ليالي بيشاور

ليالي بيشاور1%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235753 / تحميل: 3891
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الذكور!! فإذن أنتم أسباطه وأبناء بنته ، لا أولاده وذرّيّته!!

قلت : ما كنت أحسبك معاندا أو لجوجا ، وإلاّ لما قمت مقام المجيب على سؤالكم ، ولما قبلت الحوار معكم!

الحافظ : لا يا صاحبي! لا يلتبس الأمر عليك ، فإنّا لا نريد المراء واللّجاج وإنّما نريد أن نعرف الحقيقة ، فإنّي وكثير من العلماء نظرنا في الموضوع ما بيّنته لكم ، فإنّا نرى أنّ عقب الإنسان ونسله إنّما هو من الأولاد الذكور لا البنات ، وذلك كما يقول الشاعر في هذا المجال :

بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد

فإن كان عندكم دليل على خلافه يدلّ على أنّ أولاد بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولاده وذرّيّته فبيّنوه لنا حتّى نعرفه ، وربّما نقتنع به فنكون لكم من الشاكرين.

قلت : إنّ الدلائل من كتاب الله (عزّ وجلّ) والروايات المعتبرة لدى الفريقين على ذلك قويّة جدّا.

الحافظ : أرجو منكم أن تبيّنوها حتّى نستفيد بذلك.

قلت : إنّي وفي أثناء كلامكم تذكرت مناظرة حول الموضوع ، جرت بين الخليفة العبّاسي هارون ، وبين : الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام ، فقد أجابهعليه‌السلام بجواب كاف وشاف اقتنع به هارون وصدّقه.

الحافظ : كيف كانت تلك المناظرة أرجو أن تبيّنوها لنا؟

قلت : قد نقل هذه المناظرة علماؤنا الأعلام في كتبهم المعتبرة ، منهم : ثقة عصره ، ووحيد دهره ، الشيخ الصدوق في كتابه القيّم : «عيون أخبار الرضا»(١) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ج ١ ص ٨٤ ح ٩.

٢١

ومنهم : علاّمة زمانه ، وبحّاثة قرنه ، الشيخ الطبرسي في كتابه الثمين : «الاحتجاج» وأنا أنقلها لكم من كتاب «الاحتجاج»(١) وهو كتاب علمي قيّم ، يضم بين دفّتيه أضخم تراث علمي وأدبي لا بدّ لأمثالك أيّها الحافظ من مطالعته ، حتّى ينكشف لكم الكثير من الحقائق العلمية والوقائع التاريخية الخافية عليكم.

أولاد البتولعليها‌السلام ذرية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

روى العلاّمة الطبرسي أبو منصور أحمد بن علي في الجزء الثاني من كتابه : «الاحتجاج» رواية مفصّلة وطويلة تحت عنوان : «أجوبة الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام لأسئلة هارون» وآخر سؤال وجواب ، كان حول الموضوع الذي يدور الآن بيننا ، وإليكم الحديث بتصرّف :

هارون : لقد جوّزتم للعامّة والخاصة أن ينسبوكم إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولوا لكم : يا أولاد رسول الله ، وأنتم بنو عليّ ، وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبيّ جدّكم من قبل أمّكم؟؟!

الإمامعليه‌السلام : لو أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نشر فخطب إليك كريمتك ، هل كنت تجيبه؟!

هارون : سبحان الله! ولم لا أجيبه ، وأفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.

الإمامعليه‌السلام : لكنّه لا يخطب إليّ ، ولا أزوّجه.

هارون : ولم؟! الإمامعليه‌السلام : لأنّه ولدني ولم يلدك.

__________________

(١) الاحتجاج : ج ٢ المناظرة رقم ٢٧١ ص ٣٣٥.

٢٢

هارون : أحسنت!!

ولكن كيف قلتم : إنّا ذرّيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنبيّ لم يعقّب؟! وإنّما العقب للذّكر لا للأنثى ، وأنتم ولد بنت النبي ، ولا يكون ولدها عقبا لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

الإمامعليه‌السلام : أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة.

هارون : لا أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا أنهي لي ، ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه ، حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، وأنتم معشر ولد عليّ تدّعون : أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ، ألف ولا واو ، إلاّ تأويله عندكم واحتججتم بقوله (عزّ وجلّ) :( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) (١) وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم!!

