ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242611 / تحميل: 4179
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بالتعصّب ضدّ الشيعة ، قال : الإمامة عند الأشاعرة هي : خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملّة بحيث يجب اتّباعه على كافة الامّة.

ثمّ إذا كانت الإمامة من فروع الدين لما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤكّد على أهميّتها بقوله المروي في كتبكم المعتبرة ، مثل : «الجمع بين الصحيحين» للحميدي و «شرح العقائد النسفية» لسعد التفتازاني.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مات ولم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية».

من الواضح أنّ عدم المعرفة بفرع من فروع الدين لا يوجب التزلزل في أصل الدين حتّى يخرج صاحبه من الدنيا بالجاهلية قبل الإسلام ولذا صرّح البيضاوي : بأنّ مخالفة الإمامة توجب الكفر والبدعة.

فالإمامة في معتقدنا ، مرتبة عظيمة هامّة ، نازلة منزلة النبوّة ، والإمام قائم مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبهذا يظهر الفرق بين أئمّتنا الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام وبين الأئمّة عندكم ، فأنتم تطلقون كلمة الإمام على علمائكم ، كالإمام الأعظم ، والإمام مالك ، والإمام الشافعي ، والإمام أحمد ، والإمام الفخر الرازي ، والإمام الغزالي ، وغيرهم ، وهو عندكم كإمام الجمعة والجماعة ، والإمام بهذا المعنى يخرج عن الحدّ والحصر.

ولكن الإمام بالمعنى الذي نقوله نحن فهو في كلّ زمان واحد لا أكثر ، وهو أفضل أهل زمانه في جميع الصفات الحميدة ، فهو الأعلم والأتقى والأشجع والأورع والمعصوم بفضل الله ولطفه من الخطأ والسهو ، فيكون حجّة الله في الأرض ، ولا تخلو الأرض من حجّة لله

٢٤١

عزّ وجلّ ، يعيّن بالنصّ ، كما وردت نصوص من النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إمامة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام ، وأمر أمّته بطاعتهم والأخذ منهم.

والأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام بعد جدّهم خاتم النبيّين وسيّد الخلق أجمعين يكونون أعلى رتبة وأرفع درجة من جميع الخلق حتّى الأنبياء العظام عليهم تحيات وصلوات الملك العلاّم.

الحافظ : الله أكبر! قبل هذا كنت تذمّ الغلاة وتطردهم من مذهب الشيعة ، والآن ثبت أنّكم أيضا مغالون في حقّ أئمّتكم إذ تجعلونهم أعلى وأرفع من الأنبياء العظام ، والقرآن يصرّح بأنّ مقام النبوّة أعلى المراتب التي يمنحها الله سبحانه لأحد من عباده المكرّمين ، فكلامكم مخالف للقرآن الحكيم والعقل السليم!

قلت : مهلا لا تتسرّع في ردّنا ، ولا تعجل في تخطئة كلامنا ، ولا تقل بأنّ كلامنا يخالف القرآن الحكيم ، بل لنا دليل على صحّة كلامنا واعتقادنا من القرآن الكريم ، واعلم بأنّنا أبناء الدليل ، حيثما مال نميل.

الحافظ : بيّنوا دليلكم حتّى نعرفه! فإنّ كلامكم غريب جدّا!

قلت : إنّ الله سبحانه بعد أن يذكر امتحان أبي الأنبياء إبراهيم الخليلعليه‌السلام وابتلاءه في نفسه وأمواله وولده ، وبعد نجاحه وفوزه في كلّ تلك الامتحانات ، أراد الله تعالى أن يمنحه مقاما أعلى من النبوّة والرسالة والخلّة والعزم ، لأنّه كان آنذاك نبيّا رسولا من اولي العزم وصاحب الخلّة ، فرفعه إلى مقام الإمامة وجعله إماما للناس ، فقال سبحانه :( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ

٢٤٢

لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) . فظهر أنّ الإمامة أعلى مرتبة من النبوّة والرسالة والعزم والخلّة.

الحافظ : فعلى هذا ، إنّ الإمام عليّ (كرّم الله وجهه) يكون مقامه عندكم أعلى من مقام سيّدنا محمّد (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، وأيّ غلوّ أعظم من هذا؟!

قلت : ليس كذلك! وإنّما بين النبوّة العامّة والنبوّة الخاصة فرق كبير ، والإمامة أعلى رتبة من النبوّة العامة ودون النبوّة الخاصة ، والأخيرة هي درجة خاتم الأنبياء وسيّد الخلق أجمعين ، محمّد المصطفى ، حبيبنا وحبيب إله العالمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

النوّاب : أرجو المعذرة من التدخّل في البحث ، فإنّي حريص على اكتساب المعلومات وفهم هذه المسائل ، ولذا حينما تخطر مسألة في بالى أطرحها فورا لأنّي أخاف أن أنساها ، فسؤالي عن الآية الكريمة التي تقول :( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) (٢) ـ أي : الرسل ـ فالأنبياء كلّهم في رتبة واحدة ومقام الجميع عند الله تعالى على حدّ سواء ، فكيف قسّمتم النبوّة إلى قسمين عامّة وخاصّة؟! أرجو التوضيح.

قلت : هذه الآية صحيحة في محلّها ، أي : لا نفرّق بين أحد من الرسل بأنّهم مبعوثون من عند الله عزّ وجلّ إلى الناس ، وكلّهم يدعون إلى الله سبحانه وحده لا شريك له ، وإلى المعاد والقيامة ، ويدعون إلى المعروف والحسنات ، وينهون عن المنكرات والسيّئات.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٢٤.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٣٦ وسورة آل عمران ، الآية ٨٤.

٢٤٣

مراتب الأنبياء

ولكن هل إنّ النبيّ المبعوث إلى ألف نفر يساوي مقامه مقام النبيّ الذي أرسل الى مائة ألف؟! وهل هذا يساوي مقامه مقام النبي الذي بعثه الله وأرسله إلى الناس كافّة؟!

وكذلك هل إنّ معلّم الدورة الابتدائية يساوي مقامه العلمي مقام استاذ الكلّيّة أو الجامعة؟! لا

والحال إنّه يصحّ أن نقول لاستاذ الجامعة معلّم أيضا ، وكلاهما يعملان في وزارة واحدة وهي : وزارة التربية والتعليم ومسئوليتهما أن يأخذا بيد الطلاب ويصعدا بهم سلّم العلم والثقافة ، ولكن أين هذا من ذاك!

وكذلك الأنبياء والرسل متساوون من جهة أنّهم مبعوثون ومرسلون من عند الله عزّ وجلّ إلى خلقه ، لا نفرّق بين أحد منهم

ولكن من حيث العلم والفضل غير متساوين ، فقد قال تعالى :( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ ) (١) .

قال الزمخشري في الكشّاف في تفسيرها : إنّ المراد من :( وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ ) هو نبيّنا محمّد الّذي فضّله الله على جميع الأنبياء بخصائص كثيرة ، أهمّها أنّه خاتم النبيّين.

النوّاب : أشكركم على هذا التوضيح التامّ ، ورفع الشبهة والوهم ، وقد بقي عندي سؤال آخر ، أستأذنكم وأستأذن الحاضرين

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٥٣.

٢٤٤

لأطرحه ، وهو : أرجوكم أن توضّحوا معنى : النبوّة الخاصة وميزتها ولو باختصار ، والرجاء أن يكون بيانكم على حدّ فهمنا ومستوانا.

قلت : إنّ ميزات النبوّة الخاصة كثيرة والمجلس لم ينعقد لبيان هذا الموضوع ، فإذا ادخل هذا البحث ضمن بحوثنا انشغلنا عن مبحث الإمامة الذي هو محور النقاش والحوار. ولكن من باب : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» ابيّن لكم باختصار :

النبوّة الخاصّة

الإنسان الكامل هو صاحب النفس المتكاملة بالتزكية ، لقوله تعالى :( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ) (١) وتزكية النفس إنّما تحصل عن طريق التعقّل ، والعقل يدعو إلى العلم والعمل ، فهما الجناحان اللذان يحلّق بهما الإنسان ويسمو بهما إلى قمّة الكمال الممكن.

كما روي عن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال : «خلق الإنسان ذا نفس ناطقة ، إن زكّاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد وصار موجودا بما هو إنسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان».

فكما أنّ الطائر يرتفع في الفضاء ويحلّق في الجوّ على قدر قوّة جناحيه بالنسبة إلى جثّته ، كذلك الإنسان يرتفع في سماء المعنوية والكمالات الروحية بمقدار علمه وعمله الصالح المبتني على أساس العقل السليم.

فكلّ إنسان إذا بلغ مرتبة الكمال فقد بلغ مرتبة النبوّة ، وإذا

__________________

(١) سورة الشمس ، الآية ٩.

٢٤٥

اختاره الله سبحانه وبعثه إلى الناس ، صار نبيّا رسولا.

وللنبوّة والكمال مراتب ، كما هو ثابت في أبحاث النبوّة في الكتب الكلامية ، وأعلى تلك المراتب هي المرتبة التي حين وصل إليها حبيب الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ختمت به النبوّة ، وليس فوق الخاتمية مرتبة ممكنة للإنسان ، وأعلى منها مرتبة الربّ جلّ جلاله وعمّ نواله.

فمقام خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوق جميع المراتب المتصوّرة والمقرّرة لممكن الوجود ، ودون مرتبة واجب الوجود.

ومرتبة الإمام فوق مراتب النبوّة ودون مرتبة الخاتمية بدرجة ، ولمّا كان الإمام عليعليه‌السلام واصلا إلى مرتبة النبوّة واتّحدت نفسه مع نفس خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى صار كنفس واحدة ، منحه الله تعالى مرتبة الإمامة وجعله أفضل من الأنبياء الماضين.

وصلنا إلى هنا فارتفع صوت المؤذّن يدعو إلى صلاة العشاء ، وبعد إقامة الصلاة ، عاد الجميع إلى المجلس وتناولوا الشاي والحلوى.

فقال الحافظ : إنّك تصعّب الموضوع أكثر فأكثر ، وقبل أن تجيب على الإشكال الأوّل ، نجد في كلامك إشكالا آخر!

قلت : الموضوع واضح وسهل ، فلا أدري ما هو الصعب في نظركم؟! وما هو الإشكال في كلامي؟! اطرحوه حتّى أجيب عنه!!

