ليالي بيشاور

ليالي بيشاور3%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235740 / تحميل: 3891
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

صحبته إلاّ الخزي والعار في الدنيا ، وهو في الآخرة من أصحاب النار.

أما كان المنافقون حول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يصرح القرآن الكريم؟! وكانوا يعدّون في الظاهر من أصحابه ، لأنّ الصحابي هو الذي أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمع حديثه ، والمنافقون كذلك ، ولكنّهم ملعونون ومعذّبون في النار.

إذا لا ترعبني يا شيخ بكلمة «الصحابي» لأنّ أبا هريرة هو من جملة اولئك المنافقين الملعونين ، ولذا فإنّ رواياته مردودة غير معتبرة عند أهل الحديث المحقّقين.

الشيخ عبد السّلام :

أوّلا إن كان أبو هريرة مردودا عند جماعة من العلماء ، فهو مقبول عند آخرين.

ثانيا لا دليل على أنّ المردود عند بعض العلماء يكون ملعونا ، ويكون من أهل النار ، لأنّ الملعون هو الذي لعن في القرآن الحكيم أو على لسان النبي الكريم (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

دليل لعن أبي هريرة

قلت : أدلّة العلماء الّذين ردّوا روايات أبي هريرة ورفضوها كثيرة وغير قابلة للتأويل.

منها : إنّه كان موافقا لمعاوية ، وهو رأس المنافقين وزعيمهم ، الملعون على لسان النبيّ المأمونصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقد كان أبو هريرة ، كما نقل العلاّمة الزمخشري في «ربيع

٣٠١

الأبرار» وابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» وغيرهما ، أنّه كان في أيّام صفّين يصلّي خلف الإمام عليّعليه‌السلام ويجلس على مائدة معاوية فيأكل معه ، ولمّا سئل عن ذلك؟ أجاب : مضيرة معاوية أدسم ، والصلاة خلق عليّ أفضل (أتمّ) ولذا اشتهر بشيخ المضيرة.

ومنها : إنّه روي ، كما في كتب كبار علمائكم مثل : شيخ الإسلام الحمويني في «فرائد السمطين» باب ٣٧ ، والخوارزمي في «المناقب» والطبراني في «الأوسط» والكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» والإمام أحمد في «المسند» والشيخ سليمان القندوزي في «ينابيع المودّة» وأبو يعلى في «المسند» والمتّقي الهندي في «كنز العمال» وسعيد ابن منصور في «السنن» والخطيب البغدادي في «تاريخه» والحافظ ابن مردويه في «المناقب» والسمعاني في «فضائل الصحابة» والفخر الرازي في «تفسيره» والراغب الأصفهاني في «محاضرات الادباء» وغيرهم ، رووا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ ، يدور الحقّ حيثما دار عليّعليه‌السلام .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ مع القرآن ، والقرآن مع عليّ ، لن يفترقا حتّى يردّا عليّ الحوض.

وأبو هريرة يترك الحقّ والقرآن بتركه عليّاعليه‌السلام ، ويحارب الحقّ والقرآن بانضمامه إلى معاوية بن أبي سفيان ، ومع ذلك تقولون : هو صحابيّ جليل وغير مردود وغير ملعون!

ومنها : أنّه روي في كتب علمائكم ، مثل الحاكم النيسابوري في المستدرك ٣ / ١٢٤ ، والإمام أحمد في «المسند» والطبراني في «الأوسط» ، وابن المغازلي في «المناقب» والكنجي الشافعي في «كفاية

٣٠٢

الطالب» الباب العاشر ، وشيخ الإسلام الحمويني في «الفرائد» ، والمتّقي الهندي في كنز العمّال ٦ / ١٥٣ ، وابن حجر في الصواعق : ٧٤ و ٧٥.

عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : عليّ منّي ، وأنا من عليّ ، من سبّه فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله.

مع ذلك كلّه يذهب أبو هريرة إلى معاوية ويجالسه ، حتّى يصبح من ندماء معاوية الذي كان في السرّ والعلن ، وعلى المنابر ، وعلى رءوس الأشهاد ، وفي قنوت الصلوات ، وخطب الجمعات ، يسبّ ويلعن الإمام عليّا والحسن والحسينعليهم‌السلام .

وكان يأمر ولاته الفسقة الفجرة أن يقتدوا به ويفعلوا مثل فعله!

وأبو هريرة يركن إليه ويجامله ويجالسه ويؤاكله ، ولا ينهاه عن كفره ومنكراته ، بل يجعل الأحاديث عن لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تأييده وتصحيح أفعاله المنكرة ، ويغوي الناس العوام ، ويبعّدهم من الإمام ، ويحرفهم عن الإسلام ، ومع هذا كلّه لا يسقط عندكم عن درجة الاعتبار؟!!

الشيخ عبد السلام : هل من المعقول أن نقبل هذه التهم والمفتريات على صحابيّ طاهر القلب؟! إنما هي من موضعات الشيعة!!

قلت : نعم ، ليس بمعقول أنّ صحابيا طاهر القلب يقوم بهذه المنكرات ؛ لأنّ العامل بها كائنا من كان ، فإنّه آثم قلبه.

وكلّ من يكذب على النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسبّ الله ورسوله فإنّه كافر ومخلّد في جهنّم وإن كان من صحابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

وبنصّ الأخبار الكثيرة الواردة في كتبنا وفي كتب كبار علمائكم

٣٠٣

الأعلام أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من سبّ عليّا فقد سبّني وسبّ الله سبحانه.

وأمّا قولكم : إنّ هذا الكلام من موضوعات الشيعة ، فهو اشتباه محض ، لأنّكم تقيسون القضايا على أنفسكم ، وأنّ كثيرا منكم لا يتورّعون من الكذب وكيل الاتّهامات على شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أجل الوصول إلى غاياتهم الدنيوية ، فيغوون بكلامهم الباطل العوامّ الجاهلين ، ولا يخشون يوم الدين ومحاسبة ربّ العالمين.

عبد السّلام : إنّما أنتم الشيعة كذلك! فأنت أحد علمائهم ، وفي مجلسنا هذا لا تتورّع عن سبّ الصحابة الكرام ، والافتراء عليهم ، فكيف تتورّع من الافتراء على علمائنا الأعلام؟!

قلت : ولكنّ التاريخ يشهد على خلاف ما تدّعيه ، فإنّ أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضطهدون ومشرّدون ومحاربون!

إذ إنّ حكومة بني أميّة حين أسّست قرّرت محاربة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته الطاهرة ، وأعلنوا على المنابر سبّ عليّ بن أبي طالب ولعنه ، وهو أبو العترة وسيّدهم ، بل أمعنوا في السبّ واللعن حتّى سبّوا الحسن والحسين وهما سبطا رسول الله وريحانتاه وسيّدا شباب أهل الجنّة.

وقاموا بمطاردة الشيعة حتّى إذا ظفروا بهم سجنوهم وعذّبوهم ، وكم قتلوا منهم صبرا تحت التعذيب!!

والمؤسف أنّ بعض علمائكم كانوا يساندون اولئك الظلمة ويفتون بمشروعية تلك الأعمال الجنائية والإجرامية!!

٣٠٤

وبعضهم يحوكون الأكاذيب والأباطيل بأقلامهم المأجورة فينسبونها إلى الشيعة على أنّها من معتقداتهم! وبناء عليها يحكمون على الشيعة المؤمنين بالكفر والشرك والرفض والغلو ، وما إلى ذلك من التهم والأباطيل ، فيزرعون في قلوب أتباعهم ، العوامّ الغافلين ، بذور عداوة الشيعة المؤمنين.

عبد السّلام : إنّ علماءنا الأعلام كتبوا عن واقعكم ولم ينسبوا إليكم ما ليس فيكم ، وإنّما كشفوا عن أعمالكم الفاسدة وعقائدكم الباطلة ، فاتركوها حتّى تسلموا من أقلام علمائنا الكرام!

مفتريات ابن عبد ربّه

قلت : ما كنت احبّ أن أخوض هذا البحث وأسوق الحديث في هذا الميدان ، ولكنّك اضطررتني إلى ذلك ، فابيّن الآن لمحة للحاضرين حتّى يعرفوا كيف ينسب علماؤكم إلينا ما ليس فينا!

فأقول : أحد كبار علمائكم ، المشهور بالأدب واللغة ، هو : شهاب الدين أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربّه القرطبي المالكي ، المتوفّى سنة ٣٢٨ هجرية ، ففي كتابه العقد الفريد ١ / ٢٦٩ : يعبّر عن الشيعة الموحّدين المؤمنين ، بأنّهم يهود هذه الامة ، ثمّ إنّه كما يتهجّم على اليهود والنصارى ويبدي عداءه لهم ، يتهجّم على شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويظهر لهم البغض والعداء.

