبباً لضرر المالك ، ولا يضمن لو تلفت.

وهل يجوز لغير عذر مع العزل؟ سوّغه الشيخان شهراً وشهرين(١) ؛ لأنّ معاوية بن عمار قال للصادقعليه‌السلام : الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرَّم ، قال : « لا بأس »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين »(٣) .

والوجه : أنّ التأخير إنّما يجوز للعذر ، وتحمل الرواية عليه فلا يتقدّر بوقت ، بل بزوال العذر ، فإنّه مع زوال العذر يكون مأموراً بالتسليم ، والمستحق مطالب ، فلا يجوز له التأخير.

ويدلّ عليه قول الصادقعليه‌السلام وقد سأله عبد الله بن سنان في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها ويبقى بعض يلتمس لها الموضع فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر ، قال : « لا بأس »(٤) .

ولو أخَّر مع إمكان التسليم ضمن على ما قلناه أوّلاً.

ج - لو أخَّرها ليدفعها إلى من هو أحقّ بها من ذي قرابة أو حاجة شديدة ، فالأقرب : المنع وإن كان يسيراً.

وقال أحمد : يجوز اليسير دون العكس(٥) .

د - الأقرب : أنّ التأخير لطلب بسطها على الأصناف الثمانية أو الموجودين منهم عذر مع دفع نصيب الموجودين.

مسألة ٢٠٦ : يستحب له حال حؤول الحول عزل الزكاة عن ماله‌ ؛ لأنّه‌

____________________

(١) النهاية : ١٨٣ ، وانظر : المقنعة : ٣٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٤٤ / ١١٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ / ٩٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٤ / ١١٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٢ / ٩٦.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٣ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٤٥ / ١١٨.

(٥) المغني ٢ : ٥٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٦.

٢٩٣

نوع إخراج وشروع في الدفع.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا حال الحول فأخرجها عن ( ملكك )(١) ولا تخلطها بشي‌ء ، وأعطها كيف شئت »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ للمالك الاستقلال بالعزل من دون إذن الساعي ؛ لأنّ له ولاية الإِخراج ، فله ولاية التعيين. ولأنّ الزكاة تجب في العين وهو أمين على حفظها فيكون أميناً على إفرادها. ولأنّ له دفع القيمة. ولقول الصادقعليه‌السلام (٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو تلفت بعد العزل من غير تفريط احتمل سقوط الزكاة - وبه قال مالك(٤) - لتعيّنها بتعيينه ؛ إذ التعيين منوط به فيصير أميناً ، كما لو دفعها إلى الساعي.

وعدمه ، وبه قال الشافعي وأحمد ، إلّا أنّ الشافعي قال : إن لم يكن فرَّط في إخراج الزكاة وفي حفظ ذلك يرجع إلى ماله ، فإن كان فيما بقي زكاة أخرج وإلّا فلا(٥) .

وقال أبو حنيفة : يزكّي ما بقي إلّا أن ينقص عن النصاب فتسقط الزكاة فرَّط أو لم يفرَّط ؛ لأنّه كالدَّين ، فلا يسقط بالتعيين قبل دفعه(٦) .

ولو دفع إلى فقير زكاته فقَبْل أن يقبضها قال : اشتر لي بها ثوباً أو غيره ؛ فذهبت الزكاة ، أو اشترى ما قال(٧) ثم ضاع فعليه الزكاة على الثاني ؛ لأنّ‌

____________________

(١) في المصدر : مالك.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٤٥ - ٤٦ / ١١٩.

(٣) نفس المصدر.

(٤) الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٨ ، المغني ٢ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٧.

(٥) الاُم ٢ : ٥٢ ، المغني ٢ : ٥٤٢ - ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٧.

(٦) المغني ٢ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٧.

(٧) في « ف » : قاله.

٢٩٤

الفقير لا يملك إلّا بالقبض ، فإذا وكّله في الشراء قبله كان التوكيل باطلاً ؛ لأنّه وكَّله في الشراء بثمن لا يملكه ، وبقيت على ملك المالك ، فإذا تلفت كانت من ضمانه.

ولا فرق بين أن يعزل الزكاة وينوي أنّها زكاة أو لا.

مسألة ٢٠٧ : لو أخَّر الإِخراج مع التمكّن منه ثم أخرجها أجزأت عنه‌ إجماعاً وإن كان قد أثم بالتأخير ؛ لأنّه دفع الحقّ إلى مستحقّه. ولأنّه في كلّ آنٍ مخاطب بالإِخراج ، فيحصل بالامتثال الخروج عن العهدة.

البحث الثاني

في التعجيل‌

مسألة ٢٠٨ : المشهور عند علمائنا عدم جواز تقديم الزكاة‌ سواء وجد سبب الوجوب - وهو النصاب - أو لا - وبه قال ربيعة ومالك وداود والحسن البصري في رواية(١) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( لا تؤدّى زكاة قبل حلول الحول )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سأله عمر بن يزيد : الرجل يكون عنده المال أيزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال : « لا ، ولكن حتى يحول عليه الحول وتحلّ عليه ، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها فكذلك الزكاة ، ولا يصوم أحد شهر رمضان إلّا في شهره إلّا قضاء ، وكلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت »(٣) .

وسأل زرارةُ الباقرَعليه‌السلام : أيزكّي الرجل ماله إذا مضى ثُلث السنة؟

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٩٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٣.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٩٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٧٨.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٣ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٤٣ / ١١٠ ، الاستبصار ٢ : ٣١ / ٩٢.

٢٩٥

قال : « لا ، أيصلّي الاُولى قبل الزوال؟ »(١) .

ولأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فلا يجوز تقديم الزكاة عليه كالنصاب.

ولأنّ الزكاة عبادة مؤقتة فلا يجوز تقديمها عليه كالصلاة.

وقال الحسن البصري وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وابو عبيد : يجوز إذا وجد سبب الوجوب وهو النصاب(٢) ؛ لأنّ عليّاًعليه‌السلام قال : « سأل العباس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تعجيل صدقته قبل أن تحلّ فرخص له في ذلك »(٣) .

وعن عليعليه‌السلام أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعمر : ( إنّا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام )(٤) .

ولأنّه تعجيل لمال وجد سبب وجوبه قبل وجوبه فجاز ، كتعجيل قضاء الدَّين قبل الأجل ، وأداء كفّارة اليمين قبل الحنث وكفّارة القتل بعد الجرح قبل الموت.

وتحمل الرواية على القرض على الصدقة ، لا أنّها زكاة معجَّلة ، أو على تخصيص العباس جمعاً بين الأخبار ، وصوناً للروايات عن التناقض.

ونمنع الحكم في الأصل في الكفّارات ، وإنّما هو لازم لمالك حيث جوَّز تقديمها(٥) ، والدَّين حقّ ثابت مستقر في الذمة فجاز تعجيله قبل وقته ، بخلاف الزكاة ، فإنّها لا تجب ولا تثبت في الذمة ولا في العين إلّا بعد الحول.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٤ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٤٣ - ٤٤ / ١١١ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ / ٩٣.

(٢) المغني ٢ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٢ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٥ و ١٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣١.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١١٥ / ١٦٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٥ ، سنن البيهقي ٤ : ١١١.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٦٣ / ٦٧٩.

(٥) المغني ٢ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣١.

