ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242421 / تحميل: 4170
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

وفي ترجمة محمّد بن أورمه ما يقويه ، لاسيَّما أنه صنف كتاباً في ّالرد على الغُلاة ، وورد عن الهاديعليه‌السلام : «أنّه برئ ممَّا قذف به ، ومع ذلك كانوا يرمونه بالغلوّ»(١) .

رجال الشيخ الطوسي بعد فهرسته

وتوثيق الشيخ له في (رجاله) لا يعارضه تضعيفه في (الفهرست) ، فإنّ تصنيف الرجال مؤخّر عن (الفهرست) ، فيكون التوثيق فيه دليلاً على إعراضه عمّا في (الفهرست) فيحكم بموثقية حديثه ، بناءً على أنّ التعارض بين التوثيق المذكور وبين ما ذكره الغضائري من تعارض العموم والخصوص مطلقاً ؛ إذ لفظ (ثقة) ظاهر في كون الرجل : إمامياً عادلاً ضابطاً ، فعند التعارض بالتصريح على فساد العقيدة يحمل على أن المراد : الموثَّقية ، مع أنَّ الَّذي يظهر من تتبُّع الأخبار الصادرة عن سهل انتفاء الغلوّ عنه ، ولعلَّ نسبة الغلوّ إليه وإلى أضرابه من قبيل ما قيل : من أنَّ الظاهر من القدماء ـ لاسيَّما القمييّن منهم ـ أنّهم كانوا يعتقدون للأئمة منزلة خاصة ، وكانوا يعدون التعدّي عنها ارتفاعاً وغلواً ، مع أنَّ ما سمعته من النجاشي في ترجمته من أنّ له كتاب (التوحيد)(٢) ينافي المصير إلى الغلوّ بالمعنى المردود ، مع أن الظاهر منه : أن نسبته إلى الغلوّ وأمثاله من فساد العقيدة غير محقّقة عنده ، بل من حيث ذكره ابن عیسی.

__________________

(١) رجال النجاشی : ٣٢٩ رقم ۸۹١.

(٢) رجال النجاشي : ١۸٥ رقم ٤۹۰.

٤٤١

وممّا يدل على مدحه أيضاً : أنَّه ممَّن كاتب العسكريعليه‌السلام لاسيَّما على يد محمّد بن عبد الحميد الَّذي وثَّقه النجاشي(١) ، والعلَّامة(٢) ، وأنه يروي عن ثلاثة من الأئمة : الجوادعليه‌السلام ، والهاديعليه‌السلام ، والعسكريعليه‌السلام ، كما في رجال الشيخرحمه‌الله (٣) .

وقال جدّي بحر العلومرحمه‌الله : (وأمّا سهل ، فقد اشتهر ضعفه ، ولا يخلو من نظر ؛ لتوثيق الشيخ ، ولكونه كثير الرواية جداً ، وعندهم أن ذلك من علامات الوثاقة ، بل من أدلَّتها ، ولأن رواياته سديدة مقبولة مفتى بها ، ولرواية الأجلاء عنه ، ولعدم تأمُّل المفيد فيه ؛ حيث ذكر في رسالة الردّ على الصدوق حديثاً دالّاً على مطلوب الصدوق رحمه‌الله وسهل في سنده ، وطعن عليه بوجوه كثيرة ، وبذل جهده في الطعن على ذلك ، وتشبَّث في طرحه وأنه لا أصل له بما أمكنه ، ولم يقدح في سهل بن زیاد. ولكونه من مشايخ الإجازة وهو دليل الوثاقة ) ، انتهى(٤) .

ما يدل على وثاقة الراوي

قلت : وكأنّه يشيررحمه‌الله بقوله : ولكونه كثير الرواية. إلى ما دلَّت عليه جملة من النصوص : «إعرفوا منازل الرجال منّا على قدر رواياتهم عنّا »(٥) .

وفي آخر : «اعرفوا منازل الناس على قدر رواياتهم عنّا »(٦) .

__________________

(١) رجال النجاشي : ١۸٥ رقم ٤٩٠ ، ووثاقته لمحمّد بن عبد الحميد في ٣٣۹ رقم ٩٠٦.

(٢) خلاصة الأقوال : ٢٥٧ رقم ۸٤.

(٣) رجال الطوسی : ٣٧٥ رقم ٥٥٥٦ / ١ ، ٣٨٧ رقم ٥٦٩٩ / ٤ ، ٣٩٩ رقم ٥٨٥١ / ٢.

(٤) الفوائد الرجالية ٣ : ٢١.

(٥) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤۹ ح ٣٣٤٥٢ / ٣٧ والمؤلفرحمه‌الله ذكره بالمعنى وما أثبتناه من المصادر الحديثية.

(٦) وسائل الشيعة ٢٧ : ٧۹ ح ٣٣٢٥٢ / ٧ والمؤلفرحمه‌الله ذكره بالمعنی وما أثبتناه من المصادر الحديثية.

٤٤٢

وممّا يدل على أن شيخية الإجازة دليل على الوثاقة كلام المجلسيرحمه‌الله في (الوجيزة) ، فإنّه بعد أن ضعّفَ سهل بن زياد المذكور ، قال : (وعندي لا يضرُّ ضعفه ؛ لكونه من مشايخ الإجازة) ، انتهى(١) .

فبعد ما سمعت كلماتهم الدالّة بعضها على القدح والآخر على المدح ، لا يبعد القول بتوثيقه ، ووثاقة أخباره بالمعنى الأعم.

جعفر بن محمّد الأشعري

وأمّا جعفر بن محمّد الأشعري فهو : جعفر بن محمّد بن عبد الله الَّذي يروي عن ابن القدّاح كثيراً ـ كما في السند أيضاً ـ أو هو جعفر بن محمّد بن عیسی [الأشعري] أخو أحمد(٢) .

وفي التعليقة : (الراجح هو الأول ، وروى عنه محمّد بن [أحمد بن] يحيى ولم تستثن رواياته من رجاله ، وفيه دليل على ارتضائه ، وحسن حاله ، بل مُشعر بوثاقتهـ كما أشرنا إليه في الفوائد ـ مضافاً إلى كونه كثير الرواية وأنهم أكثروا من الرواية عنه) ، انتهى(٣) .

[ ۹٢] ـ قالرحمه‌الله : «وعن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن عبد الله بن میمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ».

__________________

(١) الوجيزة في علم الرجال : ٩١ رقم ۸۸٣.

(٢) منهج المقال : ۸٤ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) تعليقة على منهج المقال للبهبهاني : ١۰۸.

٤٤٣

محمّد بن يحيى العطار

أقول : أما محمّد بن يحيى فهو : أبو جعفر العطّار القمِّي ، الثقة ، الجليل القدر ، المشهور ، شيخ أصحابنا في زمانه ، ثقة ، عين ، كثير الحديث ، وذكر النجاشي له كتباً منها : كتاب (مقتل الحسينعليه‌السلام ) ، وكتاب (النوادر)(١) .

وقال الطريحي في (درایته) : (ويعرف أنه أبو جعفر العطّار الثقة برواية الكليني عنه ، ورواية ابنه أحمد عنه )(٢) .

أحمد بن محمّد بن عيسى

وأمّا أحمد بن محمّد فهو : أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر الأشعري ، من بني ذُخْران بالذال المعجمة المضمومة والخاء المعجمة الساكنة ، والألف والنون بعد الراء ، وما في (الإيضاح) من أنّه : بالراء والنون بعد الألف اشتباه بین ابن عوف بن الجُماهر بضم الجيم والراء بعد الهاء(٣) وابن الأشعر ، يكنّى أبا جعفر.

قال النجاشي : (أوّل من سكن (قم) من آبائه سعد بن مالك بن الأحوص ، وكان السائب بن مالك وفد إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأسلم ، وهاجر إلى الكوفة ، وأقام بها.

وأبو جعفررحمه‌الله شيخ القميين ، ووجههم ، وفقيههم ، غير مدافع ، لقي الرِّضاعليه‌السلام ، وله كتب ، ولقي أبا جعفر الثانيعليه‌السلام ، وأبا الحسن العسكري ، انتهى ما في النجاشي ملخَّصاً)(٤) .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٥٣ رقم ٩٤٦.

(٢) جامع المقال : ١٢۹.

(٣) إيضاح الاشتباه : ۹۹ رقم ٥٧.

(٤) رجال النجاشي : ۸١ رقم ١۹۸.

٤٤٤

وفي (خلاصة الأقوال) : (أنّه كان ثقة ، وله كتب ذكرناها في الكتاب الكبير)(١) .

وبالجملة : فوثاقته متَّفق عليها بين الفقهاء وعلماء الرجال من غير تأمّل غميزة.

وفي المشتركات : (يعرف ابن محمّد بن عیسی بوقوعه في وسط السند ، ويروي عنه أحمد بن علي بن أبان ومحمّد بن يحيى العطار إلخ )(٢) .

واعلم : إنّا حيث التزمنا أن نذكر في شرحنا هذا ترجمة الرواة الواقعين في سلسلة سند كل رواية تعرّض لها المصنِّفرحمه‌الله ، ومن المعلوم أنّ سلسلة الرواية تنتهي إلى أحد الأئمّة الغرر والأوصياء الاثني عشر ، فلم نستجز إهمال ذكرهم ، وعدم القيام بواجب حقّهم ، وأداء مفروض خدمتهم ، فلا جرم أن أنهينا الكلام في ذلك إلى اثني عشر مقاماً :

__________________

(١) خلاصة الأقوال : ٦١ رقم ٢.

(٢) هداية المحدثین : ١٧٤.

٤٤٥
٤٤٦

المقام الأول

في أمير المؤمنينعليه‌السلام

علي بن أبي طالبعليه‌السلام ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، ولد بمكّة المشرّفة في وسط الكعبة ، يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من رجب ، سنة ثلاثين من عام الفيل على ما نقله جلّ أصحاب التاريخ. والمشهور ما بين الخاصة والعامّة أنّه ولد بين العمودين على البلاطة الحمراء(١) .