ومن جملة مفترياته وأباطيله على الشيعة ، يقول :

الشيعة لا يعتقدون بالطلاق الثلاث ، كاليهود

الشيعة لا يلتزمون بعدّة الطلاق!

٣٠٥

والحال أنّ أكثر الحاضرين من أهل السنّة في المجلس يعاشرون الشيعة ويتزاورون معهم يشهدون بخلاف هذا العالم المعاند الضالّ المضلّ.

وأنتم إن كان عندكم أدنى اطّلاع على فقه الشيعة فستعرفون بطلان كلام ابن عبد ربّه ، وإن لم يكن عندكم اطّلاع فخذوا أيّ كتاب شئتم من فقه الشيعة واقرءوه حتّى تعرفوا أحكامنا حول مسألة الطلاق الثلاث وعدّة الطلاق.

ثمّ إنّ عمل الشيعة في كلّ مكان بمسائل الطلاق والتزامهم بالعدّة ، أكبر دليل على بطلان كلام ابن عبد ربّه.

ويقول هذا المفتري أيضا : إنّ الشيعة كاليهود ، يعادون جبرئيل ، لأنّ في اعتقادهم أنّه أنزل الوحي على محمّد بدل أن ينزله على عليّ ابن أبي طالب!

«الشيعة الحاضرون كلّهم ضحكوا من هذا الكلام».

فتوجّهت إلى العامّة الحاضرين وقلت لهم : انظروا هؤلاء الشيعة كلّهم ضحكوا من هذا الكلام السخيف وسخروا منه ، فكيف يعتقدون به؟!

فلو كان ابن عبد ربّه يطالع كتب الشيعة ويحقّق في معتقداتهم ما كان يتكلم بهذا الكلام المهين ، وما كان اليوم يظهر جهله للحاضرين ، أو يحكم عليه بأنّه من المغرضين ، وفي قلبه داء دفين ، يريد أن يفرّق بين المسلمين!!

أمّا نحن الشيعة فنعتقد أنّ محمدا المصطفى هو خاتم الأنبياء ، بل نصدّق الحديث النبوي الشريف : «كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين» فهو

٣٠٦

نبيّ مبعوث من عند ربّ العالمين ، اختاره ، واصطفاه ، واجتباه ، وأرسله للناس أجمعين ، ونعتقد بأنّ جبرئيل هو أمين وحي الله ، وهو معصوم ومصون عن الخطأ والسهو والاشتباه.

ونعتقد أنّ الإمام عليّاعليه‌السلام منصوب بأمر الله تعالى في مقام الولاية والإمامة ، فهو خليفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل ، نصبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله عزّ وجلّ يوم الغدير.

ويقول ابن عبد ربّه الضالّ المضلّ : ومن وجوه الشبه بين الشيعة واليهود ، أنّهم لا يعملون بسنّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهم عند ما يتلاقون لا يسلّمون ، بل يقولون : السام عليكم! «ضحك الشيعة الحاضرون ، ضحكا عاليا».

فوجّهت كلامي إلى العامّة الحاضرين وقلت : وإنّ معاشرتكم مع الشيعة في هذا البلد وتحيّتهم معكم وفيما بينهم ، بتحيّة الإسلام : «السلام عليكم» ينفي مزاعم هذا الإنسان وأباطيله.

ويستمرّ ابن عبد ربّه في أكاذيبه ومفترياته على شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول : إنّ الشيعة كاليهود ، يحلّون قتل المسلمين ونهب أموالهم!!

أقول : إنّكم تعيشون مع الشيعة في بلد واحد وتشاهدون معاملتهم الحسنة معكم ومع غيركم.

فنحن الشيعة لا نحلّ دماء وأموال أهل الكتاب (غير المحاربين) فكيف نحلّ دماء وأموال إخواننا المسلمين من أهل السنّة والجماعة؟!

وإنّ حقّ الناس عندنا من أهم الحقوق ، وقتل النفس من أعظم الذنوب وأكبر حوب!

٣٠٧

هذه بعض مزاعم وأباطيل أحد علمائكم ضدّ الشيعة.

والوقت لا يسمح لا كشف لكم أكثر ممّا ذكرت من كلماته الواهية السخيفة.

مفتريات ابن حزم

وأبو محمد عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، المتوفّى سنة ٤٥٦ هجرية ، هو من أشهر علمائكم المعروف بحقده وعدائه للشيعة ، فلقد تحامل على شيعة أهل البيتعليهم‌السلام وافترى عليهم في كتابه «الفصل في الملل والنحل» الجزء الأوّل ، فيقول : إنّ الشيعة ليسوا بمسلمين ، وإنّما اتّخذوا مذهبهم من اليهود والنصارى!

وقال في الجزء الرابع من الكتاب نفسه ، صفحه ١٨٢ : الشيعة يجوّزن نكاح تسعة نساء!

ويظهر كذب الرجل وافتراؤه علينا إذا راجعتم كتبنا الفقهية ، فقد أجمع فقهاؤنا الكرام في كتبهم : أنّ نكاح تسعة نساء في زمان واحد إنّما هو من خصائص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يجوز لأحد من رجال أمّته ، بل يجوز لهم نكاح أربعة نساء في زمن واحد بالنكاح الدائم ، بدليل الآية الكريمة :( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) (١) .

فإذا طالعتم مجلّدات كتاب «الفصل في الملل والنحل» وقرأتم سبابه وشتمه وكلامه البذيء للشيعة المؤمنين لعرق جبينكم خجلا ، لانتسابه إليكم ، وأنّه يعدّ من علمائكم!!

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٣.

٣٠٨

مفتريات ابن تيميّة

وأحد علمائكم الذي اشتهر بشدّة عدائه للشيعة الأبرار الأخيار ، هو أحمد بن عبد الحليم الحنبلي ، المعروف بابن تيميّة ، المتوفّى سنة ٧٢٨ هجرية وهو حاقد لا على الشيعة فحسب ، بل يكمن في صدره بغض الإمام عليّعليه‌السلام والعترة الطاهرة.

ولو يطالع أحدكم مجلّدات كتابه المسمى ب : «منهاج السّنّة» لوجدتم كيف يحاول الرجل أن يخدش في كلّ فضيلة ومنقبة ثابتة للإمام عليّ بن أبي طالب وأبنائه الطيّبين والعترة الطاهرين!

فكأنّه آلى على نفسه أن لا يدع فضيلة واحدة من تلك الفضائل والمناقب ـ التي لا تعدّ ولا تحصى لأهل البيتعليهم‌السلام ـ إلاّ ويردّها ويرفضها أو يشكّك فيها! حتّى التي أجمعت الامّة على صحّتها ورواها أصحاب الصحاح.

ولو أردت أن أذكر لكم كلّ أكاذيبه وأباطيله لضاع الوقت ، ولكن أذكر لكم نبذة من كلامه السخيف وبيانه العنيف! لكي يعرف جناب الشيخ عبد السلام ، أنّ الافتراء والكذب من خصائص وخصال بعض علمائهم لا علماء الشيعة!!

والعجب أنّ ابن تيميّة بعد ذكر أباطيله وأكاذيبه وافترائه على الشيعة المؤمنين ، يقول في الجزء الأول من «المنهاج» صفحة ١٥ : لم تكن أيّة طائفة من طوائف أهل القبلة مثل الشيعة في الكذب ، فلذا أصحاب الصحاح لم يقبلوا رواياتهم ولم ينقلوها!

وفي الجزء العاشر ، صفحه ٢٣ يقول : اصول الدين عند الشيعة :

٣٠٩

أربعة : «التوحيد والعدل والنبوة والإمامة» ولم يذكر المعاد ، مع العلم أنّ كتبنا الكلامية التي تبيّن عقائد الشيعة منتشرة في كلّ مكان وفي متناول كلّ إنسان.

وكما أشرنا في بعض مجالسنا السالفة : فإنّ الشيعة تعتقد أنّ اصول الدين ثلاثة : التوحيد والنبوّة والمعاد ، وتبحث عن عدل الباري سبحانه ضمن التوحيد ، وتجعل الإمامة جزء النبوّة.

وفي الجزء الأوّل ، صفة ١٣١ ، من «منهاج السنّة» يقول : إنّ الشيعة لا تعتني بالمساجد ، فمساجدهم خالية من المصلّين ، غير عامرة بصلاة الجمعة والجماعة ، وبعض الأحيان يحضر بعضهم في المسجد فيصلّون فرادى!!