٢٩٦

وعن بعض علمائنا جواز التقديم(١) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين»(٢) .

قال الشيخ : وجه الجمع حمل رخصة التقديم على جواز القرض ، فيكون صاحبه ضامناً له ، متى جاء وقت الزكاة والآخذ على صفة الاستحقاق أجزأ عنه ، وإن لم يبق على صفته ضمن ، لا أنّه زكاة معجَّلة(٣) ، ومثله قال ابن الجنيد(٤) ؛ لرواية الأحول عن الصادقعليه‌السلام في رجل عجَّل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة ، قال : « يعيد المعطي الزكاة »(٥) .

فروع :

أ - لمـّا منعنا من تعجيل الزكاة كان ما يدفعه المالك قرضاً على الفقير ، فإن دفعه على أنّه زكاة معجَّلة كان الدفع باطلاً ، وله استعادتها عندنا ، خلافاً للباقين(٦) .

ب - إذا دفع المالك قدر الزكاة فقد قلنا : إنّه قرض لا زكاة معجَّلة ، فللمالك المطالبة بالمدفوع ، وللفقير دفع العوض والامتناع من دفع العين وإن كانت باقية وكره المالك ؛ لأنّه ملكها بالقبض.

ج - لو كان المدفوع ممّا يتمّ به النصاب سقطت الزكاة على ما اخترناه ؛ لأنّه قرض خرج عن ملك المالك ، وليس زكاةً. وعلى قول الآخرين هو زكاة‌

____________________

(١) حكاه المصنّف في المختلف : ١٨٨ ، عن ابن أبي عقيل.

(٢) التهذيب ٤ : ٤٤ / ١١٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ / ٩٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٥ ذيل الحديث ١١٥.

(٤) كما في المعتبر : ٢٧٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٥ / ٤٤ ، التهذيب ٤ : ٤٥ / ١١٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٣ / ٩٨.

(٦) منهم : ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٩٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

٢٩٧

ليس له استعادتها(١) .

مسألة ٢٠٩ : لا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب‌ إجماعاً ، ولو ملك بعض نصاب فعجَّل زكاته أو زكاة نصاب لم تجزئ إجماعاً ؛ لأنّه تعجيل للحكم قبل سببه.

ولو ملك نصاباً فعجَّل زكاته وزكاة ما يستفيده وما ينتج منه أو يربح فيه لم تجزئه عندنا.

وأمّا المجوّزون للتقديم فقالوا : تجزئه عن النصاب دون الزيادة عند الشافعي وأحمد وزفر ؛ لأنّه عجَّل زكاة ما ليس في ملكه فلم تجزئ كالنصاب الأول. ولأنّ الزائد من الزكاة على زكاة النصاب سببها الزائد في الملك وقد عجَّل الزكاة قبل وجود سببها ، فأشبه ما لو عجَّل الزكاة قبل ملك النصاب(٢) .

وقال أبو حنيفة : تجزئه عن النصاب والزيادة ، لأنّه تابع لما هو مالكه(٣) .

وهو ممنوع ، سلّمنا ، لكنّه يتبع في الحول ، أمّا الإِيجاب فلا ؛ فإنّ الوجوب ثبت بالزيادة لا بالأصل. ولأنّه إنّما يصير له حكم بعد الوجود لا قبله.

مسألة ٢١٠ : لو عجَّل زكاة ماشيته فتوالدت نصاباً ثم ماتت الاُمّهات وحال الحول على النتاج لم تجزئ‌ عندنا.

وللشافعية وجهان في إجزاء الشاة عن السخال : الإِجزاء - وبه قال أحمد(٤) - لأنّ السخال دخلت في حول الاُمّهات وقامت مقامها ، وعدمه ؛ لأنّه‌

____________________

(١) كابني قدامة في المغني ٢ : ٤٩٨ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٢ ، المغني ٢ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٠ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥١.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، المغني ٢ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤.

(٤) المغني ٢ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٠.

٢٩٨

عجّلها قبل ملكها مع تعلّق الزكاة بعينها(١) .

فلو أخرج شاةً عن أربعين معجّلة ، ثم توالدت أربعين سخلة ، وماتت الاُمّهات ، وحال الحول على السخال أجزأت على أحد وجهي الشافعية(٢) ، لأنّها كانت مجزئة عنها وعن أمّهاتها لو بقيت ، فلأن تجزئ عن إحداهما أولى.

ولا تجزئ عندنا ، وهو الآخر للشافعية(٣) .

ولو كان عنده ثلاثون من البقر فعجَّل عنها تبيعاً ، ثم توالدت ثلاثين عجلة وماتت الاُمّهات ، وحال الحول على العجول لم تجزئ عندنا.

وأمّا المـُجوّزون للتعجيل فقال بعضهم : بالإِجزاء ؛ لأنّها تابعة لها في الحول ، وبعضهم بعدمه ، لأنّه لو عجَّل تبيعاً عنها مع بقاء الاُمّهات لم تجزئ عنها فلأن لا تجزئ عنها اذا كان التعجيل عن غيرها أولى(٤) .

وكذا الحكم في مائة شاة إذا عجّل عنها شاة فتوالدت مائة ثم ماتت الاُمّهات وحال الحول على السخال(٥) .

وإن توالد بعضها ومات نصف الاُمّهات وحال الحول على الصغار ونصف الكبار ، فعلى الأول - وهو الإِجزاء عندهم - أجزأ المعجَّل عنهما معاً ، وعلى عدمه عليه في الخمسين سخلة شاة ؛ لأنّها نصاب لم يؤدّ زكاته ، وليس عليه في العجول إذا كانت خمس عشرة شي‌ء ؛ لأنّها لم تبلغ نصاباً ، وإنّما وجبت الزكاة فيها بناءً على اُمّهاتها التي عجّلت زكاتها(٦) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٧ - ١٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤.

(٢ و ٣ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤.

(٤ و ٥ ) المغني ٢ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٠.

(٦) المغني ٢ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨١.

٢٩٩

ولو ملك ثلاثين من البقر فعجَّل مسنّة زكاةً لها ولنتاجها ، فنتجت عشراً أجزأته عن الثلاثين دون العشر ، وهو مذهبنا ، ويجب عليه في العشر ربع مسنّة.

وقيل : بالإِجزاء ؛ لأنّ العشر تابعة للثلاثين في الوجوب والحول ، فإنّه لو لا ملكه للثلاثين لما وجب عليه في العشر شي‌ء(١) ؛ فصارت الزيادة على النصاب على أربعة أقسام :

أ - ما لا يتبع في وجوب ولا حول ، وهو المستفاد من غير الجنس ، فهذا لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده وكمال نصابه إجماعاً.

ب - ما يتبع في الوجوب دون الحول ، وهو المستفاد من الجنس بسبب مستقلّ ، فلا يجزئ تعجيل زكاته أيضاً قبل وجوده على الخلاف.

ج - ما يتبع في الحول دون الوجوب كالنتاج والربح إذا بلغ نصاباً ؛ فإنّه يتبع أصله في الحول ، فلا يجزئ التعجيل عنه قبل وجوده.

د - ما يتبع في الوجوب والحول وهو الربح والنتاج إذا لم يبلغ نصاباً ؛ فإنّه لا يجزئ التعجيل قبل وجوده على الخلاف.

