ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235780 / تحميل: 3892
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

سقوط دعوى ابن طاهر بطلان طرقه

وكما بطل دعوى وضع حديث الطير، فقد بطل دعوى بطلان طرقه كما عن ابن طاهر ومن تبعه قال ابن حجر المكي في ( المنح المكيّة ): « أما قول بعضهم: إنّه موضوع وقول ابن طاهر: طرقه كلها باطلة معلولة، فهو الباطل، وابن طاهر معروف بالغلو الفاحش ».

والحمد لله الذي أظهر بطلان ما قاله ابن طاهر على لسان ابن حجر الذي هو من كبار المتعصّبين ضدّ الحقّ وأهله، لأنّه المدافع عن معاوية والقائل بخلافته والمؤلّف في فضائله ومناقبه الأحاديث الموضوعة كتاب ( تطهير اللسان والجنان ). وهو أيضاً صاحب ( الصّواعق المحرقة ) المشتمل على التعصّب والعناد لأهل البيت وأتباعهم، كما اعترف الشيخ عبد الحق الدهلوي، ورشيد الدين صاحب ( إيضاح لطافة المقال ) بذلك.

وبالجملة، فإنّ ما ذكره ابن طاهر باطل مردود، حتى لدى المتعصّبين من أهل نحلته وطائفته.

١٤١

ترجمة محمّد بن طاهر المقدسي

وكما وصف ابن حجر المكّي محمّد بن طاهر المقدسي بالغلوّ الفاحش فقد أورده الذهبي في كتاب ( المغني في الضعفاء ) حيث قال: « محمّد بن طاهر المقدسي الحافظ ليس بالقوي، فإنّ له أوهاماً في تواليفه. وقال ابن ناصر: كان لحنة وكان يصحف. وقال ابن عساكر: جمع أطراف الكتب الستّة، رأيته بخطه وأخطأ فيه في مواضع خطأ فاحشاً »(١) .

وفي ( ميزان الاعتدال ) بعد أنْ ذكر ما تقدّم عن ( المغني ): « قلت: وله انحراف عن السنّة إلى تصوّفٍ غير مرضي، وهو في نفسه صدوق لم يتهم، وله حفظ ورحلة واسعة »(٢) .

وقال الحافظ ابن حجر: « قال الدقاق في رسالته: كان ابن طاهر صوفياً ملامتياً، له أدنى معرفة بالحديث في باب شيوخ البخاري ومسلم، وذكر لي عنه حديث الإِباحة. أسأل الله أن يعافينا منها، وممّن يقول بها من صوفية وقتنا. وقال ابن ناصر: ابن طاهر يقرأ ويلحن، فكان الشيخ يحرّك رأسه ويقول: لا حول ولا قوة إلّا بالله. وقال ابن عساكر: له شعر حسن مع أنّه كان لا يعرف النحو »(٣) .

وقال السيوطي: « كان ظاهريّاً يرى إباحة السّماع والنظر إلى المرد، وصنّف في ذلك كتاباً، وكان لحنة لا يحسن النحو »(٤) .

____________________

(١). المغني في الضعفاء ٢ / ٢٨.

(٢). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٥٨٧.

(٣). لسان الميزان ٥ / ٢٠٧.

(٤). طبقات الحفّاظ: ٤٥٢.

١٤٢

كذب قول جماعة: ذكره ابن الجوزي في الموضوعات

ومن العجائب أن جماعة من أعلام القوم يعزون إلى ابن الجوزي إيراد حديث الطير في كتاب ( الموضوعات ):

قال الشعراني: « البحث الثالث والأربعون، في بيان أن أفضل الأولياء المحمديين بعد الأنبياء والمرسلين: أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - وهذا الترتيب بين هؤلاء الخلفاء قطعي عند الشيخ أبي الحسن الأشعري، ظنّي عند القاضي أبي بكر الباقلاني.

وممّا تشبّث به الرّافضة في تقديمهم علياً -رضي‌الله‌عنه - على أبي بكررضي‌الله‌عنه حديث: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُتي بطير مشوي فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فأتاه عليرضي‌الله‌عنه .

وهذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وأفرد له الذهبي جزءً وقال: إنّ طرقه كلّها باطلة. واعترض الناس على الحاكم حيث أدخله في المستدرك »(١) .

فرية الشعراني على ابن الجوزي

وفي هذه العبارة من الكذب والإِفتراء والتدليس ما لا يخفى:

أمّا أولاً : فإنّ الشعراني قد افترى على ابن الجوزي إيراد هذا الحديث في كتاب الموضوعات، وهذه فرية قبيحة وكذبة واضحة، فإنّه - بغضّ النظر عن عدم وجدان هذا الحديث الشريف في هذا الكتاب رغم التّفحص التام والتتبع

____________________

(١). اليواقيت والجواهر - المبحث الثالث والأربعون.

١٤٣

الدقيق في نسخته الخطيّة العتيقة - قد نصّ الحافظ العلائي وابن حجر المكّي على أنّ ابن الجوزي لم يذكر هذا الحديث في الموضوعات. فلو فرضنا أنّ الشعراني لم يراجع كتاب الموضوعات، ولم ير عبارة العلائي، فهلّا اعتمد على ابن حجر المكّي الذي بالغ في مدحه والثناء عليه في ( لواقح الأنوار ) كي لا يقع في مثل هذه الورطة؟!

فرية على الذهبي

وأمّا ثانياً: فإنّه قد افترى على الذهبي حيث نسب إليه القول بأنّ طرق هذا الحديث كلّها باطلة، لأنّ الذّهبي ذكر أنّه قد جمع طرقه وأنّها تدل على أن للحديث أصلاً، وقد تقدّم نقل عبارة الذهبي هذه عن ( تذكرة الحفّاظ ) و ( مقاليد الأسانيد ) و ( بستان المحدّثين ).

وأيضاً: قد عرفت أنّ الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) يصرّح بأنّ رجال رواية الحاكم ثقات.

تدليس وتلبيس من الشعراني

وأمّا ثالثاً : فإنّ الشعراني ذكر اعتراض الناس على الحاكم حيث أدخله في المستدرك، ولم يتعرض لوجه الإِعتراض والجواب عنه. وقد عرفت أنّ أول المعترضين هو الذهبي في ( تلخيص المستدرك ) ومنه أخذ من بعده وكان وجه الإِعتراض اتّهامه « محمّد بن أحمد بن عياض » لكن الذّهبي رجع عن هذا الاتّهام في ( ميزان الإِعتدال ) وظهر له صدق الرّجل مع تنصيصه على وثاقة غيره من رجال الحديث عند الحاكم، فيكون قد صحّح الحديث ورفع اليد عن اعتراضه وكلّ هذا لم يتطرّق إليه الشعراني، فهل كان قد جهله؟! أو تجاهله ولم يشأ أن يتطرّق إليه؟

١٤٤

فرية محمّد طاهر الفتني على ابن الجوزي

وقال محمّد طاهر الكجراتي الفتني: « في المختصر: اللّهم ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي هذا الطير. له طرق كثيرة كلّها ضعيفة. قلت: ذكره أبو الفرج في الموضوعات »(١) .

وهذه فرية إذْ أنّه غير مذكور في ( الموضوعات ).

والعجيب أيضاً: أنّ الفتني ينسب هذا إلى ابن الجوزي ليعتمد عليه في ردّ هذا الحديث؟ وهو القائل عن ابن الجوزي في صدر كتابه ما نصّه: « ولعمري إنّه قد أفرط في الحكم بالوضع، حتى تعقبه العلماء من أفاضل الكاملين، فهو ضرر عظيم على القاصرين المتكاسلين. قال مجدد المائة السيوطي: قد أكثر ابن الجوزي في الموضوعات من إخراج الضعيف بل ومن الحسان ومن الصّحاح ».

فظهر أنّ النسبة كاذبة من أصلها. وعلى فرض الصّحة فإنّه يرى ابن الجوزي مفرطاً في الحكم بالوضع، وأنّ كتاب الموضوعات فيه أحاديث صحاح أيضاً.

بل، لقد تعقب الفتني الهندي ابن الجوزي في بعض ما حكم بوضعه بأنّ الحديث ممّا أخرجه الترمذي، فلا يحكم عليه بالوضع وإنْ ضعّفه فلو فرض ذكر ابن الجوزي حديث الطّير في الموضوعات لكان على الفتني أن يتعقّبه، لكونه من أحاديث الترمذي في صحيحه، لا سيّما وأن الترمذي لم يحكم عليه بالضعف؟!

فما الذي حمل الفتني على هذا الموقف من الحديث غير التعصّب؟!

____________________

(١). تذكرة الموضوعات: ٩٥.

١٤٥

فرية القاري على ابن الجوزي

وقال الشيخ علي القاري: « رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب. أي إسناداً أو متناً، ولا منع من الجمع. قال ابن الجوزي: موضوع »(١) .