قال الصدوقرحمه‌الله : (ومن صلّى في الكعبة صلّى إلى أيِّ جوانبها شاء ، وأفضل ذلك أن يقف بين العمودين على البلاطة الحمراء ، ويستقبل الركن الَّذي فيه الحجر الأسود )(٢) .

وممَّن صرّح به صاحب (عمدة الطالب) ، وابن الصبّاغ ، ورواه الفقيه الشافعي المعروف بابن المغازلي في (المناقب)(٣) .

و [ذكره] علي بن [محمّد بن] أحمد المكّي في (الفصول المهمة) نقلاً عن کتاب (المناقب) لابن المغازلي(٤) .(٥)

__________________

(١) جمع أقوال أصحاب التواريخ في ذلك العلّامة الأمينيرحمه‌الله في كتابه الغدير ج ٦ ص ٢١ ـ ٣۹ ، وأفرد لها العلّامة الشيخ محمّد علي الأوردبادیرحمه‌الله كتاباً أسماه (علي وليد الكعبة) ، طبع عدّة طبعات أولها سنة ١٣٨٠ هـ واستدرك عليه شاکر شبع في مجلة تراثنا ع ٢٦ ص ١١ ـ ٤٣ ، فليراجع. (٢) من لا یحضره الفقیه ١ : ٢٧٤.

(٣) عمدة الطالب : ٥۸ ، الفصول المهمة ١ : ١٧١ ، المناقب لابن المغازلي : ٥۸ ح ٣.

(٤) في الأصل ، وفي المصدر ـ الفصول المهمة ـ المطبوع في دار الأضواء سنة ١٤۰۹ هـ ، وكذا المطبوع سنة ١٤٢٢ هـ بتحقیق سامي الغريري : (لأبي العالي) ، وهي مصحفة عمّا أثبتناه في المتن ، فلا حظ.

(٥) الفصول المهمة ١ : ١٧٣.

٤٤٧

[و]قال : (ولم يولد بالبيت الحرام قبله أحد سواه ، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها ؛ إجلالاً له ، وإعلاءً لمرتبته ، وإظهاراً لمكرمته (١) (٢) .

[أحوال والديه عليه وعليهما‌السلام ]

مات أبوه أبو طالب لأربع بقين من رجب السنة العاشرة من البعثة ، وأيو طالب اسمه (عبد مناف) ، كما في رواية الصدوق في معاني الأخبار)(٣) .

وقيل : اسمه عمران ، كما في بعض زيارات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المرويّة في (البحار) بعد قول الزائر : (السلام على اُمَّك آمنة بنت وهب ، السلام على عمّك عمران أبي طالب )(١) .

والأوّل أصح.

واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، مربّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوّل من هاجرت مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من النساء من مكّة إلى المدينة تمشي على قدميها. وهي التي بشّرت زوجها أبا طالب برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لها أبو طالب : (يكون

__________________

(١) في المصدر : (لمكرمته).

(٢) الفصول المهمة ١ : ١٧٢ ، وما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعنی.

(٣) معاني الأخبار : ١٢١ ، وقد كتب في إيمان أبي طالبعليه‌السلام وسيرته عدّة من علمائنا الأعلام وقد استوفوا فيما كتبوا أقوال العامة والخاصة وأشهرها كتاب (الحجّة على الذاهب في إيمان أبي طالب) للسيّد فخار بن معد الموسوي المتوفّی ٦٣۰ هـ ، فليراجع.

(٤) بحار الأنوار ۹٧ : ١۸۹.

٤٤٨

لك ولد من بعد ثلاثين سنة يشبه هذا المولود في جميع أطواره وأخلاقه )(١) ، وهذه من كرامات أبي طالب(٢) .

[كُناه وألقابه وفضلهعليه‌السلام ]

وكنيته المشهورة : أبو الحسن ، وأبو تراب(٣) .

ولقبه : المرتضی ، وأمير المؤمنين(٤) .

كان هو الإمام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحقّ ، وأفضل أهل العالم ، والغوث الأعظم ، وخليفة الله ، ووارث علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يفارقه في مشاهده وغزواته كلّها إلّا في غزوة تبوك خلّفه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة ، وقال فيه : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي »(٥) .

وقال فيه أيضاً : «عليٌّ منّي وأنا منه »(٦) .

وقالت : «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها »(٧) .

__________________

(١) الحديث رواه الصدوق بإسناده عن ابن مسكان في معاني الأخبار ص ٤٠٣ ح ٦٨ ونصّه : «قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إن فاطمة بنت أسد ـ رحمها الله ـ جاءت إلى أبي طالب تبشره بمولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لها أبو طالب : اصبري لي سبتاً آتيك بمثله إلا النبوة ، فقال : السبت ثلاثون سنة ، وكان بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام ثلاثون سنة».

(٢) ينظر ترجمتها في : سفينة البحار ٢ : ٣٧٥ باب (فطم) ، تنقیح المقال ٣ : ۸١ ، وعن أحوال والديهعليهما‌السلام بحار الأنوار ٣٥ : ٦۸ ـ ١۸٣ باب ٣ ففيه مجمل أحوالهما.

(٣) ينظر : تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ١٥.

(٤) ينظر : الغيبة للطوسي : ١٥۰ح ١١١.

(٥) ينظر : صحيح مسلم ٧ : ١٢۰ ـ ١٢١ ، فضائل الصحابة : ١٣ ، سنن الترمذي ٥ : ٣۰٢ ـ ٣۰٤ ، وغيرها من المصادر.

(٦) ينظر : مسند أحمد ٤ : ١٦٤ ، شرح الأخبار ١ : ۹٣ ، الخصال : ٤٩٦ ح ٥ ، وغيرها من المصادر.

(٧) ينظر : الغدير ٦ : ٦١ ـ ٨١ فإنّ مؤلِّفهرحمه‌الله أورد للحديث مائة وخمسين طريقاً.

٤٤٩

تخصيصه بتكرُّم الوجه

وفي ریحانة الألبا : (أنّ الدعاء بـ(كرّم الله وجهه) مختصٌّ بأمير المؤمنین علی بن أبي طالب ، كرَّم الله وجهه في لسان الناس ؛ لأنه أسلم صبياً ولم يسجدُ لغير الله.

قال : وقد روت الشيعة فيه أثراً ، وهو أنّ اُمّه وهي حاملة به ، كانت إذا جاءت الصنم أحسّت بتحويل وجهه عنه في بطنها. ولم نر فيه نقلاً لغيرهم(١) ) ، انتهى(٢) .

الجفر والجامعة من مؤلفاتهعليه‌السلام

وكان المسلمون قاطبة في المسائل المشكلة يقتبسون من مشكاة أنواره ، وقد جُمِعَ من كلمات حكمته وآياته ما يشبه كتاب الله العزيز ، کنهج البلاغة(٣) وکتاب الوصایا(٤) ، وكتاب نثر اللآلي(٥) الَّذي جمعه الحسن بن بشر الآمدي ، ودیوان شعره الَّذي قد شرحه جملة من الأكابر من العامّة والخاصة. وفي جملة

__________________

(١) روى هذا الحديث أحمد بن منصور الكازروني في كتابه مفتاح الفتوح المؤلّف سنة ٧۰٧ هـ (مخطوط) [ينظر : نفحات الأزهار ١۰ : ١٧۹) ، وتبعه الشبلنجی في نور الأبصار ص ٧٦ وهما من علماء الجماعة ، ونسبة روايته إلى الشيعة افتراء محض ، وهم براء من هذا القول ، وهذه كتبهم تشهد بذلك فهي في كتبهم مربية الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله والموصوفة بلسانه بالأم ، وهي أجل من أن تسجد لصنم ، وما هذا القول إلا شنشنة ؛ لكونها أم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

(٢) ريحانة الألبا ١ : ٤٣٤ رقم ٦٩.

(٣) نهج البلاغة : جمعه السيِّد محمّد بن الحسين المشهور بالشريف الرضي ت ٤۰٣ هـ.

(٤) كتاب الوصايا ، أي : وصاياهعليه‌السلام لعدّة من العلماء ، وأورد بعضها الكليني في كتابه (الرسائل).

(٥) نثر اللآلي : هو في الكلمات القصار من كلامهعليه‌السلام بترتیب حروف الهجاء كلها ٢٥۸ كلمة قصيرة جمعها أمين الإسلام الطبرسي المفسِّر الفضل بن الحسن ت ٥٤٨ هـ. (ينظر : الذريعة ٢٤ : ٥٣ رقم ٢٦٢)

وللشيخ أبي الفتح عبد الواحد بن محمّد بن عبد الواحد بن محمّد الآمدي الإمامي ، المتوفّى في ٥١٠ هـ کتاب (غرر الحکم ودرر الكلم) وهو من كلامهعليه‌السلام ، وليس للحسن بن بشر الآمدي كتابٌ في ذلك ، فلاح (ینظر الذريعة ١٦ : ٣۸ رقم ١٦٤).

٤٥٠

من التواريخ أنّ المرويّ صحيحاً أنّ الجفر والجامع من تصنيفات عليّ المرتضی کرم الله وجهه.

وذكر السيِّد الشريف علي بن محمّد الجرجاني في (شرح المواقف) : (أنّ الجفر والجامعة مؤلّفان لأمير المؤمنینرضي‌الله‌عنه ، يمكن استخراج الوقائع والحوادث المتعلِّقة بالعالم من هذين المؤلّفين.

قال : ورأيت في مصر من جملته ورقة استخرجوا منها أحوال ملوك تلك المملكة) ، انتهى(١) .

والَّذي يظهر من جملة من الأخبار أنهما من خصائص الأئمّةعليهم‌السلام توجدان عندهم ، وسيأتي في أحوال الصادقعليه‌السلام ما يؤيّد ذلك فتذكر.

وفاتهعليه‌السلام بالكوفة

وتوفيعليه‌السلام بالكوفة ليلة الجمعة ، وفي (الكافي) ليلة الأحد لتسع بقين من شهر رمضان سنة ٤٠ من الهجرة ، وله من العمر ثلاث وستون سنة(٢) ، بضربة عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، أشقى الأوّلين والآخرين ، وشقيق عاقر ناقة صالح ، وسيأتي تعيين موضع قبره الشريف.