الإمامعليه‌السلام : تأذن لي في الجواب؟

هارون : هات.

الإمامعليه‌السلام : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٢) فمن أبو عيسىعليه‌السلام ؟!

هارون : ليس لعيسى أب!

الإمامعليه‌السلام : فالله (عزّ وجلّ) ألحقه بذراري الأنبياء عن طريق أمّه مريمعليها‌السلام وكذلك ألحقنا بذراري النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل أمّنا فاطمةعليها‌السلام

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ٣٨.

(٢) سورة الأنعام ، الآية ٨٤ و ٨٥.

٢٣

هل أزيدك؟

هارون : هات.

الإمامعليه‌السلام : قال الله تعالى :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (١) ولم يدّع أحد أنّه أدخله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت الكساء [و] عند مباهلة النصارى ، إلاّ عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسينعليه‌السلام ، واتّفق المسلمون : أنّ مصداق :( أَبْناءَنا ) في الآية الكريمة : الحسن والحسين عليهما السّلام ، و( نِساءَنا ) : فاطمة الزهراءعليها‌السلام ( وَأَنْفُسَنا ) : عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

هارون : أحسنت يا موسى! ارفع إلينا حوائجك.

الإمامعليه‌السلام : ائذن لي أن أرجع إلى حرم جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأكون عند عيالي.

هارون : ننظر إن شاء الله(٢) .

الاستدلال بكتب العامة ورواياتهم

هناك دلائل كثيرة جاءت في نفس الموضوع تدلّ على ما ذكرناه ،

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٦١.

(٢) لكن ما زال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام بعيدا عن حرم جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مفارقا لأهله وعياله ، ينقل من سجن الى سجن ، مكبّلا بالقيد والحديد وفي ظلم المطامير حتّى قضى بدسّ هارون السمّ إليه مسموما شهيدا صلوات الله وسلامه عليه. «المترجم».

٢٤

وقد سجّلها علماؤكم ونقلها حفّاظكم ورواتكم.

منهم : الإمام الرازي في الجزء الرابع من «تفسيره الكبير»(١) وفي الصفحة [١٢٤] من المسألة الخامسة قال في تفسير هذه الآية من سورة الأنعام : إنّ الآية تدلّ على أنّ الحسن والحسين [عليهما السّلام] ذرّيّة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لأنّ الله جعل في هذه الآية عيسى من ذرّيّة إبراهيم ولم يكن لعيسى أب ، وإنّما انتسابه إليه من جهة الامّ ، وكذلك الحسن والحسين [عليهما السّلام] فإنّهما من جهة الامّ ذرّيّة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

كما إنّ [الإمام] الباقر [عليه‌السلام ] استدل للحجّاج الثقفي بهذه الآية لإثبات أنّهم ذرّيّة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أيضا(٢) :

ومنهم : ابن أبي الحديد في : «شرح نهج البلاغة» ، وأبو بكر الرازي في تفسيره استدلّ على أنّ الحسن والحسين عليهما السّلام أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جهة أمّهم فاطمةعليها‌السلام بآية المباهلة وبكلمة :( أَبْناءَنا ) كما نسب الله تعالى في كتابه الكريم عيسى إلى إبراهيم من جهة أمّه مريمعليها‌السلام .

ومنهم : الخطيب الخوارزمي ، فقد روى في «المناقب» والمير السيّد علي الهمداني الشافعي في كتابه «مودّة القربى» والإمام أحمد بن حنبل

__________________

(١) التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي : المجلد السابع ج ١٣ ، ص ٦٦.

(٢) المروي في كتاب الاحتجاج : ج ٢ ص ١٧٥ المناظرة ٢٠٤ أن الإمام الباقرعليه‌السلام استدل بهذه الآية في حديثه مع أبي الجارود ، فراجع.

٢٥

وهو من فحول علمائكم في مسنده ، وسليمان الحنفي البلخي في «ينابيع المودّة»(١) بتفاوت يسير : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ـ وهو يشير إلى الحسن والحسين عليهما السّلام ـ : «ابناي هذان ريحانتاي من الدنيا ، ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا».

ومنهم : محمد بن يوسف الشافعي ، المعروف بالعلاّمة الكنجي ، ذكر في كتابه «كفاية الطالب» فصلا بعد الأبواب المائة بعنوان : «فصل : في بيان أنّ ذرّيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صلب عليّ [عليه‌السلام ]» جاء فيه بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله (عزّ وجلّ) جعل ذرّيّة كلّ نبي في صلبه ، وإنّ الله (عزّ وجلّ) جعل ذرّيّتي في صلب عليّ بن أبي طالب»(٢) .