وهذه فرية على ابن الجوزي، ولا يخفى أنّه لم يقنع بدعوى ذكره إياه في الموضوعات بل نسب إليه القول بأنّه « موضوع » لكنْ اين؟ وفي أيّ كتاب؟!

فرية الصبّان على ابن الجوزي

وقال الشيخ محمّد الصبّان المصري مقتفياً أثر الشعراني: « وأمّا ما أخرجه الحاكم في مستدركه من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُتي بطير مشوي فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فأتاه علي. فهو - وإنْ كان ممّا تشبّث به الرافضة في تفضيلهم علياً - حديث باطل. ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وأفرده الحافظ الذهبي بجزءٍ وقال: إن طرقه كلها باطلة. واعترض الناس على الحاكم حيث أدخله في المستدرك »(٢) .

ويرد عليه ما ورد على الشعراني، لكنه زاد عليه الحكم ببطلان الحديث، وهذا جزافٌ محض وعنادٌ بحت،

فرية الشوكاني على ابن الجوزي

وقال الشوكاني: « اللّهم ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي هذا الطير. قال في المختصر: له طرق كثيرة كلّها ضعيفة. وقد ذكره ابن الجوزي في

____________________

(١). مرقاة المفاتيح - شرح مشكاة المصابيح ٥ / ٥٦٩.

(٢). اسعاف الراغبين في مناقب النبيّ وأهل بيته الطاهرين: ١٦٩.

١٤٦

الموضوعات. وأما الحاكم فأخرجه في المستدرك وصحّحه. واعترض عليه كثير من أهل العلم ومن أراد استيفاء البحث فلينظر ترجمة الحاكم في النبلاء »(١) .

ويردّه ما ذكرناه في الجواب عن كلمات من تقدّمه.

والحاصل: إنّ نسبة إيراد هذا الحديث في كتاب ( الموضوعات ) أو الحكم بوضعه إلى ابن الجوزي لا أساس لها من الصّحة، والذي أظنّ: أنّ هؤلاء لمـّا كانوا في مقام الطعن في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام مهما أمكنهم ذلك، عناداً ولجاجاً وتعصّباً، وكانوا يعلمون أنّ ابن الجوزي قد أورد طرفاً كبيراً من مناقب أمير المؤمنين والعترة الطاهرة في كتاب ( الموضوعات ) فقد نسبوا إليه إيراد هذا الحديث في الكتاب المذكور، رجماً منهم بالغيب من دون مراجعة كتابه.

لكنك قد عرفت أن الحافظ العلائي وابن حجر المكّي ينفيان أنْ يكون ابن الجوزي قد ذكر حديث الطير في موضوعاته مضافاً، إلى أنّ هذا الكتاب موجود بين الأيدي، فمن يدّعي فليثبت؟.

حديث الطير في كتاب العلل المتناهية

نعم، لقد أورد ابن الجوزي حديث الطير في كتابه ( العلل المتناهية ) وموضوعه الأحاديث الضعيفة بحسب السند - بزعم ابن الجوزي - والتي لا دلالة لألفاظها على كونها كاذبة أورده بطرقه الكثيرة وتكلّم عليها

لكن هذا لا يضرّ بمطلوب أهل الحقّ لوجوه:

الأوّل : إن ابن الجوزي متعصب مفرط في أحكامه وهذا أمر ثابت من كلمات أكابر علماء أهل السنّة.

الثاني : إنّ ابن الجوزي لم يناقش في بعض الطرق التي ذكرها. وإذا

____________________

(١). الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: ٢٨٢.

١٤٧

كان طريق البحث والنقاش في بعض الطرق مسدوداً على مثل ابن الجوزي كان إيراده هذا الحديث في كتابه المذكور مجازفة، لأنّ الحديث حينئذٍ لا يكون ممّا يناسب الكتاب موضوعاً.

والثالث : إن كثيراً من مناقشاته في رجال طرقه مردودة.

والرابع : لو سلّمنا جميع مناقشاته، كان الحديث ضعيفاً سنداً، لكنك قد عرفت سابقاً من كلمات أئمة القوم أن اجتماع الطرق الضعيفة على حديث واحدٍ يوجب تقوّي بعضها ببعض، وبذلك يرتقي الحديث إلى درجة الحسن وعلى هذا، فإنّ مجرّد هذه الطرق الكثيرة التي ذكرها ابن الجوزي وخدش فيها - هي وحدها مع قطع النظر عن غيرها - تقتضي أن يكون الحديث حسناً لا ضعيفاً.

الخامس : إن الوجوه السابقة التي ذكرناها لإِثبات صحّة حديث الطير وحسنه إذا انضمت إلى هذه الطرق الكثيرة - المفروض ضعفها - بلغت بالحديث إلى مرتبة القوّة والاعتبار.

١٤٨

خلاصة البحوث

ويتلخّص البحث إلى الآن في نقاط:

١ - إنّ القول بوضع حديث الطير باطل، أيّاً من كان قائله.

٢ - دعوى قول أكثر المحدّثين بوضعه لا أساس لها من الصحة.

٣ - دعوى قول ابن الجزري بوضعه لا يعبأ بها.

٤ - دعوى قول الذهبي بوضعه كاذبة.

٥ - دعوى بطلان طرقه كما عن ابن طاهر ومن تبعه باطلة.

٦ - دعوى جماعة ذكر ابن الجوزي إيّاه في ( الموضوعات ) كاذبة.

٧ - إيراد ابن الجوزي إياه في ( العلل المتناهية ) لا يضر بمطلوب الإِمامية.

١٤٩

مع ابن تيميّة الحرّاني

ولا بن تيميّة خرافات وأباطيل في تكذيب هذا الحديث الشريف نتعرض لها بالتفصيل

لقد قال ابن تيميّة المشهور بالعناد والعصبية في جواب العلاّمة الحلّي ما نصّه، قال:

« الجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بتصحيح النقل.

وقوله : روى الجمهور كافّة. كذب عليهم، فإنّ حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح، ولا صحّحه أئمة الحديث. ولكن هو ممّا رواه بعض الناس كما رووا أمثاله في فضل غير علي. بل قد رووا في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، وصنّف في ذلك مصنفات، وأهل العلم بالحديث لا يصحّحون هذا ولا هذا ».

جواب قوله: لم يروه أحد من أصحاب الصّحيح!

وهذا الكلام كلّه أكاذيب وأباطيل: إنّه يقول: « إنّ حديث الطّير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح » فنقول له:

إنّ حديث الطير مخرَّج في صحيح الترمذي، وصحيح الحاكم، وصحيح النسائي - بناءً على أنّ الخصائص من سننه - فكيف يقال: لم يروه أحد من أصحاب الصحيح؟!

جواب قوله: ولا صححه أئمة الحديث

ويقول ابن تيميّة: ولا صحّحه أئمة الحديث. وهذا كذب وإنكار

١٥٠

للحقيقة، لأنّ المأمون العباسي، وقاضي القضاة يحيى بن أكثم، وإسحاق بن إبراهيم بن حمّاد بن يزيد وأربعين - أو تسعة وثلاثين - من كبار علماء عصر المأمون. وكذا أبو عمر أحمد بن عبد ربّه القرطبي، وأبو عبد الله الحاكم، وقاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد، وأبو عبد الله الكنجي الشافعي يصحّحون - أو يسلّمون تصحيح - حديث الطير وهؤلاء علماء متبحرون في علم الحديث

وهل ينكر ابن تيميّة أن يكون هؤلاء من أئمة الحديث؟!

نعم: إنّ من يقول الحقّ ويعترف بما ينفع أهل الحقّ لا يكون من أئمّة الحدّيث عند ابن تيمية وأمثاله من المتعصبين المعاندين للحق!!

جواب قوله: ولكن هو ممّا رواه بعض الناس

ثمّ يقول: « ولكنْ هو ممّا رواه الناس » وكأنّه يريد إيهام أنّ رواة حديث الطير ومخرجيه شرذمة شاذة من آحاد الناس والعوام الجهلة لكنّا نساءل أهل العلم والإِنصآف، هل أنّ أمثال:

أبي حنيفة، إمام المذهب الحنفي.

وأحمد بن حنبل، إمام المذهب الحنبلي.

وعبّاد بن يعقوب الرواجني.

وأبي حاتم الرّازي.

وأبي عيسى الترمذي.

وأحمد بن يحيى البلاذري.

وعبد الله بن أحمد بن حنبل.

وأبي بكر البزار.

وأحمد بن شعيب النسائي.

وأبي يعلى الموصلي.

١٥١

ومحمّد بن جرير الطبري.

وأبي القاسم البغوي.

ويحيى بن صاعد البغدادي.

وابن أبي حاتم الرّازي.

وأبي عمر ابن عبدربّه.

والقاضي حسين المحاملي.

وأبي العباس ابن عقدة.

