ليالي بيشاور

ليالي بيشاور6%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235939 / تحميل: 3905
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

٩ ـ مصادر تاريخية (درجة ثانية)

اسم الكتاب

المؤلف

سنة الوفاة

كتاب سليم بن قيس

سليم بن قيس الكوفي

٩٠ ه

وقعة صفين (ط ٢ قم)

نصر بن مزاحم

٢١٢

تاريخ خليفة بن خياط

ابن خياط

٢٤٩

بصائر الدرجات (في فضائل آل محمد)

ابن فروخ الصفار

٢٩٠

كتاب المحن

أبو العرب التميمي

٣٣٣

الآثار الباقية (طبع لا يبزغ)

البيروني (عالم فلكي شيعي)

٤٤٠

تاريخ بغداد (ط ١ القاهرة)

الخطيب البغدادي

٤٦٣

روضة الواعظين (مجالس)

ابن الفتال النيسابوري

٥٠٨

الاحتجاج

أبو منصور الطبرسي

٦٢٠

أسد الغابة في معرفة الصحابة ، ج ٢

ابن الأثير الجزري

٦٣٠

مرآة الزمان في تاريخ الأعيان

سبط ابن الجوزي

٦٥٤

شرح نهج البلاغة

ابن أبي الحديد المعتزلي

٦٥٦

ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى

محب الدين الطبري

٦٩٤

فرائد السمطين في فضائل السبطين

الجويني

٧٣٠

رأس الحسين (ع)(ط القاهرة)

ابن تيمية

٧٣٨

دول الإسلام

الذهبي

٧٤٨

المختصر في أخبار البشر

عمر بن الوردي

٧٤٩

مرآة الجنان وعبرة اليقظان

اليافعي

٧٦٨

النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة

ابن تغري بردي

٨٧٤

شذرات الذهب في أخبار من ذهب

ابن عماد الحنبلي

١٠٨٩

٨١

١٠ ـ الكتب التاريخية الحديثة والمعاصرة(١)

(مرتبة على الحروف الهجائية لكنية المؤلف)

اسم الكتاب

اسم المؤلف وكنيته

(آ)

سيد الشهداء الإمام أبو عبد الله الحسين (ع)

الحسين بن علي (ع)

الأئمة الاثنا عشر (ع)

أيام العرب في الإسلام

في رحاب سيد الشهداء (ع)

المفيد في ذكرى السبط الشهيد

سفينة النجاة : عبرة كربلاء (مجالس)

الحسين (ع) عند أهل السنة

الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء

التاريخ الحسيني

شهيد كربلاء : الحسين الشهيد الخالد

خطب الحسين (ع) على طريق الشهادة

المرأة في ثورة الحسين (ع)

الإمام الحسين (ع) ثأر الله

آل اعتماد الحائري ، مصطفى

أبو علم ، توفيق

الأديب ، عادل

أبو الفضل إبراهيم ، محمّد

إبراهيم ، السيد عليّ

إبراهيم ، عبد الحسين العاملي

(ب)

البلاغي ، محمّد عبد الرسول

(مؤسسة البلاغ)

الببلاوي ، محمّد

البوهي ، محمّد لبيب

بيضون ، د. لبيب

(ج)

جابر ، غادة

جعفر ، عباس

__________________

(١) نوّهنا سابقا إلى أن الكتب التي ألّفت بعد سنة [١١١١ ه‍] نعتبرها حديثة.

٨٢

اسم الكتاب

اسم المؤلف وكنيته

مع الحسين (ع) في نهضته

من وحي الثورة الحسينية

منتخبات التواريخ لدمشق

أبناء الرسول (ص) في كربلاء

مجالس عاشوراء

وقعة كربلاء (دراسة تحليلية)

غصن الرسول : الحسين بن عليّ (ع)

الثائر الأول في الإسلام

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة

تمثيلية شعرية عن موقعة الطف

أنصار الحسين (ع) : الرجال والدلالات

ثورة الحسين (ع) في الوجدان الشعبي

ثورة الحسين (ع) : ظروفها الاجتماعية

وآثارها الإنسانية

تاريخ النياحة على الإمام الشهيد ، ج ١

(ح)

حيدر ، أسد

الحسنى ، هاشم معروف

الحصني ، محمد أديب

(خ)

خالد ، خالد محمّد

(د)

دخيل ، محمّد عليّ

(ر)

الشيخ الركابي

رضا ، فؤاد عليّ

(س)

سرور ، محمّد عبد الباقي

(ش)

شرف الدين ، عبد الحسين

شرف الدين ، محمّد رضا

شمس الدين ، محمّد مهدي

شمس الدين ، محمد مهدي

شمس الدين ، محمّد مهدي

الشهرستاني ، صالح

٨٣

اسم الكتاب

اسم المؤلف وكنيته

الحسين بن عليّ : إمام الشاهدين

أدب الطف أو شعراء الحسين (ع)

الحسين ثائرا ـ الحسين شهيدا (مسرحيتان)

معالم المدرستين

مختصر تاريخ العرب

مقتل سيد الشهداء الحسين بن عليّ (ع)

بطلة كربلاء : زينب بنت الزهراء (قصة)

أبو الشهداء : الحسين بن عليّ (ع)

الإمام الحسين : سمو المعنى في سمو الذات

تاريخ الحسين ـ أيام الحسين (ع)

الدوافع الذاتية لأنصار الحسين (ع)

الفن الحربي في صدر الإسلام

حياة الإمام الحسين (ع) ، ٣ مجلدات

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (ع)

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب

ريحانة الرسول (ص)

كتاب عاشوراء ـ الشهيد والثورة

شلق ، د. عليّ

شبّر ، جواد

الشرقاوي ، عبد الرحمن

(ع)

العسكري ، السيد مرتضى

عليّ ، سيد أمير

عليّ خان ، عبد الكريم

عبد الرحمن ، عائشة

العقاد ، عباس محمود

العلايلي ، عبد الله

العلايلي ، عبد الله

عابدين ، محمّد عليّ

عون ، عبد الرؤوف

(ق)

القرشي ، باقر شريف

القزويني ، عبد الكريم

(ك)

الكاشي ، عبد الوهاب

(م)

محمّد ، أحمد فهمي

المدرّسي ، هادي

٨٤

اسم الكتاب

اسم المؤلف وكنيته

بين صلح الحسن (ع) وثورة الحسين (ع)

المجالس الحسينية ـ مع بطلة كربلاء

حقيقة النهضة الحسينية

تاريخ الشيعة

يزيد بن معاوية : فرع الشجرة الملعونة

وسيلة الدارين في أنصار الحسين (ع)

الفاجعة العظمى

العيون العبرى في مقتل سيد الشهداء (ع)

قادتنا : كيف نعرفهم ، ج ٦

الإمام الحسين (ع) ملتقى الكرامات

دار السلام (منامات عن أهل البيت) ج ١

مغنية ، أحمد

مغنية ، محمّد جواد

الشهيد مطهري

المظفر ، محمّد حسين

المكي ، أبو جعفر أحمد

الموسوي الزنجاني ، إبراهيم

الموسوي ، عبد الحسين بن حبيب

الميانجي ، إبراهيم

الميلاني ، محمّد هادي

(ن)

النائيني ، محمّد حسن

النوري

٨٥

١١ ـ كتب الجغرافيا والبلدان

(مرتبة على الحروف الهجائية لكنية المؤلف)

اسم الكتاب

اسم المؤلف وكنيته

رحلة ابن بطوطة

تاريخ الكوفة

رحلة ابن جبير

جولة أثرية في بعض البلاد الشامية

(ترجمة أحمد وصفي زكريا)

معجم البلدان

صورة الأرض

موجز تاريخ البلدان العراقية

المسالك والممالك

العراق في الخوارط القديمة

الجامع الأموي

تقويم البلدان

آثار البلاد وأخبار العباد

تاريخ كربلاء وحائر الحسين (ع)

مدينة الحسين (ع) أو مختصر تاريخ كربلاء

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

بلدان الخلافة الشرقية (ترجمة بشير فرنسيس)

خطط الكوفة وشرح خريطتها

خطط دمشق

أضواء على معالم محافظة كربلاء

صفة جزيرة العرب

الإشارات إلى معرفة الزيارات

مفصّل جغرافية العراق

البلدان

ابن بطوطة

البراقي النجفي ، حسين

ابن جبير

جلبي ، أوليا

الحموي ، ياقوت

ابن حوقل النصيبي

الحسني ، عبد الرزاق

ابن خرداذبه ، عبيد الله

سوسة ، د. أحمد

الطنطاوي ، عليّ

أبو الفداء

القزويني

الكليدار ، د. عبد الجواد

آل كليدار ، محمّد حسن مصطفى

الكليدار آل طعمة ، عبد الحسين

لسترنغ ، كي

ماسينيون ، لويس

المنجد ، صلاح الدين

النويني ، محمّد

الهمداني

الهروي ، أبو الحسن

الهاشمي ، طه

اليعقوبي

٨٦

الفصل الثاني

أنساب آل أبي طالبعليهم‌السلام وتراجمهم

١ ـ ترجمة أبي طالبعليه‌السلام

ـ أولاد أبي طالبعليهم‌السلام

٢ ـ ترجمة عقيل بن أبي طالبعليه‌السلام

ـ أولاد عقيلعليهم‌السلام ـ أحفاد عقيلعليهم‌السلام

٣ ـ ترجمة جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام

ـ ترجمة عبد الله بن جعفرعليه‌السلام ـ أولادهعليهم‌السلام

٤ ـ أعمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين النصرة والتخاذل

ـ لما ذا لم يشارك العباسيون في نصرة الحسينعليه‌السلام ؟

٥ ـ ترجمة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأولاده

٦ ـ ترجمة الإمام عليّعليه‌السلام ـ بعض فضائلهعليه‌السلام

ـ مخطط نسل الإمام عليعليه‌السلام ـ زوجاته وأولاده

٧ ـ أولاد الإمام الحسنعليهم‌السلام وزوجاته

٨ ـ أولاد الإمام الحسينعليهم‌السلام وزوجاته.

٨٧

ملاحظة هامة :

بعد انتهاء الفصل الأول المتعلق بالمصادر ، يبدأ من هذا الموضع

من الموسوعة ، ترقيم الفقرات برقم متسلسل يسبق عنوان الفقرة.

٨٨

الفصل الثاني :

أنساب آل أبي طالبعليهم‌السلام وتراجمهم

مقدمة الفصل :

نبدأ هذا الفصل بذكر أنساب أهل البيتعليهم‌السلام المتفرعين من سيّد البطحاء وبيضة البلد وأرومة بني هاشم ، عمّ النبي المكرّم ، وناصره وحاميه المعظّم ، عمه (أبي طالب). مبتدئين بنسب ابنه الأكبر (عقيل) وأولاده ، ثم بنسب ابنه الأوسط (جعفر الطيار) وأولاده ، ثم بنسب ابنه الأصغر (عليّ بن أبي طالب) وأولادهعليهم‌السلام . ثم بأولاد الحسنعليهم‌السلام ، ثم بأولاد الحسينعليهم‌السلام وزوجاته.

وذلك لأن هؤلاء هم الوحيدون من بني هاشم الذين نصروا الإسلام في كربلاء.أما بنو العباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يحضر أحد منهم في كربلاء.

١ ـ ترجمة أبي طالب وأولادهعليهم‌السلام

١ ـ ترجمة أبي طالبعليه‌السلام :

اسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم ، عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسليل الأسرة الهاشمية الكريمة ، التي سطّر لها التاريخ ملحمة في كل صورة حسنة ، مادّتها الخير وإطارها الأخلاق.

وفي حين ساد كثير من الناس قومهم بالمال والثراء ، فإن أبا طالب ساد قومه بالجاه والشرف ، حتّى سمتّه قريش «سيّد البطحاء».

ولما ولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتيما كفله جده عبد المطلب حتّى سن سبع سنين ، ولما توفي كفله عمه أبو طالبعليه‌السلام ، وظل كافله وحاميه مدة ٤٥ عاما ، حتّى فارق الحياة في الخامسة والثمانين من عمره. وبعد ثلاثة أيام توفيت خديجة المخلصة زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسمّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذاك العام «عام الحزن». وبعد ذلك بعام هاجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ، بعد أن سمع جبرئيل يقول له : «اخرج منها

٨٩

فقد مات ناصرك».(راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٢ ص ٢٩ ط ٢ مصر)

ولقد كان أبو طالبعليه‌السلام من أول المؤمنين بالدعوة الجديدة ، يدلنا على ذلك استمرار حمايته للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أن يصل إليه أي أذى من المشركين ، ومقاطعته لكل قريش من أجل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته. إلا أن الظروف الخاصة كانت تفرض عليه أن يكتم إيمانه ، فكان أبو طالب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل (حزقيل) مؤمن آل فرعون ، الّذي كان يكتم إيمانه.

يقول الإمام عليّعليه‌السلام : «كان والله أبو طالب مؤمنا مسلما ، يكتم إيمانه مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش».

وحين كان المشركون يسألون أبا طالب عن دينه ، كان يحسن التخلص ويقول لهم : «إنني على ملةّ أبي ، عبد المطلب». علما بأن عبد المطلّب وهاشم وجميع آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجداده ، كانوا مسلمين موحّدين على دين إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، وليسوا مشركين كغيرهم من قريش ، إذ هم من الذرية المختارة التي اصطفاها الله على العالمين في قوله :( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣)ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ) [آل عمران : ٣٣ ـ ٣].