وجّهت خطابي حينئذ إلى الشيخ عبد السلام وقلت : أيّها الشيخ! أسألك وأسأل الحاضرين ، أما تنظرون بأعينكم إلى مساجد الشيعة في بلادكم وهي عامرة أوقات الصلوات بكثرة المصلّين وإقامة الجماعة بالمؤمنين؟!

وهذه إيران ، وهي اليوم عاصمة الشيعة ، نجد في كلّ مدينة منها ، بل في كلّ قرية منها مساجد عديدة ، مبنيّة بأحسن شكل وأجمل بناء وهندسة ، وفي أكثرها ، أو كلّها ، تقام الصلوات في أوقاتها جماعة.

(عرضت لهم تصاوير عن صلوات الجماعة لعلماء الشيعة).

وأنتم العلماء! راجعوا كتبنا الفقهية سواء المفصّلة أو المجملة ، كالرسائل العمليّة لمراجع ديننا المعاصرين ، تجدون فيها فصولا ومسائل كثيرة في ثواب الصلاة في المسجد وصلاة الجماعة ، فإنّ ثوابها أضعاف الصلاة في البيت أو الصلاة فرادى.

٣١٠

ويستمرّ ابن تيميّة في افترائه على شيعة أهل البيتعليهم‌السلام في نفس الصفحة فيقول : الشيعة لا يحجّون بيت الله الحرام كسائر المسلمين ، وإنّما حجّهم يكون زيارة القبور ، وثواب زيارة القبور عندهم أعظم من ثواب حجّ بيت الله الحرام ، بل هم يلعنون كلّ من لا يذهب إلى زيارة القبور!!

«ضحك الشيعة من هذا الكلام ضحكا عاليا».

والحال أنّكم إذا راجعتم موسوعاتنا الفقهية ، وكتبنا العبادية ، لرأيتم مجلّدات عديدة باسم : كتاب الحجّ ، وهي تحتوي على آلاف المسائل عن كيفية أداء الحجّ وأحكامه ومسائله الفرعية.

وكلّ فقيه يقلّده الناس في الأحكام الشرعية لا بدّ أن ينشر كتابا باسم «مناسك الحج» حتّى يعمل مقلّدوه وتابعوه وفق ذلك.

ورأي جميع فقهائنا الكرام وعلمائنا الأعلام : أنّ تارك الحج ـ المستطيع الذي يترك الحجّ عنادا ـ كافر ، يجب الاجتناب منه والابتعاد عنه ، عملا بالآية الكريم :( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) (١) .

والتزاما بالحديث الشريف : «يقال لتارك الحجّ : مت إن شئت يهوديا أو نصرانيا».

فهل بعد هذا كله ، يترك الشيعة حجّ بيت الله؟!

ثمّ بإمكانكم أن تذهبوا عند قبور أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهي أفضل المزارات عند الشيعة ، واسألوا الزائرين وحتّى السوقيّين منهم والقرويّين : أنّ أداء الحجّ ، أين يكون وكيف يكون؟؟ تسمعوا الجواب

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٩٧.

٣١١

من هم : إنّه يكون في مكّة المكرّمة عند الكعبة إلى آخره.

ثمّ نجد هذا الرجل المفتري الكذّاب ، وهو : ابن تيميّة ، يتّهم أحد مفاخر العلم والدين ، وأحد كبار علماء المسلمين ، وهو الشيخ الجليل ، والحبر النبيل ، العلاّمة محمد بن محمد بن النعمان ، المعروف بالشيخ المفيدقدس‌سره ، فيقول : إنّ له كتابا باسم : «مناسك حجّ المشاهد» بينما لم يكن لفضيلة الشيخ المفيد هكذا كتاب وإنّما له كتاب باسم : «منسك الزيارات» وهو في متناول الأيدي ، ويحتوي على التحيات والعبارات الواردة قراءتها عند مشاهد ومراقد أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ولو راجعتم كتب الشيعة التي الّفت في الزيارات والمزارات لوجدتم فيها تأكيد المؤلّفين على أنّ زيارة المشاهد المشرّفة والمراقد المتبرّكة ، مندوبة وليست واجبة.

وإنّ أكبر دليل قاطع ، وبرهان ساطع ، على كذب ابن تيميّة وافترائه علينا ، أنّكم تشاهدون في كلّ عام عشرات الآلاف من الشيعة يحجّون ويقصدون بيت الله الحرام في الموسم ، ويحضرون في الموقف بعرفات والمشعر الحرام مع إخوانهم المسلمين من سائر المذاهب.

وقد ورد في كتب الأدعية عندنا عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، في أدعية شهر رمضان المبارك ، أن يقرأ في الليل والنهار وفي الأسحار : اللهمّ ارزقني حجّ بيتك الحرام في عامي هذا وفي كلّ عام ، ولا تخلني من تلك المواقف الكريمة ، والمشاهد الشريفة ، وزيارة قبر نبيّك والأئمّةعليهم‌السلام .

ويقول الحاقد المعاند ، في الجزء الثاني من كتابه «منهاج السنّة» :

الشيعة ينتظرون إمامهم الغائب ، ولذلك في كثير من البلاد كمدينة سامرّاء ، يذهبون إلى سرداب هناك ويهيّئون فرسا أو بغلا أو

٣١٢

غيره ، ويصيحون وينادون باسم إمامهم ويقولون : نحن مسلّحون ومهيّئون لنكون معك ونقاتل بين يديك ، فاظهر واخرج!!

ثمّ يقول : وفي أواخر شهر رمضان المبارك يتوجّهون نحو المشرق وينادون باسم إمامهم حتّى يخرج ويظهر.

ويستمر في خزعبلاته قائلا : ومن بينهم من يترك الصلاة ، حتى لا تشغلهم الصلاة عن إدراك خدمة الإمامعليه‌السلام لو ظهر.

(ضحك الحاضرون كلّهم).

فهذه الأراجيف والكلام السخيف من ابن تيميّة الجلف العنيف ، ليس بعجيب ، لكنّي أتعجّب من بعض علماء مصر وسوريا ، الّذين كنّا نعتقد أنّهم أهل علم وتحقيق لا أهل وهم وتحميق!! كيف قلّدوا ابن تيميّة وكرّروا خزعبلاته الهزلية وكلماته الهستيرية.

مثل : عبد الله القصيمي في كتابه «الصراع بين الإسلام والوثنية».

ومحمّد ثابت المصري في كتابه : «جولة في ربوع الشرق الأدنى».

وموسى جار الله في كتابه «الوشيعة في نقد عقائد الشيعة».

وأحمد أمين المصري في كتابيه : «فجر الإسلام» و «ضحى الإسلام».

وغير هؤلاء من دعاة التفرقة والطائفية وأصحاب العصبية الجاهلية.

وهناك بعض الجاهلين منكم اشتهروا بالعلم والتحقيق ، وانتشرت كتبهم ، وأصبحت عندكم من المصادر المعتمدة حتّى أخذتم كلّ ما جاء فيها حول الشيعة وجعلتموها من المسلّمات الحتمية.

منهم : محمد بن عبد الكريم الشهرستاني ، وهو من علمائكم

٣١٣

وكتابه «الملل والنحل» مشهور عندكم ، وقد أصبح من مصادركم المعتمدة ، بينما أهل العلم والتحقيق يرفضون هذا الكتاب ولا يعتمدون عليه أبدا ، لأنّه مشحون بالأخبار الضعيفة ، بل الأخبار الباطلة المخالفة للواقع!

فمثلا : ضمن وصفه للشيعة الاثني عشرية يقول : بعد الإمام محمد التقي ، الإمام علي بن محمد النقي ومشهده في مدينة قم بإيران!!

بينما كلّ من عنده أدنى اطّلاع على تاريخ الإسلام وعلم الرجال ، يعلم أنّ الإمام عليّ بن محمد النقيّعليه‌السلام مرقده في مدينة سامراء بالعراق ، وتعلوه قبّة ذهبية عظيمة لامعة ، أمر بتذهيبها المرحوم ناصر الدين شاه ، الملك القاجاري الإيراني.

ومن هنا نعرف مدى علم الشهرستاني وتحقيقاته العلمية والتاريخية حول الشيعة!! فيسمح لنفسه أن ينسب إليهم أنّهم يعبدون عليّ بن أبي طالب ، وأنّهم يعتقدون بتناسخ الأرواح والتشبيه ، وما إلى ذلك ، ممّا يدلّ على جهله وعدم اطّلاعه على الملل والنحل!!

يكفينا هذا المقدار في هذا الإطار ، وقد ذكرته ليعرف الشيخ من الكاذب والمفتري ، فلا يقول بعد هذا : إنّ علماء الشيعة يكذبون ويفترون على علماء العامّة ، فقد ثبت أنّ الأمر على عكس ما قاله الشيخ عبد السّلام.

