ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252522 / تحميل: 4423
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الكلمات في مناقبه ومآثره التي يذكرونها له:

١ - ابن حبان: « سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم بن يقظة المخزومي القرشي، كنيته أبو محمّد.

ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر. وأم سعيد بن المسيب بنت عثمان بن حكيم

وكان من سادات التابعين فقهاً وديناً وورعاً وعلماً وعبادةً وفضلاً. وكان أبوه يتّجر في الزيت. وكان سعيد سيّد التابعين وأفقه أهل الحجاز وأعبر الناس للرؤيا، ما نودي للصّلاة أربعين سنة إلّاوسعيد في المسجد ينتظرها، ويقال: إنّه ممّن أصلح بين عثمان وعلي. فلمـّا بويع عبدالملك وبايع للوليد وسليمان من بعده، وأخذ البيعة من الناس، أبي سعيد ذلك فلم يبايع. فقال عبدالرحمن ابن عبدالقاري: إنّك تصلي بحيث يراك هشام بن إسماعيل، فلو غيّرت مقامك حتّى لا يراك - وكان هشام والياً على المدينة لعبد الملك - فقال سعيد: إنّي لم اُغير مقاماً قمته منذ أربعين سنة. قال: فخرج معتمراً فقال: لم أكن لأجهد بدني وأنفق مالي في شيء ليس فيه نية. قال: فبايع إذاً. قال: أرأيت إن كان الله أعمى قلبك كما أعمى بصرك فما عليّ! وأبى أن يبايع. فكتب هشام بن إسماعيل إلى عبدالملك، فكتب عبدالملك إليه ما دعاك إلى سعيد!! ما كان علينا منه شيء نكرهه، فأما إذا فعلت فادعه، فإن بايع وإلّا فاضربه ثلاثين سوطاً، وأوقفه للناس، فدعاه هشام فأبى، وقال: لست أبايع لاثنين، فضربه ثلاثين سوطاً، ثمّ ألبسه ثياباً من شعر، وأمر به فطيف به حتّى بلغوا الخيّاطين، ثمّ ردّه وأمر به إلى السجن. فقال سعيد: لولا أنّي ظننت أنه القتل ما لبسته، قلت: أستر عورتي عند الموت.

٤١

مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين، وقد قيل إنّه مات سنة خمس ومائة »(١) .

٢ - الذهبي: « سعيد بن المسيب. الإمام شيخ الإسلام، فقيه المدينة، أبو محمّد، المخزومي، أجلّ التابعين، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر، وسمع من عمر شيئاً وهو يخطب، وسمع من عثمان وزيد بن ثابت وعائشة وسعد وأبي هريرة وخلق.

وكان واسع العلم، وافر الحرمة، متين الديانة، قوّالاً بالحق، فقيه النفس.

روى أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر قال: سعيد بن المسيّب أحد المفتين.

وقال أحمد بن حنبل وغيره: مرسلات سعيد صحاح.

وقال قتادة: ما رأيت أحداً أعلم من سعيد بن المسيّب.

وكذا قال الزهري ومكحول وغير واحد.

قال قال علي بن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علماً من سعيد، هو عندي أجلّ التابعين.

وقال العجلي وغيره: كان لا يقبل جوائز السلطان، وله أربعمائة دينار يتّجر بها بالزيت وغيره.

وقال سعد بن إبراهيم: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ما أحد أعلم بقضاءٍ قضاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أبو بكر وعمر منّي.

قال الواقدي: حدّثني هشام بن سعد سمعت الزهري - وسئل عمّن أخذ سعيد بن المسيب علمه - قال: عن زيد بن ثابت، وسعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن عمر، وقد سمع من عثمان وعلي وصهيب، وجلّ روايته المسندة.

____________________

(١). كتاب الثقات ٤ / ٢٧٣.

٤٢

عن أبي هريرة، وكان زوج بنته، وكان يقال: ليس أحد أعلم بقضاء عمر وعثمان منه.

وروى معمر عن الزهري: كان سعيد أعلم الناس بقضاء عمر وعثمان.

وعن قتادة قال: كان الحسن إذا أشكل عليه شيء كتب إلى سعيد بن المسيب يسأله.

حماد بن زيد عن يزيد بن حازم: إن المسيب كان يسرد الصوم.

وقال عبدالرحمن بن حرملة: سمعت سعيداً يقول: حججت أربعين حجة.

يوسف بن يعقوب الماجشون، عن المطلب بن السائب قال: كنت جالساً مع سعيد بن المسيب في السوق، فمرّ بريد لبني مروان، فقال له سعيد: من رسل بني مروان أنت؟ قال: نعم. قال: كيف تركت بني مروان؟ قال: بخير. قال: تركتهم يجيعون الناس ويشبعون الكلاب! فأراد شرّأ الرسول، فقمت إليه، فلم أزل أرجيّه حتّى انطلق. فقلت لسعيد: يغفر الله لك، تشيط بدمك! فقال: أسكت يا أحيمق، فوالله لا يسلمني الله ما أخذت بحقوقه.

عن مكحول من وجه ضعيف أنّه قال لمـّا بلغه موت ابن المسيب: استوى الناس.

قال مالك: بلغني أنّ سعيد بن المسيب قال إنّي كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد.

قال مصعب عن عبدالله حدّثني مصعب بن عثمان: إنّ الذي شهد لسعيد ابن المسيب حين أراد مسلم بن عقبة قتله عمرو بن عثمان ومروان الحكم، شهدا أنّه مجنون، فخلّى سبيله.

قال أبو يونس القوي: دخلت المسجد فإذا سعيد بن المسيب جالس

٤٣

وحده. قلت: ما شأنه؟ قالوا: نهى أن يجالسه أحد

قلت: قد أفردت سيرة سعيد في مؤلف »(١) .

٣ - الذهبي: « سعيد بن المسيب بن حزن. الإمام أبو محمّد المخزومي، أحد الأعلام وسيّد التابعين. عن: عمر وعثمان وسعد. وعنه: الزهري وقتادة ويحيى بن سعيد. ثقة، حجة، رفيع الذكر، رأس في العلم والعمل، مات سنة ٩٤ »(٢) .

٤ - الخطيب التبريزي: « كان سيّد التابعين من الطراز الأول، جمع بين الفقه والحديث والزهد والعبادة والورع، وهو المشار إليه المنصوص عليه، وكان أعلم الناس بحديث أبي هريرة وبقضايا عمر.

لقي جماعة كثيرة من الصحابة وروى عنهم.

وعنه: الزهري وكثير من التابعين وغيرهم.

قال مكحول: طفت الأرض كلّها في طلب العلم، فما لقيت أعلم من ابن المسيب.

وقال ابن المسيب: حججت أربعين حجة.

مات سنة ثلاث وتسعين رحمه الله تعالى »(٣) .

٥ - ابن حجر: « قال نافع عن ابن عمر: هو والله أحد المفتين [ المتقنين ] وعن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال: قد جئت [ قدمت ] المدينة فسألت عن أعلم أهل المدينة، فدفعت إلى سعيد بن المسيب. وقال ابن شهاب: قال لي عبدالله بن ثعلبة بن أبي صغير: إن كنت تريد هذا - يعني الفقه -

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ١ / ٥٤ - ٥٦.

(٢). الكاشف ١ / ٣٧٢.

(٣). الإكمال في أسماء رجال المشكاة ٣ / ٦٦٦.

٤٤

فعليك بهذا الشيخ: سعيد بن المسيب. وقال قتادة: ما رأيت أحداً أعلم بالحلال والحرام منه.

وقال محمّد بن إسحاق عن مكحول: طفت الأرض كلّها في طلب العلم فما لقيت أعلم منه.

وقال سليمان بن موسى: كان أفقه التابعين.

وقال البخاري: قال لي علي عن أبي داود عن شعبة عن أياس بن معاوية قال لي سعيد بن المسيب: ممّن أنت؟ قلت: من مزينة. قال: إنّي لأذكر يوم نعي عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن على المنبر، قال: وقال لنا سليمان بن حرب ثنا سلام بن مسكين عن عمران بن عبدالله الخزاعي عن ابن المسيب قال: أنا أصلحت بين علي وعثمان.

وقال الدوري عن ابن معين: ههنا قوم يقولون إنّه أصلح بين علي وعثمان، وهذا باطل.

وقال أيضاً: قد رآني عمر وكنت صغيراً. قلت يقول: ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر. فقال يحيى: ابن ثمان سنين يحفظ شيئاً!!

قال: وسمعته يقول: مرسلات ابن المسيّب أحبّ إليَّ من مرسلات الحسن

وقال أبو طالب قلت لأحمد: سعيد بن المسيب. فقال: ومن مثل سعيد؟! ثقة من أهل الخير. فقلت له: سعيد عن عمر حجة؟ قال: هو عندنا حجة قد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل؟

وقال الميموني وأحمد بن حنبل: مرسلات سعيد صحاح، لا يرى أصح من مرسلاته.

