ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235878 / تحميل: 3900
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الذكور!! فإذن أنتم أسباطه وأبناء بنته ، لا أولاده وذرّيّته!!

قلت : ما كنت أحسبك معاندا أو لجوجا ، وإلاّ لما قمت مقام المجيب على سؤالكم ، ولما قبلت الحوار معكم!

الحافظ : لا يا صاحبي! لا يلتبس الأمر عليك ، فإنّا لا نريد المراء واللّجاج وإنّما نريد أن نعرف الحقيقة ، فإنّي وكثير من العلماء نظرنا في الموضوع ما بيّنته لكم ، فإنّا نرى أنّ عقب الإنسان ونسله إنّما هو من الأولاد الذكور لا البنات ، وذلك كما يقول الشاعر في هذا المجال :

بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد

فإن كان عندكم دليل على خلافه يدلّ على أنّ أولاد بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولاده وذرّيّته فبيّنوه لنا حتّى نعرفه ، وربّما نقتنع به فنكون لكم من الشاكرين.

قلت : إنّ الدلائل من كتاب الله (عزّ وجلّ) والروايات المعتبرة لدى الفريقين على ذلك قويّة جدّا.

الحافظ : أرجو منكم أن تبيّنوها حتّى نستفيد بذلك.

قلت : إنّي وفي أثناء كلامكم تذكرت مناظرة حول الموضوع ، جرت بين الخليفة العبّاسي هارون ، وبين : الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام ، فقد أجابهعليه‌السلام بجواب كاف وشاف اقتنع به هارون وصدّقه.

الحافظ : كيف كانت تلك المناظرة أرجو أن تبيّنوها لنا؟

قلت : قد نقل هذه المناظرة علماؤنا الأعلام في كتبهم المعتبرة ، منهم : ثقة عصره ، ووحيد دهره ، الشيخ الصدوق في كتابه القيّم : «عيون أخبار الرضا»(١) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ج ١ ص ٨٤ ح ٩.

٢١

ومنهم : علاّمة زمانه ، وبحّاثة قرنه ، الشيخ الطبرسي في كتابه الثمين : «الاحتجاج» وأنا أنقلها لكم من كتاب «الاحتجاج»(١) وهو كتاب علمي قيّم ، يضم بين دفّتيه أضخم تراث علمي وأدبي لا بدّ لأمثالك أيّها الحافظ من مطالعته ، حتّى ينكشف لكم الكثير من الحقائق العلمية والوقائع التاريخية الخافية عليكم.

أولاد البتولعليها‌السلام ذرية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

روى العلاّمة الطبرسي أبو منصور أحمد بن علي في الجزء الثاني من كتابه : «الاحتجاج» رواية مفصّلة وطويلة تحت عنوان : «أجوبة الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام لأسئلة هارون» وآخر سؤال وجواب ، كان حول الموضوع الذي يدور الآن بيننا ، وإليكم الحديث بتصرّف :

هارون : لقد جوّزتم للعامّة والخاصة أن ينسبوكم إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولوا لكم : يا أولاد رسول الله ، وأنتم بنو عليّ ، وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبيّ جدّكم من قبل أمّكم؟؟!

الإمامعليه‌السلام : لو أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نشر فخطب إليك كريمتك ، هل كنت تجيبه؟!

هارون : سبحان الله! ولم لا أجيبه ، وأفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.

الإمامعليه‌السلام : لكنّه لا يخطب إليّ ، ولا أزوّجه.

هارون : ولم؟! الإمامعليه‌السلام : لأنّه ولدني ولم يلدك.

__________________

(١) الاحتجاج : ج ٢ المناظرة رقم ٢٧١ ص ٣٣٥.

٢٢

هارون : أحسنت!!

ولكن كيف قلتم : إنّا ذرّيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنبيّ لم يعقّب؟! وإنّما العقب للذّكر لا للأنثى ، وأنتم ولد بنت النبي ، ولا يكون ولدها عقبا لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

الإمامعليه‌السلام : أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة.

هارون : لا أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا أنهي لي ، ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه ، حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، وأنتم معشر ولد عليّ تدّعون : أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ، ألف ولا واو ، إلاّ تأويله عندكم واحتججتم بقوله (عزّ وجلّ) :( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) (١) وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم!!

الإمامعليه‌السلام : تأذن لي في الجواب؟

هارون : هات.

الإمامعليه‌السلام : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٢) فمن أبو عيسىعليه‌السلام ؟!

هارون : ليس لعيسى أب!

الإمامعليه‌السلام : فالله (عزّ وجلّ) ألحقه بذراري الأنبياء عن طريق أمّه مريمعليها‌السلام وكذلك ألحقنا بذراري النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل أمّنا فاطمةعليها‌السلام

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ٣٨.

(٢) سورة الأنعام ، الآية ٨٤ و ٨٥.

٢٣

هل أزيدك؟

هارون : هات.

الإمامعليه‌السلام : قال الله تعالى :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (١) ولم يدّع أحد أنّه أدخله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت الكساء [و] عند مباهلة النصارى ، إلاّ عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسينعليه‌السلام ، واتّفق المسلمون : أنّ مصداق :( أَبْناءَنا ) في الآية الكريمة : الحسن والحسين عليهما السّلام ، و( نِساءَنا ) : فاطمة الزهراءعليها‌السلام ( وَأَنْفُسَنا ) : عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

هارون : أحسنت يا موسى! ارفع إلينا حوائجك.

الإمامعليه‌السلام : ائذن لي أن أرجع إلى حرم جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأكون عند عيالي.

هارون : ننظر إن شاء الله(٢) .

الاستدلال بكتب العامة ورواياتهم

هناك دلائل كثيرة جاءت في نفس الموضوع تدلّ على ما ذكرناه ،

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٦١.

(٢) لكن ما زال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام بعيدا عن حرم جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مفارقا لأهله وعياله ، ينقل من سجن الى سجن ، مكبّلا بالقيد والحديد وفي ظلم المطامير حتّى قضى بدسّ هارون السمّ إليه مسموما شهيدا صلوات الله وسلامه عليه. «المترجم».

٢٤

وقد سجّلها علماؤكم ونقلها حفّاظكم ورواتكم.

منهم : الإمام الرازي في الجزء الرابع من «تفسيره الكبير»(١) وفي الصفحة [١٢٤] من المسألة الخامسة قال في تفسير هذه الآية من سورة الأنعام : إنّ الآية تدلّ على أنّ الحسن والحسين [عليهما السّلام] ذرّيّة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لأنّ الله جعل في هذه الآية عيسى من ذرّيّة إبراهيم ولم يكن لعيسى أب ، وإنّما انتسابه إليه من جهة الامّ ، وكذلك الحسن والحسين [عليهما السّلام] فإنّهما من جهة الامّ ذرّيّة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

كما إنّ [الإمام] الباقر [عليه‌السلام ] استدل للحجّاج الثقفي بهذه الآية لإثبات أنّهم ذرّيّة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أيضا(٢) :

ومنهم : ابن أبي الحديد في : «شرح نهج البلاغة» ، وأبو بكر الرازي في تفسيره استدلّ على أنّ الحسن والحسين عليهما السّلام أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جهة أمّهم فاطمةعليها‌السلام بآية المباهلة وبكلمة :( أَبْناءَنا ) كما نسب الله تعالى في كتابه الكريم عيسى إلى إبراهيم من جهة أمّه مريمعليها‌السلام .

ومنهم : الخطيب الخوارزمي ، فقد روى في «المناقب» والمير السيّد علي الهمداني الشافعي في كتابه «مودّة القربى» والإمام أحمد بن حنبل

__________________

(١) التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي : المجلد السابع ج ١٣ ، ص ٦٦.

(٢) المروي في كتاب الاحتجاج : ج ٢ ص ١٧٥ المناظرة ٢٠٤ أن الإمام الباقرعليه‌السلام استدل بهذه الآية في حديثه مع أبي الجارود ، فراجع.

٢٥

وهو من فحول علمائكم في مسنده ، وسليمان الحنفي البلخي في «ينابيع المودّة»(١) بتفاوت يسير : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ـ وهو يشير إلى الحسن والحسين عليهما السّلام ـ : «ابناي هذان ريحانتاي من الدنيا ، ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا».

ومنهم : محمد بن يوسف الشافعي ، المعروف بالعلاّمة الكنجي ، ذكر في كتابه «كفاية الطالب» فصلا بعد الأبواب المائة بعنوان : «فصل : في بيان أنّ ذرّيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صلب عليّ [عليه‌السلام ]» جاء فيه بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله (عزّ وجلّ) جعل ذرّيّة كلّ نبي في صلبه ، وإنّ الله (عزّ وجلّ) جعل ذرّيّتي في صلب عليّ بن أبي طالب»(٢) .

ورواه ابن حجر المكي في صواعقه المحرقة : ص ٧٤ و ٩٤ عن الطبراني ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ؛ كما ورواه أيضا الخطيب الخوارزمي في «المناقب» عن ابن عبّاس.