الحافظ : في كلامكم الأخير أجد بعض الكلمات التي لا تخلو من إشكال :

١ ـ قولكم : إنّ عليّا كرّم الله وجهه وصل مرتبة النبوّة.

٢ ـ قولكم : إنّ عليّا اتّحدت نفسه مع نفس النبيّ حتّى صارا كنفس واحدة.

٢٤٦

٣ ـ قولكم : إنّ عليّا أفضل من جميع الأنبياء غير خاتم النبيّين (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

فهذه الجمل غريبة جدّا ، ولا أدري ما هو دليلكم عليها؟!

قلت : ربّما يكون كلامي غريبا ومشكلا وصعبا بالنسبة لكم! لأنّكم لا تريدون أن تتعمّقوا في الحقائق ولا تريدون أن تدرسوا القضايا هذه دراسة تحقيق وتفهّم.

وأمّا بالنسبة للعلماء المحقّقين والمنصفين ، فإنّ كلامي ليس بغريب ولا مشكل ، بل هو واضح ومقبول.

وإليك الجواب عن الإشكالات التي طرحتها :

إثبات مرتبة النبوّة لعليّعليه‌السلام

إنّ الدليل على أنّ الإمام عليّعليه‌السلام وصل مرتبة النبوّة وكان أهلا لهذا المقام العظيم ، هو حديث المنزلة المرويّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتبكم المعتبرة أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«يا عليّ! أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

وتارة كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخاطب الناس فيقول : «عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى» إلى آخره.

الحافظ : لا نعلم صحّة هذا الحديث ، وعلى فرض صحّته فهو خبر واحد لا يعتدّ به ولا يعتمد عليه.

قلت : يظهر أنّك قليل الاطّلاع حتّى على كتبكم والأخبار والأحاديث المرويّة فيها ، أو أنّك تتجاهل الحقائق وتتناسى الأحاديث

٢٤٧

المرويّة عن طرقكم حتّى وصل بعضها حدّ التواتر ، مثل هذا الحديث ، وأتعجّب من قولك : إنّه خبر واحد فكلامك هذا إمّا عن سهو أو عناد!

إسناد حديث المنزلة

ولكي تعرف ويعرف الحاضرون صحّة حديث المنزلة عندنا وعندكم ، فإنّي أذكر بعض أسانيده الحاضرة في ذهني وحافظتي بمقدار ما يسمح لي المقام ، حتّى يعترف الكلّ أنّ هذا الحديث الشريف لم ينقل عن طريق واحد ، بل من طرق متعدّدة ، رواه كبار علمائكم ومحدّثيكم ، وهو من الأحاديث المتواترة :

١ ـ البخاري في الصحيح / ٣ من كتاب المغازي في باب غزوة تبوك ، ومن كتاب بدء الخلق في باب مناقب عليعليه‌السلام .

٢ ـ مسلم بن الحجّاج في صحيحه ٢ / ٢٣٦ / ٢٣٧ / ط. مصر ١٢٩٠ ، وفي كتاب فضل الصحابة / باب فضائل عليعليه‌السلام .

٣ ـ الإمام أحمد بن حنبل في المسند ١ / ٩٨ و ١١٨ و ١١٩ في وجه تسمية الحسنين عليهما السّلام.

فبعد ذكر هذه الأسانيد والمدارك المعتبرة من أعلام علمائكم ، وهي قليل من كثير ، هل أذعنت بصحّة حديث المنزلة؟ وهل تعترف بأنّك كنت مشتبها في قولك : إنّه خبر واحد لا يعتدّ به!

الحافظ : لم يثبت التواتر بثلاثة مصادر ، بل يحتاج إلى ذكر مصادر أكثر حتّى نقول وصل حدّ التواتر.

٢٤٨

قلت :

أوّلا : كلّ مصدر من هذه المصادر التي ذكرتها يعادل عندكم بألف.

ثانيا صرّح بعض المحقّقين من علمائكم بتواتر حديث المنزلة ، مثل : العلاّمة جلال الدين السيوطي في كتبه : «الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة» و «إزالة الخفاء» و «قرّة العينين» ففي هذه الكتب عدّ حديث المنزلة من الأحاديث المتواترة.

وإذا لم يزل في قلبك شكّ وتريد أن تطمئنّ فراجع كتاب : «كفاية الطالب» تأليف محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ، وهو من أعلام علمائكم ، في الباب السبعين منه ، فإنّه بعد ما يروي الحديث عن عدّة طرق ، يقول : هذا حديث متّفق على صحّته ، رواه الأئمّة الأعلام إلى آخره.

فأكتفي بهذا المقدار ، وأظنّ أنّ الإبهام ارتفع والحافظ اقتنع.

الحافظ : أنا لست بلجوج ولا معاند ، ولكن أدعوك إلى مطالعة كلام العالم الفقيه أبي الحسن الآمدي ، الذي هو من المتكلّمين المتبحّرين ، فإنّه يردّ حديث المنزلة ويضعّفه.

قلت : أتعجّب منك! إذ إنّك عالم وتدّعي التحقيق والإنصاف ، ثمّ تعدل عن كبار علمائكم الموثّقين بما فيهم أئمّة أهل الحديث المجمع على صحّة ما رووا كالبخاري ومسلم ، ثمّ تأخذ بقول الآمدي سيّئ العقيدة والتارك الصلاة!!

الشيخ عبد السّلام : الإنسان حرّ في بيان عقيدته ، فلا يجوز لأحد أن يتّهم أحدا أظهر عقيدته في شيء يخالف المشهور ، ثمّ يقبح من

٢٤٩

مثلكم أن تتهجّموا بسوء الكلام على فقيه ، بل يجب أن تردّوه بالمنطق والدليل ، وخاصة جنابك ، حيث تجسّد أخلاق أهل البيت رضي الله عنهم.

قلت :

أوّلا : إن كنتم تلتزمون بحرّيّة العقيدة ، فلما ذا ترمون الشيعة بالكفر والشرك وتجوّزون قتلهم ونهب أموالهم؟!

لذا فهم يخفون عقائدهم الحقة إذا عاشوا في بلادكم وبين أظهركم خشية القتل!

أم إنّكم تقصدون حرّيّة الآمدي فحسب ، وذلك في نصبه العداء ومخالفته لأهل البيتعليهم‌السلام ؟!!

ثانيا أنا لم أتهجّم على الآمدي بسوء الكلام ، بل نقلت قول علمائكم الأعلام فيه.

الشيخ عبد السّلام : أين ذكر علماؤنا الآمديّ بسوء العقيدة وترك الصلاة؟!

شرح أحوال الآمدي

ذكر ابن حجر في كتاب «لسان الميزان» : السيف الآمدي ، المتكلّم عليّ بن أبي عليّ ، صاحب التصانيف ، وقد نفي من دمشق لسوء اعتقاده ، وصحّ أنّه كان يترك الصلاة!!

وذكر الذهبي ـ وهو من أعلامكم ـ في كتاب «ميزان الاعتدال» نفس الترجمة للآمدي وزاد : «أنه كان من المبتدعة».

وإذا نظرتم في حال الآمدي بنظر التحقيق لعرفتم أنّه لو لم يكن

٢٥٠

عديم الإيمان ومبتدعا لما خالف جميع الصحابة حتّى عمر بن الخطّاب ـ الذي هو أحد رواة حديث المنزلة ـ ولما خالف كلّ المحدّثين الثقات وأعلام الرواة.

وأتعجّب من أنّكم تطعنون في الشيعة ، لأنّهم لا يقبلون بعض الأحاديث المرويّة في الصحيحين عندكم ، وهي عندنا غير صحيحة السند!

ولكنّ الآمدي حينما يردّ حديثا أجمع عليه علماء الفريقين ، وصحّحه ورواه جميع أصحاب الصحاح الستّة! كيف تقبلون كلامه وتأخذون برأيه؟! وهو واحد خارج عن الإجماع ، وعلى الأصل الذي عندكم!

ولو لم يكن للآمدي أيّ عيب ونقص سوى إنّه ردّ حديثا جاء في الصحيحين ، وبردّه كذّب الفاروق وكذّب البخاري ومسلم وسائر أصحاب الصحاح ، لكفى في طعنه وفسقه عندكم.

الحافظ : قلتم إنّ أحد رواة حديث المنزلة ، الخليفة عمر بن الخطّاب (رض) فهل يمكن أن تبيّنوا سندكم على هذا النقل؟

قلت : روى جماعة من علمائكم ومحدّثيكم حديث المنزلة عن عمر بن الخطّاب ، منهم :

١ ـ نصر بن محمّد السمرقندي الحنفي ، في كتاب «المجالس».

٢ ـ محمد بن عبد الرحمن الذهبي ، في «الرياض النضرة».

٣ ـ المولى علي المتّقي الهندي ، في «كنز العمّال».

٤ ـ العلاّمة ابن الصبّاغ المالكي ، في «الفصول المهمّة».

٥ ـ محبّ الدين الطبري ، في «ذخائر العقبى».

٦ ـ الشيخ سليمان الحنفي ، في «ينابيع المودّة».

٢٥١

٧ ـ موفّق ابن أحمد الخوارزمي ، في «المناقب».

هؤلاء كلّهم رووا عن ابن عبّاس حبر الأمّة ـ واللفظ للأخير ـ بسنده المتّصل ـ بحذف سلسلة السند للاختصار ـ قال :

حدّثني أمير المؤمنين الرشيد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عبد الله بن عبّاس ، قال : سمعت عمر بن الخطّاب وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الإسلام

فقال عمر : أمّا عليّ فسمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول فيه ثلاث خصال وددت لو أنّ لي واحدة منهنّ ، كان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس.

كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من الصحابة إذ ضرب النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بيده على منكب عليّ فقال : يا عليّ! أنت أوّل المؤمنين إيمانا ، وأوّل المسلمين إسلاما ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى.

أخرجه ابن عساكر في تاريخه عن عمر مع تغيير يسير في اللّفظ.

وأخرجه المتّقي الهندي الحنفي في كنز العمّال : ٦ / ٣٩٥ وفيه زيادة لم تكن في غيره ، وهذا نصّه :

مسند عمر ، عن ابن عبّاس [قال :] قال عمر بن الخطّاب : كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالب! فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول في عليّ ثلاث خصال ، لئن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس :

كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح ونفر من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) والنبيّ متّكئ على عليّ بن

٢٥٢

أبي طالب ، حتّى ضرب بيده على منكبه ثمّ قال : أنت يا عليّ أوّل المؤمنين إيمانا ، وأوّلهم إسلاما ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، وكذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك.