وقال عثمان الحارثي عن أحمد: أفضل التابعين سعيد بن المسيب.

٤٥

وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علماً من سعيد بن المسيّب، قال: وإذا قال سعيد مضت السنّة فحسبك. قال: وهو عندي أجلّ التابعين.

وقال الربيع عن الشافعي: إرسال ابن المسيب عندنا حسن.

وقال الليث عن يحيى بن سعيد: كان ابن المسيب يسمّى راوية عمر، كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته.

وقال إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد: ما بقي أحد أعلم بكلّ قضاءٍ قضاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكلّ قضاءٍ قضاه أبو بكر وكلّ قضاءٍ قضاه عمر منّي، قال إبراهيم عن أبيه: وأحسبه قال: وعثمان.

وقال مالك: بلغني أنّ عبدالله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيّب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره. وقال مالك: لم يدرك عمر، ولكن لما كبر أكبّ على المسألة عن شأنه وأمره. وقال قتادة: كان الحسن إذا أشكل عليه شيء كتب إلى سعيد بن المسيّب. وقال العجلي: كان رجلاً صالحاً فقيهاً

وقال أبو زرعة: مدني قرشيء ثقة إمام. وقال أبو حاتم: ليس في التابعين أنبل منه، وهو أثبتهم في أبي هريرة.

قال الواقدي: مات سنة ٩٤ في خلافة الوليد وهو ابن خمس وسبعين سنة. قال أبو نعيم: مات سنة ٩٣.

قلت: على تقدير ما ذكروا عنه أنّ مولده لسنتين مضتا من خلافة عمر - والإسناد إليه صحيح - يكون مبلغ عمره ثمانين سنة إلّاسنة، كما قال الواقدي »(١) .

٦ - ابن حجر: « سعيد بن المسيب أحد العلماء الثمانية، إتّفقوا على أنّ

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٤ / ٨٤.

٤٦

مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علماً منه. مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين »(١) .

٧ - السّيوطي: « سعيد بن المسيّب قال قتادة: ما رأيت أحداً قط أعلم بالحلال والحرام منه، وقال مكحول: ما لقيت أعلم منه، وقال سليمان بن موسى: إنّه أفقه الناس، وقال أحمد: إنّه أفضل التابعين »(٢) .

٨ - عبدالحق الدهلوي: « سعيد بن المسيب بن حزن القرشي الإمام أبو محمّد المخزومي المدني، من فقهاء السبعة الذين كانوا بالمدينة أحد الأعلام، سيّد التابعين، جمع بين الفقه والحديث والزهد والعبادة والورع، ثقة حجة فقيه رفيع الذكر، رأس في العلم والعمل.

ويروى عن الإمام زين العابدين أنّه قال: سعيد بن المسيب أعلم الناس، ويقال: إنّه لم يكن في التابعين أكثر منه علماً »(٣) .

ترجمة أبي هريرة

وأمّا « أبو هريرة » فهو من الصحابة الكبار والأئمّة الأعلام عند أهل السنّة، فلا حاجة إلى تعديله وتوثيقه بعد أن مدح الله سبحانه تعالى الصّحابة وأثنى عليهم في القرآن الكريم كما يزعمون، وبعد أن وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأحاديث العامة والخاصّة في فضله ومقامه كما يروون.

ولا بأس بذكر مقتطفاتٍ من تراجمه في معاجم الصّحابة والحفّاظ:

____________________

(١). تقر يب التهذيب ١ / ٣٠٥.

(١). إسعاف المبطأ برجال الموطّأ: ١٧، طبع مع تنوير الحوالك.

(٢). رجال المشكاة للشيخ عبدالحق الدهلوي.

٤٧

١ - ابن عبدالبر: « أبو هريرة الدوسي صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ لزمه وواظب عليه رغبةً في العلم راضياً بشبع بطنه، وكانت يده مع يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان يدور معه حيثما دار، وكان من أحفظ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان يحضر ما لا يحضره سائر المهاجرين والأنصار، لاشتغال المهاجرين بالتجارة والأنصار بحوائجهم.

وقد شهد له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأنّه حريص على العلم والحديث، وقال له: يا رسول الله، إنّي قد سمعت منك حديثاً كثيراً، فإنّي أخشى أن أنسى، فقال: أبسط رداءك، قال: فبسطته فغرف بيده ثمّ قال: ضمّه، فضممته، فما نسيت شيئاً بعده.

وقال البخاري: روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل من بين صاحب وتابع. وممّن روى عنه من الصّحابة: إبن عباس وابن عمر وجابر بن عبدالله وأنس وواثلة بن الأسقع وعائشة، إستعمله عمر بن الخطاب على البحرين ثمّ عزله، ثمّ أراده على العمل فأبى عليه، فلم يزل يسكن المدينة، وبها كانت وفاته »(١) .

٢ - إبن الأثير: « ب د ع أبو هريرة الدوسي صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأكثرهم حديثاً عنه وقد اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً، لم يختلف في اسم آخر مثله ولا ما يقاربه وإنّما هو مشهور بكنيته، وأسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ لزمه وواظب عليه رغبة في العلم، فدعا له رسول الله:

أخبرنا إبراهيم وغيره عن أبي عيسى، أخبرنا أبو موسى، أخبرنا عثمان ابن عمر، أخبرنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال قلت:

____________________

(١). الإستيعاب في معرفة الأصحاب ٤ / ١٧٥٨.

٤٨

يا رسول الله، أسمع منك أشياء فلا أحفظها. قال: ابسط رداءك، فبسطته، فحدّث حديثاً كثيراً، فما نسيت شيئاً حدّثني به.

... عن ابن عمر أنّه قال لأبي هريرة: أنت كنت ألزمنا لرسول الله وأحفظنا لحديثه.

... عن الزهري عن الأعرج قال: سمعت أبا هريرة قال: إنّكم تقولون إنّ أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله ( ص )، والله الموعد! كنت رجلاً مسكيناً أخذم رسول الله على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم. وقال رسول الله: من يسبط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه منّي، فبسط ثوبي حتّى قضى حديثه ثمّ ضممته إليَّ فما نسيت شيئاً سمعته بعد.

... قال البخاري: روى عن أبي هريرة أكثر من ثمانمائة رجل من صاحب وتابع

قال خليفة: توفي أبو هريرة سنة ٥٧. وقال الهيثم بن عدي: توفي سنة ٥٨ »(١) .

٣ - الذهبي: « أبو هريرة الدوسي اليماني، الحافظ الفقيه، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان من أوعية العلم ومن كبار أئمّة الفتوى، مع الجلالة والعبادة والتواضع.

قال البخاري: روى عنه ثمانمائة نفس أو أكثر

وكان من أصحاب الصّفة فقيراً، ذاق جوعاً وفاقة، ثمّ بعد النبيّ صلح حاله وكثر ماله، وكان كثير التعبد والذّكر، ولي إمرة المدينة، وناب أيضاً عن مروان في إمرتها، وكان يمرّ في السّوق يحمل الحزمة وهو يقول: أوسعوا

____________________

(١). أسد الغابة في أسماء الصحابة ٥ / ٣١٥.

٤٩

الطريق للأمير، وكان فيه دعابة

روى أحمد في مسنده عن أبي كثير التميمي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اللّهمّ حبّب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأُمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبّبهم إليهما

قال الأعمش عن أبي صالح السمّان: كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب محمّد رسول الله.

وقال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره.

وروى كهمس عن عبدالله بن شفيق قال قال أبو هريرة: لا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحفظ لحديثه منّي.

أبو داود الطيالسي، نا عمران القطّان، عن بكر بن عبدالله، عن أبي رافع، عن أبي هريرة إنّه لقي كعباً، فجعل يحدّثه ويسأله، فقال كعب: ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة.

هشيم، عن يعلى بن عطا، عن الوليد بن عبدالرحمن، عن ابن عمر إنّه قال: يا أبا هريرة أنت كنت ألزمنا لرسول الله، وأعلمنا بحديثه »(١) .

أقول:

وبعد هذا كلّه لا يرتاب المنصف في صحّة حديث التشبيه، وإنّه ليعلم - بعد هذا - كذب ( الدّهلوي ) في دعواه، وأنّ غرضه ستر الحقيقة وكتمان الواقع ظلماً وزوراً.

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ١ / ٣٢.

٥٠

ترجمة ياقوت الحموي

وبقي ترجمة ياقوت الحموي صاحب ( معجم الأدباء ) الذي ذكر الحديث بترجمة المفجّع وياقوت من أعاظم مصنّفي أهل السنّة، ومن مشاهير أدبائهم ومحقّقيهم هذا من جهة.