قلت(٣) : ورواه الطبراني في معجمه الكبير في ترجمة الحسن ، ثمّ قال :

فإن قيل : لا اتّصال لذرّيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليّ [عليه‌السلام ] إلاّ من جهة فاطمة [عليها‌السلام ] وأولاد البنات لا تكون ذرّيّة ، لقول الشاعر :

__________________

(١) ينابيع المودة : الباب ٥٤ ص ١٩٣ وفيه : عن الترمذي عن ابن عمر قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ان الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا»

(٢) كفاية الطالب : ص ٣٧٩.

(٣) والقائل هو الكنجي الشافعي تعقيبا لما رواه.

٢٦

بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد

قلت : في التنزيل حجّة واضحة تشهد بصحّة هذه الدعوى وهو قوله (عزّ وجلّ)(١) :( وَوَهَبْنا لَهُ ) [أي : إبراهيم]( إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ ) ـ إلى أن قال : ـ( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ) فعدّ عيسى [عليه‌السلام ] من جملة الذرّيّة الّذين نسبهم إلى نوح [عليه‌السلام ] وهو ابن بنت لا اتّصال له إلاّ من جهة أمّه مريم.

وفي هذا دليل مؤكّد على أنّ أولاد فاطمة [عليها‌السلام ] هم ذرّيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا عقب له إلاّ من جهتها ، وانتسابهم إلى شرف النبوّة ـ وإن كان من جهة الامّ ـ ليس بممنوع ، كانتساب عيسى إلى نوح ، إذ لا فرق.

وروى الحافظ الكنجي الشافعي في آخر هذا الفصل ، بسنده عن عمر بن الخطّاب ، قال : سمعت رسول الله يقول : كلّ بني انثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة ، فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم(٢) .

قال العلاّمة الكنجي : رواه الطبري في ترجمة الحسن.

هذا ، وقد نقله أيضا بتفاوت يسير وزيادة في أوّله ، بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كلّ حسب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي(٣) .

أقول : ونقله كثير من علمائكم وحفّاظكم ، منهم الحافظ سليمان الحنفي في كتابه : «ينابيع المودّة»(٤) وقد أفرد بابا في الموضوع فرواه عن

__________________

(١) في سورة الأنعام : الآيتين ٨٤ و ٨٥.

(٢) كفاية الطالب : ص ٣٨١.

(٣) كفاية الطالب : ص ٣٨٠.

(٤) ينابيع المودة ، الباب ٥٧ ص ٣١٨.

٢٧

أبي صالح ، والحافظ عبد العزيز بن الأخضر ، وأبي نعيم في معرفة الصحابة ، والدارقطني والطبراني في الأوسط.

ومنهم : الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي في : «الإتحاف بحبّ الأشراف».

ومنهم : جلال الدين السيوطي في : «إحياء الميت بفضائل أهل البيت»(١) .

ومنهم : أبو بكر ابن شهاب الدين في : «رشفة الصادي في بحر فضائل بني النبيّ الهادي» ط. مصر ، الباب الثالث.

ومنهم : ابن حجر الهيثمي في «الصواعق المحرقة» الباب التاسع ، الفصل الثامن ، الحديث السابع والعشرون» قال : أخرج الطبراني عن جابر ، والخطيب عن ابن عبّاس ونقل الحديث.

وروى ابن حجر أيضا في «الصواعق الباب الحادي عشر ، الفصل الأول ، الآية التاسعة ...» : وأخرج أبو الخير الحاكمي ، وصاحب «كنوز المطالب في بني أبي طالب» إنّ عليّا دخل على النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وعنده العبّاس ، فسلّم فردّ عليه (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) السلام وقام فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه عن يمينه.

فقال له العبّاس : أتحبّه؟

قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : يا عمّ! والله الله أشدّ حبّا له منّي ، إنّ الله (عزّ وجلّ) جعل ذرّيّة كلّ نبيّ في صلبه ، وجعل ذرّيّتي في صلب هذا.

__________________

(١) من الحديث ٢٩ ص ٢٨ الى الحديث ٣٤ ص ٣٢.

٢٨

ورواه العلاّمة الكنجي الشافعي في كتابه : «كفاية الطالب الباب السابع»(١) بسنده عن ابن عبّاس.

وهناك مجموعة كبيرة من الأحاديث الشريفة المعتبرة ، المرويّة في كتبكم ، المقبولة عند علمائكم ، تقول : إنّ النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كان يعبّر عن الحسن والحسين عليهما السّلام ، بأنّهما ابناه ، ويعرّفهما لأصحابه ويقول : هذان ابناي

وجاء في تفسير : «الكشّاف» وهو من أهمّ تفاسيركم ، في تفسير آية المباهلة : لا دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء ، وهم : عليّ وفاطمة والحسنان ، لأنّها لمّا نزلت ، دعاهم النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فاحتضن الحسين وأخذ بيد الحسن ومشت فاطمة خلفه وعليّ خلفهما ، فعلم : إنّهم المراد من الآية ، وإنّ أولاد فاطمة وذرّيّتهم يسمّون أبناءه وينسبون إليه (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) نسبة صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة(٢) .

وكذلك الشيخ أبو بكر الرازي في «التفسير الكبير» في ذيل آية المباهلة ، وفي تفسير كلمة :( أَبْناءَنا ) له كلام طويل وتحقيق جليل ، أثبت فيه أنّ الحسن والحسين هم ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذرّيّته ، فراجع(٣) .

__________________

(١) كفاية الطالب : الباب السابع ، ص ٧٩.

(٢) الكشاف : ج ١ ص ٣٦٨.

(٣) حول آية المباهلة والحسنينعليهما‌السلام :لقد أجمع المفسّرون على أنّ( أَبْناءَنا ) في آية المباهلة إشارة إلى الحسن

٢٩

__________________

والحسين عليهما السّلام ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخرجهما معه يوم المباهلة مجيبا أمر الله (عزّ وجلّ) ، وقد أجمع عليه المحدّثون والمؤرّخون من المسلمين.

وإليك بعض المدارك والمصادر في هذا الباب :

١ ـ الحافظ مسلم بن الحجّاج ، في صحيحه ، ج ٧ ص ١٢٠ ، ط. محمد علي صبيح ـ مصر.

٢ ـ الإمام أحمد بن حنبل ، في مسنده ، ج ١ ص ١٨٥ ، ط. مصر.

٣ ـ العلاّمة الطبري ، في تفسيره ، ج ٣ ص ١٩٢ ، ط. الميمنية ـ مصر.

٤ ـ العلاّمة أبو بكر الجصّاص ـ المتوفّى سنة ٢٧٠ ه‍ ـ في كتاب «أحكام القرآن» ج ٢ ص ١٦ ، قال فيه : إنّ رواة السير ونقلة الاثر لم يختلفوا في أنّ النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أخذ بيد الحسن والحسين وعليّ وفاطمة رضي الله عنهم ودعا النصارى الّذين حاجّوه إلى المباهلة إلى آخره.

٥ ـ الحاكم ، في «المستدرك» ج ٣ ص ١٥٠ ، ط حيدرآباد الدكن.

٦ ـ العلاّمة الثعلبي ، في تفسيره في ذيل آية المباهلة.

٧ ـ الحافظ أبو نعيم ، في كتاب «دلائل النبوّة» ص ٢٩٧ ، ط. حيدرآباد.

٨ ـ العلاّمة الواحدي النيسابوري ، في كتاب : «أسباب النزول» ص ٧٤ ، ط. مصر.

٩ ـ العلاّمة ابن المغازلي في كتابه مناقب علي بن أبي طالب (ع).

١٠ ـ العلاّمة البغوي ، في كتابه «معالم التنزيل» ج ١ ص ٣٠٢.

وفي كتابه «مصابيح السنّة» ج ٢ ص ٢٠٤ ، ط المطبعة الخيرية.

١١ ـ العلاّمة الزمخشري ، في تفسير : «الكشّاف» ج ١ ص ١٩٣ ، ط. مصطفى محمد.

١٢ ـ العلاّمة أبو بكر ابن العربي ، في كتاب «أحكام القرآن» ج ١ ص ١١٥ ، ط.

مطبعة السعادة بمصر.

٣٠

__________________

١٣ ـ العلاّمة الفخر الرازي ، في «التفسير الكبير» ج ٨ ص ٨٥ ، ط. البهية بمصر.

١٤ ـ العلاّمة المبارك ابن الأثير ، في «جامع الاصول» ج ٩ ص ٤٧٠ ، ط. المطبعة المحمدية بمصر.

١٥ ـ الحافظ شمس الدين الذهبي ، في تلخيصه المطبوع في ذيل مستدرك الحاكم ، ج ٣ ص ١٥٠ ، ط. حيدرآباد.

١٦ ـ الشيخ محمد بن طلحة الشافعي ، في «مطالب السئول».

١٧ ـ العلاّمة الجزري ، في كتاب «أسد الغابة» ج ٤ ص ٢٥ ، ط. الاول بمصر.