__________________

(١) قال المحدّث الأرموي في هامش كتاب الإيضاح ص ٤٦١ : (فممن صرح بهذا المطلب المحقِّق الشريف الجرجاني فإنّه قال في مبحث العلم من شرح المواقف عند ذكر الماتن أعني القاضي عضد الدين الإيجي الجفر والجامعة (ينظر ص ٢٧٦ من طبعة بولاق سنة ١٣٦٦) ما نصه : (وهما كتابان لعليرضي‌الله‌عنه ، قَدْ ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم ، وكانت الأئمّة المعروفون من أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما ، وفي كتاب قبول العهد الَّذي كتبه علي بن موسیرضي‌الله‌عنه إلى المأمون : إنّك قَدْ عرفت من حقوقنا ما لم يعرف آباؤك وقبلت منك عهدك إلا أن الجفر والجامعة يدلان على أنه لا يتم. ولمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيه إلى أهل البيت ورأیت أنا بالشام نظماً أشير فيه بالرموز إلى أحوال ملوك مصر وسمعت أنه مستخرج من ذينك الكتابین)).

(٢) ينظر : الكافي ١ : ٤٥٢ باب مولدهعليه‌السلام .

٤٥١

عدد أولاده وبناته

(فصل في ذكر أولادهعليه‌السلام : وهم كثيرون ، وقَدْ اختلفوا في عددهم ذكوراً وإناثاً غير أنا نذكر ما يلقه جهدنا في تحقيقه.

فالأوّل والثاني الحسن والحسينعليهما‌السلام .

والثالثة : زينب الكبرى ، زوجة عبد الله بن جعفر ، تکنّی أم الحسن ، ويكفي في جلالة قدرها ، ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنها دخلت يوماً على الحسينعليه‌السلام وكان يقرأ القرآن ، فوضع القرآن على الأرض وقام لها إجلالاً(١) .

والرابع : محسن السقط ، قال المفيد في (الإرشاد) : وفي الشيعة من يذكر أنّ فاطمةعليها‌السلام أسقطت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكراً ، كان سمّاه رسول الله وهو حمل : محسناً ، فعلی قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين ثمانية وعشرون ولداً) ، انتهى(٢) .

وهذا الكلام منهرحمه‌الله يعطي عدم اعترافه بحديث المحسن وسقوطه کما لا يخفى(٣) .

والخامسة : اُمّ كلثوم ، تزوَّجها عمر كما سيأتي ، وهؤلاء الخمسة من فاطمة الزهراء عليها السلام.

والسادسة زينب الصغرى : المكنّاة أمّ كلثوم الصغرى ، اُمُّها اُمُّ سعيد ابنة عمرو بن مسعود الثقفي ، تزوجها محمّد بن عقيل فأولدها أبا محمّد عبد الله ،

__________________

(١) لم أهتد إلى مصدره وكل من ذكره من المتأخرین نقله عنه.

(٢) الإرشاد ١ : ٣٥٥.

(٣) وقد طبع أخيراً لسماحة المحقِّق السيِّد محمّد مهدي الخرسان دام ظله کتاباً خاصاً في إثباته وإثبات حادثته سماه (المحسن السبط مولودٌ أم سقط) ، وهو من مطبوعات مكتبة الروضة العلويّة في النجف الأشرف.

٤٥٢

وعلى ما في (العمدة) عبد الله كان فقيهاً ، محدِّثاً ، جليلاً ، مات بعد الأربعين من الهجرة(١) .

والسابع : محمّد بن الحنفيّة ، المكنّى بأبي القاسم ، اُمُّه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفيّة ، أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله به قبل ولادته وسمّاه باسمه ، وكنَّاه بكنيته(٢) .

الثامن : العبَّاس الأكبر ، المعروف بقمر بني هاشم من فرط حسنه وجماله ، ويكنّى أبا الفضل ، ويلقّب بالسقّا ؛ لأنه استسقى الماء لأخيه الحسين يوم الطف ، وقتل دون أن يبلَّغه إياه ، وقبره حيث استشهد ، وكان صاحب راية الحسينعليه‌السلام في ذلك اليوم.

وقال الصادقعليه‌السلام : «كان عمّنا العبَّاس بن علي نافذ البصيرة ، صلب الإيمان ، جاهد مع أبي عبد الله ، وأبلى ًبلاء حسناً ، ومضى شهيداً ، ودمه في بني حنيفة ».

وفي (عمدة الطالب) : (أنه قتل وله من العمر أربع وثلاثون سنة )(٣) .

التاسع : عبد الله الأكبر.

العاشر : جعفر الأكبر ، يكنّى بأبي عبد الله.

الحادي عشر : عثمان الأكبر ، وهؤلاء الأربعة استشهدوا في وقعة الطف ، وهم من بطن فاطمة أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة ، وربيعة هذا هو أخو لبيد الشاعر بن عامر بن کلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وليس من بني

__________________

(١) عمدة الطالب : ٣٢ ، وفيه : (أن أمها : أم ولد).

(٢) ينظر مناقب آل أبي طالب ٢ : ٦٧ ، کنز العمال ١٢ : ١٢۹ ، بحار الأنوار ١۸ : ١١٢ ، وغيرها.

(٣) عمدة الطالب : ٣٥٦.

٤٥٣

دارم التميميين ، وإن ذكره المفيد في (إرشاده)(١) ، ولكن ردّ عليه ابن إدريسرحمه‌الله في (السرائر)(٢) بما عرّفناك ، والقرائن توافق ما ذكره في (السرائر).

الثاني عشر : العبَّاس الأصغر ، ذكره غير واحد من أرباب التواريخ.

قال صاحب الناسخ : (إنّ بعض العلماء زعم أنّ العبَّاس بن علي استشهد في الليلة العاشرة ، مع أن أكثر أهل السير يذكرون شهادته في يوم عاشوراء ، وذلك لأن في أولاد أمير المؤمنين عبَّاسين : الأكبر ، والأصغر ، والَّذي قتل في الليلة العاشرة هو الأصغر ، سبق إلى طلب الماء فنال سعادة الشهادة في تلك الليلة )(٣) .

ويدلّ على ذلك جملة من عبارات المؤرِّخين من العامّة حيث عبّروا عن أبي الفضل بالعبَّاس الأكبر ، کسبط ابن الجوزي في (التذكرة) ، والشبلنجي في نور الأبصار) ، والشيخ أحمد شهاب الدين الشافعي في (وسيلة المآل في عدَّ مناقب الآل) وهذا الشيخ من أكابر الشافعية(٤) ، ذكره صاحب (السلافة) من مشايخ العلماء وأدباء مكّة(٥) ، وقد فرغ من تصنيف الكتاب المزبور سنة ١۰٢٢ ، وعّده صاحب (العبقات) من أجود التآليف.

__________________

(١) الإرشاد ١ : ٣٥٤.

(٢) السرائر ١ : ٦٥٦.

(٣) ناسخ التواريخ (المعرب) ٢ : ٤٣١.

(٤) تذکرة الخواص ١ : ٦٦٣ ، نور الأبصار : ١۰٣ ، وسيلة المال (مخطوط) ، وبذلك ذُكِر في : أنساب الاشراف : ١۹٢ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ۹۰ ، ذخائر العقبی : ١١٧ ، تهذيب الكمال ٢۰ : ٤٧۹ ، المجدي في أنساب الطالبيين : ١٥ ، تاريخ الإسلام ٥ : ٢١.

(٥) ينظر ترجمته في : سلافة العصر : ٢۰٤ ـ ٢١٣.

٤٥٤

وممّا ذكرنا يظهر ضعف من وصف أبا الفضل بأنه كان شاباً أمردَ ، بين عينيه أثر السجود ، كما في (الدمعة الساكبة)(١) ، مع أنَّه قَدْ عرفت تصريحهم ، كما في (عمدة الطالب) بأنّه قُتل وله من العمر أربع وثلاثون سنة(٢) .

فمن المحقِّق أنّ هذا وصف عبَّاس الأصغر.

الثالث عشر : محمّد الأصغر ، اُمّه اُمُّ ولد قُتل بالطف.

الرابع عشر : أبو بكر ، لم يعرف اسمه ، من شهداء الطف ، أمه لیلی بنت مسعود النهشلي ، ولعلَّها هي التي قال المفيدرحمه‌الله في (رسالة المتعة) : (وروی ابن بابویه بإسناده أنّ علياً عليه‌السلام نكح امرأة بالكوفة من بني نهشل متعةً) (٣) .

الخامس عشر : يحيى ، اُمُّه أسماء بن عمیس الخثعمية ، توفّي في حياة أبيه.

السادس عشر : عون ، وهو شقيق يحيی واستشهد في الطف.

السابع عشر : عبيد الله ، وهو شقيق أبي بكر المتقدم ، قُتل في محاربة مصعب بن الزبير مع المختار ، وقبره في المذار من سواد البصرة ، وأهل البطائح يعظّمون مرقده ، ويأتون إلى زيارته ، ومصعب كان يشنَّع على المختار ويقول له : أنت قتلت ابن الإمام.

قال ابن إدريس في مزار (السرائر) : (وقد ذهب شيخنا المفيد في كتاب (الإرشاد) ، إلى أن عبيد الله بن النهشلية ، قتل بكربلاء مع أخيه الحسين عليه‌السلام وهذا خطأ محض ، بلا مراء ؛ لأَن عبيد الله بن النهشلية ، كان في جيش مصعب بن الزبير ، ومن

__________________

(١) الدمعة الساكبة ٤ : ٣٢٦ ، وأصل القول ذكره أبو الفرج الأَصفهاني في مقاتل الطالبيين : ٧۹.

(٢) عمدة الطالب : ٣٥٦.

(٣) خلاصة الإيجاز (سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد /٦) : ٢٥ ، عنه وسائل الشيعة ٢١ : ١٠ ح ٢٦٣٧٨ / ٢٣.

