ليالي بيشاور

ليالي بيشاور3%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235933 / تحميل: 3905
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وكذّاب عند سيّدنا الإمام عليّعليه‌السلام ، وعند مولاكم عمر الفاروق ، وعند أمّ المؤمنين عائشة ، وعند كثير من الصحابة والتابعين ، والعلماء المحقّقين!!

كما إنّ شيوخ المعتزلة وعلماء المذهب الحنفي كلّهم رفضوا مرويّاته وردّوها ، وأعلنوا : أنّ كلّ حكم وفتوى صدرت على أساس رواية عن طريق أبي هريرة ، باطل وغير مقبول.

كما إنّ النووي في «شرح صحيح مسلم» في المجلّد الرابع يتعرّض لهذا الأمر بالتفصيل.

وكان إمامكم الأعظم أبو حنيفة يقول : أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّهم عندي ثقات وعدول ، والحديث الواصل عن طريقهم عندي صحيح ومقبول ، إلاّ الأحاديث الواصلة عن طريق أبي هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب ، فلا أقبلها ، وهي مردودة ومرفوضة.

(وصل الحديث إلى هنا فصار وقت صلاة العشاء).

وبعد أداء الصلاة وتناول الشاي.

قلت : نظرا إلى ما سبق من أقوال العلماء والأئمّة حول أبي هريرة ونظرائه ، لا بدّ لنا أن نحتاط في قبول مطلق الأحاديث ، والاحتياط الذي هو سبيل النجاة يقتضي التحقيق والتدقيق في ما يروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكما ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «كلّما حدّثتم بحديث عنّي فاعرضوه على كتاب الله سبحانه ، فإذا كان موافقا فخذوه ، وإن كان مخالفا لكلام الله تعالى فاتركوه».

٣٢١

ردّ الحديث في فضل أبي بكر

وأمّا الكلام حول الحديث الذي نقله الشيخ عبد السّلام عن أبي هريرة : أنّ جبرئيل نزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّ الله تعالى يقول : إنّي راض عن أبي بكر فاسأله هل هو راض عنّي؟!

فأقول :

أوّلا : نجد في سند هذا الحديث أبا هريرة ، وهو عندنا وعند كثير من علمائكم مردود وساقط ، ورواياته غير مقبولة ، كما مرّ.

ثانيا : حينما نعرض الحديث على كتاب الله تعالى كما أمرنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نجده مخالفا للقرآن المجيد ، فإنّه سبحانه يقول :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (١) .

وقال :( ... فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى ) (٢) .

وقوله تعالى :( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى ) (٣) .

وقوله سبحانه :( رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ ) (٤) .

فبحكم هذه الآيات الكريمة ، وبحكم العقل السليم ، فإنّ الله عزّ وجلّ يعلم كلّ ما هو في قرارة نفس الإنسان ومكنون سره ، وكلّ ما يختلج في صدره.

__________________

(١) سورة ق ، الآية ١٦.

(٢) سورة طه ، الآية ٧.

(٣) سورة الأعلى ، الآية ٧.

(٤) سورة إبراهيم ، الآية ٣٨.

٣٢٢

فالحديث الذي يقول : «سل أبا بكر هل هو عنّي راض؟!».

مفهومه : إنّ الأمر يخفى على الله سبحانه ، فيسأل ليعلم!! وهذا ينافي القرآن الحكيم والعقل السليم.

ثمّ ممّا لا شكّ فيه أنّ رضا الباري عزّ وجلّ يحصل بالنسبة للعبد الذي هو راض عن ربّه. فالعبد إذا لم يصل إلى درجة الرضا ، أي : لا يرضى بقضاء الله وقدره ، فإنّ الله لا يرضى عنه ، ولا يكون مقرّبا إليه تعالى.

فعلى هذا ، كيف يبدي الله جلّ وعلا رضاه عن أبي بكر وهو لا يدري هل إنّ أبا بكر وصل إلى درجة الرضا أم لا؟!

الشيخ عبد السّلام : لا بأس ، نترك هذا الحديث الذي تشكّكون فيه ، ولكن عندنا أحاديث لا شكّ فيها أنّها صدرت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن الخليفة أبي بكر ، منها أنّه :

قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : إنّ الله يتجلّى للناس عامّة ، ويتجلّى لأبي بكر خاصّة.

وقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : ما صبّ الله في صدري شيئا إلاّ صبّه في صدر أبي بكر.

وقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : أنا وأبو بكر كفرسي رهان.

وقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : إنّ في السماء الدنيا ثمانون ألف ملك يستغفرون لمن أحبّ أبا بكر وعمر ، وفي السماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر.

وقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : أبو بكر وعمر خير الأوّلين والآخرين.

٣٢٣

وقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : خلقني الله من نوره وخلق أبا بكر من نوري وخلق عمر من نور أبي بكر وخلق أمّتي من نور عمر ، وعمر سراج أهل الجنّة.

هذه الأحاديث وأمثالها كثيرة ، وهي مرويّة في كتبنا المعتبرة ، وقد ذكرت بعضها لتعرف ويعرف الحاضرون فضل الشيخين ومقامهما الرفيع عند الله وعند رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أحاديث مدسوسة

قلت : هذه الأحاديث تدلّ ظواهرها على بطلانها وفسادها. وحاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تصدر منه هكذا كلمات!!

فإنّ الحديث الأوّل : يدلّ بظاهره على تجسّم الباري عزّ وجلّ وسبحانه عن ذلك وعلا علوّا كبيرا.

والحديث الثاني : يصرّح بأنّ أبا بكر شريك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما نزل عليه من الوحي.

والحديث الثالث : يدلّ على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان أرفع درجة وأعلى رتبة من أبي بكر ، بل يساويه في المقام والمنزلة.

والخبران الأخيران ، مخالفان لأحاديث كثيرة متواترة ومقبولة عند الفريقين ، فالأحاديث الصحيحة تصرّح بأنّ خير أهل العالم محمد المصطفى وآله النجباء ، سلام الله عليهم أجمعين.

وأمّا الجملة الأخيرة : «وعمر سراج أهل الجنّة».

فأقول : إنّ أهل الجنّة مستغنون عن السراج فيها ؛ لأنّ وجوههم منيرة يومئذ ، كما قال تعالى :( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى

٣٢٤

نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ ) (١) .

وقوله تعالى :( ... يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ) (٢) .

وقد ورد في الأخبار المروية في كتب الفريقين : أنّ الجنّة تكون مضيئة في حدّ ذاتها كالدرّة البيضاء والياقوتة الحمراء ، فلا قيمة فيها للسراج ، لأنّ السراج إنّما يفيد في الظلام ، ولا ظلام في الجنّة.

وإضافة على ما ذكرنا ، فإنّ كبار علمائكم في علم الدراية والرجال ، وكبار محدّثيكم الّذين يميّزون الأحاديث الصحيحة عن السقيمة مثل : العالم الجليل المقدسي في : «تذكرة الموضوعات».

والفيروزآبادي الشافعي ـ صاحب «القاموس» ـ في : «سفر السعادة».

والذهبي في : «ميزان الاعتدال».

والخطيب البغدادي في : «تاريخ بغداد».

وأبي الفرج ابن الجوزي في : «الموضوعات».

وجلال الدين السيوطي في : «اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» هؤلاء صرّحوا : أنّ هذه الأخبار موضوعة ولا اعتبار بها ، لسببين :

١ ـ أسانيدها ضعيفة ؛ لأنّ في طريقها رجال متّهمون بالكذب وجعل الأحاديث.

٢ ـ عدم موافقتها للقواعد العقلية والآيات القرآنية.

__________________

(١) سورة الحديد ، الآية ١٢.

(٢) سورة التحريم ، الآية ٨.

٣٢٥

الشيخ عبد السّلام : لو فرضنا صحّة كلامكم في الأحاديث المذكورة ، فما تقول في هذا الحديث الشريف المشهور بين علماء المسلمين ، والمذكور في الكتب المعتبرة الموثوقة ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة؟!»

قلت : أمّا قولك : «الحديث المشهور» فربّ مشهور لا أصل له!

وأمّا قولك : «والمذكور في الكتب» فليتك تذكر لنا هذه الكتب المعتبرة ، الموثوقة!!

وأمّا الحديث ، إضافة على أنّه مردود وغير مقبول عند علمائكم ومحدّثيكم المتخصّصين في علم الدراية والرجال والحديث والرواية ، وقد حسبوه من الموضوعات ، فإنّ ظاهره يخالف الحقّ الذي يتجلّى في الأخبار الصحيحة المقبولة عند الفريقين.