وعلي بن الحسين المسعودي.

وأحمد بن سعيد الجدّي.

وأبي القاسم الطبراني.

وابن السّقاء الواسطي.

وأبي اللّيث الفقيه.

وابن شاهين البغدادي.

وأبي الحسن الدار قطني.

وابن شاذان السكري الحربي.

وابن بطة العكبري.

وأبي بكر النّجار.

وأبي عبد الله الحاكم النيسابوري.

وأبي سعد الخركوشي.

وأبي بكر ابن مردويه.

وأبي نعيم الأصبهاني.

وأبي طاهر ابن حمدان.

وابن المظفر العطّار.

وأبي بكر البيهقي.

١٥٢

وابن بشران.

وابن عبد البرّ.

وأبي بكر الخطيب البغدادي.

وابن المغازلي الواسطي.

وأبي المظفّر السمعاني.

ومحيي السنّة البغوي.

ورزين العبدري.

وابن عساكر الدمشقي.

ومجد الدين ابن الأثير.

وابن النّجار البغدادي.

ومحمّد بن طلحة الشافعي.

وسبط ابن الجوزي.

ومحمّد بن يوسف الكنجي.

ومحبّ الدين الطبري الشافعي.

وإبراهيم الحمويني.

يقال عنهم: « بعض الناس » أو أنّ هؤلاء أساطين دين أهل السنّة، وأكابر حفّاظهم المحدّثين، وأئمّتهم المعتمدين؟!

من تناقضات ابن تيمية

وياليته استثنى ممّن عبَّر عنه بـ « بعض الناس » مستهيناً له ومستصغراً إياه أبا حنيفة وأحمد بن حنبل، وأبا حاتم، والنسائي، ومحمّد بن جرير الطبري، والدار قطني لئلّا يلزم التناقض والتهافت في كلماته:

وذلك، لأنّ ابن تيمية وصف في كتابه ( المنهاج ) أحمد بن حنبل، وأبا حاتم، والنسائي، والدار قطني، بأنّهم أئمة ونقّاد وحكّام وحفّاظ للحديث، ولهم

١٥٣

معرفة تامّة بأقوال النبيّ وأحوال الصّحابة والتابعين وسائر رجال الحديث طبقة بعد طبقة، ولهم كتب كثيرة في معرفة أحوال رجال الحديث

وزعم أنّ أبا حنيفة، وأحمد بن حنبل، ومحمّد بن جرير الطبري، بلغوا في العلم مرتبةً حتى كانوا - معاذ الله - أعلم من الإِمامين العسكريّينعليهما‌السلام بالشريعة ...!! إلى غير ذلك ممّا قال فلا نذكره ونعوذ بالله من الضّلالة والخسران

مفاد قوله: أهل العلم بالحديث لا يصححون فضائل علي ولا فضائل معاوية

وأمّا قوله: « كما رووا أمثاله في فضائل غير علي بل قد رووا في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، وصنّف في ذلك مصنّفات، وأهل العلم بالحديث لا يصحّحون هذا ولا هذا ».

ففيه فوائد:

أمّا أوّلاً: فإنّه يبطل دعاوي المتأخرين من علماء أهل السنّة من أنْ أهل السنّة هم الذين اهتمّوا منذ اليوم الأول برواية فضائل أهل البيتعليهم‌السلام وتصحيحها وجمعها في مقابلة النواصب والأعداء وأنّ الإماميّة في هذا الباب عيال على أهل السنّة ومستفيدون منهم نعم، إن كلام ابن تيمية هذا يبطل كلّ هذه الدعاوي ويكذب هذه المزاعم، إذ يقول بأنّ أهل العلم بالحديث لا يصحّحون فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وأمّا ثانياً: فإنّه يقتضي سقوط جميع روايات أهل السنّة عن الإِعتبار، لأنّهم قد وضعوا أحاديث في فضل معاوية ثمّ أفردوها بالتأليف لغرض تضليل العوام وتخديعهم وحينئذٍ لا يبقى وثوق واعتبار لرواياتهم وكتبهم في الأبواب العلمية الاُخرى.

وأمّا ثالثاً: فإنّه يفيد أنّ المصحّحين لِما رووه في فضل معاوية ليسوا من

١٥٤

أهل العلم بالحديث وبهذا يعرف حال والد ( الدهلوي ) الذي حاول إثبات فضائل معاوية في ( إزالة الخفاء )، وحال ابن حجر المكّي المؤلّف كتاباً خاصاً في ذلك.

إلى هنا إنتهى الكلام حول ما ذكره ابن تيمية في الوجه الأول.

قال:

« الثاني: إنّ حديث الطير من المكذوبات الموضوعات عند أهل المعرفة بحقائق النقل. قال الحافظ أبو موسى المديني: قد جمع غير واحدٍ من الحفّاظ طرق أحاديث الطير للإِعتبار والمعرفة: كالحاكم النيسابوري، وأبي نعيم وابن مردويه. وسئل الحاكم عن حديث الطير فقال: لا يصحّ.

هذا مع أنّ الحاكم منسوب إلى التشيّع، وقد طلب منه أنْ يروي حديثاً في فضل معاوية فقال: ما يجئ من قلبي ما يجئ من قلبي، وقد خوصم على ذلك فلم يفعل، وهو يروي في المستخرج والأربعين أحاديث ضعيفة بل موضوعة عند أئمة الحديث، كقوله: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

لكنّ تشيّعه وتشيّع أمثاله من أهل العلم بالحديث: كالنسائي، وابن عبد البرّ، وأمثالهما، لا يبلغ إلى تفضيله على أبي بكر وعمر، فلا يعرف في علماء الحديث من يفضلّه عليهما، بل غاية التشيع منهم أنْ يفضلّه على عثمان، أو يحصل منه كلام أو إعراض عن ذكر محاسن من قاتله، ونحو ذلك. لأنّ علماء الحديث قد عصمهم وقيّدهم ما يعرفون من الأحاديث الصحيحة الدّالة على فضيلة الشيخين، ومن ترفّض ممّن له نوع اشتغال بالحديث: كابن عقدة وأمثاله، فهذا غايته أنْ يجمع ما يروى في فضائله من الكذوبات والموضوعات لا يقدر أن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين، فإنّها باتّفاق أهل العلم بالحديث أكثر ممّا صحَّ من فضائل علي وأصّح وأصرح في الدلالة.

وأحمد بن حنبل لم يقل إنّه صحّ لعلي من الفضائل ما لم يصحّ لغيره، بل أحمد أجلّ من أن يقول مثل هذا الكذب، بل نقل عنه أنّه قال: روي له ما

١٥٥

لم يرو لغيره، مع أنّ في نقل هذا عن أحمد كلام ليس هذا موضعه ».

جواب قوله: حديث الطير من المكذوبات عند أهل المعرفة

وهذا الوجه كسابقه كلّه أكاذيب وأباطيل إنّه يدّعي: « أنّ حديث الطّير من المكذوبات الموضوعات عند أهل المعرفة بحقائق النقل » وهذه دعوى باطلة، فالحديث عند أهل التحقيق من أساطين أهل السنّة من الأحاديث الصحاح المعتبرة الصالحة للاستدلال والاحتجاج كما عرفت ذلك بالتفصيل

وليت شعري من « أهل المعرفة بحقائق النقل » القائلين بأنّه من المكذوبات الموضوعات؟ لما ذا لم يذكرهم؟ ولم يذكر واحداً منهم؟ ألم يكن من المناسب أن يذكر ولو اسم واحدٍ فقط!، وإنْ كانت دعوى وضعه فارغة مردودة لدى المحقّقين الكبار من أهل السنّة أيضاً كالعلائي والسّبكي وابن حجر المكّي؟

لا علاقة لما نقله عن المديني بمدّعاه

ثمّ نقل عن أبي موسى المديني أنّه قال: « قد جمع غير واحدٍ من الحفّاظ طرق أحاديث الطّير للإِعتبار والمعرفة كالحاكم وأبي نعيم وابن مردويه » ولكنْ أيّ علاقة لهذا الذي نقله عن المديني بما ادّعاه من كون الحديث من المكذوبات الموضوعات عند أهل المعرفة بحقائق النقل؟ وهل يدلّ على مدّعاه بإحدى الدلالات الثلاث؟

بل الأمر بالعكس، وما ذكره ابن تيمية اعتراف حديث الطير ...، إذ قد عرفت أنّ جمع علماء أهل السنّة طرق هذا الحديث في أجزاءٍ مفردة وتآليف خاصة يدل بوجوهٍ عديدة على ثبوته وتحقّقه لكنّ هذا الرجل وأمثاله إذا أرادوا البحث مع الإِماميّة يضطربون، وقد يتفوّهون بما يضرّهم وهم

١٥٦

لا يشعرون

ما نقله عن الحاكم كذب عليه

وأمّا ما ذكره من أنّه « سئل الحاكم عن حديث الطير فقال: لا يصح » ففيه:

أوّلاً : إنّه كذب على الحاكم وكيف يقول الحاكم بعدم صحته وقد أخرجه في مستدركه على الصحيحين وأثبت صحته رغم الجاحدين؟

ومع هذا، فإنّ نقل حكم الحاكم بعدم صحة هذه الحديث غايته أن يكون ظنيّاً، لكن حكمه بصحته في المستدرك قطعي، والظّني لا يعارض القطعي.