الكلام في ذمّ أبي هريرة

ولكي يعرف الشيخ أنّ الشيعة لم ينفردوا في ذمّ أبي هريرة ، بل

٣١٤

كثير من علماء العامّة ردّوا عليه أيضا ورفضوا رواياته ، أنقل بعض ما جاء منهم في هذا المجال :

١ ـ ابن أبي الحديد ، في شرح نهج البلاغة : ٤ / ٦٣ ـ ط دار إحياء التراث العربي ، قال : وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافيرحمه‌الله تعالى أنّ معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّعليه‌السلام ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا وعطايا مغرية ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم : أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين : عروة ابن الزبير

وفي الصفحة ٦٧ من الجزء نفسه ذكر ابن أبي الحديد ، أنّ أبو جعفر قال : وروى الأعمش ، قال : لمّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء إلى مسجد الكوفة ، فلمّا رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ، ثمّ ضرب صلعته مرارا وقال :

يا أهل العراق! أتزعمون أنّي أكذب على الله وعلى رسوله ، وأحرق نفسي بالنار؟!

والله لقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول «إنّ لكلّ نبيّ حرما ، وإنّ حرمي بالمدينة ، ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».

وأشهد بالله أنّ عليّا أحدث فيها!!

فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاّه أمارة المدينة.

أسألكم أيها المستمعون : بالله عليكم! ألا يكفي هذا الخبر وحده لردّ أبي هريرة وإسقاط رواياته عن الاعتبار؟! أم أنّ الشيخ عبد السلام

٣١٥

يعتقد ، أنّ أبا هريرة لمّا كان من الصحابة ، فيحقّ له أن يقول ما يحبّ ويفتري ويكذب ، وله أن يتّهم أفضل الخلفاء الراشدين وأكملهم حسب رواياتكم وهو الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وليس لأحد أن يردّ عليه ويضعّفه أو يطعن فيه؟!

الشيخ عبد السّلام : لو فرضنا صدق كلامكم وصحّة بيانكم فكلّ ذلك لا يوجب لعن أبي هريرة! وأنا إنّما استشكل عليكم وأقول : بأيّ دليل تلعنون أبا هريرة؟!

قلت : بدليل العقل والنّقل أنّه : لا يسبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ ملعون. وحسب الأخبار والأحاديث المعتبرة المروية عن طرقكم والمسجّلة في كتب كبار علمائكم ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

من سبّ عليا فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله سبحانه وتعالى وأبو هريرة كان من الّذين يسبّون عليّاعليه‌السلام ، وكان يجعل الأحاديث في ذمهعليه‌السلام ليشجّع المسلمين الغافلين والجاهلين على سبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام .

أبو هريرة مع بسر بن أرطاة

٢ ـ ذكر الطبري في «تاريخه» وابن الأثير في «الكامل» وابن أبي الحديد في «شرح النهج» والعلاّمة السمهودي وابن خلدون وابن خلّكان ، وغيرهم : أنّ معاوية حينما بعث بسر بن أرطاة ، الظالم الغاشم ، إلى اليمن لينتقم من شيعة الإمام عليّعليه‌السلام كان معه أربعة آلاف مقاتل ، فخرج من الشام ومرّ بالمدينة المنوّرة ومكّة المكرّمة والطائف وتبالة ونجران وقبيلة أرحب ـ من همدان ـ وصنعاء

٣١٦

وحضرموت ونواحيها ، وقتلوا كلّ من ظفروا به من الشيعة في هذه البلاء ، وأرعبوا عامة الناس ، فسفكوا دماء الأبرياء ، ونهبوا أموالهم ، وهتكوا حريمهم ، وقضوا على كلّ من ظفروا به من بني هاشم حتّى لم يرحموا طفلي عبيد الله بن العبّاس ـ ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وكان واليا على اليمن من قبل الإمام عليّعليه‌السلام .

وذكر بعض المؤرّخين : أنّ عدد الّذين قتلوا بسيوف بسر وجنده في تلك السريّة بلغ ثلاثين ألفا!!

وهذا غير عجيب من معاوية وحزبه الظالمين ، فإنّ التاريخ يذكر ما هو أدهى وأمرّ من هذا الأمر.

والجدير بالذكر أنّ أبا هريرة الذي تعظّموه غاية التعظيم ، ولا ترضون بذكر مثالبه ولعنه كان قد رافق بسرا في رحلته هذه الدموية وحملته الإرهابية الاموية ، وخاصة جناياته على أهل المدينة المنوّرة ، وما صنع بكبار شخصيّات الأنصار ، مثل : جابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبي أيّوب الأنصاري إذ حرقوا داره! وأبو هريرة حاضر وناظر ولا ينهاهم عن تلك الجرائم والجنايات!!

بالله عليكم أنصفوا!

أبو هريرة الذي صحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدّة ثلاث سنوات ويروي خمسة آلاف حديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هل من المعقول أنّه ما سمع الحديث النبويّ المشهور الذي يرويه كبار العلماء والمحدّثين ، مثل : السمهودي في «تاريخ المدينة» والإمام أحمد في «المسند» وسبط ابن الجوزي في «التذكرة» وغيرهم ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

«من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة

٣١٧

والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعن الله من أخاف مدينتي ـ أي : أهل مدينتي ـ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يريد أهل المدينة أحد بسوء إلاّ أذابه الله في النار ذوب الرصاص».

فهل من المعقول أنّ أبا هريرة ما سمع واحدا من هذه الأحاديث الشريفة؟!

إنّه سمع! ومع ذلك رافق الجيش الذي هاجم المدينة المنوّرة وأخاف أهلها ، ثمّ وقف بجانب معاوية المارق على إمام زمانه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وهو يومئذ خليفة رسول الله بحكم بيعة أهل الحلّ والعقد في المدينة المنوّرة.

فانضمّ أبو هريرة إلى معاوية مخالفا لأمير المؤمنين وسيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب ، بل محاربا لهعليه‌السلام ، وما اكتفى بكلّ هذه الأمور المنكرة حتّى بدأ يجعل الأحاديث المزورة والأخبار المنكرة في ذمّ وليّ الله وحجّته عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، برواية يرويها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ حاشاه من ذلك كلّه.

والعجيب ، أنّ مع كلّ هذه الأمور المفجعة والقضايا الفظيعة ، قول القائل : إنّه لا يجوز لعن أبي هريرة وطعنه ، لأنّه من صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

وفي منطق أبي هريرة يجوز سبّ الإمام عليعليه‌السلام ولعنه والعياذ بالله وهو أكرم الصحابة وأفضلهم ، وأحبّ الناس إلى الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الشيخ عبد السلام : الله الله! كيف تقول هكذا في شأن أبي هريرة وهو أعظم راو وأوثق صحابي؟!

٣١٨

فالطعن واللعن رأي الشيعة ، وأمّا رأي عامة المسلمين في أبي هريرة ، فإنّهم يعظّمونه ويحترمونه ويجلّونه عن كلّ ما تقولون.

قلت : إنّ ما قلناه فيه لم يكن رأي الشيعة فحسب ، بل هو رأي كثير من علمائكم ورجالكم ، حتّى الخليفة الثاني عمر الفاروق ، فقد ذكر المؤرّخون ، كابن الأثير في الكامل في حوادث عام ٢٣ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ١٠٤ ط مصر وغيرهما ، ذكروا : أنّ عمر بن الخطّاب في سنة ٢١ أرسل أبا هريرة واليا على البحرين ، وأخبر الخليفة بعد ذلك بأنّ أبا هريرة جمع مالا كثيرا. واشترى خيلا كثيرا على حسابه الخاصّ ، فعزله الخليفة سنة ٢٣ واستدعاه ، فلمّا حضر عنده ، قال له عمر : يا عدوّ الله وعدوّ كتابه ، أسرقت مال الله؟!

فقال : لم أسرق ، وإنّما هي عطايا الناس لي.

ونقل ابن سعد في طبقاته ٤ / ٩٠ ، وابن حجر العسقلاني في «الإصابة» وابن عبد ربه في «العقد الفريد» الجزء الأول ، كتبوا : أنّ عمر حينما حاكمه قال له : يا عدوّ الله! لمّا وليتك البحرين كنت حافيا لا تملك نعالا ، والآن اخبرت بأنّك شريت خيلا بألف وستمائة دينار!!

فقال أبو هريرة : عطايا الناس لي وقد أنتجت.

فغضب الخليفة فقام وضربه بالسوط على ظهره حتّى أدماه! ثمّ أمر بمصادرة أمواله ، وكانت عشرة آلاف دينار ، فأوردها بيت المال.

وقد ضرب عمر أبا هريرة قبل هذا ، كما ذكر مسلم في صحيحه ١ / ٣٤ قال : في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب عمر أبا هريرة حتّى سقط

٣١٩

على الأرض على قفاه!