أهل الجنّة كلّهم شباب

من معتقدات المسلمين أنّ الجنّة ليس فيها غير شباب ولا يدخلها شيوخ وكهول.

والخبر المشهور في كتب الفريقين صريح في الموضوع ، وهو أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لامرأة عجوز وهو يمازحها ، حين طلبت منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يدعو لها بالجنّة.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الجنة لا تدخلها العجائز» فحزنت المرأة وقالت : وا خيبتاه إذا لم أدخل الجنة!

فتبسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : تدخلين الجنّة ولست يومئذ

٣٢٦

بعجوز ، بل تنقلبين إلى فتاة باكرة ، كما قال الله سبحانه :( إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً ) (١) .

وكما ورد في الحديث النبوي الشريف «المؤمنون يدخلون الجنّة جردا ، مردا ، بيضا ، جعادا ، مكحّلين ، أبناء ثلاث وثلاثين».

على هذا ، ذكر الفيروزآبادي في : «سفر السعادة : ١٤٢».

والسيوطي في : «اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» وابن الجوزي في : «الموضوعات».

والمقدسي في : «تذكرة الموضوعات» والشيخ محمد البيروتي في : «أسنى المطالب : ١٢٣».

قالوا : في سند حديث : «أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة» يحيى بن عنبسة.

وقال الذهبي : هو ضعيف.

وقال ابن جانّ : إنّ يحيى جعّال وضّاع للحديث!

لذلك هذا الحديث ساقط عن الاعتبار!

ونحتمل احتمالا معقولا ، أنّ هذا الحديث من جعل بني أميّة البكريّين ، لأنّهم كانوا يضعون الأحاديث قبال كلّ حديث نبوي صدر في فضل أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد وضعوا هذا الحديث مقابل حديث شريف متّفق عليه بين الشيعة والسنّة.

النوّاب : أيّ حديث تقصدوه ، بيّنوه للحاضرين؟!

قلت : الحديث النبويّ الشريف : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما. وفي بعض : أفضل منهما.

__________________

(١) سورة الواقعة ، الآية ٣٥ ـ ٣٧.

٣٢٧

وقد جاء هذا النصّ في كثير من كتبكم المعتبرة ، وصرّح به كبار علمائكم الأعلام ، منهم :

الخطيب الخوارزمي في «المناقب».

والمير السيد علي الهمداني في المودّة الثامنة من كتابه : «مودّة القربى».

والإمام النسائي في «الخصائص العلوية».

وابن الصبّاغ المالكي في : «الفصول المهمّة» ص ١٥٩.

وسليمان الحنفي القندوزي ، في الباب ٥٤ من : «ينابيع المودّة» نقلا عن الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد.

وسبط ابن الجوزي في ص ١٣٣ من : «التذكرة».

والإمام أحمد بن حنبل في «المسند».

والترمذي في «السنن».

ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب ٩٧ من «كفاية الطالب» بعد نقله للحديث الشريف بإسناده يقول : هذا حديث حسن ثابت ، لا أعلم أحدا رواه عن ابن عمر غير نافع ، تفرّد به : المعلّى عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذيب ، رزقناه عاليا بحمد الله ومنّه.

قال : وجمع إمام أهل الحديث ، أبو القاسم الطبراني في «معجمه الكبير» في ترجمة الحسنعليه‌السلام طرقه عن غير واحد من الصحابة ، منهم : عمر بن الخطّاب ، ومنهم : عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وطرقه عن عليّ بطرق شتّى الى آخره.

وبعد كلام طويل ، وذكره الحديث الشريف بشكليه : «وأبوهما خير منهما» «وأبوهما أفضل منهما» بأسانيد عديدة. قال : وانضمام

٣٢٨

هذه الأسانيد بعضها إلى بعض دليل على صحّته.

انتهى كلام الكنجي.

ونقله أبو نعيم في «الحلية» وابن عساكر في تاريخه الكبير ٤ / ٢٠٦ ، والحاكم في «المستدرك» وابن حجر في الصواعق : ٨٢.

فعلماؤكم قد اتّفقوا وأجمعوا على أنّ هذا الحديث الشريف صدر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما» وفي بعض الروايات : «وأبوهما أفضل منهما».

الشيخ عبد السّلام : سأذكر حديثا معتبرا مقبولا عند جميع علمائنا إذ لم ينكره أحد منهم ، وهو الحديث النبوي الشريف : «ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدّم عليه غيره» وهذا أفضل دليل على أنّ أبا بكر بعد النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) هو إمام المسلمين والمقدّم عليهم.

قلت : أسفي عليكم ، أنتم علماء الامّة! إذ تتقبّلون الأخبار والأحاديث من غير تفكّر وتدبّر!

هلاّ فكّرتم أنّ هذا الخبر إن كان صحيحا ، فلما ذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه لم يعمل به ، ولم يقدّم أبا بكر في قضايا كثيرة كانت مهمّة في تاريخ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتاريخ الإسلام ، مثل : يوم المباهلة ، إذ أخذ معه فاطمة وعليّا وابنيهما ، وقدّمهم على من سواهم.

وفي غزوة تبوك إذ خلّف الإمام عليّاعليه‌السلام في المدينة مكانه وقال له : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ...» إلى آخره.

وفي تبليغ الآيات الأوائل من سورة براءة ، للمشركين ، إذ عزل أبا بكر وأرسل عليّاعليه‌السلام وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يبلّغ إلاّ أنا أو رجل منّي ـ أو

٣٢٩

قال : من أهل بيتي ـ(١) .

وفي فتح خيبر حين أعطاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الراية وكان الفتح على يديه.

__________________

(١) أقول : خبر عزل أبي بكر من تبليغ آيات سورة براءة حديث مشهور بين المؤرّخين والمفسّرين والمحدّثين من علماء العامّة ، منهم :

١ ـ أبو الفداء ، إسماعيل بن عمر الدمشقي ، في : البداية والنهاية ٧ / ٣٥٧.

٢ ـ ابن حجر الهيتمي ، في : الصواعق المحرقة ، ص ١٩.

٣ ـ ابن حجر العسقلاني ، في : الإصابة ٢ / ٥٠٩.

٤ ـ الحاكم النيسابوري ، في المستدرك على الصحيحين ٢ / ٥١ ، و ٣٣١.

٥ ـ محمد بن عيسى الترمذي ، في صحيحه ٢ / ٤٦١.

٦ ـ المتّقي الهندي الحنفي ، في كنز العمّال ١ / ٢٤٦ و ٢٤٩ ، وج ٦ / ١٥٣.

٧ ـ الإمام أحمد بن حنبل ، في المسند ١ / ٣ ، وج ٣ / ٢٨٣ ، وج ٤ / ١٦٤.

٨ ـ محبّ الدين الطبري ، في ذخائر العقبى ص ٦٩.

٩ ـ الإمام النسائي ، في خصائصه ، ص ٤.

١٠ ـ الكنجي الشافعي ، في كفاية الطالب ، الباب السبعين ص ١٥٢ ، بسنده المتّصل بالحرث بن مالك ، قال : أتيت مكّة فلقيت سعد بن أبي وقّاص ، فقلت : هل سمعت لعليّ منقبة؟

قال : قد شهدت له أربعا لئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من الدنيا اعمّر فيها عمر نوح.

إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش فسار بها يوما وليلة ، ثمّ قال لعليّ : اتبع أبا بكر فخذها وبلّغها. فردّ عليّ عليه‌السلام أبا بكر ، فرجع يبكي فقال : يا رسول الله! أنزل فيّ شيء؟!

قال : لا ، إلاّ خيرا ، إلاّ أنّه ليس يبلغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي. أو قال : من أهل بيتي إلى آخره.

وبعد ما نقل الخبر بطوله قال العلاّمة الكنجي : هذا حديث حسن ، وأطرافه صحيحة ، أمّا طرفه الأوّل فرواه إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل وهو بعثت أبا بكر ببراءة ، وتابعة الطّبراني إلى آخر كلامه. «المترجم».

٣٣٠

ويوم فتح مكة ، رفع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام على كتفه فكسّر الأصنام التي على سطح الكعبة.

وأرسله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل اليمن يبلّغهم الدين ويقضي فيهم.

وأهمّ من كلّ ذلك : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل عليّاعليه‌السلام وصيّه ، وأوصى إليه بكلّ ما أراد ليقوم به بعد موته. ولم يوص لأبي بكر!