ولا أدلّ على إيمان أبي طالب العميق بالدعوة الإسلامية ، من تربيته لأولاده كلهم على مبادئ الإسلام والشهادة ، حتّى كانوا خير سند للإمام الحسينعليه‌السلام حين قام يدافع عن حوزة الإسلام ومبادئه ، التي كادت تداس وتندثر ، وأظهروا من آيات البطولة ما لم يشهد له مثيل. ولا عجب في ذلك إذا كانوا من نسل أبي طالب الّذي قال فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لله درّ أبي طالب ، لو ولد الناس كلّهم كانوا شجعانا».

ولهذا الموقف النبيل الّذي لا يعرف الحدود ، أحبّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يردّ لأبي طالب بعض المعروف في كفالته وتربيته ونصرته ، فعندما حصلت مجاعة في مكة ، وكان أبو طالب فقيرا وكثير العيال ، وكان عليعليه‌السلام قد أدرك سن التمييز ، فاجتمع أهل البيت ليخففوا عن أبي طالب عياله ، فقال لهم : اتركوا لي عقيلا واصنعوا ما شئتم. فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا ، وأخذ حمزة جعفرا ، وأخذ العباس طالبا. فكان عليعليه‌السلام ربيب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٩٠

٢ ـ أولاد أبي طالبعليهم‌السلام :

(عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة ، ص ٣٠ ط ٢)

وقد كان لأبي طالبعليه‌السلام أربعة بنين هم : طالب وعقيل وجعفر وعلي رضوان الله عليهم أجمعين. وكان كل واحد منهم أكبر من الّذي يليه بعشر سنين. فيكون طالب أسنّ من عليعليه‌السلام بثلاثين سنة ، وبه كان يكنّى أبوه. وكان لأبي طالب من البنات ثلاث : أم هاني وفاختة وجمانة. وأمهم جميعا فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي. وكانت جليلة القدر ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوها أمي لأنها ربّته. وكانت من السابقات إلى الإسلام. ولما توفيتعليها‌السلام صلّى عليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودخل قبرها وترحم عليها.

٢ ـ ترجمة عقيل وأولادهعليه‌السلام

٣ ـ ترجمة عقيل :(المصدر السابق ص ٣١)

يكنّى أبا يزيد. وكان أبو طالبعليه‌السلام يحبه حبا شديدا. ولذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعقيل : «إني لأحبك حبّين : حبا لك ، وحبا لحب أبي طالب». وكان عقيل نسابة عالما بأنساب العرب وقريش. وخرج إلى بدر مع المشركين فأسره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفداه عمه العباس بأربعة آلاف درهم.

ويذكر ابن قتيبة في (المعارف) أن عقيلا أسلم يوم بدر بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويؤيد كونه كان مسلما من قبل ما رواه الطبري في تاريخه (ج ٢ ص ٢٨٢) من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : «إني قد عرفت رجالا من بني هاشم قد خرجوا إلى بدر كرها ، فمن لقي منكم أحدا منهم فلا يقتله». فهذا يفيد إيمان عقيل بالنبوة قبل الهجرة ، غير أن سياسته لقريش اضطرته إلى التستر والاستخفاء ، كما فعل أبوه أبو طالب من قبل بأمر من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . توفي عقيل سنة ٦٠ ه‍.

وخرج ولد عقيل مع الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء ، فقتل منهم تسعة نفر ، وكان مسلم بن عقيل أشجعهم. وفي ذلك يقول الشاعر :

عين جودي بعبرة وعويل

واندبي إن ندبت آل الرسول

سبعة منهم لصلب عليّ

قد أبيدوا وسبعة لعقيل

٩١

٤ ـ أولاد عقيل :(نسب قريش لمصعب الزبيري ، ص ٨٤)

الذكور :

اسم الولد

صفته

أمه

يزيد

سعيد

وبه كان يكنّى

أمهما : رابطة بنت عمرو من بني نفيل

جعفر الأكبر

أبو سعيد الأحول

أمهما : من بني أبي بكر بن كلاب ابن ربيعة

مسلم بن عقيلعليه‌السلام

عبد الله الأكبرعليه‌السلام

عبد الله الأصغر

لا بقية له

قتل بالطف

أمهم : أم ولد(١) يقال لها عليّة ، اشتراها عقيل من الشام. وقيل إن أم مسلم كانت نبطية من آل فرزندا

عبد الرحمنعليه‌السلام

قتل بالطف

علي الأكبر

درج

أم ولد

جعفر الأصغر

درج

أم ولد

حمزة ، عيسى ، علي عثمان ، محمّد

درجوا

أمهات أولاد شتى.

البنات :

أم هانئ (رملة) ،

زينب ، فاطمة ،

زينب الصغرى ،

أم لقمان

أمهات أولاد شتى

__________________

(١) أم ولد : هي الأمة أو الجارية أو المملوكة ، يشتريها الرجل فيطؤها بملك اليمين ، فإذا حملت وأنجبت له ولدا أصبحت (أم ولد) ، وحكمها أنه إذا مات صاحبها أعتقت من نصيب ولدها ، وذلك لأن الولد لا يجوز أن يملك أمّه.

٩٢

وقد انقرض ولد عقيل إلا من محمّد بن عقيل ، وكانت عنده زينب الصغرى بنت عليعليه‌السلام فولدت له : عبد الله بن محمّد.

٥ ـ أحفاد عقيل :(المعارف لابن قتيبة ، ص ٨٨ ط ٢)

أما أحفاد عقيل :

فولد مسلم بن عقيل : عبد الله وعلي ، أمهما رقية بنت عليعليهم‌السلام . ومسلم بن مسلم وعبد العزيز.

وولد محمّد بن عقيل : القاسم وعبد الله وعبد الرحمن ؛ أمهم زينب الصغرى بنت عليعليه‌السلام .

وولد عبد الله بن عقيل : محمّد ورقية وأم كلثوم ؛ أمهم ميمونة بنت عليعليه‌السلام .

وولد أبو سعيد بن عقيل : محمّد

وولد عبد الرحمن بن عقيل : سعيد ؛ أمه خديجة بنت عليعليه‌السلام .

تعليق : يظهر من هذا أن أغلب أولاد عقيل قد تزوجوا من بنات عمهم بنات الإمام عليعليه‌السلام . وهذا يدل على المحبة والالفة التي كانت بين عائلة عليعليه‌السلام وعائلة عقيلعليه‌السلام . وقد أثر عن الإمام عليعليه‌السلام قوله : بناتي لأولاد إخوتي ، وذلك اقتداء بقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما نظر يوما إلى أولاد علي وجعفر ، فقال : بناتنا لبنينا ، وبنونا لبناتنا (عقيلة بني هاشم لعلي بن الحسين الهاشمي ، ص ٢٦).

٣ ـ ترجمة جعفر الطيار وأولادهعليهم‌السلام

٦ ـ ترجمة جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام :(المصدر السابق ص ٨٩)

جعفر الطيار هو ذو الهجرتين وذو الجناحين. وكان استشهد يوم مؤتة فقطعت يداه ، فأبدله اللهعزوجل بهما جناحين يطير بهما في الجنة. ووجدوا يومئذ في مقدّمه أربعا وخمسين ضربة سيف [وفي الإصابة : بضعا وتسعين طعنة].

وقدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحبشة يوم فتح خيبر ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«ما أدري بأي الأمرين أنا أسرّ ؛ بقدوم جعفر ، أم بفتح خيبر؟».

وقال أبو هريرة : ما ركب الكور (أي أقتاب الإبل) ، ولا احتذى النعال ، ولا وطئ التراب أحد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أفضل من جعفرعليه‌السلام .

٩٣

وكان يكنى أبا عبد الله. ومن أولاده : عبد الله وعون ومحمد ؛ أمهم أسماء بنت عميس الخثعمية. وكان له ثمانية ذكور ، لم ينجب منهم غير عبد الله ، وهو أكبرهم.

٧ ـ ترجمة عبد الله بن جعفر :

(عمدة الطالب في أنساب أبي طالب لابن عنبة ، ص ٣٢ ط ٢)

عبد الله بن جعفر ، أحد أجواد بني هاشم الأربعة ، وهم : الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر.

يكنّى أبا جعفر. أمه أسماء بنت عميس الخثعمية. وهو أول مولود ولد للمسلمين المهاجرين إلى الحبشة. وهو زوج مولاتنا زينب العقيلة بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام .

قال السيد علي خان في (الدرجات الرفيعة) : إن أول من بايع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الصبيان الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر الطيارعليهم‌السلام ، ولقد دعا له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : الله م بارك في صفقته.

وقال المسعودي : سمع عبد الله بن جعفر يوم جمعة يقول : الله م إنك عوّدتني عادة وعوّدتها عبادك ، فإن قطعتها عني فلا تبقني. فمات في تلك الجمعة في أيام عبد الملك بن مروان ، وصلى عليه أبان بن عثمان بمكة. وقال كثير من المؤرخين بأنه توفي بالمدينة سنة ٨٠ ه‍ ، وله من العمر تسعون سنة.

وأعقب عشرين ذكرا ، وقد استشهد منهم مع ابن عمه الحسينعليه‌السلام في كربلاء :عون ومحمد الأصغر.

٨ ـ أولاد عبد الله بن جعفرعليه‌السلام :

(نسب قريش لمصعب الزبيري ، ص ٨٢)

اسم الولد

صفته

أمه

جعفر الأكبر

عون الأكبر

علي بن عبد الله

أم كلثوم

انقرض

انقرض

فيه البقية منولده

أمهم جميعا : زينب العقيلة بنت أمير المؤمنين عليعليه‌السلام

٩٤

اسم الولد

صفته

أمه

الحسين بن عبد الله

عون الأصغرعليه‌السلام

قتل بالطف

أمهما : جمانة بنت المسيب بننجبة الفزاري

أبو بكر ، محمّد ،

عبد الله الأصغر ،

محمّد الأصغر

قتل بالطف

أمهم : الخوصاء بنت حصفة ابن ثقيف

يحيى ، هرون ،

صالح ، موسى ،

أم أبيها ، أم محمّد

أمهم جميعا : ليلى بنت مسعود ابنخالد النهشلية

صالح الأصغر ،

أسماء ، لبابة

أمهم : آمنة بنت عبد الله بن كعب

حسين الأصغر ،

معمرية ، اسحق

أمهات أولاد شتى.

٤ ـ أعمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين النصرة والتخاذل

أعمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

نزل الوحي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمره بدعوة عشيرته ليساندوه في دعوته الجديدة ، حيث قال :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٢١٤) [الشعراء : ٢١٤]. وكان أكبر سند ينتظره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو أعمامه الثلاثة : الحمزة والعباس وأبو طالبعليهم‌السلام .

موقف أعمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدعوة الإسلامية

٩ ـ موقف الحمزةعليه‌السلام :

فأما الحمزة فقد تبنّى الدعوة من أول لحظة ، وظل يساند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعاضده حتّى استشهد في غزوة أحد ، وسمّاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أسد الله وأسد رسوله. ومن المؤسف أنه لم يعقب ولدا.

٩٥

١٠ ـ موقف العباس بن عبد المطلب :

وأما العباس ، فلم ينصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة ، فقد كان في جيش المشركين الّذي جاء يقاتل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر. وقيل إنه أسلم يوم فتح خيبر وكتم إسلامه. وقيل إن إسلامه كان قبل يوم بدر ، وأنه كان يكتب بأخبار المشركين إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولذلك حزن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه حين أسر يوم بدر ، وسعى في فكاكه.

وكان العباس بن عبد المطلب غنيا ثريا ، وبينه وبين أبي سفيان علاقة جيدة ، لذلك جاء بأبي سفيان يوم فتح مكة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليبايع.

١١ ـ موقف أولاد العباس :

وقد أنجب العباس عشرة بنين ، هم : الفضل بن العباس وعبد الله وعبيد الله وقثم وعبد الرحمن ومعبد وكثير وتمّام وعون والحرث.

والغريب أنه لم يشترك مع الحسينعليه‌السلام في كربلاء أحد من هذا النسل.

فأما عبد الله بن العباس ـ وقد كان تلميذا للإمام عليعليه‌السلام ـ فإذا كان لم يشترك في نصرة الحسينعليه‌السلام لأنه كان قد كفّ بصره ، فأي عذر للباقين من أولاد العباس وأولادهم؟.

وفي الواقع فقد كانت نصرة أعمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للدعوة مختلفة ؛ فبعضهم نصرها بالسيف وهو الحمزة ، وبعضهم نصرها بالمال وهو العباس ، وبعضهم نصرها بالحماية والرعاية وهو أبو طالب. وبعضهم ناصبها العداء حتّى كان من أهل النار وهو أبو لهب.

ومن المخزي حقا أن يقف بنو العباس هذا الموقف الشائن من ابن عمهم الحسينعليه‌السلام ، فيتخلّفوا عن نصرته ويخسروا شرف الفتح الّذي أراده لهم. في حين لم يتخلف ولا شخص من أحفاد أبي طالبعليه‌السلام ، سواء من أبناء عقيل وأحفاده ، أو أحفاد جعفر ، أو أبناء عليعليهم‌السلام وأحفاده ، حتّى الأطفال منهم الذين لم يبلغوا الحلم.