ومن جهةٍ أخرى: قد اشتهر ياقوت بتعصّبه على سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حتّى نصّ مترجموه على ذلك كابن خلّكان

وحينئذٍ، لا يرتاب أحد في صحّة الحديث الذي ذكره واعتباره، إذ لا يبقى بعد هذا مجالٍ لإنكاره أو القدح في سنده

ومن كلمات أهل السنّة في ترجمة ياقوت ما يلي:

١ - السمعاني: « أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي التاجر، عتيق عبدالله ابن أحمد البخاري سمع أبا محمّد عبدالله بن محمّد بن هزار مرد الصريفيني، قرأت عليه ببغداد أمالي أبي طاهر المخلّص بروايته عن ابن هزامرد عنه. وكان شيخاً مليح الشيبة لطيفاً [ نظيفاً ] ظاهره الخير والصلاح، وتوفي سنة ٥٤٣ بمصر »(١) .

٢ - إبن خلّكان: « وكان متعصّباً على علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، وكان قد طالع شيئاً من كتب الخوارج، فاشتبك في ذهنه منه طرف قوي، وتوجّه إلى دمشق في سنة ثلاث عشرة وستمائة، وقعد في بعض أسواقها، وناظر بعض من يتعصّب لعليرضي‌الله‌عنه ، وجرى بينهما كلام أدّى إلى ذكره عليّاًرضي‌الله‌عنه بما لا يسوغ، فثار الناس عليه ثورة كادوا يقتلونه، فسلم منهم، وخرج من دمشق منهزماً بعد أن بلغت القضية إلى والي البلد، فطلبه ولم يقدر

____________________

(١). الأنساب - الرّومي.

٥١

عليه، ووصل إلى حلب خائفاً يترقّب

وكان قد تتبّع التواريخ، وصنّف كتاباً سمّاه إرشاد الألبّاء إلى معرفة الأدباء، يدخل في أربع مجلّدات »(١) .

٣ - الذهبي: « ياقوت الرومي الحموي ثمّ البغدادي التاجر شهاب الدين، الأديب الأخباري، صاحب التصانيف الأدبيّة في التاريخ والأنساب والبلدان وغير ذلك. توفي في رمضان »(٢) .

٤ - اليافعي: « ياقوت الرومي الحموي ثمّ البغدادي التاجر، شهاب الدين، الأديب الأخباري، صاحب التصانيف الأدبيّة في التاريخ والأنساب والبلدان وغير ذلك.

أُسير من بلاده صغيراً، فابتاعه ببغداد رجل تاجر، ولمـّا كبر ياقوت المذكور قرأ شيئاً من النحو واللغة، وشغله مولاه بالأسفار في متاجره، ثمّ جرت بينه وبين مولاه قضيّة أوجبت عتقه، فأبعده عنه، فاشتغل بالنسخ، وحصلت له بالمطالعة فوائد، وصنّف كتاباً سمّاه إرشاد الألبّاء إلى معرفة الأدباء، في أربع مجلّدات، وكتاباً في أخبار الشعراء المتأخّرين والقدماء، وكتباً أخرى عديدة، وكانت له همّة عالية في تحصيل المعارف »(٣) .

٥ - ابن حجر: « ياقوت الرومي الكاتب الحموي.

قال ابن النجّار: كان ذكيّاً، حسن الفهم، ورحل في طلب النسب إلى بلاد الشام ومصر والبحرين وخراسان، وسمع الحديث، وصنّف معجم البلدان، ومعجم الأدباء، وأسماء الجبال والأنهار والأماكن.

____________________

(١). وفيات الأعيان ٦ / ١٢٧.

(٢). العبر ٢ / ٤٥٦.

(٣). مرآة الجنان حوادث سنة ٥٤٣.

٥٢

قال ابن النجّار(*) : كان غزير الفضل، وكان حسن الصحبة، طيّب الأخلاق حريصاً على الطلب. ومات بحلب سنة ٦٢٦ ولم يبلغ الستين »(١) .

اعتماد العلماء على ياقوت

وكثيراً ما يعتمد كبار علماء أهل السنّة وحفّاظهم على أقوال ياقوت وتحقيقاته في تراجم العلماء، ونكتفي هنا بإيراد موارد من اعتماد الحافظ جلال الدين السّيوطي على ياقوت الحموي:

قال السيوطي: « محمّد بن محمّد بن عمران البصري الرقّام، أبو الحسن، قال ياقوت: أحد أصحاب ابن دريد القيّمين بالعلم والفهم »(٢) .

وقال: « محمّد بن بركات بن هلال بن عبدالواحد السعيدي النحوي أبو عبدالله. قال ياقوت: عالي المحلّ في النحو واللغة والأدب، أحد فضلاء المصريين وأعيانهم المبرّزين، أخذ النحو والأدب عن ابن باشا »(٣) .

____________________

(*) ولا بأس بذكر ترجمة ابن النجار الذي نقل ابن حجر كلامه في الثناء على ياقوت، قال ابن شاكر الكتبي: « صنّف التاريخ الذي ذيّل به على تاريخ الخطيب، استدرك فيه على الخطيب، فجاء في ثلاثين مجلّداً، دلَّ على تبحّره في هذا الشأن وسعة حفظه. وكان إماماً ثقة حجة مقرءاً مجوّداً حسن المحاضرة كيساً متواضعاً، اشتملت مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ، ورحل سبعاً وعشرين سنة وله كتاب: القمر المنير في المسند الكبير، ذكر كلّ صحابي وما له من الحديث، وله كتاب كنز الإمام في معرفة السنن والأحكام، والمختلف والمؤتلف، ذيّل به على ابن ماكولا، والمتفق والمفترق، ونسبة المحدّثين إلى الآباء والبلدان، كتاب عواليه، كتاب معجمه، جنّة الناظرين في معرفة التابعين، الكمال في معرفة الرجال، القصر الفائق في عيون أخبار الدنيا ومحاسن تواريخ الخلائق، الدرة الثمينة في أخبار المدينة، نزهة الورى في أخبار أمّ القرى ». [ فوات الوفيات ٤ / ٣٦ ].

(١). لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ٦ / ٢٣٩.

(٢). بغية الوعاة: ٩٩.

(٣). نفس المصدر: ٢٤.

٥٣

وقال: « محمّد بن أحمد أبو الندى الغندجاني. قال ياقوت: واسع العلم، راجح المعرفة باللغة وأخبار العرب وأشعارها »(١) .

وقال: « محمّد بن أحمد أبو الريحان الخوارزمي قال ياقوت:

وأمّا تصانيفه في النجوم والهيئة والحكمة فإنّها تفوت الحصر »(٢) .

(٢)

رواية أحمد بن حنبل

ورواه أحمد بن حنبل بطريق صحيح:

قال أبو جعفر محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني رحمة الله عليه:

« أحمد بن حنبل، عن عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيّب، عن أبي هريرة. وابن بطّة في الإبانة [ بإسناده ] عن ابن عباس، كلاهما عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:

« من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى موسى في مناجاته، وإلى عيسى في سمته، وإلى محمّد في تمامه وكماله وجماله، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل. قال: فتطاول الناس أعناقهم فإذا هم بعلي، كأنما ينقلب في صبب وينحل عن جبل.

تابعهما أنس، إلّا أنّه قال: وإلى إبراهيم في خلّته، وإلى يحيى في زهده،

____________________

(١). بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: ٢١.

(٢). نفس المصدر: ٢٠.

٥٤

وإلى موسى في بطشه. فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة ابن شهرآشوب

وقد ذكر كبار علماء السير والتواريخ من أهل السنّة أبا جعفر محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي، ووصفوه بالأوصاف الحميدة، وأثنوا عليه الثناء البالغ:

١ - قال الصفدي: « محمّد بن علي بن شهرآشوب - الثانية سين مهملة - أبو جعفر السروي المازندراني، رشيد الدين الشيعي، أحد شيوخ الشيعة، حفظ أكثر القرآن وله ثمان سنين، وبلغ النهاية في أصول الشيعة، كان يرحل إليه من البلاد، ثمّ تقدّم في علم القرآن والغريب والنحو، ووعظ على المنبر أيّام المقتفي ببغداد، فأعجبه وأخلع عليه، وكان بهيّ المنظر، حسن الوجه والشيبة، صدوق اللهجة، مليح المحاورة، واسع العلم، كثير الخشوع والعبادة والتهجّد، لا يكون إلّاعلى وضوء.

أثنى عليه ابن أبي طي في تاريخه ثناء كثيراً، توفي سنة ٥٨٨ »(٢) .

٢ - الفيروزآبادي: « محمّد بن علي بن شهرآشوب، أبو جعفر المازندراني، رشيد الدين الشيعي، بلغ النهاية في أصول الشيعة، تقدّم في علم القرآن واللغة والنحو، ووعظ أيّام المقتفي فأعجبه وخلع عليه، وكان واسع العلم، كثير العبادة، دائم الوضوء.

له كتاب الفصول في النحو، وكتاب المكنون والمخزون في عيون الفنون، وكتاب أسباب نزول القرآن، وكتاب متشابه القرآن، وكتاب الأعلام

____________________

(١). مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ / ٢٦٤ ط ايران.

(٢). الوافي بالوفيات ٤ / ١٦٤.