وكان أبو بكر في كلّ هذه القضايا والأمور حاضرا ، لا غائبا ولا مسافرا ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختار عليّا وقدّمه في تلك الامور وغيرها من القضايا الكثيرة وترك أبا بكر!!

الشيخ عبد السلام : مالكم كلّما نذكر حديثا في فضل أبي بكر صاحب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) رفضتموه ولم تقبلوه؟!

قلت : ما ذنبنا ، إذا كانت الأحاديث التي تنقلها في هذا المجال ، يأباها العقل والنقل؟!

الشيخ عبد السلام : لقد وصلنا حديث ثابت صحيح غير قابل للإنكار ، وهو عن طريق عمرو بن العاص ، قال : سألت النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يوما عن أحبّ نساء العالم إليه؟ فقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : عائشة!

قال : فسألته عن أحب الرجال إليه؟ فقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : أبو بكر!

على هذا ، فهما مقدّمان ؛ لأنّ حبّ النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لهما دليل على أنّ الله تعالى يحبّهما ؛ وهذا دليل قاطع على أحقّيّة أبي بكر (رض) بخلافة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

٣٣١

قلت : بالإضافة إلى أنّ هذا الخبر من الموضوعات ، فهو يعارض الأخبار المعتبرة والأحاديث الصحيحة عند الفريقين من جهتين :

أوّلا : من جهة عائشة أمّ المؤمنين ، بأنّها أحبّ النساء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ هناك أحاديث جمّة تصرّح بأنّ أحبّ النساء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخيرهنّ هي : فاطمة سيّدة النساء.

فقد أثبت ذلك علماء المسلمين عامّة ـ شيعة وسنّة ـ في أحاديث متواترة في كتبهم المعتبرة ، منهم :

١ ـ أبو بكر البيهقي ، في تاريخه.

٢ ـ الحافظ ابن عبد البرّ ، في «الاستيعاب».

٣ ـ المير السيّد علي الهمداني ، في «مودّة القربى».

وغيرهم من علمائكم وعلماء الشيعة ، كلّهم متّفقون على صحّة الحديث المرويّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال تكرارا : «فاطمة خير نساء أمّتي» أو : «خير نساء أمّتي فاطمة».

وروى الإمام أحمد في «المسند» والحافظ أبو بكر في «نزول القرآن في علي» عن محمّد بن الحنفية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وروى ابن عبد البرّ في «الاستيعاب» في قسم : التحدّث عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام وخديجة أمّ المؤمنين ، عن عبد الوارث بن سفيان وأبي هريرة ، وفي قسم التحدّث عن خديجة أمّ المؤمنين ، روى عن أبي داود نقلا عن أبي هريرة وأنس بن مالك.

وروى الشيخ سليمان الحنفي ، في الباب ٥٥ من «ينابيع المودة»

والمير السيد علي الهمداني في المودّة الثالثة عشرة من «مودّة القربى» عن أنس بن مالك.

٣٣٢

وروى غيرهم عن طرق عديدة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمدعليهم‌السلام .

وروى الخطيب البغدادي في تاريخه ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدّ هؤلاء النساء الأربع خير نساء العالمين وفضّل فاطمة في الدنيا والآخرة عليهنّ.

وروى البخاري في صحيحه ، والإمام أحمد في المسند ، عن عائشة بنت أبي بكر ، قالت : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة «يا فاطمة أبشري ، فإنّ الله اصطفاك وطهّرك على نساء العالمين ، وعلى نساء الإسلام ، وهو خير دين».

وروى البخاري في صحيحه ٤ / ٦٤ ، ومسلم في صحيحه ، في باب فضائل فاطمة ج ٢ ، والحميدي في «الجمع بين الصحيحين» والعبدي في «الجمع بين الصحاح الستّة» وابن عبد البرّ في «الاستيعاب» في قسم : الحديث عن فاطمةعليها‌السلام ، والإمام أحمد في المسند ٦ / ٢٨٢ ، ومحمد بن سعد في الطبقات ج ٢ في قسم أحاديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ، وفي الجزء الثامن في قسم الحديث حول فاطمةعليها‌السلام ، نقلا عن أمّ المؤمنين عائشة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث طويل جاء فيه أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين؟!».

وفسّره ابن حجر العسقلاني في الإصابة ، في ترجمة فاطمةعليها‌السلام ، أي : أنت سيّدة نساء العالمين.

وروى محمد بن طلحة الشافعي في كتابه «مطالب السئول» ص ٧ ، أحاديث وأخبارا كثيرة في هذا الباب ، وقال بعدها : فثبت بهذه

٣٣٣

الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة ، كون فاطمة كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيرها ، وأنّها سيّدة نساء أهل الجنّة ، وأنّها سيدة نساء هذه الأمّة ، وسيّدة نساء أهل المدينة.

وروى البخاري ومسلم في الصحيح ، والثعلبي في تفسيره ، والإمام أحمد في «المسند» والطبراني في «المعجم الكبير» وسليمان الحنفي في «الينابيع» الباب ٣٢ ، عن تفسير ابن أبي حاتم ، والحاكم في «المناقب» والواحدي في «الوسيط» وأبي نعيم في «حلية الأولياء» وعن الحمويني في «فرائد السمطين».

وروى ابن حجر الهيتمي في «الصواعق» في ذكر الآية الرابعة عشرة.

وروى محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السئول ، ص ٨.

والطبري في تفسيره ، والواحدي في أسباب النزول ، وابن المغازلي في المناقب ، ومحب الدين الطبري في الرياض ، والشبلنجي في نور الأبصار ، والزمخشري في تفسيره ، والسيوطي في الدرّ المنثور ، وابن عساكر في تاريخه ، والسمهودي في وفاء الوفاء ، والنيسابوري في تفسيره ، والبيضاوي في تفسيره ، والفخر الرازي في التفسير الكبير ، وأبو بكر شهاب الدين العلوي في رشفة الصادي : الباب الأوّل / صفحة ٢٢ ـ ٢٣ ، نقلا عن تفسير البغوي والثعلبي ، والملاّ في سيرته ، ومناقب أحمد ، والطبراني في المعجم الكبير والأوسط ، والسدّي ، والشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي في كتابه «الإتحاف» صفحه ٥ عن الحاكم والطبراني وأحمد.

وروى السيوطي في «إحياء الميت» عن تفاسير ابن المنذر وابن

٣٣٤

أبي حاتم وابن مردويه و «المعجم الكبير» للطبراني.

كلّهم رووا عن ابن عبّاس حبر الامّة : أنّه لمّا نزلت الآية الكريمة :( ... قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) (١) .

قال جمع من الأصحاب : يا رسول الله! من قرابتك الّذين فرض الله علينا مودّتهم؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «عليّ وفاطمة والحسن والحسين».

وهذا الأمر ثابت ولا يشكّ فيه إلاّ الذي في قلبه مرض النفاق والعناد.

وإنّ هذا الأمر ثابت عند كبار علمائكم الأعلام ، حتّى روى ابن حجر في «الصواعق» صفحة ٨٨ ، والحافظ جمال الدين الزرندي في «معراج الوصول» والشيخ عبد الله الشبراوي في «الإتحاف» صفحة ٥٢٩ ومحمد بن علي الصبّان في اسعاف الراغبين صفحة ١١٩ ، وغير هؤلاء ذكروا : أنّ الامام محمد بن إدريس الشافعي أنشد شعرا في هذا الأمر ، فقال :

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الشأن أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

والآن ، أوجه سؤالي لكلّ منصف في المجلس وأقول :

بالله عليكم هل يقابل الحديث الذي ذكره الشيخ عن عمرو بن

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية ٢٣.

٣٣٥

العاص الفاسق ، الذي خرج لقتال إمام زمانه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وسفك دماء المؤمنين عمّار بن ياسر ونظرائه الأخيار الأبرار ؛ هل يقابل حديثه بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المجمع على صحّتها بين المسلمين ، شيعة وسنّة؟!

وهل يقبل العقل أن يفضّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدا ويحبّ أحدا أكثر من الّذين فرض الله حبّهم ومودّتهم على المسلمين؟!

وهل يتصوّر أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتّبع هواه فيغرم في حبّ زوجته عائشة من غير دليل معنوي ورجحان شرعي ، فيرجّحها على سائر زوجاته ويحبّها أكثر من سائر نسائه؟!

مع العلم أنّ الله عزّ وجلّ يطالب عباده بالعدل بين زوجاتهم فيقول :( ... فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ) (١) .

أم هل من المعقول أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفضّل زوجته عائشة على ابنته فاطمة التي فضّلها الله تعالى ومدحها في آية التطهير والمباهلة ، وفرض مودّتها في آية القربى؟!