مسألة ٢١١ : إذا عجّل الزكاة من ماله للفقراء كان ما عجّله في حكم الموجود في ماله‌ إن كانت عينه قائمةً ، وبه قال الشافعي وأحمد(٢) .

وقال أبو حنيفة : إنّه في حكم التالف الذي زال ملكه عنه(٣) .

ويترتّب على ذلك ثلاث مسائل :

الاُولى : لو كان معه أربعون فعجّل منها شاةً ، ثم حال الحول فإنّها‌

____________________

(١) راجع المغني ٢ : ٤٩٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨١.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٧ و ١٤٨ ، المغني ٢ : ٤٩٨ - ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المغني ٢ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢ ، المجموع ٦ : ١٤٨.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

عليها وفضّلوها على سائر التراب ، وكلامهم سند محكم لنا ودليل أتم للعمل بدين الله عزّ وجلّ.

وأمّا الروايات المنقولة في كتبكم فكثيرة أيضا ، منها : كتاب الخصائص الكبرى للعلاّمة جلال الدين السيوطي ، فقد ذكر روايات كثيرة عن طريق أبي نعيم الحافظ والبيهقي والحاكم وغيرهم ، وهم بالإسناد إلى أم المؤمنين أم سلمة وعائشة ، وأم الفضل زوجة العباس عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن عباس وأنس بن مالك وغيرهم ، ومن جملة تلك الروايات قول الراوي [رأيت الحسين في حجر جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي يده تربة حمراء وهو يشمها ويبكي ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟ وممّ بكاؤك؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «كان عندي جبرئيل فأخبرني أنّ ولدي الحسين يقتل بأرض العراق ، وجاءني بهذه التربة من مصرعه».

ثم ناولها لأم سلمة (رض) وقال لها «انظري إذا انقلبت دما عبيطا فاعلمي بأنّ ولدي الحسين قد قتل».

فوضعتها أم سلمة في قارورة وهي تراقبها كل يوم ، حتى إذا كان يوم عاشوراء من سنة ٦١ هجرية فإذا بالتربة قد انقلبت دما عبيطا ، فصرخت : وا ولداه وا حسيناه. واخبرت أهل المدينة بقتل الحسينعليه‌السلام (١) .]

__________________

(١) روى ابن حجر الهيثمي في كتاب الصواعق المحرقة / ص ١١٥ ، ط الميمنية بمصر قال : «الحديث الثامن والعشرون» : أخرج ابن سعد والطبراني عن عائشة أنّ النبي (ص) قال «أخبرني جبريل أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطّف ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أنّ فيها مضجعه».

١٠٦١

__________________

الحديث التاسع والعشرون : أخرج أبو داود والحاكم عن أم الفضل بنت الحرث أنّ النبي (ص) قال «أتاني جبريل فأخبرني أنّ أمّتي ستقتل ابني هذا ـ يعني الحسين ـ وأتاني بتربة حمراء».

(وأخرج) أحمد «لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل عليّ قبلها فقال لي : إنّ ابنك هذا حسينا مقتول ، وإن شئت اريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، قال : فأخرج تربة حمراء».

الحديث الثلاثون : أخرج البغوي في معجمه من حديث أنس أنّ النبي (ص) قال : «استأذن ملك القطر ربّه أنّه يزورني ، فأذن له ، وكان في يوم أم سلمة فقال رسول الله (ص) : يا أمّ سلمة! احفظي علينا الباب لا يدخل أحد ، فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين فاقتحم فوثب على رسول الله (ص) فجعل رسول الله (ص) يلثمه ويقبّله.

فقال له الملك : أتحبه؟ قال : نعم. قال : إنّ أمّتك ستقتله وإن شئت أريك المكان الذي يقتل به. فأراه ، فجاء بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها».

قال ثابت : كنّا نقول إنها كربلاء ، وأخرجه أيضا أبو حاتم في صحيحه ، وروى أحمد نحوه ، وروى عبد بن حميد وابن أحمد نحوه أيضا ، لكن فيه أنّ الملك جبرئيل ، فإن صحّ فهما واقعتان ، وزاد الثاني أيضا : أنّه صلى الله عليه وسلم شمّها وقال : «ريح كرب وبلاء». ـ والسهلة بكسر اوّله رمل خشن ليس بالدقاق الناعم ـ وفي رواية الملا وابن أحمد في زيادة المسند قالت ـ أي أم سلمة ـ : ثم ناولني كفّا من تراب أحمر وقال «إنّ هذا من تربة الأرض التي يقتل بها ، فمتى صار دما فاعلمي أنّه قد قتل. قالت أم سلمة : فوضعته في قارورة عندي وكنت أقول : إنّ يوما يتحوّل فيه دما ليوم عظيم».

١٠٦٢

__________________

وفي رواية عنها : «فأصبته يوم قتل الحسين وقد صار دما».

وفي أخرى ـ أي رواية أخرى ـ ثم قال يعني جبريل «ألا أريك تربة مقتله؟ فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله (ص) في قارورة ، قالت أم سلمة : فلما كانت ليلة قتل الحسين ، سمعت قائلا يقول :

أيّها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتذليل

لقد لعنتم على لسان بن داود

وموسى وحامل الإنجيل

قالت : فبكيت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دما».

وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال [مرّ علي رضي‌الله‌عنه بكربلاء عند مسيره إلى صفّين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ، فوقف وسأل عن اسم هذه الأرض؟

فقيل : كربلاء ، فبكى حتى بلّ الأرض من دموعه. ثم قال «دخلت على رسول الله (ص) وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ قال (ص) : كان عندي جبريل آنفا وأخبرني ، أنّ ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له : كربلاء ، ثم قبض جبريل قبضة من تراب شمّني إيّاه ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا». ورواه أحمد مختصرا عن عليّ.

وأخرج أيضا ـ أي ابن سعد ـ [أنّه صلى الله عليه وسلّم كان له مشربة ، درجتها في حجرة عائشة يرقى إليها إذا أراد لقى جبريل. فرقى إليها وأمر عائشة أن لا يطلع إليها أحد. فرقى حسين ولم تعلم به. فقال جبريل : من هذا؟ قال (ص) : ابني ، فأخذه رسول الله (ص) فجعله على فخذه. فقال جبريل : ستقتله أمّتك. فقال (ص) : ابني؟! قال : نعم وإن شئت أخبرتك الارض التي يقتل فيها ، فأشار جبريل بيده إلى الطّف بالعراق فأخذ منها تربة حمراء ، فأراه إيّاها وقال : هذه من تربة مصرعه.]

هذا ما اردنا نقله من كتاب الصواعق المحرقة.