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ٣٦٠ ط مصر أنّه قال أبو جعفر الإسكافي : وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا ، غير مرضيّ الرواية ، ضربه عمر بالدرّة وقال : قد أكثرت من الرواية ، أحرى بك أن تكون كاذبا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وذكر ابن عساكر في تاريخه ، والمتّقي في «كنز العمّال» : أنّ الخليفة عمر بن الخطّاب زجر أبا هريرة ، وضربه بالسوط ، ومنعه من رواية الحديث ونقله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال له : لقد أكثرت نقل الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحرى بك أن تكون كاذبا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! وإذا لم تنته عن الرواية عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنفينّك إلى قبيلتك دوس ، أو ابعدك إلى أرض القردة.

ونقل ابن أبي الحديد في شرحه ١ / ٣٦٠ ط مصر ، عن استاذه أبي جعفر الإسكافي ، أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال : ألا إنّ أكذب الناس ـ أو قال : أكذب الأحياء ـ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو هريرة الدوسي.

وذكر ابن قتيبة في «تأويل مختلف الحديث» والحاكم في الجزء الثالث من «المستدرك» والذهبي في «تلخيص المستدرك» ومسلم في صحيحه ، ج ٢ / في فضائل أبي هريرة : أنّ عائشة كانت تقول مرّات وكرّات : أبو هريرة كذّاب ، وقد وضع وجعل أحاديث كثيرة عن لسان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

فأبو هريرة لم يكن مرفوضا وكذّابا عندنا فحسب ، بل هو مردود

٣٢٠

وكذّاب عند سيّدنا الإمام عليّعليه‌السلام ، وعند مولاكم عمر الفاروق ، وعند أمّ المؤمنين عائشة ، وعند كثير من الصحابة والتابعين ، والعلماء المحقّقين!!

كما إنّ شيوخ المعتزلة وعلماء المذهب الحنفي كلّهم رفضوا مرويّاته وردّوها ، وأعلنوا : أنّ كلّ حكم وفتوى صدرت على أساس رواية عن طريق أبي هريرة ، باطل وغير مقبول.

كما إنّ النووي في «شرح صحيح مسلم» في المجلّد الرابع يتعرّض لهذا الأمر بالتفصيل.

وكان إمامكم الأعظم أبو حنيفة يقول : أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّهم عندي ثقات وعدول ، والحديث الواصل عن طريقهم عندي صحيح ومقبول ، إلاّ الأحاديث الواصلة عن طريق أبي هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب ، فلا أقبلها ، وهي مردودة ومرفوضة.

(وصل الحديث إلى هنا فصار وقت صلاة العشاء).

وبعد أداء الصلاة وتناول الشاي.

قلت : نظرا إلى ما سبق من أقوال العلماء والأئمّة حول أبي هريرة ونظرائه ، لا بدّ لنا أن نحتاط في قبول مطلق الأحاديث ، والاحتياط الذي هو سبيل النجاة يقتضي التحقيق والتدقيق في ما يروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكما ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «كلّما حدّثتم بحديث عنّي فاعرضوه على كتاب الله سبحانه ، فإذا كان موافقا فخذوه ، وإن كان مخالفا لكلام الله تعالى فاتركوه».

٣٢١

ردّ الحديث في فضل أبي بكر

وأمّا الكلام حول الحديث الذي نقله الشيخ عبد السّلام عن أبي هريرة : أنّ جبرئيل نزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّ الله تعالى يقول : إنّي راض عن أبي بكر فاسأله هل هو راض عنّي؟!

فأقول :

أوّلا : نجد في سند هذا الحديث أبا هريرة ، وهو عندنا وعند كثير من علمائكم مردود وساقط ، ورواياته غير مقبولة ، كما مرّ.

ثانيا : حينما نعرض الحديث على كتاب الله تعالى كما أمرنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نجده مخالفا للقرآن المجيد ، فإنّه سبحانه يقول :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (١) .

وقال :( ... فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى ) (٢) .

وقوله تعالى :( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى ) (٣) .

وقوله سبحانه :( رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ ) (٤) .

فبحكم هذه الآيات الكريمة ، وبحكم العقل السليم ، فإنّ الله عزّ وجلّ يعلم كلّ ما هو في قرارة نفس الإنسان ومكنون سره ، وكلّ ما يختلج في صدره.

__________________

(١) سورة ق ، الآية ١٦.

(٢) سورة طه ، الآية ٧.

(٣) سورة الأعلى ، الآية ٧.

(٤) سورة إبراهيم ، الآية ٣٨.

٣٢٢

فالحديث الذي يقول : «سل أبا بكر هل هو عنّي راض؟!».

مفهومه : إنّ الأمر يخفى على الله سبحانه ، فيسأل ليعلم!! وهذا ينافي القرآن الحكيم والعقل السليم.

ثمّ ممّا لا شكّ فيه أنّ رضا الباري عزّ وجلّ يحصل بالنسبة للعبد الذي هو راض عن ربّه. فالعبد إذا لم يصل إلى درجة الرضا ، أي : لا يرضى بقضاء الله وقدره ، فإنّ الله لا يرضى عنه ، ولا يكون مقرّبا إليه تعالى.

فعلى هذا ، كيف يبدي الله جلّ وعلا رضاه عن أبي بكر وهو لا يدري هل إنّ أبا بكر وصل إلى درجة الرضا أم لا؟!

الشيخ عبد السّلام : لا بأس ، نترك هذا الحديث الذي تشكّكون فيه ، ولكن عندنا أحاديث لا شكّ فيها أنّها صدرت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن الخليفة أبي بكر ، منها أنّه :

قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : إنّ الله يتجلّى للناس عامّة ، ويتجلّى لأبي بكر خاصّة.

وقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : ما صبّ الله في صدري شيئا إلاّ صبّه في صدر أبي بكر.

وقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : أنا وأبو بكر كفرسي رهان.

وقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : إنّ في السماء الدنيا ثمانون ألف ملك يستغفرون لمن أحبّ أبا بكر وعمر ، وفي السماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر.

وقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : أبو بكر وعمر خير الأوّلين والآخرين.

٣٢٣

وقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : خلقني الله من نوره وخلق أبا بكر من نوري وخلق عمر من نور أبي بكر وخلق أمّتي من نور عمر ، وعمر سراج أهل الجنّة.

هذه الأحاديث وأمثالها كثيرة ، وهي مرويّة في كتبنا المعتبرة ، وقد ذكرت بعضها لتعرف ويعرف الحاضرون فضل الشيخين ومقامهما الرفيع عند الله وعند رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أحاديث مدسوسة

قلت : هذه الأحاديث تدلّ ظواهرها على بطلانها وفسادها. وحاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تصدر منه هكذا كلمات!!

فإنّ الحديث الأوّل : يدلّ بظاهره على تجسّم الباري عزّ وجلّ وسبحانه عن ذلك وعلا علوّا كبيرا.

والحديث الثاني : يصرّح بأنّ أبا بكر شريك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما نزل عليه من الوحي.

والحديث الثالث : يدلّ على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان أرفع درجة وأعلى رتبة من أبي بكر ، بل يساويه في المقام والمنزلة.

والخبران الأخيران ، مخالفان لأحاديث كثيرة متواترة ومقبولة عند الفريقين ، فالأحاديث الصحيحة تصرّح بأنّ خير أهل العالم محمد المصطفى وآله النجباء ، سلام الله عليهم أجمعين.

وأمّا الجملة الأخيرة : «وعمر سراج أهل الجنّة».

فأقول : إنّ أهل الجنّة مستغنون عن السراج فيها ؛ لأنّ وجوههم منيرة يومئذ ، كما قال تعالى :( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى

٣٢٤

نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ ) (١) .

وقوله تعالى :( ... يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ) (٢) .

وقد ورد في الأخبار المروية في كتب الفريقين : أنّ الجنّة تكون مضيئة في حدّ ذاتها كالدرّة البيضاء والياقوتة الحمراء ، فلا قيمة فيها للسراج ، لأنّ السراج إنّما يفيد في الظلام ، ولا ظلام في الجنّة.

وإضافة على ما ذكرنا ، فإنّ كبار علمائكم في علم الدراية والرجال ، وكبار محدّثيكم الّذين يميّزون الأحاديث الصحيحة عن السقيمة مثل : العالم الجليل المقدسي في : «تذكرة الموضوعات».

والفيروزآبادي الشافعي ـ صاحب «القاموس» ـ في : «سفر السعادة».

والذهبي في : «ميزان الاعتدال».

والخطيب البغدادي في : «تاريخ بغداد».