١٨ ـ العلاّمة سبط ابن الجوزي ، في «التذكرة» ص ١٧ ، ط. النجف.

١٩ ـ العلاّمة القرطبي ، في كتاب «الجامع لاحكام القرآن» ج ٣ ص ١٠٤ ، ط.

مصر ، سنة ١٩٣٦.

٢٠ ـ العلاّمة البيضاوي ، في تفسيره ، ج ٢ ص ٢٢ ، ط. مصطفى محمد بمصر.

٢١ ـ العلاّمة محبّ الدين الطبري ، في «ذخائر العقبى» ص ٢٥ ، ط. مصر سنة ١٣٥٦.

وفي كتابه الآخر «الرياض النضرة» ص ١٨٨ ، ط. الخانجي بمصر.

٢٢ ـ العلاّمة النسفي ، في تفسيره ، ج ١ ، ص ١٣٦ ، ط. عيسى الحلبي بمصر.

٢٣ ـ العلاّمة المهايمي ، في : «تبصير الرحمن وتيسير المنان» ج ١ ص ١١٤ ، ط.

مطبعة بولاق بمصر.

٢٤ ـ الخطيب الشربيني ، في تفسيره «السراج المنير» ج ١ ص ١٨٢ ، ط. مصر.

٢٥ ـ العلاّمة النيسابوري ، في تفسيره ، ج ٣ ص ٢٠٦ ، بهامش تفسير الطبري ، ط.

الميمنية بمصر.

٢٦ ـ العلاّمة الخازن ، في تفسيره ، ج ١ ص ٣٠٢ ، ط. مصر.

٣١

__________________

٢٧ ـ العلاّمة أبو حيّان الأندلسي ، في كتابه «البحر المحيط» ج ٢ ص ٤٧٩ ، ط ، مطبعة السعادة بمصر.

٢٨ ـ الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ، في تفسيره ، ج ١ ص ٣٧٠ ، ط. مصطفى محمد بمصر.

وفي كتابه «البداية والنهاية» ج ٥ ص ٥٢ ، ط. مصر.

٢٩ ـ أحمد بن حجر العسقلاني ، في «الإصابة» ج ٢ ص ٥٠٣ ، ط. مصطفى محمد بمصر.

٣٠ ـ العلاّمة معين الدين الكاشفي ، في كتاب «معارج النبوّة» ج ١ ص ٣١٥ ، ط. لكنهو.

٣١ ـ ابن الصبّاغ المالكي ، في «الفصول المهمّة» ص ١٠٨ ، ط النجف.

٣٢ ـ جلال الدين السيوطي ، في «الدر المنثور» ج ٤ ص ٣٨ ، ط. مصر.

وفي كتابه «تاريخ الخلفاء» ص ١١٥ ، ط. لاهور.

٣٣ ـ ابن حجر الهيتمي ، في كتابه «الصواعق المحرقة» ص ١٩٩ ، ط. المحمدية بمصر.

٣٤ ـ أبو السعود أفندي ، شيخ الإسلام في الدولة العثمانية ، في تفسيره ، ج ٢ ص ١٤٣ ، ط. مصر ، المطبوع بهامش تفسير الرازي.

٣٥ ـ العلاّمة الحلبي ، في كتابه «السيرة المحمدية» ج ٣ ص ٣٥ ، ط. مصر.

٣٦ ـ العلاّمة الشاه عبد الحقّ الدهلوي ، في كتاب «مدارج النبوّة» ص ٥٠٠ ط. بومبي.

٣٧ ـ العلاّمة الشبراوي ، في كتاب «الإتحاف بحبّ الاشراف» ص ٥ ، ط. مصطفى الحلبي.

٣٨ ـ العلاّمة الشوكاني ، في كتاب «فتح القدير» ج ١ ص ٣١٦ ، طبع مصطفى الحلبي بمصر.

٣٩ ـ العلاّمة الآلوسي ، في تفسيره «روح المعاني» ج ٣ ص ١٦٧ ، ط. المنيرية بمصر.

٣٢

ثمّ قلت بعد ذلك : فهل يبقى ـ يا أيّها الحافظ! ـ بعد هذا كلّه ، محلّ للشعر الذي استشهدت به؟! بنونا بنو أبنائنا إلى آخره.

وهل يقوم هذا البيت من الشعر ، مقابل هذه النصوص الصريحة والبراهين الواضحة؟!

فلو اعتقد أحد بعد هذا كلّه ، بمفاد ذلك الشعر الجاهلي ـ الذي قيل في وصفه : إنه كفر من شعر الجاهلية ـ ، لردّه كتاب الله العزيز وحديث رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ اعلم ـ أيّها الحافظ ـ أنّ هذا بعض دلائلنا في صحّة انتسابنا

__________________

٤٠ ـ العلاّمة الطنطاوي ، في تفسيره «الجواهر» ج ٢ ص ١٢٠ ، ط. مصطفى الحلبي بمصر.

٤١ ـ السيّد أبو بكر الحضرمي ، في كتاب «رشفة الصادي» ص ٣٥ ، ط. الإعلامية بمصر.

٤٢ ـ الشيخ محمود الحجازي ، في تفسير «الواضح» ج ٣ ص ٥٨ ، ط مصر.

٤٣ ـ العلاّمة صدّيق حسن خان ، في كتاب : «حسن الاسوة» ص ٣٢ ، ط. الجوائب بالقسطنطنية.

٤٤ ـ العلاّمة أحمد زيني دحلان ، في «السيرة النبوية» المطبوعة بهامش «السيرة الحلبية» ج ٣ ص ٤ ، ط. مصر.

٤٥ ـ السيّد محمد رشيد رضا ، في تفسير «المنار» ج ٣ ص ٣٢١ ، ط. مصر.

٤٦ ـ العلاّمة محمد بن يوسف الكنجي ، في كتابه «كفاية الطالب» الباب الثاني والثلاثين.

٤٧ ـ الحافظ سليمان الحنفي ، في كتابه : «ينابيع المودّة» ج ١ باب الآيات الواردة في فضائل أهل البيت ، الآية التاسعة.

«المترجم»

٣٣

إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعض براهيننا على أنّنا ذرّيّته ونسله ، ولذا يحقّ لنا أن نفتخر بذلك ونقول :

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

الحافظ : إنّي اقرّ وأعترف بأنّ دلائلكم كانت قاطعة ، وبراهينكم ساطعة ، ولا ينكرها إلاّ الجاهل العنود ؛ كما وأشكركم كثيرا على هذه التوضيحات ، فلقد كشفتم لنا الحقيقة وأزحتم الشبهة عن أذهاننا.

صلاة العشاء

وهنا علا صوت المؤذّن في المسجد وهو يعلن وقت صلاة النساء ، والإخوة من العامّة ـ بخلافنا نحن الشيعة ـ يوجبون التفريق بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، وقد يجمعون أحيانا ، وذلك لسبب كالمطر والسفر.

لذا فقد تهيّئوا جميعا للذهاب إلى المسجد ، فقال بعضهم : وبما أنّا نريد الرجوع بعد الصلاة إلى هذا المكان لمتابعة الحديث ، فالأحسن أن تقام جماعة في المسجد وجماعة في هذا المكان بالحاضرين ، حتّى لا يفترق جمعنا ولا يفوت وقتنا ، فهذه فرصة ثمينة يجب أن نغتنمها.

فوافق الجميع على هذا الاقتراح ، وذهب السيّد عبد الحيّ ـ إمام المسجد ـ ليقيم الجماعة فيه بالناس.

وأمّا الآخرون فقد أقاموا صلاة العشاء جماعة في نفس المكان ، واستمرّوا على ذلك في بقية الليالي التالية أيضا.

٣٤

مسألة الجمع أو التفريق بين الصلاتين

ولمّا استقرّ بنا المجلس بعد الصلاة ، خاطبني أحد الحاضرين ، ويدعى النوّاب عبد القيّوم خان ، وكان يعدّ من أعيان العامة وأشرافهم ، وهو رجل مثقّف يحبّ العلم والمعرفة ، فقال لي : في هذه الفرصة المناسبة التي يتناول العلماء فيها الشاي أستأذنكم لأطرح سؤالا خارجا عن الموضوع الّذي كنّا فيه ، ولكنّه كثيرا ما يتردّد على فكري ويختلج في صدري.

قلت : تفضّل واسأل ، فإنّي مستعدّ للاستماع إليك.

النوّاب : كنت أحبّ كثيرا أن ألتقي بأحد علماء الشيعة حتّى أسأله : أنّه لما ذا تسير الشيعة على خلاف السنّة النبوية حين يجمعون بين صلاتي الظهر والعصر ، وكذلك المغرب والعشاء؟!

قلت :

أولا : السادة العلماء ـ وأشرت إلى الحاضرين في المجلس ـ يعلمون أنّ آراء العلماء تختلف في كثير من المسائل الفرعية ، كما أنّ أئمّتكم ـ الأئمّة الأربعة ـ يختلفون في آرائهم الفقهيّة فيما بينهم كثيرا ، فلم يكن إذن الاختلاف بيننا وبينكم في مثل هذه المسألة الفرعية شيئا مستغربا.

