ليالي بيشاور

ليالي بيشاور1%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 236314 / تحميل: 3910
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ثمّ إنّ هارون كان شريك أخيه في تبليغ الرسالة السماوية ، هذا ما يظهر من الآيات الكريمة التي تحكي كلام موسى ودعاءه في قوله تعالى :( قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً* وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ) .

ولكنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام هو الرجل الوحيد الذي كان شريكا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع صفاته الخاصة ومراحل الكمال إلاّ النبوّة الخاصّة.

الحافظ : ما زلنا نزداد تعجّبا وحيرة منكم ، لأنّكم تغالون في عليّ كرّم الله وجهه غلوّا يأباه العقل السليم! أليس قولكم هذا إنّ عليا كان يشارك النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في جميع صفاته الخاصة مغالاة صريحة في حقّ عليّ كرم الله وجهه؟!

قلت : إنّ كلامي هذا ليس غلوّا ولا يأباه العقل ، بل هو الحقّ الصريح ويحكم به العقل السليم الصحيح ، فإنّ خليفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب أن يكون ـ على القاعدة العقلية ـ مثله في جميع صفاته الكمالية حتّى يصحّ أن يكون بديله وقائما مقامه وممثّله.

لذلك ، فإنّ كثير من علمائكم الكبار ذهبوا مذهبنا وقالوا مقالنا.

٢٦١

منهم : الإمام الثعلبي في تفسيره ، والعالم الفاضل السيّد أحمد شهاب الدين في كتاب «توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل» قال : ولا يخفى أنّ مولانا أمير المؤمنين قد شابه النبيّ في كثير ، بل أكثر الخصال الرضيّة والفعال الزكيّة وعاداته وعباداته وأحواله العليّة ، وقد صحّ ذلك له بالأخبار الصحيحة والآثار الصريحة ، ولا يحتاج إلى إقامة الدليل والبرهان ، ولا يفتقر إلى إيضاح حجّة وبيان ، وقد عدّ بعض العلماء بعض الخصال لأمير المؤمنين عليّ التي هو فيها نظير سيّدنا النبي الامّيّ ، فهو نظيره في النسب ، ونظيره في الطهارة بدليل قوله تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) .

ونظيره في آية وليّ الامّة ، بدليل قوله :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٢) .

ونظيره في الأداء والتبليغ ، بدليل الوحي الوارد عليه يوم إعطاء سورة براءة لغيره ، فنزل جبرئيل قال : لا يؤدّيها إلاّ أنت أو من هو منك ، فاستعادها منه فأدّاها عليّ رضي الله تعالى عنه في الموسم.

ونظيره في كونه مولى الامة بدليل قوله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه».

ونظيره في مماثلة نفسيهما ، وأنّ نفسه قامت مقام نفسه (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، والله تعالى أجرى نفس عليّ مجرى نفس النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فقال :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٥٥.

٢٦٢

وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (١) .

ونظيره في فتح بابه في المسجد كفتح باب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وجواز دخوله المسجد جنبا كحال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) على السواء.

لمّا وصل الحديث إلى هذا الموضوع ، وإذا بهمهمة قامت بين الحاضرين من أهل السنّة والجماعة. فسألت عن سبب ذلك ، فأجاب النوّاب قائلا :

في خطبة يوم الجمعة في المسجد ، نسب الحافظ هذه الفضيلة لسيّدنا أبي بكر (رض) ، والآن جنابكم تنسبوه للإمام عليّرضي‌الله‌عنه ، لذلك تحيّر الحاضرون من هذا التناقض!

قلت ـ مخاطبا للحافظ ـ : أصحيح أنّك نسبت هذه الفضيلة للخليفة أبي بكر؟!

الحافظ : نعم لقد ورد عن الصحابي الجليل والثقة العدل أبي هريرة (رض) : أنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أمر بسدّ أبواب بيوت الأصحاب التي تنفتح في المسجد إلاّ باب بيت أبي بكر (رض) وقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : أبو بكر منّي وأنا منه.