وثانياً : لو سلّمنا ثبوت هذا الذي حكاه عن الحاكم، فإنّه لا يجوز الاحتجاج به، لتصريح الحافظ برجوع الحاكم عن ذلك كما ستعلم.

وثالثاً : لو سلّمنا ثبوته وفرضنا عدم رجوعه كان الاستدلال والإِحتجاج بتصحيحه إيّاه في المستدرك من باب الإِلزام والافحام للمخالفين تاماً، على القواعد والاُصول المقرّرة في باب الإِحتجاج والمناظرة.

ورابعاً : ولو فرضنا أنّه كان قد قدح فيه ولم يخرجه في المستدرك، فإنّ الأدلة القويمة والبراهين المتينة على صحة حديث الطير وثبوته كثيرة، بل يكفي لبطلان القول بوضعه ما قاله العلائي والسبكي وابن حجر المكّي.

هذا، وقد نصَّ الحافظ الذهبي في ( تذكرة الحفّاظ ) - بعد أن حكى ذلك القول المنسوب إلى الحاكم - على رجوعه عنه، وقد أورد الشيخ محمّد الأمير الصنعاني كلام الذّهبي وعلّق عليه حيث قال في ( الروضة الندية ):

« هذا الخبر رواه جماعة عن أنس، منهم: سعيد بن المسيب، وعبد الملك بن عمير، وسليمان بن الحجاج الطائفي، وابن أبي الرجال الكوفي، وأبو الهندي، وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر، ويغنم بن سالم بن قنبر،

١٥٧

وغيرهم.

وأمّا ما قال الحافظ الذهبي في التذكرة في ترجمة الحاكم أبي عبد الله المعروف بابن البيّع الحافظ المشهور مؤلّف المستدرك وغيره - بعد أن ساق حكاية: وسئل الحاكم أبو عبد الله عن حديث الطير فقال: لا يصح، ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال الذهبي: قلت: تغيَّر رأي الحاكم فأخرج حديث الطير في مستدركه. قال الذهبي: وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة قد أفردتها بمصنّف، ومجموعها يوجب أنّ الحديث له أصل. انتهى كلام الذهبي.

فأقول : كلام الحاكم هذا لا يصح عنه، أو أنّه قاله ثمّ رجع عنه كما قال الذهبي: ثمّ تغيّر رأيه. وإنّما قلنا ذلك لأمرين: أحدهما - وهو أقواهما - أنّ القول بأفضلّية علي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو مذهب الحاكم كما نقله الذهبي أيضاً في ترجمته عن ابن طاهر، قال الذهبي: قال ابن طاهر: كان - يعني الحاكم - شديد التعصّب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان منحرفاً عن معاوية، وأنّه يتظاهر بذلك ولا يعتذر فيه. انتهى كلام ابن طاهر. وقرّره الذهبي بقوله: قلت: أمّا انحرافه عن خصوم علي فظاهر. وأمّا الشيخان فمعظّم لهما بكلّ حال، فهو شيعي لا رافضي. انتهى.

قلت : إذا عرفت هذا فكيف يطعن الحاكم في شيء هو رأيه ومذهبه ومن أدلّة ما يجنح إليه؟ فإنْ صحّ عنه نفي صحة حديث الطائر فلا بدَّ من تأويله بأنّه أراد نفي أعلى درجات الصحة، إذْ الصحّة عند أئمة الحديث درجات سبع، أو أنّ ذلك وقع منه قبل الإِحاطة بطريق الحديث، ثمّ عرفها بعد ذلك فأخرجه فيما جعله مستدركاً على الصحيحين.

والثاني : إنّ إخراجه في المستدرك دليل صحته عنده، فلا يصح نفي الصحة عنه إلّا بالتأويل المذكور.

وعلى كلّ حال فقدح الحاكم في الحديث لا يتم.

١٥٨

ثمّ هذا الذهبي مع تعاديه وما يعزى إليه من النصب ألّف في طرقه جزءٌ. فعلى كلّ تقدير قول الحاكم: لا يصح. لا بدّ من تأويله.

ولأنّه علّل عدم صحته بأمرٍ قد ثبت من غير حديث الطّير، وهو: إنّه إذا كان أحبّ الخلق إلى الله كان أفضل الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى الله من غير حديث الطائر وإذا ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه أحب الخلق إلى الله سبحانه، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكون الأحب إليه إلّا الأحب إلى الله سبحانه، وأنّه قد ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى الله من أدلةٍ غير حديث الطائر.

فماذا ينكر من دلالة حديث الطّير على الأحبيّة الدالّة على الأفضلية، وأنّها تجعل هذه الدلالة قادحة في صحة الحديث كما نقل عن الحاكم، ويقرب أنّ الحافظ أبا عبد الله الحاكم ما أراد إلّا الإِستدلال على ما يذهب إليه من أفضلية علي، بتعليق الأفضلية على صحة حديث الطير، وقد عرف أنّه صحيح، فأراد استنزال الخصم إلى الإِقرار بما يذهب إليه الحاكم فقال: لا يصح، ولو صحَّ لما كان أحد أفضل من علي بعده. وقد تبيّن صحته عنده وعند خصمه. فيلزم تمام ما أراده من الدليل على مذهبه ».

جواب قوله: الحاكم منسوب إلى التشيّع

وأمّا قوله: « مع أنّ الحاكم منسوب إلى التشيّع » ففيه: أنّه إنْ أراد أنّ بعض المتعصبين نسب الحاكم إلى التشيّع وإنْ لم يكن متشيّعا في الواقع، فهذا مسلّم، لكن ايش يجدي هذا؟ وإن أراد أنّ الحاكم متشيّع حقّاً، فهذا باطل، إذ لا يخفى على من كان له أدنى تتّبع ونظر في كتب الرجال عدم وجود أي دليلٍ متين وبرهان مبين على تشيّع الحاكم، ومن هنا لم يتعرّض كثير ممّن ترجم له إلى هذه الناحية

١٥٩

على أنّه لا فائدة في الإِصرار على هذه الدعوى وأمثالها، لثبوت أنّ التشيّع لا يكون قادحاً في العدالة أبداً، بل لا ينافي الرّفض الوثاقة أصلاً فلو كان الحاكم متشيّعاً بل رافضيّاً لم يضرّ بوثاقته وجلالته وإمامته في الحديث، فكيف وهو من كبار أهل السنّة بل أساطينهم، ومن صدور علمائهم بل سلاطينهم.

حول ما ذكره من أنّه طلب من الحاكم رواية حديث في فضل معاوية فقال: ما يجيء من قلبي

وأضاف ابن تيمية لإِثبات تشيّع الحاكم: « وقد طلب منه أن يروي حديثاً في فضل معاوية فقال: ما يجئ من قلبي، ما يجئ من قلبي » وهذا عجيب من ابن تيمية جدّاً، لأنّه قد ذكر من قبل أنّ أهل العلم بالحديث لا يصحّحون شيئاً في فضل معاوية، فإذا كان موقف الحاكم من فضائل معاوية كسائر أهل العلم عدّ متشيعاً؟ اللّهم إلّا أن يدّعي الملازمة بين فضائل معاوية وفضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بأنْ يكون ردّ فضائلهما معاً ديدن أهل العلم بالحديث، وحيث أن الحاكم يصحّح فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ولا يصحّح شيئاً في فضائل معاوية فهو شيعي، وهذا ممّا يضحك الثكلى

على أنّ السبكي أورد خبر امتناع الحاكم من رواية شيء في فضل معاوية، وكذّبه جدّاً، وإليك نصّ الخبر عنده عن ابن طاهر قال: « سمعت أبا الفتح سمكويه بهراة يقول: سمعت عبد الواحد المليحي يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمّي يقول: دخلت على أبي عبد الله الحاكم - وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد، من أصحاب أبي عبد الله، وذلك أنّهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج - فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثا لاسترحت من هذه الفتنة؟ فقال: لا يجئ من قلبي - يعني معاوية - ».

فقال السّبكي: « والغالب على ظنّي أنّ ما عزي إلى أبي عبد الرحمن

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وكان عمر السيّد الشهيد حينما قطعوا رأسه يتجاوز السبعين عاما ، وقبره إلى يومنا هذا مزار المؤمنين الشيعة ، ورأيت مكتوبا على صخرة قبره هذين البيتين :

ظالمي إطفاء نور الله كرد

قرّة العين نبي را سر بريد

سال قتلش حضرت ضامن على

گفت : نور الله سيّد شد شهيد

أي : ظالم أطفأ نور الله ، وحزّ رأس قرّة عين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال ضامن علي في تاريخ شهادته : إنّ السيّد نور الله أصبح شهيدا.