وأخرجه الإسكافي في كتابه «نقض الرسالة العثمانية» للجاحظ : ص ٢١ / ط مصر وفيه زيادات نافعة ، فليراجع.

وبعد هذا هل يجوز في مذهبكم الردّ على الخليفة عمر وهو الفاروق عندكم؟! وإذا لا يجوز ذلك فكيف تأخذون بقول الآمدي المعلوم الحال؟!

حكم الخبر الواحد عند العامة

وبقيت جملة اخرى من كلامكم ، لا بدّ لي من جوابها ، زعمتم : أنّ حديث المنزلة خبر واحد ، ثمّ قلتم : إنّ الخبر الواحد لا اعتبار به ولا اعتماد عليه.

أقول : إذا يصدر هذا الكلام من أحد الشيعة فإنّه يقبل منه ، لأنّه على الأصل والمبنى المقبول عندنا.

ولكن صدور هذا الكلام من مثلكم يثير التعجّب والتساؤل ، لأنّ في مذهبكم خبر الواحد مقبول وحجّيّته ثابتة ، حتّى أنّ بعض علمائكم حكم بتكفير وفسق المنكر له ، فقد قال ملك العلماء شهاب الدين في كتابه «هداية السعداء» في فصل المضمرات من كتب الشهادات :

ومن أنكر الخبر الواحد والقياس ، وقال : إنّه ليس بحجّة ، فإنّه يصير كافرا! ولو قال : هذا الخبر الواحد غير صحيح ، وهذا القياس غير ثابت ؛ لا يصير كافرا ولكن يصير فاسقا!

٢٥٣

الحافظ : لقد سررت جدّا من حسن بيانكم وسعة اطّلاعكم عن كتبنا ، وقد وجدتكم على خلاف ما كنت أسمع من قبل بأنّ علماء الشيعة لا يلمسون كتبنا ويعتقدون بنجاستها ، فكيف بمطالعتها؟!

قلت : هذه أقاويل وأباطيل أعداء الإسلام ، فإنّهم يريدون أن يفرّقوا بين المسلمين ، وفي المثل : «يصطادون بماء عكر» وهو من باب : «فرّق تسد».

يريدون فرض سيادتهم وهيمنتهم علينا ، ولكنا يجب أن نكون واعين في هذه الامور ويجب أن نعرف خطط أعدائنا المستعمرين فنبيّنها لعامّة الناس حتّى لا يقعوا في شباكهم ، ويتبصّروا في تشخيص مصالحهم ومضارّهم ، فيخيّبوا آمال الأعداء بمخالفتهم.

يجب أن نوجّه أتباعنا المسلمين إلى مفاهيم القرآن الحكيم حيث يقول :( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (١) .

على أثر غفلتنا عن القرآن ، وابتعادنا عن تعاليمه الحقّة ، يتمكّن عدوّ المسلمين أن يتصرّف في أفكارنا ، فنصدّق أكاذيبه ونعتقد بأباطيله! منها ما كنت تسمعه ، كما قلت : بأنّ علماء الشيعة لا يلمسون كتبكم إلى آخره.

نحن نأخذ كتب المرتدّين والكفار والمشركين بكلتي يدينا ونطالعها حتّى نعرف ما يقولون ، فنأخذ صحيحها ونطرح سقيمها ، ونردّ شبهاتها الموجّهة إلينا ، فكيف بكتبكم وأنتم إخواننا في الدين؟!

فاعلموا أنّنا على خلاف ما قيل لكم ، بل نحترم كتبكم

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ٦.

٢٥٤

ونطالعها بدقّة وإمعان ، ونستفيد من آراء علمائكم وأقوال محقّقيكم ، ونستفيد من الأحاديث والروايات الصحيحة المرويّة في مسانيدكم وصحاحكم ، وإنّ كثيرا من الكتب التي تدرّس في حوزاتنا العلمية تكون من تأليف وتصنيف علمائكم.

منتهى الأمر بعض رواتكم المقبولين عندكم ، غير موثّقين ولا معتبرين عندنا ، مثل : أنس وأبي هريرة وسمرة وغيرهم ، وهذا لا يخصّنا الآن ، فإنّ بعض علمائكم أيضا لا يقبلونهم ، منهم : أبو حنيفة ، فإنّه لا يقبل هؤلاء الثلاثة ونظراءهم!

وكتبكم عندنا معتبرة ونستفيد منها ، وأنا ـ شخصيا ـ أكثر مطالعاتي حول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرته المباركة وتاريخ الأئمّة من آله صلوات الله عليهم تكون من كتبكم ، وأستند إليها في خطبي ومحاضراتي ، وأنقل منها أكثر ممّا أنقل من كتبنا.

وإنّ مكتبتي الخاصة تحتوي على أكثر من مائتي مجلّد مطبوع ومخطوط من كتبكم المشهورة في التفسير والتاريخ والفقه والحديث والكلام والرجال و...

ولكنّنا نطالع كتبكم مطالعة تحقيق وتمحيص فكما أنّ النّقّاد والصّرافين يميزون بين الدراهم والدنانير ، الصحيحة من المغشوشة ، فكذلك نحن حينما نطالع أيّ كتاب لا نحسب محتوياته ومضامينه من المسلّمات ، بل نتفكّر فيها ونميّز بين الأحاديث والروايات والمواضيع ، فنأخذ الصحيحة ونترك السقيمة ، ولا تؤثّر فينا شبهات وتشكيكات الفخر الرازي ، ولا مغالطات ابن حجر ، أو إشكالات روزبهان ، أو تكذيبات الآمدي وأمثالهم.

٢٥٥

واعلم أنّ مطالعتي لكتبكم ، والنظر في الأحاديث المرويّة والمقبولة عندكم ، كانت السبب في معرفتي لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أكثر ، ويقيني بعلوّ مقامهم وعظم شأنهم.

الحافظ : لقد ابتعدنا عن موضوع البحث ، فالرجاء بيّنوا وجه الاستدلال بحديث المنزلة ، على أنّ عليّا كرّم الله وجهه كان في رتبة النبوّة؟!

قلت : يثبت بهذا الحديث الشريف ثلاث خصائص للإمام عليّعليه‌السلام :

١ ـ مقام النبوّة بأنه لو كان نبيّ بعده لكان عليّا ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيين.

٢ ـ مقام وزارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلافته.

٣ ـ أفضليّة الإمام عليعليه‌السلام على جميع الصحابة.

ودليل ذلك أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل الإمام عليّاعليه‌السلام منه بمنزلة هارون من موسى ، وكان هارون نبيّا ، وكان وزير موسى وخليفته في قومه ، وكان أفضل بني إسرائيل بعد أخيه موسى.

النوّاب : هل كان هارون نبيّا؟!

قلت : نعم.

النواب : عجبا! إنّي ما سمعت بهذا من قبل! فهل ذكر الله نبوّته في القرآن الحكيم؟!

قلت : نعم ، في سورة النساء ، الآية ١٦٣ ، قوله تعالى :( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً ) .

٢٥٦

وفي سورة مريم ، الآية ٥٣ قوله تعالى :( وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا ) .

الحافظ : إذا على هذا فمحمد وعليّ كلاهما نبيّان مبعوثان من عند الله إلى الخلق!

قلت : أنا لا أقول هكذا ، وأنت تعلم أنّ عدد الأنبياء كثير جدّا ، وهو محل اختلاف بين العلماء ، حتّى قال بعضهم : إنّ عددهم مائة وعشرون ألفا أو أكثر ، لكن كان أكثرهم يتّبعون الأنبياء أولي العزم من الرسل. وهم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتمهم سيّدنا ونبيّنا محمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهارون كان نبيّا غير مستقلّ ، وإنّما كان تابعا لأخيه موسى ويعمل على شريعة أخيه.

كذلك الإمام عليّعليه‌السلام ، كان تاليا لرتبة أخيه وابن عمّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واصلا مقام النبوّة ولكن غير مستقلّ بالأمر ، بل كان تابعا لشريعة سيّد المرسلين وخاتم النبيّين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكان غرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا الحديث الشريف أن يعرّف عليّاعليه‌السلام لامته في هذا المقام ، ويثبت له تلك الرتبة الرفيعة والدرجة العليّة ، وهذه خصيصة عالية من خصائص الإمام عليّعليه‌السلام .

وذكر ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» حديث المنزلة وعلّق عليه قائلا :

ويدلّ على أنّه وزير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نصّ الكتاب والسنّة ، قول الله تعالى :( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (١) .

__________________

(١) سورة طه ، الآية ٢٩ ـ ٣٢.

٢٥٧

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخبر المجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام : «أنت منّي بمنزلة هارون بن موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

فأثبت له جميع مراتب هارون من موسى.

فإذا هو وزير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشادّ أزره ، ولو لا أنّه خاتم النبيّين لكان شريكا في أمره(١) .

وذكر العلاّمة محمد بن طلحة الشافعي حديث المنزلة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتابه مطالب السئول : ١ / ٥٤ ط دار الكتاب ، وعلّق عليه فقال : فتلخيص منزلة هارون من موسى أنّه كان أخاه ووزيره ، وعضده ، وشريكه في النبوّة ، وخليفته على قومه عند سفره ، وقد جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا منه بهذه المنزلة ، وأثبتها له ، إلاّ النبوّة ، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استثناها في آخر الحديث بقوله : «لا نبيّ بعدي» فبقي ما عدا النبوّة المستثناة ثابتا لعليّعليه‌السلام من كونه أخاه ووزيره وعضده وخليفته على أهله عند سفره إلى تبوك.

وهذه من المعارج الشراف ومدارج الإزلاف ، فقد دلّ الحديث بمنطوقه ومفهومه على ثبوت هذه المزيّة العليّة لعليّعليه‌السلام ، وهو حديث متّفق على صحّته.

انتهى كلامه.

وذكر مثل هذا الكلام العلاّمة ابن الصبّاغ المالكي في كتابه «الفصول المهمّة» وكذلك كثير من علمائكم الكبار قد ذكروا الحديث وعلّقوا عليه تعليقات مفيدة ، ولكنّ الوقت لا يسمح أن أذكر لكم كلّ مقالات علمائكم وتعليقاتهم المؤيّدة لكلامنا حول حديث المنزلة.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢١١ / ط دار إحياء الكتب العربية.