١٠٦٣

__________________

ولا يخفى أنّ حديث التربة ورد بأسانيد وبطرق شتّى رواه كبار علماء العامّة وأعلامهم ، منهم : العلاّمة ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد : ج ٢ / ٢١٩ ، طبع الشرقيّة بمصر ، والعلاّمة المحب الطبري في ذخائر العقبى صفحة ١٤٧ ، طبع القدسي بالقاهرة ، والحافظ الذهبي الدمشقي في ميزان الاعتدال : ج ١ / ٨ ، طبع القاهرة ، والعلاّمة المتقي في كنز العمال : ج ٣ / ١١١ ، طبع حيدرآباد ، والعلاّمة السيوطي في الخصائص الكبرى : ج ٢ / ١٢٥ ، طبع حيدرآباد ، والعلاّمة الحرّاني القشيري في تاريخ الرقة ٧٥ / طبع القاهرة ، والعلاّمة ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة : ١٥٤ / طبع الغري ، والعلاّمة الشبلنجي في نور الأبصار ١١٦ ، ط مطبعة المليجية بمصر ، والعلاّمة عبد الغفّار الهاشمي في كتابه أئمة الهدى ٩٦ ، طبع القاهرة ، والعلاّمة الخوارزمي في مقتل الحسين : ج ٢ / ٩٤ ، والعلاّمة الطبراني في المعجم الكبير ، كما نقل عنه الصواعق ، والعلاّمة العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ٢ / ٣٤٦ ، طبع حيدرآباد ، والعلاّمة أبو زرعة في طرح التثريب : ج ١ / ٤١ ، طبع مصر ، والعلاّمة الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٩ ، طبع القدسي بالقاهرة ، والعلاّمة الشيخ صفي الدين الخزرجي في خلاصة تذهيب الكمال ٧١ ، طبع مصر ، والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ٢٧٩ ، طبع الغري ، والعلامة الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين ٢١٥ ، ط مطبعة القضاء بمصر.

والعلاّمة عبد القادر الحنبلي في الغنية لطالبي طريق الحق : ج ٢ صفحة ٥٦ ، طبع مصر ، والعلاّمة ابن الأثير الجزري في النهاية : ج ٢ صفحة ٢١٢ ، طبع الخيرية بمصر ، والعلاّمة جمال الدين محمد بن مكرم في لسان العرب : ج ١١ / ٣٤٩ ، طبع دار الصادر بيروت ، والعلاّمة الصدّيقي الفتني في مجمع بحار الأنوار : ج ٢ / ١٦١ ، طبع لكهنو ، والعلاّمة ابن عساكر في تاريخه الكبير / في ترجمة

١٠٦٤

__________________

الحسينعليه‌السلام : ج ٤ صفحة ٣٣٧ و ٣٣٨ ، والعلاّمة باكثير الحضرمي في وسيلة المآل صفحة ١٨٢ ، نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق ، وابن الأثير الجزري أيضا في تاريخه الكامل : ج ٣ / ٣٠٣ ، طبع المنيرية بمصر.

هؤلاء كلهم رووا بأسانيد عديدة وطرق متعدّدة حديث التربة بألفاظ شتى عن أم سلمة سلام الله عليها.

ورواه جمع من علماء أهل السنّة عن ابن عباس رضي الله عنهم ، منهم : الحافظ أبو الفداء في البداية والنهاية : ج ٦ / ٢٣٠ ، طبع السعادة بمصر نقله عن مسند أبي بكر البزّار ، ومنهم : الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٩١ ، طبع القدسي بالقاهرة ، رواه عن البزّار أيضا وقال : رجاله ثقاة.

وروى حديث التربة جماعة من أعلام أهل السنة عن الإمام علي عليه‌السلام ، منهم : أحمد ابن حنبل في المسند : ج ١ / ٨٥ ، طبع الميمنية بمصر ، والعلاّمة الذهبي في تاريخ الإسلام : ج ٣ / ٩ ، طبع مصر ، وفي سير أعلام النبلاء : ج ٣ / ١٩٣ ، طبع مصر ومنهم : العلاّمة المتقي الهندي في كنز العمال : ج ١٣ / ١١٢ ، طبع حيدرآباد ، ومنهم : العلامة الطبراني في المعجم الكبير ومنهم : الخوارزمي في مقتل الحسين : ج ١ / ١٧٠ طبع الغرى ، والعلامة المحب الطبري في ذخائر العقبى ١٤٧ طبع القدسي بمصر ، والعلاّمة العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ٢ / ٣٤٦ ، ط حيدرآباد ، والعلاّمة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ص ٢٢٥ ، طبع مؤسسة أهل البيت / بيروت. والعلاّمة السيوطي في الخصائص الكبرى : ج ٢ / ١٢٦ ، طبع حيدرآباد.

والعلاّمة محمد بن حوت البيروتي في أسنى المطالب ٢٢ ، ط مصطفى الحلبي.

والعلاّمة المناوي في الكواكب الدّرّيّة : ج ١ / ٥٦ ، ط الأزهريّة بمصر والعلاّمة القندوزي في ينابيع المودّة / ٣١٩ ، طبع إسلامبول.

وروى حديث التربة معاذ بن جبل في حديث مفصّل ، أخرجه العلاّمة الطبراني في

١٠٦٥

__________________

المعجم الكبير وأخرجه عن طريق الطبراني الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٩ ، طبع القدسي بالقاهرة وأخرجه العلاّمة الخوارزمي في مقتل الحسين : ج ١ / ١٦٠ ، ط الغري والمتقي الهندي في كنز العمال : ج ١٣ / ١١٣ ، طبع حيدرآباد الدكن ، أخرجه عن طريق الديلمي.

والعلاّمة البدخشي في (مفتاح النجا) أيضا عن طريق الديلمي.

وروى جماعة من أعلام أهل السنّة حديث التربة عن عائشة منهم : الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٧ ، طبع القدسي بالقاهرة ، أخرجه عن المعجم الكبير للطبراني ، والخوارزمي في (مقتل الحسين) والمتقي الهندي في كنز العمال : ج ١٣ / ١١١ ، ط حيدرآباد ، وابن حجر في الصواعق كما مرّ آنفا ، والمناوي في الكواكب الدريّة : ج ١ / ٤٥ ، طبع الأزهريّة بمصر ، والعلاّمة القندوزي في الينابيع / ٣١٨ ، ط اسلامبول والعلاّمة النبهاني في الفتح الكبير : ج ١ / ٥٥ ، طبع مصر ، والعلاّمة البدخشي في مفتاح النجا : ١٣٤ ، والعلاّمة القلندر الهندي في الروض الأزهر : ١٠٤ ، طبع حيدرآباد ، وأكثرهم رووا الحديث عن عائشة عن طريق ابن سعد والطبراني.

وروى حديث التربة جماعة من أعلام العامّة عن أبي أمامة منهم العلاّمة الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٩ ، ط القدسي بالقاهرة ، وقال في آخره : رواه الطبراني ورجاله موثوقون. ومنهم العلاّمة الذهبي في تاريخ الاسلام : ج ٣ / ١٠ ، طبع مصر ، وفي كتابه الآخر (سير أعلام النبلاء) ج ٣ / ١٩٤ ، طبع مصر.

وروى حديث التربة جمع من أعلام أهل السنّة عن زينب بنت جحش ، منهم الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٨ ، طبع القدسي بالقاهرة ، وقال : رواه الطبراني بإسنادين ، ومنهم العلاّمة المتقي الهندي في (كنز العمال) ج ١٣ / ١١٢ ، طبع حيدرآباد الدكن ، والعلاّمة البدخشي في مفتاح النجا : ص ١٣٥

١٠٦٦

__________________

رواه من طريق الطبراني وأبي يعلى. ومنهم العلاّمة العسقلاني في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية صفحة ٩ / طبع الكويت ، أخرجه عن طريق أبي يعلى.

