ليالي بيشاور

ليالي بيشاور3%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 236409 / تحميل: 3914
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

هذا حديث حسن عال ، وقد فسّرت الحكمة بالسنّة لقوله عزّ وجلّ :( وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ) (١) ، الآية ، يدل على صحة هذا التأويل ، وقد قال رسول الله (ص) : «إنّ الله تعالى أنزل عليّ الكتاب ومثله معه». أراد بالكتاب القرآن ، ومثله معه ما علّمه الله تعالى من الحكمة وبيّن له من الأمر والنهي والحلال والحرام ، فالحكمة هي السنّة فلهذا قال «أنا دار الحكمة وعلي بابها».

ولقد روى ابن عساكر في تاريخه مع ذكر السند ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، وشيخ الاسلام الحمويني في فرائد السمطين ، والديلمي في فردوس الأخبار والكنجي الشافعي في كفاية الطالب الباب الثامن والخمسون ، والعلامة القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع عشر ، وابن المغازلي الشافعي في المناقب حديث رقم ١٢٠ وغيرهم من كبار علمائكم رووا عن ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري أنّ النبي (ص) أخذ بيد عليّعليه‌السلام فقال «هذا أمير البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره ، مخذول من خذله ، ثم مدّ بها صوته. فقال : أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم فليأت الباب».

وروى صاحب المناقب الفاخرة عن ابن عباس أنّ النبي (ص) قال «أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد علم الدين فليأت الباب. ثم قال لعليّعليه‌السلام : يا عليّ أنا مدينة العلم وأنت الباب ، كذب من زعم أنّه يصل إلى المدينة ، إلاّ من الباب».

وأخرج الحديث ابن أبي الحديد في مواضع عديدة من شرح نهج البلاغة ، وشيخ الإسلام الحمويني عن ابن عباس ، وأخرجه الموفق الخوارزمي في المناقب عن عمرو بن العاص ، وأخرجه محب الدين

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١١٣.

١١٢١

الطبري في ذخائر العقبى ، وأحمد في المسند والعلاّمة علي بن شهاب الهمداني في مودّة القربى ، وحتى ابن حجر ـ مع كثرة تعصّبه ـ في الصواعق المحرقة ضمن الفصل الثاني من الباب التاسع / الحديث التاسع من الأربعين حديثا في فضائل الإمام علي أخرجه عن البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله ، وأخرجه عن ابن عدي عن عبد الله ابن عمر وعن الحاكم والترمذي عن عليّعليه‌السلام كلهم رووا عن رسول الله (ص) قال «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب». فالحديث مشهور ومنشور في كتب كبار علمائكم ، وهو بحكم العقل والعقلاء دليل على إمامة الإمام عليّ وخلافته وأنّه مقدّم على غيره ، لأنّ العلماء في كل أمة وملّة مقدّمون على الجاهلين ، وخاصة تأكيد النبي (ص) في الحديث ، بأنّ من أراد العلم فليأت الباب ، أو كذب من زعم أنه يصل الى المدينة إلاّ من الباب ، وإضافة على كل هذا قول الله سبحانه :( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١) .

ومن الواضح أنّ الألف واللام في كلمة العلم تفيد الجنس أي كل علم كان عند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علم الدين والدنيا وعلم الظاهر والباطن وأسرار الكون والخلقة لا يمكن الوصول إليها إلاّ عن طريق الإمام عليّعليه‌السلام .

بالله عليكم أنصفوا! هل كان للناس بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يغلقوا هذا الباب الذي فتحه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمّته كي يتوصّلوا منه إلى الحقائق الدينية والدقائق العلميّة التي أودعها الله سبحانه نبيّه المصطفى ورسوله

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٨٩.

١١٢٢

المرتضى الذي هو من أجلى مصاديق الآية الشريفة :( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (١) فلقد ارتضاه الله سبحانه وأعطاه من غيبه أكثر مما أعطى لسائر الأنبياء والمرسلين؟

الشيخ عبد السلام : نحن لا ننكر حديث رسول الله (ص) : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» وإن ناقش بعض العلماء في سند الرواية وضعّفه ، وبعض ادّعى فيه التواتر وصحّحه ، وبعض ناقش في مدلول الحديث ، ولكن مع غضّ النظر عن كل المناقشات المطروحة حول الحديث ، فلا يدلّ على أنّ سيدنا عليا كرم الله وجهه كان عنده علم الغيب والباطن.

عليعليه‌السلام عالم بظاهر القرآن وباطنه

قلت : لا شك ولا ريب أنّ أساس علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو كتاب الله العزيز ، وكما ورد في الأحاديث المرويّة عن طرقكم والمذكورة في مصادركم ، أنّ الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام كان أعلم الناس ـ بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بعلوم القرآن ظاهره وباطنه ، ولقد روى أبو نعيم الحافظ في الحلية : ج ١ / ٦٥ ، والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب الرابع والسبعون ، والعلاّمة القندوزي في ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر نقلا من كتاب فصل الخطاب عن عبد الله بن مسعود قال : [إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ له ظهر وبطن ، وان عليّ بن أبي طالب عنده علم الظاهر والباطن.]

كما ويحصل من جملة من الروايات المشهورة عندكم والمنشورة

__________________

(١) سورة الجن ، الآية ٢٥ و ٢٦.

١١٢٣

في كتبكم ، أنّ علياعليه‌السلام كان علمه لدنيّا لأنّه كان المرتضى من بين الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقد ارتضاه الله واصطفاه وجعله وليّا.

ولقد روى أبو حامد الغزالي في كتابه في بيان العلم اللدنيّ عن عليّعليه‌السلام أنه قال «ولقد وضع رسول الله (ص) لسانه في فمي وزقّني من لعابه ، ففتح لي ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب».

وروى العلاّمة القندوزي في ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر في غزارة علمه ، عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول «إنّ رسول الله (ص) علّمني ألف باب وكل باب منها يفتح ألف باب ، حتى علمت ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وعلمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب».

وروى في الباب عن ابن المغازلي بسنده عن عليّعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها كذب من زعم أنّه يدخل المدينة بغير الباب قال الله عزّ وجلّ :( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) وقال علي : علمني رسول الله (ص) ألف باب من العلم فانفتح من كل واحد منها ألف باب».

وروى القندوزي أيضا في الباب الرابع عشر ، عن ابن المغازلي بسنده عن أبي الصباح عن ابن عباس (رض) قال : قال رسول الله (ص) «لما صرت بين يدي ربّي كلّمني وناجاني فما علمت شيئا إلاّ علّمته عليّا فهو باب علمي».

وكذلك نقل في الباب من الموفق بن أحمد الخوارزمي أيضا عن أبي الصباح عن ابن عباس عن النبي (ص) قال «أتاني جبرئيل بدر نوك من الجنّة فجلست عليه ، فلمّا صرت بين يدي ربّي كلّمني وناجاني فما

١١٢٤

علمت شيئا إلاّ علّمته عليا فهو باب علمي ، ثم دعاه إليه فقال : يا علي! سلمك سلمي وحربك حربي وأنت العلم فيما بيني وبين أمّتي».

وأما الخبر المروي عن عليّعليه‌السلام «علّمني رسول الله ألف باب من العلم.». فمروي في كثير من مصادركم وأخرجه كبار أعلامكم مثل : أحمد في المسند وفي المناقب ، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول ، والموفق الخوارزمي في المناقب وأبي حامد الغزالي ، وجلال الدين السيوطي والثعلبي والمير سيد علي بن شهاب الهمداني بألفاظ مختلفة ومن طرق شتى نقلوه في كتبهم. ولقد روى الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ، والمولى علي المتقي في كنز العمال : ج ٦ / ٣٩٢ وأبو يعلى وغيرهم ، بإسنادهم إلى عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله (ص) في مرض موته «ادعوا إليّ أخي ، فجاء أبو بكر فأعرض عنه.

ثم قال : ادعوا إليّ أخي. فجاء عثمان ، فأعرض عنه ، ثم دعي له علي فستره بثوبه وأكبّ عليه. فلمّا خرج من عنده قيل له : ما قال لك؟ قال : علّمني ألف باب كل باب يفتح ألف باب».

وأخرج الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء : ج ١ / ٦٥ ، ومحمد الجزري في أسنى المطالب / ص ١٤ ، والعلاّمة الكنجي في كفاية الطالب / الباب الثامن والأربعون ، رووا بإسنادهم عن أحمد بن عمران ابن سلمة عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : كنت عند النبي (ص) فسئل عن عليّعليه‌السلام فقال (ص) : «قسمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأعطي عليّ تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا». ثم قال العلامة الكنجي : هذا حديث حسن عال تفرّد به أحمد

١١٢٥

بن عمران بن سلمة وكان ثقة عدلا مرضيّا.

وكذلك رواه جماعة من أعلامكم بالإسناد إلى علقمة عن عبد الله وفيه زيادة ونصّه «قسمت الحكمة على عشرة أجزاء ، فأعطي عليّ تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا وهو أعلم بالعشر الباقي». أخرجه الموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب والمتقي في الكنز : ج ٥ / ١٥٦ و ٤٠١ وابن المغازلي في الفضائل والقندوزي في الينابيع / الباب الرابع عشر بنفس الطريق عن ابن مسعود ، وأخرجه محمد بن طلحة العدوي في مطالب السّئول عن حلية الأولياء.

ونقل العلامة القندوزي في الينابيع في الباب الرابع عشر عن محمد بن علي الحكيم الترمذي في شرح الرسالة الموسومة بالفتح المبين عن ابن عباس قال «العلم عشرة أجزاء ، لعليّ تسعة أجزاء وللناس عشر الباقي وهو أعلمهم به».