ورواه ابن حجر المكي في صواعقه المحرقة : ص ٧٤ و ٩٤ عن الطبراني ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ؛ كما ورواه أيضا الخطيب الخوارزمي في «المناقب» عن ابن عبّاس.

قلت(٣) : ورواه الطبراني في معجمه الكبير في ترجمة الحسن ، ثمّ قال :

فإن قيل : لا اتّصال لذرّيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليّ [عليه‌السلام ] إلاّ من جهة فاطمة [عليها‌السلام ] وأولاد البنات لا تكون ذرّيّة ، لقول الشاعر :

__________________

(١) ينابيع المودة : الباب ٥٤ ص ١٩٣ وفيه : عن الترمذي عن ابن عمر قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ان الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا»

(٢) كفاية الطالب : ص ٣٧٩.

(٣) والقائل هو الكنجي الشافعي تعقيبا لما رواه.

٢٦

بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد

قلت : في التنزيل حجّة واضحة تشهد بصحّة هذه الدعوى وهو قوله (عزّ وجلّ)(١) :( وَوَهَبْنا لَهُ ) [أي : إبراهيم]( إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ ) ـ إلى أن قال : ـ( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ) فعدّ عيسى [عليه‌السلام ] من جملة الذرّيّة الّذين نسبهم إلى نوح [عليه‌السلام ] وهو ابن بنت لا اتّصال له إلاّ من جهة أمّه مريم.

وفي هذا دليل مؤكّد على أنّ أولاد فاطمة [عليها‌السلام ] هم ذرّيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا عقب له إلاّ من جهتها ، وانتسابهم إلى شرف النبوّة ـ وإن كان من جهة الامّ ـ ليس بممنوع ، كانتساب عيسى إلى نوح ، إذ لا فرق.

وروى الحافظ الكنجي الشافعي في آخر هذا الفصل ، بسنده عن عمر بن الخطّاب ، قال : سمعت رسول الله يقول : كلّ بني انثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة ، فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم(٢) .

قال العلاّمة الكنجي : رواه الطبري في ترجمة الحسن.

هذا ، وقد نقله أيضا بتفاوت يسير وزيادة في أوّله ، بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كلّ حسب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي(٣) .

أقول : ونقله كثير من علمائكم وحفّاظكم ، منهم الحافظ سليمان الحنفي في كتابه : «ينابيع المودّة»(٤) وقد أفرد بابا في الموضوع فرواه عن

__________________

(١) في سورة الأنعام : الآيتين ٨٤ و ٨٥.

(٢) كفاية الطالب : ص ٣٨١.

(٣) كفاية الطالب : ص ٣٨٠.

(٤) ينابيع المودة ، الباب ٥٧ ص ٣١٨.

٢٧

أبي صالح ، والحافظ عبد العزيز بن الأخضر ، وأبي نعيم في معرفة الصحابة ، والدارقطني والطبراني في الأوسط.

ومنهم : الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي في : «الإتحاف بحبّ الأشراف».

ومنهم : جلال الدين السيوطي في : «إحياء الميت بفضائل أهل البيت»(١) .

ومنهم : أبو بكر ابن شهاب الدين في : «رشفة الصادي في بحر فضائل بني النبيّ الهادي» ط. مصر ، الباب الثالث.

ومنهم : ابن حجر الهيثمي في «الصواعق المحرقة» الباب التاسع ، الفصل الثامن ، الحديث السابع والعشرون» قال : أخرج الطبراني عن جابر ، والخطيب عن ابن عبّاس ونقل الحديث.

وروى ابن حجر أيضا في «الصواعق الباب الحادي عشر ، الفصل الأول ، الآية التاسعة ...» : وأخرج أبو الخير الحاكمي ، وصاحب «كنوز المطالب في بني أبي طالب» إنّ عليّا دخل على النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وعنده العبّاس ، فسلّم فردّ عليه (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) السلام وقام فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه عن يمينه.

فقال له العبّاس : أتحبّه؟

قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : يا عمّ! والله الله أشدّ حبّا له منّي ، إنّ الله (عزّ وجلّ) جعل ذرّيّة كلّ نبيّ في صلبه ، وجعل ذرّيّتي في صلب هذا.