٤٥٥

جملة أصحابه ، قتله أصحاب المختار بن أبي عبيد بالمذار ، وقبره هناك ظاهر ، والخبر بذلك متواتر ، وقد ذكره شيخنا أبو جعفر (١) في (الحائريات) لمَّا سأله السائل عمَّا ذكره المفيد في (الإرشاد) فأجاب : بأن عبيد الله ابن النهشلية ، قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة بالمذار ، وقبره هناك معروف ، عند أهل تلك البلاد ) ، انتهى(٢) .

قلت : وذكر ما يوافقه أيضاً صاحب (عمدة الطالب) في أوّل كتابه ، فراجع(٣) .

وفي (مدينة المعاجز) نقلاً عن ابن الراوندي ، أنّه روي عن أبي الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «جمع أمير المؤمنينعليه‌السلام بنيه وهم اثنا عشر ذكراً ، فقال لهم : إني اُحبُّ أن يجعل فيّ سُنّة من يعقوب إذ جمع بنيه وهم اثنا عشر ذکراً فقال لهم : إني اُوصي إلى يوسف ، فاسمعوا له وأطيعوا ، وإنّي أوصي إلى الحسن والحسين ، فاسمعوا لهما وأطيعوا.

فقال عبيد الله ابنه : أدون محمّد بن علي ـ يعني : محمّد بن الحنفية؟

فقال له : أجُرأة على في حياتي؟! كأنّي بك قَدْ وجدت مذبوحاً في فسطاطك لا يدري من قتلك. فلمَّا كان في زمان المختار أتاه فقال [له : ولّني عملا ، قال](٤) : لست هناك ، فغضب وذهب إلى مصعب بن الزبير وهو بالبصرة ، فقال : ولّني قتال أهل الكوفة ، فكان على مقدّمة مصعب ، فالتقوا بحروراء ، فلمَّا

__________________

(١) أي : الشيخ الطوسيرحمه‌الله .

(٢) السرائر ١ : ٦٥٦.

(٣) عمدة الطالب : ٢١.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

٤٥٦

حجز الليل بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحاً في فسطاطه ، لا يدري من قتله»(١) .

والظاهر من هذه الرواية أنّه لا يحمد كما لا يخفی.

الثامن عشر : محمّد الأوسط ، وأُمُّه أمامة بنت أبي العاص بن الربيع العبشمية ، وأُمُّها زينب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومحمّد هذا قُتل بالطف مع أخيه.

التاسع عشر : عمر الأطرف ، ويقال له : عمر الأكبر ، ويكنّى بأبي القاسم ، ولقب بالأطرف ؛ لأن فضيلته من طرف أبيه ، وأُمُّه أُمُّ حبيب الصهباء التغلبية من سبي الردة ، وذكره صاحب (عمدة الطالب) ، قال : (وكان ذا لَسَنٍ وفصاحةٍ ، وجودٍ وعفّةٍ).

إلى أن قال : (وتخلّف عمر عن أخيه الحسين ولم يسر معه إلى الكوفة ، وكان قَدْ دعاه إلى الخروج معه فلم يخرج. ويقال : إنه لما بلغه قتل أخيه الحسينعليه‌السلام خرج في معصفرات له ، وجلس بفناء داره ، وقال : أنا الغلام الحازم ، ولو أخرج معهم الميت في المعركة وقتلت.

قال : ولا يصح رواية من روی أنّ عمر حضر کربلاء) ، انتهى(٢) .

ولعلّه يشير بكلامه الأخير إلى ردّ ما نقله البعض من أنّ عمر المذكور كان حاضراً ملازماً لأخيه الحسينعليه‌السلام إلى الليلة العاشرة من محرّم ، ثُمَّ فرّ تلك الليلة وتنزل الجوالیق ، ويقال لأولاده : [أولاد] الجواليق(١) .

__________________

(١) مدينة المعاجز ٢ : ١٧٧ ح ٤٨١ ، عن الخرائج والجرائح ١ : ١۸٣ ح ١٧.

(٢) عمدة الطالب : ٣٦١ ـ ٣٦٢.

٤٥٧

وكيف كان ، قيل : مات عمر بـ(ينبع) وهو ابن سبع وسبعين سنة ، وقيل : خمس وسبعين سنة ، وقيل : استشهد مع أخيه في محاربة مصعب مع المختار وهو وأخوه مع مصعب فاستشهدا جميعاً ، وفي (ينابيع المودة) أن تربته (نهاوند) من أرض العجم(٢) .

والعشرون : رُقيَّة ، شقيقة عمر المتقدِّم ، زوجة مسلم بن عقيل ـ كما في رجال الشيخ(٣) ـ اُم ولديه عبد الله ، ومحمّد ، وبنته عاتكة ، والولدان هما المقتولان بالطفّ.

وقبر رُقيَّة في مصر كما صرّح به في (معجم البلدان)(٤) .

وفي (عمدة الطالب) : (أنَّ زوجة مسلم تسمّى اُمَّ كلثوم بنت علي بن أبي ابي طالب عليه‌السلام ، وأن بنتها حميدة )(٥) ، والله العالم.

الواحد والعشرون : نفيسة ، زوجة عبد الله الأكبر ابن عقيل.

الثاني والعشرون : أمامة ، وقيل : أمانة ، زوجة الصلت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.

الثالث والعشرون : ميمونة أيضاً زوجة عبد الله الأكبر ابن عقيل.

الرابع والعشرون : رملة ، وهي شقيقة اُمّ الحسن الآتية.

__________________

(١) سر السلسلة العلوية : ۹٧ ، وفيه : (وقعد في الجواليق) ، والجوالق : وعاء وجمعه جواليق ، ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) ينابيع المودة ٣ : ١٤٨.

(٣) رجال الطوسی : ١٠٣ رقم ١٠٠٥ / ٩.

(٤) معجم البلدان ٥ : ١٤٢.

(٦) عمدة الطالب : ٣٢.

٤٥٨

الخامس والعشرون : اُمّ الحسن ، زوجة سليمان بن علي بن عبد الله بن العبَّاس ، دفنت بالشام مع زوجها ، وهاتان أُمُّهما : اُمّ سعيد بنت عمرو بن مسعود الثقفي.

السادس والعشرون : خديجة الصغرى.

السابع والعشرون : فاطمة ، وهي التي طلبها الشامي في مجلس یزید ، يقال : إنَّها زوجة أبي سعيد بن عقيل.

هذا ما وسعني الاطّلاع عليه في باب أولادهعليه‌السلام .

وفي رحلة ابن جبير المتوفّى سنة ٦١٤ ، أن في بغداد في الطريق إلى باب البصرة مشهداً حفيل البنيان داخله قبرٌ متّسع السّنام ، عليه مكتوب : (هذا قبر عون ومعين ، من أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه )(١) .

قلت : قَدْ أصيبا في النهروان(٢) .

وعمران بن علي : أصيب جريحاً في النهروان ، وقبره في بابل معلوم(٣) .(٤)

__________________

(١) رحلة ابن جبير : ١٧٦.

(٢) ينظر عن تاريخ مرقدهما ، ومن ذكرهما ، ومن أبطل نسبتهما لأمير المؤمنينعليه‌السلام : المزار من كتاب فلك النجاة : ١٤١.

(٣) قاله السيِّد محمّد مهدي القزوينيرحمه‌الله في المزار من كتاب فلك النجاة : ١٣٧.

(٤) ينظر في أولاد أمير المؤمنينعليه‌السلام وأحوالهم : الإرشاد ١ : ٣٥٤ ، المجدي في انساب الطالبیين : ٧ ، تاج المواليد (المجموعة) : ۸ العمدة لابن البطريق : ٢۹ ، إعلام الوری ١ : ٣٩٥ ، مطالب السؤول : ٣١٣ ، کشف الغُمَّة ٢ : ٦٧ ، الفصول المهمة ١ : ٦٤١ ، عمدة الطالب : ٥۸ ، بحار الأنوار ٤٢ : ٧٤ باب (أحوال أولاده ...) تجد فيه مجمل أقوال النسابة والمؤرخين ، وغيرها.

٤٥٩

الزينبية في خارج الشام

تنبيهات :

الأوّل : إنّ في خارج دمشق موضعاً يعرف بالزينبية ، وفيه بقعة يقال : إنّها بقعة زينب الكبرى ، بنت أمير المؤمنين ، ولكن لم أعثر في المزارات المعتبرة والمقاتل ما يؤيّد ذلك ، بل قَدْ صرَّح الفاضل میرزا عبَّاس قلیخان المستوفي في تاريخه (الطراز المذهَّب) بأنّ الَّذي يصح عنده أن زينب لمّا رجعت من الشام توفيت بالمدينة المنوَّرة ، ودفنت هناك.

قال : (ولا أدري متى كانت وفاتها(١) ، ثُمَّ قال : وأظن أنّ البقعة المزبورة هي لزینب الصغرى بنت الحسينعليه‌السلام ، أو لإحدى بناتها أو أحفادها(٢) .

هذا ونقل بعض الموثّقين(٣) عن اُستاذه المحدِّث النوري أنّه وقع قحط عظیم في المدينة ، وأنّ عبد الله بن جعفر انتقل إلى الشام فراراً من القحط ، ومن قصده الرجوع إلى المدينة بعد ارتفاع القحط عنها ، وكانت زينب معه فاتَّفق أنها مرضت في أيام استقامتها في الشام في القرية التي فيها المزار الآن ، فماتت هناك في ضيعة في تلك القرية) ، انتهى(٤) .

ويحتمل أن تكون البقعة لزينب الصغرى بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام المكنّاة باُمّ كلثوم.

__________________

(١) ذكر الشيخ فرج آل عمرانرحمه‌الله وفاتهاعليها‌السلام في ١٥ رجب سنة ٦٥ هـ في كتابه وفاة السيِّدة زينب الكبرى المطبوع ضمن وفيات الأئمةعليهم‌السلام ص ٤٦٩ عن الخیرات الحسان.

(٢) الطراز المذهب ، عنه هدية الزائرين : ٤٥٥.