كلّنا نعلم ونؤمن بأنّ الأنبياء والأصفياء لا يتّبعون الهوى ، وإنّما تكون أفعالهم وأقوالهم وحبّهم وبغضهم لله وفي الله سبحانه ، فمعيار الحبّ والبغض عندهم هو : الله ، وليس الهوى!

والله عزّ وجلّ يرجّح فاطمة ويفضّلها على من سواها ويفرض حبّها والذي يقول غير ما نقول ، فيلزم أن يردّ كلّ الأحاديث والأخبار المعتضدة والمؤيّدة بالقرآن الحكيم والعقل السليم التي استدللنا بها على ما نقول!

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٣.

٣٣٦

أو أنّه ينسب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتّهمه ـ والعياذ بالله ـ بمتابعة الهوى ومخالفة الحقّ! وهذا كفر صريح.

أحبّ الرجال إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّعليه‌السلام

ثانيا : أمّا من جهة أبي بكر ، كما يقول حديث عمرو بن العاص : «إنّ أحبّ الرجال إلى النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) هو أبو بكر» فهو ينافي الأخبار الكثيرة والأحاديث الصحيحة المعتبرة المروية في كتب كبار علمائكم ومحدّثيكم بأنّ أحبّ الرجال إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، منهم :

١ ـ روى الحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» الباب ٥٥ ، عن الترمذي بسنده عن بريدة ، أنّه قال : كان أحبّ النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة ومن الرجال عليّعليه‌السلام .

٢ ـ العلاّمة محمد بن يوسف الكنجي روى مسندا في كتابه «كفاية الطالب» الباب ٩١ بسنده عن أمّ المؤمنين عائشة ، أنّها قالت : ما خلق الله خلقا كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عليّ بن أبي طالب.

ثمّ يقول الكنجي : هذا حديث حسن ، رواه ابن جرير في مناقبه ، وأخرجه ابن عساكر في ترجمته ، أي ترجمة الإمام عليعليه‌السلام (١) .

__________________

(١) لقد خرّج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٤ حديثا بمعناه وفيه زيادة ، وهذا نصّه :

بحذف السند ، بسنده عن جميع بن عمير ، قال : دخلت مع أمّي على عائشة

٣٣٧

٣ ـ روى الحافظ الخجندي بسنده عن معاذة الغفارية ، أنّها قالت : دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في بيت عائشة ، وكان عليعليه‌السلام خارج الدار ، فسمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول لعائشة : إنّ هذا ـ أي عليّعليه‌السلام ـ أحبّ الرجال إليّ ، وأكرمهم عليّ ، فاعرفي حقّه ، وأكرمي مثواه.

__________________

فسمعتها من وراء الحجاب وهي تسأل عن عليّ؟ فقالت : تسألني عن رجل ، والله ما أعلم رجلا كان أحبّ إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) من عليّ ، ولا في الأرض امرأة كانت أحبّ إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) من امرأته ـ أي : فاطمةعليها‌السلام ـ ثمّ قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ـ أي : البخاري ومسلم ـ.

وخرّج محبّ الدين الطبري في «ذخائر العقبى» صفحه ٣٥ ، حديثا بمعناه وهذا نصّه : عن عائشة أنّها سئلت : أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)؟ قالت : فاطمة ، فقيل : من الرجال؟ قالت : زوجها ، إن كان ما علمت صوّاما قوّاما.

خرّجه الترمذي في صحيحه ٢ / ٤٧٥ ، وخرّجه ابن عبيد وزاد بعد قوله «قوّاما» : جديرا بقول الحقّ.

وعن بريدة ، قال : كان أحبّ النساء إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فاطمة ومن الرجال عليّ.

خرّجه أبو عمر.

انتهى ما ذكره الطبري في (الذخائر).

وقد خرّج الحديث ، الحاكم في المستدرك على الصحيحين في مورد آخر ، ج ٣ / ١٥٧ ، وخرّجه ابن الأثير في أسد الغابة ٣ / ٥٢٢ ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ٢ / ٧٧٢ ، والترمذي في صحيحه ٢ / ٤٧١ في مناقب اسامة ، وخرّجه الخوارزمي الحنفي في : تاريخ مقتل الحسين عليه‌السلام ١ / ٥٧ ، والمتّقي الهندي في : كنز العمّال ٦ / ٤٥٠ نقلا من كتب كثيرة لعلماء العامّة. «المترجم».

٣٣٨

٤ ـ روى ابن حجر في آخر الفصل الثاني من «الصواعق» بعد نقله أربعين حديثا في فضائل الإمام عليّعليه‌السلام ، قال الترمذي : عن عائشة ، قالت : كانت فاطمة أحبّ النساء إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وزوجها أحبّ الرجال إليه.

خبر الطير المشويّ

من أهمّ الأخبار في الموضوع ، خبر الطير المشويّ المرويّ في كتبنا وكتبكم المعتبرة كالصحاح والمسانيد ، منها :

صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، والسجستاني ، في صحاحهم ، والإمام أحمد في «المسند» وابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» وابن الصبّاغ المالكي في «الفصول المهمّة» صفحه ٢١ ، رواه بهذه العبارة : وأنّه صحّ النقل في كتب الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة عن أنس بن مالك إلى آخره.

ورواه الشيخ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» الباب الثامن ، وقد خصّصه لهذا الخبر من طرق شتّى ، فيرويه عن الإمام أحمد والترمذي والموفّق بن أحمد الخوارزمي وابن المغازلي وسنن أبي داود ، عن سفينة مولى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعن أنس بن مالك وابن عبّاس.

ثمّ يقول : وقد روى أربعة وعشرون رجلا حديث الطير عن أنس ، منهم : سعيد بن المسيّب والسدّي وإسماعيل.

قال : ولابن المغازلي «حديث الطير» من عشرين طريقا.

ورواه سبط ابن الجوزي في التذكرة : ٢٣ ، عن فضائل أحمد

٣٣٩

وسنن الترمذي.

وأشار إليه المسعودي في مروج الذهب ٢ / ٤٩.

ورواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في الحديث التاسع من «الخصائص».

وكتب كلّ من : الحافظ ابن عقدة ومحمد بن جرير الطبري والحافظ أبو نعيم ، كتابا خاصا بخبر الطير المشويّ وأسانيده وطرقه وتواتره.

كما إنّ العلاّمة المحقّق الورع ، الزاهد التقي ، السيّد حامد حسين الدهلوي ـ وأنتم الحاضرون لقرب جواركم منه تعرفون مكانته العلمية وتعرفون ورعه وزهده أحسن وأكثر من غيركم ـ خصّص مجلّدا ضخما من موسوعته العلمية الكريمة : «عبقات الأنوار» لخبر الطير المشويّ ، وقد جمع فيه أسناد ومصادر الخبر من طرقكم وكتب علمائكم فقط.

وأنا لا أذكر الآن كم بلغ عدد أسناد ومصادر هذا الخبر في ذلك الكتاب العظيم ، ولكنّي أذكر بأنّي عجبت حين مطالعته من سعة اطّلاع العلاّمة الدهلوي!

والخبر كما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن سفينة مولى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أهدت امرأة من الأنصار طيرين مشويّين بين رغيفين ، فقال النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك والى رسولك فجاء عليّعليه‌السلام فأكل معه من الطيرين حتى كفيا.

وجاء في بعض كتبكم مثل : «الفصول المهمّة» لابن الصبّاغ المالكي وتاريخ الحافظ النيسابوري ، و «كفاية الطالب» للعلاّمة الكنجي

٣٤٠

الشافعي ، ومسند الإمام أحمد ، عن أنس بن مالك ، قال :

اتي النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بطائر فقال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي.

فجاء عليعليه‌السلام فحجبته مرّتين ، فجاء في الثالثة فأذنت له.

فقال النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : يا عليّ! ما حبسك؟! قال : هذه ثلاث مرّات قد جئتها فحبسني أنس.

قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : لم يا أنس؟! قال : قلت : سمعت دعوتك يا رسول الله ، فأحببت أن يكون رجلا من قومي.

فقال النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : الرجل يحبّ قومه.

فأسأل الشيخ عبد السلام وأقول : هل استجاب الله تعالى دعوة حبيبه ونبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم لا؟!

الشيخ عبد السلام : نعم ، وكيف لا يستجيب وقد وعده الإجابة؟! وهو سبحانه يعلم أنّ النبيّ لا يدعوه ولا يطلب منه حاجة إلاّ في محلّها. فلذلك كانت دعوة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) مستجابة في كلّ وقت.