٢٥٨

الحافظ : ولكنّي أظنّ أنّ الاستثناء في الحديث ينفي مرتبة نبوّة عليّ كرّم الله وجهه ، وإنّ قولكم : إنّ سيّدنا محمدا (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لو لم يكن خاتم النبيّين وكان الله يبعث بعده نبيّا لكان ذلك عليّ بن أبي طالب! من غلوّكم ولم يقل به قائل.

قلت : إنّ الحقّ واضح ، ولكنّك يا للأسف تتبّع أسلافك في إنكار الحقّ بعد ظهوره ، نعوذ بالله من التعصّب والعناد!

ثمّ اعلم أنّ هذا القول لا يكون من الشيعة فحسب حتّى ترمينا بالغلوّ ، وإنّما كثير من علمائكم ذهب هذا المذهب أيضا.

الحافظ : لا أعرف أحدا من علمائنا ذهب هذا المذهب ، وإن كنتم تعرفون أحدا فاذكروا اسمه!

قلت : أحد علمائكم الذي أخذ بهذا القول هو : ملاّ علي بن سلطان محمد الهروي القاري ، صاحب التصانيف والتآليف الكثيرة. قال في كتابه «المرقاة في شرح المشكاة» عند ذكره حديث المنزلة قال : وفيه إيماء إلى أنّه لو كان بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّا لكان عليّا.

ومنهم : العلاّمة الشهير والعالم النحرير جلال الدين السيوطي ، في آخر كتابه «بغية الوعّاظ في طبقات الحفّاظ» ذكر مسندا عن جابر بن عبد الله الأنصاري : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ولو كان لكنته.

ومنهم : المير سيّد علي الهمداني ، الفقيه الشافعي ، ذكر في الحديث الثاني من المودّة السادسة في كتابه «مودّة القربى» عن أنس بن

٢٥٩

مالك ، أنّه روى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ الله اصطفاني على الأنبياء فاختارني واختار لي وصيّا ، واخترت ابن عمّي وصيّي ، يشدّ عضدي كما يشدّ عضد موسى بأخيه هارون ، وهو خليفتي ، ووزيري ، ولو كان بعدي نبي لكان عليّ نبيّا ، ولكن لا نبوّة بعدي.

فثبت أنّ الشيعة لا تنفرد بهذا المقال ، بل هناك كثير من علمائكم قالوا به أيضا.

بل قال به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا كما يظهر من الأخبار المرويّة في كتبكم ، وقد مرّت.

فحديث المنزلة يضمن جميع مراتب هارون بالنسبة لموسى لعليّ ابن أبي طالب بالنسبة لمحمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ النبوّة بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي استثناها فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي».

وأجلى المراتب الثابتة لهارون هي خلافته لقوله تعالى :( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (١) ومنها تثبت خلافة عليّعليه‌السلام بعد خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الحافظ : لقد ذكرت الآيات القرآنية أنّ هارون شريك موسى في أمر النبوّة ، فكيف جعلوه خليفة له؟! والحال أنّ مرتبة الشريك أعلى من مرتبة الخليفة ، فإذا جعلوا الشريك خليفة فقد أنزلوه من مقامه ، لأنّ مقام النبوّة أعلى من مقام الخلافة.

قلت : لو تدبّرت في حديثنا السابق وفهمته ، ما طرحت هذا الإشكال! فقد بيّنا أنّ نبوّة موسى هي الأصل ونبوّة هارون تابعة لنبوّة أخيه ، كما يقال : إنّ فلانا عضو على البدل ، فكأنّه خليفته.

__________________

(١) سورة طه ، الآيات ٢٥ ـ ٣٤.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

سقف يظلهم من حرارة الشمس ، فكانت الشمس تصهرهم في حرّ الظهيرة ، حتى تقشّرت وجوههم وجلودهم من حرارة الشمس.

٥٧٤ ـ مدة إقامة السبايا في الحبس :

يقول السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة في (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء) ص ١٥ : لم نقف على مدة إقامة السبايا في الشام ، إلا أنه قد ورد أنهم أقاموا شهرا في موضع لا يكنّهم من حرّ ولا برد (البحار ، ج ٢١ ص ٢٠٣)

ويقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥٠٨ : إن سياق الروايات يعطي كثرة المدة وامتدادها. فإن فرضناها أقل من شهر ، فلا يجوز أن نفرضها أقل من عشرين أو خمسة عشر يوما.

اليوم الثاني من صفر

(يوم السبت ٢ صفر سنة ٦١ ه‍)

٥٧٥ ـ إحضار السبايا إلى مجلس يزيد مرة ثانية :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٩٧)

(وفي رواية) : إن يزيد دعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ، ثم دعا بعلي بن الحسينعليه‌السلام وصبيان الحسين ونسائهعليه‌السلام فأدخلوا عليه ، والناس ينظرون.

ثم قال يزيد لعلي بن الحسينعليه‌السلام : أبوك قطع رحمي ، وجهل حقي ، ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت. فقال علي بن الحسينعليه‌السلام :( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ٢٢ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) (٢٣) [الحديد : ٢٢ ـ ٢٣].

فقال يزيد لابنه خالد : اردد عليه ، فلم يدر خالد ما يردّ عليه. فقال له يزيد :لا( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (٣٠) [الشورى : ٣٠].

فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : يابن معاوية وهند وصخر ، لم تزل النبوة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد. ولقد كان جدي علي بن أبي طالبعليه‌السلام في يوم بدر وأحد والأحزاب في يده راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار.

٤٨١

ثم قال علي بن الحسينعليه‌السلام : ويلك يا يزيد ، إنك لو تدري ماذا صنعت وما الّذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي ، إذا لهربت في الجبال ، وافترشت الرماد ، ودعوت بالويل والثبور ، أن يكون رأس الحسين بن فاطمة وعليعليه‌السلام منصوبا على باب مدينتكم ، وهو وديعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكم. فأبشر بالخزي والندامة إذا اجتمع الناس ليوم القيامة.

اليوم الرابع من صفر

٥٧٦ ـ رؤيا سكينة بنت الحسينعليه‌السلام بدمشق :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٨٣ ط نجف)

لما عرضت السبايا على يزيد في اليوم الرابع من إقامتهن في الخربة ، وحاول يزيد قتل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، قالت سكينة ليزيد : يا يزيد رأيت البارحة رؤيا ، إن سمعتها مني قصصتها عليك!. فقال يزيد : هاتي ما رأيت. فقالت سكينة :

رأيت البارحة في منامي كأن خمسة نجب من نور قد أقبلت ، وعلى كل نجيب [أي فرس] شيخ ، والملائكة محدقة بهم ، ومعهم وصيف يمشي. فمضت النّجب وأقبل الوصيف إليّ ، وقرب مني وقال : يا سكينة إن جدك يسلّم عليك. فقلت :لاوعلى رسول الله السلام. يا رسول رسول الله من أنت؟. قال : وصيف من وصائف الجنة. فقلت : من هؤلاء المشيخة الذين جاؤوا على النجب؟. قال : الأول آدم صفوة الله ، والثاني إبراهيم خليل الله ، والثالث موسى كليم الله ، والرابع عيسى روح الله. فقلت : من هذا القابض على لحيته ، يسقط مرة ويقوم أخرى؟. فقال : جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقلت : وأين هم قاصدون؟. قال : إلى أبيك الحسينعليه‌السلام . لافأقبلت أسعى في طلبه لأعرّفه ما صنع بنا الظالمون بعده. فبينما أنا كذلك ، إذ أقبلت خمسة هوادج من نور ، في كل هودج امرأة. فقلت : من هذه النسوة المقبلات؟. لا قال : الأولى حواء أم البشر ، والثانية آسية بنت مزاحم ، والثالثة مريم بنت عمران ، والرابعة خديجة بنت خويلد. والخامسة الواضعة يدها على رأسها ، تسقط مرة وتقوم أخرى ، فقلت : من؟. فقال : جدتك فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم أبيك [الحسين].فقلت : والله لأخبرنّها ما صنع بنا. فلحقتها ووقفت بين يديها أبكي وأقول : يا أماه جحدوا والله حقنا. يا أماه بدّدوا والله شملنا. يا أماه استباحوا والله حريمنا.

٤٨٢

يا أماه قتلوا والله الحسين أبانا!. فقالت : كفّي صوتك يا سكينة ، فقد أقرحت كبدي ، وقطّعت نياط قلبي. هذا قميص أبيك الحسينعليه‌السلام معي لا يفارقني ، حتى ألقى الله به.

ثم إن يزيد تركها ولم يعبأ بقولها.

٥٧٧ ـ يزيد يستشير النعمان بن بشير الأنصاري :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٥٩)

عن عكرمة بن خالد قال : أتي برأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد بن معاوية بدمشق ، فنصب. فقال يزيد : عليّ بالنعمان بن بشير. فلما جاء قال : كيف رأيت ما فعل عبيد الله بن زياد؟. قال : الحرب دول. فقال : الحمد لله الّذي قتله. فقال النعمان : قد كان أمير المؤمنين [يقصد معاوية] يكره قتله. فقال يزيد : ذلك قبل أن يخرج ، ولو خرج على أمير المؤمنين لقتله. قال النعمان : ما كنت أدري ما كان يصنع. ثم خرج النعمان.

فقال يزيد : هو كما ترون إلينا منقطع ، وقد ولاه أمير المؤمنين ورفعه ، ولكن أبي كان يقول : لم أعرف أنصاريا قط إلا يحب عليا وأهله ، ويبغض قريشا بأسرها.

الأيام التالية

رؤيا الطفلة رقيّةعليه‌السلام ووفاتها

ذكر المؤرخون أنه كان للإمام الحسينعليه‌السلام أربع بنات هن : فاطمة [أمها أم اسحق التيمية] ، وسكينة [أمها الرباب بنت امرئ القيس] ، وزينب

(ذكرها السيد الأمين في الأعيان ، ج ١ ص ٥٧٩) والظاهر أنها لم تحضر كربلاء ، وليس هناك أي خبر عنها. أما الرابعة فلا يذكرونها ، وليست هي إلا رقيّةعليه‌السلام ، ولعل سبب عدم ذكرها لأنها كانت طفلة صغيرة ، ولم تشترك في شيء من أحداث كربلاء. أما أمّها فالظاهر أنها [أم إسحق بنت طلحة بن عبيد الله التيمية] أم فاطمة.

وقد اشتهرت السيدة رقيةعليه‌السلام برؤياها التي رأتها حين كانت مع السبايا في الخربة عند باب الفراديس بدمشق ، وبطريقة وفاتها المأساوية التي تقطّع الأكباد.