(٣) المراد بعض الموثقين الشيخ عبَّاس القمّيرحمه‌الله .

(٤) هدية الزائرین : ٤٥٥.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

فصرّح ابن أبي الحديد وغيره من كبار علمائكم ممن شرح نهج البلاغة ، أنّهعليه‌السلام عنى بهذه الأوصاف معاوية عليه اللعنة ، فهو الذي لما غلب على الشيعة وأصحاب الإمام عليّعليه‌السلام أمرهم بسبّه ولعنه والتبرّي منه صلوات الله عليه وقتل من أبى منهم وامتنع مثل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

ولقد دامت هذه السنّة السيئة والبدعة المشئومة ثمانين سنة على المنابر والصلوات وفي خطب الجمعات.

إخبارهعليه‌السلام عن مقتل ذي الثدية

ومن إخبار الإمام عليعليه‌السلام بالمغيّبات ، خبر مقتل ذي الثدية في معركة النهروان وكان رأس الخوارج(١) . ولقد أخبرعليه‌السلام أيضا في حرب

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ / ٢٦٥ ، ط دار إحياء الكتب العربية ، تحت عنوان : أخبار الخوارج وفي الصحاح المتفق عليها أنّ رسول الله (ص) بينا هو يقسم قسما جاء رجل من بني تميم ، يدعى ذا الخويصرة ، فقال : اعدل يا محمد! فقال (ص) «قد عدلت. فقال له ثانية : اعدل يا محمد! فإنّك لم تعدل! فقال (ص) : ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل! ثم أخبر (ص) عنه وقال : فسيخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة وبعد ما وصفهم قال (ص) : آيتهم رجل أسود مخدج اليد ، إحدى يديه كأنّها ثدي امرأة».

وقال ابن أبي الحديد في صفحة ٢٧٧ من نفس الجزء : وروى العوّام بن حوشب عن أبيه ، عن جدّه يزيد بن رويم ، قال : قال عليّ عليه‌السلام «يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج ، أحدهم ذو الثدية».

١١٤١

النهروان وقال قبل أن تقع «لا يفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة». وكان كما أخبر ولقد روى هذا الخبر أكثر علمائكم وكبار أعلامكم وهو من عبارات نهج البلاغة. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٥ / ص ٣ ، ط دار إحياء التراث العربي / قال في ذيل العبارة وفي شرحها : هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة ، اشتهاره ونقل الناس كافّة له. وهو من معجزاته وأخباره المفصّلة عن الغيوب(١) .

__________________

فلمّا طحن القوم ورام استخراج ذي الثدية فاتبعه ، أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة ، وركب بغلة رسول الله (ص) وقال «اطرح على كلّ قتيل منهم قصبة». فلم أزل كذلك وأنا بين يديه ، وهو راكب خلفي والناس يتبعونه حتى بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه وإذا وجهه أربد ، وإذا هو يقول : والله ما كذبت ولا كذبت ، فإذا خرير ماء عند موضع دالية ، فقال : فتّش هذا ففتّشته ، فإذا قتيل قد صار في الماء ، وإذا رجله في يدي فجذبتها وقلت : هذه رجل انسان ، فنزل عن البغلة مسرعا ، فجذب الرجل الأخرى وجررناه حتى صار على التراب فإذا هو المخدج «ذو الثدية». فكبّر عليعليه‌السلام بأعلى صوته ، ثم سجد ، فكبّر الناس كلهم. «المترجم»

(١) أقول : وعقّب ابن أبي الحديد كلامه في شرح العبارة قائلا : والأخبار على قسمين :[أحدهما الأخبار المجملة ، ولا إعجاز فيها : نحو أن يقول الرجل لأصحابه : إنكم ستنصرون على هذه الفئة التي تلقونها غدا : فإن نصر جعل ذلك حجّة له عند أصحابه وسمّاها معجزة ، وإن لم ينصر ، قال لهم : تغيّرت نيّاتكم وشككتم في قولي ، فمنعكم الله نصره ، ونحو ذلك من القول ، ولأنّه قد جرت العادة أنّ الملوك والرؤساء يعدون أصحابهم بالظّفر والنصر ، ويمنّونهم الدّول ، فلا يدلّ وقوع ما يقع من ذلك على إخبار عن غيب يتضمّن إعجازا.

والقسم الثاني : في الأخبار المفصّلة عن الغيوب ، مثل هذا الخبر ، فإنّه لا يحتمل التلبيس ، لتقييده بالعدد المعيّن في أصحابه وفي الخوارج ، ووقوع الأمر بعد الحرب

١١٤٢

__________________

بموجبه ومن غير زيادة ولا نقصان ، وذلك الامر إلهيّ عرفه من جهة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعرفه رسول الله (ص) من جهة الله سبحانه. والقوّة البشريّة تقصر عن إدراك مثل هذا ، ولقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره.]

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٧ / ٤٧ ، ط دار إحياء الكتب العربية : تحت عنوان : فصل في ذكر أمور غيبيّة ، أخبر بها الإمام ثم تحققت قال [واعلم أنه عليه‌السلام قد أقسم في هذا الفصل بالله الذي نفسه بيده أنّهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة إلاّ أخبرهم به ، وأنّه ما صحّ من طائفة من الناس يهتدي بها مائة وتضلّ بها مائة إلاّ وهو مخبر لهم ـ ان سألوه ـ برعاتها وقائدها وسائقها ومواضع نزول ركابها وخيولها ، ومن يقتل منها قتلا ، ومن يموت منها موتا ، وهذه الدعوى ليست منه عليه‌السلام ادّعاء الربوبيّة ، ولا ادّعاء النبوّة ، ولكنه كان يقول : إنّ رسول الله (ص) أخبره بذلك. ولقد امتحنّا إخباره فوجدناه موافقا ، فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة ، كإخباره عن الضربة يضرب بها في رأسه فتخضب لحيته ، وإخباره عن قتل الحسين ـ ابنه ـ عليهما السّلام ، وما قاله في كربلاء حيث مرّ بها ، وإخباره بملك معاوية الأمر من بعده ، وإخباره عن الحجّاج ، وعن يوسف بن عمر ، وما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان ، وما قدمه إلى أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم ، وصلب من يصلب ، وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين وإخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لمّا شخص عليه‌السلام إلى البصرة لحرب أهلها ، وإخباره عن عبد الله بن الزبير ، وقوله فيه : «خبّ ضبّ ، يروم أمرا ولا يدركه ، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا ، وهو بعد مصلوب قريش» وكإخباره عن هلاك البصرة بالغرق ، وهلاكها تارة أخرى بالزّنج ، وكاخباره عن ظهور الرايات السّود من خراسان ، وتنصيصه على قوم من أهلها يعرفون ببني رزيق وهم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين وولده وإسحاق بن إبراهيم ،

١١٤٣

__________________

وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العباسيّة ، وكإخباره عن الأئمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان كالناصر والداعي وغيرهما ، وكإخباره عن مقتل النفس الزكيّة بالمدينة وقوله : إنّه يقتل عند أحجار الزيت ، وكقوله عن أخيه إبراهيم المقتول بباب حمزة ـ الصحيح باخمرى ـ : يقتل بعد أن يظهر ، ويقهر بعد أن يقهر ، وكإخباره عن قتلى وجّ ـ وأظن هم قتلى فخّ الذين استشهدوا في عهد الهادي العباسي ، وهم من أبناء الحسن المجتبى سبط رسول الله (ص) ـ وقوله فيهم «هم خير أهل الأرض».

وكإخباره عن المملكة العلويّة بالمغرب ، وتصريحه بذكر كتامة وهم الذين نصروا أبا عبد الله الداعي المعلّم ، وكقوله وهو يشير إلى أبي عبد الله المهدي «وهو أوّلهم ثم يظهر صاحب القيروان الغضّ البضّ ، ذو النسب المحض ، المنتجب من سلالة ذي البداء ، المسجّى بالرداء». وكان عبيد الله المهدي أبيض مترفا مشربا بحمرة : رخص البدن ، تار الأطراف. وذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد عليهما السّلام ، وهو المسجّى بالرداء لأنّ أباه أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام سجّاه بردائه لما مات ، وأدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته وتزول عنهم الشبهة في أمره.

وكإخباره عن بني بويه وقوله فيهم «ويخرج من ديلمان بنو الصيّاد». إشارة إليهم ، وكان أبوهم صيّاد السمك يصيد منه بيده ما يتقوّت هو وعياله بثمنه ، فأخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكا ثلاثة ، ونشر ذريّتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم.

وكقوله عليه‌السلام فيهم : ثم يستشري أمرهم حتى يملكوا الزّوراء ، ويخلعوا الخلفاء ، فقال قائل : فكم مدّتهم يا أمير المؤمنين؟ فقال : مائة أو تزيد قليلا.

فأمّا خلعهم للخلفاء فإنّ معز الدولة خلع المستكفي ، ورتّب عوضه المطيع ، وبهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة خلع الطائع ورتّب عوضه القادر ، وكانت مدة ملكهم كما أخبر عليه‌السلام .

وكإخباره عليه‌السلام لعبد الله بن العباس رحمه‌الله تعالى عن انتقال الأمر إلى أولاده «فإنّ

١١٤٤

أليس هذا إخبارا بالغيب والعلم بالمستقبل والأمور التي لم تقع بعد؟ ولو أنصفتم لعرفتم أنّ مقام الولاية الإلهية والخلافة الربّانيّة التي تجلّت في هذا العبد الصالح والوليّ الفالح يميّزه عن سائر الخلفاء ، أين الثرى من الثريّا؟ وأين مدّعي الخلافة ممن رفعه الله مقاما عليّا؟!