وأخرج القندوزي في الباب ، والمتقي في كنز العمال : ج ٦ / ١٥٣ والموفق الخوارزمي في المناقب / ٤٩ ، وفي مقتل الحسين : ج ١ / ٤٣ ، والديلمي في فردوس الأخبار ، أنّ النبي (ص) قال : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب».

علي تلميذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

نستنتج من الروايات السابقة أنّ علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما تلقّاه من الوحي قد علّم به الإمام عليّعليه‌السلام .

ونحن الشيعة لا نقول بأنّ الإمام عليّ والأئمة الأحد عشر من ولده سلام الله عليهم أجمعين ، كانوا مثل رسول الله (ص) في تلقّي

١١٢٦

العلوم من الله عزّ وجلّ مباشرة أبو بواسطة الوحي. بل نعتقد بأنّ رسول الله (ص) الذي ارتضاه الله جلّ وعلا وأعطاه من العلوم ما لم يعطه لأحد من العالمين وأطلعه على الغيب أكثر مما أطلع عليه جميع الأنبياء والمرسلين ، اتّخذ عليا أخا له ووارثا لعلومه وموضعا لأسراره إذ وجده أهلا لذلك ، فما بقي عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من ودائع النبوة وعلوم الوحي والرسالة من الظاهر والباطن والغيب والشهود إلاّ وأودعه في علي بن أبي طالب وعلّمه إيّاه(١) . وعليّعليه‌السلام أودع تلك العلوم في بنيه الأئمة الأحد عشر ، توارثوها بإرادة الله تعالى واحدا تلو الآخر ، واليوم ودائع النبوة وأعلام الرسالة وعلوم الوحي كلّها مودعة عند الإمام المهدي المنتظر ، الحجة الثاني عشر وآخر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

ولقد روى القندوزي في الينابيع في الباب الرابع عشر ، أنّ علياعليه‌السلام كان يقول «سلوني عن أسرار الغيوب فإنّي وارث علوم

__________________

(١) وترى في نهج البلاغة عبارات كثيرة في مواضع عديدة صرح فيها علي سلام الله عليه على ما أطلعه عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علم الغيب الذي منحه الله عزّ وجلّ ، فقال في الخطبة المرقمة ١٧٦ أوّلها «أيّها الناس غير المغفول عنهم إلى أن قالعليه‌السلام : والله لو شئت أن أخبر كلّ رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ألا وإنّي مفضيه إلى الخاصّة ممن يؤمن ذلك منه. والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق ، ما أنطق إلاّ صادقا ، ولقد عهد إليّ بذلك كلّه وبمهلك من يهلك ومنجى من ينجو ، ومآل هذا الأمر وما أبقى شيئا يمرّ على رأسي إلاّ أفرغه في أذنيّ ، وأفضى به إليّ».

ولقد أثبت عليه‌السلام كلما ادّعاه واختصّ به ، وما ادّعاه أحد غيره.

«المترجم»

١١٢٧

الأنبياء والمرسلين. ونقل عنه قبل هذا في نفس الباب ، قال «سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض.». الخ.

ونقل القندوزي في الباب أيضا قال : وفي مسند أحمد بسنده عن ابن عباس : وقال علي على المنبر «سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ، وما من آية إلاّ وأنا أعلم حيث أنزلت ، بحضيض جبل أو سهل أرض ، سلوني عن الفتن ، فما من فتنة إلاّ وقد علمت من كسبها ومن يقتل فيها». وقال أحمد روى عنه نحو هذا كثيرا.

وكذلك نقل القندوزي في الباب من الموفق بن أحمد الخوارزمي وعن الحمويني بسنديهما عن أبي سعيد البحتري قال : رأيت عليا جلس على المنبر فكشف عن بطنه وقال «سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّما بين الجوانح منّي علم جمّ ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله (ص) ، هذا ما زقّني رسول الله (ص) زقّا زقّا».

ونقل القندوزي في الباب عن مسند الإمام أحمد ومناقب موفق ابن أحمد الخوارزمي بسنديهما عن سعيد بن المسيّب قال : لم يكن أحد من الصحابة يقول : سلوني إلاّ عليّ بن أبي طالب. ورواه عنه ابن حجر في الصواعق أيضا.

ولا يخفى أن معتقدنا نحن الشيعة أنّ كلّ ما كان عند الإمام عليّ سلام الله عليه من أنواع العلوم فإنّه اكتسبها وتعلّمها من سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (ص). ولقد أملى عليه النبي (ص) من علومه الباطنية وأسراره الغيبية بكل ما يحدث في العالم ويقع في المستقبل ، وكتب عليّعليه‌السلام كل ذلك بالرموز والحروف المقطّعة وقد اشتهر بين

١١٢٨

العلماء بعلم الجفر الجامع ، وهذا العالم مما خصّ به عليعليه‌السلام وأبنائه الأئمة المعصومون سلام الله عليهم أجمعين.

كما ذكر ذلك الغزالي في بعض تصانيفه وقال [إنّ عند علي بن أبي طالب كتاب يسمّى بالجفر الجامع لشئون الدنيا والآخرة وهو يشتمل على كل العلوم والحقائق ويحوي على دقائق الأسرار وخواصّ الأشياء وآثار الحروف والأسماء وتأثيرات العوالم العلويّة والسفليّة وكل ما في الأرض والسماء ولا يطلع على ذلك الكتاب أحد غير علي بن أبي طالب وأولاده الأحد عشر وهم الذين حازوا درجة الولاية وتوصّلوا إلى مقام الإمامة ، وقد وصلهم الكتاب وعلومه بالوراثة.]

ولقد أشار وصرّح باختصاص هذا العلم وذلك الكتاب بالإمام عليّ وأبنائه المعصومين ، العلاّمة القندوزي في كتابه ينابيع المودة / الباب الثامن والستون / وفيه قد نقل في الموضوع شرحا مبسوطا من كتاب الدرّ المنظّم للشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الحلبي الشافعي.

وكذلك ذكر صاحب شرح المواقف وهو من علماء العامّة قال : إنّ الجفر والجامعة كتابان لعليّ بن أبي طالب قد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف ، الحوادث إلى انقراض العالم ، وأولاده يحكمون بهما.

النواب : ما هو منشأ هذا الكتاب المسمّى بالجفر الجامع؟ وكيف وصل ليد سيّدنا عليّ كرم الله وجهه؟

قلت : في العام العاشر الهجري ، بعد ما رجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع هبط جبرئيل وأخبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باقتراب أجله ودنوّ منيّته. فدعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّه ورفع يديه وقال «اللهم وعدك الذي وعدتني ، إنّك لا تخلف الميعاد».

١١٢٩

فطلب من الله عزّ وجلّ وفاء الوعد المعهود بينهما.

فأوحى الله تعالى إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أن خذ عليا معك واذهبا إلى جبل أحد فإذا صعدتما الجبل فاجلس مستدبر القبلة وناد الوحوش وحيوانات الصحراء ، فتجتمع الحيوانات أمامك ، وتجد بينها معزا وحشيا أحمر اللون قصير القرن ، فأمر عليا فليأخذه ويذبحه ويسلخ جلده من طرف رقبته ، ثم يدبغه ، ولمّا فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أمره ربّه ، نزل جبرئيل ومعه دوات وقلم أعطاهما للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعطيهما للامام عليّعليه‌السلام حتى يكتب ما يقوله جبرئيل وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يملي ما يسمعه على الإمام عليّعليه‌السلام فيكتبه على ذلك الجلد المدبوغ ، وهذا الجلد لا يندرس ولا يبيد وهو الآن موجود عند الإمام المنتظر المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، ويوجد في ذلك الجلد كل ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وهذا الجلد هو الكتاب الذي عبّر عنه الغزالي بالجفر الجامع وقال فيه من علوم المنايا والبلايا والقضايا وفصل الخطاب».

النواب : كيف يسع جلد ماعز ليحتوي على كل ما يحدث إلى يوم القيامة ، ويحتوي على العلوم التي أشرتم إليها وذكرها الغزالي؟

قلت : لقد ذكرنا أنها مذكورة بطريقة الرمز والحروف وأنّ مفتاح تلك الرموز ومعاني تلك الحروف هو علم خاص بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلّمه علياعليه‌السلام ثم ورثه أولاده الائمة الأحد عشر ، ولا يقدر على حل رموزه وفهم علومه غيرهم ، وقد جاء في الخبر : «أنّ علياعليه‌السلام فتح ذلك الجلد مرة أمام ولده محمد بن الحنفيّة فما فهم شيئا منه».

وأمّا الأئمة المعصومونعليهم‌السلام فكانوا في أكثر الأحيان يستخرجون من ذلك الكتاب القضايا والحوادث التي كانوا يخبرون بها قبل وقوعها.

١١٣٠

الإمام الرضاعليه‌السلام يخبر عن موته من الجفر والجامعة

ولقد روى كثير من علمائكم أنّ المأمون لمّا عرض ولاية العهد على الإمام الرضا وأخذ له البيعة وكتب كتابا له بذلك بخطه وأعطاه إلى الإمامعليه‌السلام ليوقّع أدناه ويختمه بإمضائه وختمه الشريف ، فكتب هذه العبارات خلف الكتاب كما في كتاب شرح المواقف «أقول وأنا عليّ بن موسى بن جعفر : إنّ أمير المؤمنين عضّده الله بالسداد ووفّقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره ، فوصل أرحاما قطعت ، وآمن نفوسا فزعت ، بل أحياها وقد تلفت ، وأغناها إذ افتقرت ، مبتغيا رضى ربّ العالمين وسيجزي الله الشاكرين. ولا يضيع أجر المحسنين ، وإنّه جعل إليّ عهده والإمرة الكبرى إن بقيت بعده إلى أن كتب في آخره : ولكنّ الجفر والجامعة يدلاّن على ضدّ ذلك( وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) (١) ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ ) (٢) ». وهكذا رواه العلامة سعد بن مسعود بن عمر التفتازاني في كتاب شرح مقاصد الطالبيين في علم أصول الدين(٣) .