قلت : لا يخفى على كلّ من طالع التاريخ بدقّة وتحقيق ، أنّ بني أميّة سعوا في خلق الفضائل والمناقب للصحابة الّذين كانوا مناوئين لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولا سيّما المناقب التي تعدّ من خصائص أمير المؤمنين عليعليه‌السلام فنسبوها إلى الآخرين.

فكان معاوية يدعو أبا هريرة والمغيرة وعمرو بن العاص

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٦١.

٢٦٣

ونظراءهم ، فيشبع بطونهم بألوان الطعام ، ويغريهم بالأموال والحطام ، ويأمرهم بنقل الروايات المجعولة والأخبار المعلولة لأهل الشام ، وكان المناوئون البكريّون والعمريّون والعثمانيّون ينشرون تلك الأباطيل والأكاذيب بين الأنام.

ولكن ظهر أمام هؤلاء المفترين الوضّاعين ، جماعة من علمائكم المحقّقين ، وفضحوا بعض تلك الأخبار المجعولة وكشفوا الستار عنها.

منهم : العلاّمة الكبير والعالم النحرير ، ابن أبي الحديد ، قال : فلمّا رأت البكرية ما صنعت الشيعة ، وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث ، نحو : «لو كنت متّخذا خليلا» فإنّهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء ، ونحو «سدّ الأبواب» فإنّه كان لعليّعليه‌السلام فقلبته البكرية إلى أبي بكر(١) .

والعجب منك أيّها الحافظ إذ تنقل هذا الخبر المجعول لأصحابك وتترك الخبر الصحيح المتواتر والمجمع عليه ، وقد أثبته كبار علمائكم وأصحاب الصحاح كلّهم رووا : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بسدّ جميع الأبواب التي كانت تنفتح على مسجده إلاّ باب بيته وباب بيت الإمام عليعليه‌السلام .

النوّاب : لقد صار هذا الخبر موضع اختلاف ، فالحافظ يقول : إنّه من مناقب أبي بكر (رض) ، وأنتم تقولون : إنّه من فضائل سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه ومن خصائصه دون الصحابة ، فهل عندكم مدارك وأسناد معتبرة عندنا أي : تكون من كتبنا المشهورة؟!

قلت : نعم.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١١ / ٤٩ ط دار إحياء التراث العربي.

٢٦٤

روى الإمام أحمد في مسنده ١ / ١٧٥ و ٢ / ٢٦ و ٤ / ٣٦٩.

والنسائي في سننه ، وأيضا في خصائصه : ١٣ و ١٤.

والحاكم في المستدرك ٣ / ١١٧ و ١٢٥.

وسبط ابن الجوزي في التذكرة ٢٤ و ٢٥.

وابن الأثير الجزري في أسنى المطالب ١٢.

وابن حجر في الصواعق المحرقة ٧٦.

وابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٧ / ١٢.

والخطيب البغدادي في تاريخه ٧ / ٢٠٥.

وابن كثير في تاريخه ٧ / ٣٤٢.

والمتّقي الهندي في كنز العمّال ٦ / ٤٠٨.

والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١١٥.

ومحبّ الدين الطبري في الرياض ٢ / ١٩٢.

والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ٤ / ١٥٣.

والسيوطي في تاريخ الخلفاء ١١٦ ، وفي بعض كتبه الاخرى.

مثل : جمع الجوامع والخصائص الكبرى واللآلي المصنوعة ج ١.

ورواه الخطيب الخوارزمي في المناقب.

والحمويني في فرائد السمطين.

وابن المغازلي في المناقب.

والمناوي في كنوز الدقائق.

وشهاب الدين القسطلاني في إرشاد الساري ٦ / ٨١.

والقندوزي في ينابيع المودّة ، أفرد الباب ١٧ لهذا الحديث.

والحلبي في السيرة الحلبية ٣ / ٣٧٤.

٢٦٥

ومحمد بن طلحة في مطالب السئول ١٧.

