ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235848 / تحميل: 3898
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

__________________

١٠ ـ أساس الاقتباس / في : الكلمة الرابعة.

١١ ـ الخصائص الكبرى : ٢ / ٢٦٦.

١٢ ـ تاريخ الخلفاء : ٢٦ و ٥٧٣.

١٣ ـ كنز العمّال : ١٣ / ٨ و ٨٥.

١٤ ـ المرقاة في شرح المشكاة : ٥ / ٦١٠.

١٥ ـ اللمعات في شرح المشكاة : ٢ / ٧٠٠.

١٦ ـ المشرع الروي : ١٢.

١٧ ـ جمع الفوائد : ٢ / ٢٣٦.

١٨ ـ وسيلة المتعبّدين في متابعة سيّد المرسلين : ٢ / ٢٣٤.

١٩ ـ غرائب القرآن ـ لنظام الدين النيسابوري ـ ٢٥ / ٢٨ عند آية المودّة.

٢٠ ـ معجم الزوائد ومنبع الفوائد : ٩ / ١٦٨.

٢١ ـ نزهة المجالس ومنتخب النفائس : ٢ / ٢٢٢.

٢٢ ـ الرسالة العليّة في الأحاديث النبوية ٣٣ و ٣٧١.

٢٣ ـ الجامع الصغير ، شرح المناوي : ٢ / ٥١٩ و ٥ / ٥١٧.

٢٤ ـ إحياء الميّت بفضل أهل البيت ، النسخة الصغرى ، حديث : ٢٠ و ٢١ و ٢٢.

٢٥ ـ كنوز الحقائق هامش الجامع الصغير : ٢ ص ٨٩.

٢٦ ـ السراج المنير في شرح الجامع الصغير : ٢ ص ١٨ و ٣ ص ٢٩٩.

٢٧ ـ الصراط السوي في مناقب آل النبي / باب أهل البيت أمان للامّة وأنّهم سفينة نوح.

٢٨ ـ نزل الأبرار بما صحّ في مناقب أهل البيت الأطهار : ٦.

٢٩ ـ قرّة العينين ـ لولي الله الدهلوي ـ : ١٢٠.

٣٠ ـ حاشية الجامع الصغير ، لمحمد بن سالم الحنفي : ٢ / ١٩.

٣١ ـ إسعاف الراغبين ـ المطبوع بهامش نور الأبصار ـ : ١٢٣.

٣٢ ـ وسيلة النجاة في مناقب السادات / في بابه.

٣٣ ـ الحقّ المبين في فضائل أهل بيت سيّد المرسلين / في بابه.

٣٤ ـ مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار : ٨٦.

١٨١

وذكر غير هؤلاء من أعاظم علمائكم بأسانيدهم وطرقهم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك ، أو : غرق ، أو : هوى ، والعبارات شتّى ، ولعلّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاله مرارا وبعبارات شتّى.

وقد أشار الإمام محمد بن إدريس الشافعي إلى صحّة هذا الحديث الشريف في أبيات له نقلها العلاّمة العجيلي في «ذخيرة المآل» :

ولمّا رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل

__________________

٣٥ ـ الفتح المبين / في فصل ذكر فضائل أهل البيت.

٣٦ ـ الفتح الكبير في ضمّ الزيادة إلى الجامع الصغير : ١ / ٤١٤.

٣٧ ـ السيف اليماني المسلول في عنق من يطعن في أصحاب الرسول : ٩.

٣٨ ـ المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية : ٤ / ٧٥.

٣٩ ـ شفاء الغليل : ٢٢٠ و ٢٥٣.

٤٠ ـ أرجح المطالب : ٣٢٩.

٤١ ـ روح المعاني ـ للآلوسي ـ ٢٥ / ٣٠.

٤٢ ـ راموز الأحاديث : ٣٩١.

٤٣ ـ رشفة الصادي : ٧٩.

٤٤ ـ مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار / مادّة (زخ).

٤٥ ـ تاج العروس في اللغة / مادّة (زخ).

٤٦ ـ لسان العرب / مادّة (زخ).

ذكر هؤلاء الثلاثة ـ من أصحاب كتب اللغة العربية ـ عبارة ابن الأثير الجزري في كتابه «النهاية في غريب الحديث» قال في مادّة (زخ) وفيه : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من تخلّف عنها زخّ به في النار. أي : دفع ورمي.

وفي ما ذكرناه من المصادر كفاية لمن أراد الحقّ والهداية. «المترجم».

١٨٢

ركبت على اسم الله في سفن النجا

وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل

وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم

كما قد أمرنا بالتمسّك بالحبل

إذا افترقت في الدين سبعون فرقة

ونيّفا على ما جاء في واضح النقل

ولم يك ناج منهم غير فرقة

فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل

أفي الفرقة الهلاك آل محمّد

أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي

فإن قلت في الناجين فالقول واحد

وإن قلت فى؟؟؟ لاك حفت عن العدل

إذا كان مولى القوم منهم فإنّني

رضيت بهم لا زال في ظلّهم ظلّي

رضيت عليّا لي إماما ونسله

وأنت من الباقين في أوسع الحلّ

فلا يخفى على من أمعن ونظر في هذه الأبيات لعرف تصريح الشافعي وهو إمام أهل السنّة والجماعة ، بأنّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن تمسّك بهم ، هم الفرقة الناجية وغيرهم هالكون ، وفي وادي الضلالة تائهون!!

فحسب أمر النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو كما قال الله الحكيم :( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) .

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ٣ و ٤.

١٨٣

الشيعة يتمسّكون بآل محمّد الأطهار وعترته الأبرار ، ويتوسّلون بهم إلى الله سبحانه ، هذا من جانب.

ومن جانب آخر فقد خطر الآن ببالي ، بأنّ الناس إذا كانوا لا يحتاجون إلى وسيلة للتقرّب إلى ربّهم عزّ وجلّ والاستغاثة به ، وإنه من توسّل بأحد إلى الله تعالى فقد أشرك.

فلما ذا كان عمر بن الخطّاب ـ وهو الفاروق عندكم ـ يتوسّل ببعض الناس إلى الله سبحانه في حالات الشدّة والاضطرار؟!

الحافظ : حاشا الفاروق عمررضي‌الله‌عنه من هذا العمل ، إنّه غير ممكن!! وإنّي لأوّل مرّة أسمع هذه الفرية على الخليفة! فلا بدّ أن تبيّنوا لنا مصدر هذا القول حتّى نعرف صحّته وسقمه.

قلت : كما ورد في كتبكم المعتبرة : أنّ الفاروق كان في الشدائد يتوسّل الى الله سبحانه بأهل بيت النبيّ وعترته الطاهرة ، وقد تكرّر منه هذا العمل في أيّام خلافته عدّة مرّات ، ولكنّي اشير إلى اثنين منها حسب اقتضاء المجلس :

١ ـ نقل ابن حجر في كتابه الصواعق بعد الآية : ١٤ ، في المقصد الخامس ، أواسط الصفحة : ١٠٦ قال : وأخرج البخاري أنّ عمر بن الخطّاب كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس وقال : اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قحطنا فتسقينا ، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا ، فيسقون.

قال ابن حجر : وفي تاريخ دمشق : إنّ الناس كرّروا الاستسقاء عام الرمادة سنة سبع عشرة من الهجرة فلم يسقوا. فقال عمر : لأستسقينّ غدا بمن يسقيني الله به ، فلمّا أصبح غدا للعبّاس فدقّ عليه

١٨٤

الباب ، فقال : من؟ قال : عمر. قال : ما حاجتك؟ قال : أخرج حتّى نستسقي الله بك. قال : اجلس.

فأرسل إلى بني هاشم أن تطهّروا وألبسوا من صالح ثيابكم ، فأتوه ، فأخرج طيبا فطيّبهم ، ثمّ خرج وعليّعليه‌السلام أمامه بين يديه والحسن عن يمينه والحسين عن يساره وبنو هاشم خلف ظهره.

فقال : يا عمر! لا تخلط بنا غيرنا. ثمّ أتى المصلّى فوقف ، فحمد الله وأثنى عليه. وقال : اللهمّ إنّك خلقتنا ولم تؤامرنا ، وعلمت ما نحن عاملون قبل أن تخلقنا ، فلم يمنعك علمك فينا عن رزقنا ، اللهمّ فكما تفضّلت في أوّله ، تفضّل علينا في آخره.

قال جابر : فما برحنا حتّى سحّت السماء علينا سحّا ، فما وصلنا إلى منازلنا إلاّ خوضا.

فقال العبّاس : أنا المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى. خمس مرّات ، أشار إلى أنّ أباه عبد المطّلب استسقى خمس مرّات فسقي(١) .

__________________

(١) أرى من المناسب أن أنقل للقارىء الكريم بقيّة ما نقله السيد المؤلّفرحمه‌الله من كتاب الصواعق المحرقة ، ص ١٠٦ ، لأنّي وجدت في عباراته ما يخصّ البحث في توضيح الموضوع فلا يبقى ريب وشكّ فيه ، فقد جاءت فيها كلمات : الوسيلة ، التقرّب ، الشفاعة ، التوجّه وإليك نصّه :

وأخرج الحاكم : أنّ عمر لمّا استسقى بالعبّاس خطب فقال : يا أيّها الناس! إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كان يرى للعبّاس ما يرى الولد لوالده ، يعظّمه ويفخّمه ويبرّ قسمه ، فاقتدوا أيّها الناس برسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في عمّه العبّاس فاتّخذوه وسيلة إلى الله عزّ وجلّ فيما نزل بكم.