٥٥

والطرائق في الحدود والحقائق، وكتاب الجديدة. جمع فيه فوائد وفرائد جمّة. عاش مائة سنة إلّا عشرة أشهر، مات سنة ٥٨٨ »(١) .

٣ - السيوطي: « محمّد بن علي بن شهرآشوب، أبو جعفر السروي المازندراني، رشيد الدين، شيعي، قال الصفدي: كان مقدّماً في علم القرآن والغريب والنحو، واسع العلم، كثير العبادة والخشوع، ألّف: الفصول في النحو، أسباب نزول القرآن، متشابه القرآن، مناقب علي بن أبي طالب، المكنون، »(٢) .

٤ - شمس الدين الداودي: « محمّد بن علي بن شهرآشوب بن أبي نصر، أبو جعفر السروي المازندراني، رشيد الدين، أحد شيوخ الشيعة، إشتغل بالحديث ولقي الرجال، ثمّ تفقّه وبلغ النهاية في فقه أهل مذهبه، ونبغ في الأصول حتّى صار رحله، ثمّ تقدّم في علم القرآن والقراءات والتفسير والنحو. كان إمام عصره وواحد دهره، أحسن الجمع والتأليف ، و غلب عليه علم القرآن والحديث، وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنّة، في تصانيفه وتعليقات الحديث ورجاله ومراسيله ومتّفقه ومفترقه، إلى غير ذلك من أنواعه، واسع العلم، كثير الفنون.

مات في شعبان سنة ٥٨٨.

قال ابن أبي طي: ما زال الناس بحلب لا يعرفون الفرق بين ابن بطة الحنبلي وابن بطّة الشّيعي، حتّى قدم الرّشيد فقال: إن بطة الحنبلي بالفتح والشيعي بالضمّ »(٣) .

وإذا عرفت جلالة قدر ابن شهرآشوب السّروي، وعلوّ مقامه في الفقه

____________________

(١). البلغة في تراجم أئمّة النحو واللغة: ٢٤٠.

(٢). بغية الوعاة: ٧٧.

(٣). طبقات المفسرين ٢ / ١٩٩.

٥٦

والحديث والتفسير والرجال والقراءات والنحو مع صدق اللّهجة والأمانة في النقل، لم يبق عندك أي شك وريب في رواية أحمد بن حنبل لحديث التشبيه بالسند المتقدّم الذي ذكره إبن شهرآشوب.

رواية صاحب الصحائف حديث التشبيه عن أحمد

هذا، بالإضافة إلى أنّ رواية أحمد بن حنبل لحديث التشبيه مذكورة في كتب أهل السنّة أيضاً، ففي كتاب ( هداية السعداء ) لملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي الهندي، عن كتاب ( الصّحائف )، أنّه عزا رواية الحديث الشريف إلى أحمد والبيهقي، حيث قال:

« روى أحمد والبيهقي في فضائل الصحابة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى يوشع في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى وجه علي ».

ثمّ إنّ صاحب ( الصحائف ) لم ينكر - في مقام الجواب عن دلالة هذا الحديث على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام - رواية أحمد بن حنبل للحديث، بل لم يشك في صحته، بل قال: « والحق أنّ كلّ واحدٍ من الخلفاء الأربعة، بل كل واحدٍ من الصحابة مكرم عند الله، موصوف بالفضائل الحميدة، ولا يجوز الطعن في أحد منهم، لأنّ الطعن في واحدٍ منهم يوجب الكفر »(١) .

ومؤلّف كتاب ( الصحائف ) هو الشيخ شمس الدين محمّد بن أشرف الحسيني السمرقندي، قال الجلبي: « آداب الفاضل شمس الدين محمّد بن أشرف الحسيني السمرقندي، الحكيم المحقّق، صاحب الصحائف

____________________

(١). هداية السعداء - الهداية الأولى، الجلوة السابعة - مخطوط.

٥٧

والقسطاس، المتوفى في حدود سنة ٦٠٠، وهي أشهر كتب الفن، وعليها شروح »(١) .

وذكر ( الصحائف ) بقوله: « الصحائف في الكلام أوله. الحمد لله الذي استحقّ الوجود والوحدة الخ. وهو على مقدمة وستة صحائف وخاتمة »(٢) .

وذكر ( القسطاس ) بقوله: « قسطاس الميزان أي المنطق، وهو على مقدمة ومقالتين، الأولى في التصوّرات، والثانية في التصديقات، لشمس الدين محمّد السمرقندي، وهو صاحب الصحائف»(٣) .

ووصف كتاب ( الصحائف ) شارحه صاحب ( المعارف في شرح الصحائف ) فقال: « وكتاب الصحائف جامع لما ثبت بالحجج القطعيّة والدلائل اليقينيّة، على ما شهد به صريح العقل من حجج المخالفين على الفلاسفة وغيرهم، والمطالب إنّما تبتني على أصولهم وقواعدهم، ليلغي حسبان المريبين، ويقوّي إيمان المصيبين، إذ الحق لا يتميّز ولا يقرّب إلّا بإبانة الحجّة وإزالة الشبهة. فالتمس جماعة من العلماء وطائفة من الفضلاء أن أكتب له شرحاً وافياً لبيانه، كافياً لتبيانه، مع زيادة ما يتوقّف عليه الإتقان، وإفادة ما يفتقر إليه الإيقان، فالتزمته وسمّيته كتاب المعارف في شرح الصحائف ».

وقد ذكر الكاتب الجلبي هذا الشرح أيضاً في ( كشف الظنون ) ويظهر من كلامه وجود شروح عديدة له. وكتاب الصحائف وشرحه المذكور يعدّان من الكتب الكلاميّة المعتمدة عند أهل السنّة، في عداد المقاصد والمواقف والطوالع وشروحها.

____________________

(١). كشف الظنون ١ / ٣٩.

(٢). كشف الظنون ٢ / ١٠٧٥.

(٣). المصدر ٢ / ١٣٢٦.

٥٨

هذا، ولأجل أن يطمئنّ القارىء بما ذكرناه من رواية صاحب ( الصحائف ) هذا الحديث الشريف عن أحمد بن حنبل، ونقله صاحب كتاب ( هداية السعداء ) في كتابه، فإنّا ننقل عين ما جاء في الكتابين:

نصّ كلام صاحب الصحائف

قال في ( هداية السعداء )، في الهداية الأولى، الجلوة السابعة، فيما يصير به الرجل رافضيّاً.

في التمهيد: من قال إنّ عليّاً كان نبيّاً أو أفضل من النّبيّ وأعلم منه، وأنكر خلافة الشيخين، أو سبّهما، أو لعنهما، أو قال إنّ أبابكر ليس من الصّحابة، فهو رافضي كافر.

وفي تفسير الطيّبي عند قوله تعالى( إِذْ هُما فِي الْغارِ ) قالوا من أنكر صحبة أبي بكر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقد كفر.

عن التّرمذي، عن ابن عمررضي‌الله‌عنه : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي بكر: أنت صاحبي في الغار وصاحبي في الحوض.

وفي التشريح: من قال حبّ عليّ كفر ورفض فهو خارجي كافر لأنّ الله أحبّه وأحبّه النبيّ والصّحابة والمؤمنون أجمعون، فإنّه يسب هؤلاء الكلّ.

في كتاب الشّفاء: من قال لأحد من الخلفاء الأربعة إنّه كان على الضلال أو كان كافراً يقتل، لأنّه كفر، وإن سبّهم بغير هذا من مشاتمة الناس نُكِّلَ نكالا شديداً، ومن قال لغيرهم من الصحابة كان فلانٌ من أهل الضلالة نُكِّلَ نكالاً شديداً ».

« وفي الصحائف في الفصل الثالث، في أفضل الناس بعد النبيّ، المراد بالأفضل ههنا أن يكون أكثر ثواباً عند الله واختلفوا فيه.

٥٩

فقال أهل السنّة وقدماء المعتزلة إنّه أبو بكر، وقال الشيعة وأكثر المتأخرين من المعتزلة هو علي.

إستدل أهل السنّة بوجهين، الأوّل: قوله تعالى( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ ) السورة، والمراد هو أبو بكررضي‌الله‌عنه عند أكثر المفسّرين، والأتقى أكرم عند الله تعالى لقوله تعالى( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) والأكرم عند الله أفضل.

الثاني: قوله صلّى الله عليه وسلّم: والله ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيّين والمرسلين أفضل من أبي بكر.

وأجاب الشيعة: بأن هذا لا يدل على أنّه أفضل، بل بأنّ غيره ليس أفضل منه.

واحتجّت الشيعة بأنّ الفضيلة إمّا عقليّة أو نقليّة، والعقليّة إمّا بالنّسب أو بالحسب، وكان عليّ أكمل الصّحابة في جميع ذلك، فهو أفضل.