٤٨٣

ـ مصادر وفاة رقيّة بنت الحسينعليه‌السلام :

ذكر قصة رؤيا رقيةعليه‌السلام ووفاتها العديد من المصادر ، نعدّ منها :

(١) ـ كامل البهائي [باللغة الفارسية] للشيخ عماد الدين الحسن بن علي الطبري الآملي. ألقّه عام ٦٧٥ ه‍ ، وهو أقدم مصدر للقصة. يذكر أنه نقل القصة عن كتاب (الحاوية).

(٢) ـ المنتخب في المراثي والخطب للطريحي.

(٣) ـ نفس المهموم للشيخ عباس القمي.

(٤) ـ أسرار الشهادة للدربندي ، المتوفى سنة ١٢٨٦ ه‍.

(٥) ـ مقتل العوالم للسيد محمّد بن أبي طالب الحسيني الحائري ، عنه ينقل المجلسي وصاحب (الإيقاد).

(٦) ـ بحار الأنوار للعلامة المجلسي ، المجلد العاشر.

(٧) ـ الإيقاد للسيد محمّد علي الشاه عبد العظيمي الحسني [ت ١٣٣٤ ه‍]

٥٧٨ ـ الحسينعليه‌السلام مسافر :

(روضة الواعظين للفتال النيسابوري ، ص ١٩٢ ط نجف)

نقل عن بعض التواريخ أن عائلة الحسينعليه‌السلام وأرامل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد قتل رجالهن يوم الطف ، وسبيهنّ من بلد إلى بلد ، كانوا يخفون على صغار الأطفال واليتامى قتل أوليائهم وآبائهم ، فإن بكى يتيم أو يتيمة أباه أو أخاه ناغوه باللطف ، وأخبروه بأنه في سفر ، وسوف يعود من سفره. فكانوا بهذا ونحوه يشغلون اليتامى والأطفال عن الشعور بألم اليتم ومرارة المصاب.

٥٧٩ ـ قصة رؤيا رقيةعليه‌السلام ووفاتها :

ذكر القصة مع تفاوت بسيط كل من (نفس المهموم) ص ٤١٦ ،

(والمنتخب) للطريحي ، ص ١٣٦ ، وكتاب (الإيقاد) للسيد الحسني. ونجمع الروايات الثلاث فيما يلي :

كان لمولانا الحسينعليه‌السلام بنت صغيرة يحبها وتحبه ، وقيل كانت تسمى رقيّة.وكان لها من العمر ثلاث أو أربع سنوات. ومن يوم استشهاده ما عادت تراه ، فعظم ذلك عليها واستوحشت لأبيها. وكانت مع الأسرى في الشام ، وكانت تبكي لفراق

٤٨٤

أبيها ليلا ونهارا. وكان أهلها كلما طلبته يقولون لها : هو في السفر ، وغدا يأتي ومعه ما تطلبين.

إلى أن كانت ليلة من الليالي ، فرأت أباها بنومها. فلما انتبهت صاحت وبكت وانزعجت ، وقالت : ائتوني بوالدي وقرة عيني ، فإني رأيته الساعة في المنام مضطربا شديدا. وكلما حاول أهل البيتعليه‌السلام إسكاتها ازدادت حزنا وبكاء. فعظم ذلك على أهل البيتعليه‌السلام ، فضجّوا بالبكاء وجددوا الأحزان ، ولطموا الخدود ، وحثوا على رأسهم التراب ، ونشروا الشعور ، وقام الصياح.

فانتبه يزيد من نومه ، وقال : ما الخبر؟. قالوا : إن بنت الحسين الصغيرة رأت أباها بنومها ، فانتبهت وهي تطلبه وتبكي وتصيح.

فلما سمع يزيد ذلك قال : ارفعوا رأس أبيها ، وحطّوه بين يديها ، لتنظر إليه وتتسلى به. فجاؤوا بالرأس الشريف إليها في طبق مغطى بمنديل ديبقي ، ووضعوه بين يديها. فقالت : ما هذا؟. إني طلبت أبي ولم أطلب الطعام!. فقال : إن هناك أباك. فرفعت المنديل ورأت رأسا ، فقالت : ما هذا الرأس؟. قالوا لها : إنه رأس أبيك. فرفعته من الطشت وضمّته إلى صدرها وهي تقول :

يا أبتاه من ذا الّذي خضّبك بدمائك؟. يا أبتاه من ذا الّذي قطع وريدك؟. يا أبتاه من ذا الّذي أيتمني على صغر سني؟. يا أبتاه من بقي بعدك نرجوه؟. يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر؟. يا أبتاه من للنساء الحاسرات؟. يا أبتاه من للأرامل المسبيّات؟. يا أبتاه من للعيون الباكيات؟. يا أبتاه من للضائعات الغريبات؟. يا أبتاه من للشعور المنشرات؟. يا أبتاه من بعدك وا خيبتنا!.

يا أبتاه من بعدك وا غربتنا!. يا أبتاه ليتني كنت لك الفدى. يا أبتاه ليتني كنت قبل هذا اليوم عميا. يا أبتاه ليتني وسّدت الثرى ، ولا أرى شيبك مخضبا بالدما.

ثم إنها وضعت فمها على فمه الشريف ، وبكت بكاء شديدا حتى غشي عليها.فلما حركوها فإذا بها قد فارقت روحها الدنيا.

فلما رأى أهل البيتعليه‌السلام ما جرى ، ارتفعت أصواتهم بالبكا ، وتجدد الحزن والعزا ، ومن سمع من أهل الشام بكاءهم بكى. فلم ير في ذلك اليوم إلا باك وباكية.

٤٨٥

وفي (معالي السبطين) ص ١٧٠ :

وأمر يزيد بغسلها وكفّنها ودفنها (في الخربة).

وفي (مقتل آل بحر العلوم) ص ٢٩٦ ط ٢ قال :

وذكر بعض الأكابر أن أم كلثوم كان جزعها وبكاؤها ونحيبها على تلك الطفلة أشد وأبلغ من باقي العيال ، فما كانت تهدأ وتسكن طيلة تلك المدة التي قضوها في الشام.

فقالت لها العقيلة زينب الكبرىعليه‌السلام : يا أخيّة ، ما هذا الجزع والبكاء والهلع؟. كلنا أصبنا بفقد هذه الطفلة ، ولم يخصّك المصاب وحدك!.

فقالت لها : يا أختاه لا تلوميني ، كنت واقفة عشية أمس بعد العصر ، وإلى جنبي هذه الطفلة [أي رقية] بباب الخربة ، في وقت انصراف أطفال أهل الشام من مدارسهم إلى بيوتهم وأهاليهم ، فكان بعضهم يقف بباب الخربة للتفرج علينا ثم يذهب. فقالت لي هذه الطفلة : عمّة ، إلى أين يذهب هؤلاء الأطفال؟. فقلت لها :إلى منازلهم وأهاليهم.

فقالت لي : عمّة ، ونحن ليس لنا منزل ولا مأوى غير هذه الخربة؟!.

وأنا يا أختاه كلما ذكرت هذا الكلام منها لم تهدأ لي زفرة ، ولم تسكن لي عبرة.

مجالس الشراب

٥٨٠ ـ يزيد يشرب الفقّاع على رأس الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٩٢)

عن (أمالي الصدوق) قال الإمام الرضاعليه‌السلام : أول من اتّخذ له الفقّاع [وهي البيرة] في الإسلام بالشام ، يزيد بن معاوية. فأحضر وهو على المائدة ، وقد نصبها على رأس الحسينعليه‌السلام ، فجعل يشربه ويسقي أصحابه ، ويقول : اشربوا فهذا شراب مبارك ، ومن بركته أنّا أول ما تناولناه ورأس الحسين عدونا بين أيدينا ، ومائدتنا منصوبة عليه. ونحن نأكل ونفوسنا ساكنة وقلوبنا مطمئنة.

٥٨١ ـ يزيد يلعب الشطرنج على رأس الحسينعليه‌السلام استبشارا بنصره :

(المصدر السابق ، ص ٩٣)

وفي (أمالي الصدوق) عن الفضل بن شاذان ، قال : سمعت الإمام الرضاعليه‌السلام

٤٨٦

يقول : لما حمل رأس الحسينعليه‌السلام إلى الشام ، أمر يزيد فوضع ، ونصبت عليه مائدة. فأقبل هو وأصحابه يأكلون ويشربون الفقّاع. فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع في طشت تحت سريره ، وبسط عليه رقعة الشطرنج ، وجلس يزيد يلعب بالشطرنج ، ويذكر الحسين وأباه وجدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويستهزئ بذكرهم ، فمتى قمّر صاحبه [أي غلبه بالقمار] تناول الفقاع فشربه ثلاث مرات ، ثم صبّ فضلته مما يلي الطشت من الأرض.

ثم يقول الإمام الرضاعليه‌السلام : فمن كان من شيعتنا فليتورع من شرب الفقّاع واللعب بالشطرنج. ومن نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسينعليه‌السلام ، وليلعن يزيد وآل يزيد ، يمح اللهعزوجل بذلك ذنوبه ولو كانت كعدد النجوم.

٥٨٢ ـ تجرؤات يزيد على الدين وأهله :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٩٣)

عن (التبر المذاب) : شرب يزيد [الفقاع] ، ثم صبّ جرعة منه على رأس الحسينعليه‌السلام وقال : كيف رأيت يا حسين ، أتزعم أن أباك ساق على الحوض!.فإذا مررت عليه يومئذ فلا تسقني. وإن جدك حرّم آنية الذهب والفضة على الأمّة ، ها رأسك على الذهب. ويفخر أبوك بأنه قتل الأقران يوم بدر ، هذا بذاك.

رأس الجالوت بن يهوذا

٥٨٣ ـ سؤال رأس الجالوت [رئيس اليهود] ليزيد عن صاحب الرأس؟

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٨٧ ط ٣)

ودخل على يزيد رأس اليهود (واسمه رأس الجالوت) فرأى الرأس بين يديه ، فقال : ما هذا الرأس؟. فقال : رأس خارجي. قال : ومن هو؟. قال : الحسين.قال : ابن من؟. قال : ابن علي. قال : ومن أمه؟. قال : فاطمة. قال : ومن فاطمة؟. قال : بنت محمّد!. قال : نبيكم؟. قال : نعم. قال : لا جزاكم الله خيرا. بالأمس كان نبيكم ، واليوم قتلتم ابن بنته؟!. ويحك إن بيني وبين داود النبي نيّفا وثلاثين أبا ، فإذا رأتني اليهود كفّرت إليّ [أي عظّمتني بالخضوع والانحناء إلي].