قلت : على هذا فعليّعليه‌السلام هو أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ.

كما إنّ كبار علمائكم صرّحوا بذلك ، مثل : العلاّمة محمد بن طلحة الشافعي ، في أوائل الفصل الخامس من الباب الأوّل من كتابه «مطالب السئول» بمناسبة حديث الراية وحديث الطير ، فقد أثبت أنّ عليّاعليه‌السلام كان أحبّ الخلق إلى الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ يقول : أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحقّق للناس ثبوت هذه المنقبة السنيّة والصفة العليّة ، التي هي أعلى درجات المتّقين ، لعليّعليه‌السلام إلى آخره.

٣٤١

والعلاّمة الكنجي الشافعي ، فقيه الحرمين ومحدّث الشام وصدر الحفّاظ ، في كتابه «كفاية الطالب» الباب ٣٣ ، بعد نقله الحديث والخبر بسنده عن أربع طرق ، عن أنس وسفينة خادمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وفيه دلالة واضحة على ان عليّاعليه‌السلام أحبّ الخلق الى الله ، وأدل الدلالة على ذلك إجابة دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما دعا به ، وقد وعد الله تعالى من دعاه الإجابة ، حيث قال عزّ وجلّ :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (١) .

فأمر بالدعاء ووعد الإجابة ، وهو عزّ وجلّ لا يخلف الميعاد. وما كان الله عزّ وجلّ ليخلف وعده رسله ، ولا يردّ دعاء رسوله لأحبّ الخلق إليه ، ومن هو أقرب الوسائل إلى الله تعالى محبّته ومحبّة من يحبّ لحبّه.

وبعد هذا يقول : وحديث أنس الذي صدّرته في أوّل الباب ، أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري عن ستّة وثمانين رجلا ، كلّهم رووه عن أنس ، ثمّ يذكر أسماءهم(٢) .

__________________

(١) سورة غافر ، الآية ٦٠.

(٢) وإليك الحديث كما نقله العلاّمة الكنجي الشافعي في أول الباب ٣٣ من كتاب «كفاية الطالب» وأسماء رواته كما يلي :

أخبرنا منصور بن محمد أبو غالب المراتبي ، أخبرنا أبو الفرج بن أبي الحسين الحافظ ، أخبرنا أحمد بن محمد السدّي ، أخبرنا عليّ بن عمر بن محمد السكّري ، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن السرّاج المصري ، حدّثنا أبو محمد فهد بن سليمان النحّاس ، حدّثنا أحمد بن يزيد ، حدّثنا زهير ، حدّثنا عثمان الطويل ، عن أنس بن مالك :اهدي إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) طائر وكان يعجبه أكله ، فقال : ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي من هذا الطائر.

٣٤٢

__________________

فجاء عليّ بن أبي طالب فقال : استأذن لي على رسول الله. قال : فقلت : ما عليه إذن ، وكنت أحبّ أن يكون رجلا من الأنصار.

فذهب ثمّ رجع فقال : استأذن لي عليه ، فسمع النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كلامه ، فقال : ادخل يا عليّ ؛ ثمّ قال : اللهمّ وإليّ ، اللهمّ وإليّ. ـ أي : هو أحبّ الناس إليّ أيضا ـ.

وأمّا أسماء رواة هذا الحديث عن أنس كما ذكرهم العلاّمة الكنجي الشافعي نقلا عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ النيسابوري ، وهم ستّة وثمانون رجلا ، ذكرهم في آخر الباب ٣٣ بترتيب حروف المعجم ، كما يلي :

[إ] إبراهيم بن هديّة أبو هديّة ، وإبراهيم بن مهاجر أبو إسحاق البجلي ، وإسماعيل ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدّي ، وإسماعيل بن سليمان بن المغيرة الأزرق ، وإسماعيل بن وردان ، وإسماعيل بن سليمان ، وإسماعيل غير منسوب من أهل الكوفة ، وإسماعيل بن سليمان التيمي ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وأبان بن أبي عيّاش أبو إسماعيل.

[ب] بسّام الصيرفي الكوفي ، وبرذعة بن عبد الرحمن.

[ث] ثابت بن أسلم البنانيان ، وثمامة بن عبد الله بن أنس.

[ج] جعفر بن سليمان النخعي.

[ح] حسن بن أبي الحسن البصري ، وحسن بن الحكم البجلي ، وحميد بن التيرويه الطويل.

[خ] خالد بن عبيد أبو عصام.

[ز] زبير بن عديّ ، وزياد بن محمد الثقفي ، وزياد بن شروان.

[س] سعيد بن المسيّب ، وسعيد بن ميسرة البكري ، وسليمان بن طرخان التيمي ، وسليمان بن مهران الأعمش ، وسليمان بن عامر بن عبد الله بن عبّاس ، وسليمان ابن الحجّاج الطائفي.

[ش] شقيق بن أبي عبد الله.

٣٤٣

__________________

[ع] عبد الله بن أنس بن مالك ، وعبد الملك بن عمير ، وعبد الملك بن أبي سليمان ، وعبد العزيز بن زياد ، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، وعمر بن أبي حفص الثقفي ، وعمر بن سليم البجلي ، وعمر بن يعلى الثقفي ، وعثمان الطويل ، وعلي بن أبي رافع ، وعامر بن شراحيل الشعبي ، وعمران بن مسلم الطائي ، وعمران بن هيثم ، وعطيّة بن سعد العوفي ، وعبّاد بن عبد الصمد ، وعيسى بن طهمان ، وعمّار بن أبي معاوية الدهني.

[ف] فضيل بن غزوان.

[ق] قتادة بن دعامة.

[ك‍] كلثوم بن جبر.

[م] محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، الباقر عليه‌السلام ، ومحمد بن مسلم الزهري ، ومحمد بن عمر بن علقمة ، ومحمد بن عبد الرحمن أبو الرجال ، ومحمد بن خالد بن المنتصر الثقفي ، ومحمد بن سليم ، ومحمد بن مالك الثقفي ، ومحمد بن جحادة ، ومطيّر بن خالد ، ومعلّى بن هلال ، وميمون أبو خلف ، وميمون غير منسوب ، ومسلم الملائي ، ومطر بن طهمان الورّاق ، وميمون بن مهران ، ومسلم بن كيسان ، وميمون بن جابر السلمي ، وموسى بن عبد الله الجهني ، ومصعب بن سليمان الأنصاري.

[ن] نافع مولى عبد الله بن عمر ، ونافع أبو هرمز.

[ه‍] هلال بن سويد.

[ي] يحيى بن سعيد الأنصاري ، ويحيى بن هانئ ، ويوسف بن إبراهيم ، ويوسف أبو شيبة ـ وقيل هما واحد ـ ، ويزيد بن سفيان ، ويعلى بن مرّة ، ونعيم بن سالم.

[أبو] أبو الهندي ، وأبو مليح ، وأبو داود السبيعي ، وأبو حمزة الواسطي ، وأبو حذيفة العقيلي ، ورجل من آل عقيل ، وشيخ غير منسوب.

انتهى ما أردنا نقله من كتاب «كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن

٣٤٤

فأنصفوا أيها المستمعون! هل من الصحيح أن نتمسّك بخبر واحد رواه عمرو بن العاص ، وهو أحد أعداء الإمام عليّعليه‌السلام ، والمعلن عليه الحرب ، والخارج لقتاله ، ونعرض عن هذه الأخبار الكثيرة المتواترة في كتب كبار علمائكم ومحدّثيكم؟!

الشيخ عبد السلام : أظنّ أنّكم مصرّون على ردّ كلّ خبر ننقله في فضيلة الشيخين!!

نحن نتّبع الحقّ!

قلت : إنّي أعجب من الشيخ إذ يتّهمني أمام الحاضرين بهذه التهمة! ولا أدري أي خبر موافق للكتاب الحكيم والعقل السليم والمنطق القويم قاله الشيخ وأنا رفضته وما قبلته؟! حتّى يجابهني بهذا العتاب ، ويواجهني بهذا الكلام الذي يقصد منه أنّنا نتّبع طريق اللجاج والعناد!!

__________________

أبي طالبعليه‌السلام » تأليف : العلاّمة ، فقيه الحرمين ، ومفتي العراقيين ، محدّث الشام ، وصدر الحفّاظ ، أبي عبد الله محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي.

وقد ثبت إجماع المسلمين على صحّة هذا الخبر ، فنقلوه بالتواتر في كتبهم ومسانيدهم ، كما ثبت أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام احتجّ بهذا الحديث في يوم الدار في اجتماع الّذين أوصاهم عمر بن الخطّاب أن يجتمعوا لتعيين خليفته من بينهم ، فقال الإمام عليّ عليه‌السلام : أنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فجاء أحد غيري؟!