__________________

(١) سورة الأحقاف ، الآية ٩.

(٢) سورة الأنعام ، الآية ٥٧.

(٣) وروى العلاّمة الشهير بابن الطقطقي البغدادي في كتابه «الفخري» ص ١٦١ طبع بغداد ، إنّ الإمام الرضاعليه‌السلام كتب فيما كتب خلف كتاب العهد : «.. إنّي قد أجبت امتثالا للأمر وإن كان الجفر والجامعة يدلاّن على ضدّ ذلك». وروى الحافظ عبد الكريم الرافعي في كتابه التدوين : ج ٤ / ٥١ ط طهران : «... والجفر والجامعة يدلاّن على الضدّ من ذلك( وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ

١١٣١

الصحيفة السماويّة

ولقد ورد في روايات أهل البيتعليهم‌السلام خبر صحيفة نزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبيل وفاته فأعطاها لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام وفيها علوم كثيرة مما يجري في العالم ولا سيما ما يجري عليهم وما يجب عليهم من مقابلة الأحداث والوقائع ، ولقد أوصاهم الله سبحانه فيها بوصايا مهمّة ، ولذلك نقل هذا الخبر تحت عنوان (الوصيّة) المؤرخ الجليل والحبر النبيل الشهير بالمسعودي المتوفى عام ٣٤٦ من الهجرة النبويّة ، قال في كتابه إثبات الوصيّة [فلمّا قرب أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنزل الله جلّ وعلا إليه من السماء كتابا مسجّلا نزل به جبرئيلعليه‌السلام مع أمناء الملائكة فقال جبرئيل : يا رسول الله! مر من عندك بالخروج من مجلسك إلاّ وصيّك ليقبض منّا كتاب الوصيّة ويشهدنا عليه.

فأمر رسول الله (ص) من كان عنده في البيت بالخروج ما خلا أمير المؤمنينعليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

فقال جبرئيل : يا رسول الله إنّ الله يقرأ عليك السلام ويقول لك : هذا كتاب بما كنت عهدت وشرطت عليك واشهدت عليك ملائكتي وكفى بي شهيدا.

فارتعدت مفاصل سيدنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : هو السلام ومنه

__________________

يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ ) ، لكنّي امتثلت أمر أمير المؤمنين وآثرت رضاه والله يعصمني وإيّاه وهو حسبي وحسبه ونعم الوكيل». وكذلك أخرجه بنصّه العلاّمة محمد مبين الهندي في كتابه وسيلة النجاة ص ٣٧٨ طبع لكهنو. ورواه آخرون باختلاف يسير في الألفاظ. «المترجم»

١١٣٢

السلام وإليه يعود السلام ، صدق الله ، هات الكتاب. فدفعه إليه ، فدفعه من يده إلى عليّعليه‌السلام وأمره بقراءته وقال : هذا عهد ربّي إليّ وأمانته وقد بلّغت وأدّيت.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : وأنا أشهد لك بأبي أنت وأمي بالتبليغ والنصيحة والصدق على ما قلت ، ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي. فقال له النبي (ص) : أخذت وصيّتي وقبلتها منّي وضمنت لله تبارك وتعالى ولي الوفاء بها؟ قال : نعم عليّ ضمانها وعلى الله عزّ وجلّ عوني.

وكان فيما شرطه فيها على أمير المؤمنينعليه‌السلام : الموالاة لأولياء الله والمعاداة لأعداء الله والبراءة منهم ، والصبر على الظلم وكظم الغيظ وأخذ حقك منك وذهاب خمسك وانتهاك حرمتك ، وعلى أن تخضب لحيتك من رأسك بدم عبيط.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : قبلت ورضيت وإن انتهكت الحرمة وعطّلت السنن ومزّق الكتاب وهدمت الكعبة وخضبت لحيتي من [دم] رأسي صابرا محتسبا.

فأشهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيل وميكائيل والملائكة المقرّبين على أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ثم دعا رسول الله (ص) فاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فأعلمهم من الأمر مثل ما أعلمه أمير المؤمنين وشرح لهم ما شرح له. فقالوا مثل قوله. وختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تصبه النار ودفعت إلى أمير المؤمنين.]

وفي الوصيّة سنن الله جلّ وعلا وسنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلاف

١١٣٣

من يخالف ويغيّر ويبدّل ، وشيء من شيء من جميع الأمور والحوادث بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو قول الله عزّ وجلّ في سورة يس ، الآية ١٢ :( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) . «انتهى».

فأوصياء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفائه يمثّلونه في أخلاقه وصفاته وهم ورثوا علومه وفضائله ، ولقد أعلنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرّف علياعليه‌السلام باب علمه لأمّته وأمر من أراد العلم بإتيانهعليه‌السلام . ومما يؤكّد بأنّ عليّاعليه‌السلام وارث علوم النبوة وأنّه عيبة علوم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قولهعليه‌السلام «سلوني قبل أن تفقدوني». ولا يمكن لأحد أن يعلن بهذا الكلام إلاّ إذا كان محيطا بجميع العلوم ، وهذا الأمر لا يتسنّى إلا لمن كان متّصلا بمنبع العلوم وبالعالم الأعلى ، ويحضى بالعلم اللّدنّي الذي يتلقّاه من الله تعالى.

ولقد اتفق العلماء والمحدّثون على أنّه ، انفرد عليّعليه‌السلام من بين الخلق بهذا الإعلان ، وما قاله أحد سواه(١) .

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٣ / ١٩٦ ، ط دار إحياء الكتب العربية في شرح كلام الإمام عليعليه‌السلام : «أيها الناس. سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض». قال [أجمع الناس كلّهم على أنّه لم يقل أحد من الصحابة ولا أحد من العلماء : «سلوني» غير علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ذكر ذلك ابن عبد البر المحدّث في كتاب «الاستيعاب» والمراد بقوله :«فلأنا أعلم بطرق السماء منّي بطرق الأرض» ما اختصّ به من العلم بمستقبل الأمور ، ولا سيّما في الملاحم والدول.

وقد صدّق هذا القول عنه (ع) ما تواتر عنه من الإخبار بالغيوب المتكرّرة ، لا مرّة ولا مائة مرّة ، حتى زال الشك والريب في أنّه إخبار عن علم ، وأنّه ليس على طريق الاتفاق ، قال : وقد ذكرنا كثيرا من ذلك فيما تقدّم من هذا الكتاب.] «انتهى كلام ابن أبي الحديد». «المترجم».

١١٣٤

قال الحافظ ابن عبد البر الأندلسي في كتابه الاستيعاب في معرفة الأصحاب : انّ كلمة سلوني قبل أن تفقدوني ، ما قالها أحد غير علي ابن أبي طالب إلاّ كان كاذبا.

ولقد روى العلاّمة أبو العباس أحمد بن خلّكان في كتابه وفيات الأعيان ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : ج ١٣ / ١٦٣ ، بأنّ مقاتل بن سليمان ـ وكان من أعلام العلماء عندكم وكان سريعا جدّا في جواب المسائل ـ أعلن يوما على المنبر وبين حشد من الناس فقال : سلوني عما دون العرش!

فقام شخص وسأله : من حلق رأس آدمعليه‌السلام في الحج؟ فحاد عن الجواب ، فسأله آخر : كيف تهضم النملة أكلها؟ ألها معدة ومصران؟ فنكّس مقاتل بن سليمان رأسه خجلا ، ولم يجبه! ثم قال : إنّ الله فضحني بهذه الأسئلة التي ألقاها على ألسنتكم ، لأنّي أعجبت بكثرة علمي فجاوزت حدّي.

مصادر قولهعليه‌السلام : سلوني قبل أن تفقدوني

نعم ذكر العلماء قضايا من هذا القبيل عن الذين ادّعوا هذا الأمر ولكن أخزاهم الله على رءوس الأشهاد.

وكما بيّن كثير من كبار علمائكم : أنّه ما ادّعى أحد من الصحابة غير علي بن أبي طالب هذا المدّعى.

روى أحمد في المسند ، وموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب ، والخواجه كلان الحنفي كما في الينابيع ، والعلاّمة البغوي في المعجم ومحبّ الدين الطبري في الرياض النضرة : ج ٢ / ١٩٨ ، وابن حجر في

١١٣٥

الصواعق تحت عنوان : ٧٦ الفصل الثالث في ثناء الصحابة والسلف عليه. كلهم رووا عن سعيد بن المسيّب قال : لم يكن من الصحابة يقول : سلوني ، إلاّ عليّ بن أبي طالب.

والجدير أنّهعليه‌السلام أعلن ذلك مرارا وتكرارا لا مرّة واحدة ، فلقد روى العلاّمة ابن كثير في تفسيره : ج ٤ وابن عبد البر في الاستيعاب ، والقندوزي في ينابيع المودّة ، مؤيّد الدين الخوارزمي في المناقب ، وأحمد في المسند ، والحمويني في الفرائد ، وابن طلحة الحلبي في الدرّ المنظوم ، والعلاّمة الهمداني في مودّة القربى ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السّئول ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، وغيرهم من محققيكم ومحدثيكم ، رووا عن طرق شتى وبألفاظ عديدة عن عامر بن وائلة وعبد الله بن عباس وأبي سعيد البحتري وأنس بن مالك وعبد الله بن مسعود وغيرهم [بأنّهم سمعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام على المنبر يقول : أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّ بين جوانحي لعلما جمّا ، سلوني فإنّ عندي علم الأوّلين والآخرين.]