هؤلاء وغيرهم من كبار علمائكم ومحدّثيكم رووا عن كبار الصحابة المعتبرين عندكم ، كالخليفة الثاني ، وعبد الله بن عبّاس ، وعبد الله بن عمر ، وزيد بن أرقم ، وبراء بن عازب ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي حازم ، والأشجعي ، وسعد بن أبي وقّاص ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وغيرهم ، قالوا : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بسدّ جميع الأبواب التي كانت تفتح من بيوت الصحابة في المسجد إلاّ باب بيت عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وبيّن بعض علمائكم المحقّقين توضيحات كاملة وكافية لتوجيه وهداية المغترّين والمغرورين بالدعايات الاموية فضلّوا عن الحقّ وعن الصراط المستقيم.

لقد خصّص العلاّمة محمد بن يوسف الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» بابا ، وهو الخمسون خصّصه في هذا الموضوع ، وبعد أن يروي الأخبار وينقل الروايات المعتبرة والمقبولة بسنده يقول : هذا حديث حسن عال.

ثمّ يقول : وإنّما أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بسدّ الأبواب وذلك لأنّ أبواب مساكنهم كانت شارعة إلى المسجد فنهى الله تعالى عن دخول المساجد مع وجود الحيض والجنابة ، فعمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنهي عن الدخول في المسجد والمكث فيه للجنب والحائض وخصّ عليّا بالإباحة في هذا الموضع.

وما ذاك دليل على إباحته المكروه له ، وإنّما خصّ بذلك لعلم المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه يتحرّى من النجاسة هو وزوجته فاطمة وأولاده

٢٦٦

صلوات الله عليهم ، وقد نطق القرآن بتطهيرهم في قوله عزّ وجلّ :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) إلى آخر ما رواه وعلّقه العلاّمة الكنجي.

فمع هذا التوضيح من العلاّمة الكنجي الشافعي فليقايس جناب الحافظ : مع الخبر الذي نقله إلى المصلّين في يوم الجمعة عن أبي هريرة ، ثمّ لينظر هل يكون عنده دليل على طهارة أبي بكر؟! مع غضّ النظر عن كل الأسناد والمدارك التي ذكرتها في تأييد الخبر وصحّته في الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام لا غيره.

فلينظر الحافظ هل يكون عنده دليل على طهارة أبي بكر حتّى يسمح له فتح بابه في المسجد وتردّده فيه؟!

فلمّا لم يدّع أحد من المسلمين طهارة أبي بكر ، لم يكن خبر فتح بابه على المسجد صحيحا ، بل هو كذب افتراه الجعّالون ، وقد تذكّرت الآن حديثا بالمناسبة ، رواه كبار علمائكم عن الخليفة عمر بن الخطّاب.

ورواه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٢٥ ، والحافظ سليمان القندوزي في «ينابيع المودّة» باب ٥٦ ص ٢١٠ ، نقلا عن «ذخائر العقبى» ومسند الإمام أحمد ، ورواه الخطيب الخوارزمي في المناقب : ٢٦١ ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : ٧٦ ، وجلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء ، وغير هؤلاء ، كلّهم رووا ـ باختلاف يسير في الألفاظ ـ أنّ عمر بن الخطّاب قال : «لقد أوتي عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأن تكون لي واحدة منها أحبّ إليّ من حمر النّعم :

زوّجه النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بنته.

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.

٢٦٧

وسدّ الأبواب إلاّ بابه ، وسكناه المسجد مع رسول الله ، يحلّ له فيه ما يحلّ له.

وأعطاه الراية يوم خيبر».

فأكتفي بهذا المقدار في هذا الإطار ، وأظنّ أنّ الحقّ قد انكشف ، والسحاب قد انقشع ، وظهر الواقع لحضرة النوّاب وجناب الحافظ وجميع الحاضرين.

والآن نرجع إلى محور حديثنا من قبل ، وهو كلام السيّد شهاب الدين ، حول الإمام عليّعليه‌السلام :

فبعد مقايسته لبعض خصال الإمام عليّعليه‌السلام المشابهة لخصال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول في آخر حديثه : ومن تتبّع أحواله في الفضائل المخصوصة ، وتفحّص أحواله في الشمائل المنصوصة ، يعلم أنّه كرّم الله تعالى وجهه بلغ الغاية في اقتفاء آثار سيّدنا المصطفى ، وأتى النهاية في اقتباس أنواره حيث لم يجد فيه غيره مقتضى.