وقد تمادى هذا الغيّ بأحفاد العباس ، إلى أبعد من هذا. فحين قام أبو مسلم الخراساني بثورته ضد حكم بني أمية ، داعيا إلى أصحاب الحق الشرعي من أبناء عليعليهم‌السلام ، حتّى انتصر على بني أمية وقوّض عرشهم ، لم يكن من العباسيين إلا أن التفوّا عليه وقتلوه ، واغتصبوا الخلافة وحوّلوها عن أصحابها الشرعيين. وبدأ

٩٦

أولهم أبو العباس السفاح يسفح الدماء من نحور الأمويين والعلويين على حدّ سواء.ثم جاء ثانيهم أبو جعفر المنصور الدوانيقي ، ينصر أطماعه في الحكم ، ويلا حق العلويين فيبيدهم أينما ثقفوا. وعلى هواه سار كل من جاء بعده ، حتّى فاق بنو العباس في طغيانهم واضطهادهم للعلويين والتنكيل بهم ما فعله بنو أمية. وكما قال الشاعر :

تالله ما فعلت أميّة فيهم

معشار ما فعلت بنو العباس

١٢ ـ موقف أبي طالبعليه‌السلام :

وأما أبو طالب الّذي كان شقيق عبد الله والد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد كان طالبا للشرف والعلاء ، دون المال والشهوات. فهو رغم فقره وقلة ذات يده ، أصبح شيخ البطحاء وسيد قريش. وقد كان مثل أبيه عبد المطلب على دين إبراهيمعليه‌السلام . فأوكل الله إليه كفالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاة عبد المطلب. ولإيمانه بنبوة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفله وحماه وجعله كواحد من أبنائه ، بل كان يفضّله عليهم. وحين قاطع المشركون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألجأ أبو طالب محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى شعبه ثلاث سنين ، خوفا عليه وحماية لدعوته. وقد كانت الظروف تفرض على أبي طالب أن يلعب دور «التقيّة «تجاه قريش ، ريثما تقف الدعوة على أقدامها. وإن البيب يدرك أن أعمال الإنسان هي التي تنبئ عن حقيقة إيمانه وعقيدته ، في حين لا قيمة للتشهد بالشهادتين إذا كان لا ينبع من القلب ، بل يصدر من اللسان والسيف على العنق.

ومن أعظم الدلائل على إيمان هذا الرجل العظيم ، الّذي كان محور نجاح الدعوة ، والذي لعب أكبر دور في فوزها وازدهارها ، أنه لم يمنع أحدا من أولاده عن متابعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دعوته ، بل إنه كان يحضّهم على الصلاة خلفه ، والمحافظة عليه من بعده. كما سمح لزوجته بالإسلام ، فكانت فاطمة بنت أسد من أوائل المسلمات.

روى ابن الأثير أن أبا طالبعليه‌السلام رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي ، وعليّعليه‌السلام عن يمينه ، ولم تكن الصلاة مشروعة على الناس في ذلك الوقت ، فقال لابنه جعفر :«صل جناح ابن عمك». أي صلّ عن يسار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما صلى أخوك عن يمينه ، فتصيرا له مثل الجناحين. ولما انصرفوا أنشأ أبو طالب يقول :

٩٧

إنّ عليا وجعفرا ثقتي

عند ملمّ الخطوب والنّوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما

أخي لأمي من بينهم وأبي

والله لا أخذل النبي ولا

يخذله من بنيّ ذو حسب

وبهذا النّفس العقائدي الجارف ، الّذي لا يعرف الشك ولا التواني ، قام أحفاد أبو طالب ينصرون الدعوة يوم كربلاء ، كما نصرها جدهم أبو طالب في مكة والبطحاء. حتّى أن كل الذين استشهدوا من أهل البيتعليهم‌السلام يوم كربلاء وعددهم ١٧ شهيدا ، كانوا كلهم من صلب أبي طالبعليه‌السلام .

قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : «قتل مع جدي الحسينعليه‌السلام سبعة عشر رجلا ، كلهم حملت بهم فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالبعليه‌السلام ».

انظر (لائحة المستشهدين مع الحسينعليه‌السلام من آل أبي طالب) ، ولاحظ أن كل شهداء أهل البيتعليهم‌السلام يوم كربلاء هم من نسل أبي طالب وأولاده الثلاثة : عقيل وجعفر وعليعليهم‌السلام .

١٣ ـ لماذا لم يشارك العباسيون في نصرة الحسينعليه‌السلام ؟ :

(انصار الحسينعليه‌السلام لمحمد مهدي شمس الدين ، ص ٢٠٥ ط ٢)

قال الشيخ محمّد مهدي شمس الدين : لقد فجّر الثورة الهاشميون ما من شك ، ولكن أي الهاشميين هم؟. إنهم الطالبيون من سلالة أبي طالبعليه‌السلام . أما العباسيون أبناء العباس بن عبد المطلب ، فالغريب أنه لم يشترك منهم فيها أحد.سوى نصيحة عبد الله بن عباس للحسينعليه‌السلام التي لم تعد المشافهة. فلماذا يكون هذا؟.

وكل الثورات التي أشعلتها ثورة الحسينعليه‌السلام فيما بعد ، في العراق والحجاز وإيران ، كان قادتها طالبيين ، ولم يكن فيهم عباسيّ واحد على الإطلاق!.

لقد كان العباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غنيا ومترافقا مع أبي سفيان ، ولم يسلما إلا متأخرين. في حين كان أبو طالب من الفقراء ، وكان أول من آمن بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصره وحماه ، وعلى نهجه سار أولاده وأحفاده جميعاعليهم‌السلام . فالعباس يمثّل الغنى والمال ، وأخوه أبو طالب يمثل العقيدة والكمال. ففي حين كان العباسيون بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينعمون بجوائز الخلفاء وترف العيش ، كان الطالبيون يحترقون بنار الثورات ضد الظلم والباطل.

٩٨

المستشهدون مع الحسين من آل أبي طالبعليه‌السلام

وإن الألى بالطفّ من آل هاشم

تأسّوا فسنّوا للكرام التاسيا

٩٩

وظل العباسيون يسايرون الطالبيين والعلويين ، ويستفيدون من جهادهم وسمعتهم ، حتّى استطاعوا أن يغتصبوا الحق منهم ويقوموا بالدولة العباسية ، عند ذلك أظهروا حقيقتهم تجاه العلويين ، ولم يترددوا ساعة في إبادتهم واستئصالهم ، فكانوا هم والأمويون على حدّ سواء ، إذا لم يكن العباسيون أكثر بطشا وألدّ عداوة.وكما قال أبو فراس الحمداني في قصيدته الشافية :

ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت

تلك الجرائم إلا دون نيلكم

ـ أساليب تعذيب العباسيين لشيعة أهل البيتعليهم‌السلام :

(من وحي الثورة الحسينية لهاشم معروف الحسني ، ص ١٥٩)

روى الرواة عن أساليب تعذيب أبي جعفر المنصور للعلويين ، أنه كان يضع العلويين في الأسطوانات ويسمرهم في الحيطان ، وأحيانا يضعهم في سجن مظلم ويتركهم يموتون جوعا ، ويترك الموتى بين الأحياء ، فتقتلهم الروائح الكريهة ، ثم يهدم السجن على الجميع (كما جاء في تاريخ اليعقوبي).

٥ ـ ترجمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأولاده

١٤ ـ ترجمة النبي الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وآله الطّاهرين ، ص ٥ ـ ٨٦)

هو محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب.

ولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة عند طلوع الفجر من يوم الاثنين لاثنتي عشرة أو سبع عشرة ليلة مضت من ربيع الأول عام الفيل. ومات أبوه عبد الله وأمه حامل به. فلما ولد كفله جده عبد المطلب وسمّاه (محمدا) ، ولم يسمّ بهذا الاسم أحد من قبل. وعقّ عنه في اليوم السابع من ولادته. ولما بلغصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ست سنين خرجت به أمه إلى المدينة المنورة لزيارة أخواله من بني النجار ، فمرضت وهي راجعة به وتوفيت ، ودفنت بالأبواء.

ولما صار عمره الشريف ثماني سنين مرض جده عبد المطلب مرض الموت ، فأوصى به إلى عمه أبي طالب لفخامته ، ولكونه شقيق أبيه عبد الله. ولما صار عمره اثنتي عشرة سنة وسافر به عمه إلى الشام ووصل الركب إلى بصرى ، رأى منه بحيرا

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

العباد» وأكثر علماء الحنفية انتقدوا كثيرا من الأحاديث المدرجة في الصحيحين وقالوا : إنّها من الروايات الضعاف وهي غير صحيحة.

وبعض المحقّقين من علمائكم مثل كمال الدين جعفر بن ثعلب بالغ في بيان فضائح بعض الروايات من الصحيحين ، وأقام الأدلّة العقلية والنقلية على خلافها.

فلسنا وحدنا المنتقدين لصحيحي مسلم والبخاري والقائلين بوجود الخرافات فيهما حتّى تهرّج ضدّنا!

الحافظ : بيّنوا لنا من خرافات الصحيحين كما تزعمون حتّى نترك التحكيم في ذلك للحاضرين.

قلت : أنا لا أحبّ أن أخوض في هذا البحث ، ولكن تلبية لطلبكم ، ولكي تعرفوا أنّي لا أتكلّم إلاّ عن علم وإنصاف ، وعن وجدان وبرهان ، أذكر بعض تلك الروايات باختصار :

رؤية الله سبحانه عند أهل السنّة

إذا أردتم الاطّلاع على الأخبار التي تتضمّن الكفر في الحلول والاتّحاد وتجسّم الله سبحانه ورؤيته في الدنيا أو في الآخرة على اختلاف عقائدكم ، فراجعوا : صحيح البخاري ج ١ ، باب فضل السجود من كتاب الصلاة ، وج ٤ باب الصراط من كتاب الرقاق ، وصحيح مسلم ج ١ ، باب اثبات رؤية المؤمنين ربّهم في الآخرة ، ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٧٥ ، وأنقل لكم نموذجين من تلك الأخبار الكفرية :

١٤١

١ ـ عن أبي هريرة : إنّ النار تزفر وتتقيّظ شديدا ، فلا تسكن حتّى يضع الربّ قدمه فيها ، فتقول : قطّ قطّ ، حسبي حسبي.

وعنه : إنّ جماعة سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل نرى ربّنا يوم القيامة؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم ، هل تضارّون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب الى آخرها.

بالله عليكم أنصفوا! إمّا تكون هذه الكلمات كفرا بالله سبحانه وتعالى.؟

وقد فتح مسلم بابا في صحيحه كما مرّ ونقل أخبارا عن أبي هريرة وزيد بن أسلم وسويد بن سعيد وغيرهم في رؤية الله تبارك وتعالى.

وقد ردّ هذه الأخبار كثير من كبار علمائكم وعدوّها من الموضوعات والأكاذيب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، منهم الذهبي في «ميزان الاعتدال» والسيوطي في «اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» وسبط ابن الجوزي في «الموضوعات» فهؤلاء كلّهم أثبتوا ـ بأدلّة ذكروها ـ كذب تلك الأخبار وعدم صحّتها.

وإذا لم تكن هناك أدلّة على بطلانها سوى الآيات القرآنية الصريحة في دلالتها على عدم جواز رؤية الباري عزّ وجلّ لكفى ، مثل :( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (١) .

وفي قصّة موسى بن عمرانعليه‌السلام وقومه إذ طلبوا منه رؤية الله تعالى وهو يقول لهم : لا يجوز لكم هذا الطلب ، ولكنّهم أصرّوا فقال :( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي ) (٢) و( لَنْ ) تأتي في النفي الأبدي.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ١٠٣.

(٢) سورة الأعراف ، الآية ١٤٣.

١٤٢

قال السيّد عبد الحيّ ـ وهو إمام جماعة المسجد ـ : ألم ترووا عن عليّ كرّم الله وجهه أنّه قال : لم أكن أعبد ربّا لم أره؟!

قلت : حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ، إنّك ذكرت شطرا من الخبر ، ولكنّي أذكر لك الخبر كلّه حتّى تأخذ الجواب من نصّ الخبر :

روى ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكلينيقدس‌سره (١) في كتاب الكافي كتاب التوحيد باب ابطال الرؤية وروى أيضا الشيخ الكبير حجّة الاسلام أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القميّ المعروف بالشيخ الصدوق طاب ثراه في كتاب التوحيد(٢) باب ابطال عقيدة رؤية الله تعالى ، رويا عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام أنّه قال : جاء حبر إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّك حين عبدته؟

فقالعليه‌السلام : ويلك! ما كنت أعبد ربّا لم أره.

قال : وكيف رأيته؟!

قالعليه‌السلام : ويلك! لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.

فكلام أمير المؤمنينعليه‌السلام صريح في نفي رؤيته سبحانه بالبصر ، بل يدرك بالبصيرة وبنور الإيمان.

وعندنا دلائل عقلية ونقلية أقامها علماؤنا في الموضوع ، وتبعهم بعض علمائكم ، مثل : القاضي البيضاوي ، وجار الله الزمخشري في

__________________

(١) الكافي : ١ / ٩٨ ، كتاب التوحيد ، الحديث ٦.

(٢) التوحيد : ١٠٩ ، الحديث ٦ ، الباب ٨.

١٤٣

تفسيريهما ، أثبتا أنّ رؤية الله سبحانه لا تمكن عقلا.

فمن يعتقد برؤية الله تعالى سواء في الدنيا أو في الآخرة ، يلزم أن يعتقد بجسميّته عزّ وجلّ ، وبأنّه محاط ومظروف ، ويلزم أن يكون مادّة حتّى يرى بالعين المادّية ، وهذا كفر كما صرّح العلماء الكرام من الفريقين!!