فإذا لم يكن الإمام عليّعليه‌السلام متصلا بالعالم الأعلى ومنبع العلم الربّاني والعلم اللّدنّي ، كيف أخبر عن المغيّبات وأخبر عن الحوادث التي تقع في المستقبل البعيد أو القريب مثل إخباره عن مقتل ميثم التمّار ـرحمه‌الله تعالى ـ وأخبر أنّ قاتله عبيد الله بن زياد وهو يصلبه على جذوع النخل ، وأخبر عن مقتل جويرية ورشيد الهجري وعمرو ابن الحمق الخزاعي على يد عمال معاوية وأعوانه ، وأخبر عن كيفيّة قتلهم واستشهادهم ، ولقد أخبر عن مقتل ولده الحسينعليه‌السلام واستشهاده مع أهل بيته وأنصاره في أرض كربلاء. وهذه الأخبار مذكورة في تاريخ الطبري ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ، ومقتل الحسين أو مناقب الخوارزمي

__________________

علي بن عبد الله لمّا ولد ، أخرجه أبوه عبد الله إلى عليّعليه‌السلام ، فأخذه وتفل في فيه وحنّكه بثمرة قد لاكها ، ودفعه إليه وقال : خذ إليك أبا الأملاك».

هكذا الرواية الصحيحة ، وهي التي ذكرها أبو العباس المبرّد في كتاب الكامل.

[وبعد نقل ابن أبي الحديد كل هذا الكلام قال] : وكم له من الإخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى ، مما لو أردنا باستقصائه لكرّسنا له كراريس كثيرة ، وكتب السّير تشتمل عليها مشروحة. انتهى كلام ابن أبي الحديد.]

«المترجم»

١١٤٥

وغيرهم ، فإنهم ذكروا هذه القضايا بالتفصيل.

إخبارهعليه‌السلام بأنّ ابن ملجم قاتله

لقد ذكر أكثر أعلامكم وكبار علمائكم منهم العلاّمة ابن الأثير في كتابه أسد الغابة : ج ٤ / ٢٥ ، قال : لمّا حضر عبد الرحمن بن ملجم المرادي عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنشد قائلا :

أنت المهيمن والمهذّب ذو النّدى

وابن الضراغم في الطراز الأوّل

الله خصّك يا وصيّ محمد

وحباك فضلا في الكتاب المنزل

إلى آخر أبياته. فعجب الحاضرون من طلاقة لسانه وفرط علاقته بالإمام عليّعليه‌السلام .

وذكر ابن حجر في الصواعق المحرقة ٨٠ ، ط الميمنية بمصر قال : وروي أنّ عليا جاءه ابن ملجم يستحمله فحمله ثم قالرضي‌الله‌عنه :

«أريد حياته ويريد قتلي

عذيري من خليلي من مرادي

ثم قال : هذا والله قاتلي.

فقيل له : ألا تقتله؟ فقال : فمن يقتلني». «انتهى».

فلا يقال : إذا كان يعلم أنّ ابن ملجم قاتله فلما ذا تركه ولم يحبسه؟!

لأنّه سلام الله عليه كان مأمورا بالظاهر ومقيّدا بالشرع ، فليس لحاكم أن يعاقب أحدا إلاّ إذا ارتكب جرما ، فلذا لمّا قال الأصحاب لعليّعليه‌السلام : إذا كنت تعلم أنّه قاتلك فاقتله. فقالعليه‌السلام : لا يجوز

١١٤٦

القصاص قبل الجناية.

يقول الكاتب الإنجليزي ـ كارليل ـ في كتابه الأبطال : إنّ علي بن أبي طالب قتل لعدله.]

اي إذا كان ظالما مثل كثير من الملوك والحكّام ، وما كان مقيّدا بالدين والقانون لقتل ابن ملجم ، كما يقتل الملوك كلّ من أساءوا الظنّ فيه حتى إذا كان المظنون أخوهم وابنهم أو أعزّ وأقرب الناس إليهم.

ولكنّ الامام عليّ سلام الله عليه هو الوحيد في التاريخ الذي كان يعرف قاتله ويعرّفه الناس ، ولا يقضي عليه وتركه حرّا وما حبسه ولا نفاه ، ولمّا ضربه ابن ملجم بسيفه أوصى وقال صلوات الله وسلامه عليه : انظروا إذا أنا قتلت من ضربته ، فاضربوه ضربة بضربة ، ولا تمثّلوا به ...!

ونستنتج من هذه الأخبار أنّ من ارتضاه الله تعالى ومنحه علم الغيب يلزم أن يكون معصوما عادلا ، وألاّ يقوم بالتعدّي والظلم استنادا على علمه ، قبل حدوث الجناية وقبل أن يقع شيء مما علمه ، وبذلك يبطل التقدير الإلهي ، وهذا محال. لذا جاء في رواية الصواعق المحرقة آنفا [أنّ علياعليه‌السلام لمّا قال : هذا والله قاتلي ـ وأشار إلى ابن ملجم ـ فقيل لهعليه‌السلام : ألا تقتله؟ فقالعليه‌السلام : فمن يقتلني؟]

فأسألكم أيها الحاضرون والمستمعون! أما تدلّ هذه الأخبار والروايات في كتب كبار علمائكم ، على علم الامام عليّعليه‌السلام بالمغيّبات وأنّه كان يمتاز عن سائر الناس وسائر الصحابة ، بهذه الميزة العظمى والفضيلة الكبرى؟

١١٤٧

يجب تقديم الأعلم والأفضل

فإنّ العقلاء في كل زمان ومكان لا يسمحون بتقديم الجاهل على العالم ولا يجوز عندهم متابعة الأفضل للمفضول بل يجب انقياد الجاهل للعالم والمفضول للفاضل.

وإنّ أفضليّة الإمام عليّعليه‌السلام وأعلميّته أمر ثابت لجميع الأمة من الصحابة والتابعين والمتقدمين والمتأخرين حتى أنّ ابن أبي الحديد في مقدّمته على شرح نهج البلاغة قال : الحمد لله الذي قدم المفضول على الأفضل.

وهذا التعبير والبيان يثير التعجّب في كل إنسان ولا سيّما من عالم مثل ابن أبي الحديد ، لأنّ فيه نسبة عمل خلاف العقل والحكمة إلى الله العليم الحكيم سبحانه وتعالى عما يصفون! فإنّ تقديم المفضول على الأفضل مخالف للحكمة والعقل ويأباه كل إنسان ذي فهم وإدراك فكيف بالله عزّ وجلّ؟ وهو يقول في كتابه الكريم :( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (١) ؟.

ويقول :( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) ؟.

والجدير بالذّكر أنّ ابن أبي الحديد صاحب التعبير الآنف يقول أيضا في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ص ٤ ، طبع مصر [أنّهعليه‌السلام أفضل البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحقّ بالخلافة من جميع المسلمين.]

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ٩.

(٢) سورة يونس ، الآية ٣٥.

١١٤٨

ولقد أمر النبي (ص) المسلمين أن يأخذوا العلم من عليّعليه‌السلام ويرجعوا إليه من بعده بقوله (ص) «ومن أراد العلم فعليه بالباب ، أو فليأت الباب».

فالذي أمر النبي (ص) الأمة أن يرجعوا إليه ويتعلّموا منه أحق بالخلافة والإمامة ، أم غيره؟!

الشيخ عبد السلام : إذا كان علي كرم الله وجهه هو المقدّم كما تزعمون ، لأنّه أعلم وأفضل الناس بعد رسول الله (ص) ، فلما ذا لم نجد نصّا من النبي (ص) يلزم فيه المسلمين على متابعة سيدنا عليّ كرم الله وجهه؟

قلت : لا أدري هل الشيخ عبد السلام ـ سلّمه الله ـ مبتلى بالنسيان أم يتناسى أحاديثنا السالفة في الليالي الماضية ، فإنّ أكثر الحاضرين يذكرون ، وكذلك الصحف والمجلاّت الناشرة للمحاورات السابقة موجودة والكل شاهد على أنّي ذكرت عشرات الأحاديث النبويّة الشريفة من كتبكم ومصادركم الموثوقة ، تتضمّن النصوص الخفيّة والجليّة في وجوب متابعة الإمام عليّعليه‌السلام وإطاعته وعدم مخالفته ، وبعد كل ذلك كأنّ الشيخ يفتح الموضوع من جديد ويرجع إلى بداية المناقشات فيطالب بالنصّ الصادر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجوب ولزوم متابعة الامام عليعليه‌السلام !!

ومع غضّ النظر عن المناقشات السالفة ، لو أردنا أن نعرف ما الذي ألزم الناس أن يتبعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ لكان الجواب : لأنّه كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم من الله ما لا يعلمون. فأسأل فضيلة الشيخ : هل علوم

١١٤٩

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت خاصّة لهداية البشر في زمان حياته المباركة ، أم كانت كذلك لجميع البشر إلى يوم القيامة؟

الشيخ عبد السلام : من الواضح أنّه كان هديا لجميع البشر إلى يوم القيامة.

قلت : بارك الله فيك فإذا لم يكن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّ نصّ في تعيين الخليفة والإمام إلاّ حديثه الشريف المتواتر : أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد العلم فليأت الباب ، لكفى في إثبات خلافة الإمام عليّعليه‌السلام وأنّه المعيّن بالنصّ الجليّ.

ولقد أجمع علماء الإسلام على أنّ علي بن أبي طالب كان أعلم الأمة وأعلم الصحابة لحديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي رواه جمع من كبار علمائكم وأعلام محدثيكم مثل أحمد في مسنده ، والخوارزمي في المناقب ، وأبي نعيم الحافظ في كتابه نزول القرآن في عليّ ، والعلاّمة القندوزي في ينابيع المودّة ، والعلاّمة الهمداني في مودّة القربى وحتى ابن حجر المتعصّب في صواعقه وغيرهم بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «أعلم أمتي علي بن أبي طالب فلا يقاس به أحد من الصحابة في العلم والفضيلة».

كما روى ابن المغازلي في المناقب ، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السّئول ، وشيخ الاسلام الحمويني في فرائد السمطين ، والعلاّمة القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر ، في غزارة علمهعليه‌السلام ، روى عن الكلبي عن عبد الله بن عباس قال [علم النبي (ص) من علم الله ، وعلم عليّ من علم النبي (ص) ، وعلمي من علم عليّعليه‌السلام ، وما علمي وعلم الصحابة في علم عليّ إلاّ

١١٥٠

كقطرة بحر في سبعة أبحر(١) .]