هذا نموذج من مقالات واعترافات كبار علمائكم في حقّ الإمام عليّعليه‌السلام ومقاماته العالية وفضائله السامية ، نقلتها لكم حتّى تعرفوا ، أنّي لم اغال في حقّ الإمام عليّعليه‌السلام ، ولم أدّع شيئا بغير مستند في حقّه.

بل كلّ ما أقوله إنّما هو عن دليل وبرهان ، وتدقيق وإتقان.

وعلماء الشيعة كلّهم كذلك ، كلّ ما نقلوه من فضائل الإمام عليّعليه‌السلام ومناقبه إنّما هي مستندة إلى كتب كبار علمائكم ومحقّقيكم.

ولكن من دواعي الأسف أنّ بعض علمائكم ، وخاصة في زماننا ، إذا واجهوا عوامّ الناس والجهلاء من أتباعهم ، ينكرون تلك

٢٦٨

الفضائل والمناقب المرويّة في الكتب المعتبرة عندهم في حقّ الإمام عليّعليه‌السلام ، بل يكذّب بعضهم بكلّ صلافة الشيعة وغيرهم إذا نقلوا تلك الأخبار والروايات المعتبرة.

وحاصل الكلام ، فقد ثبت أنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام هو نظير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشريكه ، كما كان هارون بالنسبة لموسى بن عمرانعليهم‌السلام ولمّا وجد موسى أخاه هارون أولى وأفضل من جميع بني إسرائيل ، وهو اللائق بهذا المقام ، سأل ربّه عزّ وجلّ فيه وقال :( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (١) إلى آخره.

وكذلك محمّد المصطفى ، خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لمّا وجد أخاه عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام أفضل أمّته ، وأرجحهم علما وعقلا ، فهو أليقهم بأمر الخلاقة ، وأولاهم بمقام الإمامة ، سأل ربّه سبحانه وتعالى فيه ما سأله النبي موسىعليه‌السلام في حقّ أخيه.

النوّاب : هل وردت روايات في هذا الباب؟

قلت : أمّا الشيعة فقد أجمعوا على هذا الموضوع من غير إنكار ، وأمّا علماؤكم فقد نقلوا أيضا في كتبهم المعتبرة روايات صحيحة وأحاديث صريحة في ذلك ، منهم :

ابن المغازلي الفقيه الشافعي ، في «مناقبه».

وجلال الدين السيوطي ، في تفسيره «الدرّ المنثور».

والإمام الثعلبي ، في تفسيره «كشف البيان».

وسبط ابن الجوزي ، في كتابه «تذكرة الخواصّ» في ذيل آية

__________________

(١) سورة طه ، الآيات ٢٩ ـ ٣٢.

٢٦٩

الولاية ، وروى في صفحه ١٤ ، عن أبي ذرّ الغفاري وأسماء بنت عميس ـ إحدى زوجات أبي بكر ـ ، قالا :

صلّينا يوما الظهر في المسجد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا برجل قام يسأل الناس شيئا فما أعطاه أحد ، وكان عليعليه‌السلام في الركوع فأشار إليه بإصبعه ، فأخرج السائل خاتمه من إصبعه ، فرأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك ، فنظر نحو السماء وقال : اللهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال :( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) فأنزلت عليه قرآنا ناطقا :( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما ) .

اللهمّ وأنا محمّد صفيّك ونبيّك ، فاشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيرا من أهلي ، عليا اشدد به أزري.

فو الله ما انتهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدعاء ، إلاّ ونزل جبرئيل بالآية الكريمة :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (١) .

والعلاّمة محمد بن طلحة نقل هذا الخبر مع اختلاف يسير في الالفاظ ، في كتابه «مطالب السئول ١٩».

وهناك خبر آخر ، نقله الحافظ أبو نعيم في «منقبة المطهّرين» والشيخ علي الجعفري في «كنز البراهين» والإمام أحمد بن حنبل في «المسند» والسيّد شهاب الدين في «توضيح الدلائل» والسيوطي في «الدرّ المنثور» وآخرون من كبار علمائكم ، لا يسع الوقت لذكر أسمائهم

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٥٥.