الأخبار الخرافية في الصحيحين

ثمّ إنّي أعجب كثيرا من اعتقادكم بالصحاح الستّة ، وبالأخصّ صحيحي البخاري ومسلم على أنّهما كالوحي المنزل ، فلو نظرتم فيهما بعين التحقيق والنقد ، لا بعين القبول والتسليم ، لاعتقدتم بكلامي ، ولقبلتم أنّ صحاحكم ، وحتّى صحيحي مسلم والبخاري لا تخلو من الخرافات والموهومات ، وإليكم بعضها :

١ ـ أخرج البخاري في كتاب الغسل ، باب : من اغتسل عريانا ، وأخرج مسلم في ج ٢ باب فضائل موسى. وأخرج أحمد في مسنده ج ٢ ص ٣١٥ عن أبي هريرة قال : كانوا بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض ، وكان موسى يغتسل وحده ، فقالوا : والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلاّ أنّه آدر ـ أي : ذو أدرة ، وهي : الفتق ـ.

قال : فذهب مرّة ليغتسل فوضع ثوبه على حجر ، ففرّ الحجر بثوبه ، فجعل موسى يجري بأثره ويقول : ثوبي حجر! ثوبي حجر!! حتى نظر بنو إسرائيل إلى سوأة موسى!!! فقالوا : والله ما بموسى من بأس ، فقام الحجر بعد حتّى نظر إليه ، فأخذ موسى ثوبه فطفق بالحجر

١٤٤

ضربا!! فو الله إنّ بالحجر ندبا ستّة أو سبعة!!

بالله عليكم أنصفوا هل يرضى أحدكم أن تنسب إليه هذه النسبة الموهنة الشنيعة؟! التي لو نسبت إلى سوقيّ عاميّ لغضب واستشاط! فكيف بنبيّ صاحب كتاب وشريعة ، وصاحب حكم ونظام ، يخرج في أمّته وشعبه عريانا وهم يمعنون النظر إلى سوأته ، هل العقل يقبل هذا؟!

وهل من المعقول أنّ الحجر يسرق ملابس موسى ويفرّ بها وموسى يركض خلفه ، والحجر يفرّ من بين يديه وموسى ينادي الحجر ، والحجر أصمّ لا يسمع ولا يبصر؟!!

وهل من المعقول أنّ موسى بن عمران يقوم بعمل جنوني فيضرب الحجر ضربا مبرّحا حتّى يئنّ الحجر؟!!

ليت شعري أبيده كان يضرب الحجر؟! فهو المتألّم لا الحجر!!

أم كان يضربه بالسيف ، والسيف ينبو وينكسر!

أم كان الضرب بالسوط ، والسوط يتقطّع!

فما تأثير الضرب بأيّ شكل كان ، على الحجر؟!

فكلّ ما في الحديث من المحال الممتنع عقلا ، وهو من الأحاديث المضحكة التي من التزم بها فقد استهزأ بالله ورسله!!

قال السيّد عبد الحيّ : هل حركة الحجر أهمّ أم انقلاب عصا موسى إلى ثعبان وحيّة تسعى؟!! أتنكرون معاجز موسى بن عمران ، فقد نطق بها القرآن؟!

قلت : نحن لا ننكر معاجز موسى ومعاجز سائر الأنبياءعليهم‌السلام ، بل نؤمن بصدور المعاجز من الأنبياء ولكن في محلّيها ، وهو مقام تحدّيهم

١٤٥

الخصوم في إحقاق الحقّ ودحض الباطل. وموضوع الحجر في غير محلّ الاعجاز ، فأيّ إحقاق حقّ ودحض باطل في التشهير بكليم ، وإبداء سوأته على رءوس الأشهاد من قومه؟! بل هو تنقيص من مقامه! ولا سيّما وهم يشاهدونه يركض وراء حجر لا يسمع فيناديه : ثوبي حجر!! ، أو يشتدّ ويغضب على حجر لا يشعر ولا يدرك فينهال عليه ضربا!!

السيّد عبد الحيّ : أيّ حقّ أعلى من إبراء نبيّ الله؟! فالناس عرفوا بذلك أن ليس به فتق!

قلت : على فرض أنّ موسى كان ذا أدرة ، فما تأثير هذا المرض على مقامه ونبوّته؟!

صحيح أنّ الأنبياء يجب أن يكونوا براء من النواقص مثل : العمى والصمم والحول ، وأنّ النبيّ لا يولد فلجا أو مشلولا أو به زيادة أو نقيصة في أحد أعضائه ، أمّا الأمراض العارضة على البشر فلا تعدّ نواقص ، فإنّ يعقوب بكى حزنا لفراق يوسف حتّى ابيضّت عيناه ، وإنّ أيّوب أصيب بقروح في بدنه ، والنبيّ الأكرم وهو سيّد الأوّلين والآخرين ، كسرت ثناياه في جهاده مع الأعداء في أحد ، فهذه الأشياء لا تنقص شيئا من شأن الأنبياء ولا تنزل من مقامهم وقدرهم.

والفتق مرض عارض على جسم الإنسان ، فما هي أهمّيّته حتّى يبرئ الله عزّ وجلّ كليمه بهذا الشكل الفظيع المهين ، عن طريق خرق العادة والمعجزة ، ثمّ تنتهي بهتك حرمة النبيّ وكشف سوأته أمام بني اسرائيل؟! وهل بعده يبقى شأن وقدر لموسى عند قومه؟! وهل بعد ذلك سيطيعونه ويحترونه؟!!

١٤٦

ولكي يقتنع السيّد عبد الحيّ ويقرّ بوجود أخبار خرافية في الصحيحين ، أنقل رواية اخرى عن أبي هريرة مضحكة أيضا ، ولا أظنّ أحدا من الحاضرين ـ بعد استماع هذه الرواية ـ سيدافع عن أبي هريرة ، أو يعتقد بصحّة روايات البخاري ومسلم!

نقل البخاري في ج ١ ، باب من أحبّ الدفن في الأرض المقدّسة ، وج ٢ ، باب وفاة موسى ، ونقل مسلم في ج ٢ باب فضائل موسى عن أبي هريرة ، قال : جاء ملك الموت إلى موسى عليهما السّلام ، فقال له : أجب ربّك.

قال أبو هريرة : فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها!!

فرجع الملك إلى الله تعالى ، فقال : إنّك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت ، ففقأ عيني!

قال : فردّ الله إليه عينه وقال : ارجع إلى عبدي فقل : الحياة تريد؟! فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما توارت بيدك من شعرة فإنّك تعيش بها سنة.

وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ج ٢ ص ٣١٥ ، عن أبي هريرة ، ولفظه : إنّ ملك الموت كان يأتي الناس عيانا ، فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه.

وأخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه ج ١ ، في ذكر وفاة موسى ولفظه : إنّ ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتّى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه ـ إلى أن قال : ـ إنّ ملك الموت إنّما جاء إلى الناس خفيّا بعد موت موسى!

١٤٧

وقد علّقت فقلت : لأنّه يخاف من الجهّال أن يفقئوا عينه الأخرى.

فضحك جمع من الحاضرين بصوت عال.

ثمّ قلت : بالله عليكم أنصفوا ألم يكن هذا الخبر الذي أضحككم من الخرافات والخزعبلات؟! وإنّي لأتعجّب من رواة هذا الخبر وناقليه!!

وأستغرب منكم ، إذ تصدّقون هذا الخبر وأشباهه ، ولا تسمحون لأحد أن يناقشها وينتقدها ، حتّى لعلمائكم!!

فإن في هذه الرواية ما لا يجوز على الله تعالى ولا على أنبيائه ولا على ملائكته!!

أيليق بالله العظيم أن يصطفي من عباده ، جاهلا خشنا يبطش بملك من الملائكة المقرّبين وهو مبعوث من عند الله تعالى ، فيلطمه لطمة يفقأ بها عينه؟!

أليس هذا العمل عمل المتمرّدين والطاغين الّذين يذمّهم الله العزيز إذ يقول :( وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ) (١) ؟!

فكيف يجوز هذا على من اختاره الله الحكيم لرسالته ، واصطفاه لوحيه ، وآثره بمناجاته ، وكلّمه تكليما(٢) وجعله من اولي العزم؟!

وكيف يكره الموت هذه الكراهة الحمقاء فيلطم ملك الموت وهو مأمور من قبل الله تعالى ، تلك اللطمة النكراء فيفقأ بها عينه مع شرف مقامه ورغبته في القرب من الله تعالى والفوز بلقائه عزّ وجلّ؟!

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية ١٣٠.

(٢) إشارة إلى سورة النساء ، الآية ١٦٤ ، والآية هكذا :( وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً ) .

١٤٨

وما ذنب ملك الموت؟! هل هو إلاّ رسول الله إلى موسى؟! فبم استحقّ الضرب بحيث تفقأ عينه؟! وهل جاء إلاّ عن الله؟! وهل قال لموسى سوى : أجب ربّك؟!

أيجوز على أولي العزم من الرسل إيذاء الكرّوبيّين من الملائكة وضربهم حينما يبلّغونهم رسالة ربّهم وأوامره عزّ وجلّ؟!

تعالى الله ، وجلّت أنبياؤه وملائكته عن كلّ ذلك وعمّا يقول المخرفون.

إنّ هكذا ظلم فاحش لا يصدر من آدميّ جاهل فكيف بكليم الله! ثمّ إنّ الهدف والغرض من بعثة الأنبياء وإرسال الرسل : هداية البشر وإصلاحهم ، ومنعهم من الفساد والتعدّي والوحشية ، فلذلك فإنّ الله سبحانه وكلّ أنبيائه ورسله منعوا الإنسان من الظلم حتّى بالنسبة للحيوان ، فكيف بالنسبة لملك مقرّب؟!

فلذا نحن نعتقد ونجزم بأنّ هذا الخبر افتراء على الله وكليمه ، وجاعل هذا الخبر كذّاب مفتر يريد الحطّ من شأن النبيّ موسى ويريد هتك حرمة الأنبياء وتحقيرهم عند الناس.

أنا لا أتعجّب من أبي هريرة وأمثاله ، لأنّه كما كتب بعض علمائكم أنّه كان يجلس على مائدة معاوية ويتناول الأطعمة الدسمة اللذيذة ، ويجعل الروايات ويضعها على ما يشاء معاوية وأشباهه.

وقد جلده عمر بن الخطّاب لكذبه على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعل الأحاديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فضربه بالسوط حتّى أدمى ظهره!!!

ولكن أستغرب وأتعجّب من الّذين لهم مرتبة علمية بحيث لو أمعنوا ودقّقوا النظر لميّزوا بين الصحيح والسقيم ، ولكنّهم أغمضوا

١٤٩

أعينهم ونقلوا هذه الأخبار الخرافية في كتبهم ، وأخذ الآخرون عنهم ونشروها فيكم ، حتّى أنّ جناب الحافظ رشيد يعتقد كما يزعم : أنّ هذه الكتب أصحّ الكتب بعد كلام الله المجيد ، وهو لم يطالعها بدقّة علمية ، وإلاّ لما كان يبقى على الاعتقاد الذي ورثه من أسلافه عن تقليد أعمى.

وما دامت هذه الأخبار الخرافية توجد في صحاحكم وكتبكم ، فلا يحقّ لكم أن تثيروا أيّ إشكال على كتب الشيعة لوجود بعض الأخبار الغريبة فيها ، وهي غالبا قابلة للتأويل والتوجيه!

نرجع إلى الخبر المرويّ عن إمامنا الحسينعليه‌السلام (١)

كلّ عالم منصف إذا كان يسلك طريق الاصلاح ، إذا وجد هكذا خبر مبهم ـ وما أكثرها في كتبكم وكتبنا ـ إن كان يمكنه أن يؤوّله بالأخبار الصريحة الاخرى فليفعل ، وإن لم يمكن ذلك فليطرحه ويسكت عنه ، لا أنّه يتّخذه وسيلة لتكفير طائفة كبيرة من المسلمين.

والآن لمّا لم يوجد تفسير الصافي عندنا في المجلس حتّى نراجع سند الخبر وندقّق فيه النظر ، ولربّما شرحه المؤلّف بشكل مقبول.

إذ لو عرف المسلم إمام زمانه فقد توصّل عن طريقه إلى معرفة ربّه كالخبر المشهور : من عرف نفسه فقد عرف ربّه عزّ وجلّ.

أو نقول في تقريب الخبر إلى أذهان الحاضرين : إنّنا لو تصوّرنا

__________________

(١) هذا العنوان انتخبه المترجم.

١٥٠

استاذا تخرج على يده جمع من العلماء ، في مراتب مختلفة من العلم ، فإذا أراد أحد أن يعرف مدى عظمة ذلك الاستاذ ، يجب عليه أن ينظر إلى أعظم تلامذته وأعلاهم مرتبة حتّى يصل من خلاله إلى حقيقة الاستاذ وعظمته العلمية.

كذلك في ما نحن فيه : فإنّ آيات الله كثيرة ، بل كلّ شيء هو آية الله تعالى ، إلاّ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الآية العظمى والحجّة الكبرى ، ومن بعده عترته الأبرار الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام ، فإنّهم محالّ معرفة الله.

وقد ورد عنهم : بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ، أي : بسببنا وبواسطتنا عرف الله ، وبعد ما عرفوه عبدوه.

فهم الطريق إلى الله ، والأدلاّء على الله ، ومن تمسّك بغيرهم فقد ضلّ ولم يهتد ، ولذا جاء في الحديث المتّفق عليه بين الفريقين ، والخبر المقبول الصحيح عند الجميع ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أيّها الناس! إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض(١) .

__________________

(حديث الثقلين في كتب العامة)

(١) أجمع المسلمون على صدور حديث الثقلين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليكم بعض مصادر هذا الحديث الشريف من كتب العامة :

١ ـ مسند أحمد : ٥ / ١٨١ و ١٨٢ ، عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري ، وفي ٣ / ٢٦ عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي ، وج ٥ / ١٨٩ عن أبي أحمد الزبيري الحبّال.