الحافظ : إنّكم تبالغون في هذه القضايا وتضخّمونها ، ونحن لا نرضى بأعمال جهّالنا وعوامّنا ، ولكنّ الشيعة بأعمالهم الخاطئة يسبّبون تلك الفجائع :

قلت : ما هي أعمال الشيعة التي توجب قتلهم ونهب أموالهم وهتك أعراضهم؟!

الحافظ : في كلّ يوم يقف آلاف الشيعة أمام قبور الأموات ويطلبون منهم الحاجات ، ألم يكن هذا العمل عبادة الأموات؟!

لما ذا أنتم العلماء لا تمنعونهم؟! حتّى أنّنا نجد كثيرا منهم يخرّون إلى الأرض ويسجدون لتلك القبور باسم الزيارة ، فهم بهذه الأعمال الخاطئة يسبّبون تلك الفجائع ، لأنّ عوامّنا لا يتحمّلون هذه البدع باسم الإسلام فيفرطون بالانتقام!!

وبينما كان الحافظ يتكلّم وكلّنا نصغي إليه ، كان الشيخ عبد السلام ، الفقيه الحنفي ، يتصفّح كتاب «هدية الزائرين» ويطالع فيه ليجد إشكالا فيلقيه ، ولمّا وصل الحافظ إلى هذه الجملة ، صاح الشيخ عبد السلام مؤيّدا للحافظ ومخاطبا إيّاي :

٢٠١

تفضّل واقرأ هذه الصفحة حتّى تعرف ما يقول الحافظ.

قلت : اقرأ أنت ونحن نستمع.

فقرأ هذه العبارة : وإذا فرغت من الزيارة صلّ ركعتين صلاة الزيارة ، ثم قال : أليست نيّة القربة شرط في صحّة الصلاة؟! فالصلاة لغير الله سبحانه لا تجوز حتّى للنبيّ والإمام ، فالوقوف أمام القبور والصلاة بجانبها شرك بيّن ، وهو أكبر دليل على الكفر ، وهذا كتابكم سند معتبر وحجّة عليكم!

قلت : حيث طال بنا الجلوس والوقت لا يتّسع للجواب عن شبهاتكم ، فلنترك الجواب إلى الليلة القابلة إن شاء الله تعالى.

لكن أهل المجلس ـ شيعة وسنّة ـ كلّهم قالوا : نحن مستعدّون أن نبقى حتّى الصباح لنسمع جوابكم.

قلت : أسألك يا شيخ عبد السلام : هل ذهبت إلى زيارة أحد أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ؟ وهل رأيت بعينك أعمال الشيعة الزائرين لقبور أئمّتهمعليهم‌السلام أم لا؟

الشيخ : لا إنّي لم أذهب إلى مزارات الأئمّة ، ولم اشاهد أعمال الشيعة هناك.

قلت : إذا كيف تقول : بأنّ الشيعة يصلّون متوجّهين لقبور الأئمّة؟! وتستدلّ به على كفر الشيعة! ثبّت العرش ثمّ انقش.

الشيخ : إنّما قلت هذا نقلا عن هذا الكتاب الذي بين يديّ ، فإنّه يقول : صلّ للإمام صلاة الزيارة!

قلت : ناولني الكتاب حتّى أعرف صحّة ما تقول.

فناولني الكتاب مفتوحا ، فرأيت تلك الصفحة تنقل كيفية زيارة

٢٠٢

عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . فقلت : أيّها الجمع الحاضر! إنّي أقرأ عليكم مقتطفات وجمل من هذه الزيارة حتّى نصل إلى تلك العبارة التي يذكرها الشيخ ، ثمّ أنتم أنصفوا واقضوا بيننا وبين الشيخ عبد السلام والحافظ محمد رشيد.

في آداب زيارة أمير المؤمنينعليه‌السلام

إذا وصل الزائر إلى خندق الكوفة يقف ويقول :

الله اكبر ، الله أكبر أهل الكبرياء والمجد والعظمة ، الله أكبر أهل التكبير والتقديس والتسبيح والآلاء ، الله أكبر ممّا أخاف وأحذر ، الله أكبر عمادي وعليه أتوكّل ، الله أكبر رجائي وإليه انيب إلى آخره.

وإذا وصل إلى بوّابة المدينة (النجف) فليقل :

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ...إلى آخره.

وإذا وصل إلى الباب الأوّل من الروضة المقدّسة فليقل بعد حمد الله تعالى :أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له إلى آخره.

وإذا وصل إلى الباب الثاني فليقل : أشهد أن لا إله إلاّ الله ...إلى آخره.

وإذا أراد أن يدخل الروضة المقدّسة يستأذن الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة والملائكة.

وبعد ذلك يستلم القبر الشريف فيسلّم على النبيّ وعلى أمير المؤمنين وعلى آدم ونوح إلى آخره.

٢٠٣

والعبارة التي هي محلّ الشاهد للشيخ عبد السّلام ولنا هي : ثمّ صلّ ثلاث صلوات ثنائية ، ركعتان هديّة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وركعتان هديّة لآدم أبي البشر ، وركعتان هديّة لنوح شيخ الأنبياء ، لأنّهما مدفونان عند قبر أبي الحسن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

«صلاة الزيارة والدعاء بعدها»

هل صلاة الهديّة شرك؟!

ألم ترد روايات في صلاة الهديّة للوالدين وغيرهما من المؤمنين؟!

فإذا نوى الزائر : أصلي ركعتين هديّة لأمير المؤمنينعليه‌السلام قربة إلى الله تعالى هل هذا شرك؟!

فقد جرت العادة عند الناس وكذلك المؤمنين ، أنّ كلّ من يذهب لزيارة أحبابه يأخذ معه هديّة ، ونجد في أكثر كتب الأخبار والأحاديث فصلا في استحباب وثواب هديّة المؤمن لأخيه وقبولها منه.

والزائر لمّا يصل إلى قبر من يحبّه وهو يعلم أنّ الصلاة أحبّ شيء إلى مزوره ، فيصلّي ركعتين قربة إلى الله تعالى ويهدي ثوابها إلى المزور.

والمعترضون لو كانوا يواصلون مطالعتهم ويقرءوا الدعاء بعد صلاة الزيارة ، لعرفوا خطأهم وتيقّنوا أنّ عمل الشيعة عند زيارة أئمّتهمعليهم‌السلام ، وصلاة ركعتي الزيارة ليس بشرك ، بل هو التوحيد وكمال العبادة لله عزّ وجلّ.

واعلموا أنّ الشيعة إنّما يزورون الإمام عليّ والأئمّة من ولدهعليهم‌السلام ،

٢٠٤

لأنّهم عباد الله الصالحون وأوصياء رسوله الصادقون.

وأمّا عبارة الرواية فهي كما يلي ، على خلاف ما قاله الشيخ عبد السلام : «بأن يقف بجانب القبر يصلّي» بل العبارة :

«أن يقف مستقبل القبلة ممّا يلي رأس الإمام عليّعليه‌السلام » فيصبح القبر على يسار المصلّي ، فيقول : اللهمّ إنّي صلّيت هاتين الركعتين هديّة منّي إلى سيّدي ومولاي ، وليّك وأخي رسولك ، أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيّين ، عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آله ، اللهمّ فصلّ على محمّد وآل محمّد وتقبّلها منّي وأجزني على ذلك جزاء المحسنين ، اللهمّ لك صلّيت ولك ركعت ولك سجدت ، وحدك لا شريك لك ، لأنّه لا تجوز الصلاة والركوع والسجود إلاّ لك ، لأنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت.

بالله عليكم أيّها الحاضرون! أنصفوا ، أيّ عمل من هذه الأعمال يستوجب الشرك بالله تعالى؟!

الشيخ عبد السّلام : عجبا ألا تجد هذه العبارة تقول : ثم قبّل العتبة وادخل الحرم.

ألم يكن هذا العمل سجودا لصاحب القبر؟!

والسجود لغير الله شرك.

«تقبيل قبور الأئمّةعليهم‌السلام وعتبة روضاتهم المقدّسة»

قلت : إنّ جنابك تغالط في البحث ، إذ تفسّر تقبيل العتبة بالسجود ، ثمّ تحمل ذلك على الشرك بالله سبحانه!! وإذا كنتم في حضورنا تفسّرون كلامنا هكذا ، فلا بدّ في غيابنا وخاصّة أمام أتباعكم

٢٠٥

من العوامّ والجاهلين ، تثبتون كفرنا!!