أمّا بالنّسب، فلأنّه أقرب إلى رسول الله، والعبّاس وإن كان عمّ رسول الله لكنّه كان أخا عبدالله من الأب وكانَ أبو طالب أخاً منهما، وكان علي هاشميّاً من الأب والأمّ، لأنّه عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم، وعليّ بن فاطمة بنت أسد بن هاشم، والهاشمي أفضل لقوله صلّى الله عليه وسلّم اصطفى من ولد إسماعيل قريشاً واصطفى من قريش هاشماً.

وأمّا الحسب، فلأنّ أشرف الصّفات الحميدة الزهد والعلم والشجاعة، وهو فيها أتمّ وأكمل من الصّحابة.

أمّا العلم، فلأنّه ذكر في خُطبه من أسرار التوحيد والعدل والنبوّة والقضاء والقدر وأحوال المعاد ما لم يوجد في الكلام لأحدٍ من الصحابة، وجميع الفرق ينتهي نسبتهم في علم الأصول إليه، فإنّ المعتزلة ينسبون أنفسهم إليه،

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

ولا يسمح لي الوقت لأن أذكر أكثر ممّا ذكرت ، وفيه كفاية لمن أراد الهداية والابتعاد عن الغواية.

فالإمام الحسين بن عليّعليهم‌السلام حقّه كثير وفضله كبير على الإسلام والإنسانية ، فقد جاهد وكافح مثل هذا الظالم الفاجر ، وفضحه في العالم ، وأنقذ الدين من براثن كفر يزيد وحزبه الظالمين الفاسقين المنافقين.

وإنّي أتأسّف لما يصدر منكم ، فبدلا من أن تقدّروا هذا الجهاد العظيم للحسين السبط ، وتقدّروا تضحياته القيّمة وتفانيه في سبيل الله سبحانه ، فتأبّنوه في كلّ عام وتحيوا يوم عاشوراء بتشكيل المجالس والمحافل ، وتقرءوا على المسلمين تاريخه المبارك ، وتلقوا على الناس خطبه وكلماته التي يبيّن فيها أسباب نهضته المقدّسة وأهدافه السامية ، ويفضح فيها يزيد وبني اميّة وحزبهم.

وبدل أن تذهبوا إلى زيارة مرقده الشريف وتقفوا أمامه وقفة إجلال وإكرام واحترام ، فتستلهموا منه الإيمان واليقين ، وتتعلّموا منه التضحية والتفاني في سبيل الدين.

بدل كلّ ذلك ، تعارضون الملايين من شيعته ومحبّيه الّذين يؤدّون له الاحترام ويقدّرون نهضته المباركة وجهاده العظيم ، وينظرون إليه نظرة إكبار وإجلال ، ويبكون ويحزنون لما أصابه من أعدائه الظالمين ، ويزورون مرقده المقدّس بلهفة وخشوع.

وإنّكم ترمونهم بالكفر والشرك ، وتعبّرون عن زيارة تلك المراقد المشرّفة بعبادة الأموات!!

٢٢١

رمز قبر الجنديّ المجهول

جرت العادة في أكثر بلاد العالم وخاصة البلاد المتقدّمة الاروبية والدول الحضارية ، أنّهم يشيّدون مبنى على شكل قبر رمزي باسم : الجندي المجهول ، ويصرفون أموالا باهظة في إنشائه ، ويعيّنون مديرا مسئولا وبإمرته موظفين لإدارته والمحافظة عليه.

فيأخذون ضيوف الدولة وهم شخصيّات البلدان الاخرى كرؤساء الجمهوريات ورؤساء الدول والوزراء والممثّلين عنهم ، إلى ذلك القبر الوهمي ، فيقفون وقفة خشوع واحترام ، ويؤدّون المراسم التي تنبئ عن إجلال وتعظيم ذلك المكان الذي ليس هو إلاّ قبر رمزي قام بنيانه وشيّدت أركانه لإحياء اسم الجندي الذي دافع عن وطنه وضحى نفسه في سبيل حرّيّة شعبه وبلاده.

ولم يكن في العالم ، ولا يوجد هناك عاقل يعارض هذا العمل وينهى عنه. بل كاد أن يكون من المراسم الواجبة عند الحكومات والدول المتقدّمة.

ولن نجدكم تعارضون الشيعة وتنكرون عملهم حينما يقفون أمام قبور شهداء الإسلام وخاصّة شهداء العترة الهادية وهم جنود الله سبحانه ، المعلومون المعرفون في السماوات والأرضين.

وتنقدون الشيعة لوقوفهم أمام تلك القبور التي لم تكن وهمية وخالية أو خيالية ، بل هي مراقد أطهار ومراكز أنوار ، تتضمّن أشخاصا كان لهم الأثر العظيم في بناء حضارة البشر وإنسانية الإنسان ، تتضمّن أجسادا تشعّ منها أنوار العلم والفضيلة ، وأنوار الإيمان والإحسان ،

٢٢٢

وتذكّر زائريها بالمثل العليا وتلهمها الصبر والجهاد وصفات الأمجاد ، وكلّ خصال الخير والأخلاق الحميدة.

فالشيعي يقف أمام تلك القبور المقدّسة والمراقد الطاهرة ويخاطب أصحابها الّذين تحسبونهم أمواتا ، والله يقول :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) .

لذلك يخاطبهم الشيعي فيقول :

«أنا سلم لمن سالمكم ، وحرب لمن حاربكم ، ووليّ لمن والاكم ، وعدوّ لمن عاداكم» وهو يعلن بهذه العبارات الرائعة أنّه سائر على خطّ الجهاد في سبيل الله تعالى ونيل الشهادة من أجل الدين والعقيدة وأنتم تنتقدون الشيعة وتنكرون عليهم زيارة تلك القبور المقدّسة!!

وطائفة اخرى ـ وهم الوهّابيّون ـ يهدمون تلك المراقد المباركة ، ويخرّبون تلك القباب الطاهرة ، ويهتكون حرمتها ، ويقتلون زوّارها ، كما حدث في سنة ١٢١٦ هجرية في الثامن عشر من شهر ذي الحجّة في يوم الغدير ، وكان أهالي كربلاء أكثرهم قد ذهبوا إلى زيارة مرقد الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في النجف الأشرف ، وبقيت النساء والأطفال والعجزة والمرضى في المدينة ، فاغتنم الوهّابيّون هذه الفرصة وهجموا من الحجاز على كربلاء المقدّسة ، وهدموا قبر أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وقبور الشهداء من صحبه الكرام ، ونهبوا خزانة الحرم الشريف التي كانت تحتوي على ثروة عظيمة لا تثمّن من هدايا الملوك وغيرهم.

وقد أبدوا وحشية وضراوة لا نظير لها ، فما رحموا حتّى النساء

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٦٩.

٢٢٣

والأطفال والشيوخ والمرضى ، فقتلوا خلقا كثيرا حتّى بلغ عددهم أكثر من خمسة آلاف ، وأسروا جمعا آخر وساقوهم معهم فباعوهم في الأسواق!!

وهكذا صنعوا ما صنعوا وارتكبوا ما ارتكبوا باسم الدين المبين وشريعة سيّد المرسلين وهو منهم بريء ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

هدم قبور أهل البيتعليهم‌السلام في البقيع

إنّ الأمم المتمدّنة في العالم تبني قبور شخصيّاتها من العلماء والقادة والملوك والزعماء وتحافظ عليها وتحترمها ، وحتّى القبور الوهمية والمراقد الرمزية باسم قبر الجندي المجهول.

ولكن مع الأسف الشديد ، إنّ فرقة من الّذين يدّعون أنّهم مسلمون ، ويزعمون أنّ مخالفيهم في عقائدهم الشاذّة التي ما أنزل الله بها من سلطان ، مشركون ، وهي الفرقة الوهّابيّة ، هجموا بكلّ وحشية ، بالأسلحة الفتّاكة ، الجارحة والنارية ، على مراقد أئمّة أهل البيت النبويعليهم‌السلام ومنتسبيهم في البقيع بالمدينة المنوّرة وهدموا قبابهم المقدّسة ، وساووا قبورهم ومراقدهم الطاهرة بالأرض ، وسحقوها سحقا ، وذلك في اليوم الثامن من شوّال سنة ١٣٢٤ هجرية.

فكأنّهم أسفوا على عدم وجودهم مع أسلافهم الّذين رشقوا جنازة الحسن المجتبى السبط الأكبر للنبي المصطفى بالسهام والنبال ، أو مع أسلافهم الّذين سحقوا جسد الحسين الشهيد سبط الرسول وقرّة عين الزهراء البتول وأجساد أهله وأنصاره المستشهدين معه بخيولهم.

ولكن إذا لم يدركوا ذلك الزمان ولم ينالوا من أجساد آل النبي

٢٢٤

الكرام ، فقد نالوا من قبورهم وسحقوا مراقدهم المقدّسة!