٢٧٠

لكثرتهم ، فقد ذكروا في كتبهم بطرق مختلفة عن : أسماء بنت عميس وغيرها من الصحابة ، ورووا عن ابن عبّاس ـ حبر الامّة ـ ، أنّه قال :

أخذ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بيدي وبيد عليّ ابن أبي طالب ، فصلّى أربع ركعات ، ثمّ رفع يده نحو السماء وقال : اللهمّ سألك موسى بن عمران ، وأنا محمد أسألك : أن تشرح لي صدري ، وتيسّر لي أمري ، وتحلّ عقدة من لساني ، يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا ، اشدد به أزري ، وأشركه في أمري.

فقال ابن عبّاس : سمعت صوتا يقول : يا أحمد! قد اوتيت ما سألت.

وقال ابن عبّاس : فأخذ النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بيد عليّ ورفعها نحو السماء وقال : يا علي! ارفع يدك واسأل ربّك ليعطيك شيئا.

فرفع عليّ يده وقال : اللهمّ اجعل لي عندك عهدا ، واجعل لي عندك ودّا.

فنزل جبرئيل بالآية الكريمة :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ) (١) .

فتعجّب الأصحاب من هذا الموضوع ، فقال النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : ممّا تعجبون؟! إنّ القرآن أربعة أرباع ، فربع فينا أهل البيت خاصة ، وربع حلال ، وربع حرام ، وربع فرائض وأحكام ، والله أنزل في عليّعليه‌السلام كرائم القرآن.

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٩٦.

٢٧١

الشيخ عبد السّلام : على فرض صحّة كلامكم ، فإنّ حديث المنزلة لا يخصّ عليّ بن أبي طالب ، بل ورد مثله في حقّ الشيخين أبي بكر وعمر (رض).

فقد روى قزعة بن سويد ، عن أبي مليكة ، عن ابن عبّاس ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى.

قلت : لو كنتم تعرفون رأي علمائكم في رواة هذا الحديث لما تمسّكتم به!

فإنّ قزعة كالآمدي ، كذّاب جعّال ، وإنّ كبار علمائكم الرجاليّين ، ردّوا عليه وقالوا : إنّ رواياته غير مقبولة.

منهم : العلاّمة الذهبي في كتابه «ميزان الاعتدال» قال في ترجمة قزعة بن سويد : نقل هذا الحديث ـ منزلة الشيخين ـ عمّار بن هارون وأنكره فقال : هذا كذب.

لذا فنحن نتعجّب منكم إذ تتركون الحديث المجمع عليه ، والمرويّ في كتب الفريقين ، وهو مؤيّد بأحاديث صحيحة اخرى ، وتتمسّكون بحديث ضعيف ، مردود عند الفريقين ، وغير مقبول عند كبار علمائكم الأعلام!!

ولمّا وصلنا إلى هنا نظر بعض الحضور إلى الساعة وقالوا : لقد طال بنا الحديث ، ومضى من الليل نصفه ، فلنترك الحوار حول الموضوع إلى الليلة القابلة.

فوافق جميع الحاضرين ، وتوادعوا ، وذهبوا إلى بيوتهم.

٢٧٢

المجلس الخامس

ليلة الثلاثاء ٢٧ رجب ١٣٤٥

أقبل الحافظ وسائر العلماء من أوّل الليل مع جماعة كبيرة من أتباعهم ، وبعد تناول الشاي والحلوى ، بدأ الحافظ قائلا :

لقد فكّرت كثيرا في حديثكم وكلامكم حول حديث المنزلة ، وراجعت كتبنا فرأيته كما ذكرتم أنّه من الأحاديث الصحيحة المتواترة بإجماع علمائنا وأهل الحديث الموثّقين عندنا

ولكنّه لا يدلّ على خلافة سيّدنا عليّ كرم الله وجهه بعد وفاة النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) مباشرة من غير فاصل كما تقولون ، بل صدر حديث المنزلة عند خروج النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) من المدينة إلى غزوة تبوك وخلّف عليّا في المدينة.