وأمّا الجواب : فإنّ الوارد في هذا الكتاب وغيره من كتب الزيارات يقول : إنّ الزائر تأدّبا يقبّل العتبة ليت شعري بأيّ دليل تفسّرون القبلة بالسجود؟!

وأين ورد نهي عن تقبيل قبور الأنبياء وأوصيائهم وغيرهم من أولياء الله الصالحين ، وتقبيل أعتابهم المقدّسة؟! أفي القرآن الحكيم؟! أم في الحديث الشريف؟!

ثمّ بأيّ دليل تعدّون هذا العمل شركا بالله العظيم؟!

والعجيب أنّ عوامّكم يصنعون بقبر أبي حنيفة والشيخ عبد القادر أكثر ممّا تصنعه الشيعة بقبور أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

وإنّي اشهد الله العلي العظيم ، فقد ذهبت يوما الى قبر أبي حنيفة في بغداد ، في محلّة الأعظمية ، فرأيت جماعة من أهل السنّة الهنود ، سقطوا على الأرض كالساجدين وقبّلوا التراب!!

وحيث إنّي لم أنظر إليهم بعين الحقد والعداء ، ولم يكن عندي دليل على أنّ عملهم كفر وشرك ، لم أنقل هذا الموضوع في أيّ مجلس ، ولم انتقد عملهم ، بل تلقّيته أمرا عاديا.

لأنّي أعلم أنّهم ما وقعوا على الأرض بنيّة السجود لصاحب القبر ، وإنّما صدر ذلك منهم لمحبّتهم لصاحب القبر ، وهذا أمر بديهي.

فاعلم يا شيخ! وليعلم الحاضرون! إنّ أيّ زائر شيعي عالم أو جاهل حاشا أن يسجد لغير الله تعالى ، وإنّ كلامكم عن الشيعة : بأنّهم يسجدون لائمّتهم ، كذب وافتراء علينا!!

وعلى فرض أنّ الزائر يجعل جبهته على التراب أمام القبر ، ولكن

٢٠٦

لمّا لم يقصد السجود لصاحب القبر وإنّما يريد بذلك احترامه وإظهار محبّته له ، فلا يكون فيه بأس وإشكال.

الشيخ عبد السلام : كيف يعقل أن يهوي إنسان إلى الأرض ويجعل جبهته على التراب ومع ذلك لا يكون عمله سجودا؟!

قلت : لأنّ الأعمال بالنيّات ، فإذا فعل أحد ذلك ولم ينوي السجود فلا نحسب عمله سجودا(١) كما فعل إخوان يوسف الصدّيق له ، ولم يمنعهم يوسف ولا أبوهم يعقوب من ذلك ، والله سبحانه يخبر بعملهم ويحكيه ولا يقبّحه ، فيقول :( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا ) (٢) .

وكم من موضع من الذكر الحكيم يخبر الله عزّ وجلّ فيه عن سجود الملائكة لآدم بأمر منه سبحانه.

فحسب كلامكم ، فإنّ إخوة يوسف الصدّيق والملائكة كلّهم مشركون ، إلاّ إبليس لأنّه لم يسجد!! والحال لم يكن كذلك ، وإنّما جعل الله سبحانه اللعن على إبليس وأخرجه من الجنّة.

وأمّا جوابي لجناب الحافظ ، وإن كان الوقت لا يتسع له ، ولكن ابيّنه باختصار :

__________________

(١) بل هذا العمل سجود ولكن لم يكن محرّما ، لأنّ الساجد لم ينو عبادة المسجود ، وإنّما ينوي بذلك احترامه ، والقرآن الكريم يصرّح ويقول :( وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) ويقول عن الملائكة : كما في سورة البقرة ، الآية ٣٤ :( فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ ) .

«المترجم».

(٢) سورة يوسف ، الآية ١٠٠.

٢٠٧

بقاء الروح بعد الموت

إنّ شبهتكم حول الشيعة بأنّهم لما ذا يطلبون حوائجهم عند قبور الأموات؟!

إنّما هو كلام المادّيّين والطبيعيّين ، فإنّهم لا يعتقدون بالحياة بعد الموت ، والله سبحانه يحكي قولهم في القرآن إذ قالوا :( إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) (١) .

وأمّا الاعتقاد بالحياة بعد الموت ، وأنّ الجسم يبلى بالموت ولكن الروح باقية ، فهو من ضروريّات دين الإسلام ، وبالأخصّ حياة الشهداء ، فقد صرّح بها القرآن الكريم بقوله :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (٢) إلى آخره

فهل يمكن للميّت الفرح والسرور والارتزاق؟! لا!

ولذلك فإنّ الآية الكريمة تصرّح بأنّهم :( أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) فكما أنّهم يفرحون ويرزقون ، فهم يسمعون الكلام ويجيبون ، ولكن حجاب المادّة على مسامعنا مانع من إحساسنا بكلامهم واستماع جوابهم.

وقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام في زيارة جدّه سيّد الشهداء الحسينعليه‌السلام قوله : يا أبا عبد الله أشهد أنّك تشهد مقامي وتسمع كلامي وأنّك حيّ عند ربّك ترزق ، فاسأل ربّك وربّي في

__________________

(١) سورة المؤمنون ، الآية ٣٧.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٦٩ و ١٧٠.

٢٠٨

قضاء حوائجي.

وجاء في الخطبة ٨٦ من نهج البلاغة عن الإمام عليّعليه‌السلام إذ يعرّف فيها أهل البيتعليهم‌السلام ويصفهم ، فيقول :

أيّها الناس! خذوها من خاتم النبيّين : إنّه يموت من مات منّا وليس بميّت ، ويبلى من بلي منّا وليس ببال.

قال ابن أبي الحديد والميثمي والشّيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية ، قالوا في شرح هذه الكلمات ما ملخّصه :

«إنّ أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكونوا في الحقيقة أمواتا كسائر الناس»(١) فنقف عند قبور أهل البيتعليهم‌السلام والعترة الهادية ولا نحسبهم أمواتا بل هم أحياء عند ربّهم ، ونحن نتكلّم معهم كما تتكلمون أنتم مع من حولكم من الأحياء ، فنحن لا نعبد الأموات كما تزعمون وتفترون علينا ، بل نعبد الله سبحانه الذي يحفظ أجساد الصالحين من البلى ، ويبقي أرواح العالمين بعد ارتحالهم من الدنيا(٢) .

__________________

(١) نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٦ / ٣٧٣ / ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

(٢) أرى من المناسب أن أنقل للقارىء الكريم صورة الاستئذان المكتوبة على أبواب المشاهد المقدّسة عند الدخول إلى روضتهم وزيارة مراقدهم المشرّفة ، وهي :

بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ

إنّي وقفت على باب من أبواب بيوت نبيّك صلواتك عليه وآله ، وقد أمرت الناس أن لا يدخلوا إلاّ بإذنه فقلت : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) وإنّي أعتقد حرمة صاحب هذا المشهد الشريف في غيبته كما أعتقدها في حضرته ، وأعلم أنّه حيّ عندك مرزوق ، وأنّه يشهد مقامي ، ويسمع كلامي ، ويردّ سلامي ، وأنّك حجبت عن سمعي كلامهم ، وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم ، وإنّي أستأذنك يا ربّ أوّلا ، وأستأذن رسولك صلواتك عليه وآله

٢٠٩

وأنتم ألا تحسبون عليّاعليه‌السلام ، وابنه الحسين والّذين استشهدوا بين يديه ، وكذلك أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين قتلوا في بدر وحنين وغيرهما من غزواته ، شهداء؟!

وهل إنّكم لا تعتقدون أنّ هؤلاء الصفوة ضحّوا بأنفسهم في سبيل الله وثاروا على ظلم بني أميّة وكفر يزيد ، وأنّهم أنقذوا الدين الحنيف من براثن آل أبي سفيان ، وروّوا بدمائهم شجرة التوحيد والنبوّة؟؟

فكما إنّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاضوا المعارك وجاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الدين وكافحوا معارضي النبوة ومخالفي الرسالة لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الحقّ ، كذلك الإمام عليّعليه‌السلام وابنه الحسين وأصحابهما فقد جاهدوا في سبيل الله تعالى لإبقاء دينه وإنقاذ الإسلام حتّى قتلوا واستشهدوا في سبيل الله.

وكلّ من عنده أدنى اطّلاع على تاريخ الإسلام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم بأنّ آل أبي سفيان وخاصة يزيد بن معاوية وأعوانه كادوا يقضون على الإسلام ويحرّفونه عن مواضعه الإلهيّة بأعمالهم الإلحادية ، وإنّ خطر هؤلاء المنافقين كان أشدّ على الإسلام والمسلمين من الكفّار والمشركين.

__________________

ثانيا ، وأستأذن خليفتك المفروض عليّ طاعته والملائكة المقرّبين الموكّلين بهذه البقعة المباركة ثالثا.