١٥١

__________________

٢ ـ صحيح مسلم : ٢ / ٢٣٧ عن طريق أبي خيثمة النسائي وص ٢٣٨ عن طريق سعيد ابن مسروق الثوري.

٣ ـ صحيح الترمذي ٢ / ٢٢٠ ، عن سليمان الأعمش.

٤ ـ المنمّق : ٩ ، عن محمد بن حبيب البغدادي.

٥ ـ الطبقات الكبرى : ١ / ١٩٤ ، عن محمد بن سعد الزهري.

٦ ـ المطالب العالية : حديث رقم ١٨٧٣ عن اسحاق بن مخلّد.

٧ ـ إحياء الميت بفضائل أهل البيت : ١١ و ١٢ ، الحديث السادس ، عن زيد بن أرقم ، والحديث السابع عن زيد بن ثابت ، والحديث الثامن ، عن أبي سعيد الخدري ، وفي ص ١٩ الحديث الثاني والعشرون عن أبي هريرة ، والحديث الثالث والعشرون عن علي عليه‌السلام ، وفي ص ٢٦ الحديث الأربعون عن جابر ، وفي ص ٢٧ عن عبد الله بن حنطب وهو الحديث الثالث والأربعون ، وفي ص ٣٠ الحديث الخامس والخمسون عن الباوردي عن أبي سعيد ، والحديث السادس والخمسون عن زيد بن ثابت.

٨ ـ كتاب الإنافة في رتبة الخلافة : ١٠ عن عبد الله بن حنطب.

٩ ـ البدور السافرة عن امور الآخرة : ١٦ عن زيد بن ثابت.

١٠ ـ تفسير الدرّ المنثور : ٢ / ٦٠ عند تفسير : واعتصموا بحبل الله جميعا وفي ج ٦ / ٧ عند تفسير : قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى.

١١ ـ الخصائص الكبرى : ٢ / ٢٦٦ عن زيد بن أرقم.

١٢ ـ الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير ـ بشرح المناوي ـ : ٢ / ١٧٤ عن زيد ابن ثابت.

١٣ ـ النثير في مختصر نهاية ابن الأثير في مادّة : ثقل.

١٤ ـ نوادر الأصول : ٦٨ ، عن طريق نصر بن علي الجهضمي ، وص ٦٩ عن جابر ابن عبد الله وعن حذيفة بن أسيد الغفاري.

١٥ ـ المعجم الصغير : ١ / ١٣١ عن طريق عبّاد بن يعقوب الرواجني الأسدي ، وص ١٣٥ عن أبي سعيد الخدري بطرق عديدة.

١٥٢

__________________

١٦ ـ المعجم الكبير : ٥ / ١٧٠ و ١٧١ عن زيد بن ثابت بطرق عديدة ، وج ٥ / ١٨٥ و ١٨٦ و ١٨٧ و ١٩٠ و ١٩٢ عن زيد بن أرقم بطرق عديدة.

١٧ ـ سنن الدارمي : ٢ / ٤٣١ بسنده عن زيد بن أرقم.

١٨ ـ تذكرة خواصّ الأمّة : ٣٢٢ عن طريق أبي داود.

١٩ ـ صحيح الترمذي : ٢ / ٢١٩ بسنده عن جابر بن عبد الله ، وعن أبي ذرّ الغفاري ، وعن أبي سعيد الخدري ، وعن زيد بن أرقم ، وعن حذيفة بن أسيد.

٢٠ ـ المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٠٩ عن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ، وص ١١٠ عن طريق أبي بكر بن إسحاق ودعلج بن أحمد السجزي.

٢١ ـ الخصائص ـ للنسائي ـ : ٩٣ بسنده عن زيد بن أرقم.

٢٢ ـ مسند ابن الجعد : ٢ / ٩٧٢ عن أبي سعيد الخدري.

٢٣ ـ كنز العمال : ١٥ / ٩١ عن زيد بن أرقم ، وعن أبي سعيد.

٢٤ ـ فرائد السمطين : ٢ / ٢٦٨ عن زيد بن أرقم ، وص ٢٧٢ عن أبي سعيد ، وص ٢٧٤ عن حذيفة بن اسيد الغفاري.

٢٥ ـ لسان العرب : ٤ / ٥٣٨ مادّة (عترة) ، وج ١١ / ٨٨ مادّة (ثقل) ، وج ٤ / ١٣٧ مادّة : (حبل).

٢٦ ـ تاج العروس من جواهر القاموس : ٧ / ٣٤٥ مادّة (ثقل).

٢٧ ـ مجمع البحار ـ لمحمد طاهر الفتني ـ مادّة (ثقل).

٢٨ ـ منتهى الأرب : ج ١ / ١٤٣ مادّة (ثقل).

٢٩ ـ المؤتلف والمختلف : ٢ / ١٠٤٥ عن أبي ذرّ الغفاري ، وفي ج ٤ / ٢٠٦٠ عن أبي سعيد الخدري.

٣٠ ـ أخرجه أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره عند : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) سورة آل عمران ، الآية ١٠٣.

٣١ ـ حلية الأولياء ـ لأبي نعيم ـ : ١ / ٣٥٥ ، وأخرجه أيضا في كتابه «منقبة المطهّرين» بطرق عديدة وأسانيد سديدة ، عن أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم

١٥٣

__________________

وأنس بن مالك والبراء بن عازب وجبير بن مطعم.

٣٢ ـ المناقب ـ للخوارزمي ـ : ٩٣ ، عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم.

٣٣ ـ مصابيح السنّة بشرح القاري : ٥ / ٥٩٣ ، عن زيد بن أرقم ، وفي ج ٥ / ٦٠٠ عن جابر.

٣٤ ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى ـ بشرح القاري ـ : ٤٨٥.

٣٥ ـ تاريخ ابن عساكر ، ج ٢ من ترجمة عليّ عليه‌السلام .

٣٦ ـ تاريخ ابن كثير : ٥ / ٢٠٨.

٣٧ ـ تفسير ابن كثير : ٥ / ٤٥٧ عند تفسير آية التطهير ، وفي ج ٦ / ١٩٩ و ٢٠٠ عند تفسير آية المودّة.

٣٨ ـ لباب التأويل : ١ / ٣٢٨ عند تفسير : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) .

٣٩ ـ معالم التنزيل : ٦ / ١٠١ عند تفسير آية المودّة ، وفي ج ٧ عند تفسير آية ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ) الآية ٣١ من سورة الرحمن.

٤٠ ـ الفخر الرازي في تفسيره عند آية : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) .

٤١ ـ غرائب القرآن : ١ / ٣٤٩ عند تفسير : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) .

٤٢ ـ جامع الأصول ـ لابن الأثير ـ : ١ / ١٨٧ عن جابر الأنصاري.

٤٣ ـ النهاية ـ لابن الأثير ـ في مادّة (ثقل) رواه عن زيد بن أرقم.

٤٤ ـ أسد الغابة : ٣ / ١٤٧ بترجمة عبد الله بن حنطب. وفي ج ٢ / ١٢ بترجمة سيّدنا الإمام المجتبى عليه‌السلام عن زيد بن أرقم.

٤٥ ـ مشارق الأنوار ـ بشرح ابن الملك ـ : ٣ / ١٥٧.

٤٦ ـ مطالب السئول : ٨.

٤٧ ـ كفاية الطالب ـ للعلامة الكنجي الشافعي ـ في الباب الأول.

٤٨ ـ تهذيب الأسماء واللغات : ١ / ٣٤٧.

٤٩ ـ ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : ١٦.

٥٠ ـ مشكاة المصابيح : ٣ / ٢٥٥ و ٢٥٨ عن زيد بن أرقم.

١٥٤

الحافظ : لا ينحصر الدليل على كفركم وشرككم في هذه الرواية حتّى تؤوّلها وتخلص منها ، بل في كلّ الأدعية الواردة في كتبكم نجد أثر الكفر والشرك ، من قبيل : طلب حاجاتكم من أئمّتكم من غير أن تتوجّهوا إلى الله ربّ العالمين ، وهذا أكبر دليل على الكفر والشرك!!

قلت : ما كنت أظنّك أن تتبّع أسلافك إلى هذا الحدّ ، فتغمض

__________________

٥١ ـ نظم درر السمطين : ٢٣١ عن زيد بن أرقم.

٥٢ ـ المنتقى في سيرة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بطرق عديدة وشرح واف.

٥٣ ـ فيض القدير في شرح الجامع الصغير : ٣ / ١٥.

٥٤ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ٩ / ١٦٣.

٥٥ ـ الفصول المهمّة في معرفة الائمة ـ لابن الصباغ المالكي ـ : ٢٣.

٥٦ ـ الرسالة العلية في الأحاديث النبوية : ٢٩ و ٣٠.

٥٧ ـ المواهب اللدنّيّة ـ بشرح الزرقاني ـ : ٧ / ٤ ـ ٨.

٥٨ ـ الصواعق المحرقة : ٢٥ و ٨٦ و ٨٧ و ٨٩ و ٩٠ و ١٣٦ ، أخرجه بطرق عديدة وألفاظ كثيرة ، وقال : رواه عشرون صحابيا.

٥٩ ـ إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون : ٣ / ٣٣٦.

٦٠ ـ نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار : ١٢.

٦١ ـ إزالة الخفاء عن سيرة المصطفى : ٢ / ٥٤.

٦٢ ـ إسعاف الراغبين : ١١٠.

٦٣ ـ ينابيع المودّة ، ج ١ عقد فصلا خاصّا بحديث الغدير والثقلين.

٦٤ ـ تتمّة الروض النضير : ٥ / ٣٤٤.

٦٥ ـ مشكل الآثار : ٢ / ٣٠٧.

٦٦ ـ الذرّيّة الطاهرة : ١٦٨.

هذا قليل من كثير ، وكلّه من كتب العامة ليكون أوقع في نفوسهم ، ونرى فيه الكفاية لمن أراد الهداية. «المترجم».

١٥٥

عينيك ، وتتكلّم من غير تحقيق بكلّ ما تكلّموا ، فإنّ هذا الكلام في غاية السخافة ، وبعيد عن الإنصاف والحقيقة ، فاما انك لا تدري ما تقول أو انك لا تعرف معنى الكفر والشرك!!

الحافظ : إنّ كلامي في غاية الوضوح ، ولا أظنّه يحتاج إلى توضيح ، فإنّه من البديهة أنّ من أقرّ بوجود الله عزّ وجلّ واعتقد أنّه هو الخالق والرازق ، وأن لا مؤثّر في الوجود إلاّ هو ، لا يتوجّه إلى غيره في طلب حاجة ، وإذا توجّه فقد أشرك بالله العظيم.

والشيعة كما نشاهدهم ونقرأ كتبهم لا يتوجّهون إلى الله أبدا ، بل دائما يطلبون حوائجهم من أئمّتهم بغير أن يذكروا الله سبحانه ، حتّى نشاهد فقراءهم والسائلين من الناس في الأسواق ذكرهم : يا علي ويا حسين ، ولم أسمع من أحدهم حتّى مرّة يقول : يا الله!! وهذا كلّه دليل على أنّ الشيعة مشركون ، فإنّهم لا يذكرون الله تعالى عند حوائجهم ولا يطلبون منه قضاءها ، وإنّما يذكرون غير الله ويطلبون حوائجهم من غيره سبحانه!!

قلت : لا أدري هل أنت جاهل بالحقيقة ولا تعرف مذهب الشيعة؟!

أم إنّك تعرف وتحرف ، وتسلك طريق اللجاج والعناد؟!

لكن أرجو أن لا تكون كذلك ، فإنّ من شرائط العالم العامل : الإنصاف.

وفي الحديث الشريف : إنّ العالم بلا عمل كشجرة بلا ثمر.

ولمّا نسبت إلينا الشرك في حديثك مرارا والعياذ بالله! وأردت بهذه الدلائل العاميّة التافهة أن تثبت كلامك السخيف الواهي ، وتكفّر

١٥٦

الشيعة الموحّدين المخلصين في توحيد الله عزّ وجلّ غاية الإخلاص ، والمؤمنين بما جاء به خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا كان هذا التكرار والإصرار في تكفيرنا بحضورنا فكيف هو في غيابنا؟!

واعلم أنّ أعداء الإسلام الّذين يريدون تضعيف المسلمين وتفريقهم حتّى يستولوا على ثرواتهم الطبيعية ويغتصبوا أراضيهم ، فهم فرحون بكلامهم هذا ، ويتّخذونه وسيلة لضرب المسلمين بعضهم ببعض ، كما أنّني أجد الآن في هذا المجلس بعض العوام الحاضرين من أتباعكم قد تأثّروا بكلامكم ، فبدءوا ينظرون إلينا نظرا شزرا ، حاقدين علينا باعتقادهم أنّنا كفّار فيجب قتلنا ونهب أموالنا!!!

وفي الجانب الآخر ، أنظر إلى الشيعة الجالسين ، وقد ظهرت على وجوههم علائم الغضب ، وهم غير راضين من كلامك هذا ، ونسبة الشرك والكفر إليهم ، فيعتقدون أنّك مفتر كذّاب ، وأنّك رجل مغرض ، وعن الحقّ معرض ، لأنّهم متيقّنون ببراءة أنفسهم ممّا قلت فيهم ونسبت إليهم.