وأبي الفرج ابن الجوزي في : «الموضوعات».

وجلال الدين السيوطي في : «اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» هؤلاء صرّحوا : أنّ هذه الأخبار موضوعة ولا اعتبار بها ، لسببين :

١ ـ أسانيدها ضعيفة ؛ لأنّ في طريقها رجال متّهمون بالكذب وجعل الأحاديث.

٢ ـ عدم موافقتها للقواعد العقلية والآيات القرآنية.

__________________

(١) سورة الحديد ، الآية ١٢.

(٢) سورة التحريم ، الآية ٨.

٣٢٥

الشيخ عبد السّلام : لو فرضنا صحّة كلامكم في الأحاديث المذكورة ، فما تقول في هذا الحديث الشريف المشهور بين علماء المسلمين ، والمذكور في الكتب المعتبرة الموثوقة ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة؟!»

قلت : أمّا قولك : «الحديث المشهور» فربّ مشهور لا أصل له!

وأمّا قولك : «والمذكور في الكتب» فليتك تذكر لنا هذه الكتب المعتبرة ، الموثوقة!!

وأمّا الحديث ، إضافة على أنّه مردود وغير مقبول عند علمائكم ومحدّثيكم المتخصّصين في علم الدراية والرجال والحديث والرواية ، وقد حسبوه من الموضوعات ، فإنّ ظاهره يخالف الحقّ الذي يتجلّى في الأخبار الصحيحة المقبولة عند الفريقين.

أهل الجنّة كلّهم شباب

من معتقدات المسلمين أنّ الجنّة ليس فيها غير شباب ولا يدخلها شيوخ وكهول.

والخبر المشهور في كتب الفريقين صريح في الموضوع ، وهو أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لامرأة عجوز وهو يمازحها ، حين طلبت منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يدعو لها بالجنّة.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الجنة لا تدخلها العجائز» فحزنت المرأة وقالت : وا خيبتاه إذا لم أدخل الجنة!

فتبسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : تدخلين الجنّة ولست يومئذ

٣٢٦

بعجوز ، بل تنقلبين إلى فتاة باكرة ، كما قال الله سبحانه :( إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً ) (١) .

وكما ورد في الحديث النبوي الشريف «المؤمنون يدخلون الجنّة جردا ، مردا ، بيضا ، جعادا ، مكحّلين ، أبناء ثلاث وثلاثين».

على هذا ، ذكر الفيروزآبادي في : «سفر السعادة : ١٤٢».

والسيوطي في : «اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» وابن الجوزي في : «الموضوعات».

والمقدسي في : «تذكرة الموضوعات» والشيخ محمد البيروتي في : «أسنى المطالب : ١٢٣».

قالوا : في سند حديث : «أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة» يحيى بن عنبسة.

وقال الذهبي : هو ضعيف.

وقال ابن جانّ : إنّ يحيى جعّال وضّاع للحديث!

لذلك هذا الحديث ساقط عن الاعتبار!

ونحتمل احتمالا معقولا ، أنّ هذا الحديث من جعل بني أميّة البكريّين ، لأنّهم كانوا يضعون الأحاديث قبال كلّ حديث نبوي صدر في فضل أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد وضعوا هذا الحديث مقابل حديث شريف متّفق عليه بين الشيعة والسنّة.

النوّاب : أيّ حديث تقصدوه ، بيّنوه للحاضرين؟!

قلت : الحديث النبويّ الشريف : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما. وفي بعض : أفضل منهما.

__________________

(١) سورة الواقعة ، الآية ٣٥ ـ ٣٧.

٣٢٧

وقد جاء هذا النصّ في كثير من كتبكم المعتبرة ، وصرّح به كبار علمائكم الأعلام ، منهم :

الخطيب الخوارزمي في «المناقب».

والمير السيد علي الهمداني في المودّة الثامنة من كتابه : «مودّة القربى».

والإمام النسائي في «الخصائص العلوية».

وابن الصبّاغ المالكي في : «الفصول المهمّة» ص ١٥٩.

وسليمان الحنفي القندوزي ، في الباب ٥٤ من : «ينابيع المودّة» نقلا عن الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد.

وسبط ابن الجوزي في ص ١٣٣ من : «التذكرة».

والإمام أحمد بن حنبل في «المسند».

والترمذي في «السنن».

ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب ٩٧ من «كفاية الطالب» بعد نقله للحديث الشريف بإسناده يقول : هذا حديث حسن ثابت ، لا أعلم أحدا رواه عن ابن عمر غير نافع ، تفرّد به : المعلّى عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذيب ، رزقناه عاليا بحمد الله ومنّه.

قال : وجمع إمام أهل الحديث ، أبو القاسم الطبراني في «معجمه الكبير» في ترجمة الحسنعليه‌السلام طرقه عن غير واحد من الصحابة ، منهم : عمر بن الخطّاب ، ومنهم : عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وطرقه عن عليّ بطرق شتّى الى آخره.

وبعد كلام طويل ، وذكره الحديث الشريف بشكليه : «وأبوهما خير منهما» «وأبوهما أفضل منهما» بأسانيد عديدة. قال : وانضمام

٣٢٨

هذه الأسانيد بعضها إلى بعض دليل على صحّته.

انتهى كلام الكنجي.

ونقله أبو نعيم في «الحلية» وابن عساكر في تاريخه الكبير ٤ / ٢٠٦ ، والحاكم في «المستدرك» وابن حجر في الصواعق : ٨٢.

فعلماؤكم قد اتّفقوا وأجمعوا على أنّ هذا الحديث الشريف صدر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما» وفي بعض الروايات : «وأبوهما أفضل منهما».

الشيخ عبد السّلام : سأذكر حديثا معتبرا مقبولا عند جميع علمائنا إذ لم ينكره أحد منهم ، وهو الحديث النبوي الشريف : «ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدّم عليه غيره» وهذا أفضل دليل على أنّ أبا بكر بعد النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) هو إمام المسلمين والمقدّم عليهم.

قلت : أسفي عليكم ، أنتم علماء الامّة! إذ تتقبّلون الأخبار والأحاديث من غير تفكّر وتدبّر!

هلاّ فكّرتم أنّ هذا الخبر إن كان صحيحا ، فلما ذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه لم يعمل به ، ولم يقدّم أبا بكر في قضايا كثيرة كانت مهمّة في تاريخ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتاريخ الإسلام ، مثل : يوم المباهلة ، إذ أخذ معه فاطمة وعليّا وابنيهما ، وقدّمهم على من سواهم.

وفي غزوة تبوك إذ خلّف الإمام عليّاعليه‌السلام في المدينة مكانه وقال له : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ...» إلى آخره.

وفي تبليغ الآيات الأوائل من سورة براءة ، للمشركين ، إذ عزل أبا بكر وأرسل عليّاعليه‌السلام وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يبلّغ إلاّ أنا أو رجل منّي ـ أو

٣٢٩

قال : من أهل بيتي ـ(١) .

وفي فتح خيبر حين أعطاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الراية وكان الفتح على يديه.

__________________

(١) أقول : خبر عزل أبي بكر من تبليغ آيات سورة براءة حديث مشهور بين المؤرّخين والمفسّرين والمحدّثين من علماء العامّة ، منهم :

١ ـ أبو الفداء ، إسماعيل بن عمر الدمشقي ، في : البداية والنهاية ٧ / ٣٥٧.

٢ ـ ابن حجر الهيتمي ، في : الصواعق المحرقة ، ص ١٩.

٣ ـ ابن حجر العسقلاني ، في : الإصابة ٢ / ٥٠٩.

٤ ـ الحاكم النيسابوري ، في المستدرك على الصحيحين ٢ / ٥١ ، و ٣٣١.

٥ ـ محمد بن عيسى الترمذي ، في صحيحه ٢ / ٤٦١.

٦ ـ المتّقي الهندي الحنفي ، في كنز العمّال ١ / ٢٤٦ و ٢٤٩ ، وج ٦ / ١٥٣.

٧ ـ الإمام أحمد بن حنبل ، في المسند ١ / ٣ ، وج ٣ / ٢٨٣ ، وج ٤ / ١٦٤.

٨ ـ محبّ الدين الطبري ، في ذخائر العقبى ص ٦٩.

٩ ـ الإمام النسائي ، في خصائصه ، ص ٤.

١٠ ـ الكنجي الشافعي ، في كفاية الطالب ، الباب السبعين ص ١٥٢ ، بسنده المتّصل بالحرث بن مالك ، قال : أتيت مكّة فلقيت سعد بن أبي وقّاص ، فقلت : هل سمعت لعليّ منقبة؟

قال : قد شهدت له أربعا لئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من الدنيا اعمّر فيها عمر نوح.

إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش فسار بها يوما وليلة ، ثمّ قال لعليّ : اتبع أبا بكر فخذها وبلّغها. فردّ عليّ عليه‌السلام أبا بكر ، فرجع يبكي فقال : يا رسول الله! أنزل فيّ شيء؟!

قال : لا ، إلاّ خيرا ، إلاّ أنّه ليس يبلغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي. أو قال : من أهل بيتي إلى آخره.

وبعد ما نقل الخبر بطوله قال العلاّمة الكنجي : هذا حديث حسن ، وأطرافه صحيحة ، أمّا طرفه الأوّل فرواه إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل وهو بعثت أبا بكر ببراءة ، وتابعة الطّبراني إلى آخر كلامه. «المترجم».

٣٣٠

ويوم فتح مكة ، رفع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام على كتفه فكسّر الأصنام التي على سطح الكعبة.

وأرسله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل اليمن يبلّغهم الدين ويقضي فيهم.

وأهمّ من كلّ ذلك : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل عليّاعليه‌السلام وصيّه ، وأوصى إليه بكلّ ما أراد ليقوم به بعد موته. ولم يوص لأبي بكر!

وكان أبو بكر في كلّ هذه القضايا والأمور حاضرا ، لا غائبا ولا مسافرا ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختار عليّا وقدّمه في تلك الامور وغيرها من القضايا الكثيرة وترك أبا بكر!!

الشيخ عبد السلام : مالكم كلّما نذكر حديثا في فضل أبي بكر صاحب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) رفضتموه ولم تقبلوه؟!

قلت : ما ذنبنا ، إذا كانت الأحاديث التي تنقلها في هذا المجال ، يأباها العقل والنقل؟!

الشيخ عبد السلام : لقد وصلنا حديث ثابت صحيح غير قابل للإنكار ، وهو عن طريق عمرو بن العاص ، قال : سألت النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يوما عن أحبّ نساء العالم إليه؟ فقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : عائشة!

قال : فسألته عن أحب الرجال إليه؟ فقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : أبو بكر!

على هذا ، فهما مقدّمان ؛ لأنّ حبّ النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لهما دليل على أنّ الله تعالى يحبّهما ؛ وهذا دليل قاطع على أحقّيّة أبي بكر (رض) بخلافة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

٣٣١

قلت : بالإضافة إلى أنّ هذا الخبر من الموضوعات ، فهو يعارض الأخبار المعتبرة والأحاديث الصحيحة عند الفريقين من جهتين :

أوّلا : من جهة عائشة أمّ المؤمنين ، بأنّها أحبّ النساء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ هناك أحاديث جمّة تصرّح بأنّ أحبّ النساء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخيرهنّ هي : فاطمة سيّدة النساء.

فقد أثبت ذلك علماء المسلمين عامّة ـ شيعة وسنّة ـ في أحاديث متواترة في كتبهم المعتبرة ، منهم :

١ ـ أبو بكر البيهقي ، في تاريخه.

٢ ـ الحافظ ابن عبد البرّ ، في «الاستيعاب».

٣ ـ المير السيّد علي الهمداني ، في «مودّة القربى».

وغيرهم من علمائكم وعلماء الشيعة ، كلّهم متّفقون على صحّة الحديث المرويّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال تكرارا : «فاطمة خير نساء أمّتي» أو : «خير نساء أمّتي فاطمة».

وروى الإمام أحمد في «المسند» والحافظ أبو بكر في «نزول القرآن في علي» عن محمّد بن الحنفية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وروى ابن عبد البرّ في «الاستيعاب» في قسم : التحدّث عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام وخديجة أمّ المؤمنين ، عن عبد الوارث بن سفيان وأبي هريرة ، وفي قسم التحدّث عن خديجة أمّ المؤمنين ، روى عن أبي داود نقلا عن أبي هريرة وأنس بن مالك.

وروى الشيخ سليمان الحنفي ، في الباب ٥٥ من «ينابيع المودة»

والمير السيد علي الهمداني في المودّة الثالثة عشرة من «مودّة القربى» عن أنس بن مالك.

٣٣٢

وروى غيرهم عن طرق عديدة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمدعليهم‌السلام .

وروى الخطيب البغدادي في تاريخه ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدّ هؤلاء النساء الأربع خير نساء العالمين وفضّل فاطمة في الدنيا والآخرة عليهنّ.

وروى البخاري في صحيحه ، والإمام أحمد في المسند ، عن عائشة بنت أبي بكر ، قالت : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة «يا فاطمة أبشري ، فإنّ الله اصطفاك وطهّرك على نساء العالمين ، وعلى نساء الإسلام ، وهو خير دين».

وروى البخاري في صحيحه ٤ / ٦٤ ، ومسلم في صحيحه ، في باب فضائل فاطمة ج ٢ ، والحميدي في «الجمع بين الصحيحين» والعبدي في «الجمع بين الصحاح الستّة» وابن عبد البرّ في «الاستيعاب» في قسم : الحديث عن فاطمةعليها‌السلام ، والإمام أحمد في المسند ٦ / ٢٨٢ ، ومحمد بن سعد في الطبقات ج ٢ في قسم أحاديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ، وفي الجزء الثامن في قسم الحديث حول فاطمةعليها‌السلام ، نقلا عن أمّ المؤمنين عائشة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث طويل جاء فيه أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين؟!».

وفسّره ابن حجر العسقلاني في الإصابة ، في ترجمة فاطمةعليها‌السلام ، أي : أنت سيّدة نساء العالمين.

وروى محمد بن طلحة الشافعي في كتابه «مطالب السئول» ص ٧ ، أحاديث وأخبارا كثيرة في هذا الباب ، وقال بعدها : فثبت بهذه

٣٣٣

الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة ، كون فاطمة كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيرها ، وأنّها سيّدة نساء أهل الجنّة ، وأنّها سيدة نساء هذه الأمّة ، وسيّدة نساء أهل المدينة.

وروى البخاري ومسلم في الصحيح ، والثعلبي في تفسيره ، والإمام أحمد في «المسند» والطبراني في «المعجم الكبير» وسليمان الحنفي في «الينابيع» الباب ٣٢ ، عن تفسير ابن أبي حاتم ، والحاكم في «المناقب» والواحدي في «الوسيط» وأبي نعيم في «حلية الأولياء» وعن الحمويني في «فرائد السمطين».

وروى ابن حجر الهيتمي في «الصواعق» في ذكر الآية الرابعة عشرة.

وروى محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السئول ، ص ٨.

والطبري في تفسيره ، والواحدي في أسباب النزول ، وابن المغازلي في المناقب ، ومحب الدين الطبري في الرياض ، والشبلنجي في نور الأبصار ، والزمخشري في تفسيره ، والسيوطي في الدرّ المنثور ، وابن عساكر في تاريخه ، والسمهودي في وفاء الوفاء ، والنيسابوري في تفسيره ، والبيضاوي في تفسيره ، والفخر الرازي في التفسير الكبير ، وأبو بكر شهاب الدين العلوي في رشفة الصادي : الباب الأوّل / صفحة ٢٢ ـ ٢٣ ، نقلا عن تفسير البغوي والثعلبي ، والملاّ في سيرته ، ومناقب أحمد ، والطبراني في المعجم الكبير والأوسط ، والسدّي ، والشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي في كتابه «الإتحاف» صفحه ٥ عن الحاكم والطبراني وأحمد.

وروى السيوطي في «إحياء الميت» عن تفاسير ابن المنذر وابن

٣٣٤

أبي حاتم وابن مردويه و «المعجم الكبير» للطبراني.

كلّهم رووا عن ابن عبّاس حبر الامّة : أنّه لمّا نزلت الآية الكريمة :( ... قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) (١) .

قال جمع من الأصحاب : يا رسول الله! من قرابتك الّذين فرض الله علينا مودّتهم؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «عليّ وفاطمة والحسن والحسين».

وهذا الأمر ثابت ولا يشكّ فيه إلاّ الذي في قلبه مرض النفاق والعناد.

وإنّ هذا الأمر ثابت عند كبار علمائكم الأعلام ، حتّى روى ابن حجر في «الصواعق» صفحة ٨٨ ، والحافظ جمال الدين الزرندي في «معراج الوصول» والشيخ عبد الله الشبراوي في «الإتحاف» صفحة ٥٢٩ ومحمد بن علي الصبّان في اسعاف الراغبين صفحة ١١٩ ، وغير هؤلاء ذكروا : أنّ الامام محمد بن إدريس الشافعي أنشد شعرا في هذا الأمر ، فقال :

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الشأن أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

والآن ، أوجه سؤالي لكلّ منصف في المجلس وأقول :

بالله عليكم هل يقابل الحديث الذي ذكره الشيخ عن عمرو بن

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية ٢٣.