__________________

(١) من الحديث ٢٩ ص ٢٨ الى الحديث ٣٤ ص ٣٢.

٢٨

ورواه العلاّمة الكنجي الشافعي في كتابه : «كفاية الطالب الباب السابع»(١) بسنده عن ابن عبّاس.

وهناك مجموعة كبيرة من الأحاديث الشريفة المعتبرة ، المرويّة في كتبكم ، المقبولة عند علمائكم ، تقول : إنّ النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كان يعبّر عن الحسن والحسين عليهما السّلام ، بأنّهما ابناه ، ويعرّفهما لأصحابه ويقول : هذان ابناي

وجاء في تفسير : «الكشّاف» وهو من أهمّ تفاسيركم ، في تفسير آية المباهلة : لا دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء ، وهم : عليّ وفاطمة والحسنان ، لأنّها لمّا نزلت ، دعاهم النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فاحتضن الحسين وأخذ بيد الحسن ومشت فاطمة خلفه وعليّ خلفهما ، فعلم : إنّهم المراد من الآية ، وإنّ أولاد فاطمة وذرّيّتهم يسمّون أبناءه وينسبون إليه (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) نسبة صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة(٢) .

وكذلك الشيخ أبو بكر الرازي في «التفسير الكبير» في ذيل آية المباهلة ، وفي تفسير كلمة :( أَبْناءَنا ) له كلام طويل وتحقيق جليل ، أثبت فيه أنّ الحسن والحسين هم ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذرّيّته ، فراجع(٣) .

__________________

(١) كفاية الطالب : الباب السابع ، ص ٧٩.

(٢) الكشاف : ج ١ ص ٣٦٨.

(٣) حول آية المباهلة والحسنينعليهما‌السلام :لقد أجمع المفسّرون على أنّ( أَبْناءَنا ) في آية المباهلة إشارة إلى الحسن

٢٩

__________________

والحسين عليهما السّلام ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخرجهما معه يوم المباهلة مجيبا أمر الله (عزّ وجلّ) ، وقد أجمع عليه المحدّثون والمؤرّخون من المسلمين.

وإليك بعض المدارك والمصادر في هذا الباب :

١ ـ الحافظ مسلم بن الحجّاج ، في صحيحه ، ج ٧ ص ١٢٠ ، ط. محمد علي صبيح ـ مصر.

٢ ـ الإمام أحمد بن حنبل ، في مسنده ، ج ١ ص ١٨٥ ، ط. مصر.

٣ ـ العلاّمة الطبري ، في تفسيره ، ج ٣ ص ١٩٢ ، ط. الميمنية ـ مصر.

٤ ـ العلاّمة أبو بكر الجصّاص ـ المتوفّى سنة ٢٧٠ ه‍ ـ في كتاب «أحكام القرآن» ج ٢ ص ١٦ ، قال فيه : إنّ رواة السير ونقلة الاثر لم يختلفوا في أنّ النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أخذ بيد الحسن والحسين وعليّ وفاطمة رضي الله عنهم ودعا النصارى الّذين حاجّوه إلى المباهلة إلى آخره.

٥ ـ الحاكم ، في «المستدرك» ج ٣ ص ١٥٠ ، ط حيدرآباد الدكن.

٦ ـ العلاّمة الثعلبي ، في تفسيره في ذيل آية المباهلة.

٧ ـ الحافظ أبو نعيم ، في كتاب «دلائل النبوّة» ص ٢٩٧ ، ط. حيدرآباد.

٨ ـ العلاّمة الواحدي النيسابوري ، في كتاب : «أسباب النزول» ص ٧٤ ، ط. مصر.

٩ ـ العلاّمة ابن المغازلي في كتابه مناقب علي بن أبي طالب (ع).

١٠ ـ العلاّمة البغوي ، في كتابه «معالم التنزيل» ج ١ ص ٣٠٢.

وفي كتابه «مصابيح السنّة» ج ٢ ص ٢٠٤ ، ط المطبعة الخيرية.

١١ ـ العلاّمة الزمخشري ، في تفسير : «الكشّاف» ج ١ ص ١٩٣ ، ط. مصطفى محمد.

١٢ ـ العلاّمة أبو بكر ابن العربي ، في كتاب «أحكام القرآن» ج ١ ص ١١٥ ، ط.