والآن لكي تتنوّر أفكار الحاضرين بنور الحقيقة واليقين ، ولكي تتبدّد عن أذهانهم ظلمات الجهل وشبهات المغرضين ، أتكلّم للحاضرين باختصار ، موجزا عن الشرك ومعناه ، وأقدّم لكم حصيلة تحقيق علمائنا الأعلام ، أمثال : العلاّمة الحلّي ، والمحقّق الطوسي ، والعلاّمة المجلسي (رضوان الله عليهم) ، وهم استخرجوها واستنبطوها من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث المرويّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته الهادية (سلام الله عليهم).

نوّاب : إنّ انعقاد هذا المجلس كان لتفهيم العوام وإثبات الحقّ

١٥٧

أمامهم ، كما قلت سالفا ، فأرجوكم أن تراعوا جانبهم في حديثكم ، وأن تتكلّموا بشكل نفهمه نحن العوام.

قلت : حضرة النوّاب! إنّني دائما اراعي هذا الموضوع ، لا في هذا المجلس فحسب ، بل في جميع مجالسي ومحاضراتي ومحاوراتي العلمية والكلامية ، فإنّي دائما أتحدّث بشكل يفهمه الخاصّ والعامّ ، لأنّ الغرض من إقامة هذه المجالس وانعقادها ـ كما قلتم ـ هو تعليم الجهلاء وتفهيم الغافلين ، وهذا لا يتحقّق إلاّ بالبيان الواضح والحديث السهل البسيط الذي يفهمه عامّة الناس ، والأنبياء كلّهم كانوا كذلك.

فقد روي عن خاتم الأنبياء وسيّدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : إنّا معاشر الأنبياء امرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم(١) .

أقسام الشرك

إنّ الحاصل من الآيات القرآنية ، والأحاديث المرويّة ، والتحقيقات العلمية ، أنّ الشرك على قسمين ، وغيرهما فروع لهذين ، وهما :

الشرك الجلي ، أي : الظاهر ، والآخر : الشرك الخفي ، أي : المستتر.

«الشرك الجليّ»

أمّا الشرك الظاهري ، فهو عبارة عن : اتّخاذ الإنسان شريكا لله عزّ وجلّ ، في الذات أو الصفات أو الأفعال أو العبادات.

أـ الشرك في الذات وهو : أن يشرك مع الله سبحانه وتعالى في ذاته أو توحيده ، كالثنويّة وهم المجوس ، اعتقدوا بمبدأين : النور والظلمة.

وكذلك النصارى فقد اعتقدوا بالأقانيم الثلاثة : الأب

__________________

(١) البحار : ٧٧ / ١٤٠ ، الحديث ١٩ ، الباب ٧.

١٥٨

والابن وروح القدس ، وقالوا : إنّ لكلّ واحد منهم قدرة وتأثيرا مستقلا عن القسمين الآخرين ، ومع هذا فهم جميعا يشكّلون المبدأ الأوّل والوجود الواجب ، أي : الله ، فتعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا.

والله عزّ وجلّ ردّ هذه العقيدة الباطلة في سورة المائدة ، الآية ٧٣ ، بقوله :( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ ) وبعبارة اخرى : فالنصارى يعتقدون : أنّ الالوهية مشتركة بين الأقانيم الثلاثة ، وهي : جمع اقنيم ـ بالسريانية ـ ومعناها بالعربية : الوجود.

وقد أثبت فلاسفة الاسلام بطلان هذه النظرية عقلا ، وأنّ الاتّحاد لا يمكن سواء في ذات الله تبارك وتعالى أو في غير ذاته عزّ وجلّ.

ب ـ الشرك في الصفات وهو : أن يعتقد بأنّ صفات الباري عزّ وجلّ ، كعلمه وحكمته وقدرته وحياته هي أشياء زائدة على ذاته سبحانه ، وهي أيضا قديمة كذاته جلّ وعلا ، فحينئذ يلزم تعدد القديم وهو شرك ، والقائلون بهذا هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن علي بن اسماعيل الأشعري البصري ، وكثير من علمائكم التزموا بل اعتقدوا به وكتبوه في كتبهم ، مثل : ابن حزم وابن رشد وغيرهما ، وهذا هو شرك الصفات لأنهم جعلوا لذات الباري جلّ وعلا قرناء في القدم والأزلية وجعلوا الذات مركّبا. والحال أنّ ذات الباري سبحانه بسيط لا ذات أجزاء ، وصفاته عين ذاته.

ومثاله تقريبا للأذهان ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ :

هل حلاوة السكّر شيء غير السكّر؟

وهل دهنية السمن شيء غير السمن؟

فالسكّر ذاته حلو ، أي : كلّه.

١٥٩

والسمن ذاته دهن ، أي : كلّه.

وحيث لا يمكن التفريق بين السكّر وحلاوته ، وبين السمن ودهنه ، كذلك صفات الله سبحانه ، فإنّها عين ذاته ، بحيث لا يمكن التفريق بينها وبين ذاته عزّ وجلّ ، فكلمة : «الله» التي تطلق على ذات الربوبية مستجمعة لجميع صفاته ، فالله يعني : عالم ، حيّ ، قادر ، حكيم إلى آخر صفاته الجلالية والجماليّة والكماليّة.

ج ـ الشرك في الأفعال وهو الاعتقاد بأنّ لبعض الأشخاص أثرا استقلاليا في الأفعال الربوبية والتدابير الإلهية كالخلق والرّزق أو يعتقدون ان لبعض الأشياء أثرا استقلاليا في الكون ، كالنجوم ، أو يعتقدون بأن الله عزّ وجلّ بعد ما خلق الخلائق بقدرته ، فوّض تدبير الأمور وإدارة الكون إلى بعض الأشخاص ، كاعتقاد المفوّضة ، وقد مرّت روايات أئمّة الشيعة في لعنهم وتكفيرهم ، وكاليهود الّذين قال الله تعالى في ذمّهم :( وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ ) (١) .

د ـ الشرك في العبادات وهو أنّ الإنسان أثناء عبادته يتوجّه إلى غير الله سبحانه ، أو لم تكن نيّته خالصة لله تعالى ، كأن يرائي أو يريد جلب انتباه الآخرين إلى نفسه أو ينذر لغير الله عزّ وجلّ ..!!

فكلّ عمل تلزم فيه نيّة القربة إلى الله سبحانه ، ولكنّ العامل حين العمل إذا نواه لغير الله أو أشرك فيه مع الله غيره. فهو شرك والله عزّ وجلّ يمنع من ذلك في القرآن الكريم إذ يقول :( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (٢) .

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٦٤.

(٢) سورة الكهف ، الآية ١١٠.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

أحببت أن اكتب إلى العسكريعليه‌السلام ، فسألت محمد بن علي بن مهزيار أن يكتب في كتابه إليه بحاجتي فإني كتبت إليه كتابا ولم أذكر فيه حاجتي، بل بيضت موضعها، فورد الكتاب في حاجتي مفسرا في كتاب لمحمد بن إبراهيم الحمصي.

٥٤١

٦ - فصل:

في ظهور آياته في معان شتى

وفيه: سبعة عشر حديثا

٤٨٣ / ١ - عن صالح بن سعيد قال: دخلت على أبي الحسنعليه‌السلام في يوم وروده سر من رأى وهو في خان الصعاليك، فقلت له: جعلت فداك في كل الأمور، أرادوا إطفاء نورك والنقص بك حتى أنزلوك في هذا الخان الأشنع خان الصعاليك.

فقال « هاهنا أنت يا ابن سعيد » ثم أومأ بيده الشريفة فإذا أنا بروضات أنيقات، وأنهار جاريات، وجنّات فيها خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري، وكثر عجبي فقال لي: « حيث كنا فهذا لنا عتيد يا ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك ».

٤٨٤ / ٢ - عن محمّد بن الحسن الأشتر العلوي الحسيني، قال: كنت مع أبي على باب المتوكل، وأنا صبي، في جمع من الناس في

__________________

١ - بصائر الدرجات: ٤٢٦، ٤٢٧، الكافي ١: ٤١٧، ارشاد المفيد: ٣٣٤، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤١١، كشف الغمة ٢: ٣٨٣، إعلام الورى: ٣٤٨، روضة الواعظين: ١٣٧، عيون المعجزات: ١٣٧، الأنوار البهية: ٢٣٩.

٢ - الخرائج والجرائح ٢: ٦٧٥ / ٧، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤٠٧، كشف الغمة ٢: ٣٩٨، إعلام الورى: ٣٤٣.

٥٤٢

ما بين طالبي إلى عباسي إلى جعفري إلى غير ذلك، إذ جاء أبو الحسن علي بن محمّدعليه‌السلام فترجل الناس كلّهم، حتى دخل فقال بعضهم لبعض: لم نترجل لهذا الغلام؟ فما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سنا ولا بأعلمنا! فقالوا: والله لا ترجلنا له. فقال أبو هاشم الجعفري: والله لتترجّلن له [ على ] صغره إذا رأيتموه. فما هو إلاّ أن طلع وبصروا به حتّى ترجل له الناس كلّهم، فقال لهم أبو هاشم: ألستم زعمتم أنّكم لا تترجلون له؟ فقالوا: ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجلنا.

٤٨٥ / ٣ - عن الحسن بن محمّد بن علي، قال: جاء رجل إلى علي بن محمّد بن علي بن موسىعليهم‌السلام وهو يبكي وترتعد فرائصه فقال: يا ابن رسول الله، إن فلانا - يعني الوالي - أخذ ابني واتهمه بموالاتك، فسلّمه إلى حاجب من حجّابه، وأمره أن يذهب به إلى موضع كذا فيرميه من أعلى جبل هناك ثمّ يدفنه في أصل الجبل. فقالعليه‌السلام : « فما تشاء؟ » فقال: ما يشاء الوالد الشفيق لولده.

قال: « اذهب فإنّ ابنك يأتيك غدا إذا أمسيت ويخبرك بالعجب من أمره ». فانصرف الرجل فرحا.

فلمّا كان عند ساعة من آخر النهار غدا إذا هو بابنه قد طلع عليه في أحسن صورة فسرّه وقال: ما خبرك يا بني؟ فقال: يا أبت، إن فلانا - يعني الحاجب - صار بي إلى أصل ذلك الجبل، فأمسى عنده إلى هذا الوقت يريد أن يبيت هناك ثمّ يصعدني من غد إلى أعلى الجبل ويدهدهني لبئر حفر لي قبرا في هذه الساعة، فجعلت أبكي وقوم موكّلون بي يحفظونني، فأتاني جماعة عشرة لم أر أحسن منهم وجوها، وأنظف منهم ثيابا، وأطيب منهم روائح، والموكّلون بي لا يرونهم فقالوا لي: ما هذا البكاء والجزع والتطاول والتضرع؟ فقلت: ألا ترون قبرا محفورا، وجبلا شاهقا، وموكّلين لا يرحمون يريدون أن

__________________

٣ - مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤١٦.

٥٤٣

يدهدهوني منه ويدفنوني فيه؟ قالوا: بلى، أرأيت لو جعلنا الطالب مثل المطلوب فدهدهناه من الجبل ودفناه في القبر، أتحرر نفسك فتكون لقبر رسول الله (ص) خادما؟ قلت: بلى والله. فمضوا إليه - يعني الحاجب - فتناولوه وجرّوه وهو يستغيث ولا يسمع به أصحابه ولا يشعرون به، ثمّ صعدوا به إلى الجبل ودهدهوه منه، فلم يصل إلى الأرض حتّى تقطّعت أوصاله، فجاء أصحابه وضجّوا عليه بالبكاء واشتغلوا عنّي، فقمت وتناولني العشرة، فطاروا بي إليك في هذه الساعة، وهم وقوف ينتظرونني ليمضوا بي إلى قبر رسول الله (ص) لأكون خادما. ومضى.

فجاء الرجل إلى علي بن محمّدعليه‌السلام فأخبره، ثمّ لم يلبث إلاّ قليلا حتّى جاء الخبر بأنّ قوما أخذوا ذلك الحاجب فدهدهوه من ذلك الجبل فدفنه أصحابه في ذلك القبر، وهرب ذلك الرجل الذي كان أراد أن يدفنه في ذلك القبر، فجعل علي بن محمدعليه‌السلام يقول للرجل: « إنهم لا يعلمون ما نعلم » ويضحك.

٤٨٦ / ٤ - عن أبي الهيثم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي، قال: إن أبا هاشم الجعفري شكا إلى مولانا أبي الحسنعليه‌السلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عندنا إلى بغداد، فقال له: ادع الله تعالى يا سيدي، فإنّي لا أستطيع ركوب الماء خوف الإصعاد(١) والإبطاء عنك، فسرت إليك على الظهر ومالي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه، فادع الله تعالى أن يقويني على زيارتك، على وجه الأرض، فقال: « قوّاك الله يا أبا هاشم، وقوّى برذونك ».

__________________

٤ - الخرائج والجرائح ٢: ٦٧٢ / ١، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤٠٩، إعلام الورى: ٣٤٤.

(١) الإصعاد: أي الارتفاع لأن نهر دجلة ينحدر إلى بغداد، لذا تسير السفينة بالاتجاه المعاكس لانحدار النهر.

٥٤٤

قال: فكان أبو هاشم يصلي الفجر ببغداد، ويسير على البرذون، فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون، وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت.

٤٨٧ / ٥ - عن علي بن مهزيار، قال: إنّه صار إلى سر من رأى، وكانت زينب الكذابة ظهرت وزعمت أنّها زينب بنت علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فأحضرها المتوكل وسألها فانتسبت إلى علي بن أبي طالب وفاطمة، فقال لجلسائه: كيف بنا بصحة أمر هذه، وعند من نجده؟ فقال الفتح بن خاقان: ابعث إلى ابن الرضا فاحضره حتّى يخبرك بحقيقة أمرها.