فقالوا : اللهمّ لا فقال عليه‌السلام : اللهمّ اشهد إلى آخره. «المترجم».

٣٤٥

وإنّي أعوذ بالله أن أكون معاندا أو متعصّبا جاهلا ، وأعوذ به سبحانه أن يكون في قلبي شيء من الحقد عليكم خصوصا ، وعلى إخواني من أهل السنّة عموما.

وإنّي أشهد الله ربّي وربّكم أنّي ما كنت معاندا وما تبعت طريق اللجاج في محاوراتي ومناظراتي مع اليهود والنصارى ، والهنود والمجوس ، ومع المادّيّين والوجوديّين ، وسائر المذاهب والفرق والأحزاب المنحرفة ، بل كنت دائما أطلب وجه الله عزّ وجلّ وأبحث عن الحقّ والحقيقة على أساس المنطق والعقل واصول العلم والبرهان ، فكيف أكون معاندا في محاورتي معكم وأنتم إخواني في الدين ، ونحن وإياكم على دين واحد ، وكتاب واحد ، ونبي واحد ، وقبلة واحدة؟!

غاية ما هنالك لقد وقعت بعض الاشتباهات والمغالطات في الأمر ، والتبس بذلك الحقّ عليكم ، ونحن بتشكيل مجالس البحث والمناظرة ، نريد أن نتفاهم في القضايا حتّى يرتفع الاختلاف إن شاء الله تعالى ، ويخيّم علينا الاتّحاد والائتلاف ، ويتحقّق أمر الله عزّ وجلّ إذ يقول :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) .

وأنتم والحمد لله عالمون وفاهمون ، ولكن تأثّرتم بكلمات وأكاذيب الامويّين المعادين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطيّبين فقلّدتم الناكثين والمارقين المتعصّبين ضدّ الإمام عليّ أمير المؤمنين وشيعته أهل الحقّ واليقين.

فإذا تخلّيتم عن أقاويل اولئك ، وتحرّرتم عن التعصّب والتقليد

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٣.

٣٤٦

الأعمى ، وأنصفتم الحكم في القضايا المطروحة ، فإنّا نصل إن شاء الله تعالى إلى الهدف المنشود والحقّ المعهود.

الشيخ عبد السلام : نحن قرأنا في الصحف والمجلاّت ، مناظراتكم مع الهنود والبراهمة في مدينة لاهور ، وعلمنا إفحامكم إيّاهم فأجبناكم لانتصاركم للدين الحنيف وإثباتكم الحقّ ، وكنّا نحبّ زيارتكم ونتشوّق لمجالستكم ، والآن نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإيّاكم على الحقّ.

ونحن نوافقكم على مراجعة القرآن الحكيم في الأمور الخلافية ، وعرض الأخبار والأحاديث المرويّة على كتاب الله سبحانه ، فهو الفرقان الأعظم ، ولذا قبلنا منكم الردود على ما نقلناه من الأخبار والأحاديث حينما أثبتّم نقاط تعارضها مع الكتاب والعقل والعلم والمنطق.

فلذلك أذكر الآن دليلا من القرآن الكريم في شأن الخلفاء الراشدين وفضلهم ، وأنا على يقين بأنّكم ستوافقون عليه ولا تردّونه ، لأنّه مأخوذ ومقتبس من كتاب الله تعالى.

قلت : أعوذ بالله العظيم من أن أردّ الدلائل القرآنية أو الأحاديث الصحيحة النبوية. ولكن اعلموا أنّي حينما كنت احاور الفرق الملحدة مثل : الغلاة والخوارج ، وغيرهم من الّذين ينسبون أنفسهم للإسلام وما هم منه ، كانوا يحتجّون عليّ في إثبات ادّعائهم الباطل ببعض الآيات القرآنية! لأنّ بعض آيات الذكر الحكيم ذو معان متعدّدة ووجوه متشابهة ، ولذا لم يسمح النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحد أن يفسّر القرآن برأيه ، فقال :

٣٤٧

«من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار».

وقد وكّل هذا الأمر الهامّ إلى أهل بيته الكرامعليهم‌السلام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا».

وقد أجمعت الامّة على صحّة هذا الحديث الشريف ، فيجب أن نأخذ تفسير القرآن ومعناه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو القرآن الناطق ، ومن بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب أن نأخذ ذلك من العترة الهادية ، وهم أهل بيته الّذين جعلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع القرآن ككفّتي ميزان.

والله سبحانه أيضا أمر الامّة أن يرجعوا إليهم في ما لا يعلمون ، فقال :( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) .

والمقصود من أهل الذكر : عليّ بن أبي طالب والأئمّة من بنيهعليهم‌السلام كما روى الشيخ سليمان الحنفي في «ينابيع المودة» الباب ٣٩ نقلا عن تفسير «كشف البيان» للعلاّمة الثعلبي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن عليّعليه‌السلام ، قال : نحن أهل الذكر ، والذكر : هو القرآن الحكيم لقوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (٢) .

وبتعبير آخر من القرآن الكريم ، الذكر : هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله تعالى :( ... قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ ) (٣) .

فأهل الذكر هم آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأهل القرآن الّذين نزل الوحي في

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٤٣.

(٢) سورة الحجر ، الآية ٩.

(٣) سورة الطلاق ، الآية ١٠ ـ ١١.

٣٤٨

بيتهم ، فهم أهل بيت النبوّة وأهل بيت الوحي.

ولذلك كان عليّعليه‌السلام يقول للناس : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ، فإنّه ليس من آية إلاّ وقد عرفت بليل نزلت أم نهار ، وفي سهل أم في جبل ، والله ما انزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من انزلت ، وإنّ ربّي وهب لي لسانا طلقا ، وقلبا عقولا إلى آخره.

ملخص القول : في نظرنا إنّ الاستدلال بالآيات القرآنية يجب أن يطابق بيان أهل البيت والعترة النبوية ، وإلاّ إذا كان كلّ إنسان يفسّر القرآن حسب رأيه وفكره لوقع الاختلاف في الكلمة والتشتّت في الآراء ، وهذا لا يرضى به الله سبحانه.

والآن بعد هذه المقدّمة ، فإنّا نستمع لبيانكم.

الشيخ عبد السلام : لقد أوّل بعض علمائنا الأعلام قوله تعالى :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (١) .

قالوا :( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) إشارة إلى أبي بكر الصدّيق ، فهو كان مع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في كلّ مكان حتّى في الغار ، ورافقه في الهجرة إلى المدينة المنوّرة.

والمقصود من( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) : هو عمر بن الخطّاب (رض) الذي كان شديدا على الكفّار.

والمراد من( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) : هو عثمان ذو النورين ، فإنّه كان

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية ٢٩.

٣٤٩

كما نعلم رقيق القلب كثير الرحمة.

والمعنيّ من( سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) : هو عليّ ابن أبي طالب كرّم الله وجهه ، فإنّه ما سجد لصنم قطّ.

وأنا أرجو أن تقبل هذا التأويل الجميل ، والقول الجامع لفضيلة الخلفاء الراشدين!

قلت : يا شيخ! إنّي أعجب من كلامك وفي حيرة منه! ولا أدري من أين جئت به؟! فإنّي لم أجد في تفاسيركم المعتبرة المشهورة ، هذا التفسير ، ولو كان الأمر كما تقول ، لكان الخلفاء المتقدّمون على الإمام عليّعليه‌السلام احتجّوا بها حينما واجهوا معارضة بني هاشم وامتناع السيّدة فاطمة الزّهراء والامام عليّعليه‌السلام من البيعة لهم.

ولكن لم نجد ذلك في التاريخ ولا في التفاسير التي كتبها كبار علمائكم ، أمثال : الطبري والثعلبي والنيسابوري والسيوطي والبيضاوي والزمخشري والفخر الرازي ، وغيرهم.

وهذا التأويل والتفسير ما هو إلاّ رأي شخصي غير مستند إلى حديث أو رواية ، وإنّ القائل والملتزم به ومن يقبله يشملهم حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار».

وإذا قلت : إنّ ما قلته هو تأويل لا تفسير.

فأقول : إنّ مذاهبكم الأربعة لا يقبلون تأويل القرآن مطلقا ، ولا يجوز عند أئمّتكم تأويل القرآن ، وأضف على هذا ، إنّ في الآية الشريفة نكات علمية وأدبية تمنع من هذا التأويل ، وتحول دون الوصول إلى مقصودكم ، وهي :

أوّلا : الضمائر الموجودة في الآية الكريمة.