وفي سنن أبي داود ص ٣٥٦ ، ومسند أحمد ج ١ / ٢٧٨ ، وصحيح البخاري : ج ١ / ٤٦ وج ١٠ / ٢٤١ ، رووا بأسانيدهم : أنّ علياعليه‌السلام قال «سلوني عما شئتم ، ولا تسألوني عن شيء إلاّ أنبأكم به».

ونقل العلاّمة القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة في الباب الرابع عشر ، عن موفق بن أحمد الخوارزمي وشيخ الإسلام الحمويني بإسنادهما عن أبي سعيد البحتري قال : رأيت عليارضي‌الله‌عنه على منبر الكوفة وعليه مدرعة رسول الله (ص) وهو متقلّد بسيفه ومتعمم

١١٣٦

بعمامته (ص) ، فجلس على المنبر فكشف عن بطنه وقال «سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّما بين الجوانح مني علم جمّ هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله (ص) ، هذا ما زقّني رسول الله زقّا زقّا ، فو الله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الله التوراة والإنجيل فيقولان ، صدق عليّ قد أفتاكم بما انزل فيّ وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون».

وكذلك أخرج شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين ، ومؤيد الدين الخوارزمي في المناقب ، بأنّ علياعليه‌السلام قال فوق المنبر : «سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الذي فلق الحبة وبرء النسمة لا تسألوني عن آية من كتاب الله إلاّ حدّثتكم عنها متى نزلت بليل أو نهار ، في مقام أو مسير في سهل أم في جبل ، وفي من نزلت في مؤمن أو منافق وما عنى الله بها ، أم عام أم خاص.

فقام ابن الكوّاء ـ وهو من الخوارج ـ فقال :

أخبرني عن قوله تعالى :( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (١) ؟ فقالعليه‌السلام : أولئك نحن وأتباعنا في يوم القيامة ، غرّاء محجّلين رواء مرويين يعرفون بسيماهم».

وروى أحمد في المسند ، والعلاّمة القندوزي في الينابيع في الباب الرابع عشر ، عن ابن عباس ، أنّ عليا قال على المنبر «سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ومن آية إلاّ وأنا أعلم حيث أنزلت بحضيض جبل أو سهل أرض ، وسلوني عن الفتن فما من فتنة إلاّ وقد علمت من كسبها ومن يقتل فيها».

__________________

(١) سورة البيّنة ، الآية ٧.

١١٣٧

وأخرج ابن سعد في الطبقات والعلاّمة الكنجي في كفاية الطالب الباب الثاني والخمسون ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء : ج ١ / ٦٨ ، بإسنادهم عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنه قال «والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيمن نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت ، إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولا ولسانا طلقا. وفي نفس الكتب أيضا : سلوني عن كتاب الله فإنّه ليس من آية إلاّ وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار ، في سهل أم في جبل».

وكذلك روى الموفق الخوارزمي في المناقب عن الأعمش عن عباية ابن ربعي أنّه قال : كان علي (رض) كثيرا يقول «سلوني قبل أن تفقدوني! فو الله ما من أرض مخصبة ولا مجدبة ولا فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلاّ وأنا أعلم قائدها وسائقها وناعقها إلى يوم القيامة».

وروى جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء : ص ١٢٤ وبدر الدين الحنفي في عمدة القارئ ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة : ج ٢ / ١٩٨ ، والسيوطي أيضا في تفسير الإتقان : ج ٢ / ٣١٩ ، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري : ج ٨ / ٤٨٥ ، وفي تهذيب التهذيب : ج ٧ / ٣٣٨ رووا أنّ علياعليه‌السلام قال «سلوني! والله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلاّ أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، في سهل أم في جبل».

أما تدل هذه الكلمات والعبارات على اطلاع قائلها على المغيّبات وعلمه بالمستقبل وما سوف يحدث في العالم. ولقد أثبت ذلك فيما أخبر عن حال بعض الأشخاص ، وإليك نماذج من ذلك :

١١٣٨

الإمام عليعليه‌السلام يخبر عن قاتل ولده الحسينعليه‌السلام

روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة روايات كثيرة تحكي عن إخبار عليّعليه‌السلام عن الأمور الغيبيّة فقال في الجزء الثاني : ٢٨٦ ، ط دار إحياء الكتب العربيّة : روى ابن هلال الثقفي في كتاب «الغارات» عن زكريّا بن يحيى العطّار عن فضيل عن محمد بن عليّ قال : لمّا قال عليّعليه‌السلام «سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألونني عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وسائقها ، قام إليه رجل فقال : أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ، فقال له عليّعليه‌السلام : والله لقد حدّثني خليلي أنّ على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك ، وأنّ على كلّ طاقة شعر من لحيتك شيطانا يغويك ، وأنّ في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله (ص) ـ وكان ابنه ـ قاتل الحسينعليه‌السلام ـ يومئذ طفلا يحبو وهو سنان بن أنس النخعيّ ـ».

اخبارهعليه‌السلام عن عاقبة خالد بن عرفطة

ونقل ابن أبي الحديد في نفس الصفحة التي ذكرتها آنفا قال : وروى الحسن بن محبوب عن ثابت الثمالي عن سويد بن غفلة أنّ علياعليه‌السلام خطب ذات يوم ، فقام رجل من تحت منبره فقال [يا أمير المؤمنين! إنّي مررت بوادي القرى ، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات ، فاستغفر له ، فقالعليه‌السلام «والله ما مات ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة ، صاحب لوائه حبيب بن عمار ـ حمار ـ».

فقام رجل آخر من تحت المنبر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا حبيب

١١٣٩

بن عمار ـ حمار ـ وإنّي لك شيعة ومحب ، فقال : أنت حبيب بن حمار ـ عمار ـ؟ قال : نعم ، فقال له ثانية : والله إنّك لحبيب بن حمار ـ عمار ـ؟ فقال : إي والله! قال : أما والله إنّك لحاملها ولتحملنّها ، ولتدخلنّ بها من هذا الباب». ـ وأشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة ـ قال ثابت : فو الله ما متّ حتى رأيت ابن زياد ، وقد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن عليعليه‌السلام ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته وحبيب ابن حمار ـ عمار ـ صاحب رايته ، فدخل بها من باب الفيل.]

إخبارهعليه‌السلام عن حكومة معاوية وظلمه للشيعة

وأنّ من يطالع نهج البلاغة يجد فيه عبارات كثيرة في إخبار عليّعليه‌السلام عن الملاحم والفتن وظهور بعض السلاطين وخروج صاحب الزنج واستيلائه على البصرة وهجوم المغول وچنگيز على بلاد الإسلام وحكومتهم بها وإخبارهعليه‌السلام عن سيرة بعض من يدّعون الخلافة وظلمهم الفضيع وعملهم الفجيع للناس عامّة وللشيعة خاصّة ، ولا سيما إذا راجعتم شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٢ / ٢٨٦ ـ ٢٩٦ وج ١٠ / ١٣ ـ ١٥ ط دار إحياء الكتب العربية ، وقد نقل في ج ٤ / ٥٤ من نفس الطبعة قال «ومن كلام لهعليه‌السلام لأصحابه : أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم ، مندحق البطن ، يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه. ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي ، فأمّا السبّ فسبّوني ، فإنّه لي زكاة ولكم نجاة ، وأمّا البراءة فلا تتبرّءوا منّي ، فإنّي ولدت على الفطرة ، وسبقت إلى الإيمان والهجرة».

١١٤٠

فصرّح ابن أبي الحديد وغيره من كبار علمائكم ممن شرح نهج البلاغة ، أنّهعليه‌السلام عنى بهذه الأوصاف معاوية عليه اللعنة ، فهو الذي لما غلب على الشيعة وأصحاب الإمام عليّعليه‌السلام أمرهم بسبّه ولعنه والتبرّي منه صلوات الله عليه وقتل من أبى منهم وامتنع مثل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

ولقد دامت هذه السنّة السيئة والبدعة المشئومة ثمانين سنة على المنابر والصلوات وفي خطب الجمعات.

إخبارهعليه‌السلام عن مقتل ذي الثدية

ومن إخبار الإمام عليعليه‌السلام بالمغيّبات ، خبر مقتل ذي الثدية في معركة النهروان وكان رأس الخوارج(١) . ولقد أخبرعليه‌السلام أيضا في حرب

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ / ٢٦٥ ، ط دار إحياء الكتب العربية ، تحت عنوان : أخبار الخوارج وفي الصحاح المتفق عليها أنّ رسول الله (ص) بينا هو يقسم قسما جاء رجل من بني تميم ، يدعى ذا الخويصرة ، فقال : اعدل يا محمد! فقال (ص) «قد عدلت. فقال له ثانية : اعدل يا محمد! فإنّك لم تعدل! فقال (ص) : ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل! ثم أخبر (ص) عنه وقال : فسيخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة وبعد ما وصفهم قال (ص) : آيتهم رجل أسود مخدج اليد ، إحدى يديه كأنّها ثدي امرأة».