فتلك قبور أبناء رسول الله وعترته الطاهرة في البقيع ، وقبور شهداء احد وسيّدهم حمزة سيّد الشهداءعليهم‌السلام في احد ، وقبور غيرهم من الصحابة الكرام ، مهدومة مهجورة ، ليس هناك سقف يستظلّ به الزائرون ، ولا مصباح وسراج يستضيء بنوره الوافدون ، بمرأى من المسلمين ، وهم أحقّ من غيرهم بحفظ تلك المعالم الفاخرة والمراقد الطاهرة ، فقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حرمة المسلم ميّتا كحرمته حيّا. وكم عندنا وعندكم من الأخبار الصحيحة المرويّة في فضل زيارة قبور المؤمنين ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يذهب إلى البقيع ويستغفر للأموات ولنعم ما قيل :

لمن القبور الدراسات بطيبة

عفّت لها أهل الشقا آثارا

قل للذي أفتى بهدم قبورهم

أن سوف تصلى في القيامة نارا

أعلمت أيّ مراقد هدّمتها؟!

هي للملائك لا تزال مزارا

فلم هذه المعاملة السيّئة مع آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ؟! وهم الّذين جعلهم الله عزّ وجلّ في المرتبة العليا والدرجة العظمى ، وجعلهم سادة المسلمين وقادة المؤمنين.

الحافظ : إنّكم تغالون في حقّ أئمّتكم ، ما الفرق بينهم وبين سائر أئمة المسلمين؟! إلاّ أنّهم يمتازون بانتسابهم إلى النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، وليس لهم أيّ فضل آخر على غيرهم!

قلت : هذا مقال من يجهل قدرهم ولا يعرف شأنهم ومقامهم! ولو تركتم التعصّب والعناد ، ودرستم حياتهم وسيرتهم دراسة تحقيق وإمعان ، لعرفتم كيف هم أفضل من أئمّتكم ، ولا قررتم أنّ أئمّتنا هم

٢٢٥

وحدهم يمثّلون جدّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علمه وحلمه وصفاته وأخلاقه وسيرته وسلوكه.

وبما أنّ الوقت لا يتّسع لخوض هذا البحث أختم حديثي وأدع هذا المبحث الهامّ إلى مجلس آخر إن شاء الله تعالى.

فوافق الحاضرون كلّهم وتركوا المجلس مودّعين ، فخرجت إلى الباب لتوديعهم أيضا.

٢٢٦

المجلس الرابع ليلة

الاثنين ٢٦ / رجب

في أوّل المغرب دخل ثلاثة من أهل السنّة من غير العلماء ، وكانوا من الحاضرين في المجالس السابقة ، وقالوا : جئنا قبل الآخرين لنقول لسماحتكم : إنّ حديث الناس في كلّ مكان ، في الدوائر الحكومية والمتاجر ، وحتّى في الحوانيت ، يدور حول مناظرتكم وحواركم مع علمائنا ، وإنّ الصحف التي تنشر هذا الحوار مهما كثرت نسخها فهي مع ذلك تنفد في أوّل ساعة من نشرها.

ويشاهد في كلّ نقطة وزاوية من البلد شخص بيده صحيفة يقرأ حديثكم بصوت عال وحوله جمع غفير من الناس يستمعون إليه وهم يتابعون حواركم وحديثكم بكلّ لهفة واشتياق.

اعلم يا سيّد! إنّ مجتمعنا متعطّش لفهم هذه الحقائق التي طالما أخفاها علماؤنا! فنرجوك يا مولانا أن تكشف أستار الظلام وتزيل الأوهام أكثر فأكثر ، لتتنوّر أفكار الناس لا سيّما العوامّ ، فيعرفوا حقائق الإسلام.

٢٢٧

ونرجوك أن تبسط لنا المواضيع المطروحة وتبيّنها من غير تكلّف ، ببيان وكلام سهل نفهمه نحن العامّة والسوقة.

فإنّ الناس إذا عرفوا عقائدكم وفهموا مذهبكم سيتقبّلونه ويعتنقونه ، وسيتمسّكون بعقائدكم لأنّها مبنيّة على أساس القرآن والأحاديث الصحيحة المروية في كتبنا وهي أقرب إلى الفطرة والعقل.

والله يا سيّد إنّ كلامك بعث الوعي في مجتمعنا ، فكأنّهم كانوا نياما فانتبهوا وكانوا عميا فأبصروا.

نحن وأهل بلدنا كنّا نسمع منذ الطفولة من علمائنا ومشايخنا بأنّ الشيعة مشركون وكفّار وأنّهم من أهل النار!

ولكن بفضل حديثكم في الليالي الماضية عرفنا أنّ شيعة أهل البيت هم المسلمون حقّا ، فهم أتباع النبيّ وأهل بيته ، وعرفنا أنّ ما يقوله مشايخنا وعلماؤنا عن الشيعة كلّه كذب وافتراء ، فالشيعة إخواننا في الدين.

قلت : إنّي أشكركم على حسن فهمكم واتباعكم للحق بعد ما عرفتموه ، واشكركم على هذا الكلام النابع من قلوبكم الصافية ونفوسكم الزاكية.

ثمّ استأذنت منهم لأصلّي العشاء ، وبينما أنا في الصلاة إذ دخل سائر الإخوة من العلماء وغيرهم ، فأنهيت الصلاة والدعاء ، وأقبلت نحوهم وسلّمت عليهم ورحّبت بهم.

فقال النوّاب : لقد قرّرت في الليلة الماضية أن تحدّثنا عن مقام أئمّتكم واعتقادكم في حقّهم ، لأنّنا نحبّ أن نعرف ما هو الاختلاف بيننا وبينكم حول الأئمّة.

٢٢٨

قلت : لا مانع لدي من ذلك إذا يسمح العلماء الأعلام والحاضرون الكرام.

الحافظ : ـ وهو منخطف اللون ـ : لا مانع لدينا أيضا.

معنى الإمام في اللغة

قلت : إنّ العلماء في المجلس يعرفون إنّ لكلمة الإمام معان عديدة في اللغة ، منها : المقتدى.

فإمام الجماعة هو الذي تقتدي به جماعة المصلّين وتتابعه في أفعال الصلاة كالقيام والقعود والركوع والسجود.

وأئمّة المذاهب الأربعة هم فقهاء بيّنوا لأتباعهم أحكام الإسلام ومسائل الدين ، واجتهدوا فيها واستنبطوها من القرآن والسنّة الشريفة بالقياس والاستحسانات العقلية ، فلذلك لمّا نطالع كتبهم نرى في آرائهم وأقوالهم ، في الاصول والفروع ، اختلافا كثيرا.

ويوجد مثل الأئمّة الأربعة في كلّ دين ومذهب ، وحتّى في مذهب الشيعة ، وهم العلماء الفقهاء الّذين يرجع إليهم الناس في امور دينهم ويعملون بأقوالهم ويقلّدونهم في الأحكام الشرعية والمسائل الدينية ، ومقام هؤلاء المراجع عندنا كمقام الأئمّة الأربعة عندكم ، وهم في هذا العصر الذي غاب فيه عن الأنظار الإمام المعصوم المنصوص عليه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يستنبطون الأحكام الشرعية ويستخرجون المسائل الدينية على أساس القرآن والسنّة والإجماع والعقل ، فيفتون بها ، وللعوامّ أن يتّبعوهم ويقلّدوهم ، وفي اصطلاح مذهبنا نسمّيهم : مراجع الدين ،

٢٢٩

والواحد منهم : المرجع الديني.

سدّ باب الاجتهاد عند العامّة

كان الأئمّة الأربعة حسب زعمكم فقهاء أصحاب رأي وفتوى في المسائل الدينية ومستندهم : الكتاب والسنّة والقياس. فهنا سؤال يطرح نفسه وهو :

إنّ الفقهاء وأصحاب الرأي والفتوى عددهم أكثر من أربعة ، وأكثر من أربعين ، وأكثر من أربعمائة ، وأكثر وكانوا قبل الأئمة الأربعة وبعدهم ، وكثير منهم كانوا معاصرين للأئمّة الأربعة ، فلما ذا انحصرت المذاهب في أربعة؟!

ولما ذا اعترفتم بأربعة من الفقهاء وفضّلتموهم على غيرهم وجعلتموهم أئمّة؟!

من أين جاء هذا الحصر؟!

ولما ذا هذا الجمود؟!

نحن وأنتم نعتقد أنّ الإسلام قد نسخ الأديان التي جاءت قبله ، ولا يأتي دين بعده ، فهو دين الناس إلى يوم القيامة ، قال تعالى :( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) (١) .

فكيف يمكن لهذا الدين الحنيف أن يساير الزمن والعلم في الاختراعات والاكتشافات والصناعات المتطوّرة ، ولكلّ منها مسائل مستحدثة تتطلّب إجابات علمية؟!

فإذا أغلقنا باب الاجتهاد ولم نسمح للفقهاء أن يبدوا رأيهم

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٨٥.

٢٣٠

ويظهروا نظرهم ـ كما فعلتم أنتم بعد الأئمّة الأربعة ـ فمن يجيب عن المسائل المستحدثة؟!