ثم مال إلى الطست وقبّل الرأس ، وقال : أشهد ألا إله إلا الله ، وأن جدك محمدا رسول الله ، وخرج. فأمر يزيد بقتله.

٤٨٧

٥٨٤ ـ رأس الجالوت يستنكر على يزيد فعله :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨٥ ط ٢)

قال أبو مخنف : وحضر عند يزيد رأس الجالوت ، فرآه يقلّب رأس الحسينعليه‌السلام بالقضيب ، فقال له : أتأذن لي أن أسألك يا يزيد؟. فقال : اسأل ما بدا لك. فقال له : سألتك بالله هذا رأس من؟ فما رأيت أحسن منه ولا من مضحكه!. فقال : هذا رأس الحسين بن علي ، خرج علينا بأرض العراق ، فقتلناه.

فقال رأس الجالوت : فبما استوجب هذا الفعل؟. فقال : ويلك دعوه أهل العراق وكتبوا إليه ، وأرادوا أن يجعلوه خليفة ، فقتله عاملي عبيد الله بن زياد ، وبعث إليّ برأسه.

فقال له : يا يزيد ، هو أحقّ منكم بما طلب ، وهو ابن بنت نبيكم.

ما أعجب أمركم ، إن بيني وبين داود نيفا وثلاثين جدا ، واليهود يعظّمونني

(ولا يرون التزويج إلا برضائي) ويأخذون التراب من تحت قدمي. وأنتم بالأمس كان نبيكم بين أظهركم ، واليوم شددتم على ولده فقتلتموه ، وسبيتم حريمه ، وفرّقتموهم في البراري والقفار!. إنكم لأشرّ قوم.

فقال له يزيد : ويلك أمسك عن هذا الكلام أو تقتل.

٥٨٥ ـ تعظيم اليهود لرأس الجالوت لأنه من نسل داودعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥٠٩)

قال السيد ابن طاوس وابن نما : إنه قد روى ابن لهيعة عن أبي الأسود محمّد ابن عبد الرحمن ، قال : لقيني رأس الجالوت بن يهوذا ، فقال : والله إن بيني وبين داود لسبعين أبا ، وإن اليهود لتلقاني فتعظّمني ، وأنتم ليس بينكم وبين ابن نبيكم إلا أب واحد ، قتلتموه؟!.

٥٨٦ ـ حبر من أحبار اليهود ينتقد يزيد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٧١)

وروي أنه كان في مجلس يزيد هذا ، حبر من أحبار اليهود ، فقال : يا أمير المؤمنين من هذا الغلام؟. قال : علي بن الحسين. قال : فمن الحسين؟. قال : ابن علي بن أبي طالب. قال : فمن أمه؟. قال : فاطمة بنت محمّد!. فقال له الحبر : يا

٤٨٨

سبحان الله!. فهذا ابن بنت نبيكم ، قتلتموه في هذه السرعة ، بئسما خلّفتموه في ذريته. فو الله لو ترك نبينا موسى بن عمران فينا سبطا لظننت أنّا كنا نعبده من دون ربنا. وأنتم إنما فارقتم نبيكم بالأمس ، فوثبتم على ابنه وقتلتموه!. سوأة لكم من أمّة!. فأمر يزيد به فوجئ بحلقه.

فقام الحبر وهو يقول : إن شئتم فاقتلوني ، وإن شئتم فذروني. إني أجد في التوراة : من قتل ذرية نبي ، فلا يزال ملعونا أبدا ما بقي ، فإذا مات أصلاه الله نار جهنم.

دخول جاثليق النصارى :

٥٨٧ ـ قصة جاثليق النصارى :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٥١١)

بعد أن يذكر أبو مخنف قصة رأس الجالوت ، وأن يزيد أمر بقتله ، يقول : فبينما هو كذلك ، إذ دخل عليه جاثليق النصارى ، وكان شيخا كبيرا. فنظر إلى رأس الحسينعليه‌السلام وقال : ما هذا أيها الخليفة؟. فقال : هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال : فبما استوجب القتل؟. قال : لأن أهل العراق دعوه ليجلس على الخلافة ، فقتله عاملي عبيد الله بن زياد ، وبعث إليّ برأسه.

فقال له جاثليق : اعلم أني كنت الساعة في البيعة [وهي معبد النصارى] ، وإذا قد سمعت رجفة شديدة ، فنظرت وإذا بغلام شاب كأن الشمس في وجهه ، وقد نزل من السماء ومعه رجال ، فقلت لبعضهم : من هذا؟. فقال لي : هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والملائكة من حوله يعزّونه على ولده الحسينعليه‌السلام .

ثم قال ليزيد : ارفع الرأس من بين يديك يا ويلك ، وإلا أهلكك الله. فقال له يزيد : جئتنا بأحلامك الكاذبة!. يا غلمان أخرجوه ، فجعلوا يسحبونه. ثم أمر بضربه فأوجعوه ضربا. فنادى : يا أبا عبد الله ، اشهد لي عند جدك ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. فغضب يزيد ، فقال : اسلبوه روحه. فقال : يا يزيد إن شئت تضرب ، وإن شئت لم تضرب ، فهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقف بإزائي وبيده قميص من نور وتاج من نور ، وهو يقول لي :

٤٨٩

ليس بيني وبين أن أتوّجك بهذا التاج ، وألبسك هذا القميص ، إلا أن تخرج من الدنيا ، ثم أنت رفيقي في الجنة.

ثم قضى نحبه.

تذييل : قال الفاضل الدربندي :

المستفاد من هذه الروايات المذكورة ، أن يزيد كان يأمر بإحضار الرأس الشريف إلى مجلسه في كل يوم. بل المستفاد من جملة من الروايات أن يزيد كان كل يوم يحضر فيه الرأس الشريف إلى مجلسه ، كان ينكت ثناياه بمخصرته ، ويشتغل باللهو واللعب ، وشرب الخمور والمسكرات ، ويظهر السرور والفرح ، ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم. وظل يفعل ذلك إلى أن غلب عليه الخوف والخشية من ثوران الفتنة ، وهجوم الناس عليه وزوال دولته.

رسول ملك الروم

٥٨٨ ـ سؤال رسول قيصر عن صاحب الرأس الشريف :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٢ ط ٢ نجف)

حكى هشام بن محمّد عن أبيه عن عبيد بن عمير ، قال : كان رسول قيصر حاضرا عند يزيد ، فقال ليزيد : هذا رأس من؟. فقال : رأس الحسين. قال : ومن الحسين؟. قال: ابن فاطمة. قال : ومن فاطمة؟. قال : بنت محمّد!. قال :نبيكم؟. قال : نعم. قال : ومن أبوه؟. قال : علي بن أبي طالب. قال : ومن علي؟.قال : ابن عم نبينا. فقال : تبّا لكم ولدينكم ، ما أنتم وحقّ المسيح على شيء. إن عندنا في بعض الجزائر دير فيه حافر حمار ركبه عيسى السيد المسيحعليه‌السلام ، ونحن نحجّ إليه في كل عام من الأقطار ، وننذر له النّذر ، ونعظّمه كما تعظمون كعبتكم.فأشهد أنكم على باطل. ثم قام ولم يعد إليه.

ملاحظة :

قال السيد مرتضى العسكري في (مقدمة مرآة العقول للمجلسي) ج ٢ ص ٣٠٩ :

نستنتج من رواية الإمام زين العابدينعليه‌السلام التالية ، والتي ورد فيها أن يزيد كان يتّخذ مجالس الشراب على رأس الحسينعليه‌السلام ، أن مجالس يزيد التي وضع فيها الرأس ، هي مجالس متعددة وليس مجلسا واحدا.

٤٩٠

٥٨٩ ـ خبر رسول ملك الروم :

(اللهوف لابن طاووس ، ص ٧٩ ؛ والمنتخب للطريحي ، ص ٣٤٧ ط ٢)

روي عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام قال :

لما أتي برأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد ، كان يتخذ مجالس الشراب ، ويأتي برأس الحسينعليه‌السلام ويضعه بين يديه ، ويشرب عليه.

فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم ، وكان من أشراف الروم وعظمائهم. فقال : يا ملك العرب ، هذا رأس من؟. قال له يزيد : مالك بذلك حاجة. فقال : إني إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كل شيء رأيته ، فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه ، حتى يشاركك في الفرح والسرور. فقال له يزيد :هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب. قال : ومن أمه؟. فقال : فاطمة الزهراء بنت محمّد المصطفى!.

فقال النصراني : أما تراني إذا حقّقت النظر إليه يقشعر جسمي ، وأسمعه يقرأ آيات من كتابكم!. أفّ لك ولدينك ، ديني خير من دينك. اعلم أن أبي من حوافد [جمع حفيد] داودعليه‌السلام وبيني وبينه آباء كثيرة ، والنصارى يعظّمونني ويأخذون من تراب أقدامي ، تبركا فيّ ؛ وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما بينكم وبينه إلا أم واحدة. فأي دين دينكم؟. فكأنكم

لم تصدّقوا نبيّكم حتى فعلتم به هكذا.

٥٩٠ ـ حديث كنيسة الحافر :(المصدران السابقان)

ثم قال ليزيد : هل سمعت حديث كنيسة الحافر؟ فقال له : قل حتى أسمع. فقال :اعلم أن بين عمان والصين بحر مسيرة سنة ، ليس فيه عمران إلا بلدة واحدة وسط الماء ، طولها ثمانون فرسخا في ثمانين فرسخا ، ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها ، ومنها يحمل الكافور والياقوت ، وأشجارهم العود والعنبر ، وهي في أيدي النصارى ، لا ملك لأحد الملوك فيها سواهم. وفي تلك البلدة كنائس كثيرة ، لكن أعظمها كنيسة الحافر. في محرابها حقّة من ذهب ، معلّق بها حافر ، يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسىعليه‌السلام . وقد زيّنوا حول الحقّة بالذهب والجواهر ، والديباج والأبريسم ، يقصدها في كل عام عالم من النصارى ، يطوفون حولها ويقبّلونها ، ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالى ببركتها ؛ هذا شأنهم بحافر حمار

٤٩١

يزعمون أنه حمار كان يركبه عيسىعليه‌السلام نبيهم ، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيّكم!. فلا بارك الله تعالى فيكم ولا في دينكم.