٣٣٥

العاص الفاسق ، الذي خرج لقتال إمام زمانه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وسفك دماء المؤمنين عمّار بن ياسر ونظرائه الأخيار الأبرار ؛ هل يقابل حديثه بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المجمع على صحّتها بين المسلمين ، شيعة وسنّة؟!

وهل يقبل العقل أن يفضّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدا ويحبّ أحدا أكثر من الّذين فرض الله حبّهم ومودّتهم على المسلمين؟!

وهل يتصوّر أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتّبع هواه فيغرم في حبّ زوجته عائشة من غير دليل معنوي ورجحان شرعي ، فيرجّحها على سائر زوجاته ويحبّها أكثر من سائر نسائه؟!

مع العلم أنّ الله عزّ وجلّ يطالب عباده بالعدل بين زوجاتهم فيقول :( ... فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ) (١) .

أم هل من المعقول أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفضّل زوجته عائشة على ابنته فاطمة التي فضّلها الله تعالى ومدحها في آية التطهير والمباهلة ، وفرض مودّتها في آية القربى؟!

كلّنا نعلم ونؤمن بأنّ الأنبياء والأصفياء لا يتّبعون الهوى ، وإنّما تكون أفعالهم وأقوالهم وحبّهم وبغضهم لله وفي الله سبحانه ، فمعيار الحبّ والبغض عندهم هو : الله ، وليس الهوى!

والله عزّ وجلّ يرجّح فاطمة ويفضّلها على من سواها ويفرض حبّها والذي يقول غير ما نقول ، فيلزم أن يردّ كلّ الأحاديث والأخبار المعتضدة والمؤيّدة بالقرآن الحكيم والعقل السليم التي استدللنا بها على ما نقول!

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٣.

٣٣٦

أو أنّه ينسب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتّهمه ـ والعياذ بالله ـ بمتابعة الهوى ومخالفة الحقّ! وهذا كفر صريح.

أحبّ الرجال إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّعليه‌السلام

ثانيا : أمّا من جهة أبي بكر ، كما يقول حديث عمرو بن العاص : «إنّ أحبّ الرجال إلى النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) هو أبو بكر» فهو ينافي الأخبار الكثيرة والأحاديث الصحيحة المعتبرة المروية في كتب كبار علمائكم ومحدّثيكم بأنّ أحبّ الرجال إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، منهم :

١ ـ روى الحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» الباب ٥٥ ، عن الترمذي بسنده عن بريدة ، أنّه قال : كان أحبّ النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة ومن الرجال عليّعليه‌السلام .

٢ ـ العلاّمة محمد بن يوسف الكنجي روى مسندا في كتابه «كفاية الطالب» الباب ٩١ بسنده عن أمّ المؤمنين عائشة ، أنّها قالت : ما خلق الله خلقا كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عليّ بن أبي طالب.

ثمّ يقول الكنجي : هذا حديث حسن ، رواه ابن جرير في مناقبه ، وأخرجه ابن عساكر في ترجمته ، أي ترجمة الإمام عليعليه‌السلام (١) .

__________________

(١) لقد خرّج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٤ حديثا بمعناه وفيه زيادة ، وهذا نصّه :

بحذف السند ، بسنده عن جميع بن عمير ، قال : دخلت مع أمّي على عائشة

٣٣٧

٣ ـ روى الحافظ الخجندي بسنده عن معاذة الغفارية ، أنّها قالت : دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في بيت عائشة ، وكان عليعليه‌السلام خارج الدار ، فسمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول لعائشة : إنّ هذا ـ أي عليّعليه‌السلام ـ أحبّ الرجال إليّ ، وأكرمهم عليّ ، فاعرفي حقّه ، وأكرمي مثواه.

__________________

فسمعتها من وراء الحجاب وهي تسأل عن عليّ؟ فقالت : تسألني عن رجل ، والله ما أعلم رجلا كان أحبّ إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) من عليّ ، ولا في الأرض امرأة كانت أحبّ إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) من امرأته ـ أي : فاطمةعليها‌السلام ـ ثمّ قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ـ أي : البخاري ومسلم ـ.

وخرّج محبّ الدين الطبري في «ذخائر العقبى» صفحه ٣٥ ، حديثا بمعناه وهذا نصّه : عن عائشة أنّها سئلت : أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)؟ قالت : فاطمة ، فقيل : من الرجال؟ قالت : زوجها ، إن كان ما علمت صوّاما قوّاما.

خرّجه الترمذي في صحيحه ٢ / ٤٧٥ ، وخرّجه ابن عبيد وزاد بعد قوله «قوّاما» : جديرا بقول الحقّ.

وعن بريدة ، قال : كان أحبّ النساء إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فاطمة ومن الرجال عليّ.

خرّجه أبو عمر.

انتهى ما ذكره الطبري في (الذخائر).

وقد خرّج الحديث ، الحاكم في المستدرك على الصحيحين في مورد آخر ، ج ٣ / ١٥٧ ، وخرّجه ابن الأثير في أسد الغابة ٣ / ٥٢٢ ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ٢ / ٧٧٢ ، والترمذي في صحيحه ٢ / ٤٧١ في مناقب اسامة ، وخرّجه الخوارزمي الحنفي في : تاريخ مقتل الحسين عليه‌السلام ١ / ٥٧ ، والمتّقي الهندي في : كنز العمّال ٦ / ٤٥٠ نقلا من كتب كثيرة لعلماء العامّة. «المترجم».

٣٣٨

٤ ـ روى ابن حجر في آخر الفصل الثاني من «الصواعق» بعد نقله أربعين حديثا في فضائل الإمام عليّعليه‌السلام ، قال الترمذي : عن عائشة ، قالت : كانت فاطمة أحبّ النساء إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وزوجها أحبّ الرجال إليه.

خبر الطير المشويّ

من أهمّ الأخبار في الموضوع ، خبر الطير المشويّ المرويّ في كتبنا وكتبكم المعتبرة كالصحاح والمسانيد ، منها :

صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، والسجستاني ، في صحاحهم ، والإمام أحمد في «المسند» وابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» وابن الصبّاغ المالكي في «الفصول المهمّة» صفحه ٢١ ، رواه بهذه العبارة : وأنّه صحّ النقل في كتب الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة عن أنس بن مالك إلى آخره.

ورواه الشيخ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» الباب الثامن ، وقد خصّصه لهذا الخبر من طرق شتّى ، فيرويه عن الإمام أحمد والترمذي والموفّق بن أحمد الخوارزمي وابن المغازلي وسنن أبي داود ، عن سفينة مولى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعن أنس بن مالك وابن عبّاس.

ثمّ يقول : وقد روى أربعة وعشرون رجلا حديث الطير عن أنس ، منهم : سعيد بن المسيّب والسدّي وإسماعيل.

قال : ولابن المغازلي «حديث الطير» من عشرين طريقا.

ورواه سبط ابن الجوزي في التذكرة : ٢٣ ، عن فضائل أحمد

٣٣٩

وسنن الترمذي.

وأشار إليه المسعودي في مروج الذهب ٢ / ٤٩.

ورواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في الحديث التاسع من «الخصائص».

وكتب كلّ من : الحافظ ابن عقدة ومحمد بن جرير الطبري والحافظ أبو نعيم ، كتابا خاصا بخبر الطير المشويّ وأسانيده وطرقه وتواتره.

كما إنّ العلاّمة المحقّق الورع ، الزاهد التقي ، السيّد حامد حسين الدهلوي ـ وأنتم الحاضرون لقرب جواركم منه تعرفون مكانته العلمية وتعرفون ورعه وزهده أحسن وأكثر من غيركم ـ خصّص مجلّدا ضخما من موسوعته العلمية الكريمة : «عبقات الأنوار» لخبر الطير المشويّ ، وقد جمع فيه أسناد ومصادر الخبر من طرقكم وكتب علمائكم فقط.

وأنا لا أذكر الآن كم بلغ عدد أسناد ومصادر هذا الخبر في ذلك الكتاب العظيم ، ولكنّي أذكر بأنّي عجبت حين مطالعته من سعة اطّلاع العلاّمة الدهلوي!

والخبر كما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن سفينة مولى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أهدت امرأة من الأنصار طيرين مشويّين بين رغيفين ، فقال النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك والى رسولك فجاء عليّعليه‌السلام فأكل معه من الطيرين حتى كفيا.

وجاء في بعض كتبكم مثل : «الفصول المهمّة» لابن الصبّاغ المالكي وتاريخ الحافظ النيسابوري ، و «كفاية الطالب» للعلاّمة الكنجي

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205