وقال ابن أبي الحديد في صفحة ٢٧٧ من نفس الجزء : وروى العوّام بن حوشب عن أبيه ، عن جدّه يزيد بن رويم ، قال : قال عليّ عليه‌السلام «يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج ، أحدهم ذو الثدية».

١١٤١

النهروان وقال قبل أن تقع «لا يفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة». وكان كما أخبر ولقد روى هذا الخبر أكثر علمائكم وكبار أعلامكم وهو من عبارات نهج البلاغة. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٥ / ص ٣ ، ط دار إحياء التراث العربي / قال في ذيل العبارة وفي شرحها : هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة ، اشتهاره ونقل الناس كافّة له. وهو من معجزاته وأخباره المفصّلة عن الغيوب(١) .

__________________

فلمّا طحن القوم ورام استخراج ذي الثدية فاتبعه ، أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة ، وركب بغلة رسول الله (ص) وقال «اطرح على كلّ قتيل منهم قصبة». فلم أزل كذلك وأنا بين يديه ، وهو راكب خلفي والناس يتبعونه حتى بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه وإذا وجهه أربد ، وإذا هو يقول : والله ما كذبت ولا كذبت ، فإذا خرير ماء عند موضع دالية ، فقال : فتّش هذا ففتّشته ، فإذا قتيل قد صار في الماء ، وإذا رجله في يدي فجذبتها وقلت : هذه رجل انسان ، فنزل عن البغلة مسرعا ، فجذب الرجل الأخرى وجررناه حتى صار على التراب فإذا هو المخدج «ذو الثدية». فكبّر عليعليه‌السلام بأعلى صوته ، ثم سجد ، فكبّر الناس كلهم. «المترجم»

(١) أقول : وعقّب ابن أبي الحديد كلامه في شرح العبارة قائلا : والأخبار على قسمين :[أحدهما الأخبار المجملة ، ولا إعجاز فيها : نحو أن يقول الرجل لأصحابه : إنكم ستنصرون على هذه الفئة التي تلقونها غدا : فإن نصر جعل ذلك حجّة له عند أصحابه وسمّاها معجزة ، وإن لم ينصر ، قال لهم : تغيّرت نيّاتكم وشككتم في قولي ، فمنعكم الله نصره ، ونحو ذلك من القول ، ولأنّه قد جرت العادة أنّ الملوك والرؤساء يعدون أصحابهم بالظّفر والنصر ، ويمنّونهم الدّول ، فلا يدلّ وقوع ما يقع من ذلك على إخبار عن غيب يتضمّن إعجازا.

والقسم الثاني : في الأخبار المفصّلة عن الغيوب ، مثل هذا الخبر ، فإنّه لا يحتمل التلبيس ، لتقييده بالعدد المعيّن في أصحابه وفي الخوارج ، ووقوع الأمر بعد الحرب

١١٤٢

__________________

بموجبه ومن غير زيادة ولا نقصان ، وذلك الامر إلهيّ عرفه من جهة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعرفه رسول الله (ص) من جهة الله سبحانه. والقوّة البشريّة تقصر عن إدراك مثل هذا ، ولقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره.]

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٧ / ٤٧ ، ط دار إحياء الكتب العربية : تحت عنوان : فصل في ذكر أمور غيبيّة ، أخبر بها الإمام ثم تحققت قال [واعلم أنه عليه‌السلام قد أقسم في هذا الفصل بالله الذي نفسه بيده أنّهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة إلاّ أخبرهم به ، وأنّه ما صحّ من طائفة من الناس يهتدي بها مائة وتضلّ بها مائة إلاّ وهو مخبر لهم ـ ان سألوه ـ برعاتها وقائدها وسائقها ومواضع نزول ركابها وخيولها ، ومن يقتل منها قتلا ، ومن يموت منها موتا ، وهذه الدعوى ليست منه عليه‌السلام ادّعاء الربوبيّة ، ولا ادّعاء النبوّة ، ولكنه كان يقول : إنّ رسول الله (ص) أخبره بذلك. ولقد امتحنّا إخباره فوجدناه موافقا ، فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة ، كإخباره عن الضربة يضرب بها في رأسه فتخضب لحيته ، وإخباره عن قتل الحسين ـ ابنه ـ عليهما السّلام ، وما قاله في كربلاء حيث مرّ بها ، وإخباره بملك معاوية الأمر من بعده ، وإخباره عن الحجّاج ، وعن يوسف بن عمر ، وما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان ، وما قدمه إلى أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم ، وصلب من يصلب ، وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين وإخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لمّا شخص عليه‌السلام إلى البصرة لحرب أهلها ، وإخباره عن عبد الله بن الزبير ، وقوله فيه : «خبّ ضبّ ، يروم أمرا ولا يدركه ، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا ، وهو بعد مصلوب قريش» وكإخباره عن هلاك البصرة بالغرق ، وهلاكها تارة أخرى بالزّنج ، وكاخباره عن ظهور الرايات السّود من خراسان ، وتنصيصه على قوم من أهلها يعرفون ببني رزيق وهم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين وولده وإسحاق بن إبراهيم ،

١١٤٣

__________________

وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العباسيّة ، وكإخباره عن الأئمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان كالناصر والداعي وغيرهما ، وكإخباره عن مقتل النفس الزكيّة بالمدينة وقوله : إنّه يقتل عند أحجار الزيت ، وكقوله عن أخيه إبراهيم المقتول بباب حمزة ـ الصحيح باخمرى ـ : يقتل بعد أن يظهر ، ويقهر بعد أن يقهر ، وكإخباره عن قتلى وجّ ـ وأظن هم قتلى فخّ الذين استشهدوا في عهد الهادي العباسي ، وهم من أبناء الحسن المجتبى سبط رسول الله (ص) ـ وقوله فيهم «هم خير أهل الأرض».

وكإخباره عن المملكة العلويّة بالمغرب ، وتصريحه بذكر كتامة وهم الذين نصروا أبا عبد الله الداعي المعلّم ، وكقوله وهو يشير إلى أبي عبد الله المهدي «وهو أوّلهم ثم يظهر صاحب القيروان الغضّ البضّ ، ذو النسب المحض ، المنتجب من سلالة ذي البداء ، المسجّى بالرداء». وكان عبيد الله المهدي أبيض مترفا مشربا بحمرة : رخص البدن ، تار الأطراف. وذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد عليهما السّلام ، وهو المسجّى بالرداء لأنّ أباه أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام سجّاه بردائه لما مات ، وأدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته وتزول عنهم الشبهة في أمره.

وكإخباره عن بني بويه وقوله فيهم «ويخرج من ديلمان بنو الصيّاد». إشارة إليهم ، وكان أبوهم صيّاد السمك يصيد منه بيده ما يتقوّت هو وعياله بثمنه ، فأخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكا ثلاثة ، ونشر ذريّتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم.

وكقوله عليه‌السلام فيهم : ثم يستشري أمرهم حتى يملكوا الزّوراء ، ويخلعوا الخلفاء ، فقال قائل : فكم مدّتهم يا أمير المؤمنين؟ فقال : مائة أو تزيد قليلا.

فأمّا خلعهم للخلفاء فإنّ معز الدولة خلع المستكفي ، ورتّب عوضه المطيع ، وبهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة خلع الطائع ورتّب عوضه القادر ، وكانت مدة ملكهم كما أخبر عليه‌السلام .

وكإخباره عليه‌السلام لعبد الله بن العباس رحمه‌الله تعالى عن انتقال الأمر إلى أولاده «فإنّ

١١٤٤

أليس هذا إخبارا بالغيب والعلم بالمستقبل والأمور التي لم تقع بعد؟ ولو أنصفتم لعرفتم أنّ مقام الولاية الإلهية والخلافة الربّانيّة التي تجلّت في هذا العبد الصالح والوليّ الفالح يميّزه عن سائر الخلفاء ، أين الثرى من الثريّا؟ وأين مدّعي الخلافة ممن رفعه الله مقاما عليّا؟!

فإذا لم يكن الإمام عليّعليه‌السلام متصلا بالعالم الأعلى ومنبع العلم الربّاني والعلم اللّدنّي ، كيف أخبر عن المغيّبات وأخبر عن الحوادث التي تقع في المستقبل البعيد أو القريب مثل إخباره عن مقتل ميثم التمّار ـرحمه‌الله تعالى ـ وأخبر أنّ قاتله عبيد الله بن زياد وهو يصلبه على جذوع النخل ، وأخبر عن مقتل جويرية ورشيد الهجري وعمرو ابن الحمق الخزاعي على يد عمال معاوية وأعوانه ، وأخبر عن كيفيّة قتلهم واستشهادهم ، ولقد أخبر عن مقتل ولده الحسينعليه‌السلام واستشهاده مع أهل بيته وأنصاره في أرض كربلاء. وهذه الأخبار مذكورة في تاريخ الطبري ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ، ومقتل الحسين أو مناقب الخوارزمي

__________________

علي بن عبد الله لمّا ولد ، أخرجه أبوه عبد الله إلى عليّعليه‌السلام ، فأخذه وتفل في فيه وحنّكه بثمرة قد لاكها ، ودفعه إليه وقال : خذ إليك أبا الأملاك».

هكذا الرواية الصحيحة ، وهي التي ذكرها أبو العباس المبرّد في كتاب الكامل.

[وبعد نقل ابن أبي الحديد كل هذا الكلام قال] : وكم له من الإخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى ، مما لو أردنا باستقصائه لكرّسنا له كراريس كثيرة ، وكتب السّير تشتمل عليها مشروحة. انتهى كلام ابن أبي الحديد.]

«المترجم»

١١٤٥

وغيرهم ، فإنهم ذكروا هذه القضايا بالتفصيل.