مطبعة السعادة بمصر.

٣٠

__________________

١٣ ـ العلاّمة الفخر الرازي ، في «التفسير الكبير» ج ٨ ص ٨٥ ، ط. البهية بمصر.

١٤ ـ العلاّمة المبارك ابن الأثير ، في «جامع الاصول» ج ٩ ص ٤٧٠ ، ط. المطبعة المحمدية بمصر.

١٥ ـ الحافظ شمس الدين الذهبي ، في تلخيصه المطبوع في ذيل مستدرك الحاكم ، ج ٣ ص ١٥٠ ، ط. حيدرآباد.

١٦ ـ الشيخ محمد بن طلحة الشافعي ، في «مطالب السئول».

١٧ ـ العلاّمة الجزري ، في كتاب «أسد الغابة» ج ٤ ص ٢٥ ، ط. الاول بمصر.

١٨ ـ العلاّمة سبط ابن الجوزي ، في «التذكرة» ص ١٧ ، ط. النجف.

١٩ ـ العلاّمة القرطبي ، في كتاب «الجامع لاحكام القرآن» ج ٣ ص ١٠٤ ، ط.

مصر ، سنة ١٩٣٦.

٢٠ ـ العلاّمة البيضاوي ، في تفسيره ، ج ٢ ص ٢٢ ، ط. مصطفى محمد بمصر.

٢١ ـ العلاّمة محبّ الدين الطبري ، في «ذخائر العقبى» ص ٢٥ ، ط. مصر سنة ١٣٥٦.

وفي كتابه الآخر «الرياض النضرة» ص ١٨٨ ، ط. الخانجي بمصر.

٢٢ ـ العلاّمة النسفي ، في تفسيره ، ج ١ ، ص ١٣٦ ، ط. عيسى الحلبي بمصر.

٢٣ ـ العلاّمة المهايمي ، في : «تبصير الرحمن وتيسير المنان» ج ١ ص ١١٤ ، ط.

مطبعة بولاق بمصر.

٢٤ ـ الخطيب الشربيني ، في تفسيره «السراج المنير» ج ١ ص ١٨٢ ، ط. مصر.

٢٥ ـ العلاّمة النيسابوري ، في تفسيره ، ج ٣ ص ٢٠٦ ، بهامش تفسير الطبري ، ط.

الميمنية بمصر.

٢٦ ـ العلاّمة الخازن ، في تفسيره ، ج ١ ص ٣٠٢ ، ط. مصر.

٣١

__________________

٢٧ ـ العلاّمة أبو حيّان الأندلسي ، في كتابه «البحر المحيط» ج ٢ ص ٤٧٩ ، ط ، مطبعة السعادة بمصر.

٢٨ ـ الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ، في تفسيره ، ج ١ ص ٣٧٠ ، ط. مصطفى محمد بمصر.

وفي كتابه «البداية والنهاية» ج ٥ ص ٥٢ ، ط. مصر.

٢٩ ـ أحمد بن حجر العسقلاني ، في «الإصابة» ج ٢ ص ٥٠٣ ، ط. مصطفى محمد بمصر.

٣٠ ـ العلاّمة معين الدين الكاشفي ، في كتاب «معارج النبوّة» ج ١ ص ٣١٥ ، ط. لكنهو.

٣١ ـ ابن الصبّاغ المالكي ، في «الفصول المهمّة» ص ١٠٨ ، ط النجف.

٣٢ ـ جلال الدين السيوطي ، في «الدر المنثور» ج ٤ ص ٣٨ ، ط. مصر.

وفي كتابه «تاريخ الخلفاء» ص ١١٥ ، ط. لاهور.

٣٣ ـ ابن حجر الهيتمي ، في كتابه «الصواعق المحرقة» ص ١٩٩ ، ط. المحمدية بمصر.

٣٤ ـ أبو السعود أفندي ، شيخ الإسلام في الدولة العثمانية ، في تفسيره ، ج ٢ ص ١٤٣ ، ط. مصر ، المطبوع بهامش تفسير الرازي.

٣٥ ـ العلاّمة الحلبي ، في كتابه «السيرة المحمدية» ج ٣ ص ٣٥ ، ط. مصر.

٣٦ ـ العلاّمة الشاه عبد الحقّ الدهلوي ، في كتاب «مدارج النبوّة» ص ٥٠٠ ط. بومبي.