وأخرج ابن عبد البرّ ، من وجوه ، عن عمر ، أنّه استسقى به. قال : اللهمّ إنّا نتقرّب

١٨٥

٢ ـ في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(١) قال :

وروى عبد الله بن مسعود : إنّ عمر بن الخطّاب خرج يستسقي بالعبّاس ، فقال : اللهمّ إنّا نتقرّب إليك بعمّ نبيّك وقفيّة آبائه وكبر رجاله ، فإنّك قلت وقولك الحقّ :( وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ) (٢) فحفظتهما لصلاح أبيهما ، فاحفظ اللهمّ نبيّك في عمّه ، فقد دنونا به إليك مستشفعين ومستغفرين.

ثمّ أقبل على الناس فقال :( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً ) (٣) إلى آخره.

انتهى نقل ابن أبي الحديد.

فهذا عمل الخليفة ، يتوسّل ويتقرّب بعمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الله

__________________

إليك بعمّ نبيّك ونستشفع به ، فاحفظ فيه نبيّك كما حفظت الغلامين بصلاح أبيهما ، وأتيناك مستغفرين ومستشفعين الخبر.

وفي رواية لابن قتيبة : اللهمّ إنّا نتقرّب إليك بعمّ نبيّك وبقيّة آبائه وكبرة رجاله ، فإنّك تقول وقولك الحقّ : ( وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً ) فحفظتهما لصلاح أبيهما ، فاحفظ اللهمّ نبيّك في عمّه ، فقد دنونا به إليك مستشفعين.

وأخرج ابن سعد : إنّ كعبا قال لعمر : إنّ بني إسرائيل كانوا إذا أصابتهم سنة استسقوا بعصبة نبيّهم. فقال عمر : هذا العبّاس انطلقوا بنا إليه. فأتاه ، فقال : يا أبا فضل! ما ترى للناس فيه؟ وأخذ بيده وأجلسه معه على المنبر وقال : اللهمّ إنّا قد توجّهنا إليك بعمّ نبيّك ، ثمّ دعا العبّاس. «المترجم».

(١) شرح نهج البلاغة : ٧ / ٢٧٤ ط. دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

(٢) سورة الكهف ، الآية ٨٢.

(٣) سورة نوح ، الآية ١٠.

١٨٦

سبحانه ، وما اعترض عليه أحد من الصحابة ، ولا يعترض اليوم أحد منكم على عمله ، بل تحسبون أعماله حجّة فتقتدون به ، ولكنّكم تعارضون الشيعة لتوسّلهم بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته ، وتنسبون عملهم إلى الكفر والشرك ، والعياذ بالله!!

فإذا كان التوسّل بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاستشفاع بعترته الهادية عند الله عزّ وجلّ ، شرك ، فحسب رواياتكم فإنّ الخليفة الفاروق يكون مشركا كافرا ، وإذا تدفعون عنه الشرك والكفر ، ولا تقلبون نسبته إليه ، بل تصحّحون عمله وتدعون المسلمين إلى الاقتداء به ، فعمل الشيعة وتوسّلهم بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا ليس بشرك ، بل حسن صحيح.

وعلى هذا يجب عليكم أن تستغفروا ربّكم من هذه الافتراءات والاتّهامات التي تنسبونها لشيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتكفّرونهم وتقولون إنّهم مشركون.

ويجب عليكم أن تنبّهوا جميع أتباعكم وعوامكم الجاهلين على أنّكم كنتم مخطئين في اعتقادكم بالنسبة للشيعة ، فهم ليسوا بمشركين ، بل هم مؤمنون وموحّدون حقّا.

أيّها الحاضرون الكرام والعلماء الأعلام! إذا كان عمر الفاروق مع شأنه ومقامه الذي تعتقدون به له عند الله سبحانه ، وأهل المدينة ، مع وجود الصحابة الكرام فيهم ، دعاؤهم لا يستجاب إلاّ أن يتوسّلوا بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجعلوهم الواسطة والوسيلة بينهم وبين الله عزّ وجلّ حتّى يجيب دعوتهم ويسقيهم من رحمته ، فكيف بنا؟! وهل يجيب الله سبحانه دعوتنا من غير واسطة وبلا وسيلة؟!

١٨٧

فآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته في كلّ زمان هم وسائل التقرّب إلى الله تعالى ، وبهم ـ أي : بسببهم وبشفاعتهم ودعائهم ـ يرحم الله عباده.

فهم ليسوا مستقلّين في قضاء الحوائج وكفاية المهامّ ، وإنّما الله سبحانه هو القاضي للحاجات والكافي للمهمّات ، وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عباد صالحون وأئمّة مقرّبون ، لهم جاه عظيم عند ربّهم ، وهم شفعاء وجهاء عند الله عزّ وجلّ ، منحهم مقام الشفاعة بفضله وكرمه ، فقد قال سبحانه :( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) (١) .

هذا هو اعتقادنا في النبيّ وعترته الهادية وآله المنتجبين الطيّبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ولن تجدوا في كتبنا الاعتقادية والكتب الجامعة للزيارات والأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أكثر ممّا ذكرت لكم.

الحافظ : إنّ ما بيّنتموه عن اعتقادكم بأهل البيت ، رضي الله عنهم ، مخالف لما سمعناه من الآخرين وقرأناه بخصوصكم في كتب علمائنا المحقّقين.

قلت : دعوا واتركوا ما سمعتموه أو قرأتموه عنّا ، واعتمدوا على ما تشاهدوه منّا وتقرءوه في كتبنا. فهل طالعتم وتدبّرتم في كتب علمائنا الأعلام الجامعة للزيارات والأدعية المرويّة عن أئمّتنا ، أئمّة أهل البيت والعترة الهاديةعليهم‌السلام ؟!

الحافظ : ما وصلت يدي حتّى الآن إلى كتبكم.

قلت : إنّ العقل يقضي أن تقرأ كتبنا أوّلا ، فإذا وجدت فيها

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٥٥.

١٨٨

إشكالا ممّا كنت تسمعه عنّا ، فحينئذ أشكل علينا ، وأنا الآن معي كتابين ، أحدهما : كتاب «زاد المعاد» تأليف العلاّمة المجلسيقدس‌سره ، والآخر : «هديّة الزائرين» تأليف الفاضل المعاصر ، والمحدّث المتبحّر ، الحاج الشيخ عبّاس القميّ دامت بركاته ، فاقدّم لكم هذين الكتابين الجليلين لتقرءوها وتتدبّروا في عباراتها ، لتعرفوا حقيقة الأمر.

فأخذوا يتصفّحون الكتابين وينظرون في الكلمات والجمل بدقّة ، وإذا بالسيّد عبد الحيّ قد وصل إلى دعاء التوسّل ، فكأنّه وصل إلى بغيته ومقصده ، فأشار إلى الحاضرين بالسكوت فسكتوا ، ثمّ بدأ بقراءة دعاء التوسّل كلمة كلمة ، والحاضرون منصتين يستمعون ، وكان بعضهم يعرف العربية ويدرك معاني الكلمات والجمل ، فكانوا يهزّون رءوسهم ويبدون أسفهم لابتعادهم عن مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، فيقول بعضهم لبعض : كيف قلّبوا الامور ونحن غافلون ، والتبس علينا الحقّ ونحن جاهلون؟!

فلمّا انتهى السيّد عبد الحيّ من قراءة الدعاء ، قلت : أيّها الإخوة! بالله عليكم أنصفوا!!!

في أيّة كلمة أو عبارة من هذا الدعاء شممتم رائحة الشرك أو الغلوّ ، أيّها العلماء أجيبوني؟!

فإن لم يكن فيه شيء من الشرك والغلوّ ، فلما ذا تقذفون الشيعة المؤمنين بالشرك؟!

لما ذا تزرعون بذر العداء والبغضاء بين المسلمين الّذين جعل الله سبحانه بينهم المودّة والإخاء؟!

لما ذا( تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ؟!

١٨٩

لما ذا تضلّون أتباعكم الغافلين الجاهلين فتشحنون قلوبهم ضدّ الشيعة المؤمنين ، فينظرون إليهم شررا على أنّهم مشركون؟!

وكم من جهّالكم المتعصّبين تأثّروا بكلام علمائهم ـ أنتم وأمثالكم ـ فأباحوا دماء الشيعة وأموالهم ، فقتلوهم ونهبوهم( .. وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) (١) ، ويظنّون أنّ الجنّة وجبت لهم بذلك العمل الشنيع!!

ولا شكّ أنّ وزر هذه الجنايات والفجائع هي في ذمّتكم أيضا ، وأنتم العلماء مسئولون عنها وتحاسبون عليها أكثر من الجاهلين!

هل سمعتم إلى الآن ، أنّ شيعيا التقى بأحد أهل السنّة فقتله قربة إلى الله؟!