٣٥٠

وثانيا : صياغة الجمل ف( مُحَمَّدٌ ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مبتدأ ، و( رَسُولُ اللهِ ) : عطف بيان أو صفة ، و( الَّذِينَ مَعَهُ ) : عطف على( مُحَمَّدٌ ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و( أَشِدَّاءُ ) وما بعدها : خبر ؛ ولو قلنا غير هذا فهو غير معقول وخارج عن قواعد العربية والاصول.

ولذا فإنّ جميع المفسّرين من الفريقين قالوا : إنّ الآية الكريمة تشير إلى صفات المؤمنين بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميعا.

ولكنّي أقول : إنّ هذه الصفات ما اجتمعت في كلّ فرد فرد من المؤمنين ، بل مجموعها كانت في مجموع المؤمنين ، أي : إنّ بعضهم كانوا( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) وبعضهم كانوا( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) وبعضهم( سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) ولم يكن من المؤمنين إلاّ رجل واحد جمع كلّ هذه الصفات والميزات الدينية ، وهو : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فهو الذي كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أوّل رسالته وبعثته حتّى آخر ساعات حياته المباركة ، إذ كان رأس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجر وصيّه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب حين فارقت روحه الدنيا.

الشيخ عبد السّلام : إنّك قلت : بأنّي لا اجادل ولست متعصّبا! بينما الآن تظهر التعصّب ، وتجادلنا على ما لا ينكره أيّ فرد من أهل العلم!

أما قرأت قوله تعالى :( إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ

٣٥١

كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١) .

هذه الآية الكريمة إضافة على أنّها تؤيّد رأينا في تأويل الآية السابقة :( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) فهي تسجّل فضيلة كبرى ، ومنقبة عظمى لسيّدنا أبي بكر الصدّيق (رض) ، لأنّ مصاحبته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تدلّ على منزلته عنده ، ودليل على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم بعلم الله أنّ أبا بكر يكون خليفته ، فكان يلزم عليه حفظه كما يلزم حفظ نفسه الشريفة ، لذلك أخذه معه حتّى لا يقع في أيدي المشركين ، ولم يأخذ النبيّ أحدا سواه ، وهذا أكبر دليل على خلافته.

قلت : إذا أبعدتم عنكم التعصّب ، وتركتم تقليد أسلافكم ، ونظرتم إلى الآية الكريمة بنظر التحقيق والتدقيق ، لوجدتم أنّها لا تعدّ فضيلة ومنقبة لأبي بكر ، وليس فيها أي دليل على خلافته!

الشيخ عبد السلام : إنّي أتعجّب من قولك هذا ، والآية صريحة في ما نقول ، ولا ينكره إلاّ معاند متعصّب!

قلت : قبل أن أخوض هذا البحث أرجو أن تعرضوا عن كلامكم ، لأنّي أخشى أن يمسّ ويخدش البحث عواطفكم ، فإنّ الكلام يجرّ الكلام ، ونصل بالبحث إلى ما لا يرام ، ولا يتحمّله العوامّ ، لسوء ما تركّز عندهم في الأفهام.

الشيخ عبد السلام : أرجو أن لا تتكلّم بالإبهام ، بل بيّن لنا كلّ ما عندك من الجواب والردّ على ما قلناه بالتمام ، ونحن إنّما اجتمعنا وحاورناكم لنعرف حقيقة الإسلام ، ونحن مستعدّون لاعتناق مذهبكم إذا ظهر لنا وثبت أنّه الحقّ الذي أمر به محمّد سيّد الأنام (صلّى الله

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٤٠.

٣٥٢

عليه [وآله] وسلّم).

قلت : إنّ إنكاري لقولكم لا يكون عن تعصّب وعناد ، وإعراضي عن الجواب ليس عن عيّ وجهل ، بل رعاية للأدب والوداد ، ولكن إصراركم على رأيكم ، وإحساسي بالمسئولية في كشف الحقّ وإظهار الحقيقة والإرشاد ، يفرض عليّ الردّ والجواب ، حتّى يعرف الحاضرون كلمة الحقّ والسداد ، فأقول :

أوّلا : قولك : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمل معه أبا بكر ، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم أنّه يكون خليفته ، فأراد أن يحفظه من شرّ المشركين ، كلام غريب

لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حمله لهذا السبب ، فلما ذا لم يأخذ معه خلفاءه الآخرين ، الراشدين على حدّ زعمكم؟! عمر وعثمان وعليّ ، لأنّهم كانوا في مكّة مهدّدين أيضا!

فلما ذا هذا التبعيض؟! يأخذ أبا بكر ويأمر عليّا ليبيت على فراش الخطر ، ويفدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه!

هل هذا من العدل والإنصاف؟!

ثانيا : بناء على ما ذكره الطبري في تاريخه ، ج ٣ : إنّ أبا بكر ما كان يعلم بهجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء عند علي بن أبي طالب وسأله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخبره بأنّه هاجر نحو المدينة فأسرع أبو بكر ليلتقي بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرآه في الطريق فأخذه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه.

فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما أخذ معه أبا بكر على غير ميعاد ، لا كما تقول.

وقال بعض المحقّقين : إنّ أبا بكر بعد ما التقى بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الطريق ، اقتضت الحكمة النبوية أن يأخذه معه ولا يفارقه ؛ لأنّه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة ، وكان المفروض أن يكون سرّا ، كما نوّه

٣٥٣

به الشيخ أبو القاسم ابن الصبّاغ ، وهو من كبار علمائكم ، قال في كتابه : «النور والبرهان» :

إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أمر عليّا فنام على فراشه ، وخشي من أبي بكر أن يدلّهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار!

ثالثا : أسألك أن تبيّن لنا محلّ الشاهد من الآية الكريمة ، وتوضّح الفضيلة التي سجّلتها الآية لأبي بكر؟!

الشيخ عبد السلام : محلّ الشاهد ظاهر ، والفضيلة أظهر ، وهي :

أوّلا : صحبة النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، فإنّ الله تعالى يعبر عن الصدّيق (رض) بصاحب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

ثانيا : جملة :( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) .

ثالثا : نزول السكينة من عند الله سبحانه على سيّدنا أبي بكر.

ومجموعها تثبت أفضليّة سيّدنا الصديق وأحقّيّته بالخلافة.

قلت : لا ينكر أحد أنّ أبا بكر كان من كبار الصحابة ، ومن شيوخ المسلمين ، وأنّه زوّج ابنته من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكنّ هذه الامور لا تدلّ على أحقّيّته بالخلافة.

وكذلك كلّ ما ذكرتم من شواهد ودلائل في الآية الكريمة ، لا تكون فضائل خاصة بأبي بكر ، بل لقائل أن يقول : إنّ صحبة الأخيار والأبرار لا تكون دليلا على البرّ والخير ؛ فكم من كفّار كانوا في صحبة بعض المؤمنين والأنبياء ، وخاصة في الأسفار.

٣٥٤

الصحبة ليست فضيلة

١ ـ فإنّا نقرأ في سورة يوسف الصدّيقعليه‌السلام أنّه قال :( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (١) .

لقد اتّفق المفسّرون أنّ صاحبي يوسف الصدّيقعليه‌السلام هما ساقي الملك وطبّاخه ، وكانا كافرين ودخلا معه السجن ولبثا خمس سنين في صحبة النبيّ يوسف الصدّيقعليه‌السلام ، ولم يؤمنا بالله ، حتّى أنّهما خرجا من السجن كافرين ؛ فهل صحبة هذين الكافرين لنبي الله يوسفعليه‌السلام تعدّ منقبة وفضيلة لهما؟!

٢ ـ ونقرأ في سورة الكهف :( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) (٢) .

ذكر المفسّرون : أنّ المؤمن ـ وكان اسمه : يهودا ـ قال لصاحبه ـ واسمه : براطوس ـ وكان كافرا ؛ وقد نقل المفسّرون ـ منهم : الفخر الرازي ـ محاورات هذين الصاحبين ، ولا مجال لنقلها ؛ فهل صحبة براطوس ليهودا ، تعدّ له فضيلة أو شرفا يقدّمه على أقرانه؟!

أم هل تكون دليلا على إيمان براطوس ، مع تصريح الآية :( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ) ؟!(٣) .

فالمصاحبة وحدها لا تدلّ على فضيلة وشرف يميّز صاحبها ويقدّمه على الآخرين.