ثانيا : إنّ قولك : الشيعة على خلاف السنّة النبوية ، ادّعاء وقول لا دليل عليه ، وذلك لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجمع حينا ويفرّق اخرى.

النوّاب ـ وهو يتوجّه إلى علماء المجلس ويسألهم ـ : أهكذا كان يصنع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يفرّق حينا ويجمع اخرى؟

٣٥

الحافظ : يلتفت إلى النوّاب ويقول في جوابه ـ : كان النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يجمع بين الصلاتين في موردين فقط : مورد السفر ، ومورد العذر من مطر وما أشبه ذلك ، لكي لا يشقّ على أمّته.

وأمّا إذا كان في الحضر ، ولم يكن هناك عذر للجمع ، فكان يفرّق ، وأظنّ أنّ السيّد قد التبس عليه حكم السفر والحضر!!

قلت : كلاّ ، ما التبس عليّ ذلك ، بل أنا على يقين من الأمر ، وحتّى أنّه جاء في الروايات الصحيحة عندكم : بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر.

الحافظ : ربّما وجدتم ذلك في رواياتكم وتوهّمتم أنّها من رواياتنا!!

قلت : لا ، ليس كذلك ، فإنّ رواة الشيعة قد أجمعوا على جواز الجمع بين الصلاتين ، لأنّ الروايات في كتبنا صريحة في ذلك ، وإنّما الكلام والنقاش يدور فيما بين رواتكم حول الجمع وعدمه ، فقد نقلت صحاحكم وذكرت مسانيدكم ، أحاديث كثيرة وأخبارا صريحة في هذا الباب.

الحافظ : هل يمكنكم ذكر هذه الروايات والأحاديث وذكر مصادرها لنا؟

قلت : نعم ، هذا مسلم بن الحجّاج ، روى في صحيحه في باب «الجمع بين الصلاتين في الحضر» بسنده عن ابن عبّاس ، أنّه قال : صلّى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) الظهر والعصر جمعا ، والمغرب والعشاء جمعا ، في غير خوف ولا سفر.

٣٦

وروى أيضا ، بسنده عن ابن عبّاس ، أنّه قال : صلّيت مع النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ثمانيا جمعا ، وسبعا جمعا(١) .

وروى هذا الخبر بعينه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج ٢ ص ٢٢١ ، وأضاف إليه حديثا آخر عن ابن عبّاس أيضا ، أنّه قال : صلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في المدينة مقيما غير مسافر ، سبعا وثمانيا.

وروى مسلم في صحيحه أخبارا عديدة في هذا المجال ، إلى أن روى في الحديث رقم ٥٧ ، بسنده عن عبد الله بن شقيق ، قال : خطبنا ابن عبّاس يوما بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، فجعل الناس يقولون : الصلاة ـ الصلاة! فلم يعتن ابن عبّاس بهم ، فصاح في هذه الأثناء رجل من بني تميم ، لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة!

فقال ابن عبّاس : أتعلّمني بالسنّة؟ لا أمّ لك!

ثمّ قال : رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة ، فسألته ، فصدّق مقالته.

وروى مسلم في صحيحه الحديث رقم ٥٨ ذلك أيضا بطريق آخر عن عبد الله بن شقيق العقيلي ، قال : قال رجل لابن عبّاس ـ لمّا طالت خطبته ـ : الصلاة! فسكت ، ثمّ قال : الصلاة! فسكت. ثمّ قال :

__________________

(١) يقصد بالثمان : ركعات الظهر والعصر ، وبالسبع : ركعات المغرب والعشاء ، في الحضر. «المترجم».

٣٧

الصلاة! فسكت ، ثمّ قال : لا أمّ لك! أتعلّمنا بالصلاة ، وكنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)؟!

وروى الزرقاني وهو من كبار علمائكم ، في كتابه «شرح موطّأ مالك ج ١ ص ٢٦٣ ، باب الجمع بين الصلاتين» عن النسائي ، عن طريق عمرو بن هرم ، عن ابن الشعثاء ، أنّه قال : إنّ ابن عبّاس كان يجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وصلاتي المغرب والعشاء في البصرة ، وكان يقول : هكذا صلّى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

وروى مسلم في صحيحه ، ومالك في : «الموطّأ» وأحمد بن حنبل في «المسند» والترمذي في صحيحه في «باب الجمع بين الصلاتين» بإسنادهم عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : جمع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء بالمدينة ، من غير خوف ولا مطر ، فقيل لابن عبّاس : ما أراد بذلك؟

قال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمّته.

هذه بعض رواياتكم في هذا الموضوع ، وهي أكثر من ذلك بكثير ، ولكن ربّما يقال : إنّ أوضح دليل على جواز الجمع بين الصلاتين من غير عذر ولا سفر ، هو : أنّ علماءكم فتحوا بابا في صحاحهم ومسانيدهم بعنوان : «الجمع بين الصلاتين» وذكروا فيه الروايات التي ترخّص الجمع مطلقا ، فيكون دليلا على جواز الجمع مطلقا ، في السفر والحضر ، مع العذر وبلا عذر.

ولو كان غير ذلك ، لفتحوا بابا مخصوصا للجمع في الحضر ، وبابا مخصوصا للجمع في السفر ، وبما أنّهم لم يفعلوا ذلك ، وإنّما

٣٨

سردوا الروايات في باب واحد ، كان ذلك دليلا على جواز الجمع مطلقا!

الحافظ : ولكنّي لم أجد في صحيح البخاري روايات ولا بابا بهذا العنوان.

قلت :

أوّلا : إنّه إذا روى سائر أصحاب الصحاح ـ غير البخاري ـ من مثل مسلم والترمذي والنسائي وأحمد بن حنبل ، وشرّاح صحيحي مسلم والبخاري ، وغيرهم من كبار علمائكم ، أخبارا وأحاديث في مطلب ما وأقرّوا بصحّتها ، ألا تكون رواية أولئك كافية في إثبات ذلك المطلب ، فيثبت إذن هدفنا ومقصودنا؟!

وثانيا : إنّ البخاري أيضا ذكر هذه الروايات في صحيحه ، ولكن بعنوان آخر ، وذلك في باب «تأخير الظهر إلى العصر» من كتاب مواقيت الصلاة ، وفي باب «ذكر العشاء والعتمة» وباب «وقت المغرب».

أرجو أن تطالعوا هذه الأبواب بدقّة وإمعان حتّى تجدوا أنّ كلّ هذه الأخبار والروايات الدالّة على جواز الجمع بين الصلاتين منقولة هناك أيضا.

الجمع بين الصلاتين عند علماء الفريقين

والحاصل : إنّ نقل هذه الاحاديث من قبل جمهور علماء الفريقين ـ مع الإقرار بصحّتها في صحاحهم ـ دليل على أنّهم أجازوا الجمع ورخّصوه ، وإلاّ لما نقلوا هذه الروايات في صحاحهم.

٣٩

كما أنّ العلاّمة النووي في «شرح صحيح مسلم» والعسقلاني والقسطلاني وزكريّا الأنصاري ، في شروحهم لصحيح البخاري ، وكذلك الزرقاني في «شرح موطّأ مالك» وغير هؤلاء من كبار علمائكم ذكروا هذه الأخبار والروايات ، ثمّ وثّقوها وصحّحوها ، وصرّحوا بأنّها تدلّ على الجواز والرخصة في الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر ولا مطر ، وخاصة بعد رواية ابن عبّاس وتقرير صحّتها ، فإنّهم علّقوا عليها بأنّها صريحة في جواز الجمع مطلقا ، وذلك حتّى لا يكون أحد من الأمّة في حرج ومشقّة.

النوّاب ـ وهو يقول متعجبا ـ : كيف يمكن مع وجود هذه الأخبار والروايات المستفيضة والصريحة في جواز الجمع بين الصلاتين ، ثمّ يكون علماؤنا على خلافها حكما وعملا؟!

قلت ـ بديهي ، ومع كامل العذر على الصراحة ـ : إنّ عدم التزام علمائكم بالنصوص الصريحة والروايات الصحيحة لا تنحصر ـ مع كلّ الأسف ـ بهذا الموضوع فقط ، بل هناك حقائق كثيرة نصّ عليها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصرّح بها في حياته ، ولكنّهم لم يلتزموا بها ، وإنّما تأوّلوها وأخفوا نصّها عن عامة الناس ، وسوف تنكشف لكم بعض هذه الحقائق خلال البحث والنقاش في موضوع الإمامة وغيره إن شاء الله تعالى.

وأمّا هذا الموضوع بالذات ، فإنّ فقهاءكم لم يلتزموا ـ أيضا ـ بالروايات التي وردت فيه مع صراحتها ، وإنّما أوّلوها بتأويلات غير مقبولة عرفا.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أحاديث المنهاج ) و ( التلخيص الحبير ) و ( التقرير والتحبير ) و ( المرقاة ) و ( نسيم الرياض ) و ( الصبح الصادق ) و ( فواتح الرحموت ) كما ستعرف ذلك كله ان شاء الله تعالى.