٣٧ ـ العلاّمة الشبراوي ، في كتاب «الإتحاف بحبّ الاشراف» ص ٥ ، ط. مصطفى الحلبي.

٣٨ ـ العلاّمة الشوكاني ، في كتاب «فتح القدير» ج ١ ص ٣١٦ ، طبع مصطفى الحلبي بمصر.

٣٩ ـ العلاّمة الآلوسي ، في تفسيره «روح المعاني» ج ٣ ص ١٦٧ ، ط. المنيرية بمصر.

٣٢

ثمّ قلت بعد ذلك : فهل يبقى ـ يا أيّها الحافظ! ـ بعد هذا كلّه ، محلّ للشعر الذي استشهدت به؟! بنونا بنو أبنائنا إلى آخره.

وهل يقوم هذا البيت من الشعر ، مقابل هذه النصوص الصريحة والبراهين الواضحة؟!

فلو اعتقد أحد بعد هذا كلّه ، بمفاد ذلك الشعر الجاهلي ـ الذي قيل في وصفه : إنه كفر من شعر الجاهلية ـ ، لردّه كتاب الله العزيز وحديث رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ اعلم ـ أيّها الحافظ ـ أنّ هذا بعض دلائلنا في صحّة انتسابنا

__________________

٤٠ ـ العلاّمة الطنطاوي ، في تفسيره «الجواهر» ج ٢ ص ١٢٠ ، ط. مصطفى الحلبي بمصر.

٤١ ـ السيّد أبو بكر الحضرمي ، في كتاب «رشفة الصادي» ص ٣٥ ، ط. الإعلامية بمصر.

٤٢ ـ الشيخ محمود الحجازي ، في تفسير «الواضح» ج ٣ ص ٥٨ ، ط مصر.

٤٣ ـ العلاّمة صدّيق حسن خان ، في كتاب : «حسن الاسوة» ص ٣٢ ، ط. الجوائب بالقسطنطنية.

٤٤ ـ العلاّمة أحمد زيني دحلان ، في «السيرة النبوية» المطبوعة بهامش «السيرة الحلبية» ج ٣ ص ٤ ، ط. مصر.

٤٥ ـ السيّد محمد رشيد رضا ، في تفسير «المنار» ج ٣ ص ٣٢١ ، ط. مصر.

٤٦ ـ العلاّمة محمد بن يوسف الكنجي ، في كتابه «كفاية الطالب» الباب الثاني والثلاثين.

٤٧ ـ الحافظ سليمان الحنفي ، في كتابه : «ينابيع المودّة» ج ١ باب الآيات الواردة في فضائل أهل البيت ، الآية التاسعة.

«المترجم»

٣٣

إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعض براهيننا على أنّنا ذرّيّته ونسله ، ولذا يحقّ لنا أن نفتخر بذلك ونقول :

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

الحافظ : إنّي اقرّ وأعترف بأنّ دلائلكم كانت قاطعة ، وبراهينكم ساطعة ، ولا ينكرها إلاّ الجاهل العنود ؛ كما وأشكركم كثيرا على هذه التوضيحات ، فلقد كشفتم لنا الحقيقة وأزحتم الشبهة عن أذهاننا.

صلاة العشاء

وهنا علا صوت المؤذّن في المسجد وهو يعلن وقت صلاة النساء ، والإخوة من العامّة ـ بخلافنا نحن الشيعة ـ يوجبون التفريق بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، وقد يجمعون أحيانا ، وذلك لسبب كالمطر والسفر.

لذا فقد تهيّئوا جميعا للذهاب إلى المسجد ، فقال بعضهم : وبما أنّا نريد الرجوع بعد الصلاة إلى هذا المكان لمتابعة الحديث ، فالأحسن أن تقام جماعة في المسجد وجماعة في هذا المكان بالحاضرين ، حتّى لا يفترق جمعنا ولا يفوت وقتنا ، فهذه فرصة ثمينة يجب أن نغتنمها.

فوافق الجميع على هذا الاقتراح ، وذهب السيّد عبد الحيّ ـ إمام المسجد ـ ليقيم الجماعة فيه بالناس.

وأمّا الآخرون فقد أقاموا صلاة العشاء جماعة في نفس المكان ، واستمرّوا على ذلك في بقية الليالي التالية أيضا.