وأمّا استدلالك علي أفضليّة أبي بكر ، بالجملة المحكيّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٣٩.

(٢) سورة الكهف ، الآية ٣٧.

(٣) سورة الكهف ، الآية ٣٧.

٣٥٥

( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) فلا أجد فيها فضيلة وميزة لأحد ؛ لأنّ الله تعالى لا يكون مع المؤمنين فحسب ، بل يكون مع غير المؤمنين أيضا ، لقوله تعالى :( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ) (١) .

فبحكم هذه الآية الكريمة ، فإنّ الله عزّ وجلّ يكون مع المؤمن والكافر والمنافق.

الشيخ عبد السلام : لا شكّ أنّ المراد من الآية الكريم :( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) يعني : بما أنّنا مع الله ونعمل لله ، فإنّ ألطاف الله تعالى تكون معنا ، والعناية الإلهيّة تشملنا.

حقائق لا بدّ من كشفها

قلت : حتّى لو تنزّلنا لكم وسلّمنا لقولكم ، فلقائل أن يقول : إنّ الجملة مع هذا التفسير أيضا لا تدلّ على فضيلة ثابتة أو منقبة تقدّم صاحبها على الآخرين ؛ لأنّ هناك أشخاصا شملتهم الألطاف الإلهيّة والعناية الربّانيّة ، وما داموا مع الله كان الله معهم ، وحينما تركوا الله سبحانه تركهم وانقطعت العناية والألطاف الإلهية عنهم ، مثل :

١ ـ إبليس ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ فإنّه عبد الله تعالى عبادة قلّ نظيرها من الملائكة ، وقد شملته الألطاف والعنايات الربّانية ، ولكن لمّا تمرّد عن أمر ربّه تكبّر واتّبع هواه واغترّ ، خاطبه الله الأعظم الأكبر قائلا :( قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) (٢) .

__________________

(١) سورة المجادلة ، الآية ٧.

(٢) سورة الحجر ، الآية ٣٤ ـ ٣٥.

٣٥٦

٢ ـ ومثله في البشر : بلعم بن باعورا ، فإنّه كما ذكر المفسّرون في تفسير قوله تعالى :( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ) (١) قالوا : إنّه تقرّب إلى الله تعالى بعبادته له إلى أن أعطاه الاسم الأعظم وأصبح ببركة اسم الله سبحانه مستجاب الدعوة ، وعلى أثر دعائه تاه موسى وبنو إسرائيل أعواما كثيرة في الوادي.

ولكن على أثر طلبه للرئاسة والدنيا سقط في الامتحان ، واتّبع الشيطان ، وخالف الرحمن ، وسلك سبيل البغي والطغيان ، وصار من المخلّدين في النيران.

وإذا أحببتم تفصيل قصّته ، فراجعوا التاريخ والتفاسير ، منها : تفسير الرازي ٤ / ٤٦٣ ، فإنّه يروي عن ابن عبّاس وابن مسعود ومجاهد بالتفصيل.

٣ ـ وبرصيصا في بني إسرائيل ، كان مجدّا في عبادة الله سبحانه حتّى أصبح من المقرّبين ، وكانت دعوته مستجابة. ولكن عند الامتحان اصيب بسوء العاقبة فترك عبادة ربّ العالمين ، وسجد لإبليس اللعين ، وأمسى من الخاسرين ، فقال الله تعالى فيه :( كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ) (٢) .

فإذا صدر عمل حسن من إنسان ، فلا يدلّ على أنّ ذلك الإنسان يكون حسنا إلى آخر عمره وأنّ عاقبة أمره تكون خيرا ، ولذا ورد في

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٧٥.

(٢) سورة الحشر ، الآية ١٦.

٣٥٧

أدعية أهل البيتعليهم‌السلام : اللهمّ اجعل عواقب امورنا خيرا.

إضافة إلى ما قلنا : فإنّكم تعلمون أنّه قد ثبت عند علماء المعاني والبيان ، أنّ التأكيد في الكلام يدلّ على شكّ المخاطب وعدم يقينه للموضوع ، أو توهّمه خلاف ذلك.

والآية مؤكّدة «بأنّ» فيظهر بأنّ مخاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو صاحبه في الغار كان شاكّا في الحقّ ، على غير يقين بأنّ الله سبحانه يكون معهما!

الشيخ عبد السلام ـ شاط غاضبا ـ وقال : ليس من الإنصاف أن تمثّل صاحب رسول الله وخليفته بإبليس وبلعم وبرصيصا!

قلت : أنا في البداية بيّنت أن : «لا مناقشة في الأمثال» ومن المعلوم أنّ في المحاورات أنّما يذكرون الأمثال لتقريب موضوع الحوار إلى الأذهان ، وليس المقصود من المثل تشابه المتماثلين من جميع الجهات ، بل يكفي تشابههما من جهة واحدة ، وهي التي تركّز عليها موضوع الحوار.

وإنّي اشهد الله! بأنّي ما قصدت بالأمثال التي ذكرتها إهانة أحد أبدا ، بل البحث والحوار يقتضي أحيانا أن أذكر شاهدا لكلامي ، وابيّن مثلا لتفهيم مقصدي ومرامي.

الشيخ عبد السلام : دليلي على أنّ الآية الكريمة تتضمّن مناقب وفضائل لسيّدنا أبي بكر (رض) ، جملة :( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) فإنّ الضمير في :( عَلَيْهِ ) يرجع لأبي بكر الصدّيق ، وهذا مقام عظيم.

قلت : الضمير يرجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس لأبي بكر ، بقرينة الجملة التالية في الآية :( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) .

٣٥٨

وقد صرّح جميع المفسّرين : أنّ المؤيّد بجنود الله سبحانه هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الشيخ عبد السلام : ونحن نقول أيضا : إنّ المؤيّد بالجنود هو النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ولكنّ أبا بكر كذلك كان مؤيّدا مع النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

السكينة والتأييد من خصوصيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قلت : إذا كان الأمر كما تقول ، لجاءت الضمائر في الآية الكريمة بالتثنية ، بينما الضمائر كلّها جاءت مفردة ، فحينئذ لا يجوز لأحد أن يقول : إنّ الألطاف والعنايات الإلهيّة كالنصرة والسكينة شملت أبا بكر دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. فينحصر القول بأنّها شملت رسول الله دون صاحبه!!

الشيخ عبد السّلام : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كان في غنى عن نزول السكينة عليه ، لأنّ السكينة الإلهية كانت دائما معه ولا تفارقه أبدا ، ولكن سيّدنا أبا بكر (رض) كان بحاجة ماسّة إلى السكينة فأنزلها الله سبحانه عليه.

قلت : لما ذا تضيّع الوقت بتكرار الكلام ، بأيّ دليل تقول : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يحتاج إلى السكينة الإلهية؟! بينما الله سبحانه يقول :( ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها ) (١) وذلك في غزوة حنين.

ويقول سبحانه وتعالى أيضا :( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٢٦.

٣٥٩

وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى ) (١) وذلك في فتح مكّة المكرّمة.

فكما في الآيتين الكريمتين يذكر الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويذكر بعده المؤمنين ، فلو كان أبو بكر في آية الغار من المؤمنين الّذين تشملهم السكينة الإلهيّة ، لكان الله عزّ وجلّ قد ذكره بعد ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يقول : فأنزل الله سكينته عليهما.

هذا ، وقد صرّح كثير من كبار علمائكم : بأنّ ضمير( عَلَيْهِ ) في الآية الكريمة يرجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا إلى أبي بكر ؛ راجعوا كتاب : «نقض العثمانية» للعلاّمة الشيخ أبي جعفر الإسكافي وهو استاذ ابن أبي الحديد ، وقد كتب ذلك الكتاب القيّم في ردّ وجواب أباطيل أبي عثمان الجاحظ.

إضافة على ما ذكرنا ، نجد في الآية الكريمة جملة تناقض قولكم! وهي :( إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ ) فالنبيّ ينهى أبا بكر عن الحزن ، فهل حزن أبي بكر كان عملا حسنا أم سيّئا؟

فإن كان حسنا ، فالرسول لا ينهى عن الحسن ، وإن كان سيّئا فنهي النبيّ لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من باب النهي عن المنكر بقوله :( لا تَحْزَنْ ) فالآية الكريمة لم تكن في فضل أبي بكر ومدحه ، بل تكون في ذمّه وقدحه! وصاحب السوء والمنكر ، لا تشمله العناية والسكينة الإلهيّة ، لأنّهما تختصّان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، وهم أولياء الله الّذين لا يخشون أحدا إلاّ الله سبحانه.

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية ٢٦.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205