لا ، ولن يقدم شيعي حتّى العامّي منهم على مثلها أبدا ، لأنّ علماءنا ومبلّغينا دائما يعلنون في أتباعهم ، أنّ أهل السنّة والجماعة هم إخواننا في الدين فلا يجوز أذاهم. فكيف بقتلهم ونهب أموالهم؟!

نعم ، نبيّن لأتباعنا ، الاختلافات المذهبية بيننا وبينكم ، ولكن نقول لهم أيضا : بأنّها رغم خلافنا مع العامة في بعض المسائل ، فهم إخواننا في الدين ، فلا يجوز لنا أن نعاديهم ونبغضهم.

أمّا علماء السنّة مع كلّ الاختلافات النظرية والاجتهادية الموجودة بين أئمّة المذاهب الأربعة في الاصول والفروع ، يحسبون أتباع الأئمّة الأربعة أصحاب دين واحد ، وهم أحرار في اختيار أيّ مذهب شاءوا من المذاهب الأربعة.

ولكن كثيرا من أولئك العلماء ـ ومع الأسف ـ يحسبون شيعة المرتضى وأتباع العترة الهاديةعليهم‌السلام مشركين وكفّارا بحيث يحلّ

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية ١٠٤.

١٩٠

سفك دمائهم ونهب أموالهم ، فليس لهم حرّيّة العقيدة واختيار المذهب في البلاد السنّية ، حتّى أنّهم يضطرّون لأن يعيشوا بينكم في خوف وتقيّة مخافة أن يقتلوا بيد جهّالكم الغافلين أو عتاتكم المعاندين!!

فكم من عالم ورع وفقيه متّقي قتل شهيدا بفتوى بعض علمائكم ، كما أنّ كثيرا من علمائكم يصرّحون بلعن الشيعة في كتبهم.

ولكن لا يوجد شيعي واحد ، حتّى من العوام الجاهلين ، يحلّ سفك دم سنّي أو يجوّز لعنه لأنّه سنّي.

الحافظ : إنّك تريد إثارة العواطف والإحساسات بهذا الكلام ، فأيّ عالم من الشيعة قتل بفتوى علمائنا؟!

وأيّ عالم منّا يلعن الشيعة؟!

قلت : لا أريد أن أبيّن هذا الموضوع بالتفصيل لأنّه يحتاج إلى وقت طويل فيستغرق منّا ساعات عديدة ومجالس مديدة ، ولكن أنقل لكم قليلا من كثير ممّا سجّله التاريخ ، ليتّضح لكم الأمر وتعرفوا ما جهلتموه!

فلو تصفّحتم كتب بعض علمائكم الكبار الّذين اشتهروا بالتعصّب ضدّ الشيعة الأخيار ، لوجدتم تصريحاتهم بلعن الشيعة المؤمنين بالإصرار والتكرار!

منهم : الإمام الفخر الرازي في تفسيره المشهور ، فكأنّه كان مترصّدا ليجد مجالا حتّى يصبّ جام غضبه ولعنه على شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنجده عند آية الولاية(١) وآية إكمال الدين(٢) وغيرهما

__________________

(١)( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) سورة المائدة ، الآية ٥٥.

(٢)( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) سورة المائدة ، الآية ٣.

١٩١

يكرّر هذه الكلمات وأمّا الروافض لعنهم الله هؤلاء الروافض لعنهم الله أما قول الروافض لعنهم الله إلى آخره.

وأمّا إفتاء بعض علمائكم بقتل علمائنا الأعلام فكثير ، منها :

قتل الشهيد الأوّل

من جملة الفجائع التي حدثت على مفاخر العلم وأهل التقوى وشيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفتوى غريبة من قاضيين كبيرين من قضاة الشام ، وهما : برهان الدين المالكي وعباد بن جماعة الشافعي.

وقد أصدر حكما بقتل أفقه علماء الإسلام في عصره وهو : العالم العامل ، والتقي الفاضل ، والزاهد الورع ، أبو عبد الله محمد بن جمال الدين المكّي العاملي (رضوان الله تعالى عليه) ، ومن سعة اطّلاعه في المسائل الفقهية أنّه صنّف وألّف كتاب اللمعة الدمشقية في السجن في اسبوع واحد ، وليس عنده أي كتاب فقهي سوى كتاب : «المختصر النافع».

وكتاب «اللمعة» يدرّس في الحوزات العلمية حتّى اليوم ، لاحتوائه على أكثر الفروع والمباني الفقهية. وكان الشيخ الشهيدقدس‌سره مرجعا لعلماء المذاهب الأربعة في حلّ المعضلات العلمية وكشف الأحكام الدينية ، وكان يعيش في تقيّة ، أي : يخفي مذهبه من الحكومة ومن عامة الناس ، ومع ذلك عرفوا منه التشيّع فشهد عليه نفر عند الحاكم ، فحوّله الحاكم إلى القاضي فزجّه القاضي في السجن حسدا وحقدا.

فبقي سنة كاملة سجينا في قلعة الشام يعاني من التجويع

١٩٢

والتعذيب ، وبعدها حكم برهان الدين المالكي وابن جماعة الشافعي بإعدامه ، فقتلوه أوّلا بالسيف ثمّ صلبوه ، ولم يكتفوا بهذا المقدار من إظهار الحقد الدفين ، فحرّكوا الهمج الرعاع العوامّ كالأنعام ، فرجموا جسد ذلك العالم الفقيه بالحجارة ، وأعلنوا أنّهم فعلوا كلّ ما فعلوه بذلك الفقيه الفاضل والعالم العامل ، لأنّه رافضيّ مشرك!!

وعلى هذا الجرم الذي ليس مثله جرم في الإسلام!!

أمروا بحرق جسده الشريف ، وذرّوا رماده في الفضاء.

وكان ذلك في التاسع أو التاسع عشر من جمادى الاولى عام ٧٨٦ من الهجرة النبوية الشريفة ، في عهد الملك برقوق وحاكمه يوم ذاك على الشام : بيد مرو.

قتل الشهيد الثاني

ومن جملة الفجائع الشنيعة ضدّ مذهب الشيعة ، والتي حدثت بسبب فتوى بعض علمائكم ، قتل العالم الفقيه ، والتقيّ النبيه ، العالم الرّباني ، المعروف بالشهيد الثاني ، الشيخ زين الدين بن نور الدين علي ابن احمد العاملي (قدّس الله نفسه الزكية).

وكان هو أشهر العلماء وأعظمهم في بلاد الشام ، وكان يعيش في عزلة من الناس ، دائبا على التأليف والتصنيف ، يقضي أوقاته في تحقيق المسائل واستنباط الأحكام وتدوينها ، وقد صنّف أكثر من مائتي مؤلّف في مختلف العلوم.

فحسده علماء عصره لتوجّه الناس إليه وتعظيمهم له ، فبعث قاضي صيدا واسمه الشيخ معروف ، كتابا إلى السلطان سليم العثماني

١٩٣

جاء فيه قد وجد في بلاد الشام رجل مبدع خارج عن المذاهب الأربعة.

فأمر السلطان بإرسال الشيخ زين الدين إلى إسلامبول ليحاكموه ، وكان الشيخ آنذاك في الحجّ فلم ينتظروا رجوعه ، بل أرسلوا إليه جماعة فقبضوا عليه في المسجد الحرام ، وقد قال تعالى :( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (١) فسجنوه أربعين يوما في مكّة ثمّ بعثوه عن طريق البحر إلى إسلامبول عاصمة الخلافة.

ولمّا وصل إليها ونزل في الساحل ، ضربوا عنقه وقطعوا رأسه قبل أن يحاكموه ، ورموا بجثته في البحر وبعثوا برأسه الى السلطان!!

فيا أيّها الحاضرون الكرام! بالله عليكم أنصفوا!!

هل قرأتم أو سمعتم أنّ أحد علماء الشيعة عامل واحدا من علماء السنة أو عوامّها بهذا الشكل ، وقد كانوا متمكّنين ومقتدرين في ظلّ ملوك الشيعة وحكوماتها التي حكمت على كثير من بلاد السنّة؟!

بالله عليكم! هل إنّ عدم الانتماء إلى المذاهب الأربعة ذنب يستوجب القتل؟! ليت شعري ما هو دليلهم؟!

هل إنّ المذاهب الأربعة التي وجدت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعشرات السنين هي التي يجب الانتماء إليها والتمسّك بها والعمل على طبقها؟! بينما المذهب الذي كان على عهد النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان مرضيّا عنده ، لا يجوز التمسك به؟! وإنّ المتمسّك به يجب قتله!!

وإذا كان كذلك ، فبرأي من كان المسلمون يأخذون ويعملون في الفترة الواقعة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبل ميلاد الأئمّة الأربعة وانتشار آرائهم؟!

أم تقولون إنّ الأئمّة الأربعة كانوا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٩٧.

١٩٤

وأخذوا منه بلا واسطة؟!

الحافظ : لم يدّع أحد بأنّ الأئمّة الأربعة أو أحدهم أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتشرّف بصحبته وسمع حديثه.