وروى حديث التربة جماعة من أعلام العامّة عن أم الفضل بنت الحارث ، منهم الحاكم في المستدرك : ج ٣ / ١٧٦ ، طبع حيدرآباد ، وقال : حديث صحيح ، والعلاّمة ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة صفحة ١٥٤ ، ط الغري ، وابن حجر في الصواعق كما مرّ آنفا ، أخرجه عن أبي داود والحاكم ، والعلاّمة المتقي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند : ج ٥ / ١١١ ، ط الميمنيّة بمصر ، والعلاّمة ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية : ج ٦ / ٢٣٠ ، طبع القاهرة ، رواه عن طريق البيهقي ، والعلاّمة الذهبي في (تلخيص المستدرك) المطبوع في ذيل المستدرك : ج ٣ / ١٧٦ ، حيدرآباد ، والعلاّمة السيوطي في الخصائص الكبرى : ج ٢ / ١٢٥ ، ط حيدرآباد ، رواه عن طريق الحاكم والبيهقي ، والعلامة الخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح : ٥٧٢ ، ط دهلي ، والعلامة أحمد بن يوسف الدمشقي في أخبار الدول وآثار الأول : ١٠٧ ، ط بغداد ، والعلاّمة البدخشي في مفتاح النجا ١٣٤ رواه عن البيهقي من دلائل النبوّة ، والعلاّمة القندوزي في الينابيع / ٣١٨ ، ط اسلامبول نقلا عن المشكاة ، وفي صفحة ٣١٩ رواه عن أبي داود والحاكم ، والعلاّمة الشبلنجي في (نور الأبصار) ١١٦ طبع مصر ، والعلاّمة الخوارزمي في (مقتل الحسين) ج ١ / ١٥٨ طبع الغري ، والعلاّمة النبهاني في (الفتح الكبير) ج ١ / ٢٢ طبع مصر.

ورواه جماعة من أعلام العامّة عن أنس بن مالك ، منهم : أبو نعيم الحافظ في دلائل النبوّة ٤٨٥ طبع حيدرآباد ، وأحمد في المسند : ج ٤ / ٢٤٢ ، طبع الميمنيّة بمصر ، والعلاّمة المحب الطبري في ذخائر العقبى ١٤٦ ، طبع القدسي بمصر ، قال : خرّجه البغوي في معجمه ، وخرّجه أبو حاتم في صحيحه ، والعلاّمة الخوارزمي في مقتل الحسين : ج ١ صفحة ١٦٠ طبع الغري ، والعلاّمة الذهبي في تاريخ الاسلام :

١٠٦٧

__________________

ج ٣ صفحة ١٠ طبع مصر ، وفي سير أعلام النبلاء : ج ٣ / ١٩٤ ، طبع مصر ، والحافظ ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية : ج ٦ / ٢٢٩ ، ط القاهرة ، والعلاّمة الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٧ ، طبع القدسي بمصر ، وابن حجر في الصواعق كما ذكرناه عنه آنفا ، وجلال الدين السيوطي في الخصائص :ج ٢ / ١٢٥ ، طبع حيدرآباد / قال : وأخرج البيهقي وأبو نعيم ، عن أنس الخ ، وفي كتابه الآخر الحبائك في أخبار الملائك ٤٤ طبع دار التقريب بالقاهرة ، والعلاّمة الشعراني في (مختصر تذكرة الشيخ أبي عبد الله القرطبي) ١١٩ ط مصر ، والعلاّمة النبهاني في الأنوار المحمدية ٤٨٦ ط الأدبية بيروت ، والعلاّمة البرزنجي في (الإشاعة في أشراط الساعة) ٢٤ / ط مصر ، والعلاّمة القندوزي في (ينابيع المودة) الباب الستّون / قال : وأخرج البغوي في معجمه وأبو حاتم في صحيحه وأحمد بن حنبل وابن أحمد وعبد بن حميد وابنه أحمد ، عن أنس الخ ، والعلاّمة الحمزاوي في مشارق الأنوار : ١١٤ طبع الشرقية بمصر.

ورواه بعض أعلام العامة عن أبي الطفيل ، منهم الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٩٠ طبع القدسي في القاهرة ، وقال : رواه الطبراني وإسناده حسن.

ورواه بعض أعلام العامّة عن سعيد بن جمهان ، منهم الحافظ محمد بن قايماز الدمشقي المشهور بالذهبي في (تاريخ الاسلام) ج ٣ / ١١ طبع مصر ، وفي كتابه الآخر (سير أعلام النبلاء) ج ٣ / ١٩٥ طبع مصر.

أقول : وأمّا في خصوص تقبيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقديسه تربة كربلاء فقد وردت روايات في كتب أعلام أهل السنّة منهم : الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري في (المستدرك) ج ٤ / ٣٩٨ طبع حيدرآباد ، قال ـ وذكر السند إلى عبد الله بن وهب بن زمعة ـ قال : أخبرتني أمّ سلمة (رض) [أنّ رسول الله (ص) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر ، ثم اضطجع فرقد ، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت

١٠٦٨

ولقد أجمع علماؤنا أنّ أوّل من اتخذ من تراب كربلاء ـ بعد استشهاد أبي عبد الله الحسين سيد الشهداء وانصاره وصحبه السعداء الشهداء الأوفياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ هو الإمام السجاد زين العابدين ، إذ حمل معه كيسا من تلك التربة الزاكية الطيّبة ، فكان يسجد على بعضها ، وصنع ببعضها مسباحا يسبّح به. وهكذا فعل أئمة أهل البيتعليهم‌السلام من بعده ، وهم أحد الثقلين ، فيلزم الاقتداء بهم والأخذ بقولهم وفعلهم لقول النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إني تارك

__________________

به المرّة الأولى ، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبّلها.

فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟! قال «أخبرني جبريل عليه الصلاة والسلام : أنّ هذا يقتل بأرض العراق ـ للحسين ـ. فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي يقتل بها ، فهذه تربتها». قال : هذا حديث صحيح.]

ورواه العلاّمة الطبراني في (المعجم الكبير) ص ١٤٥ مخطوط ، بإسناده إلى أم سلمة عن طريق آخر ، فذكر الحديث بعين ما تقدّم عن المستدرك لكنّه أسقط قولها [ثم اضطجع ، إلى قولها : فاستيقظ]. وذكر بدل قوله حائر : خائر النفس.

ورواه المحب الطبري في (ذخائر العقبى) ١٤٧ طبع القدس بالقاهرة عن طريق ثالث بالإسناد إلى أم سلمة بعين ما تقدّم عن (المستدرك) من قوله [استيقظ وهو حائر دون ما رأيت] الخ لكنّه ذكر بدل كلمة حائر : خائر.

فإذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّل تربة كربلاء باعتبار أنّها تكون مضجع ولده الحسين في المستقبل ، كيف لا يجوز لنا ان نقبّل تلك التربة ونقدّسها بعد أن أريقت عليها دماء الحسين وأصحابه وآله الأبرار الطيبين الأخيار ، وصارت لهم مرقدا إلى يوم الحساب؟ فصلوات الله وسلامه عليهم وعلى أبدانهم وأرواحهم ، ولقد طابوا وطابت الأرض التي دفنوا فيها.