وكم ظهر بينكم بعد الأئمّة الأربعة فقهاء أفقه منهم ، ولكنّكم ما أخذتم بأقوالهم وما عملتم بآرائهم! فلما ذا ترجّحون اولئك الأربعة على غيرهم من الفقهاء والعلماء لا سيّما على الأفقه والأعلم منهم؟! أليس هذا ترجيح بلا مرجّح ، وهو قبيح عند العقلاء؟!

انفتاح باب الاجتهاد عند الشيعة

ولكن في مذهبنا نعتقد : أنّ في مثل هذا الزمان وبما أنّ الإمام المعصوم غائب عن الأبصار ، فباب الاجتهاد مفتوح غير مغلق ، والرأي غير محتكر ، بل كلّ صاحب رأي حرّ في إظهار رأيه ، شريطة أن يكون مستندا إلى الكتاب أو السنّة أو الإجماع أو العقل ، وعلى العوامّ أن يرجعوا إليهم في أخذ الأحكام ومسائل الإسلام.

والإمام الثاني عشر ، وهو المهديّ المنتظر (عج) ، آخر أئمّتنا المعصومين ، أمر بذلك قبل أن يغيب عن الأبصار فقال : من كان من الفقهاء حافظا لدينه ، صائنا لنفسه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ـ أي ربّه ـ فللعوامّ أن يقلّدوه.

لذلك يجب عند الشيعة ، على كلّ من بلغ سنّ الرشد والبلوغ الشرعي ، ولم يكن مجتهدا فقيها ، يجب عليه أن يقلّد أحد الفقهاء الأحياء الحاوين لتلك الشرائط التي اشترطها الإمام المعصومعليه‌السلام .

ولا يجوز عندنا تقليد الفقيه الميّت ابتداء ، والعجيب أنّكم تتّهمون الشيعة بأنّهم يعبدون الأموات لزيارتهم القبور!!

٢٣١

ليت شعري هل زيارة القبور عبادة الأموات أم عبادة الأموات هي اعتقادكم بأنّ كلّ من لم يتّبع الأئمّة الأربعة في الأحكام الشرعية ، ولم يلتزم برأي الأشعري أو المعتزلي في اصول الدين ، فهو غير مسلم ، يجوز قتله ونهب ماله وسبي حريمه حتّى إذا كان يتبع أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته الهاديةعليهم‌السلام ؟!!

مع العلم أنّ أئمّة المذاهب الأربعة ، وأبا الحسن الأشعري والمعتزلي ، ما كانوا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يدركوا صحبته ، فبأيّ دليل تحصرون الإسلام في رأي هؤلاء الستّة؟! أليس هذا العمل منكم بدعة في الدين؟!

الحافظ : لقد ثبت عندنا أنّ الأئمّة الأربعة حازوا درجة الاجتهاد وتوصّلوا إلى الفقه وإبداء الرأي في الأحكام ، وكانوا على زهد وعدالة وتقوى. فلزم علينا وعلى جميع المسلمين متابعتهم والأخذ بقولهم.

قلت : إنّ الامور التي ذكرتها لا تصير سببا لانحصار الدين في أقوالهم وآرائهم وإلزام المسلمين بالأخذ منهم فقط إلى يوم القيامة ، لأنّ هذه الصفات متوفّرة في علماء وفقهاء آخرين منكم أيضا.

ولو قلتم بانحصار هذه الصفات في الأئمّة الأربعة فقد أسأتم الظنّ في سائر علمائكم الأعلام ، بل أهنتموهم وهتكتم حرمتهم ولا سيّما أصحاب الصحاح منهم!!

ثمّ إنّ إلزام المسلمين وإجبارهم على أيّ شيء يجب أن يكون مستندا إلى نصّ من القرآن الحكيم أو حديث النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنتم تجبرون المسلمين وتلزمونهم على أخذ أحكام دينهم من أحد الأئمّة الأربعة من غير استناد إلى الله ورسوله ، فعملكم هذا لا يكون إلاّ تحكّما وزورا.

٢٣٢

السياسة تحصر المذاهب في أربعة

لقد سبق زعمكم أنّ التشيّع مذهب سياسي ، ولا أساس له في الدين ، ونحن أثبتنا وهن هذا الكلام وبطلانه. بنقل عدد كبير من الأحاديث النبوية الشريفة التي يذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها شيعة عليّعليه‌السلام بالفوز والفلاح ويعدهم الجنّة.

وأثبتنا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو مؤسّس مذهب الشيعة ، واضع أساسه ، وهو الذي سمّى موالي الإمام عليّعليه‌السلام وأتباعه بالشيعة ، حتّى صار هذا الاسم علما لهم في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستندنا في كلّ ذلك على الروايات المعتبرة المرويّة في كتبكم ، المقبولة لديكم ، والتي تعتمدون عليها كلّكم.

والآن أقول بكلّ صراحة : إنّ مذاهبكم الأربعة هي مذاهب سياسية ليس لها أساس في الدين ، وهذا ثابت لأهل التقوى واليقين.

فإن كنتم لا تعلمون أساس التزامكم بالمذاهب الأربعة وانحصار الإسلام الحنيف فيها كما تزعمون ، فراجعوا التاريخ وطالعوه بدقّة وحقّقوا بهذا حتّى تعرفوا إنّما وجدت المذاهب الأربعة بدواع سياسية ، وكان الهدف منها ابتعاد المسلمين عن أهل البيتعليهم‌السلام وإغلاق مدرستهم العلمية!

هذا ما كان يبتغيه السلطان الظالم الغاصب الذي تسمّونه : «الخليفة» لأنّ الخلفاء كانوا يرون أهل البيتعليهم‌السلام منافسين لهم في الحكم والسلطة ، فهم يحكمون على الناس بالقوّة والقهر والسوط والسيف ، ولكنّ الناس يميلون إلى أهل البيتعليهم‌السلام بالرغبة والمحبّة قربة

٢٣٣

إلى الله تعالى فيطيعونهم ويأخذون بأقوالهم ويتّبعونهم في مسائل الحلال والحرام ، وكلّ أحكام الإسلام.

فأهل البيتعليهم‌السلام هم أصحاب السلطة الشرعية والحكومة الروحية المهيمنة على النفوس والقلوب عند الناس ، فلأجل القضاء على هذه الحالة ـ التي جعلت الخلفاء في حذر وخوف دائم ، وسلبت منهم النوم والراحة ـ بادروا إلى تأسيس المذاهب الأربعة ، واعترفت السلطات الحكومية والجهات السياسية بها دون غيرها ، وأعطتها الطابع الرسمي ، وحاربت ما سواها بكلّ قوّة وقسوة.

وأصدرت قرارات رسمية تأمر الناس بالأخذ بقول أحد الأئمّة الأربعة ، وأمرت القضاة أن يحكموا على رأي أحدهم ويتركوا أقوال الفقهاء الآخرين ، هكذا انحصر الإسلام بالمذاهب الأربعة ، وإلى هذا اليوم أنتم أيضا تسيرون على تلك القرارات الظالمة التي ما أنزل الله بها من سلطان.

والعجيب أنّكم ترفضون كلّ موقف من مسلم مؤمن يعمل بالأحكام الدينية على غير رأي الأئمّة الأربعة ، حتّى إذا كان يعمل برأي الإمام عليّ بن أبي طالب والعترة الهاديةعليهم‌السلام كمذهب الشيعة الإمامية.

فإنّ الشيعة سائرون على منهج أهل البيت الصحيح السليم وهو الخطّ الذي رسمه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيأخذون دينهم من الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الذي تربّى في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو باب علمه ، وقد أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين بمتابعته والأخذ منه ، والأئمّة الأربعة بعد لم يخلقوا ، فقد جاءوا بعد رسول الله بعهد طويل ، مائة عام أو أكثر ، مع ذلك تزعمون أنّكم على حقّ والشيعة على باطل!!

٢٣٤

أما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا(١) ؟!

فانظروا وفكّروا من المتمسّك بالثقلين ، نحن أم أنتم؟!

أما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى ـ وفي رواية : هلك(٢) ـ فمن المتخلّف عنهم ، نحن أم أنتم؟!

هل الأئمّة الأربعة من أهل البيتعليهم‌السلام ؟! أم الإمام عليّ والحسن والحسين ريحانتا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنة؟!

أما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : فلا تتقدّموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم(٣) ؟!

ثم يقول ابن حجر في «تنبيه» له على الحديث : سمّى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) القرآن وعترته ثقلين ، لأنّ الثقل : كلّ نفيس خطير مصون وهذان كذلك ، إذ كلّ منهما معدن للعلوم الدينية والأسرار والحكم العليّة والأحكام الشرعية ، ولذا حثّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) على الاقتداء والتمسّك بهم والتعلّم منهم

وقيل سميّا ثقلين : لثقل وجوب رعاية حقوقهما ، ثمّ الّذين وقع الحث عليهم منهم ، إنّما هم العارفون بكتاب الله وسنّة رسوله ، إذ هم الّذين لا يفارقون الكتاب إلى ورود الحوض ، ويؤيّده الخبر السابق :

__________________

(١) ذكرنا فيما سبق مصادره من كتب العامّة بالتفصيل.