وقالعليه‌السلام في آخر الخطبة المرقمة ١٠٨ من نهج البلاغة «نحن شجرة النبوّة ومحطّ الرسالة ومختلف الملائكة ومعادن العلم وينابيع الحكم».

قال ابن أبي الحديد في شرحه ج ٧ / ٢١٩ ، ط دار إحياء الكتب العربية : فأما قوله [ومعادن العلم وينابيع الحكم : يعني الحكمة أو الحكم الشرعيّ ، فإنّه وإن عنى بها نفسه وذريّته ، فإنّ الأمر فيها ظاهر جدا ، قال رسول الله (ص) : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب ، وقال (ص) : أقضاكم عليّ. والقضاء أمر يستلزم علوما كثيرة ـ وبعد نقله روايات أخرى ـ يقول :

وبالجملة فحاله في العلم حال رفيعة جدا لم يلحقه أحد فيها ولا قاربه ، وحقّ له أن يصف نفسه بأنّه معادن العلم وينابيع الحكم ، فلا أحد أحقّ بها منه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ]. انتهى.

وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب : ج ٣ / ٣٨ ، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السّئول ، والقاضي الإيجي في المواقف ص ٢٧٦ عن النبي (ص) أنه قال «أقضاكم عليّ».

__________________

(١) وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة [ومن العلوم علم تفسير القرآن وعنه أخذ ومنه فرّع ، وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحّة ذلك لأنّ أكثره عنه وعن عبد الله بن عباس ، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له ، وانقطاعه إليه ، وأنّه تلميذه ، وقيل له : أين علمك من علم ابن عمك؟

فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط.]

«المترجم»

١١٥١

وأخرج السيوطي في تاريخ الخلفاء : ص ١١٥ ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء : ج ١ / ٦٥ ، ومحمد الجزري في أسنى المطالب : ص ١٤ ، وابن سعد في الطبقات ، وابن كثير في تاريخه ج ٧ / ٣٥٩ ، وابن عبد البر في الاستيعاب : ج ٤ / ٣٨ ، وابن حجر في صواعقه في الفصل الذي يذكر فيه ثناء الصحابة لعليعليه‌السلام ، وغيرهم أخرجوا عن عمر بن الخطاب أنه قال [عليّ أقضانا] ولقد نقل العلاّمة القندوزي الحنفي في كتاب ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر / عن كتاب الدرّ المنظم لابن طلحة الحلبي الشافعي قال : اعلم أنّ جميع أسرار الكتب السماويّة في القرآن وجميع ما في القرآن في الفاتحة وجميع ما في الفاتحة في البسملة وجميع ما في البسملة في باء البسملة وجميع ما في باء البسملة في النقطة التي هي تحت الباء ، وقال الإمام عليّ كرم الله وجهه «أنا النقطة التي تحت الباء». انتهى وأخرج العلاّمة القندوزي أيضا في الباب ، عن ابن عباس أنّه قال : أخذ بيدي الإمام عليّ ليلة مقمرة فخرج بي إلى البقيع بعد العشاء وقال «اقرأ يا عبد الله. فقرأت : بسم الله الرحمن الرحيم ، فتكلم لي في أسرار الباء إلى بزوغ الفجر».

وروى القندوزي في الباب عن الدّر المنظّم ، وروى الخوارزمي في المناقب ، وابن طلحة العدوي في المطالب : أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال «سلوني عن أسرار الغيوب فإنّي وارث علوم الأنبياء والمرسلين».

وروى القندوزي في الباب أيضا ، وأحمد في المسند ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة «أنّ علياعليه‌السلام قال على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن طرق السماوات فإنّي أعلم بها من طرق الأرض».

١١٥٢

لا يخفى أنّ هذا الكلام منهعليه‌السلام ـ ولا سيما في ذلك الزمان الذي ما كان البشر بعد يتصوّر ويفكّر في طرق السماوات ، ولا كان يعقل ويصدّق بأن للسماوات طرقا كطرق الأرض ـ أكبر دليل على أنّ علمه كان لدنيّا ونازلا إليه من ربّ السماء بواسطة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والجدير بالذكر ، أنّهم لما سألوه عن الكرات السماويّة والأسرار الفلكيّة ، أجابهم بموجب الاكتشافات العلميّة الحديثة وعلى خلاف ما كانوا يعتقدون آنذاك من نظريّة بطلميوس وغيرها.

جوابهعليه‌السلام عن الكرات السماوية

روى العالم الفاضل والمحدّث الجليل الثقة العدل الشيخ علي بن إبراهيم القمي ـ من أعلام القرن الثالث الهجري ـ في كتابه المعروف بتفسير القمي. ضمن تفسيره سورة الصافّات ، وكذلك العلاّمة اللغوي والعالم الديني الورع الزاهد التقي فخر الدين الطريحي في كتابه مجمع البحرين ، وكان يعيش قبل ثلاثمائة سنة تقريبا ، روى في مادة كوكب.

وروى العلاّمة الجليل والمحدّث النبيل المولى محمد باقر المجلسيرحمه‌الله في بحار الأنوار مجلّد السماء والعالم ، قالوا بأنّهعليه‌السلام سئل عن الكواكب في السماء فقال في جوابهم «هذه الكواكب مدائن مثل المدائن التي في الأرض. تربطها أعمدة من نور».

هذا الكلام ـ في ذلك الزمان الذي ما كانت فيه هذه الوسائل والآلات الكاشفة للكرات والسّيّارات الفلكيّة ـ يعدّ من المعاجز العلميّة التي تدلّ على أنّ قائلها إنّما كان يستوحي علمه من السماء ومن الخالق

١١٥٣

العظيم. لأنّ هذا الكلام على خلاف ما كان يعتقده العلماء والفلكيّون في ذلك العصر. وبعد مضيّ أكثر من ألف سنّة انكشف صحة كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام . ولقد كان لأولاده الأئمة المعصومين سلام الله عليهم كلام من هذا القبيل أيضا وهو كثير وقد جمعه أحد علمائنا الكبار في كتاب سمّاه ـ الهيئة والإسلام ـ.

حديث مع المستشرق الفرنسي مسيو جوئن

من المناسب أن أحدّثكم بحديث حدث في سفري هذا من العراق إلى بلادكم وهو : أنّي لمّا ركبت السفينة والباخرة من ميناء البصرة وتوجّهت إلى الهند ، صادف أن رافقني في الغرفة التي كنت فيها المستشرق الفرنسي مسيو جوئن وكان يجيد العربية والفارسية الى جانب لغته الفرنسية فتصادقنا مدّة سفرنا الذي طال أيّاما كثيرة وكنت وإيّاه في طول الطريق نتحادث عن الأمور العلميّة والدينية وكنت مهتما بإرشاد الرجل إلى الإسلام من خلال حديثي عن اعتقاداتنا الحقة وتعاليم ديننا السامية الواصلة إلينا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته وعترته والتي تشكّل مذهب الشيعة الإمامية.

وفي يوم من الأيّام أقرّ الرجل وقال : إنّي أعترف بأنّ دين الاسلام يشتمل على تعاليم سامية ، وعقائد عالية ، ومعنويات عظيمة ، بحيث لا توجد مثلها في سائر الأديان وحتى المسيحية ولكنّ أتباع الديانة المسيحية توصّلوا في الاكتشافات العلميّة والاختراعات الصناعيّة.

وتقدّموا في الأمور الماديّة إلى أبعد الغايات وسبقوا المسلمين وأتباع الديانات الأخرى في توفير وسائل الراحة والسعادة في الحياة.

١١٥٤

قلت له : كلامك صحيح ولا ننكر ذلك ، ولكن أساس هذه العلوم التي أدّت إلى تلك الاكتشافات العلميّة والاختراعات الصناعية بيد الغربيين كان منبعها وأساسها من الإسلام والمسلمين ، والتاريخ يشهد بأنّ الغربيين إلى القرن الثامن الميلادي كانوا يعيشون في بربريّة وهمجيّة ، في حين كان المسلمون يحملون راية العلم وكانوا آنذاك دعاة التمدّن والتقدّم والصلاح. كما يعترف بذلك كبار أعلامكم مثل ارنست رنان الفرنسي ، وكارليل الإنجليزي ، وندرمال الألماني وغيرهم.

وقبل أيّام وجدت كتابا عند أحد زملائي الكرام وهو النواب محمد حسين خان قزلباش ، من شخصيات الهند ، يقيم في كربلاء والكاظمية ، ناولني ذلك الكتاب وقال إنّه كتاب قيّم كتبه أحد المستشرقين الفرنسيين وترجمه من الفرنسيّة إلى الهنديّة السيد الفاضل والعالم الكامل السيد علي بلجرامي الهندي ، واسمه : تاريخ تمدّن العرب لمؤلفه جوستاف لوبون الحائز على شهادات الدكتوراه في الطب والحقوق والاقتصاد.

قال النوّاب محمد حسين خان : ولقد أثبت فيه المؤلف بالدلائل والبراهين بأنّ كل ما عند الغربيين من العلم والتمدّن والصناعات وحتى التعاليم الأخلاقيّة وآداب المعاشرة والإدارة وسياسة البلاد وتدبير الجيوش والعساكر والمهام الاجتماعيّة والفرديّة وغيرها ، إنما اكتسبوها وتعلّموها من العرب ، فإنّ العرب سبقوا كل الشعوب والملل إلى هذه لأمور الحسنة.

ومن الواضح أنّ المقصود من العرب ، هم المسلمون لأنّ العرب قبل ظهور الإسلام ، كانوا يعيشون في جاهلية وبربريّة بحيث سمّاهم

١١٥٥

المؤرّخون بعرب الجاهليّة ولكنّهم بفضل الاسلام أصبحوا روّاد العلم والتمدّن والصلاح والنظام في العالم.

فقال المسيو جوئن : نعم إنّي طالعت وقرأت هذا الكتاب في باريس.