فأحضرعليه‌السلام فرحّب به المتوكل وأجلسه معه على سريره، فقال: إنّ هذه تدعي كذا، فما عندك؟ فقال: « المحنة في هذا قريبة، إنّ الله تعالى حرّم لحم جميع من ولدته فاطمة وعلي والحسن والحسينعليهم‌السلام على السباع، فألقوها للسباع، فإن كانت صادقة لم تتعرض لها، وإن كانت كاذبة أكلتها ».

فعرض عليها فكذبت نفسها، وركبت حمارها في طريق سر من رأى تنادي على نفسها وجاريتها على حمار آخر بأنّها زينب الكذّابة، وليس بينها وبين رسول الله (ص) وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم قرابة، ثمّ دخلت الشام.

فلمّا أن كان بعد ذلك بأيّام ذكر عند المتوكل أبو الحسنعليه‌السلام ، وما قال في زينب، فقال علي بن الجهم: يا أمير المؤمنين، لو جرّبت قوله على نفسه فعرفت حقيقة قوله. فقال: أفعل، ثمّ تقدّم

__________________

٥ - مروج الذهب ٤: ٨٦، الخرائج والجرائح ١: ٤٠٤ / ١١، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤١٦، باختلاف فيهما، حلية الأبرار ٢: ٤٦٨، مدينة المعاجز: ٥٤٨ / ٥٤، ملحقات احقاق الحق ١٩: ٦١٤.

٥٤٥

إلى قوام السباع فأمرهم أن يجوعوها ثلاثة ويحضروها القصر فترسل في صحنه فنزل وقعد هو في المنظر، وأغلق أبواب الدرجة، وبعث إلى أبي الحسنعليه‌السلام فأحضر، وأمره أن يدخل من باب القصر، فدخل، فلمّا صار في الصحن. أمر بغلق الباب، وخلّى بينه وبين السباع في الصحن.

قال علي بن يحيى: وأنا في الجماعة وابن حمدون، فلمّا حضرعليه‌السلام وعليه سواد وشقة(١) فدخل وأغلق الباب والسباع قد أصمّت الآذان من زئيرها، فلمّا مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه السباع وقد سكنت، ولم نسمع لها حسا حتّى تمسحت به، ودارت حوله، وهو يمسح رءوسها بكمّه، ثمّ ضرب بصدورها الأرض، فما مشت ولا زأرت حتّى صعد الدرجة، وقام المتوكّل ودخل، فارتفع أبو الحسنعليه‌السلام وقعد طويلا، ثمّ قام فانحدر، ففعلت السباع به كفعلها في الأول، وفعل هو بها كفعله الأول، فلم تزل رابضة حتّى خرج من الباب الذي دخل منه، وركب وانصرف، وأتبعه المتوكّل بمال جزيل(٢) صلة له.

وقال علي بن الجهم: فقمت وقلت يا أمير المؤمنين، أنت إمام فافعل كما فعل ابن عمّك. فقال: والله لئن بلغني ذلك من أحد من الناس لأضربن عنقه وعنق هذه العصابة كلّهم. فو الله ما تحدّثنا بذلك حتّى قتل.

٤٨٨ / ٦ - وقد ذكر الحديث أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في كتابه الموسوم بالمفاخر، ونسبه إلى جدّه الرضاعليه‌السلام ، وهو أنّه قد دخل على المأمون وعنده زينب الكذّابة، وكانت تزعم أنّها

__________________

(١) في ر، ك، م: سيفه.

(٢) في م: جليل.

٦ - كشف الغمة ٢: ٢٦٠، قطعة منه باختلاف.

٥٤٦

زينب بنت علي بن أبي طالب، وأنّ عليا قد دعا لها بالبقاء إلى يوم القيامة، فقال المأمون للرضاعليه‌السلام سلم: على أختك.

فقال: « والله ما هي بأختي ولا ولدها علي بن أبي طالب ». فقالت زينب: ما هو أخي ولا ولده علي بن أبي طالب. فقال المأمون للرضاعليه‌السلام : ما مصداق قولك هذا؟؟

فقال: « إنا أهل بيت لحومنا محرّمة على السباع، فاطرحها(١) إلى السباع، فإنّ تك صادقة فإنّ السباع تعفى لحمها ». قالت زينب: ابتدئ بالشيخ. قال المأمون: لقد أنصفت. فقال له: أجل.

ففتحت بركة السباع فنزل الرضاعليه‌السلام إليها، فلمّا رأته بصبصت(٢) وأومأت إليه بالسجود، فصلّى فيما بينها ركعتين وخرج منها.

فأمر المأمون زينب أن تنزل فأبت، وطرحت للسباغ فأكلتها.

قال المصنف رحمه‌الله ورضي عنه: إنّي وجدت في تمام هذه الرواية أنّ بين السباع كان سبعا ضعيفا ومريضا، فهمهم شيئا في أذنه فأشارعليه‌السلام إلى أعظم السباع بشيء فوضع رأسه له، فلمّا خرج قيل له: ما قلت لذلك السبع الضعيف؟ وما قلت للآخر؟ قال: « إنّه شكا إليّ وقال: إنّي ضعيف، فإذا طرح علينا فريسة لم أقدر على مؤاكلتها، فأشر إلى الكبير بأمري، فأشرت إليه فقبل ».

قال: فذبحت بقرة وألقيت إلى السباع، فجاء الأسد ووقف عليها ومنع السباع أن تأكلها حتّى شبع الضعيف، ثمّ ترك السباع حتّى أكلوها.

وقال المصنف رحمه‌الله : وأقول أيضا إنّه غير ممتنع أن يكون

__________________

(١) في ش، ص: فأظهرها. وفي ر: على، بدل: إلى.

(٢) في ش، ص: هفهفت.

٥٤٧

ذلك غير الآخر؛ وأنّ ما نسب في أمر أبي الحسنعليه‌السلام في زينب الكذّابة غير منسوب إليها، وإنّما فعل ذلك المتوكل ابتداء، وتعرض لأمر آخر، لأنّه كان مشغوفا بإيذاء أهل البيتعليهم‌السلام .

٤٨٩ / ٧ - عن محمّد بن الفرج، قال: قال لي علي بن محمّدعليهما‌السلام : « إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلاّك، ودعه(١) ساعة، ثمّ أخرجه وانظر إليه ».

قال محمّد: ففعلت، فوجدت جواب ما سألت عنه موقعا في الكتاب.

٤٩٠ / ٨ - عن شاهواه، عن عبد الله بن سليمان الخلال قال: كنت رويت عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام في أبي جعفرعليه‌السلام روايات تدل عليه، فلمّا مضى أبو جعفرعليه‌السلام قلقت لذلك وبقيت متحيرا لا أتقدّم ولا أتأخر، وخفت أن أكتب إليه في ذلك، ولا أدري ما يكون، وكتبت إليه أسأله الدعاء أن يفرّج الله عنا في أسباب من قبل السلطان.(٢) كنا نغتم بها من علمائنا، فرجع الجواب بالدعاء وردّ علينا الغلمان، وكتب في آخر الكتاب: « أردت أن تسأل عن الخلف بعد مضي أبي جعفرعليه‌السلام ، فقلقت لذلك،( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (٣) صاحبك بعدي أبو محمد ابني، عنده ما تحتاجون إليه، يقدّم الله ما يشاء ويؤخر «( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) (٤) ، قد كتبت بما فيه بيان وإقناع لذي عقل يقظان ».

__________________

٧ - الخرائج والجرائح ١: ٤١٩ / ٢٢.

(١) في « م »: وادعو.

٨ - اثبات الوصية: ٢٠٨.

(٢) في « م »: الشيطان.

(٣) التوبة الآية: ١١٥.

(٤) البقرة الآية: ١٠٦.

٥٤٨

٤٩١ / ٩ - عن إسحاق الجلاب، قال: اشتريت لأبي الحسنعليه‌السلام غنما كثيرة، فأدخلني في إصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه، فجعلت أفرق تلك الغنم فيمن أمرني به، فبعثت إلى أبي محمّد وإلى والدته وغيرهما، ممّن أمرني ثمّ استأذنته في الانصراف إلى بغداد إلى والدي، وكان ذلك يوم التروية، فقال: « تقيم غدا عندنا ثمّ تنصرف » فأقمت.

فلما كان يوم عرفة أقمت عنده وبت ليلة الأضحى في رواق له، فلمّا كان في السحر أتاني وقال: « يا إسحاق، قم » فقمت وفتحت عيني، فإذا أنا على ( باب بغداد )(١) ، فدخلت على والدي وأتاني أصحابي فقلت لهم: عرّفت بالعسكر، وخرجت ببغداد إلى يوم العيد.

٤٩٢ / ١٠ - عن زيد بن علي بن الحسين بن زيد قال: مرضت فدخل عليّ الطبيب ليلا، ووصف لي دواء بليل آخذه كذا وكذا يوما، فلم يمكنني [ تحصيله من الليل ] فلم يخرج الطبيب من الباب حتّى ورد علي صرة بقارورة فيها ذلك الدواء بعينه، فقال لي: أبو الحسن يقرئك السلام ويقول لك: « خذ الدواء واستعمله كذا وكذا يوما » قال: فأخذته فبرئت.

قال محمّد بن علي قال زيد بن علي: أين الغلاة عن هذا الحديث.

٤٩٣ / ١١ - عن جماعة من أهل أصفهان، منهم العياشي

__________________

٩ - الكافي ١: ٤١٧ / ٣، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤١١،

(١) في « م »: بناء ببغداد.

١٠ - الكافي ١: ٤٢٠ / ٩، ارشاد المفيد: ٣٣٢، الخرائج والجرائح ١: ٤٠٦ / ١٢، كشف الغمة ٢: ٣٨٩، الهداية الكبرى: ٣١٤، مدينة المعاجز: ٥٤٠ / ١١.

١١ - الخرائج والجرائح ١: ٣٩٢ / ١، كشف الغمة ٢: ٣٨٩، الصراط المستقيم ٢: ٢٠٢ / ٣، وفيه: باختصار، مدينة المعاجز: ٥٤٦ / ٤٨.

٥٤٩

محمّد بن النضر، وأبو جعفر بن محمّد بن علوية قالوا: كان بأصفهان رجل يقال له: عبد الرحمن، وكان شيعيا، قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة عليّ النقيعليه‌السلام دون غيره من أهل زمانه؟.

قال: شاهدت ما أوجب ذلك عليّ، وذلك أنّي كنت رجلا فقيرا وكان لي لسان وجرأة، فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين، فأتينا باب المتوكل يوما، إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد النقيعليه‌السلام ، بعض من حضر: من هذا الرجل الذي أمر بإحضاره؟ فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته، ( ثمّ قيل: ويقدّر أنّ المتوكل يحضره للقتل )(١) . فقلت: لا أبرح من هاهنا حتّى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو.

قال: فأقبل راكبا، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفّين، ينظرون إليه، فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي، فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شرّ المتوكّل، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته، لا ينظر يمنة ولا يسرة، وأنا دائم الدّعاء له.

فلمّا صار إليّ أقبل بوجهه عليّ وقال: « قد استجاب الله دعاءك، وطوّل عمرك، وكثر مالك وولدك ». فارتعدت ووقفت بين أصحابي يسألوني وهم يقولون: ما شأنك؟! فقلت: خيرا، ولم أخبرهم بذلك.

فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان، ففتح الله عليّ وجوها من المال حتّى اليوم، أغلق بابي على مائة ألف ألف درهم، سوى مالي خارج الدار، ورزقت عشرة من الأولاد، وقد بلغت الآن من العمر نيفا وسبعين سنة، وأنا أقول بإمامة هذا الذي علم ما في قلبي واستجاب الله دعاءه فيّ.

__________________

(١) في « م »: أمر المتوكل بحضوره.

٥٥٠

٤٩٤ / ١٢ - عن يحيى بن هرثمة، قال: دعاني المتوكل وقال: اختر ثلاثمائة ممّن تريد واخرجوا إلى الكوفة، وخلّفوا أثقالكم فيها، واخرجوا على طريق البادية إلى المدينة، وأحضروا علي بن محمّد النقي إلى عندي مكرّما معظّما مبجلا.

قال: فقمت وخرجنا، وكان في أصحابي قائد من الشراة(١) ، وكان لي كاتب متشيّع، وأنا على مذهب الحشوية، وكان ذلك الشاري يناظر الكاتب، وكنت أسمع إلى مناظرتهما لقطع الطريق.

فلمّا صرنا وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم عليّ بن أبي طالب « ليس في الأرض بقعة إلاّ وهي قبر، أو سيكون قبرا »؟ فانظر إلى هذه البرية أين من يموت فيها حتّى يملأها الله قبورا كما تزعمون؟

قال: فقلت للكاتب: أهذا من قولكم؟ قال: نعم. قلت: صدق، أين من يموت في هذه البرية العظيمة حتّى تمتلئ قبورا؟ وتضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب في أيدينا.

قال: وسرنا حتّى دخلنا المدينة، فقصدت بيت أبي الحسن عليّ بن محمد بن الرضاعليهم‌السلام ، فدخلت عليه فقرأ كتاب المتوكّل فقال: « انزلوا، وليس من جهتي خلاف ».

قال: فلما حضرت إليه من الغد، وكنا في تموز أشدّ ما يكون من الحر، فإذا بين يديه خياط وهو يقطع من ثياب غلاظ - خفاتين - له ولغلمانه، ثمّ قال للخياط: « اجمع عليها جماعة من الخياطين، واعمد على الفراغ منها يومك هذا وبكّر بها إليّ في هذا الوقت ».