قلت : وهل ينكر أحد صحبة الإمام عليعليه‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستماع حديثه الشريف ، حتى أصبح باب علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

الحافظ : لا ينكر أحد ذلك ، بل كان عليّرضي‌الله‌عنه ، من كبار الصحابة ، وفي بعض الجهات كان أفضلهم.

قلت : على هذه القاعدة لو اعتقدنا بأنّ متابعة الإمام عليعليه‌السلام والأخذ منه في المسائل الفقهية واجب لما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّه : ان من أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني ، وهو باب علمي ، ومن أراد أن يأخذ من علمي فليأت الباب.

فهل هذا الاعتقاد كفر؟! أم الذي خالف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد كفر؟! لقوله سبحانه وتعالى :( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (١) !

وإذا قلنا : ان من لم يعتقد بما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي بن أبي طالب والأئمة من ولده الذين جعلهم عدل القرآن الحكيم في حديث الثقلين وألزم متابعتهم والتوسل بهم في حديث السفينة وهما حديثان مقبولان عندكم أيضا كما ذكرنا مصادركم فيهما.

فلو قلنا : بأنّ من خالف عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرين فقد تمرّد على الله ورسوله وخرج من الدين ، ما قلنا شططا ، وما ذهبنا غلطا ، بدليل الحديثين الشريفين ، السفينة والثقلين ، وأدلّة عقلية ونقلية اخرى.

__________________

(١) سورة الحشر ، الآية ٧.

١٩٥

ولكن مع كلّ ذلك ما صدرت منا هكذا فتاوى خطيرة تشجّع عوامّ الشيعة وملوكهم على ارتكاب جنايات فجيعة في حقّ أهل السنّة والجماعة ، بالنسبة إلى علمائهم أو جهّالهم.

وإنّما علماؤنا دائما يعلنون : أنّ أهل السنّة والجماعة إخواننا في الدين ، ويجب أن نتّحد كلّنا ضدّ غير المسلمين المعادين ، غاية ما هنالك إنّنا نقول : إنّ الأمر اشتبه والحقّ التبس عليكم ، ولكنّكم تبعا لبعض علمائكم تقولون فينا خلاف ما نقوله فيكم ، إنّكم تقولون في حقّ الشيعة المؤمنين أتباع أهل بيت النبوةعليهم‌السلام : إنّهم أهل البدع وغلاة ورفضة ويهود وكفرة ومشركون ووو ...!!!

وتبيحون بل توجبون قتل من لم ينتم إلى أحد المذاهب الأربعة ، وليس عندكم أيّ دليل شرعي وعقلي وعرفي في ذلك!

الحافظ : ما كنت أظنّ أنّكم هكذا تفترون علينا ، وتكذبون على علمائنا فتنسبوا إلى علمائنا امورا بعيدة عن الحقيقة ، وانما هي من أباطيل الشيعة وأكاذيبهم الشنيعة ، وهم يقصدون بها إثارة أحاسيس الناس واكتساب عطفهم وحنانهم.

قلت : كلّ ما نقلته لكم هو حقّ وصدق بشهادة التاريخ ، وكيف تظنّ بأنّي أفتري عليكم وعلى مذهبكم أو علمائكم ، في وجودك وحضور كثير من العلماء معك ، وكذلك بحضور هذا الجمع الغفير من أتباعكم ، أيعقل ذلك؟!

واعلم أنّي نقلت قضيّتين من التاريخ كنموذج من معاملة علمائكم وقضاتكم مع فقهائنا وعلمائنا.

وإذا تصفّحتم تاريخ خوارزم وحملاتهم على إيران ، وقوم أزبك

١٩٦

وحملاتهم على بلاد خراسان ، وحملات الأفغان على إيران ، وقتلهم عامّة الناس بلا رحمة ، ونهب أموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم وبيعهم في الأسواق كما يعامل الكفّار ، لصدّقتم كلامي وما كذّبتم حديثي!

وفي زمن السلطان حسين الصفوي وصل الأفغان ـ وهم قومك وأبناء وطنك ـ إلى أصفهان ، فلم يرحموا حتى المراضع والرضع ، فقتلوا ونهبوا وسبوا ، وهتكوا حرمات المسلمين في كلّ أرض وطئوها من بلاد إيران ، كلّ ذلك بفتاوى علمائهم من أهل السنّة والجماعة ، حتّى أنّهم أفتوا ببيع اسارى الشيعة كالعبيد ، فباعوا ـ كما يحدّثنا التاريخ ـ أكثر من مائة ألف رجل شيعي على أبناء السنّة وغيرهم في أسواق تركستان!!

الحافظ : إنّ تلك المعارك كانت سياسية لا ترتبط بفتاوى علمائنا.

كلام خان خيوه

قلت : يذكر التاريخ أنّ في أوائل حكومة ناصر الدين شاه قاجار ، وفي وزارة أمير كبير ميرزا تقي خان ، حينما كانت الدولة منشغلة بإخماد الفتن التي أثارها رجل اسمه : «سالار» في خراسان ، وكانت سلطة الدولة ضعيفة في تلك المقاطعة.

اغتنم الفرصة أمير خوارزم وهو : محمد أمين خان أزبك المعروف بخان خيوه ، وهجم بجيش جرّار على خراسان ، وقتل ونهب ودمّر وأسر جمعا كثيرا من الناس ، فساقهم إلى بلاده سبايا.

وبعد ما اخمدت فتنة سالار ، بعثت الدولة القاجارية سفيرا إلى خان خيوه ليفاوضه في شأن السبايا واستخلاصهم ، وكان السفير هو رضا قلي خان ، الملقّب بهدايت ، وهو من كبار الدولة ورجال البلاط الملكي.

١٩٧

فلمّا وصل إلى خوارزم والتقى بخان خيوه ، دار بينهما كلام طويل سجّله التاريخ جملة جملة ، وكلمة كلمة ، والشاهد هنا هو هذه العبارة : إنّ المغفور له هدايت قال لخان خيوه :

إنّ الدول الكافرة تعامل الإيرانيّين معاملة حسنة ، وهم في أمن وأمان من جيوش روسية والإفرنج ، ولكنّكم مع الأسف تعاملون الإيرانيّين معاملة الكفّار والمشركين ، وهم معكم على دين واحد ، لا فرق في قبلتنا وقرآننا ونبيّنا ، نحن وأنتم نعتقد ونشهد : أن لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما ذا تهجم بجيوشك على بلادنا ، وتدمّر ديارنا ، وتقتل وتنهب ، وتأسر المسلمين وتبيعهم في الأسواق كأسرى الكفّار والمشركين؟!

فأجاب خان خيوه : إنّ علماءنا وقضاتنا في بخارى وخوارزم يفتون : بأنّ الشيعة كفّار وأهل بدع وضلال ، وجزاؤهم القتل ونهب الأموال ، وهم يوجبون علينا هذه المعاملة مع الإيرانيّين ، فيبيحون لنا دماءهم ونساءهم وأموالهم!!

وللاطّلاع التامّ فليراجع : تاريخ روضة الصفا الناصري ، وكذلك مذكّرات سفر خوارزم ، تأليف رضا قلي خان هدايت.

هجوم الأزبك

كما إنّ أحد أمراء الأزبك المسمّى عبد الله خان حاصر بجيوشه منطقة خراسان ، فكتب علماء خراسان إليه كتابا جاء فيه : نحن نشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما ذا تغير علينا بجيشك وتقاتلنا وتهتك حريمنا ونحن أتباع القرآن الكريم والعترة الهادية ، وإنّ

١٩٨

الوحشية والمعاملة السيّئة التي نجدها منكم غير مقبولة في الإسلام ، وإنّ الله سبحانه لا يجيزها لكم بالنسبة للكفّار ، فكيف مع المسلمين؟!

فلمّا وصل الكتاب إلى يد عبد الله خان أعطاه لعلماء السنّة وقضاتهم الّذين كانوا يرافقونه في حملاته على المسلمين الشيعة ، وطلب منهم أن يجيبوا ويردّوا على الكتاب.

فأجاب علماء السنّة ـ ردّا على كتاب علماء خراسان ـ بجواب مشحون بالتهم والأكاذيب على الشيعة وقذفوهم بالكفر!! لكنّ علماء خراسان ردّوا عليهم ، ونسفوا تهمهم وأكاذيبهم ، وأثبتوا أنّ الشيعة مؤمنون بالله ورسوله وبكلّ ما جاء به النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن أراد الوقوف على تلك الردود والإجابات فليراجع كتاب «ناسخ التواريخ».

فشاهد الكلام ، إنّ علماء السنّة الأزبكيّين كتبوا : إنّ الشيعة رفضة وكفّار ، فدماؤهم وأموالهم ونساؤهم مباحة للمسلمين!!

وأمّا في بلادكم أفغانستان ، فإنّ الشيعة يعانون أشدّ الضغوط والهجمات الوحشية منكم ومن أمثالكم أهل السنّة والجماعة.

والتاريخ ملئ بالفجائع والجنايات التي ارتكبتها جماعة السنّة في حقّ الشيعة في أفغانستان ، ومن جملتها :

في سنة ١٢٦٧ هجرية في يوم عاشوراء وكان يوافق يوم الجمعة ، وكانت الشيعة مجتمعة في الحسينيّات في مدينة قندهار ، وكانوا يقيمون شعائر العزاء على مصائب سبط الرسول وسيّد الشهداء ، الحسين بن عليّعليه‌السلام وآله وأنصاره الّذين استشهدوا معه في سبيل الله تعالى.