«المترجم»

١٠٦٩

فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

فالتمسك بهم وبقولهم وفعلهم أمان من الضلال وموجب لدخول الجنّة معهم إن شاء الله تعالى.

ولقد روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي رضوان الله تعالى عليه ، في كتابه مصباح المتهجّد ، بأنّ الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام كان يحمل معه شيئا من تربة كربلاء في منديل أصفر ، وكان وقت الصلاة يفتح ذلك المنديل ويسجد على تلك التربة ، وكان يقول : إنّ السجود على تراب قبر جدّي الحسينعليه‌السلام غير واجب ولكن أفضل من السجود على غيره من بقاع الأرض. وهذا رأي جميع فقهاء الشيعة بلا استثناء.

فكانت الشيعة أيضا تحمل من تراب كربلاء في مناديل معهم ، فإذا صار وقت الصلاة فتحوا المنديل وسجدوا على التراب الذي فيه ؛ وبعد ذلك فكّروا بصنع قطعات يسهل حملها ، فمزجوا تراب كربلاء بالماء وجعلوا منه قطعات من الطين اليابس تسهيلا لحمله ونقله فكلّ من أحبّ يأخذ معه طينة يابسة يحملها معه فإذا صار وقت الصلاة ، وضعها حيث يشاء فيسجد عليها ، وهو من باب الفضيلة والاستحباب ، وإلاّ فنحن نسجد على كلّ ما يطلق عليه اسم الأرض ، من الحجر والمدر والتراب والحصى والرمل من كل بقاع الأرض.

والآن فكروا هل يصح منكم ـ وأنتم علماء القوم ـ أن تهاجموا الشيعة المؤمنين ، لأجل سجودهم على تراب كربلاء؟ فتلبسوا الواقع

١٠٧٠

على أتباعكم ، فيظنّون بأنّ الشيعة كفار ومشركون ، يعبدون الأصنام ، ومن المؤسف أنّ بعض علماء أهل السنة أيضا يماشي عامة الناس ويؤيّدهم من غير أن يتحقق في الموضوع ، ليعرف ما هو دليل الشيعة على عملهم وما هو معنى ومغزى سجودهم على الطينة اليابسة؟!

ولو كان علماء العامّة يحقّقون في ذلك لعرفوا أنّ الشيعة أكثر خضوعا وأكثر تذلّلا لله عزّ وجلّ ، إذ يضعون جباههم ـ وهو أفضل مواضع الجسم ـ على التراب الذي يسحق بالأقدام ، يضعون جباههم عليه خضوعا لله وعبوديّة له سبحانه ، وهكذا يتصاغرون أمام عظمة الله تعالى ويتذلّلون له عزّ وجلّ.

فالعتب على علماء العامّة إذ يتّبعون بعض أسلافهم في إثارة التّهم والافترءات والأكاذيب على الشيعة ، بغير تحقيق وتدبّر ، فنحن ندعوهم إلى التفكّر والتعمّق في معتقداتهم ومعتقداتنا ، ونطلب منهم بإلحاح أن يحقّقوا المسائل الخلافية بيننا وبينهم ، فيعرفوا دلائلنا ، لعلّهم يجدوا الحقّ فيتّبعوه.

كما نؤكّد عليهم أن يمرّوا بفتاوى أئمة المذاهب الأربعة ، ليجدوا سخافة الرأي وغريب النّظر فيها من قبيل جواز نكاح الأم ، ونكاح الولد الأمرد في السفر ، أو المسح على العمامة والخفّين في الوضوء والوضوء بالنبيذ ، أو السجود على العذرة اليابسة وغيرها من الفتاوى العجيبة والآراء الغريبة(١) . والأغرب تسليم سائر علمائكم لتلك

__________________

(١) توجد هذه الفتاوى وغيرها في كتاب الفقه على المذاهب الخمسة وهو كتاب علمي تحقيقي تأليف حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد جواد مغنيةرحمه‌الله تعالى.

«المترجم»

١٠٧١

الآراء وعدم نقضها ، ولكنّهم يطعنون في رأي أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ويتجرءون على ردّهم ، والتجاسر على رمي شيعتهم الذين يتبعونهم بالكفر والشرك ، وربما أفتوا بجواز قتل الشيعة وإباحة أموالهم ، فبهذه الفتاوى والأعمال يضعّفون جانب الإسلام ، ويعبّدون الطريق لسلطة اليهود والنصارى على رقاب المسلمين وبلادهم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوحّد بين المسلمين ويؤلّف قلوبهم ويلقي بيننا وبينكم المودّة والمحبّة إنّه سميع مجيب.

الرجوع الى موضوع نقاشنا في الليلة الماضية

نكتفي بهذا المقدار من العتاب والتظلّم ، ونرجع إلى موضوع الحوار والنقاش الذي تركناه ناقصا في الليلة الماضية. وهو ردّنا لكلام فضيلة الشيخ عبد السلام ، إذ قال : حيث كان أبو بكر أكبر سنا من سيدنا علي كرّم الله وجهه ، أجمع الأصحاب على تقديمه في الخلافة فبايعوه وأخّروا عليا.

فأقول : أولا : ادّعاء الإجماع باطل لمخالفة بني هاشم قاطبة ، وكذلك مخالفة الذين اجتمعوا في بيت السيدة فاطمةعليها‌السلام ، وهكذا سعد ابن عبادة فإنّه خالف خلافة أبي بكر وما بايعه إلى آخر عمره ، وتبعه أكثر قومه لأنّه كان صاحب الحلّ والعقد فيهم وكانوا له خاضعين تابعين(١) .

__________________

(١) أقول : لا شك ولا ريب أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة من فلتات الجاهليّة ، وقد صرّح بذلك عمر بن الخطاب ، راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٢ / ٢٢ وما بعدها / ط دار إحياء الكتب العربية بيروت.

١٠٧٢

__________________

فأين الفلتة من الإجماع؟!

ولو نظرنا إلى الحوادث والوقائع التي كانت عقيب السقيفة والمعارضات التي بدت من المهاجرين والأنصار لخلافة أبي بكر ، عرفنا أنّ الإجماع ما تمّ أبدا ، وإنّما بايع بعض وعارض آخرون ، ثم خضعوا خوفا من القتل. كما روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ٢١٩ ، ط دار إحياء الكتب العربية بيروت. [وقال البرّاء بن عازب : وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالازر الصنعانيّة ، لا يمرّون بأحد إلاّ خبطوه ، وقدّموه فمدّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ؛ شاء ذلك أو أبى ؛ فأنكرت عقلي

قال : ورأيت في الليل ، المقداد وسلمان ، وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيّهان وحذيفة وعمّارا ، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين.]

ونقل أيضا ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ١٩ ، عن الزبير بن بكّار أنّه قال : فلما بويع أبو بكر ، أقبلت الجماعة التي بايعته تزفّه زفّا إلى مسجد رسول الله (ص) ، فلمّا كان آخر النهار ، افترقوا إلى منازلهم ، فاجتمع قوم من الأنصار وقوم من المهاجرين ، فتعاتبوا فيما بينهم ، فقال عبد الرحمن بن عوف : يا معشر الأنصار ، إنّكم وإن كنتم أولي فضل ونصر وسابقة ؛ ولكن ليس فيكم مثل أبي بكر ولا عمر ولا عليّ ولا أبي عبيدة.