إخبارهعليه‌السلام بأنّ ابن ملجم قاتله

لقد ذكر أكثر أعلامكم وكبار علمائكم منهم العلاّمة ابن الأثير في كتابه أسد الغابة : ج ٤ / ٢٥ ، قال : لمّا حضر عبد الرحمن بن ملجم المرادي عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنشد قائلا :

أنت المهيمن والمهذّب ذو النّدى

وابن الضراغم في الطراز الأوّل

الله خصّك يا وصيّ محمد

وحباك فضلا في الكتاب المنزل

إلى آخر أبياته. فعجب الحاضرون من طلاقة لسانه وفرط علاقته بالإمام عليّعليه‌السلام .

وذكر ابن حجر في الصواعق المحرقة ٨٠ ، ط الميمنية بمصر قال : وروي أنّ عليا جاءه ابن ملجم يستحمله فحمله ثم قالرضي‌الله‌عنه :

«أريد حياته ويريد قتلي

عذيري من خليلي من مرادي

ثم قال : هذا والله قاتلي.

فقيل له : ألا تقتله؟ فقال : فمن يقتلني». «انتهى».

فلا يقال : إذا كان يعلم أنّ ابن ملجم قاتله فلما ذا تركه ولم يحبسه؟!

لأنّه سلام الله عليه كان مأمورا بالظاهر ومقيّدا بالشرع ، فليس لحاكم أن يعاقب أحدا إلاّ إذا ارتكب جرما ، فلذا لمّا قال الأصحاب لعليّعليه‌السلام : إذا كنت تعلم أنّه قاتلك فاقتله. فقالعليه‌السلام : لا يجوز

١١٤٦

القصاص قبل الجناية.

يقول الكاتب الإنجليزي ـ كارليل ـ في كتابه الأبطال : إنّ علي بن أبي طالب قتل لعدله.]

اي إذا كان ظالما مثل كثير من الملوك والحكّام ، وما كان مقيّدا بالدين والقانون لقتل ابن ملجم ، كما يقتل الملوك كلّ من أساءوا الظنّ فيه حتى إذا كان المظنون أخوهم وابنهم أو أعزّ وأقرب الناس إليهم.

ولكنّ الامام عليّ سلام الله عليه هو الوحيد في التاريخ الذي كان يعرف قاتله ويعرّفه الناس ، ولا يقضي عليه وتركه حرّا وما حبسه ولا نفاه ، ولمّا ضربه ابن ملجم بسيفه أوصى وقال صلوات الله وسلامه عليه : انظروا إذا أنا قتلت من ضربته ، فاضربوه ضربة بضربة ، ولا تمثّلوا به ...!

ونستنتج من هذه الأخبار أنّ من ارتضاه الله تعالى ومنحه علم الغيب يلزم أن يكون معصوما عادلا ، وألاّ يقوم بالتعدّي والظلم استنادا على علمه ، قبل حدوث الجناية وقبل أن يقع شيء مما علمه ، وبذلك يبطل التقدير الإلهي ، وهذا محال. لذا جاء في رواية الصواعق المحرقة آنفا [أنّ علياعليه‌السلام لمّا قال : هذا والله قاتلي ـ وأشار إلى ابن ملجم ـ فقيل لهعليه‌السلام : ألا تقتله؟ فقالعليه‌السلام : فمن يقتلني؟]

فأسألكم أيها الحاضرون والمستمعون! أما تدلّ هذه الأخبار والروايات في كتب كبار علمائكم ، على علم الامام عليّعليه‌السلام بالمغيّبات وأنّه كان يمتاز عن سائر الناس وسائر الصحابة ، بهذه الميزة العظمى والفضيلة الكبرى؟

١١٤٧

يجب تقديم الأعلم والأفضل

فإنّ العقلاء في كل زمان ومكان لا يسمحون بتقديم الجاهل على العالم ولا يجوز عندهم متابعة الأفضل للمفضول بل يجب انقياد الجاهل للعالم والمفضول للفاضل.

وإنّ أفضليّة الإمام عليّعليه‌السلام وأعلميّته أمر ثابت لجميع الأمة من الصحابة والتابعين والمتقدمين والمتأخرين حتى أنّ ابن أبي الحديد في مقدّمته على شرح نهج البلاغة قال : الحمد لله الذي قدم المفضول على الأفضل.

وهذا التعبير والبيان يثير التعجّب في كل إنسان ولا سيّما من عالم مثل ابن أبي الحديد ، لأنّ فيه نسبة عمل خلاف العقل والحكمة إلى الله العليم الحكيم سبحانه وتعالى عما يصفون! فإنّ تقديم المفضول على الأفضل مخالف للحكمة والعقل ويأباه كل إنسان ذي فهم وإدراك فكيف بالله عزّ وجلّ؟ وهو يقول في كتابه الكريم :( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (١) ؟.

ويقول :( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) ؟.

والجدير بالذّكر أنّ ابن أبي الحديد صاحب التعبير الآنف يقول أيضا في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ص ٤ ، طبع مصر [أنّهعليه‌السلام أفضل البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحقّ بالخلافة من جميع المسلمين.]

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ٩.

(٢) سورة يونس ، الآية ٣٥.

١١٤٨

ولقد أمر النبي (ص) المسلمين أن يأخذوا العلم من عليّعليه‌السلام ويرجعوا إليه من بعده بقوله (ص) «ومن أراد العلم فعليه بالباب ، أو فليأت الباب».

فالذي أمر النبي (ص) الأمة أن يرجعوا إليه ويتعلّموا منه أحق بالخلافة والإمامة ، أم غيره؟!

الشيخ عبد السلام : إذا كان علي كرم الله وجهه هو المقدّم كما تزعمون ، لأنّه أعلم وأفضل الناس بعد رسول الله (ص) ، فلما ذا لم نجد نصّا من النبي (ص) يلزم فيه المسلمين على متابعة سيدنا عليّ كرم الله وجهه؟

قلت : لا أدري هل الشيخ عبد السلام ـ سلّمه الله ـ مبتلى بالنسيان أم يتناسى أحاديثنا السالفة في الليالي الماضية ، فإنّ أكثر الحاضرين يذكرون ، وكذلك الصحف والمجلاّت الناشرة للمحاورات السابقة موجودة والكل شاهد على أنّي ذكرت عشرات الأحاديث النبويّة الشريفة من كتبكم ومصادركم الموثوقة ، تتضمّن النصوص الخفيّة والجليّة في وجوب متابعة الإمام عليّعليه‌السلام وإطاعته وعدم مخالفته ، وبعد كل ذلك كأنّ الشيخ يفتح الموضوع من جديد ويرجع إلى بداية المناقشات فيطالب بالنصّ الصادر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجوب ولزوم متابعة الامام عليعليه‌السلام !!

ومع غضّ النظر عن المناقشات السالفة ، لو أردنا أن نعرف ما الذي ألزم الناس أن يتبعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ لكان الجواب : لأنّه كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم من الله ما لا يعلمون. فأسأل فضيلة الشيخ : هل علوم

١١٤٩

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت خاصّة لهداية البشر في زمان حياته المباركة ، أم كانت كذلك لجميع البشر إلى يوم القيامة؟

الشيخ عبد السلام : من الواضح أنّه كان هديا لجميع البشر إلى يوم القيامة.

قلت : بارك الله فيك فإذا لم يكن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّ نصّ في تعيين الخليفة والإمام إلاّ حديثه الشريف المتواتر : أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد العلم فليأت الباب ، لكفى في إثبات خلافة الإمام عليّعليه‌السلام وأنّه المعيّن بالنصّ الجليّ.

ولقد أجمع علماء الإسلام على أنّ علي بن أبي طالب كان أعلم الأمة وأعلم الصحابة لحديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي رواه جمع من كبار علمائكم وأعلام محدثيكم مثل أحمد في مسنده ، والخوارزمي في المناقب ، وأبي نعيم الحافظ في كتابه نزول القرآن في عليّ ، والعلاّمة القندوزي في ينابيع المودّة ، والعلاّمة الهمداني في مودّة القربى وحتى ابن حجر المتعصّب في صواعقه وغيرهم بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «أعلم أمتي علي بن أبي طالب فلا يقاس به أحد من الصحابة في العلم والفضيلة».

كما روى ابن المغازلي في المناقب ، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السّئول ، وشيخ الاسلام الحمويني في فرائد السمطين ، والعلاّمة القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر ، في غزارة علمهعليه‌السلام ، روى عن الكلبي عن عبد الله بن عباس قال [علم النبي (ص) من علم الله ، وعلم عليّ من علم النبي (ص) ، وعلمي من علم عليّعليه‌السلام ، وما علمي وعلم الصحابة في علم عليّ إلاّ

١١٥٠

كقطرة بحر في سبعة أبحر(١) .]

وقالعليه‌السلام في آخر الخطبة المرقمة ١٠٨ من نهج البلاغة «نحن شجرة النبوّة ومحطّ الرسالة ومختلف الملائكة ومعادن العلم وينابيع الحكم».

قال ابن أبي الحديد في شرحه ج ٧ / ٢١٩ ، ط دار إحياء الكتب العربية : فأما قوله [ومعادن العلم وينابيع الحكم : يعني الحكمة أو الحكم الشرعيّ ، فإنّه وإن عنى بها نفسه وذريّته ، فإنّ الأمر فيها ظاهر جدا ، قال رسول الله (ص) : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب ، وقال (ص) : أقضاكم عليّ. والقضاء أمر يستلزم علوما كثيرة ـ وبعد نقله روايات أخرى ـ يقول :

وبالجملة فحاله في العلم حال رفيعة جدا لم يلحقه أحد فيها ولا قاربه ، وحقّ له أن يصف نفسه بأنّه معادن العلم وينابيع الحكم ، فلا أحد أحقّ بها منه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ]. انتهى.

وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب : ج ٣ / ٣٨ ، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السّئول ، والقاضي الإيجي في المواقف ص ٢٧٦ عن النبي (ص) أنه قال «أقضاكم عليّ».

__________________

(١) وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة [ومن العلوم علم تفسير القرآن وعنه أخذ ومنه فرّع ، وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحّة ذلك لأنّ أكثره عنه وعن عبد الله بن عباس ، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له ، وانقطاعه إليه ، وأنّه تلميذه ، وقيل له : أين علمك من علم ابن عمك؟

فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط.]

«المترجم»

١١٥١

وأخرج السيوطي في تاريخ الخلفاء : ص ١١٥ ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء : ج ١ / ٦٥ ، ومحمد الجزري في أسنى المطالب : ص ١٤ ، وابن سعد في الطبقات ، وابن كثير في تاريخه ج ٧ / ٣٥٩ ، وابن عبد البر في الاستيعاب : ج ٤ / ٣٨ ، وابن حجر في صواعقه في الفصل الذي يذكر فيه ثناء الصحابة لعليعليه‌السلام ، وغيرهم أخرجوا عن عمر بن الخطاب أنه قال [عليّ أقضانا] ولقد نقل العلاّمة القندوزي الحنفي في كتاب ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر / عن كتاب الدرّ المنظم لابن طلحة الحلبي الشافعي قال : اعلم أنّ جميع أسرار الكتب السماويّة في القرآن وجميع ما في القرآن في الفاتحة وجميع ما في الفاتحة في البسملة وجميع ما في البسملة في باء البسملة وجميع ما في باء البسملة في النقطة التي هي تحت الباء ، وقال الإمام عليّ كرم الله وجهه «أنا النقطة التي تحت الباء». انتهى وأخرج العلاّمة القندوزي أيضا في الباب ، عن ابن عباس أنّه قال : أخذ بيدي الإمام عليّ ليلة مقمرة فخرج بي إلى البقيع بعد العشاء وقال «اقرأ يا عبد الله. فقرأت : بسم الله الرحمن الرحيم ، فتكلم لي في أسرار الباء إلى بزوغ الفجر».

وروى القندوزي في الباب عن الدّر المنظّم ، وروى الخوارزمي في المناقب ، وابن طلحة العدوي في المطالب : أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال «سلوني عن أسرار الغيوب فإنّي وارث علوم الأنبياء والمرسلين».

وروى القندوزي في الباب أيضا ، وأحمد في المسند ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة «أنّ علياعليه‌السلام قال على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن طرق السماوات فإنّي أعلم بها من طرق الأرض».

١١٥٢

لا يخفى أنّ هذا الكلام منهعليه‌السلام ـ ولا سيما في ذلك الزمان الذي ما كان البشر بعد يتصوّر ويفكّر في طرق السماوات ، ولا كان يعقل ويصدّق بأن للسماوات طرقا كطرق الأرض ـ أكبر دليل على أنّ علمه كان لدنيّا ونازلا إليه من ربّ السماء بواسطة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والجدير بالذكر ، أنّهم لما سألوه عن الكرات السماويّة والأسرار الفلكيّة ، أجابهم بموجب الاكتشافات العلميّة الحديثة وعلى خلاف ما كانوا يعتقدون آنذاك من نظريّة بطلميوس وغيرها.

جوابهعليه‌السلام عن الكرات السماوية

روى العالم الفاضل والمحدّث الجليل الثقة العدل الشيخ علي بن إبراهيم القمي ـ من أعلام القرن الثالث الهجري ـ في كتابه المعروف بتفسير القمي. ضمن تفسيره سورة الصافّات ، وكذلك العلاّمة اللغوي والعالم الديني الورع الزاهد التقي فخر الدين الطريحي في كتابه مجمع البحرين ، وكان يعيش قبل ثلاثمائة سنة تقريبا ، روى في مادة كوكب.

وروى العلاّمة الجليل والمحدّث النبيل المولى محمد باقر المجلسيرحمه‌الله في بحار الأنوار مجلّد السماء والعالم ، قالوا بأنّهعليه‌السلام سئل عن الكواكب في السماء فقال في جوابهم «هذه الكواكب مدائن مثل المدائن التي في الأرض. تربطها أعمدة من نور».

هذا الكلام ـ في ذلك الزمان الذي ما كانت فيه هذه الوسائل والآلات الكاشفة للكرات والسّيّارات الفلكيّة ـ يعدّ من المعاجز العلميّة التي تدلّ على أنّ قائلها إنّما كان يستوحي علمه من السماء ومن الخالق

١١٥٣

العظيم. لأنّ هذا الكلام على خلاف ما كان يعتقده العلماء والفلكيّون في ذلك العصر. وبعد مضيّ أكثر من ألف سنّة انكشف صحة كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام . ولقد كان لأولاده الأئمة المعصومين سلام الله عليهم كلام من هذا القبيل أيضا وهو كثير وقد جمعه أحد علمائنا الكبار في كتاب سمّاه ـ الهيئة والإسلام ـ.

حديث مع المستشرق الفرنسي مسيو جوئن

من المناسب أن أحدّثكم بحديث حدث في سفري هذا من العراق إلى بلادكم وهو : أنّي لمّا ركبت السفينة والباخرة من ميناء البصرة وتوجّهت إلى الهند ، صادف أن رافقني في الغرفة التي كنت فيها المستشرق الفرنسي مسيو جوئن وكان يجيد العربية والفارسية الى جانب لغته الفرنسية فتصادقنا مدّة سفرنا الذي طال أيّاما كثيرة وكنت وإيّاه في طول الطريق نتحادث عن الأمور العلميّة والدينية وكنت مهتما بإرشاد الرجل إلى الإسلام من خلال حديثي عن اعتقاداتنا الحقة وتعاليم ديننا السامية الواصلة إلينا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته وعترته والتي تشكّل مذهب الشيعة الإمامية.

وفي يوم من الأيّام أقرّ الرجل وقال : إنّي أعترف بأنّ دين الاسلام يشتمل على تعاليم سامية ، وعقائد عالية ، ومعنويات عظيمة ، بحيث لا توجد مثلها في سائر الأديان وحتى المسيحية ولكنّ أتباع الديانة المسيحية توصّلوا في الاكتشافات العلميّة والاختراعات الصناعيّة.

وتقدّموا في الأمور الماديّة إلى أبعد الغايات وسبقوا المسلمين وأتباع الديانات الأخرى في توفير وسائل الراحة والسعادة في الحياة.

١١٥٤

قلت له : كلامك صحيح ولا ننكر ذلك ، ولكن أساس هذه العلوم التي أدّت إلى تلك الاكتشافات العلميّة والاختراعات الصناعية بيد الغربيين كان منبعها وأساسها من الإسلام والمسلمين ، والتاريخ يشهد بأنّ الغربيين إلى القرن الثامن الميلادي كانوا يعيشون في بربريّة وهمجيّة ، في حين كان المسلمون يحملون راية العلم وكانوا آنذاك دعاة التمدّن والتقدّم والصلاح. كما يعترف بذلك كبار أعلامكم مثل ارنست رنان الفرنسي ، وكارليل الإنجليزي ، وندرمال الألماني وغيرهم.

وقبل أيّام وجدت كتابا عند أحد زملائي الكرام وهو النواب محمد حسين خان قزلباش ، من شخصيات الهند ، يقيم في كربلاء والكاظمية ، ناولني ذلك الكتاب وقال إنّه كتاب قيّم كتبه أحد المستشرقين الفرنسيين وترجمه من الفرنسيّة إلى الهنديّة السيد الفاضل والعالم الكامل السيد علي بلجرامي الهندي ، واسمه : تاريخ تمدّن العرب لمؤلفه جوستاف لوبون الحائز على شهادات الدكتوراه في الطب والحقوق والاقتصاد.

قال النوّاب محمد حسين خان : ولقد أثبت فيه المؤلف بالدلائل والبراهين بأنّ كل ما عند الغربيين من العلم والتمدّن والصناعات وحتى التعاليم الأخلاقيّة وآداب المعاشرة والإدارة وسياسة البلاد وتدبير الجيوش والعساكر والمهام الاجتماعيّة والفرديّة وغيرها ، إنما اكتسبوها وتعلّموها من العرب ، فإنّ العرب سبقوا كل الشعوب والملل إلى هذه لأمور الحسنة.

ومن الواضح أنّ المقصود من العرب ، هم المسلمون لأنّ العرب قبل ظهور الإسلام ، كانوا يعيشون في جاهلية وبربريّة بحيث سمّاهم

١١٥٥

المؤرّخون بعرب الجاهليّة ولكنّهم بفضل الاسلام أصبحوا روّاد العلم والتمدّن والصلاح والنظام في العالم.

فقال المسيو جوئن : نعم إنّي طالعت وقرأت هذا الكتاب في باريس.

فانّ المؤلف الدكتور جوستاف لوبون زميلي ولقد أهدى لي كتابه بيده ، وهو كتاب علمي تحقيقي تاريخي استدلالي.