وإذا بأهل السنّة والجماعة يهجمون عليهم بالأسلحة الفتّاكة ، ولم

١٩٩

يكن الشيعة مسلّحين ولا مستعدين لقتال ، حتّى أنّهم لم يتمكّنوا من الدفاع عن أنفسهم ، فقتل قومكم جمعا كثيرا حتّى الأطفال بأفجع أنواع القتل ، ونهبوا أموالهم وأموال الحسينيّات!!

والأعجب من ذلك ، أنّ أحدا من علماء السنّة لم يندّد بهذا العمل الوحشي الشيطاني ، ولم يبد أسفه على تلك الجناية البشعة ، فكان سكوت العلماء تأييدا لعمل الجهّال المهاجمين ، والجناة المتعصّبين ، وربّما كان كلّ ذلك بتحريك بعض علمائهم ، والله أعلم.

والتاريخ يحدّثنا عن هجمات كثيرة من هذا النوع ضدّ الشيعة في أفغانستان وبلاد الهند والباكستان أيضا ، فكم من نفوس مؤمنة أزهقت ، ودماء بريئة سفكت ، وأموال محرّمة نهبت ، وحرمات دينية هتكت ، بأيدي أهل السنّة والجماعة ، وقد قتلوا حتّى بعض فقهائنا الكبار وعلمائنا الأبرار.

قتل الشهيد الثالث

ولقد زرت في سفري هذا مقابر بعض شهداء هذه الحوادث الأليمة في مدينة «أكبرآباد آگره» وبالأخصّ قبر الشهيد الثالث ، العالم الورع ، والفقيه التقي ، الذي ينتهي نسبه الشريف الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو : القاضي السيّد نور الله التستري (قدّس الله سرّه) ، وهو أحد ضحايا هذه التعسّفات والتعصّبات التي توجد في أهل السنّة العامّة.

فقد استشهد هذا العالم الجليل ، والحبر النبيل ، سنة ١٠١٩ هجرية ، على أثر سعاية علماء العامة في «أكبرآباد آگره» عند الملك المغولي الجاهل المتعصّب جهانگير ، في الهند.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وأما في المنطق والفصاحة ؛ فخطبتها البليغة في الكوفة تبرهن لنا ذلك. ونختم الحديث عن هذه السيدة الجليلة بكرامة من كراماتها ، قال السيد المقرّم (قده) : «وفي كتاب «تحقيق النصرة إلى معالم دار الهجرة» ص ١٨ ، تأليف ابي بكر بن الحسين بن عمر المراغي ، المتوفي سنة ٨١٦ : من كرامات فاطمة بنت الحسين ، أنّ الوليد بن عبد الملك لما أمر بادخال الحجرات في المسجد ، خرجت فاطمة بنت الحسين إلى الحرة ، وبنت داراً لها وأمرت بحفر بئر فظهر فيه جبل ، فقيل لها فتوضأت ، ورشت بفاضل وضوئها عليه فلم يتصعب عليهم ، فكانوا يتبركون بمائه ويُسمُّونه زمزم»(٣٨٣) .

وفاتها ومدفنها :

توفيت عام ١١٧ هـ ، أي في السنة التي توفيت فيها أختها السيدة سكينة ، ودفنت في البقيع.

وعمرها أكثر من سبعين سنة. وقول آخر يَنصّ على أنّ وفاتها عام ١١٠ هـ. ونَصّ ابن حجر في تهذيب التهذيب : «ماتت وقد قاربت التسعين»(٣٨٤) .

٢ ـ السيدة فاطمة الصغرى (العليلة) :

مما يؤسف له ، لم نعرف عن هذه السيدة الجليلة إلا ما ذكر في بعض كتب السيرة الحسينية ، فقد ذكر السيد رضي القزويني (ره) : «روي في كتاب المناقب القديم بإسناد طويل ، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : (فلمّا قتل الحسين بن علي عليهما السلام ؛ جاء غراب فوقع في دمه ، ثم تَمرّغ ثم طار ، فوقع بالمدينة على

__________________

(٣٨٣) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١٤.

(٣٨٤) ـ ابن حجر ، احمد بن علي : تهذيب التهذيب ، ج ٤ / ٦٨٤.

٣٠١

جدار فاطمة بنت الحسين بن علي عليهما السلام ـ وهي الصغرى ـ فرفعت رأسها فنظرت إليه ، فبكت بكاءً شديداً وأنشأت تقول :

نعب الغراب فقلت مَن

تنعاه ويلك يا غراب

قال : الإمام فقلت : مَن

قال : الموفق للصواب

إنّ الحسين بكربلاء

بين الأسنّة والضراب

فأبكي الحسين بعبرة

ترجي الإله مع الثواب

قال محمد بن علي : فنعته لأهل المدينة ، فقالوا : قد جاءتنا بسحر عبد المطلب ، فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين عليه السلام.

أقول : هذا الخبر منافٍ للأخبار الماضية أنّ فاطمة كانت مع أبيها عليه السلام في كربلاء ، إلا أن يقال له عليه السلام بنتان كلتاهما مسميتان بفاطمة ، كما أنّ بنيه كلهم مُسمّى بعلي ، ويؤيده قوله : وهي الصغرى»(٣٨٥) . وبعد عرض ما ذكرته بعض كتب السيرة الحسينية عن السيدة فاطمة الصغرى (العليلة) ، نتساءل عن السيدة زينب بنت الإمام الحسين عليه السلام ، حيث ورد هذا الإسم في تعداد بنات الحسين عليه السلام ، ولم نعرف شيئاً عنها؟ والذي يبدو لي أنّ هذا الإسم لعلّه إسم السيدة فاطمة الصغرى المتقدم ذكرها ، والله العالم بحقائق الأشياء. هذا ما أردنا بحثه على نحو الإختصار لحياة أخوات السيدة رقية ؛ وأمّا البحث والحديث عن السيدة رقية ؛ فيحتاج إلى دقة وتأمل ؛ حيث لا يوجد رأي متفق عليه بين المؤرخين والباحثين ، في معرفة إسمها ووجودها ونسبتها إلى بنات سيد الشهداء (عليه السلام) ، ولكن يمكن بحث ذلك فيما يلي :

__________________

(٣٨٥) ـ القزويني ، السيد رضي بن نبي : تلظم الزهراء / ٢٤٩.

٣٠٢

ثانياً ـ البحث في سيرة السيدة رُقَيّة

١ ـ أسماؤها في الكتب التاريخية

٢ ـ والدتها وولادتها

٣ ـ رؤياها

٤ ـ مدفنها وحرمها الطاهر

٣٠٣
٣٠٤

١ ـ أسماؤها في الكتب التاريخية :

من راجع كتب السيرة الحسينية ؛ توصّل إلى أنّ هناك تسميات تطلق على بنت الحسين عليه السلام كالتالي :

أ ـ بنت صغيرة :

ذكر السيد رضي القزويني (ره) في كتابه (تظلم الزهراء) : «وروي أنّه كانت للحسين عليه السلام بنت صغيرة ، وكانت بين تلك النساء جالسة بجنب أبيها الحسين عليه السلام ، وهي قابضة بكتفه وكفه في حجرها ، فتارة تشمّ كفه ، وتارة تقبل كتفه ، وتارة تضع أصابعه على فؤادها ، وتارة على عينيها ، وقد أخذت من دمه الشريف وخضبت به وجهها وهي تقول : يا أباه قتلك أقَرّ عيون الشامتين ، وفَرّح قلوب المعاندين ، وشفت بنا جميع المبغضين ، يا أباه ألبسوني بنو أمية ثوب اليتم ، وسقوني شربة السبي على صغر سني ، يا أبتاه إذا أظلم عليّ من يحمي حماي ، يا أبتاه وإن عطشت فمن يروي ظماي ، يا أبتاه نهبوا قرطي وجذبوا ردائي ، يا أبتاه انظر إلى رؤوسنا المكشفة ، وإلى أكبادنا المتلهفة ، وإلى عمتي المضروبة ، وأمي المسحوبة ـ فدرفت عن ندبها العيون ، وسالت على سجعها الجفون ـ فأتاهم زجر ، قال الأمير ابن سعد قد نادى مناديه بالرحيل فهلموا واركبوا ، فأيقنت البنيّة بالرحيل ، فقامت إلى السائق ووقفت عنده وقالت له : سألتك بالله يا هذا ، أنتم مقيمون اليوم أم راحلون؟ فقال : بل راحلون. قالت : يا هذا إذا عزمتم على المسير فسيروا بهذا النسوة واتركوني أبكي على والدي وأستأنس به ، فإن مت عنده فقد سقط عنكم ذمامي ، وأنا بنت صغيرة السن ضعيفة القوة ، فدفعها عنه وأبعدها منه ، فلاذت البنت بالحسين عليه السلام واستجارت به وقبضت زنده ، فأتى إليها من جوار أبيها فقالت

٣٠٥

له : يا هذا إنّ لي أخ صغير قد قتلوه القوم فدعني أتودع منه كافأك الله ، فأمهلها السائق فتخطت نحو خطوات قليلة ، فإنّه كان قريباً من أبيه الحسين عليه السلام ، فلما وقعت عين البنت على أخيها وتحسرت وأنّت وبكت وجعلت تنوح نوحة تذاب الحجر ، ثم إنّها لثمت أخاها متعددات ونامت بطوله ، ثم جلست فرفعته في حضنها وجعلت فمها على منحره ، ونادته : يا ابن أمي لو خيروني بين القيام عندك وأن السباع تأكل لحمي ، وبين الرواح عنك لتخيرت مقامي عندك على الحياة ، فها أنا ذا راحلة عنك ، غير جافية لك ولا لقربك ، وهذه نياق الرحيل تتجاذب بنا على المسير ، فما أدري أين يريدون بنا أهل العناد ، فاقرأ جدي وجدتي عني السلام ، ثم إنّها وضعت فمها على شفتيه وقبّلت خديه وعينيه ، فأتاها السائق وهو يبكي على حالها ، فجَرّها عنه وأبعدها وأركبها مع النساء ، فلما ركبت البنت على الناقة إلتفتت إلى أخيها وقالت : ودعتك السميع العليم إنا لله وإنا إليه راجعون»(٣٨٦) .