وفي (المفيد في ذكرى السبط الشهيد) للسيد عبد الحسين إبراهيم العاملي ، ص ١٥٧ : فاحتار يزيد في أمره ، وماذا يردّ على النصراني!. فقال في جوابه جهلا وعنادا : لو لا أن بلغني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه من قتل ذميا كان خصمه يوم القيامة ، لقتلتك لأجل تعرّضك بهذا الكلام. فقال النصراني : وا عجبا لجهلك يا يزيد ، أيكون رسول الله خصم من قتل ذمّيا ، ولا يكون خصم من قتل أولاده وأحفاده؟!.

فاغتاظ يزيد وقال : اقتلوا هذا النصراني لكي لا يفضحنا في بلاده.

ـ إسلام الرجل النصراني :

فلما أحسّ النصراني بذلك ، قال له : أتريد أن تقتلني؟. قال : نعم ، لا بدّ من قتلك. فخرّ ساجدا إلى الأرض شكرا لله تعالى ، وقال : اعلم أني رأيت البارحة نبيكم في المنام ، وهو يقول : يا نصراني ، أنت من أهل الجنة. فعجبت من كلامه غاية العجب.

ووثب إلى رأس الحسينعليه‌السلام ، وضمّه إلى صدره ، وجعل يقبّله ويبكي ، ونادى : السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين ورحمة الله وبركاته ، اشهد لي عند ربك وجدك وأبيك وأمك وأخيك ، بأني : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، وأن عليا وليّ الله.

فغاروا عليه بالسيوف وقطّعوه ،رحمه‌الله تعالى.

٥٩١ ـ قصة (عبد الوهاب) رسول ملك الروم الّذي أسلم على يد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأى شفقته على الحسن والحسينعليه‌السلام :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٨٩ ط ٣)

روي في بعض مؤلفات أصحابنا مرسلا ، أن نصرانيا أتى رسولا من ملك الروم إلى يزيد ، وقد حضر في مجلسه الّذي أتي إليه فيه برأس الحسينعليه‌السلام . فلما رأى النصراني رأس الحسينعليه‌السلام بكى وصاح وناح ، حتى ابتلّت لحيته بالدموع ، ثم قال :

اعلم يا يزيد ، أني دخلت المدينة [المنورة] تاجرا في أيام حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

٤٩٢

وقد أردت أن آتيه بهدية ، فسألت من أصحابه : أي شيء أحب إليه من الهدايا؟.فقالوا: الطّيب أحبّ إليه من كل شيء ، وأن له رغبة فيه.

قال : فحملت من المسك فارتين ، وقدرا من العنبر الأشهب ، وجئت بها إليه ، وهو يومئذ في بيت زوجته أم سلمة رضي الله عنها. فلما شاهدت جماله ازداد لعيني من لقائه نورا ساطعا ، وزادني منه سرور ، وقد تعلّق قلبي بمحبته. فسلّمت عليه ووضعت العطر بين يديه. فقال : ما هذا؟. قلت : هدية محقّرة أتيت بها إلى حضرتك. فقال لي : ما اسمك؟. فقلت : اسمي عبد الشمس. فقال لي : بدّل اسمك ، فإني أسمّيك (عبد الوهاب). إن قبلت مني الإسلام ، قبلت منك الهدية. قال : فنظرته وتأملته ، فعلمت أنه نبي ، وهو النبي الّذي أخبرنا عنه عيسىعليه‌السلام حيث قال : (إني مبشّر لكم برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد). فاعتقدت ذلك ، وأسلمت على يده في تلك الساعة. ورجعت إلى الروم ، وأنا أخفي الإسلام. ولي مدة من السنين ، وأنا مسلم مع خمس من البنين وأربع من البنات. وأنا اليوم وزير ملك الروم ، وليس لأحد من النصارى اطّلاع على حالنا.

ـ وزير ملك الروم يقصّ ليزيد ما رآه في حضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

واعلم يا يزيد أني يوم كنت في حضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في بيت أم سلمة ، رأيت هذا العزيز الّذي رأسه وضع بين يديك مهينا حقيرا ، قد دخل على جده من باب الحجرة ، والنبي فاتح باعه ليتناوله ، وهو يقول : مرحبا بك يا حبيبي ، حتى أنه تناوله وأجلسه في حجره ، وهو يقبّل شفتيه ، ويرشف ثناياه ، وهو يقول : بعد عن رحمة الله من قتلك ، لعن الله من قتلك ، لعن الله من قتلك يا حسين وأعان على قتلك.والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع ذلك يبكي.

فلما كان اليوم الثاني كنت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجده ، إذ أتاه الحسينعليه‌السلام مع أخيه الحسنعليه‌السلام وقال : يا جداه قد تصارعت مع أخي الحسن ، ولم يغلب أحدنا الآخر ، وإنما نريد أن نعلم أيّنا أشدّ قوة من الآخر. فقال لهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حبيبيّ يا مهجتيّ ، إن التصارع لا يليق بكما ، ولكن اذهبا فتكاتبا ، فمن كان خطه أحسن كذلك ، تكون قوته أكثر.

قال : فمضيا وكتب كل واحد منهما سطرا ، وأتيا إلى جدهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعطياه اللوح ليقضي بينهما ، فنظر النبي إليهما ساعة ، ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما ، فقال

٤٩٣

لهما : يا حبيبيّ إني نبيّ أمّي ، لا أعرف الخط ، اذهبا إلى أبيكما ليحكم بينكما ، وينظر أيّكما أحسن خطا.

(أقول) : وهكذا حوّلهما جدهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أبيهماعليه‌السلام ، وأبوهما حوّلهما إلى أمهما وهكذا ، حتى لا يحكم لأحدهما على الآخر ، إذ أن ذلك يكسر قلب أحدهما ، والنبي لا يرضى بذلك وقد أعرضت عن سرد القصة بالتفصيل لضعفها ، مع سموّ معناها ومغزاها.

ثم قال رسول الروم : فانظر يا يزيد كيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدخل على أحدهما ألم ترجيح الكتابة ، ولم يرد كسر قلبهما ، وكذلك أمير المؤمنين وفاطمةعليه‌السلام ، وكذلك ربّ العزة لم يرد كسر قلب أحدهما وأنت هكذا تفعل بابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!. أفّ لك ولدينك يا يزيد.

يوم الجمعة الثامن من صفر

في (كامل البهائي) : أمر يزيد اجتماع الناس في يوم الجمعة بإذن عام ، لاستماع خطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام .

٥٩٢ ـ الخطيب الأموي الّذي اشترى مرضاة المخلوق بسخط الخالق :

في (وسيلة الدارين) ص ٣٨٧ :

قال السيد في (اللهوف) والمجلسي في (البحار) والشيخ عماد الدين في (كامل البهائي) : إن يزيد أمر بمنبر وخطيب ليخبر الناس بمساوئ الحسين وعليعليه‌السلام وما فعلا.

وفي (أسرار الشهادة) للدربندي ، ص ٥٠٥ :

ذكر في المناقب عن كتاب (الأمم) ، قال الأوزاعي : لما أتي بعلي بن الحسين ورأس أبيهعليه‌السلام إلى يزيد بالشام ، قال لخطيب بليغ : خذ بيد هذا الغلام فأت به المنبر ، وأخبر الناس بسوء رأي أبيه وجده وفراقهم الحق وبغيهم.

قال : ففعل الخطيب ما أمره يزيد بفعله ، فلم يدع شيئا من المساوئ إلا ذكره فيهم.

وفي (اللهوف) ص ٧٨ قال السيد ابن طاووس :

ودعا يزيد الخاطب وأمره أن يصعد المنبر فيذمّ الحسين وأباهعليه‌السلام . فصعد

٤٩٤

وبالغ في ذم أمير المؤمنين والحسين الشهيد صلوات الله عليهما ، والمدح لمعاوية ويزيد. فصاح به علي بن الحسينعليه‌السلام : ويلك أيها الخاطب ، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فتبوّأ مقعدك من النار.

خطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام

على منبر مسجد دمشق

ثم قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام ليزيد : أتأذن لي أن أرقى هذه الأعواد ، فأتكلم بكلام ، فيه لله تعالى رضى ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب؟. فأبى يزيد.فقال خالد بن يزيد : ائذن له ، فشفّع الناس فيه فلم يقبل شفاعتهم. فقال ابنه معاوية وهو صغير السن : يا أبتاه ما قدر أن يأتي به ، ائذن له حتى يخطب. فقال يزيد : أنتم من أمر هؤلاء في شك. إنهم ورثوا العلم والفصاحة ، وأخاف أن يحصل من خطبته فتنة علينا.

فقال الناس : يا أمير المؤمنين ائذن له ليصعد ، فلعلنا نسمع منه شيئا. فقال لهم :إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان. فقالوا : وما قدر ما يحسن هذا؟. فقال : إنه من أهل بيت ورثوا العلم والفصاحة ، وزقّوا العلم زقّا

ولم يزالوا به حتى أذن له بالصعود.

٥٩٣ ـ خطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام على منبر دمشق :

(وسيلة الدارين للزنجاني ، ص ٣٨٧)

فصعدعليه‌السلام المنبر وخطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، فقال فيها :

الحمد لله الّذي لا بداية له ، والدائم الّذي لا نفاد له ، والأول الّذي لا أوّل لأوّليته ، والآخر الّذي لا آخر لآخريّته ، والباقي بعد فناء الخلق. قدّر الليالي والأيام ، وقسّم فيما بينهم الأقسام ، فتبارك الله الملك العلّام.

إلى أن قال :

أيها الناس ، أعطينا ستا وفضّلنا بسبع : أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة ، والمحبة في قلوب المؤمنين. وفضّلنا بأن منا النبي

٤٩٥

محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المختار ، ومنا الصدّيق [يقصد علياعليه‌السلام ] ومنا الطيار ، ومنا أسد الله وأسد رسوله [يقصد الحمزة] ، ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنا سبطا هذه الأمة وسيدا شباب أهل الجنة ؛ فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي :

أيها الناس ، أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الزكاة (الركن) بأطراف الردا ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حجّ ولبّى ، أنا ابن من حمل على البراق في الهوا ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنى فتدلّى فكان (من ربه) قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء مثنى مثنى ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمّد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا إله إلا الله. أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وصلّى القبلتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين. أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكّائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين ، من آل طه ويس ، رسول رب العالمين. أنا ابن المؤيد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل. أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأول من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين ، وأول السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبير المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين. وناصر دين الله ، وولي أمر الله ، وبستان حكمة الله ، وعيبة علم الله. سمح سخيّ بهي ، بهلول(١) زكي أبطحي ، رضي مرضي. مقدام همام ، صابر صوّام ، مهذّب قوّام ، شجاع قمقام. قاطع الأصلاب ، ومفرّق الأحزاب. أربطهم جنانا(٢) ، وأطلقهم عنانا ، وأجرأهم لسانا.وأمضاهم عزيمة ، وأشدّهم شكيمة(٣) . أسد باسل ، وغيث هاطل. يطحنهم في

__________________

(١) البهلول من الرجال : الضحّاك.