فهو يدلّ على خلافة سيّدنا عليّرضي‌الله‌عنه لرسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في ذلك المورد فحسب ، وذلك في حياة النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، فلا يتعدّى إلى موارد اخرى ، وخاصة بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)!

٢٧٣

قلت : لو كان أحد الحاضرين من غير العلماء يطرح هذا الإشكال ما كنت أتعجّب ، ولكن هذا البيان من رجل فاضل يعلم قواعد اللغة العربية مثلكم غريب!

لأنّ الاستثناء الذي جاء في آخر حديث المنزلة يفيد العموم ، وهو : «إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

ثمّ هناك أصل مقبول عند أشهر علماء اللغة العربية وهو : إنّ اسم الجنس إذ ذكر في الكلام وكان مضافا إلى اسم علم فهو يفيد العموم وكلمة «المنزلة» التي اضيفت الى اسم «هارون» يفهم منها معناها العام.

وجملة : «لا نبيّ بعدي» يؤول على المصدر ، أي : «لا نبوّة بعدي» وهو أيضا على القاعدة المشهورة بين اللغويّين العرب.

الحافظ : إذا ننظر إلى جملة : «لا نبيّ بعدي» بنظر الدقّة ، لوجدناها جملة إخبارية. فلا يمكن استثناؤها من منازل هارون ومراتبه ، ثمّ ما الداعي لنصرف ظاهر الكلمة على المصدر؟!

قلت : إنّك تعرف الحقّ وتحرفه جدلا! لأنّ كلامي غير شاذّ ، بل هو على القواعد المسلّمة عند علماء اللغويّين والاصوليّين ، وهناك كثير من علمائكم قالوا به وصرّحوا بما فهمناه من حديث المنزلة.

وعندنا دليل أقوى من كلّ ذلك ، وهو أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صرّح أيضا بهذا المعنى كما في بعض الروايات الصحيحة المعتبرة عند علمائكم ، منهم :

١ ـ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ، في كتابه «كفاية الطالب في مناقب مولانا علي بن أبي طالب» الباب السبعين.

٢ ـ الشيخ سليمان الحنفي القندوزي ، في كتابه «ينابيع المودّة»

٢٧٤

بسنده عن عامر بن سعد ، عن أبيه.

ومن طريق آخر بسنده عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال لعليّعليه‌السلام : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي؟!

قال القندوزي في الباب السادس من كتابه : هذا حديث متّفق على صحّته ، رواه الأئمّة الحفّاظ كأبي عبد الله البخاري ومسلم بن الحجّاج في صحيحيهما.

٣ ـ ابن كثير ، في تاريخه ، عن عائشة بنت سعد عن أبيها عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

٤ ـ سبط ابن الجوزي ، في تذكرة الخواصّ : ١٢ ، نقلا عن مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم.

٥ ـ الإمام أحمد ، في المناقب.

٦ ـ أحمد بن شعيب النسائي ، في كتابه «خصائص عليّ بن أبي طالب» بسنده عن سعد بن أبي وقّاص عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

٧ ـ الخطيب الخوارزمي ، في المناقب ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

... هؤلاء وغيرهم رووا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة؟!

٨ ـ المير سيد علي الهمداني ، في كتابه «مودّة القربى» ـ المودّة السادسة ، عن أنس بن مالك ـ وقد نقلت لكم الحديث في الليلة

٢٧٥

الماضية ـ يقول في آخره : ولو كان بعدي نبيّا لكان عليّ نبيّا ، ولكن لا نبوّة بعدي.

فثبت بحديث المنزلة ، أنّ موسى بن عمرانعليه‌السلام كما خلّف أخاه هارونعليه‌السلام مكانه حينما ذهب لميقات ربّه سبحانه ، وفوّض أمر النبوّة إليه ، لأنّه كان أفضل أمّته وأحفظهم للدين ، فجعله يقوم مقامه ، كي لا يضيع شرعه ولا تذهب أتعابه سدى كذلك خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشريعته المقدّسة أفضل الشرائع السماوية ، ودينه المبين أكمل الأديان الإلهيّة.