أأدخل يا الله ، أأدخل يا رسول الله ، أأدخل يا حجة الله؟ فاذن لي يا مولاي بالدخول أفضل ما أذنت لاحد من أوليائك ، فإن لم أكن أهلا لذلك فأنت أهل لذلك. والسلام عليكم يا أهل بيت النبوّة جميعا ورحمة الله وبركاته.

«المترجم»

٢١٠

والتاريخ يشهد أن لو لا نهضة الإمام الحسين سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجهاد أصحابه الكرام مستميتين ، لتمكّن يزيد بن معاوية أن يحقّق هدف سلفه المنافقين الفجرة ، وهو تشويه الإسلام وتغييره إلى الكفر والجاهلية الأولى.

فالحسين السبط وأنصاره وأصحابه الكرامعليهم‌السلام وإن سالت دماؤهم واستشهدوا ، إلاّ أنّهم فضحوا يزيد وحزبه وسلفه الفاسقين ، وكشفوا عنهم الستار وعرّفوهم للمسلمين.

دفاع الشيخ عبد السلام عن معاوية ويزيد

الشيخ : إنّي أتعجّب منك إذ تصرّح بكفر يزيد وهو خليفة المسلمين المنصوب من قبل معاوية ، وهو خال المؤمنين وخليفتهم ، وقد جعله عمر الفاروق والخليفة المظلوم عثمان واليا على بلاد الشام في طيلة أيّام خلافتهما.

ولمّا رأى المسلمون أهليته وكفاءته للحكم بايعوه بالخلافة ، وهو جعل ابنه يزيد وليّ العهد ليكون خليفته من بعده ، ورضي به المسلمون فبايعوه بالخلافة!

فأنت حينما تعلن كفر يزيد وسلفه ، فقد أهنت جميع المسلمين الّذين بايعوه بالخلافة ، وأهنت خال المؤمنين ، بل أهنت الخليفتين الراشدين اللذين عيّنا معاوية واليا وممثّلا عنهما في بلاد الشام!!

ولا نجد في التاريخ عملا ارتكبه يزيد فيكون سبب كفره وارتداده ، فهو كان مؤمنا مصلّيا وعاملا بالإسلام ، إلاّ أنّ عامله على العراق ، قتل سبط النبيّ وريحانته وسبى حريمه وعياله وأرسلهم إلى

٢١١

يزيد في الشام!! فلمّا وصلوا إلى مجلس يزيد حزن واعتذر من أهل البيت واستغفر الله من أعمال الظالمين.

وإنّ الإمام الغزّالي والدميري أثبتا براءة الخليفة يزيد من دم الحسين بن عليّ وأصحابه ، فما تقولون؟!

ولو فرضنا أنّ وقائع عاشوراء الأليمة وفجائع كربلاء كانت بأمر من يزيد بن معاوية ، فإنّه تاب بعد ذلك واستغفر الله سبحانه ، والله غفور رحيم!!

ردّنا على كلام الشيخ

قلت : ما كنت أظنّ أنّ التعصّب يبلغ بك إلى حدّ الدفاع عن يزيد العنيد!

وأمّا قولك : إنّ الخليفتين نصبا معاوية واليا وهو عيّن ولده يزيد خليفة على المسلمين فتجب طاعته عليهم! فهو كلام مردود عند العقلاء ولا سيّما في هذا العصر عصر الديمقراطية.

ثمّ إنّ هذا الكلام لا يبرّر موقف معاوية وعمل يزيد ، بل هو يؤيّد كلامنا ويدلّ على صحّة معتقدنا بأنّه يلزم أن يكون الخليفة معصوما ومنصوبا من عند الله سبحانه ، حتّى لا تبتلى الامّة برجل كيزيد ونظرائه.

وأمّا قولك : إنّ الإمام الغزّالي أو الدميري وأمثالهما دافعوا عن يزيد وبرّءوا ساحته عن فضائح الأعمال الشنيعة والجرائم القبيحة ، لا سيّما قتل سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسينعليه‌السلام !

٢١٢

فأقول : أولئك أيضا أعمتهم العصبية مثلكم ، وقد قيل : إنّ حبّ الشيء يعمي ويصمّ ، وإلاّ فأيّ إنسان منصف ، وأيّ عاقل عادل يبرّئ ذمّة يزيد العنيد من دم السبط الشهيد وأصحابه الأماجد؟!

وأيّ عالم متديّن ملتزم بالحقّ تسوغ نفسه ويسمح له دينه وعلمه أن يدافع عن مثل يزيد العنيد؟!

وأمّا قولك : إنّ قتل الحسين ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان بأمره ، وأنّه اعتذر من أهل البيت وتاب واستغفر عن فعل عامله ، فلو كان كذلك فلما ذا لم يحاكم ابن زياد ولم يعاقب قتلة الحسينعليه‌السلام ؟!

ولما ذا لم يعزل اولئك المجرمين عن مناصبهم وهم شرطته وجلاوزته وأعوان حكومته؟!

ثم من أين تقولون إنّه تاب واستغفر؟! وكيف تجزمون وتحتّمون بأنّ الله سبحانه وتعالى قبل توبته وغفر له؟!

صحيح ، إنّ الله عزّ وجلّ غفور رحيم ، ولكن للتوبة شروط :

أوّلها : ردّ حقوق الناس ، فهل ردّ يزيد حقوق أهل البيت والعترة الطاهرة؟!

ثم إنّ فضائح يزيد وقبائحه لم تنحصر في قتل السبط الشهيد وسبي نسائه ونهب أمواله وحرق خيامه إلى آخره ، بل إنكاره ضروريات الدين ، ومخالفته القرآن الكريم ، وتظاهره بالفسق والمعاصي ، كلّ واحد منها دليل على كفره وإلحاده.

النوّاب : أرجوك أن تبيّن لنا دلائلكم على كفر يزيد حتّى نعرف الحقيقة ونتّبع الحقّ.

٢١٣

دلائل كفر يزيد العنيد

قلت : من الدلائل الواضحة على كفر يزيد بن معاوية مخالفته لحكم الله سبحانه في حرمة شرب الخمر ، فإنّه كان يشرب ويتفاخر بذلك في أشعاره ، فقد قال وثبت في ديوانه المطبوع :

شميسة كرم برجها قعر دنّها

فمشرقها الساقي ومغربها فمي

فإن حرمت يوما على دين أحمد

فخذها على دين المسيح بن مريم

وقال أيضا كما في ديوانه :

أقول لصحب ضمّت الكاس شملهم

وداعي صبابات الهوى يترنّم

خذوا بنصيب من نعيم ولذّة

فكلّ وإن طال المدى يتصرّم

فهو في هذه الأبيات يدعو إلى شرب الخمر وإلى لذّة الدنيا ونعيمها بالخمر وينكر الآخرة ، ومن شعره في إنكار الآخرة والمعاد ، ما نقله أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه : «الردّ على المتعصّب العنيد ، المانع عن لعن يزيد لعنه الله» وهو :

ع ليّة هاتي ناولي وترنّمي

حديثك إنّي لا أحبّ التناجيا

فإنّ الذي حدّثت عن يوم بعثنا

أحاديث زور تترك القلب ساهيا

٢١٤

ومن كفريّاته :

يا معشر الندمان قوموا

واسمعوا صوت الأغاني

واشربوا كأس مدام

واتركوا ذكر المعاني

شغلتني نغمة العيدان

عن صوت الأذان

وتعوّضت عن الحور

عجوزا في الدنان

ومن الدلائل الواضحة على كفر يزيد وارتداده ، أشعاره الإلحادية وكفريّاته التي أنشدها بعد مقتل السبط الشهيد سيّد شباب أهل الجنّة الحسين بن عليّ عليهما السّلام.

فقد ذكر سبط ابن الجوزي في كتابه ـ التذكرة : ص ١٤٨ ـ قال : لمّا جاءوا بأهل البيت إلى الشام سبايا ، كان يزيد جالسا في قصره ، مشرفا على محلّة جيرون ، فأنشد قائلا :

لمّا بدت تلك الرءوس وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت : نح أو لا تنح

فلقد قضيت من النبيّ ديوني

ومن الدلائل على كفر يزيد العنيد لعنه الله : فقد ذكر المؤرّخون كلّهم ، أنّ يزيد احتفل بقتل الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ودعا إلى ذلك المجلس كبار اليهود والنصارى ، وجعل رأس السبط الشهيد سيّد شباب أهل الجنّة أمامه ، وأنشد أشعار ابن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

«لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثمّ قالوا : يا يزيد لا تشل»

٢١٥

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

«قد أخذنا من عليّ ثارنا

وقتلنا الفارس الليث البطل»

والظاهر أنّ البيت الثاني والأخير ليزيد نفسه.