(٢) ربط الجنان : كناية عن ملازمة الشريعة وترك المحارم.

(٣) شديد الشكيمة : شديد النفس ، أبيّ.

٤٩٦

الحروب ـ إذا ازدلفت الأسنة ، وقربت الأعنّة ـ طحن الرحى ، ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم. ليث الحجاز ، وصاحب الإعجاز. وكبش العراق ، الإمام بالنص والاستحقاق. مكي مدني ، أبطحي تهامي ، حنيفيّ عقبي ، بدري أحدي ، هجري مهاجري. من العرب سيدها ، ومن الوغى ليثها. وارث المشعرين ، وأبو السبطين ، الحسن والحسينعليه‌السلام . مظهر العجائب ، ومفرّق الكتائب ، والشهاب الثاقب ، والنور العاقب ، أسد الله الغالب ، مطلوب كل طالب ، غالب كل غالب ، ذاك جدي علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ثم قالعليه‌السلام : أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيدة النساء ، أنا ابن الطهر البتول ، أنا ابن بضعة الرسول. أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن المقتول ظلما ، أنا ابن محزوز الرأس من القفا ، أنا ابن العطشان حتى قضى ، أنا ابن طريح كربلاء ، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء ، أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض والطير في الهواء ، أنا ابن من رأسه على السنان يهدى ، أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تسبى.

ـ قيام الأذان :

فلم يزل يقول : أنا أنا ، حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة. فأمر المؤذن أن يؤذّن ، فقطع عليه الكلام. فلما قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر!. قال علي بن الحسينعليه‌السلام : كبّرت كبيرا لا يقاس ، ولا يدرك بالحواس. لا شيء أكبر من الله. فلما قال المؤذن : أشهد أن لا إله إلا الله!. قال عليعليه‌السلام : شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي ، ومخي وعظمي. فلما قال المؤذن : أشهد أن محمدا رسول الله!. التفت علي من فوق المنبر إلى يزيد وقال :يا يزيد ، محمّد هذا جدي أم جدك؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت ، وإن قلت إنه جدي ، فلم قتلت عترته؟. ولم قتلت أبي وسبيت نساءه؟. فلم يردّ جوابا.

٥٩٤ ـ إعداد دار جديدة لإقامة السبايا ، مجاورة لدار يزيد :

قال : ولما فرغ المؤذن من الأذان والإقامة ، فتقدم يزيد وصلى صلاة الظهر.

وفي (الفتوح) لابن أعثم ، ج ٥ ص ٢٤٩ :

فلما فرغ يزيد من صلاته ، أمر بعلي بن الحسينعليه‌السلام وأخواته وعماته ، ففرّغ لهم دارا فنزلوها. وأقاموا أياما يبكون وينوحون على الحسينعليه‌السلام .

٤٩٧

(أقول) : ويظهر من هذا أن يزيد بدأ يعدّل من معاملته للسبايا وزين العابدينعليه‌السلام خوفا من نقمة الناس عليه ، بعد أن انكشفت لهم حقيقة الأمر ، وأن المصفّد بالحديد والمطوّق بالجامعة ، جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن المربوقة بالحبال هي زينب العقيلة ، التي أمها فاطمة الزهراء وجدها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ملاحظة :

يقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥٠٨ :

إن القرائن والشواهد تدل على أن احتجاجات الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام وخطبته السابقة ، كانت في بعض الأيام التي كان الحرم والسبايا فيها

في السجن والحبس ، لا في اليوم الأول الّذي وردوا فيه دمشق وأحضروا

في مجلس يزيد.

ومما يؤيد ذلك قولهم : " إن زين العابدين [بعد خطبته السابقة] أخذ ناحية باب المسجد ، فلقيه مكحول ، فقال : كيف أمسيت قال : أمسينا ..." فهذا يؤكد أن هذه الخطبة حصلت بعد نزول السبايا في الخربة.

٥٩٥ ـ مكحول يسأل زين العابدينعليه‌السلام : كيف أمسيت؟ :

(بحار الأنوار ، ج ٤٥ ص ١٦٢ ط ٣)

فنزل علي بن الحسينعليه‌السلام من على المنبر ، فأخذ ناحية باب المسجد ، فلقيه مكحول صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وفي رواية : المنهال بن عمرو الضبابي) فقال له :كيف أمسيت يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال : أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون( يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ ، وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ ، وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) .

وفي (مناقب آل أبي طالب) لابن شهراشوب ، ج ٤ ص ١٦٨ :

وأمست العرب تفتخر على العجم بأن محمدا منها ، وأمست قريش تفتخر على العرب بأن محمدا منها ، وأمسى آل محمّد مقهورين مخذولين. فإلى الله نشكو كثرة عدونا ، وتفرّق ذات بيننا ، وتظاهر الأعداء علينا.

٥٩٦ ـ قصة المنهال بن عمرو :(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١٦٧)

روى السيد نعمة الله الجزائري في (الأنوار النعمانية) عن منهال بن عمرو الدمشقي ، قال :

٤٩٨

كنت أتمشّى في أسواق دمشق ، وإذا أنا بعلي بن الحسينعليه‌السلام يمشي ويتوكأ على عصا في يده ، ورجلاه كأنهما قصبتان ، والدم يجري من ساقيه ، والصفرة قد غلبت عليه.

قال منهال : فخنقتني العبرة ، فاعترضته وقلت له : كيف أصبحت يابن رسول الله؟. قال : يا منهال وكيف يصبح من كان أسيرا ليزيد بن معاوية!. يا منهال والله منذ قتل أبي ، نساؤنا ما شبعت بطونهنّ ، ولا كسيت رؤوسهن ، صائمات النهار ونائحات الليل. يا منهال أصبحنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، فالحاكم بيننا وبينهم الله ، يوم فصل القضاء. يا منهال أصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمدا منهم ، وتفتخر قريش على العرب بأن محمدا منها ، وإنا عترة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصبحنا مقتولين مذبوحين ، مأسورين مشرّدين ، شاسعين عن الأمصار ، كأننا أولاد ترك وكابل. هذا صباحنا أهل البيت ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم قالعليه‌السلام : يا منهال ، الحبس الّذي نحن فيه ليس له سقف. يا منهال لقد تقشّرت وجوهنا من حرارة الشمس ، والشمس تصهرنا ، ولا نرى الهواء [أي لا نخرج إلى الهواء] ، فأفرّ منه سويعة لضعف بدني ، وأرجع إلى عماتي وأخواتي خشية على النساء.

الإفراج عن السبايا

٥٩٧ ـ يزيد يستشير أهل الشام ماذا يفعل بالسبايا؟ :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة للدينوري ، ج ٢ ص ٨)

ثم استشار يزيد أهل الشام فيما يصنع بالسبايا ، فقال : يا أهل الشام ما ترون في هؤلاء؟. فقال رجل من أهل الشام : لا تتخذنّ من كلب سوء جروا!.

فقال له النعمان بن بشير [الأنصاري] : يا أمير المؤمنين ، اصنع بهم ما كان يصنع بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآهم بهذه الحال.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٦٦ : ثم استشار أهل الشام ماذا يصنع بهم؟.فقالوا له : لا تتخذ من كلب سوء جروا!. فقال النعمان بن بشير : انظر ما كان يصنعه بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاصنعه.

٤٩٩

فقالت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام : يا يزيد ، بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !.

قال : فبكى يزيد حتى كادت نفسه تفيض ، وبكى أهل الشام حتى علت أصواتهم. ثم قال : خلّوا عنهم ، واذهبوا بهم إلى الحمّام واغسلوهم ، واضربوا عليهم القباب ، ففعلوا. وأمال عليهم المطبخ وكساهم ، وأخرج لهم الجوائز الكثيرة من الأموال والكسوة.

ثم قال يزيد : لو كان بينهم وبين عاضّ بظر أمّه [كناية عن أحطّ الناس قيمة] نسب ما قتلهم ، ارجعوا بهم إلى المدينة.

قال : فبعث بهم من صار بهم إلى المدينة.

٥٩٨ ـ دخول السبايا على نساء يزيد في داره :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٠٤ ط نجف)

ثم دخل نساء الحسينعليه‌السلام وبناته على نساء يزيد ، فقمن إليهن ، وصحن وبكين ، وبكين المأتم على الحسينعليه‌السلام .

٥٩٩ ـ إنزال السبايا في دار تتصل بدار يزيد :(الإرشاد للمفيد ، ص ٢٤٦)

ثم أمر يزيد بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة ، ومعهن علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ، فأفرد لهم دارا تتصل بدار يزيد ؛ فأقاموا أياما.

وفي (تاريخ ابن عساكر) تراجم النساء ، ص ١٢٣ :

ثم أمر النسوة أن ينزلن في دار على حدة ، معهن أخوهن علي بن الحسينعليه‌السلام في الدار التي هو فيها.

قال : فخرجن حتى دخلن دار يزيد ، فلم يبق من آل معاوية بن أبي سفيان امرأة إلا استقبلتهن ، تبكي وتنوح على الحسينعليه‌السلام . وأقاموا عليه المناحة ثلاثة أيام.

٦٠٠ ـ إقامة المآتم على الحسينعليه‌السلام في دار يزيد ثلاثة أيام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٥ ط ٢ نجف)

وقال الزهري : لما دخلت نساء الحسينعليه‌السلام وبناته على نساء يزيد ، قمن إليهن وصحن وبكين ، وأقمن المآتم على الحسينعليه‌السلام .

ثم قال يزيد لعلي الأصغر : إن شئت أقمت عندنا فبررناك ، وإن شئت رددناك إلى المدينة. فقال : لا أريد إلا المدينة ، فردّه إليها مع أهله.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205