ب ـ فاطم الصغيرة :

وبهذا الإسم خاطبت السيدة زينب عليها السلام أخاها الحسين عليه السلام حينما رأت رأسه فوق الرمح بالكوفة :

يا أخي فاطم الصغيرة كَلِّمها

فقد كاد قلبها أنّ يذوبا

__________________

(٣٨٦) ـ القزويني ، السيد رضي بن نبي : تظلم الزهراء / ٢٣٥ ـ ٢٣٦.

٣٠٦

ج ـ رُقيّة :

قال الشيخ الحائري (ره) في كتابه (معالي السبطين) : «.. وبنته الأخرى (رُقيّة). وقال الحمزاوي في كتاب (النفحات) : وكانت للحسين عليه السلام بنت تسمى رقية ، وأمها شاه زنان بنت كسرى ، خرجت مع أبيها الحسين عليه السلام من المدينة حين خرج ، وكان لها من العمر خمس سنين ، وقيل : سبع سنين حتى جاءت معه إلى كربلاء»(٣٨٧) .

أقول إتضح لنا بعد مراجعة كتب سيرة الحسين عليه السلام أنّ لبنت الحسين عليه السلام عدة تسميات ، إلا أنّ من أبرز أسمائها (فاطمة الصغيرة) ، وهو المعروف في الكتب القديمة ، أما الإسم الآخر (رقية) ؛ فهو المشهور على ألسن الموالين في العصور المتأخرة ، ولم يذكر في كتب المتقدمين ، وأما ما ذكره بعض الكتاب ، حيث قال : «يُعدّ كتاب «اللهوف» للسيد ابن طاووس ، المتوفى عام ٦٦٤ هـ ، المعروف بكثرة إحاطته بالنصوص الروائية ، والأحداث التأريخية الإسلامية الشيعية ، من أقدم الكتب التي جاء فيه ذكر السيدة ررقية عليها السلام ، فقد ذكر السيد في كتابه هذا ، عبارة للإمام الحسين عليه السلام حينما دعا أخته زينب عليها السلام للصبر والتحمل فقال : (يا أختاه يا أم كلثوم ، وأنت يا زينب ، وأنت يا رقية ، وأنت يا فاطمة ، وأنت يا رباب ، أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن عليّ جيباً ، ولا تخمشن عليّ وجها ، ولا تقلن عليّ هجرا). وهذا يعني أنّ السيدة رقية عليها السلام كانت في كربلاء ، ومما يؤيد ذلك أيضاً ، ما ذكره الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي المتوفى عام (١٢٩٤ هـ) ، في كتابه (ينابيع المودة) ، نقلاً عن مقتل أبي مخنف : فبعد ما ذكر كيفية إستشهاد أصغر أولاد الحسين عليه السلام ـ وهو

__________________

(٣٨٧) ـ الحائري ، الشيخ محمد بن مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٢١٤.

٣٠٧

الذي لم يتجاوز الستة أشهر ـ ، قال : (ثم نادى عليه السلام : يا أم كلثوم ، ويا سكينة ، ويا رقية ، ويا عاتكة ، ويا زينب ، يا أهل بيتي ، عليكن مني السلام»(٣٨٨) .

فعلى القول بنسبة ما تقدم للحسين عليه السلام ؛ فهو في مقام مخاطبة أخواته ، وكبار بناته ، فلعلّ المراد بـ(رقية) هي بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، لا بنت الحسين عليه السلام ، والقرينة المقامية واللفظية تساعد على ذلك. ذكر الشيخ الحائري (ره) في كتابه (معالي السبطين) : «.. ومنهن (رقية الكبرى) ، وكانت عند مسلم بن عقيل ، فولدت منه عبد الله بن مسلم ، ومحمد بن مسلم ، الذين قتلا يوم الطف مع الحسين عليه السلام ، وعاتكة ولها من العمر سبع سنين ، التي سحقت يوم الطف بعد شهادة الحسين عليه السلام لما هجم القوم على المخيم للسلب ، على ما رواه الشيخ حسن بن سليمان الشويكي في مقتله. وأمها ـ أي رقية ـ الصهباء الثعلبية ، تكنى أم حبيب ، من سبي عين التمر ، التي إشتراها أمير المؤمنين عليه السلام من خالد بن الوليد بأربعين ديناراً ، فولدت منه رقية الكبرى ، وعمر الأطراف توأمين»(٣٨٩) .

وذكر أيضاً : «ومنهن رقية الصغرى ، أمها أم ولد ، وكانت عند صَلْت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ولا عقب له»(٣٩٠) .

وذكر السيد رضي القزويني (ره) في كتابه «تظلم الزهراء عليها السلام» : «.. أنّ الحريم لما أدخلن على يزيد كان ينظر إليهن وسأل عن كل واحدة ، فقيل :

__________________

(٣٨٨) ـ الخلخالي ، الشيخ علي الرباني : السيد رقية بنت ال حسين / ١٣.

(٣٨٩) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٢٢٧.

(٣٩٠) ـ نفس المصدر.

٣٠٨

هذه أم كلثوم الكبرى ، وهذه أم كلثوم الصغرى ، وهذه صفية ، وهذه أم هاني ، وهذه رقية ، بنات علي عليه السلام ، وهذه فاطمة ، وهذه سكينة بنتا الحسين ، وهن مربقات بحبل طويل ...»(٣٩١) .

والدتها وميلادها :

إختلف المؤرخون والباحثون في ذلك ، كما يلي :

أ ـ ذكر الشيخ الحائري (ره) في كتابه (معالي السبطين) : «وقال الحمزاوي في كتاب (النفحات) : وكانت للحسين عليه السلام بنت تسمى رقية ، وأمها شاه زنان ، بنت كسرى ، خرجت مع أبيها الحسين عليه السلام من المدينة حين خرج ، وكان لها من العمر خمس سنين ، وقيل : سبع سنين حتى جاءت معه إلى كربلاء»(٣٩٢) .

وهذا القول خلاف المشهور بين المؤرخين ، من أنّ شاه زنان توفيت في نفاسها بولادتها بالإمام زين العابدين عليه السلام ، إذن هذه الدعوى في غاية البعد ، ولا يمكن الإعتماد عليها.

ب ـ ما احتمله السيد عامر الحلو في كتابه (السيدة رقية عليها السلام) : «أوصى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ، أخاه أبا عبد الله عليه السلام أن يتزوج من (أم إسحاق) ، وكانت أم إسحاق زوجة للإمام الحسن عليه السلام سابقاً ، وعمل الحسين عليه السلام بوصية أخيه. وكانت ثمرة ذلك الزواج فتاة إسمها (رقية) ولم يمضِ وقت طويل حتى لَبّت (أم إسحاق) نداء ربها ، وأصبحت (رقية) بلا أم ، ولعل هذا كان سبب الحب الشديد للإمام الحسين عليه السلام لطفلته الصغيرة ، ومن هنا

__________________

(٣٩١) ـ القزويني ، السيد رضي بن نبي : تظلم الزهراء / ٢٧٨.

(٣٩٢) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٢١٤.

٣٠٩

أوصى أخته السيدة زينب عليها السلام أنّ ترعى رقية دائماً ، وتكون لها بمثابة الأم»(٣٩٣) .

وهذا الإحتمال لا بأس به ، إلا أنّه يحتاج إلى دليل.

ج ـ ذكر الشيخ الحائري في كتابه (معالي السبطين) : «... وقال صاحب الحدائق الوردية : وفاطمة الصغرى ؛ هي اُخت عبد الله الرضيع من أمه ، وهو الذي ولد في الحرب وقت صلاة الظهر وقتل في حجر أبيه»(٣٩٤) . وهذا الإحتمال من أقوى الإحتمالات التي ذكرت ، إلا أنّه يحتاج إلى زيادة إيضاح أكثر ، وسوف نذكر ذلك في الإحتمال الأخير.