وقد كتب بعض علمائكم مثل : أبي الفرج ابن الجوزي ، والشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي في كتاب الإتحاف بحب الأشراف : ص ١٨ ، والخطيب الخوارزمي في الجزء الثاني من كتابه «مقتل الحسين».

صرّحوا : إنّ يزيد لعنه الله كان يضرب ثنايا أبي عبد الله الحسين بمقصرته ويترنّم بهذه الأبيات التي نقلناها.

جواز لعن يزيد

إنّ أكثر علمائكم قالوا بكفر يزيد ، منهم : الإمام أحمد بن حنبل ، وكثير من علمائكم جوّزوا لعنه ، منهم : ابن الجوزي الذي صنّف كتابا في الموضوع وسمّاه : «الردّ على المتعصّب العنيد المانع عن لعن يزيد لعنه الله» ولنعم ما قال أبو العلاء المعرّي :

أرى الأيّام تفعل كلّ نكر

فما أنا في العجائب مستزيد

أليس قريشكم قتلت حسينا

وكان على خلافتكم يزيد!!

وهناك عدد من علمائكم الّذين أعمتهم العصبية الاموية ، وضربت على عقولهم حجب الجاهلية ، أمثال : الغزّالي ، فأخذوا جانب يزيد وذكروا أعذارا مضحكة لأعماله الإجرامية!!

٢١٦

ولكن أكثر علمائكم كتبوا عن جنايات يزيد وعدوّه كافرا ، وساعيا في محو الإسلام وإطفاء نور الله عزّ وجلّ ، وذكروا له أعمالا منافية للتعاليم الإسلامية والأحكام الإلهيّة.

فقد نقل الدميري في كتابه «حياة الحيوان» والمسعودي في «مروج الذهب» وغيرهما ، ذكروا : إنّ يزيد كان يملك قرودا كثيرة وكان يحبها فيلبسها الحرير والذهب ويركبها الخيل ، وكذلك كانت له كلاب كثيرة يقلّدها بقلائد من ذهب ، وكان يغسلها بيده ويسقيها الماء بأواني من ذهب ثمّ يشرب سؤرها ، وكان مدمنا على الخمر!!

وقال المسعودي في مروج الذهب ج ٢ : إنّ سيرة يزيد كانت مثل سيرة فرعون ، بل كان فرعون أقلّ ظلما من يزيد في الرعية ، وإنّ حكومة يزيد صارت عارا كبيرا على الإسلام ، لأنّه ارتكب أعمالا شنيعة كشرب الخمر في العلن ، وقتل سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّد شباب أهل الجنّة ، ولعن وصيّ خاتم النبيّين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وقذف الكعبة بالحجارة وهدمها وحرقها ، وإباحته مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وقعة الحرّة ، وارتكب من الجنايات والمنكرات والفسق والفجور ما لا يعدّ ولا يحصى وكل ذلك ينبئ عن أنّه غير مغفور له.

النوّاب : ما هي وقعة الحرّة؟ وما معنى إباحة المدينة المنوّرة بأمر يزيد؟؟!

قلت : ذكر المؤرّخون كلّهم من غير استثناء ، منهم : سبط ابن الجوزي في التذكرة : ٦٣ ، قال : إنّ جماعة من أهل المدينة في سنة ٦٢ هجرية دخلوا الشام وشاهدوا جرائم يزيد وأعماله القبيحة وعرفوا كفره وإلحاده ، فرجعوا إلى المدينة المنورة وأخبروا أهلها بكلّ ما رأوا ،

٢١٧

وشهدوا على كفر يزيد وارتداده ، فتكلّم عبد الله بن حنظلة ـ غسيل الملائكة ـ وكان معهم ، فقال :

أيّها الناس! لقد قدمنا من الشام من عند يزيد ، وهو رجل لا دين له ، ينكح الأمّهات والبنات والأخوات!! ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، ويقتل أولاد النبيّين!!

فنقض الناس بيعتهم ولعنوا يزيد وأخرجوا عامله من المدينة ، وهو : عثمان بن محمد بن أبي سفيان.

فلمّا وصل الخبر إلى يزيد في الشام بعث مسلم بن عقبة على رأس جيش كبير من أهل الشام ، وأمرهم أن يدخلوا المدينة المنوّرة ويقتلوا فيها من شاءوا ويفعلوا كلّ ما أرادوا ثلاثة أيّام.

ذكر ابن الجوزي والمسعودي وغيرهما : إنّهم لمّا هجموا على مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتلوا كلّ من وجدوه فيها حتّى سالت الدماء في الأزقّة والطرق ، وخاض الناس في الدماء حتّى وصلت الدماء قبر النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وامتلأت الروضة المقدّسة والمسجد بالدم ، وسميّت تلك الوقعة بالحرّة ، وكان ضحيّتها عشرة آلاف من عامة المسلمين وسبعمائة قتيل من وجوه أهل المدينة وأشراف المهاجرين والأنصار!!

وأمّا الأعراض التي هتكت والنواميس التي سلبت ، فإنّي أخجل أن أذكرها ، فقد ارتكبوا فضائح وقبائح يندى منها جبين الإنسانية ، ولكي تعرفوا شيئا قليلا من تلك الفجائع والشنائع ، أنقل لكم جملة واحدة من تذكرة سبط ابن الجوزي : ص ١٦٣ ، فإنّه روى عن أبي الحسن المدائني أنّه قال : ولدت ألف امرأة بعد وقعة الحرّة من غير زوج!!

نعم ، هذه نبذة من جرائم يزيد العنيد ، وعلى هذه فقس ما سواها.

٢١٨

الشيخ عبد السلام : كلّ ما ذكرته من أعمال يزيد إنّما يدلّ على فسقه ولا يدلّ على كفره ، والفسق عمل خلاف ، يغفره الله سبحانه ويعفو عن عامله إذا تاب واستغفر ، وإنّ يزيد تاب عن هذه الأعمال حتما ، واستغفر ربّه قطعا ، والله تعالى غفّار توّاب ، وقد غفر له كما يغفر لكلّ فاسق وعاص إذا تاب واستغفر ، فلما ذا أنتم تلعنون يزيد؟!

قلت : إنّ بعض المحامين من أجل المال يدافعون عن موكّليهم الى آخر فرصة حتى عند ما يظهر بطلان كلامهم واجرام موكّلهم! ولا أدري ما الذي تناله يا شيخ بهذا الدفاع المرير عن يزيد اللعين الشرير؟! فتكرّر كلامك الواهي من غير دليل وتقول : إنّ يزيد تاب واستغفر ، وإنّ الله سبحانه غفر له!

هل جئت من عند الباري عزّ وجلّ فتخبر بأنّه غفر ليزيد المجرم العنيد؟!

من أين تقول إنّه تاب؟! وليس لك دليل إلاّ ظنّك ، و( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (١) .

وإنّ جرائم يزيد المفجعة وأعماله الشنيعة مسطورة في التاريخ ولا يجحدها إلاّ المعاند المتعصّب.

هل في نظركم أنّ إنكار المبدأ والمعاد والوحي والرسالة لا يوجب الكفر؟!

وهل في نظركم أنّه لا يجوز لعن الظالمين والكافرين؟!

أم هل في نظركم أنّ يزيد ما كان كافرا ولا ظالما؟!

ولكي تعرف ويعرف الحاضرون حقيقة الأمر ، أسمعكم خبرين

__________________

(١) سورة يونس ، الآية ٣٦.

٢١٩

من صحاحكم :

١ ـ ذكر البخاري ومسلم في الصحيح ، والعلاّمة السمهودي في وفاء الوفاء وابن الجوزي في «الردّ على المتعصّب العنيد» وسبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواصّ» والإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، وغيرهم ، رووا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.

٢ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعن الله من أخاف مدينتي ، أي : أهل مدينتي. فهل فاجعة الحرّة ، وسفك تلك الدماء ، وقتل المسلمين الأبرياء ، والتعدّي على أعراضهم ، وهتك حرماتهم ، واغتصاب بناتهم ونسائهم ، ونهب أموالهم ، ما أخافت أهل المدينة؟!

فعلى هذا فإنّ أكثر علمائكم يلعنون يزيد ، وقد كتبوا رسائل وكتبا في جواز لعنه ، منهم : العلاّمة عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي ، فقد ذكر في كتابه الإتحاف بحبّ الأشراف ص ٢٠ ، قال : لمّا ذكر يزيد عند الملاّ سعد الدين التفتازاني قال : لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه.

وذكروا أنّ العلاّمة السمهودي قال في كتابه «جواهر العقدين» : إنّه اتّفق العلماء على جواز لعن من قتل الحسينرضي‌الله‌عنه ، أو أمر بقتله ، أو أجازه ، أو رضي به من غير تعيين.

وأثبت ابن الجوزي ، وكذلك أبو يعلى والصالح بن أحمد بن حنبل ، كلّهم أثبتوا لعن يزيد بدليل آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205