فقال زيد بن أرقم : إنّا لا ننكر فضل من ذكرت يا عبد الرحمن. وإنّ منّا لسيّد الأنصار : سعد بن عبادة ، ومن أمر الله رسوله أن يقرئه السلام ، وأن يؤخذ عنه القرآن : أبيّ بن كعب ، ومن يجيء يوم القيامة امام العلماء : معاذ بن جبل ، ومن أمضى رسول الله (ص) شهادته بشهادة رجلين : خزيمة بن ثابت ؛ وإنّا لنعلم أنّ ممّن سمّيت من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد : علي بن أبي طالب.

١٠٧٣

__________________

ونقل ابن أبي الحديد في ص ٢١ قال : وروى الزبير بن بكّار ، قال : روى محمد بن إسحاق أنّ أبا بكر لما بويع افتخرت تيم بن مرّة.

قال : وكان عامّة المهاجرين وجلّ الانصار لا يشكّون أنّ عليا هو صاحب الأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأما الذين عارضوا خلافة أبي بكر ولم يبايعوه ، منهم : ، سعد بن عبادة سيد الخزرج وزعيمهم ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ١٠ : فكان لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يجتمع بجماعتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وجد أعوانا لضاربهم ، فلم يزل كذلك حتى مات أبو بكر

فلم يلبث سعد بعد ذلك إلاّ قليلا حتى خرج إلى الشام ، فمات بحوران ولم يبايع لأحد ، لا لأبي بكر ولا لعمر ولا لغيرهما.

ومنهم خالد بن سعيد بن العاص ، كما في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ٤١ ، قال ابن أبي الحديد نقلا عن أبي بكر الجوهري وهو بإسناده إلى مكحول قال [إنّ رسول الله (ص) استعمل خالد بن سعيد بن العاص على عمل ، فقدم بعد ما قبض رسول الله (ص) وقد بايع الناس أبا بكر ، فدعاه إلى البيعة ، فأبى ، فقال عمر : دعني وإيّاه ، فمنعه أبو بكر ، حتى مضت عليه سنة.]

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ٢١٨ ، ط دار إحياء الكتب العربية ، تحت عنوان : اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله (ص) [لما قبض رسول الله (ص) واشتغل علي عليه‌السلام بغسله ودفنه ، وبويع أبو بكر ؛ خلا الزبير وأبو سفيان وجماعة من المهاجرين بعبّاس وعليّ عليه‌السلام لإجالة الرأي الخ ، وقد استعرض في هذا الفصل بعض الخلافات التي شبّت عقيب بيعة أبي بكر ، إلى أن قال : بأنّ أبا بكر وعمر وأبا عبيدة والمغيرة ، دخلوا على العباس وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله (ص) ، فبدأ أبو بكر بالكلام إلى أن قال للعباس : فقد

١٠٧٤

__________________

جئناك ، ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا ، ولمن بعدك من عقبك ، إذ كنت عمّ رسول الله (ص) وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله (ص) ومكان أهلك ، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم ، وعلى رسلكم بني هاشم ؛ فإنّ رسول الله (ص) منّا ومنكم.

فاعترض كلامه عمر ، وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته ، فقال : إي والله. وأخرى : إنّا لم نأتكم حاجة إليكم ، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم ولعامّتهم. ثم سكت.

فتكلّم العباس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنّ الله ابتعث محمدا (ص) نبيّا كما وصفت ووليّا للمؤمنين إلى أن قال لأبي بكر : فإن كنت برسول الله (ص) طلبت ـ الخلافة ـ فحقّنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ؛ ما تقدمنا في أمركم فرطا ولا حللنا وسطا. ولا نزحنا شحطا ؛ فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنّا نحن كارهين. وما أبعد قولك : إنّهم طعنوا من قولك إنّهم مالوا إليك! وأمّا ما بذلت لنا ، فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك ، وإن يكن حقّ المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن يكن حقّنا لم نرض لك ببعضه دون بعض.

وما أقول هذا أروم صرفك عمّا دخلت فيه ، ولكن للحجّة نصيبها من البيان. وأمّا قولك : إنّ رسول الله (ص) منّا ومنكم. فإنّ رسول الله (ص) من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها.

وأما قولك يا عمر : إنّك تخاف الناس علينا. فهذا الذي قدمتموه أوّل ذلك ، وبالله المستعان.]

وروى ابن أبي الحديد أيضا في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ١١ ، ط دار إحياء التراث

١٠٧٥

ثانيا : أما قولك بأن أبا بكر كان أحق بالخلافة من الإمام عليّعليه‌السلام لأنّه كان أكبر سنّا ، فمردود أيضا ، ولا يخفى على من درس التاريخ وسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأنّ رسول الله كان يولّي عليا مهامّ الأمور ، مع وجود المسنّين ، لكنّه كان يرى عليا لائقا وأهلا لتولّي الأمور المهام

__________________

العربي قال [وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة ، منهم أسيد بن خضير وسلمة بن أسلم ، فقال لهم : انطلقوا فبايعوا ، فأبوا عليه ؛ وخرج إليهم الزبير بسيفه ، فقال عمر : عليكم الكلب ، فوثب عليه سلمة بن أسلم ، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ، ثم انطلقوا به وبعليّ ومعهما بنو هاشم ، وعليّ يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله (ص) ، حتى انتهوا به إلى أبي بكر ، فقيل له : بايع ، فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله (ص) ، فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار. فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم ، وإلاّ فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون.]

فقال عمر : إنّك لست متروكا حتى تبايع. فقال له عليّ «أحلب يا عمر حلبا لك شطره! أشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا! ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه». فقال له أبو بكر : فإن لم تبايعني لم أكرهك ، فقال عليّ «يا معشر المهاجرين ، الله الله! لا تخرجوا سلطان محمد (ص) عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن ـ أهل البيت ـ أحقّ بهذا الأمر منكم ، ما كان منّا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بالسنّة ، المضطلع بأمر الرّعية! والله إنّه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى ، فتزدادوا من الحقّ بعدا».

بالله عليكم أيّها الإخوان! أنصفوا! أين هذا الكلام من الإجماع؟!

«المترجم»

١٠٧٦

ولا يرى للمسنّين لياقة وكفاءة مثل الإمام عليّعليه‌السلام .

وإنّ عزل أبي بكر من تبليغ الآيات الأولى من سورة براءة ، ونصب عليّعليه‌السلام مكانه من أجلى مصاديق ذلك وأظهرها وأشهرها.

النوّاب : أرجو أن تبيّنوا لنا هذا الموضوع ، لأنّكم في إحدى الليالي السالفة أيضا أشرتم إليه وما شرحتموه ، ويبدو أنّ هذه القضيّة من الأمور المهمة والمسلّمة ، لأنّي ما أحسست مخالفة وإنكارا من علمائنا ، حينما تشيرون إليها.