هذا، وقد نقل ابن حزم في رسالته المذكورة كلام البزار المتقدم سابقاً وأيده كما سيأتي عن (البحر المحيط ) وغيره، كما قدح فيه في كتابه ( الاحكام في أصول الاحكام ) أيضاً.

٧ - البيهقي

لقد ضعف البيهقي حديث النجوم في ( المدخل )، فقد قال الحافظ العراقي ما نصه: « ورواه البيهقي في المدخل من حديث عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه، ومن وجه آخر مرسلا وقال: متنه مشهور وأسانيده ضعيفة، لم يثبت في هذا اسناد »(١) .

وسيأتي عن ( تخريج احاديث الكشاف ) أيضاً.

ومن هنا يظهر خيانة ( الدهلوي )، اذ نقل الحديث برواية ابن عباس عن ( المدخل ) وسكت عن تضعيف البيهقي اياه

على أن البيهقي قد طعن فيه في كتابه ( الاعتقاد ) أيضاً، حيث حكم في سنده الذي فيه عبد الرحيم بن زيد بأنه غير قوي، وفي سنده عن الضحاك بأنه حديث منقطع، كما سيأتي عن ابني حجر وأمير الحاج

٨ - ابن عبد البر

قال الحافظ أبو عمرو وابن عبد البر بعد كلام البزار والمزني المتقدمين: - « قال أبو عمرو: قد روى أبو شهاب الحناط عن حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما أصحابي مثل

__________________

(١). تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط.

١٢١

النجوم، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم. وهذا اسناد لا يصح ولا يرويه عن نافع من يحتج به، وليس كلام البزار بصحيح على كل حال، لان الاقتداء بأصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منفردين انما هو لمن جهل ما يسأل عنه، ومن كانت هذه حاله فالتقليد لازم له، ولم يأمر أصحابه أن يقتدي بعضهم ببعض اذا تأولوا تأويلا سائغاً جائزاً ممكناً في الاصول، وانما كل واحد منهم نجم جائز أن يقتدي به العامي الجاهل، بمعنى ما يحتاج اليه من دينه، وكذلك سائر العلماء من العامة، والله أعلم.

و قد روي في هذا الحديث اسناد غير ما ذكر البزار عن سلام بن سليم قال حدثنا الحارث بن غصين عن الاعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهديتم. قال أبو عمرو: هذا اسناد لا تقوم به حجة، لان الحارث بن غضين مجهول»(١) .

وقد ذكرنا فوائد هذا الكلام - مع الاعتراض على بعضه - في القسم الثاني من مجلد حديث (مدينة العلم ).

٩ - ابن عساكر

لقد صرح الحافظ ابن عساكر بضعف هذا الحديث، كما ستعرف ذلك من ( فيض القدير ) ان شاء الله.

ترجمة ابن عساكر

وقد ترجم لابن عساكر وأثنى عليه جماعة كبيرة من أصحاب المعاجم الرجالية وكتب التاريخ منهم:

ياقوت الحموي في ( معجم الادباء ١٣ / ٧٣ - ٨٧ ).

ابن خلكان في ( وفيات الاعيان ٢ / ٤٧١ ).

__________________

(١). جامع بيان العلم ٢ / ٩٠ - ٩١.

١٢٢

الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٨ ) و ( دول الاسلام ٢ / ٨٥ ).

اليافعي في ( مرآة الجنان ٣ / ٣٩٣ ).

السبكي في ( طبقات الشافعية ٤ / ٢٧٣ ).

ابو الفداء الايوبي في ( المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٩ ).

ابن الوردي في ( تتمة المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٢٤ ).

جلال الدين السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٤٧٤ ).

الاسنوي في ( طبقات الشافعية ٢ / ٢١٦ ).

الخوارزمي في ( جامع مسانيد أبي حنيفة ).

وقد ذكرنا ترجمته بالتفصيل في مجلد ( حديث الطير ).

١٠ - ابن الجوزي

لقد أورده الحافظ ابن الجوزي في ( العلل المتناهية ) قائلا: « روى نعيم بن حماد قال نا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر ابن الخطاب قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحى الي يا محمد ان أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء، بعضها أضوء من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو على هدى.

قال المؤلف: وهذا لا يصح، نعيم مجروح، وقال يحيى بن معين: عبد الرحيم كذاب »(١) .

١١ - ابن دحية

وقد قدحه الحافظ ابن دحية قال الحافظ العراقي: « وقال ابن دحية - وقد ذكر حديث أصحابي كالنجوم - حديث لا يصح »(٢) .

__________________

(١). العلل المتناهية في الاحاديث الواهية ١ / ٢٨٣.

(٢). تعليق تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط.

١٢٣

ترجمة ابن دحية

وترجم لابن دحية:

ابن خلكان في ( وفيات الاعيان ٣ / ١٢١ ).

والسيوطي في ( بغية الوعاة ٢ / ٢١٨ ) و ( حسن المحاضرة ١ / ٣٥٥ ).

والمقري في ( نفح الطيب ٢ / ٣٠١ ).

والزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ١ / ٧٩ - ٨٠ ).

وقد ذكرنا ترجمته في مجلد ( حديث الولاية ).

١٢ - أبو حيان

لقد قال الحافظ أبو حيان الاندلسي القول الفصل في حديث النجوم، وهذا نص كلامه:

« قال الزمخشري فان قلت: كيف كان القرآن تبياناً لكل شيء؟

قلت: المعنى انه بين كل شيء من أمور الدين حيث كان نصاً على بعضها، واحالة على السنة حيث امر باتباع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطاعته، وقيل « وما ينطق عن الهوى » وحثاً على الاجماع في قوله( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وقد رضي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامته اتباع أصحابه والاقتداء بآثاره في قوله: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، وقد اجتهدوا وقاسوا ووطئوا طرق القياس والاجتهاد، فكانت السنة والاجماع والقياس مستنده الى تبيين الكتاب، فمن ثم كان تبياناً لكل شيء.

وقوله: وقد رضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « الى قوله » اهتديتم، لم يقل ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو حديث موضوع لا يصح بوجه عن رسول الله، قال الحافظ أبو محمد على بن أحمد بن حزم في رسالته في ابطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد ما نصه: وهذا خبر مكذوب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما في أيدي العامة ترويه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: انما مثل أصحابى كمثل النجوم - أو كالنجوم - بأيها اقتدوا

١٢٤

اهتدوا. وهذا كلام لم يصح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رواه عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وانما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم، لان أهل العلم سكتوا عن الرواية لحديثه، والكلام أيضاً منكر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يثبت، والنبي لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه. هذا نص كلام البزار.

قال ابن معين: عبد الرحيم بن زيد كذاب ليس بشيء، وقال البخاري: هو متروك.

ورواه ايضاً حمزة الجزري. وحمزة هذا ساقط متروك »(١) .

ترجمة أبى حيان

وقد ترجم صلاح الدين الصفدي أبا حيان بما هذا ملخصه: « الشيخ الامام الحافظ العلامة فريد العصر وشيخ الزمان وامام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي، لم أر في أشياخي أكثر اشتغالا منه، لاني لم أره الا يسمع أو يشتغل أو يكتب، ولم أره على غير ذلك، وهو ثبت فيما ينقله، محرر لما يقوله، عارف باللغة، ضابط لالفاظها، وأما النحو والتصريف فهو امام الدنيا فيهما، لم يذكر معه في أقطار الارض غيره في العربية، وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم، وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت وانتثرت وقرئت ودرست ونسخت وما نسخت، أخملت كتب الاقدمين وألهت المقيمين بمصره والقادمين، وقرأ الناس عليه وصاروا أئمة وأشياخاً في حياته »(٢) .

وذكره الذهبي في ( المعجم المختص ) والكتبي في ( فوات الوفيات ٤ / ٧١ ).

__________________

(١). البحر المحيط ٥ / ٥٢٧ - ٥٢٨، النهر الماد من البحر المحيط.

(٢). الوافي بالوفيات ٥ / ٢٦٧.

١٢٥

والسبكي وقال: « شيخنا وأستاذنا أبو حيان شيخ النحاة، العلم الفرد والبحر الذي لا يعرف الجزر بل المد وكان الشيخ أبو حيان اماماً منتفعاً به اتفق أهل العصر على تقديمه وامامته ونشأت أولادهم على حفظ مختصراته وآباؤهم على النظر في مبسوطاته، وضربت الامثال باسمه مع صدق اللهجة وكثرة الاتقان والتحري، وسدد طرفاً صالحاً من الفقه »(١) .

وقال الاسنوي بترجمته: « امام زمانه في علم النحو، وصاحب التصانيف المشهورة فيه وفي التفسير شرقاً وغرباً والتلاميذ المنتشرة، كان أيضاً اماماً في اللغة، عارفاً بالقراءات السبع والحديث، شاعراً مجيداً، وكان صادق اللهجة كثير الاتقان والتحري، ملازماً على الاشتغال الى آخر وقت، كثير الاستحضار واشتغل بالفروع اشتغالا قليلا »(٢) .