د ـ المستفاد من الرواية السابقة التي ذكرها السيد رضي القزويني في كتابه (تظلم الزهراء) ـ حيث قالت في وداعها لأخيها الرضيع ـ : «... ونادته : يا ابن أمي ، ...» ، أنّها أخت الرضيع ، لكن السؤال الذي ينبغي طرحه : إنّ لسيد الشهداء رضيعين : رضيع قتل في حجر أبيه عند الخيام ، وهو الذي ولد به وقت صلاة الظهر ، والرضيع الآخر عبد الله وعمره ستة أشهر ، وأمه الرباب بنت أمرئ القيس ، فأي الرضيعين هو المراد؟

مما تقدم ، يمكن القول باحتمال أن تكون أخت الرضيع علي الأصغر المولود في الحرب وقت صلاة الظهر ، وأنّ أمه هي (أم إسحاق) ، والله العالم بحقائق الأمور ، وبعد هذا العرض الموجز لتاريخها ، يمكن القول بأنّ عمرها كان (٣ ـ ٤ سنوات) ، فيكون تاريخ ولادتها عام (٥٧ هـ ـ ٥٦ هـ).

__________________

(٣٩٣) ـ الشيرازي ، علي : القصة المحزنة للسيدة رقية / ١٦ ـ ١٧.

(٣٩٤) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٢١٤.

٣١٠

٣ ـ رؤياها :

ذُكِرَت رؤياها بعدة روايات ، ولعَلّ أهم المصادر التي يمكن الإطمئنان بها ، هي التالي :

ذكر الشيخ الطريحي في كتابه (المنتخب) : «روي أنّه لما قدم آل الله وآل رسوله على يزيد في الشام ؛ أفردهم داراً وكانوا مشغولين بإقامة العزاء ، وأنّه كان لمولانا الحسين عليه السلام بنتاً عمرها ثلاث سنوات ، ومن يوم إستشهد الحسين ما بقيت تراه ، فعظم ذلك عليها واستوحشت لأبيها ، وكانت كلما طلبت يقولون ، لها غداً يأتي ومعه ما تطلبين ؛ إلى أن كانت ليلة من الليالي رأت أباها بنومها ، فلما إنتبهت صاحت وبكت وإنزعجت فهجعوها وقالوا : لما هذا البكاء والعويل؟ فقالت : آتوني بوالدي وقرّة عيني ، وكلما هجعوها إزدادت حزناً وبكاءاً ، فعظم ذلك على أهل البيت فضجوا بالبكاء ، وجددوا الأحزان ولطموا الخدود ، وحثوا على رؤوسهم التراب ، ونشروا الشعور وقام الصياح ، فسمع يزيد صيحتهم وبكاءهم ، فقال : ما الخبر؟ قالوا : إنّ بنت الحسين الصغيرة رأت أباها بنومها فانتبهت وهي تطلبه وتبكي وتصيح ، فلما سمع يزيد ذلك قال : إرفعوا رأس أبيها وحطوه بين يديها لتنظر إليه وتتسلى به فجاءوا بالرأس الشريف إليها مغطى بمنديل دَيبقِي ، فوضع بين يديها وكشف الغطاء عنه ، فقالت : ما هذا الرأس؟ قالوا لها : رأس أبيك ، فرفعته من الطشت حاضنة له وهي تقول : يا أباه من ذا الذي خضبك بدمائك؟ يا أبتاه من الذي قطع وريدك؟ يا أبتاه من ذا الذي أيتمني على صغر سني؟ يا أبتاه من بقي بعدك نرجوه؟ يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر؟ يا أبتاه من للنساء الحاسرات؟ يا أبتاه من للأرامل المسبيات؟ يا أبتاه من للعيون الباكيات؟ يا أبتاه من للضائعات

٣١١

الغريبات؟ يا أبتاه من للشعور المنشرات؟ يا أبتاه من بعدك واخيبتنا؟ يا أبتاه من بعدك واغربتنا ، يا أبتاه ليتني كنت الفدى ، يا أبتاه ليتني كنت قبل هذا اليوم عميا ، يا أبتاه ليتني وسدت الثرى ، ولا أرى شيبك مخضباً بالدماء.

ثم إنّها وضعت فمها على فمه الشريف ، وبكت بكاءاً شديداً حتى غشي عليها ؛ أعلنوا البكاء واستجدوا العزاء ، وكل من حضر من أهل دمشق ، فلم ير في ذلك اليوم إلا باكٍ وباكية»(٣٩٥) .

٢ ـ نقل المحدث الخبير الشيخ عباس القمي (قده) ، عن كتاب (كامل البهائي)(٣٩٦) لعماد الدين الطبري «إنّ نساء أهل بيت النبوة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم ، وكن يقلن لهم : أنّ آبائكم قد سافروا إلى كذا وكذا ، وكان الحال على ذلك المنوال حتى أمر يزيد أن يدخلن داره ، وكان للحسين عليه السلام بنت صغيرة لها أربع سنين ، قامت ليلة من منامها وقالت : أين أبي الحسين ، فإنّي رأيته في المنام مضطرباً شديداً؟ فلما سمع النسوة ذلك بكين وبكى معهنّ سائر الأطفال ، وارتفع العويل فانتبه يزيد من نومه وقال : ما الخبر؟ ففضحوا عن الواقعة وقَصُّوها عليه ، فأمر (لع) أن يذهبوا برأس أبيها ، فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها ، فقالت :

__________________

(٣٩٥) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : المنتخب ، ج ١ / ١٣٦ ـ ١٣٧ (الباب الثاني ـ المجلس السابع).

(٣٩٦) ـ عَبّر عنه الشيخ عباس القمي في كتابه (الفوائد الرضوية / ١١١) : «الشيخ العالم ، والماهر الخبير والمتدرّب النحرير ، والمتكلم الجليل ، والحدث النبيل ، والفاضل الفهّامة ، فرغ من تأليفه سنة (٦٧٥ هـ) بعد عناء طويل استغرق (١٢ سنة) ويعلم من الكتاب أن الكثير من نسخ الأصول والكتب القديمة للأصحاب كانت موجودة عند المؤلف».

٣١٢

ما هذا؟ قالوا : رأس أبيك. ففزعت الصَبِيّة وصاحت ، فمرضت وتوفيت في أيامها بالشام»(٣٩٧) .

٤ ـ مدفنها وحرمها الطاهر :

منذ وفاة هذه السيدة الجليلة في خرابة الشام ـ وقد ذكر العلامة البيرجندي (ره) في كتاب (وقائع الأيام والشهور) : أنّ طفلة صغيرة للإمام الحسين عليه السلام ، توفيت في الخامس من شهر صفر سنة ٦١ هـ ، عرفت عند أهل الشام ، ومن زارها بأنّها طفلة الحسين عليه السلام ، صاحبة المنزلة الجليلة عند الباري عَزّ وجَلّ ، لما لاحظوه وسمعوه من الكرامات المنسوبة إليها ، ولهذا كثر زوارها.

وقد مرت عمارة مشهدها الشريف بعدة أطوار من التوسعة والبناء كالتالي :

ذكر هاشم عثمان في كتابه (مشاهد ومزارات ، ومقامات آل البيت عليهم السلام في سورية) : «مسجد رقية : في محلة العمارة ، خلف باب الفراديس ، وعليه تابوت حديث ثمين من خشب الموزاييك المرصّع بالعاج ، وحوله قفص من النحاس المزخرف.

والقبر ضمن مسجد حسنٍ ، له باب حديث من الحجر الأسود المزي ، جدد سنة ١٣٢٣ هـ. وفي المسجد محراب ومنبر عاديان ، أما قبة الضريح ، فقديمة من طراز قباب المماليك ، ولكنّها مجددة ومدهونة.

من أشهر أئمة هذا المشهد ، شخص يُدعى مجد الدين ؛ هو الذي قام بسرقة رأس الملك الكامل ـ ناصر ا لدين محمد بن شهاب الدين غازي ـ عندما

__________________

(٣٩٧) ـ القمي ، الشيخ عباس : نفس المهموم / ٤١٥ ـ ٥١٦.

٣١٣

عَلّقه هولاكو على باب الفراديس بدمشق سنة (٦٥٧ هـ) ، فأخذه ودفنه في طاق إلى جانب محراب المسجد.

ويفهم مما ذكره الحصني ، أنّ مسجد رقية عليها السلام ، صار بيتاً في مرحلة من المراحل ، ثم أعيد مشهداً مرّة ثانية ، قال الحصني : دفنت رقية عليها السلام في مسجد الرأس عند بلاط معاوية في القباقبية ، داخل باب الفراديس ، وقبرها داخل الستر المحيط به وكان عليه قبة ، والآن صار بيتاً»(٣٩٨) .