الله جلّ جلاله عزل أبا بكر ونصب علياعليه‌السلام

قلت : لقد أجمع علماء المسلمين وأهل التاريخ والسّير والمفسّرون بأنّ آيات أول سورة براءة حين نزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيها ذم المشركين والبراءة منهم وإعلان الحرب عليهم ، بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر بالآيات ليؤذّن بها في موسم الحج ويسمعها المشركين ، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة ، فلما انطلق أبو بكر نحو مكة ومعه جماعة من المسلمين ، دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا فقال له : أخرج بهذه الآيات ، فإذا اجتمع الناس إلى الموسم فأذّن بها حتى يسمع كل من حضر من المشركين فيبلّغوا أهل ملّتهم ، أن لا يدخلوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ، ودفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناقته العضباء إلى الإمام عليّعليه‌السلام فركبها وسار حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة ، فأخذ منه الآيات وأبلغه أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرجع أبو بكر إلى المدينة فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله هل نزل فيّ قرآن؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا ولكن لا يبلّغ عني إلاّ أنا أو رجل منّي».

وأمّا عليّعليه‌السلام فقد ذهب بالآيات وأذّن بها في الحج ويوم النحر

١٠٧٧

وأسمعها كل من حضر من المشركين ، كما أمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

النوّاب : هل ذكر أعلام العامّة وكبار علماء السنّة هذا العزل والنصب في كتبهم ، أم أنّ الشيعة انفردوا بنقل هذا الخبر؟

قلت : لقد بيّنت لكم آنفا ، أنّ علماء الإسلام من محدّثين ومؤرخين ومفسرين ذكروا الخبر ونشروه في كتبهم ، وسأذكر لكم بعضها لكي تطمئنّ قلوبكم بحقيقة الخبر وصدقه :

صحيح البخاري : ج ٤ و ٥ ، والجمع بين الصحاح الستة ج ٢ ، وسنن البيهقي صفحه ٩ و ٢٢٤ ، وجامع الترمذي : ج ٢ / ١٣٥ ، وسنن أبي داود ، ومناقب الخوارزمي ، وتفسير الشوكاني : ج ٢ / ٣١٩ ، ومطالب السئول ، وينابيع المودة / باب ١٨ ، والرياض النضرة وذخائر العقبى / ٦٩ ، وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزي تحت عنوان : تفسير معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ولا يؤدّي عنّي إلاّ عليعليه‌السلام ، وكتاب خصائص مولانا علي بن أبي طالب للنسائي / ٢٠ ، طبع التقدّم بالقاهرة نقل الحديث والخبر عن ستة طرق ، والبداية والنهاية لابن كثير الدمشقي : ج ٥ / ٣٨ وج ٧ / ٣٥٧ ، والإصابة لابن حجر العسقلاني : ج ٢ / ٥٠٩ ، وتفسير الدرّ المنثور للسيوطي : ج ٣ / ٢٠٨ في أول تفسير سورة براءة ، والطبري في جامع البيان : ج ١٠ / ٤١ ، والثعلبي في تفسير كشف البيان ، وابن كثير أيضا في تفسيره : ج ٢ / ٣٣٣ ، وروح المعاني للآلوسي : ج ٣ / ٢٦٨ والصواعق المحرقة لابن حجر المكّي / ١٩ ، طبع الميمنية بمصر ، ومجمع الزوائد للحافظ الهيثمي : ج ٧ / ٢٩ ، وكفاية الطالب للعلاّمة الكنجي الشافعي / باب ٦٢ رواه مسندا عن أبي بكر ، ثمّ قال : هكذا رواه الإمام أحمد في مسنده ، ورواه أبو نعيم الحافظ ،

١٠٧٨

وأخرجه الحافظ الدمشقي في مسنده بطرق شتى ، وأخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ١ / ٣ و ١٥١ ، وج ٣ / ٢٨٣ ، وج ٤ / ١٦٤ و ١٦٥ ، والمستدرك للحاكم : ج ٢ / ٥١ و ٣٣١ ، وكنز العمال : ج ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٩ وج ٦ / ١٥٤ في فضائل عليعليه‌السلام . ورواه غير هؤلاء وهو من الأخبار المتواترة.

السيد عبد الحي : حينما أسمع أو أقرأ هذا الخبر ، يتبادر سؤال في نفسي وهو : أن رسول الله (ص) في مثل هذه الأمور لا يقدم إلاّ بإشارة من الله سبحانه ، فكيف بعث أوّلا أبا بكر (رض) ثم عزله وبعث سيدنا عليا كرم الله وجهه؟ يا ترى ما الحكمة في هذا العمل؟! وهو لا يخلو من شيء لا من الاستخفاف وشبهه!!

لما ذا عزل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر؟

قلت : لم يذكر أحد العلماء والمحدثين في الكتب سببا منصوصا لعمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما ذكروا بعض الأسباب الاحتماليّة ، أشهرها ما نقله ابن حجر في صواعقه / ١٩ ، وسبط ابن الجوزي في تذكرته تحت عنوان : تفسير قوله (ص) : ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي جاء فيه ، وقال الزهري [إنّما أمر النبي (ص) علياعليه‌السلام أن يقرأ براءة دون غيره لأنّ عادة العرب أن لا يتولّى العهود إلاّ سيد القبيلة وزعيمها أو رجل من أهل بيته يقوم مقامه كأخ أو عم أو ابن عم فأجراهم على عادتهم ،] قال : وقد ذكر أحمد في الفضائل بمعناه. (انتهى ما نقلناه من التذكرة).

وأما هذا في نظري غير تامّ ، لأنّه لو كان كذلك لما بعث رسول

١٠٧٩

الله (ص) أبا بكر أوّلا. بل كان من بادئ الأمر يبعث عمّه العباس وهو ذو شيبة وكان يعدّ الشيخ ذا السّنّ من بني هاشم ، وإنما الذي يظهر من هذا الأمر ، أنّ الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرادا أن يظهرا مقام الإمام عليّعليه‌السلام ومنزلته ، وأنّه سفير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والذي هو كفو وأهل لينوب عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

نعم أرادا كشف هذه الحقيقة حتى يستنبط شيعة عليعليه‌السلام منها الرّدّ القانع والجواب القاطع على كلامكم الزائف وقولكم بأنّ أبا بكر أحق بالخلافة من عليّعليه‌السلام لأنّه كان أسنّ منه.

وإذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبعث علياعليه‌السلام بادئ الأمر ، ما كان يلفت النظر ولم يكن له هذا الصّدى والانعكاس الذي حصل من عزل أبي بكر ونصب الإمام عليّعليه‌السلام وذلك بأمر من جبرئيل عن الله عزّ وجلّ إذ قال «لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك».

فيحصل من هذا الخبر المتواتر أنّ نيابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقيام مقامه لا يرتبط بكبر السنّ أو حداثته ، وإنّما يلزم فيه الكفاءات ، واللياقات التي كانت في الإمام عليّعليه‌السلام ولم تكن في أبي بكر ، ولذا عزل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بأمر الله سبحانه ـ أبا بكر ونصب الامام عليّ لأداء تلك المهمّة ، فهو المقدّم عند الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أبي بكر وغيره.

السيد عبد الحيّ : لقد ورد في بعض الأخبار عن أبي هريرة بأنّ عليا كرم الله وجهه التحق بأبي بكر بأمر النبي (ص) ، وذهبا معا إلى مكة فعلي بلّغ الآيات النازلة في أوّل سورة البراءة ، وأبو بكر علّم الناس مناسك الحج ، فكلاهما متساويان في التبليغ.

قلت : هذا الخبر من وضع البكريين وأكاذيبهم وهو غير مشهور

١٠٨٠

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205