وترجم له ابن الجزري فقال: « الامام الحافظ الاستاذ شيخ العربية والادب والقراءات مع العدالة والثقة. قال الذهبي: ومع براعته الكاملة في العربية له يد طولى في الفقه والآثار والقراءات واللغات، وله مصنفات وهو فخر أهل مصر في وقتنا في العلم، تخرج به جماعة »(٣) .

ذكره ابن حجر ونقل عن الكمال في ترجمته: « شيخ الدهر وعالمه، ومحيي الفن الاول بعد ما درست معالمه، وبحر اللسان العربي فلا يقار به أحد فيه ولا يقاومه، وذكر أنه لازمه من سنة ثماني عشرة الى أن مات، وذكر جملة كثيرة من شيوخه، وذكر تصانيفه وذكر أنه كان صدوقا حجة سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم، وجرى على مذهب أهل الادب في الميل الى محاسن الشباب ومال الى مذهب أهل الظاهر، والى محبة علي بن أبي طالب والتجافي عمن قاتله، وكان يتأول قوله « لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق » وكان كثير الخشوع، يبكي عند قراءة القرآن وعند

__________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٤٧٥.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ٤٥٧.

(٣). طبقات القراء ٢ / ٢٨٥.

١٢٦

الابيات الغزلية، وقال: وامتدحه الاعيان »(١) .

وبنحو ذلك ترجم له وذكره السيوطي في ( بغية الوعاة ١٢١ ) والاسدي في ( طبقات الشافعية - ٣ / ٢٢٠ ) والشوكاني في ( البدر الطالع ٢ / ٢٨٨ ) وغيرهم.

١٣ - الذهبي

لقد قدح الذهبي حديث النجوم في مواضع عديدة، منها بترجمة « جعفر ابن عبد الواحد الهاشمي » حيث قال بعد كلمات العلماء الاعيان في جرحه: « ومن بلاياه عن وهب بن جرير عن أبيه عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى »(٢) .

ومنها بترجمة « زيد العمي » حيث قال بعد ايراده: « فهذا باطل »(٣) .

ومنها بترجمة « عبد الرحيم بن زيد »(٤) .

١٤ - ابن مكتوم

وقدحه تاج الدين ابن مكتوم القيسي، حيث نقل كلمات شيخه أبي حيان المتقدمة سابقاً عن تفسيريه، في كتابه ( الدر اللقيط من البحر المحيط - المطبوع بهامش البحر المحيط ) بعين ألفاظها.

ترجمة ابن مكتوم

وقد أثنى على ابن مكتوم وترجم له الصفدي، والجزري في ( طبقات

__________________

(١). الدرر الكامنة ٥ / ٧٠.

(٢). ميزان الاعتدال ١ / ٤١٣.

(٣). ميزان الاعتدال ٢ / ١٠٢.

(٤). ميزان الاعتدال ٢ / ٦٠٥.

١٢٧

القراء ١ / ٧٠ ) وجلال الدين السيوطي في ( طبقات النحاة ) و ( حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة ١ / ٤٧ ).

وذكره ابن حجر العسقلاني فقال: « كان قد تقدم في الفقه والنحو واللغة ودرس وناب في الحكم، وجمع من تفسير أبي حيان مجلداً سماه ( الدر اللقيط من البحر المحيط ) قصره على مباحث مع ابن عطية والزمخشري »(١) .

وقد ذكرنا ترجمته في القسم الثاني من مجلد ( حديث الغدير ).

١٥ - ابن القيم

وطعن ابن قيم الجوزية في حديث النجوم، حيث قال في الرد على المقلدين: « الوجه الخامس والاربعون قولهم: يكفي في صحة التقليد الحديث المشهور: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

جوابه من وجوه: أحدها ان هذا الحديث قد روي من طريق الاعمش عن أبي سفيان عن جابر، ومن حديث سعيد بن المسيب عن ابن عمر، ومن طريق حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر.

ولا يثبت شيء منها.

قال ابن عبد البر: حدثنا محمد بن ابراهيم بن سعيد أن أبا عبد الله ابن مفرح حدثهم ثنا محمد بن أيوب الصموت قال قال لنا البزار: وأما ما يروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، فهذا الكلام لا يصح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

١٦ - الزين العراقي

و قال الحافظ زين الدين العراقي ما نصه: « حديث أصحابي

__________________

(١). الدرر الكامنة ١ / ١٧٤.

(٢). اعلام الموقعين ٢ / ٢٢٣.

١٢٨

« كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » رواه الدار قطني في الفضائل وابن عبد البر في العلم من طريقه من حديث جابر وقال: هذا اسناد لا تقوم به حجة، لان الحارث بن غصين مجهول، ورواه عبد بن حميد في مسنده من رواية عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن ابن المسيب عن ابن عمر، قال البزار: منكر لا يصح.

و رواه ابن عدي في الكامل من رواية حمزة بن أبي حمزة النصيبي عن نافع عن ابن عمر بلفظ فأيهم أخذتم بقوله - بدل اقتديتم - واسناده ضعيف من أجل حمزة فقد اتهم بالكذب.

و رواه البيهقي في المدخل من حديث عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه ومن وجه آخر مرسلا وقال: متنه مشهور وأسانيده ضعيفة لم يثبت في هذا اسناد. وقال ابن حزم: مكذوب موضوع باطل، قال البيهقي: ويؤدي بعض معناه حديث أبي موسى: النجوم أمنة لاهل السماء، وفيه أصحابي أمنة لامتي، الحديث، رواه مسلم »(١) .

وقال الزين العراقي: « قال ابن دحية - وقد ذكر حديث أصحابي كالنجوم -: حديث لا يصح، و رواه القضاعي قال: أنبأنا أبو الفتح منصور ابن علي الانماطي، أنبأ أبو محمد الحسن بن رشيق، أنبأ محمد بن جعفر بن محمد، حدثنا جعفر - يعني ابن عبد الواحد - أنبأ وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: مثل أصحابي مثل النجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى.

قال الدارقطني: جعفر ابن عبد الواحد كان يضع الحديث، وقال أبو أحمد بن عدي: كان يتهم بوضع الحديث، لا يصح »(٢) . هذا وسيأتي عن ( نسيم الرياض ) اعتراض العراقي على القاضي

__________________

(١). تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط.

(٢). تعليق تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط.

١٢٩

عياض ايراده حديث النجوم بصيغة الجزم.

ترجمة الزين العراقي

وقد ترجم للزين العراقي وأثنى عليه جماعة متهم:

١ - الجزري في ( طبقات القراء ١ / ٣٨٢ ).

٢ - السخاوي في ( الضوء اللامع ٤ / ١٧١ - ١٧٨ ).

٣ - الشوكاني في ( البدر الطالع ١ / ٣٥٤ - ٣٥٦ ).

١٧ - ابن حجر العسقلاني

قال ابن حجر العسقلاني ما نصه: « حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. عبد بن حميد في مسنده من طريق حمزة النصيبي عن نافع عن ابن عمر. وحمزة ضعيف جداً.

ورواه الدارقطني في غرائب مالك من طريق جميل بن يزيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر. وجميل لا يعرف ولا أصل له من حديث مالك ولا من فوقه.

وذكره البزار من رواية عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد ابن المسيب عن عمر، وعبد الرحيم كذاب، ومن حديث أنس أيضاً، واسناده واه.

ورواه القضاعي في مسند الشهاب له عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وفي اسناده جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وهو كذاب.

ورواه أبوذر الهروي في كتاب السنة من حديث مندل عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم منقطعاً. وهو في غاية الضعف.

قال أبوبكر البزار: هذا الكلام لم يصح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال ابن حزم: هذا خبر مكذوب باطل.

وقال البيهقي في الاعتقاد عقب حديث أبي موسى الاشعري الذي

١٣٠

أخرجه مسلم بلفظ: النجوم أمنة لاهل السماء، فاذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، أصحابي أمنة لامتي فاذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون. قال البيهقي: روى في حديث موصول باسناد غير قوي - يعني حديث عبد الرحيم العمى - وفي حديث منقطع - يعني حديث الضحاك بن مزاحم -: مثل أصحابي كمثل النجوم في أهل السماء من أخذ بنجم منها اهتدى، قال: والذي رويناه هاهنا من الحديث الصحيح يؤدي بعض معناه.

قلت: صدق البيهقي، هو يؤدي صحة التشبيه للصحابة بالنجوم خاصة، أما في الاقتداء فلا يظهر من حديث أبي موسى، نعم يمكن أن يتلمح ذلك من معنى الاهتداء »(١) .

و قال ابن حجر: « حديث أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم. الدارقطني في المؤتلف من رواية سلام بن سليم عن الحارث بن غصين عن الاعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعاً، وسلام ضعيف.