(٢) ذكرنا مصادره بالتفصيل فيما سبق وانظر : الصواعق المحرقة : ٩١ ، تحت الآية السادسة.

(٣) الصواعق المحرقة : ٨٩ ، تحت الآية الرابعة.

٢٣٥

ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم.

وتميّزوا بذلك عن بقيّة العلماء ، لأنّ الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وشرّفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة ، وقد مرّ بعضها إلى آخر ما قاله ابن حجر.

وما لي لا أتعجّب منه ومن أمثاله وما أكثرهم في علمائكم! فإنّه مع إذعانه وإقراره بأنّ أهل البيتعليهم‌السلام يجب أن يقدّموا على من سواهم ، ويجب أن تأخذ الأمّة منهم أحكام دينها ومسائلها الشرعية ، لكنّه قدّم أبا الحسن الأشعري عليهم وأخذ منه اصول دينه ، وقدّم الأئمّة الأربعة ، وأخذ أحكام الشريعة المقدّسة منهم لا من أهل البيتعليهم‌السلام !!

وهذا نابع من العناد والتعصّب واللجاج ، أعاذنا الله تعالى منها.

مطاعن الأئمّة الأربعة

ثمّ أسألك أيّها الحافظ ، إذا كان الواقع كما زعمت أنّ الأئمّة الأربعة كانوا على زهد وعدالة وتقوى ، فكيف كفّر بعضهم بعضا ، ورمى بعضهم الآخر بالفسق؟!!

الحافظ : ـ وقد تغيّر لونه ولاح الغضب في وجهه وصاح ـ : لا نسمح لكم أن تتهجّموا على أئمّتنا وعلمائنا إلى هذا لحدّ ، أنا اعلن أنّ كلامك هذا كذب وافتراء على أئمّة المسلمين ، وهو من أباطيل علمائكم ، أمّا علماؤنا فكلّهم أجمعوا على وجوب احترام الأئمّة الأربعة وتعظيمهم ، ولم يكتبوا فيهم سوى ما يحكي جلالة شأنهم وعظيم مقامهم.

٢٣٦

قلت : يظهر أنّ جنابك لا تطالع حتّى كتبكم المعتبرة ، أو تتجاهل عن مثل هذه المواضيع فيها. وإلاّ فإنّ كبار علمائكم كتبوا في ردّ الأئمّة الأربعة ، وفسّق بعضهم الآخر بل كفّر بعضهم بعضهم الآخر!!

الحافظ : نحن لا نقبل كلامك ، بل هو مجرّد ادّعاء ، ولو كنت صادقا في ما تزعم فاذكر لنا أسماء العلماء وكتبهم وما كتبوا حتّى نعرف ذلك!

قلت : أصحاب أبي حنيفة وابن حزم وغيرهم يطعنون في الإمامين مالك والشافعي.

وأصحاب الشافعي ، مثل : إمام الحرمين ، والإمام الغزالي وغيرهما يطعنون في أبي حنيفة ومالك.

فما تقول أنت أيها الحافظ ، عن الامام الشافعي وأبي حامد الغزّالي وجار الله الزمخشري؟!

الحافظ : إنّهم من كبار علمائنا وفقهائنا ، وكلّهم ثقات عدول يعتمد عليهم ويصلّى خلفهم.

قلت : جاء في كتبكم عن الإمام الشافعي أنّه قال : ما ولد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة!

وقال أيضا : نظرت في كتب أصحاب أبي حنيفة فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة خلاف الكتاب والسنّة!

وقال الإمام الغزّالي في كتابه «المنخول في علم الاصول» : فأمّا أبو حنيفة فقد قلّب الشريعة ظهرا لبطن ، وشوّش مسلكها ، وغيّر نظامها ، وأردف جميع قواعد الشرع بأصل هدم به شرع محمّد المصطفى ، ومن فعل شيئا من هذا مستحلا كفر ، ومن فعله غير

٢٣٧

مستحلّ فسق.

ويستمرّ بالطعن في أبي حنيفة بالتفصيل إلى أن قال : إنّ أبا حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، يلحن في الكلام ولا يعرف اللغة والنحو ولا يعرف الأحاديث ، ولذا كان يعمل بالقياس في الفقه ، وأوّل من قاس إبليس.

انتهى كلام الغزالي.

وأمّا جار الله الزمخشري صاحب تفسير «الكشّاف» وهو يعدّ من ثقات علمائكم وأشهر المفسّرين عندكم ، قال في كتابه «ربيع الأبرار» : قال يوسف بن أسباط : ردّ أبو حنيفة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعمائة حديث أو أكثر!

وحكي عن يوسف أيضا : أنّ أبا حنيفة كان يقول : لو أدركني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأخذ بكثير من قولي!!

وقال ابن الجوزي في «المنتظم» : اتّفق الكلّ على الطعن فيه ـ أي : في أبي حنيفة ـ والطعن من ثلاث جهات :

١ ـ قال بعضهم : إنّه ضعيف العقيدة ، متزلزل فيها.

٢ ـ وقال بعضهم : إنّه ضعيف في ضبط الرواية وحفظها.

٣ ـ وقال آخرون : إنّه صاحب رأي وقياس ، وإنّ رأيه ـ في أغلب الأحيان مخالف للأحاديث الصّحاح.

انتهى كلام ابن الجوزي.

والكلام من هذا النوع كثير في كتبكم حول الأئمّة الأربعة ، وأنا لا أحبّ أن أخوض هذا البحث ، وما أردت أن أتكلّم بما تكلّمت ، ولكنّك أحرجتني بكلامك حيث قلت : إنّ علماء الشيعة يكذبون على

٢٣٨

علمائنا وأئمّتنا! فأردت أن أثبت لك وللحاضرين أنّ كلام علماء الشيعة مستدلّ وصحيح ولا يعبّر إلاّ عن الواقع والحقيقة. ولكن كلامك أيّها الحافظ عار من الصحّة والواقع ، وإذا أردت أن تعرف المطاعن كلّها حول الأئمّة الأربعة ، فراجع كتاب «المنخول في علم الأصول» للغزّالي ، وكتاب «النكت الشريفة» للشافعي ، وكتاب «ربيع الأبرار» للزمخشري ، وكتاب «المنتظم» لابن الجوزي حتى تشاهد كيف يطعن بعضهم بعضهم الآخر حدّ التكفير والتفسيق!!

ولكن لو تراجع كتب الشيعة الإمامية حول الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام لرأيت إجماع العلماء والفقهاء والمحدّثين والمؤرّخين على تقديسهم وعظم شأنهم وجلال مقامهم وعصمتهم (سلام الله عليهم).

لأنّنا نعتقد أنّ الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام كلّهم خرّيجو جامعة واحدة ، وهم أخذوا علمهم من منبع ومنهل واحد ، وهو منبع الوحي ومنهل الرسالة ، فلم يفتوا إلاّ على أساس كتاب الله تعالى والسنّة الصحيحة التي استورثوها من جدّهم خاتم النبيّين وسيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق الإمام عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمينعليها‌السلام ، وحاشا أئمّتناعليهم‌السلام أن يفتوا على أساس الرأي والقياس ، ولذا لا تجد أيّ اختلاف في ما بيّنوه ، لأنّهم كلّهم ينقلون عن ذلك المنبع الصافي الزلال : «روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري»!.

٢٣٩

مقام الإمام عند الشيعة الإمامية

الإمام في اصطلاح الشيعة يختلف عن الإمام في اصطلاحكم ، فإنّ الإمام عندكم بمعناه اللغوي وهو : المقتدى ، كإمام الجمعة والجماعة.

ولكن الإمام عندنا ـ كما هو ثابت في علم الكلام ـ هو : صاحب الرئاسة العامة الإلهية خلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في امور الدين والدنيا ، إذ يجب على الامة كافة اتّباعه ، ولذا نعتقد بأنّ الإمامة من اصول الدين.

الشيخ عبد السلام : الإمامة عند علمائنا لا تعدّ من اصول الدين ، بل أثبتوا أنّها من فروع الدين ، وهم فنّدوا قول الشيعة بالأدلّة القطعية ، فقولكم : إنّ الإمامة من اصول الدين كلام بلا دليل.

قلت : كثير من علمائكم وافقونا في هذه العقيدة وأثبتوا صحّتها ، وردّوا كلام القائلين بأنّ الإمامة من فروع الدين.

منهم : القاضي البيضاوي ، وهو من أشهر مفسّريكم ، قال في كتابه «منهاج الاصول» : إنّ الإمامة من أعظم مسائل اصول الدين التي توجب مخالفتها الكفر والبدعة.

ومنهم : العلاّمة القوشجي ، وهو من أشهر الكلاميّين عندكم ، قال في كتابه «شرح التجريد» في مبحث الإمامة : وهي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا خلافة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومنهم : القاضي روزبهان ، وهو من علمائكم الّذي اشتهر

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205