مقال جوستاف لوبون في تأثر الغرب بالتمدن الإسلامي

ولقد ترجم لي الأستاذ صادق خان قزلباش وهو يسكن مدينة الكاظمية أيضا. بعض أوراق ذلك الكتاب ، منها الفصل الثاني من الباب العاشر تحت عنوان : تأثير الغرب بالتمدن الإسلامي ، وأنا أشكره كثيرا. وأقدّم إليكم هذا المقال بالمناسبة يقول جوستاف لوبون : إنّ أثر التمدن الإسلامي في الغرب لا يقلّ عن الأثر الذي أوجده في الشرق ، وبالإسلام تمدّنت أوربا. وإذا أردنا أن نعرف مدى هذا التأثير ، يلزم أن نطالع تاريخ أوربا قبل ظهور الإسلام.

ففي القرن التاسع والعاشر الميلادي أي في الزمن الذي وصل التمدّن الإسلامي إلى القمّة في بلاد إسپانيا ـ الأندلس سابقا ـ وحصل التقدّم العلمي والحضاري والاجتماعي والتجاري في تأسيس مراكز ، لم يكن في كل بلاد الغرب مركز واحد للعلم والحضارة ، أو تعليم الآداب الاجتماعيّة والتجاريّة. وكان كلّ شيء منحصرا في الكنائس وفي يد القساوسة والرهبان الجاهلين الذين كانوا يدّعون العلم والمعرفة ويجبرون الناس على الالتزام والتمسّك بالانحرافات والخزعبلات التي

١١٥٦

كانوا ينسبونها إلى الدين!

ومن القرن الثاني عشر الميلادي توجّه بعض الغربيين إلى الأندلس ودخلوا المراكز العلميّة التي أسسها المسلمون هناك وتلمّذوا عند العلماء المسلمين ، وأصبحوا علماء فاهمين وعادوا إلى بلاد أوربا ، وعملوا لإنقاذ شعوبهم من جهل القساوسة والخرافات المنتسبة إلى الدين.

فكل علماء العالم يجب أن يعرفوا حق المسلمين وتأثير التعاليم الإسلاميّة في انتشار العلم وترغيب الناس في تحصيل العلوم ، ولا سيما علمائنا في الغرب يجب أن يعرفوا أنّ للمسلمين حق الحياة عليهم ، ولو سمّينا تمدّن الغرب بتمدّن الإسلام والعرب كان صحيحا.

هذا رأي أحد المستشرقين وأحد علمائكم المحققين ، وأنت مثل كثير من الأوربيين تفتخر وتتباها بالاكتشافات والاختراعات الحديثة في الغرب وتنسون ذلك الماضي المظلم ولا تتفكّرون في النور الذي أزاح عنكم ذلك الجهل والظلام المطبق والنور هو نور الاسلام والعلم الذي أوصلكم بفضل الإسلام ولو طالعتم وقرأتم تاريخ الجزيرة العربيّة قبل الإسلام أيضا ، لرأيتهم أسوأ حالا من الغربي آنذاك ، فلا علم ولا نظام ولا دولة ولا قانون و...

ولمّا جاءهم الإسلام ، فبفضل خاتم الأنبياء والتعاليم السامية التي جاء بها من عند الله عزّ وجلّ صارت الجزيرة من أرقى بلاد العالم ، وانطلق منها المسلمون ينشرون تلك التعاليم الراقية والأحكام العالية ، في حين كانت پاريس التي هي اليوم مهد التمدّن والحضارة الحديثة ، كانت يوم ذاك تعاني من البربرية والوحشية الحاكمة بين أهلها بكل

١١٥٧

ضراوة وقساوة.

قلت لمسيو جوئن : إنكم تعلمون أنّ أوربا في القرن السابع والثامن الميلادي في عهد الإمبراطور شارلمان ملك فرنسا ، حصلت على شيء من النظام والتقدّم الحضاري والاجتماعي ولكن لا تقاس مع البلاد الاسلامية حينذاك ، ولقد كانت الروابط والعلاقات الدبلوماسيّة حسنة بين شارلمان وبين هارون الرشيد ولتوثيق العلاقات تبودلت بينهما هدايا وتحف ، بدأ بها الإمبراطور شارلمان وأجابه هارون بإرسال جملة من الهدايا مثل المجوهرات الثمينة والملابس الفاخرة التي كانت من صنع وحياكة المسلمين ، وكان منها فيل كبير لم ير الأوربيون مثله في بلادهم ، وبعث ساعة كبيرة صنعها المسلمون العرب وكانت تبيّن ساعات الليل والنهار بدقّات منظّمة رنّانة بصوت يحدث على أثر سقوط أثقال حديدية في طاسة كبيرة برنزية وقد نصبها الفرنسيّون على المدخل الرئيسي لعمارة الحكومة والتي كان الامبراطور يسكنها ، هذا ما أثبته ونقله الدكتور جوستاف لوبون في كتابه ونقله أيضا غيره من المستشرقين والعلماء الغربيين. وإن أحببتم أن تعرفوا التمدنين الإسلامي والغربي في ذلك الزمان فراجعوا تواريخكم وطالعوا قضيّة إرسال هدايا الرشيد إلى الإمبراطور شارلمان وتلك الساعة التي تعدّ أول ساعة من نوعها في أوربا ، والجدير بالذكر أن المؤرخين الغربيين يكتبون أنّه لما نصبت هذه الساعة على المدخل الرئيسي لبيت الإمبراطور ، اجتمع الناس ينظرون إليها متعجبين فلمّا رأوا حركات المؤشّرات وسمعوا تلك الدقّات الرنّانة التي كانت تحدث على أثر سقوط كريّات حديديّة في الطاسة البرنزية ، قالوا فيما بينهم إنّ

١١٥٨

الشيطان الذي كان الرهبان والقساوسة يحذّروننا منها وأنّها أكبر عدوّ للإنسان قد اختفى في هذا الشيء وهو الذي يحرّك المؤشّرات ويلقى الكريّات في الطاسة ، فأخذوا المعاول والفئوس وهجموا نحو دار الحكومة وبيت الإمبراطور ، فلما عرف الملك كلامهم وعرف أنّ مقصدهم هدم الساعة وتحطيمها دخل معهم من باب المفاوضة والتفاهم ، فاختاروا من بينهم كبارهم فصعدوا عند الساعة ونظروا إلى كيفية عملها ومحرّكاتها ، وفتّشوها فلم يجدوا فيها غير قطعات خشبية وحديدية وبرنزيّة ، فتنازلوا عن رأيهم واعتذروا إلى الإمبراطور!!

فالمسلمون كانوا متقدمين وسابقين على الغربيين في هذه العلوم والفنون والصناعات والاكتشافات بل هم المؤسسون لأكثر هذه الأشياء والعلوم والفنون إلاّ أنّهم تكاسلوا بعد حين واغترّوا فسبقهم الغربيون وتقدّموا عليهم بما تعلّموه منهم.

ثم إنّ تقدّم الغربيين لا يرتبط بالسيد المسيحعليه‌السلام وبدينه حتى تقولوا بأن أتباع المسيح تقدّموا على المسلمين ، فإذا كان هذا الكلام صحيحا ، فلما ذا عاش أتباع المسيحعليه‌السلام في وحشيّة وبربريّة وجاهلية جهلاء قريب الألف عام بعد صلب السيد المسيح على حدّ زعمكم ولم يتحوّلوا ولم ينتظموا ولم يتأدّبوا بالآداب ولم يتقيّدوا بالقانون والأحكام إلاّ بعد انتشار الإسلام في العالم

وقد طال الحديث حول الموضوع في ذلك.

الإمام عليعليه‌السلام والاكتشافات الحديثة

ثم قلت له : أنّ الفرق بين أئمة الإسلام وبين علماء العالم غير

١١٥٩

الأنبياء ، أنّ العلماء توصّلوا إلى ما توصّلوا من الاكتشافات بالأسباب والوسائل ، ولكنّ أئمتنا كشفوا عن كثير من الأسرار بغير وسائل وآلات. ثم قرأت عليه بعض الأخبار المرويّة عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام في تعريف وتوصيف بعض الحشرات الصغيرة التي لا ترى بالعين المجرّدة ، وقد وصفوها في زمن لم تكن المكرسكوبات وأمثالها مخترعة بعد واليوم بعد مضيّ أكثر من ألف سنّة توصّل علماؤكم الغربيّون إلى تلك الأوصاف بالآلات الحديثة والأجهزة الدقيقة. وكذلك كلامهمعليهم‌السلام في الكرات السماويّة والسيّارات الفلكية ، فأنتم اليوم تتباهون وتفتخرون ببعض مكتشفاتكم الفلكيّة والمجرّات والأقمار والسيّارات الفضائيّة وقد توصّلتم إليها بالأجهزة الاكتشافية والآلات العظيمة بينما توصّل إليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام بدون أجهزة وآلات ، ومثال ذلك أنّه لمّا سئل عن الكواكب والنجوم ، قال : «إنها مدائن مثل المدائن التي في الأرض». فلمّا قرأت عليه هذا الخبر ـ أطرق مسيو جوئن إلى الأرض متفكرا ـ.

ثم قال : أرجوك أن تذكر لي الكتب التي نقلت هذا الخبر قبل اختراع التلسكوب والاكتشافات الحديثة.

فذكرت له أسماء المصادر القديمة فسجّلها وكتب نصّ الخبر ، وقال : أنا الآن في طريقي إلى باريس وسأنزل في لندن وأراجع مكتباتها العامّة لغرض الحصول على هذه المصادر التي سجّلتها. وإن لم أجد هذه المصادر في لندن فسوف أفتّش عنها في باريس وفي سائر بلاد أوربا ، فإذا كان الخبر كما نقلتم وذكرتم في تلك المصادر القديمة ـ التي كتبت قبل اختراع هذه الآلات والأجهزة ـ عن الكرات السماوية

١١٦٠

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205