و أخرجه في غرائب مالك من طريق جميل بن يزيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في أثناء حديث - وفيه: فبأي قول أصحابي أخذتم اهتديتم، انما مثل أصحابي مثل النجوم من أخذ بنجم منها اهتدى، وقال: لا يثبت عن مالك، ورواته دون مالك مجهولون.

و رواه عبد بن حميد والدارقطني في الفضائل من حديث حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر، وحمزة اتهموه بالوضع.

و رواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث أبي هريرة وفيه: جعفر ابن عبد الواحد الهاشمي، وقد كذبوه.

و رواه ابن طاهر من رواية بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس وبشر كان متهماً أيضاً.

و أخرجه البيهقي في المدخل من رواية جويبر عن الضحاك عن

__________________

(١). تلخيص الحبير ٤ / ١٩٠ - ١٩١.

١٣١

ابن عباس وجويبر متروك، ومن رواية جويبر عن جواب بن عبيد الله مرفوعاً ، وهو مرسل قال البيهقي: هذا المتن مشهور وأسانيد كلها ضعيفة.

و روى في المدخل أيضاً عن عمر: سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحى الي يا محمد أصحابك عندي بمنزلة النجوم من السماء، بعضها أضوء من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى. وفي اسناده عبد الرحيم بن زيد العمي وهو متروك»(١) .

أقول : وفي عبارتي ابن حجر هاتين وجوه ينبغي التدقيق والتدبر فيها، وكلها تهبط بحديث النجوم الى أقصى درجات الفساد، ويظهر منهما أيضاً قبح تمسك ( الدهلوي ) برواية البيهقي، اذ أنه بلغ من الهوان حداً لم يتمكن البيهقي من السكوت عنه حتى اعترف بضعفه.

تنبيهات

وبعد، فان هاهنا تنبيهات:

الاول: لقد اكتفى ابن حجر في ( سلام بن سليم ) بقوله « سلام ضعيف » وقد علم سابقاً - في الطعن في حديث أعلمية معاذ - كونه مجروحاً ومطعوناً فيه بمطاعن جسيمة.

الثاني: انه أعرض عن تضعيف ( الحارث بن غصين ) وقد علم من كلام الحافظين ابن عبد البر والعراقي كونه مجروحاً.

الثالث: انه لم يقل في ( حمزة ) الا « اتهموه بالوضع » وهذه بعض كلماتهم في جرحه:

ترجمة حمزة الجزري

قال البخاري: « منكر الحديث »(٢) وقال النسائي « متروك الحديث »(٣)

__________________

(١). الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف - هامش الكشاف ٢ / ٦٢٨.

(٢). الضعفاء للبخاري ٣٦.

(٣). الضعفاء للنسائى ٣٢.

١٣٢

وقال ابن الجوزي: « قال يحيى: ليس بشيء، وقال ابن عدي، يضع الحديث » وقال أيضاً: « قال أحمد: هو مطروح الحديث، وقال يحيى: ليس بشيء لا يساوي فلساً، وقال ابن عدي: يضع الحديث، وقال ابن حبان: لا يحل الرواية عنه »(١) .

وتقدم عن أبي حيان قوله: « وحمزة هذا ساقط متروك ».

وترجمه الذهبي وقال: « قال ابن معين: لا يساوي فلساً، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن عدي: عامة مروياته موضوعة »(٢) .

وذكره ابن حجر نفسه وقال بعد نقل الكلمات المذكورة: « قلت: وقال أبوحاتم أيضاً وأبوزرعة: ضعيف الحديث، وزاد أبوحاتم: أضعف من حمزة بن نجيح، وقال الآجري عن أبي داود: ليس بشيء، وقال الحاكم: يروي أحاديث موضوعة، وقال ابن عدي أيضا: يضع الحديث، وأورد له البخاري وابن حبان في موضوعاته »(٣) .

الرابع: انه قال في ( جعفر بن عبد الواحد ): « وقد كذبوه » وإليك بعض أقوالهم فيه:

ترجمة جعفر بن عبد الواحد

قال ابن الجوزي بعد حديث: « هذا حديث موضوع قال ابن حبان: لا أصل لهذا الحديث، قال: وجعفر كان يسرق الحديث ويقلب الاخبار حتى لا يشك انه يعملها، وقال أبو أحمد ابن عدي: كان جعفر يتهم بوضع

__________________

(١). الموضوعات ٣ / ٣٤.

(٢). ميزان الاعتدال ١ / ٦٠٦.

(٣). تهذيب التهذيب ٣ / ٢٩.

١٣٣

الحديث »(١) .

وقال بعد حديث: قال الدارقطني كذاب يضع الحديث »(٢) .

وذكره الذهبي في ( المغني في الضعفاء ) وقال « متروك » وفي ( الميزان ) وقال: « قال الدارقطني: يضع الحديث، وقال أبوزرعة: روى أحاديث لا أصل لها، وقال ابن عدي: يسرق الحديث ويأتي بالمناكير عن الثقات، ثم ساق له ابن عدي أحاديث وقال: كلها بواطيل وبعضها سرقة من قوم، وكان عليه يمين أن لا يحدث ولا يقول حدثنا وكان يقول قال لنا فلان »(٣) .

الخامس: انه قال في ( بشر بن الحسين ): « وبشر كان متهماً أيضاً » ولنورد بعض كلمات علمائهم فيه:

ترجمة بشر بن الحسين

قال الذهبي: « قال الدارقطني: متروك وقال أبوحاتم: يكذب على الزبير »(٤) وفي ( الميزان ): « قال البخاري: فيه نظر، وقال الدارقطني: متروك وقال ابن عدي: عامة حديثه ليس بمحفوظ، وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير قال ابن حبان: يروي بشر بن الحسين عن الزبير نسخة موضوعة شبيهاً بمائة وخمسين حديثاً »(٥) .

وقال العراقي: « هو ضعيف جداً » وقال الهيثمي: « هو كذاب ».

وقال ابن حجر العسقلاني ما ملخصه: « قال ابن حبان لا ينظر في شيء رواه عن الزبير الا على جهة التعجب، وقال أبونعيم: جاء الى أبي داود الطيالسي فقال: حدثني الزبير بن عدي، فكذبه أبو داود وقال ما نعرف

__________________

(١). الموضوعات ٢ / ٩٦.

(٢). الموضوعات ٣ / ١٧٢.

(٣). ميزان الاعتدال ١ / ٤١٣.

(٤). المغني في الضعفاء ١ / ١٠٥.

(٥). ميزان الاعتدال ١ / ٣١٥.

١٣٤

للزبير بن عدي عن أنسرضي‌الله‌عنه الا حديثاً واحداً، وقال أبوأحمد الحاكم: ليس حديثه بالقائم، وقال ابن الجارود: ضعيف »(١) .

السادس: انه اختصر القدح في ( جويبر ) فقال « جويبر متروك » ولكن سيأتي ذكر بعض كلماتهم في جرحه.

السابع: انه سكت عن الطعن في ( الضحاك ) وستعرف أنه موهون لدى كبار العلماء

ترجمة جواب بن عبيد الله

الثامن: انه لم يذكر شيئاً حول ( جواب بن عبيد الله ) وقد ضعفه ابن نمير وقد رآه الثوري فلم يحمل عنه، وقال أبو خالد الأحمر: كان يقص ويذهب مذهب الارجاء، وقال ابن عدي: ليس لجواب من المسند الا القليل راجع: ( الميزان ١ / ٤٢٦ ) و ( تهذيب التهذيب ٢ / ١٢١ ) وغيرهما.

التاسع: انه لم يسم راوي الحديث عن ( جويبر ) وستعرف من كلام السخاوي انه ( سليمان بن أبي كريمة ) وستعرف ما فيه.

العاشر: انه لم يقل في ( عبد الرحيم بن زيد العمى ) الا انه « متروك »، وقد قال يحيى بن معين: ليس بشيء هو وأبوه، وقال مرة: عبد الرحيم كذاب خبيث، وقال الجوزجاني: غير ثقة، وقال أبوزرعة: واه ضعيف الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: تركوه الى غير ذلك من كلمات الطعن والذم تجدها في كتب الرجال وغيرها، وقد تقدم بعضها

١٨ - ابن الهمام

لقد طعن ابن الهمام في حديث النجوم حيث قال في مبحث الإجماع

__________________

(١). لسان الميزان ٢ / ١١٧.

١٣٥

في الجواب عن حديث الاقتداء وحديث عليكم بسنتي « وأجيب: يفيدان أهلية الاقتداء لا منع الاجتهاد، وعليه ان ذلك مع إيجابه، الا أن يدفع بأنه آحاد، وبمعارضته بأصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، وخذوا شطر دينكم عن الحميراء، الا أن الاول لم يعرف »(١) .