فمن الأولى أن لا يترك أمّته من غير خليفة ، ولا بدّ له أن يعيّن من يقوم مقامه في أمر النبوّة ، كي لا تختلف أمّته في أحكام الدين ، ولا يضيع شرعه المقدّس بين الجاهلين والمغرضين ، فيتحكمون فيه ويفتون بالرأي والقياس ، وما استحسنته عقولهم المتحجّرة ، فيذهبون إلى الدروشة والتصوّف وما إلى ذلك.

حتّى انقسمت الامّة الإسلامية الواحدة التي قال تعالى في وصفها :( إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (١) فتفرّقت إلى ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة ناجية والباقون في النار ، لأنّهم ضالون ومضلّون.

فأعلن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ عليّا منه بمنزلة هارون من موسى ، وبقي على المسلمين أن يفهموا من الحديث الشريف ، بأنّ جميع منازل هارون تكون لعليّعليه‌السلام ، ومنها تفضيله على الآخرين ، وخلافته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته وبعدها.

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآية ٩٢.

٢٧٦

الحافظ : كلّ ما بيّنتموه حول حديث المنزلة نقبله ، إلاّ هذا الموضوع الأخير. فإنّ كلّ منازل ومراتب هارون تكون لعليّ كرّم الله وجهه في حياة النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، وأمّا بعد حياته فلا!

لأنّه (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) عيّن عليّا خليفته في المدينة حينما أراد الخروج لغزوة تبوك ـ وهي قضية في واقعة ـ فلمّا رجع (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) من الغزو تسلّم الأمر من عليّ كرّم الله وجهه ، وانتهى التعيين لأنّه كان خاصّا بذلك الزمان.

فلا نفهم من حديث المنزلة خلافة سيّدنا عليّرضي‌الله‌عنه لسيّدنا محمد المصطفى (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ما بعد وفاته (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، وهذا الأمر يحتاج إلى دليل آخر.

قلت : لم ينحصر صدور حديث المنزلة في غزوة تبوك فحسب ، بل نجد في الأخبار المعتبرة والروايات الصحيحة أنّ النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أعلن حديث المنزلة في مناسبات اخر.

منها : حينما آخى بين أصحابه في مكّة واخرى في المدينة واتّخذ عليّاعليه‌السلام أخا لنفسه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.

الحافظ : هذا خبر غريب! لأنّي كلّ ما سمعت وقرأت عن حديث المنزلة ، أنّه صدر من النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) حين ذهابه إلى تبوك ، وذلك لمّا خلّف عليّارضي‌الله‌عنه في المدينة ، فحزن عليّ لعدم مشاركته في الحرب والجهاد ، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ...؟! إلى آخره.

٢٧٧

لذلك فإنّي أظن أنّ سماحة السيّد قد وهم في كلامه ، واشتبه الأمر عليه.

قلت : إنّي لست متوهّما ، بل على يقين من كلامي ، وهو قول جميع علماء الشيعة وكثير من علمائكم أيضا ، منهم :

١ ـ المسعودي ، في مروج الذهب ٢ / ٤٩.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٦ و ١٢٠.

٣ ـ الإمام النسائي ، في خصائص عليّ بن أبي طالب : ١٩.

٤ ـ سبط ابن الجوزي ، في التذكرة : ١٣ و ١٤.

٥ ـ الشيخ سليمان الحنفي القندوزي ، في «ينابيع المودّة» الباب التاسع والسابع عشر ، نقلا عن مسند الإمام أحمد ، وعن زوائد المسند لعبد الله بن أحمد ، وعن مناقب الخوارزمي.

كلّ هؤلاء ذكروا حديث المنزلة ضمن خبر المؤاخاة ، والمستفاد من الأخبار والروايات ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرّر حديث المنزلة في حضور أصحابه وفي مناسبات كثيرة منها : عند المؤاخاة ، وعند استخلافهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا على المدينة حين خروجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها إلى تبوك وغيرها.

فكأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يريد إعلان خلافة أخيه وابن عمّه الإمام عليّعليه‌السلام في كلّ وقت ومكان ، لا في زمان ومكان معيّن.