ويقول عبد الوهاب بن أحمد الشافعي المصري ، المشهور بالشعراني ، المتوفي عام ٩٧٣ هـ ، في كتاب (المنن) : «وأخبرني بعض الخواص : أنّ رقية بنت الحسين عليه السلام في المشهد القريب من جامع دار الخليفة ، وهو معروف الآن بجامع شجرة الدّر والمكان الذي فيه السيدة رقية عن يمينه ، ومكتوب على الحجر الذي ببابه هذا البيت :

بقعة شُرِّفَت بآل النبي

وبنت الحسين الشهيد رقية»(٣٩٩)

«وذكر المرحوم الحاج آية الله الميرزا هاشم الخراساني ، المتوفي عام (١٣٥٢ هـ) ، في كتابه (منتخب التواريخ) : قال لي العالم الجليل الشيخ محمد علي الشامي ـ وهو من جملة العلماء العاملين في النجف الأشرف ـ : أنّ جد أمي السيد ابراهيم الدمشقي ، الذي ينتهي نسبه إلى السيد المرتضى علم الهدى ، كان في زمانه قد تجاوز عمره التسعين ، ويُعد في عصره من الأشراف الأجلاء ، وكان عنده ثلاث بنات فقط وليس له أي ذكر.

__________________

(٣٩٨) ـ عثمان ، هاشم : مشاهد ومزارات ، ومقامات آل البيت (ع) في سورية / ٢٩.

(٣٩٩) ـ الخلخالي ، الشيخ علي الرباني : السيدة رقية / ١١.

٣١٤

وفي واحدة من الليالي ، رأت ابنته الكبيرة السيدة رقية عليها السلام في عالم الرؤيا ، وقد طلبت منها أن تخبر والدها : أنّ الماء قد تسَرّب إلى قبرها ولحدها ، مما تسبب في إحداث ضرراً في بدنها الشريف ، وطالبتها أن تقول له بضرورة إصلاح القبر طالباً ذلك من والي الشام ، فامتثلت الفتاة لذلك ، إلا أنّ السيد خشيَ من أهل السنة ، فلم يُبدِ إعتناء بهذا المنام.

وفي الليلة الثانية تكرر الأمر مع ابنته الوسطى ، وأخبرته بذلك أيضاً ، إلا أنّ السيد بقي متردداً وخائفاً. وفي الليلة الثالثة ؛ جاءت السيدة رقية عليها السلام لابنته الصغرى في عالم الرؤيا ، وجرى ما جرى سابقاً ، إلى أن رأى السيد نفسه السيدة رقية في المنام في الليلة الرابعة ، وهي تقول له معاتبة : لماذا لم تخبر الوالي؟!

وفي الصباح إنطلق السيد إلى والي الشام وحَدّثه بالرؤيا وما حصل معه ومع بناته ، فأمر الوالي علماء السنة والشيعة بالغسل وإرتداء أنظف ثيابهم ، ثم قال لهم : إنا سنعطي مفتاح القبر لكل واحد منكم ، وكلّ مَن فتح القفل بيده هو الذي ينزل إلى القبر ، ويخرج الجسد الطاهر ليتم إصلاحه ، وفعلاً قد إغتسلوا كلهم ولبسوا أنظف ثيابهم ، وذهبوا برفقة الوالي إلى القبر الطاهر ، وحينها لم يعمل المفتاح عمله إلا بيد سيد إبراهيم ، وحينما حاولوا نبش القبر وحفره لم تعمل الفؤوس إلا بيد سيد إبراهيم ، وفعلاً فقد حفروه بعد ما أخرجوا الناس من الحرم الشريف ، ثم شاهدوا جسد هذه الطاهرة طريّاً وهي مكفنة ، إلا أنّ الماء قد تجمّع في لحدها ، فحمل السيد الشريف هذه المخدّرة الطاهرة بيديه ، وحملها على ذراعيه وخرج بها ، وهكذا بقيت على ذراعيه وهو يهمل عليها الدموع الجاريات على ما نزل بهذه الماجدة الصغيرة ، فاستمر

٣١٥

الوضع ثلاثة أيام ، كان السيد خلالها لا يترك هذه السيدة العظيمة إلا في أوقات الصلاة ، فكان يضعها على شيء طاهر ونظيف ، ويؤدي صلاته ثم يعود ليحملها مرة أخرى ، ومن العجائب أنّ السيد طيلة هذه الفترة ما كان بحاجة إلى الأكل والشرب والوضوء ببركة السيدة رقية عليها السلام ، وهي إحدى كراماتها ، حتى إنتهوا من إصلاح القبر ، وقام السيد ليدفنها ، ولكنّه طلب من الله تعالى متوسلاً إليه بهذه السيدة الماجدة أن يرزقه ولداً ، فحقق الله له مرامه ورزقه ولداً ، سَمّاه السيد مصطفى. ثم قام الوالي بنقل هذه الإعجوبة إلى السطان عبد الحميد العثماني ، فأمر ال أخير بجعل تولية مرقد السيدة زينب عليها السلام ، ومرقد السيدة رقية عليها السلام ، ومرقد السيدة أم كلثوم عليها السلام ، ومرقد السيدة سكينة عليها السلام ، بيد السيد إبراهيم ، ومنه إنتقلت إلى ولده السيد مصطفى ، ومنه إلى ولده السيد عباس. قال ناقل هذه القصة ، آية الله الحاج الميرزا هاشم الخراساني : وقد كان تأريخ هذه الحادثة الجليلة في حدود عام (١٢٨٠ هـ)»(٤٠٠) .

وذكر الشيخ علي الرباني في كتابه (السيدة رقية) : «وقبل التعمير الأخير الذي حصل في السنين الأخيرة ، عُمِّرَ المرقد الشريف على يد الميرزا علي أصغر خان أتابك ، أمين السلطان الأعظم الصدر الأعظم لإيران سنة (١٣٢٣ هـ) ، وقد نظم السيد محسن الأمين العاملي المتوفى عام (١٣٧١ هـ) أشعاراً ذكرها في كتابه القيّم (أعيان الشيعة) ، منها هذين البيتين واللذين ذكر فيهما تاريخ تعمير المرقد الشريف ، عِلْمَاً أنّ البيتين مكتوبين على باب الحرم الشريف ، وهما :

__________________

(٤٠٠) ـ الخلخالي ، الشيخ علي الرباني : السيدة رقية بنت الإمام الحسين / ٩ ـ ١٠.

٣١٦

له ذو ال رتبة العليا عليّ

وزير الصدر في ايران جدّد

وقد أرّختها تزهو بناءً

بقبر رقيّة من آل أحمد»(٤٠١)

وفي السنين الأخيرة تصدى الشيخ نصر الله الخلخالي (ره) لتوسعة الحرم الشريف ، وبمساعدة العديد من الخيرين ، وُفِّقَ لشراء البيوت المجاورة للحرم الشريف. بدأ في هذا المشروع من عام (١٣٩٩ هـ) ، ولكن بعض أصحاب البيوت إمتنعوا عن إخلاء منازلهم ، بسبب عسبيات قائمة على الجهل وأطماع ، ولهذا إستمر إخلاء البيوت المحيطة وهدمها بصورة تامة سنين ، وفي عام (١٤٠٤ هـ) بدأ البناء وأكمل عام (١٤١٠ هـ). تَمّ هذا البناء على أرض تبلغ مساحتها (٦٠٠٠ م ٢) ، من قبل مهندسين ومعماريين إيرانيين ، تَمّ إيفادهم من قم وإصفهان. وبلغت مساحة البناء (٤٥٠٠ م ٢) ، وشمل المكان الواقع أسفل القبة ، وباحة ومسجداً ومكاناً للارحة ، ومكاناً للتوضؤ وحماماً. وفي الجزء الجنوبي لبناية الحرم ، بُنِيَ مسجد تبلغ مساحته (٨٠٠ م ٢) ، وتبلغ مساحة الحرم وباحاته في البناء الجديد (٢٦٠٠ م ٢). والضريح الجديد للسيدة رقية الذي يبلغ وزنه (٥ أطنان) ، هو حصيلة (٤ سنوات) من الجهود المستمرة التي قام بها أربعون فناناً إصفهانياً ، وقد صنع بصورة جميلة ، ووضعت على الضريح مزهرية ذهبية ، يبلغ إرتفاعها أكثر من متر ، ووضعت مزهريات على الزوايا الأربع العليا للضريح. وتَمّ تزيين زوايا الضريح المطهر بأربعة أعمدة فضية مُتَعرِّجَة ، يبغلغ إرتفاع كل منها (٢٨٥ سم) ، وقد إتصلت به أوراق زهور الذهب ، كما كتبت على جدران الضريح آيات من القرآن المجيد ، وأسماء

__________________

(٤٠١) ـ المصدر السابق / ١٧٦.

٣١٧

شريفة. فقد تَمّ نقل هذا الضريح إلى دمشق عام ١٤١٤ هـ. وقد قدرت كلفة بناء المقام بما يقارب الخمسين مليون دولاراً ، غير نفقات الضريح الجديد ، ويظل هذا المعلم الخالد شاهداً على مظلومية طفلة الحسين عليه السلام ، بل على مظلومية الحسين عليه السلام وأهل بيته الكرام عليهم السلام.

٣١٨

٨ ـ الرّبَاب (زوجة الإمام الحسين عليه السلام)

١ ـ نسبها

٢ ـ قصة زواجها من الإمام الحسين (عليه السلام)

٣ ـ مناقشة القصة

٤ ـ أولادها

٥ ـ علاقتها بالإمام الحسين (عليه السلام)

٦ ـ وفاتها ومدفنها

٧ ـ رؤياها

٣١٩
٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205