١٩ - ابن أمير الحاج

لقد أوضح ابن أمير الحاج في شرح التحرير وهن هذا الحديث قائلا: « [ وبمعارضته ] أي: وأجيب أيضاً بمعارضة كل منهما [ بأصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. وخذوا شطر دينكم عن الحميراء ] أي عائشة وان خالف قول الشيخين أو الأربعة [ الا ان الاول ] أي أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم [ لم يعرف ] بناءاً على قول ابن حزم في رسالته الكبرى مكذوب موضوع باطل، والا فله طرق من رواية عمر وابنه وجابر وابن عباس وأنس، بألفاظ مختلفة أقربها الى اللفظ المذكور ما أخرج ابن عدي في الكامل وابن عبد البر في كتاب بيان العلم عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أصحابي مثل النجوم يهتدى بها فبأيهم أخذتم بقوله اهتديتم. وما أخرج الدارقطني وابن عبد البر عن جابر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل أصحابي في أمتي مثل النجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم.

نعم لم يصح منها شيء، ومن ثمة قال أحمد: حديث لا يصح، والبزار: لا يصح هذا الكلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الا أن البيهقي قال في كتاب الاعتقاد: رويناه في حديث موصول بإسناد غير قوي. وفي حديث آخر منقطع، والحديث الصحيح يؤدي بعض معناه وهو حديث أبي موسى المرفوع »(٢) .

__________________

(١). التحرير بشرح ابن أمير الحاج ٣ / ٩٩.

(٢). التقرير والتحبير ٣ / ٩٩.

١٣٦

ترجمة ابن أمير الحاج

ترجم له الحافظ السخاوي وأثنى عليه بما ملخصه: « ولد في ثامن عشر ربيع الاول سنة خمس وعشرين وثمانمائة بحلب ونشأ بها، وعرض على ابن خطيب الناصرية والبرهان الحافظ والشهاب ابن الرسام وغيرهم من أهل بلده وتفقه بالعلاء الملطي، وأخذ النحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق عن الزين عبد الرزاق أحد تلامذة العلاء البخاري، وكذا لازم ابن الهمام، وبرع في فنون، وأذن له ابن الهمام وغيره، وتصدى للإقراء، فانتفع به جماعة وأفتى وقد سمعت أبحاثه وفوائده وسمع مني بعض القول البديع وتناوله مني، وكان فاضلا مفنناً ديناً قوي النفس محباً في الرياسة والفخر »(١) .

٢٠ - ابوذر الحلبي

لقد قدح أبوذر الحلبي شارح الشفاء في حديث النجوم حيث قال معترضاً على القاضي عياض: « وكان ينبغي للقاضي أن لا يذكره بصيغة جزم لما عرف عند أهل الصناعة، وقد سبق له مثله مراراً ».

ترجمة موفق الدين أبى ذر احمد الحلبي

وترجم له الحافظ السخاوي في ( الضوء اللامع ) ترجمة مطولة نلخصها فيما يلي: « لزم الاعتناء بالحديث والفقه، وأفرد مبهمات البخاري، وكذا اعرابه بل جمع عليه تعليقاً لطيفاً لخصه من الكرماني والبرماوي وشيخنا، وآخر أخصر منه، وله التوضيح للأوهام الواقعة في الصحيح، ومبهمات مسلم أيضاً، وقرة العين في فضل الشيخين والصهرين والسبطين، وشرح الشفاء والمصابيح ولكنه لم يكمل، والذيل على تاريخ ابن خطيب الناصرية، وغير ذلك، وأدمن قراءة الصحيحين والشفاء، خصوصاً بعد وفاة والده،

__________________

(١). الضوء اللامع ٢ / ٢١٠.

١٣٧

وصار متقدماً في لغاتها ومبهماتها وضبط رجالها، لا يشذ عنه من ذلك الا النادر.

ولما كان شيخنا بحلب لازمه واغتبط شيخنا به وأحبه لذكائه وخفة روحه ووصفه بالإمام موفق الدين، ومرة « بالفاضل البارع المحدث الأصيل الباهر الذي ضاهى كنيه في صدق اللهجة، الماهر الذي ناجى سميه ففداه بالمهجة، الأخير الذي فاق الاول في البصارة والنضارة والبهجة، أمتع الله المسلمين ببقائه. وأذن له في تدريس الحديث وافادته في حياة والده.

كان خيراً شهماً مبجلا في ناحيته، منعزلا عن بني الدنيا، قانعاً باليسير محباً للانجماع، كثير التواضع والاستيناس بالغرباء والإكرام لهم، شديد التخيل، طارحاً للتكلف. ذا فضيلة تامة وذكاء مفرط. وقد تصدى للحديث والاقراء وانتفع به جماعة من أهل بلده والقادمين عليها، بل وكتب مع القدماء في الاستدعاءات من حياة أبيه وهلم جراً.

وترجمه ابن فهد وغيره من أصحابنا، وكذا وصفه ابن أبي غديبة في أبيه بالإمام العلامة، وسمى بعض تصانيفه ».

٢١ - السخاوي

قال الحافظ السخاوي: « حديث اختلاف أمتي رحمة. البيهقي في المدخل من حديث سليمان بن أبي كريمة عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لاحد في تركه، فان لم تكن في كتاب الله فسنة مني ماضية، فان لم تكن سنة مني فما قال أصحابي، ان أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أمتي رحمة، ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني والديلمي في مسنده: بلفظ سواء.

وجويبر ضعيف، والضحاك عن ابن عباس منقطع »(١) .

__________________

(١). المقاصد الحسنة ٢٦ - ٢٧.

١٣٨

أقول: ولنورد بعض كلماتهم في رجال هذا الحديث:

اما سليمان بن ابى كريمة

فقد قال ابن أبي حاتم في ( العلل ) بعد حديث: قال أبي هذا حديث باطل، وابن أبي كريمة ضعيف الحديث.

وقال ابن الجوزي بعد أحاديث أوردها: « هذه الأحاديث موضوعات على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أما الاول ففيه سليمان ابن أبي كريمة وأحمد ابن ابراهيم، قال ابن عدي: يرويان المناكير »(١) .

وقال الذهبي: « لين صاحب مناكير »(٢) وفي ( الميزان ): « ضعفه أبو حاتم، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً »(٣) وكذا قال ابن حجر(٤) وكذا ضعفه السيوطي والمتقى ومحمد بن طاهر في ( قانون الموضوعات ٢٦١ ).

و أما جويبر بن سعيد

البخلي، فقد ذكره البخاري بقوله: « جويبر بن سعيد البلخي عن الضحاك قال علي بن [ عن ] يحيى: كنت أعرف جويبراً بحديثين، ثمّ أخرج هذه الاحاديث [ بعد ] فضعف »(٥) .

وكذا النسائي وقال: « متروك الحديث »(٦) .

وفي ( الموضوعات ) - بعد حديث تحذير من بلغ الأربعين -: « أجمعوا

__________________

(١). الموضوعات ١ / ٢٧٧.

(٢). المغني في الضعفاء ١ / ٢٨٢.

(٣). ميزان الاعتدال ٢ / ٢٢١.

(٤). لسان الميزان ٣ / ١٠٢.

(٥). الضعفاء للبخاري ٢٧.

(٦). الضعفاء للنسائى ٢٨.

١٣٩

على تركه، قال أحمد: لا يشتغل بحديثه ». وفيه بعد حديث الاكتحال يوم عاشوراء: قال الحاكم أنا أبرء الى الله من عهدة جويبر. قال: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله فيه أثر، وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين. قال أحمد: لا يشتغل بحديث جويبر، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي والدارقطني: متروك ».

وقال ابن حجر: « قال عمرو بن علي: ما كان يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عنه، وكذا قال أبو موسى، وقال أبوطالب عن أحمد: ما كان عن الضحاك فهو أيسر، وما كان يسند عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو منكم، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان وكيع اذا أتى على حديث جويبر قال: سفيان عن رجل - لا يسميه استضعافاً له - وقال الدوري وغيره عن ابن معين: ليس بشيء، وزاد الدوري: ضعيف ما أقربه من جابر الجعفي وعبيدة الضبي وقال عبد الله بن علي بن المديني: سألته - يعني أباه - عن جويبر فضعفه جداً قال: وسمعت أبي يقول: جويبر أكثر عن الضحاك روى عنه أشياء مناكير وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم، وقال الدارقطني عن أبي داود: جويبر على ضعفه، وقال النسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني متروك، وقال النسائي في موضع آخر: ليس بثقة، وقال ابن عدي: والضعف على حديثه وروايته بيّن.

قلت: وقال أبوقدامة السرخسي قال يحيى القطان: تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث، ثم ذكر الضحاك وجويبراً ومحمد بن السائب وقال: هؤلاء لا يحمل حديثهم ويكتب التفسير عنهم، وقال أحمد بن سيار المروزي: جويبر بن سعيد كان من أهل بلخ وهو صاحب الضحاك وله رواية ومعرفة بأيام الناس، وحاله حسن في التفسير وهو لين في الرواية.

وقال ابن حبان: يروي عن الضحاك أشياء مقلوبة، وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث، وقال الحاكم أبوعبدالله: أنا أبرأ الى الله من عهدته، وذكره البخاري في التاريخ الأوسط في فصل من مات بين الاربعين

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205