فانّ المؤلف الدكتور جوستاف لوبون زميلي ولقد أهدى لي كتابه بيده ، وهو كتاب علمي تحقيقي تاريخي استدلالي.

مقال جوستاف لوبون في تأثر الغرب بالتمدن الإسلامي

ولقد ترجم لي الأستاذ صادق خان قزلباش وهو يسكن مدينة الكاظمية أيضا. بعض أوراق ذلك الكتاب ، منها الفصل الثاني من الباب العاشر تحت عنوان : تأثير الغرب بالتمدن الإسلامي ، وأنا أشكره كثيرا. وأقدّم إليكم هذا المقال بالمناسبة يقول جوستاف لوبون : إنّ أثر التمدن الإسلامي في الغرب لا يقلّ عن الأثر الذي أوجده في الشرق ، وبالإسلام تمدّنت أوربا. وإذا أردنا أن نعرف مدى هذا التأثير ، يلزم أن نطالع تاريخ أوربا قبل ظهور الإسلام.

ففي القرن التاسع والعاشر الميلادي أي في الزمن الذي وصل التمدّن الإسلامي إلى القمّة في بلاد إسپانيا ـ الأندلس سابقا ـ وحصل التقدّم العلمي والحضاري والاجتماعي والتجاري في تأسيس مراكز ، لم يكن في كل بلاد الغرب مركز واحد للعلم والحضارة ، أو تعليم الآداب الاجتماعيّة والتجاريّة. وكان كلّ شيء منحصرا في الكنائس وفي يد القساوسة والرهبان الجاهلين الذين كانوا يدّعون العلم والمعرفة ويجبرون الناس على الالتزام والتمسّك بالانحرافات والخزعبلات التي

١١٥٦

كانوا ينسبونها إلى الدين!

ومن القرن الثاني عشر الميلادي توجّه بعض الغربيين إلى الأندلس ودخلوا المراكز العلميّة التي أسسها المسلمون هناك وتلمّذوا عند العلماء المسلمين ، وأصبحوا علماء فاهمين وعادوا إلى بلاد أوربا ، وعملوا لإنقاذ شعوبهم من جهل القساوسة والخرافات المنتسبة إلى الدين.

فكل علماء العالم يجب أن يعرفوا حق المسلمين وتأثير التعاليم الإسلاميّة في انتشار العلم وترغيب الناس في تحصيل العلوم ، ولا سيما علمائنا في الغرب يجب أن يعرفوا أنّ للمسلمين حق الحياة عليهم ، ولو سمّينا تمدّن الغرب بتمدّن الإسلام والعرب كان صحيحا.

هذا رأي أحد المستشرقين وأحد علمائكم المحققين ، وأنت مثل كثير من الأوربيين تفتخر وتتباها بالاكتشافات والاختراعات الحديثة في الغرب وتنسون ذلك الماضي المظلم ولا تتفكّرون في النور الذي أزاح عنكم ذلك الجهل والظلام المطبق والنور هو نور الاسلام والعلم الذي أوصلكم بفضل الإسلام ولو طالعتم وقرأتم تاريخ الجزيرة العربيّة قبل الإسلام أيضا ، لرأيتهم أسوأ حالا من الغربي آنذاك ، فلا علم ولا نظام ولا دولة ولا قانون و...

ولمّا جاءهم الإسلام ، فبفضل خاتم الأنبياء والتعاليم السامية التي جاء بها من عند الله عزّ وجلّ صارت الجزيرة من أرقى بلاد العالم ، وانطلق منها المسلمون ينشرون تلك التعاليم الراقية والأحكام العالية ، في حين كانت پاريس التي هي اليوم مهد التمدّن والحضارة الحديثة ، كانت يوم ذاك تعاني من البربرية والوحشية الحاكمة بين أهلها بكل

١١٥٧

ضراوة وقساوة.

قلت لمسيو جوئن : إنكم تعلمون أنّ أوربا في القرن السابع والثامن الميلادي في عهد الإمبراطور شارلمان ملك فرنسا ، حصلت على شيء من النظام والتقدّم الحضاري والاجتماعي ولكن لا تقاس مع البلاد الاسلامية حينذاك ، ولقد كانت الروابط والعلاقات الدبلوماسيّة حسنة بين شارلمان وبين هارون الرشيد ولتوثيق العلاقات تبودلت بينهما هدايا وتحف ، بدأ بها الإمبراطور شارلمان وأجابه هارون بإرسال جملة من الهدايا مثل المجوهرات الثمينة والملابس الفاخرة التي كانت من صنع وحياكة المسلمين ، وكان منها فيل كبير لم ير الأوربيون مثله في بلادهم ، وبعث ساعة كبيرة صنعها المسلمون العرب وكانت تبيّن ساعات الليل والنهار بدقّات منظّمة رنّانة بصوت يحدث على أثر سقوط أثقال حديدية في طاسة كبيرة برنزية وقد نصبها الفرنسيّون على المدخل الرئيسي لعمارة الحكومة والتي كان الامبراطور يسكنها ، هذا ما أثبته ونقله الدكتور جوستاف لوبون في كتابه ونقله أيضا غيره من المستشرقين والعلماء الغربيين. وإن أحببتم أن تعرفوا التمدنين الإسلامي والغربي في ذلك الزمان فراجعوا تواريخكم وطالعوا قضيّة إرسال هدايا الرشيد إلى الإمبراطور شارلمان وتلك الساعة التي تعدّ أول ساعة من نوعها في أوربا ، والجدير بالذكر أن المؤرخين الغربيين يكتبون أنّه لما نصبت هذه الساعة على المدخل الرئيسي لبيت الإمبراطور ، اجتمع الناس ينظرون إليها متعجبين فلمّا رأوا حركات المؤشّرات وسمعوا تلك الدقّات الرنّانة التي كانت تحدث على أثر سقوط كريّات حديديّة في الطاسة البرنزية ، قالوا فيما بينهم إنّ

١١٥٨

الشيطان الذي كان الرهبان والقساوسة يحذّروننا منها وأنّها أكبر عدوّ للإنسان قد اختفى في هذا الشيء وهو الذي يحرّك المؤشّرات ويلقى الكريّات في الطاسة ، فأخذوا المعاول والفئوس وهجموا نحو دار الحكومة وبيت الإمبراطور ، فلما عرف الملك كلامهم وعرف أنّ مقصدهم هدم الساعة وتحطيمها دخل معهم من باب المفاوضة والتفاهم ، فاختاروا من بينهم كبارهم فصعدوا عند الساعة ونظروا إلى كيفية عملها ومحرّكاتها ، وفتّشوها فلم يجدوا فيها غير قطعات خشبية وحديدية وبرنزيّة ، فتنازلوا عن رأيهم واعتذروا إلى الإمبراطور!!

فالمسلمون كانوا متقدمين وسابقين على الغربيين في هذه العلوم والفنون والصناعات والاكتشافات بل هم المؤسسون لأكثر هذه الأشياء والعلوم والفنون إلاّ أنّهم تكاسلوا بعد حين واغترّوا فسبقهم الغربيون وتقدّموا عليهم بما تعلّموه منهم.

ثم إنّ تقدّم الغربيين لا يرتبط بالسيد المسيحعليه‌السلام وبدينه حتى تقولوا بأن أتباع المسيح تقدّموا على المسلمين ، فإذا كان هذا الكلام صحيحا ، فلما ذا عاش أتباع المسيحعليه‌السلام في وحشيّة وبربريّة وجاهلية جهلاء قريب الألف عام بعد صلب السيد المسيح على حدّ زعمكم ولم يتحوّلوا ولم ينتظموا ولم يتأدّبوا بالآداب ولم يتقيّدوا بالقانون والأحكام إلاّ بعد انتشار الإسلام في العالم

وقد طال الحديث حول الموضوع في ذلك.

الإمام عليعليه‌السلام والاكتشافات الحديثة

ثم قلت له : أنّ الفرق بين أئمة الإسلام وبين علماء العالم غير

١١٥٩

الأنبياء ، أنّ العلماء توصّلوا إلى ما توصّلوا من الاكتشافات بالأسباب والوسائل ، ولكنّ أئمتنا كشفوا عن كثير من الأسرار بغير وسائل وآلات. ثم قرأت عليه بعض الأخبار المرويّة عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام في تعريف وتوصيف بعض الحشرات الصغيرة التي لا ترى بالعين المجرّدة ، وقد وصفوها في زمن لم تكن المكرسكوبات وأمثالها مخترعة بعد واليوم بعد مضيّ أكثر من ألف سنّة توصّل علماؤكم الغربيّون إلى تلك الأوصاف بالآلات الحديثة والأجهزة الدقيقة. وكذلك كلامهمعليهم‌السلام في الكرات السماويّة والسيّارات الفلكية ، فأنتم اليوم تتباهون وتفتخرون ببعض مكتشفاتكم الفلكيّة والمجرّات والأقمار والسيّارات الفضائيّة وقد توصّلتم إليها بالأجهزة الاكتشافية والآلات العظيمة بينما توصّل إليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام بدون أجهزة وآلات ، ومثال ذلك أنّه لمّا سئل عن الكواكب والنجوم ، قال : «إنها مدائن مثل المدائن التي في الأرض». فلمّا قرأت عليه هذا الخبر ـ أطرق مسيو جوئن إلى الأرض متفكرا ـ.

ثم قال : أرجوك أن تذكر لي الكتب التي نقلت هذا الخبر قبل اختراع التلسكوب والاكتشافات الحديثة.

فذكرت له أسماء المصادر القديمة فسجّلها وكتب نصّ الخبر ، وقال : أنا الآن في طريقي إلى باريس وسأنزل في لندن وأراجع مكتباتها العامّة لغرض الحصول على هذه المصادر التي سجّلتها. وإن لم أجد هذه المصادر في لندن فسوف أفتّش عنها في باريس وفي سائر بلاد أوربا ، فإذا كان الخبر كما نقلتم وذكرتم في تلك المصادر القديمة ـ التي كتبت قبل اختراع هذه الآلات والأجهزة ـ عن الكرات السماوية

١١٦٠

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205