الحافظ : كيف تفهمون من حديث المنزلة هذا الموضوع المهمّ ، ولم يفهمه الصحابة الكرام ما فهمتموه؟!

أم تقولون إنّهم فهموا من حديث المنزلة ما فهمتموه ومع ذلك خالفوا نبيّهم وبايعوا غير سيّدنا عليّرضي‌الله‌عنه ؟!

قلت : في جواب سؤالك الثاني ، الذي هو قولنا ، عندي قضايا

٢٧٨

مشابهة كثيرة ، ولكن أكتفي بنقل قضية واحدة وهي قضية هارون الذي نحن في ذكره والكلام يدور حوله.

وعليّعليه‌السلام في الإسلام يشبه هارون في بني إسرائيل ، والقضية كما ذكرها المفسّرون عند تفسير قوله تعالى :( وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (١) .

قال المفسّرون : إنّ موسى بن عمران لمّا أراد أن يذهب إلى ميقات ربّه تعالى ، جمع بني إسرائيل ـ والحاضرون على بعض الروايات سبعون ألف نفر ـ فأكّد عليهم أن يطيعوا أمر هارون ولا يخالفوه في شيء ، فإنّه خليفته فيهم.

ثمّ لمّا ذهب إلى الميقات وطال مكثه ، انقلب بنو إسرائيل على هارون فخالفوه وأطاعوا السامريّ ، وسجدوا للعجل الذي صنعه السامري من حليّهم وذهبهم!

ولمّا منعهم هارون ونهاهم من ذلك ودعاهم لعبادة الله سبحانه تألّبوا عليه وكادوا يقتلونه ، كما حكى الله تعالى عن قول هارون :( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (٢) .

بالله عليكم ، أيّها الحاضرون ، أنصفوا!! هل إنّ اجتماع أمّة موسى حول السامريّ وعجلهم ، وتركهم هارون خليفة موسى بن عمران ، المؤيّد من عند الله ، والمنصوص عليه بالخلافة ، دليل على أحقّيّة السامريّ وبطلان خلافة هارون؟!

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٤٢.

(٢) سورة الأعراف ، الآية ١٥٠.

٢٧٩

هل إنّ عمل بني إسرائيل صحيح عند الله سبحانه وتعالى؟!

هل لعاقل أن يقول : إنّ بني إسرائيل إذا كانوا يسمعون من لسان نبيّهم نصّا في خلافة هارون ما كانوا يتركوه ، ويجتمعون حول السامريّ وعجله؟!

وهل اجتماعهم حول السامريّ وعجله ، دليل على انهم ما سمعوا نصّا من موسى بن عمران في خلافة أخيه هارون؟!!

كلّنا يعلم أنّ هذا كلام تافه وواه ، لأنّ القرآن الكريم يصرّح بأنّ موسىعليه‌السلام نصب هارون في مقامه ، وعيّنه خليفته في قومه ، ثمّ ذهب إلى ميقات ربّه ؛ ولكنّ بني إسرائيل مع كلّ ذلك ضلّوا عن الحقّ بإغواء السامريّ وتدليس إبليس لعنه الله.

فهم مع علمهم بخلافة هارون ووجوب إطاعتهم أمره ، خالفوه وكادوا يقتلونه ، بل أطاعوا السامريّ وسجدوا لعجله وعبدوه!!

كذلك بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّ اولئك الّذين سمعوا من فم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرارا وتكرارا ، بالصراحة والكناية ، يقول : إنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا فكما أنّ أمّة موسى تركوا هارون ، كذلك أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تركوا عليّا ، وتبعوا أهواءهم.

بعضهم للرئاسة والدنيا كما قال أمير المؤمنين الإمام عليّعليه‌السلام : حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها(١) .

وبعضهم للحقد الذي كان مكنونا في صدورهم ، لأنّ عليّاعليه‌السلام قتل أبطالهم وجندل ذؤبانهم ، وضربهم بسيفه حتّى استسلموا وقالوا :

__________________

(١) نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : ٥٠ الخطبة الشقشقية ، لسان العرب :٦ / ١٣ مادّة «زبر».

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205