__________________

١٢ - الخرائج والجرائح ١: ٣٩٣ / ٢، كشف الغمة ٢: ٣٩٠، مدينة المعاجز: ٥٤٦ / ٤٩.

(١) الشراة: الخوارج « مجمع البحرين - شرا - ١: ٢٤٥ ».

٥٥١

ثم نظر إليّ وقال: « يا يحيى، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، واعمل على الرحيل غدا في هذا الوقت ».

قال: فخرجنا وإنّما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه الثياب؟! ثمّ قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر، وهو يقدّر(١) أنّ كلّ سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب، والعجب من الرّافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه. فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت، فإذا الثياب قد أحضرت، فقال لغلمانه: « ادخلوا، وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس » ثمّ قال: « ارحل يا يحيى » فقلت في نفسي: هذا أعجب من الأوّل، أيخاف أن يلحقنا الشّتاء في الطّريق حتّى يأخذ معه اللبابيد والبرانس ».

فخرجت وأنا أستصغر فهمه حتّى إذا وصلنا إلى مواضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة، واسودّت وأرعدت وأبرقت حتّى إذا صارت على رءوسنا أرسلت بردا من الصخور، وقد شدّ على نفسه وغلمانه الخفاتين، ولبسوا اللبابيد والبرانس وقال لغلمانه: « ارفعوا إلى يحيى لبادة، وإلى الكاتب برنسا » وتجمعنا والبرد يأخذنا حتّى قتل من أصحابي ثمانون رجلا، وزالت، ورجع الحرّ كما كان.

فقال لي: « يا يحيى، أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من مات، فهكذا يملأ الله هذه البرية قبورا ».

قال: فرميت نفسي عن الدابّة واعتذرت إليه، وقبّلت ركابه ورجله، وقلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا رسول الله، وأنّكم خلفاء الله في أرضه، وقد كنت كافرا، وإني الآن أسلمت على يديك يا مولاي.

قال: فتشيعت، ولزمت خدمته إلى أن مضى.

__________________

(١) في ر، ص، ك: يظن، وفي م: يعد.

٥٥٢

٤٩٥ / ١٣ - عن هبة الله بن أبي منصور الموصلي، قال: كان بديار ربيعة كاتب لنا نصراني وكان من أهل كفرتوثا(١) يسمّى ( يوسف بن يعقوب ) وكان بينه وبين والدي صداقة.

قال: فوافى ونزل عند والدي فقال: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: قد دعيت إلى حضرة المتوكل، ولا أدري ما يراد مني، إلاّ أنّي قد اشتريت نفسي من الله تعالى بمائة دينار قد حملتها لعلي بن محمّد بن الرضاعليهم‌السلام معي، فقال له والدي: وفقت في هذا.

قال: وخرج إلى حضرة المتوكل وانصرف إلينا بعد أيّام قلائل فرحاً مستبشراً، فقال له أبي: حدّثني بحديثك.

قال: سرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط، فنزلت في دار وقلت: يجب أن أوصل المائة دينار إلى أبي الحسن بن الرضاعليه‌السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل، وقبل أن يعرف أحد قدومي.

قال: فعرفت أن المتوكّل قد منعه من الركوب، وأنّه ملازم لداره، فقلت: كيف أصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا، لا آمن أن ينذر بي(٢) فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره.

قال: فتفكّرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج من البلد، ولا أمنعه من حيث يريد، لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحداً.

قال: فجعلت الدراهم في كاغدة وجعلتها في كمي، وركبت

__________________

١٣ - الخرائج والجرائح ١: ٣٩٦ / ٣، كشف الغمة ٢: ٣٩٢، مدينة المعاجز: ٥٤٧ / ٥٠.

(١) كفرتوثا: قرية كبيرة من أعمال الجزيرة، ويقال: إنها من قرى فلسطين « معجم البلدان ٤: ٤٦٨ ».

(٢) ينذر بي: أي يعلمون بي، انظر « لسان العرب - نذر - ٥: ٢٠١ ».

٥٥٣

فكان الحمار يخرق الشوارع والأسواق يمرّ حيث يشاء، إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار، فجاهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟ فقيل: هذه دار ابن الرضاعليه‌السلام . فقلت: الله أكبر، دلالة والله مقنعة.

قال: فإذا خادمٌ أسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم. قال: انزل، فنزلت، فأقعدني في الدهليز، ودخل، فقلت في نفسي: وهذه دلالة أخرى، من أين يعرف هذا الخادم اسمي وليس في هذا البلد أحد يعرفني ولا دخلته قط؟!

قال: فخرج الخادم وقال: المائة دينار الَّتي في كمك في الكاغذ هاتها. فناولته إيّاها وقلت: هذه ثالثة، ثمّ رجع إليَّ وقال: ادخل، فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده، فقال: « يا يوسف، أما بان لك؟ » فقلت: يا مولاي، قد بان من البراهين ما فيه كفاية لمن اكتفى. فقال: « هيهات هيهات، أما إنّك لا تُسلم ولكن سيُسلم ولدك فلان، وهو من شيعتنا، يا يوسف، إنّ أقواماً يزعمون أنّ ولايتنا لا تنفع أمثالك، كذبوا والله، إنّها لتنفع أمثالك، امض فيما وافيت فإنّك سترى ما تحبُّ ».

قال: فمضيت إلى باب المتوكّل فقلت كلما أردت وانصرفت.

قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا وهو مُسلم حسن التشيع، فأخبرني أنّ أباه مات على النصرانيّة، وأنّه أسلم بعد موت والده، وكان يقول: أنا بشارة مولايعليه‌السلام .

٤٩٦ / ١٤ - عن أبي هاشم الجعفري، قال: ظهر برجل من أهل سر من رأى من البرص ما ينغص عليه عيشه، فجلس يوماً إلى أبي عليّ الفهريِّ، فشكا إليه حاله فقال له: لو تعرَّضت يوماً لأبي الحسن

__________________

١٤ - الخرائج والجرائح ١: ٣٩٩ / ٥، كشف الغمة ٢: ٣٩٣، مدينة المعاجز: ٥٤٧ / ٥١.

٥٥٤

علي بن محمد بن الرضاعليهم‌السلام فتسأله أن يدعو لك رجوت أن يزول عنك.

فجلس له يوماً في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكّل، فلمّا رآه قام ليدنو منه فيسأله ذلك، فقال: « تنحّ عافاك الله » ثلاث مرات، فابتعد الرجل ولم يجسر(١) أن يدنو منه، وانصرف، فلقي الفهريِّ فعرّفه الحال وما قال: قال: قد دعا لك قبل أن تسأله، فامضِ فإنّك ستعافى، فانصرف الرجل إلى بيته فبات ليله، فلمّا أصبح لم ير على بدنه شيئا من ذلك.

٤٩٧ / ١٥ - عن زرافة حاجب المتوكل، قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكل يلعب لعب الحقة ولم ير مثله، وكان المتوكّل لعّاباً، فأراد أن يُخجِل علي بن محمد بن الرضاعليه‌السلام فقال لذلك الرّجل: إن أخجلته أعطيتك ألف دينار.

قال: تقدّم بان يخبز رقاقا خفافا واجعلها على المائدة وأقعدني إلى جنبه، فقعدوا وأحضر علي بن محمدعليهما‌السلام للطعام، وجعل له مسورة عن يساره، وكان عليها صورة أسد، وجلس اللاعب إلى جنب المسورة، فمد علي بن محمدعليه‌السلام يده إلى رقاقة فطيّرها ذلك الرجل في الهواء ومدّ يده إلى أخرى، فطيّرها ذلك الرجل، ومد يده إلى أخرى فطيرها فتضاحك الجميع.

فضرب علي بن محمدعليهما‌السلام يده المباركة الشريفة على تلك الصورة التي في المسورة وقال: « خذيه ». فابتلعت الرجل، وعادت كما كانت إلى المسورة.

فتحير الجميع ونهض أبو الحسن عليّ بن محمدعليهما‌السلام

__________________

(١) في ر، ك: يحسن.

١٥ - مدينة المعاجز: ٥٤٨ / ٥٢.

٥٥٥

فقال له المتوكل: سألتك إلاّ جلست ورددته. فقال: « والله لا تراه بعدها، أتسلط أعداء الله على أولياء الله؟! »(١) . وخرج من عنده، فلم ير الرجل بعد ذلك(٢) .

٤٩٨ / ١٦ - عن أبي العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب، قال: كنّا مع المعتز، وكان أبي كاتبه، فدخلنا الدار والمتوكل على سريره قاعد، فسلّم المعتزّ ووقف ووقفت خلفه، وكان عهدي به إذا دخل عليه رحّب به وأمره بالقعود ونظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، ويقبل على الفتح بن خاقان ويقول: هذا الّذي يقول فيه ما يقول. ويرد عليه القول، والفتح مقبل عليه يسكنه ويقول: مكذوب عليه يا أمير المؤمنين. وهو يتلظى ويقول: والله لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق، وهو الذي يدّعي الكذب، ويطعن في دولتي.

ثمّ قال: جئني بأربعة من الخزر وأجلاف لا يفقهون. فجيء بهم، ودفع إليهم أربعة أسياف، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن، وأن يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه ويقتلوه، وهو يقول: والله لأحرقنّه بعد القتل. وأنا منتصب قائم خلفه من وراء الستر، فما علمت إلاّ بأبي الحسنعليه‌السلام قد دخل، وقد بادر الناس قدّامه فقالوا: جاء والتفتّ ورائي وهو غير مكترث(١) ولا جازع، فلمّا بصر به المتوكل رمى بنفسه من السرير إليه وهو بسيفه فانكبّ عليه يقبّل بين عينيه، واحتمل يده بيده، وهو يقول: يا سيدي، يا ابن رسول الله، ويا خير خلق الله، يا ابن عمي، يا مولاي، يا أبا الحسن. وأبو الحسن يقول: « أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا ». فقال: ما جاء بك يا

__________________

(١) في ر: سلطت أولياء الله على أعداء الله.

١٦ - الخرائج والجرائح ١: ٤١٧ / ٢١، كشف الغمة ٢: ٣٩٥، الصراط المستقيم ٢: ٢٠٥، وفيه: باختصار، حلية الأبرار ٢: ٤٦٥، مدينة المعاجز: ٥٥٠ / ٥٩.

(٢) في ك زيادة: به.

٥٥٦

سيدي في هذا الوقت؟ قال: « جاءني رسولك » فقال المتوكل: كذب ابن الفاعلة، ارجع يا سيدي من حيث جئت، يا فتح، يا عبد الله، يا معتز، شيّعوا سيدي وسيدكم.

فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّداً مذعنين، فلمّا خرج دعاهم المتوكل ثمّ أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون، ثمّ قال لهم: لم لا تفعلوا ما أمرتكم به؟ قالوا: لشدَّة هيبته، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن ننالهم، فمنعنا ذلك عمّا أمرنا به، وامتلأت قلوبنا رعباً من ذلك. فقال المتوكل: هذا صاحبكم، وضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في وجهه وقال: الحمد لله الذي بيّض وجهه وأرانا(١) حجّته.

قال المصنفرحمه‌الله : وأظن أنّ القصة التي ذكرتها قبل وأسندتها إلى جماعة أهل أصفهان وتشيّع عبد الرحمن الأصفهاني، والخبر عمّا رواه من الأخبار عمّا في قلبه والدعاء له، وإجابة الدعاء كان في ذلك اليوم، ولا أبعد أن يكون من أمر المتوكل بقتله من الغلمان الخزرية وإحياء أبي الحسنعليه‌السلام إيّاهم، هؤلاء الذين خرّوا له سجّدا في ذلك اليوم، والله أعلم.

٤٩٩ / ١٧ - وأمّا حديث المخالي(٢) فمشهور، وذلك أنّ الخليفة أمر العسكر وهم تسعون(٣) ألف فارس من الأتراك السّاكنين بسرّمن رأى أن يملأ كلّ واحد منهم مخلاة فرسه من الطين الأحمر، ويجعلوا بعضه

__________________

(١) في ش، ص، ك: وأنار.

١٧ - الخرائج والجرائح ١: ٤١٤ / ١٩، كشف الغمة ٢: ٣٩٥، الصراط المستقيم ٢: ٢٠٥ / ١٥، وفيه باختصار، مدينة المعاجز: ٥٥٠ / ٥٧.

(٢) المخالي أو تل المخالي: تل عند سرّ من رأى، مراصد الاطلاع ١: ٢٧٢ ».

(٣) في ش، ص، سبعون.

٥٥٧

على بعض في وسط برية واسعة هناك، ففعلوا.

فلمّا صار مثل جبل عظيم صعد فوقه واستدعى أبا الحسنعليه‌السلام واستصعده وقال: استحضرك للنظارة، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف(١) ويحملوا الأسلحة، وقد عرضوا بأحسن زينة، وأتمّ عدة، وأعظم هيبة، وكان غرضه أن يكسر كلّ من يخرج عليه، وكان خوفه من أبي الحسنعليه‌السلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج على الخليفة.

فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : « وهل أعرض عليك عسكري؟ » فقال: نعم.

فدعا الله سبحانه، فإذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون، فغشي على المتوكل، فلمّا أفاق قال له أبو الحسنعليه‌السلام : « نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة، ولا عليك ممّا تظن ».

__________________

(١) التجافيف: جمع تجفاف بالكسر، وهو آلة للحرب يلبسها الفرس تقيه الجراح « لسان العرب - جفف - ٩: ٣٠ ».

٥٥٨

الباب الرابع عشر

في ذكر آيات أبي محمّد الحسن بن علي العسكري

وفيه أربعة فصول

٥٥٩

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205