٣٤

مسألة الجمع أو التفريق بين الصلاتين

ولمّا استقرّ بنا المجلس بعد الصلاة ، خاطبني أحد الحاضرين ، ويدعى النوّاب عبد القيّوم خان ، وكان يعدّ من أعيان العامة وأشرافهم ، وهو رجل مثقّف يحبّ العلم والمعرفة ، فقال لي : في هذه الفرصة المناسبة التي يتناول العلماء فيها الشاي أستأذنكم لأطرح سؤالا خارجا عن الموضوع الّذي كنّا فيه ، ولكنّه كثيرا ما يتردّد على فكري ويختلج في صدري.

قلت : تفضّل واسأل ، فإنّي مستعدّ للاستماع إليك.

النوّاب : كنت أحبّ كثيرا أن ألتقي بأحد علماء الشيعة حتّى أسأله : أنّه لما ذا تسير الشيعة على خلاف السنّة النبوية حين يجمعون بين صلاتي الظهر والعصر ، وكذلك المغرب والعشاء؟!

قلت :

أولا : السادة العلماء ـ وأشرت إلى الحاضرين في المجلس ـ يعلمون أنّ آراء العلماء تختلف في كثير من المسائل الفرعية ، كما أنّ أئمّتكم ـ الأئمّة الأربعة ـ يختلفون في آرائهم الفقهيّة فيما بينهم كثيرا ، فلم يكن إذن الاختلاف بيننا وبينكم في مثل هذه المسألة الفرعية شيئا مستغربا.

ثانيا : إنّ قولك : الشيعة على خلاف السنّة النبوية ، ادّعاء وقول لا دليل عليه ، وذلك لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجمع حينا ويفرّق اخرى.

النوّاب ـ وهو يتوجّه إلى علماء المجلس ويسألهم ـ : أهكذا كان يصنع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يفرّق حينا ويجمع اخرى؟

٣٥

الحافظ : يلتفت إلى النوّاب ويقول في جوابه ـ : كان النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يجمع بين الصلاتين في موردين فقط : مورد السفر ، ومورد العذر من مطر وما أشبه ذلك ، لكي لا يشقّ على أمّته.

وأمّا إذا كان في الحضر ، ولم يكن هناك عذر للجمع ، فكان يفرّق ، وأظنّ أنّ السيّد قد التبس عليه حكم السفر والحضر!!

قلت : كلاّ ، ما التبس عليّ ذلك ، بل أنا على يقين من الأمر ، وحتّى أنّه جاء في الروايات الصحيحة عندكم : بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر.

الحافظ : ربّما وجدتم ذلك في رواياتكم وتوهّمتم أنّها من رواياتنا!!

قلت : لا ، ليس كذلك ، فإنّ رواة الشيعة قد أجمعوا على جواز الجمع بين الصلاتين ، لأنّ الروايات في كتبنا صريحة في ذلك ، وإنّما الكلام والنقاش يدور فيما بين رواتكم حول الجمع وعدمه ، فقد نقلت صحاحكم وذكرت مسانيدكم ، أحاديث كثيرة وأخبارا صريحة في هذا الباب.

الحافظ : هل يمكنكم ذكر هذه الروايات والأحاديث وذكر مصادرها لنا؟

قلت : نعم ، هذا مسلم بن الحجّاج ، روى في صحيحه في باب «الجمع بين الصلاتين في الحضر» بسنده عن ابن عبّاس ، أنّه قال : صلّى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) الظهر والعصر جمعا ، والمغرب والعشاء جمعا ، في غير خوف ولا سفر.

٣٦

وروى أيضا ، بسنده عن ابن عبّاس ، أنّه قال : صلّيت مع النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ثمانيا جمعا ، وسبعا جمعا(١) .

وروى هذا الخبر بعينه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج ٢ ص ٢٢١ ، وأضاف إليه حديثا آخر عن ابن عبّاس أيضا ، أنّه قال : صلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في المدينة مقيما غير مسافر ، سبعا وثمانيا.

وروى مسلم في صحيحه أخبارا عديدة في هذا المجال ، إلى أن روى في الحديث رقم ٥٧ ، بسنده عن عبد الله بن شقيق ، قال : خطبنا ابن عبّاس يوما بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، فجعل الناس يقولون : الصلاة ـ الصلاة! فلم يعتن ابن عبّاس بهم ، فصاح في هذه الأثناء رجل من بني تميم ، لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة!

فقال ابن عبّاس : أتعلّمني بالسنّة؟ لا أمّ لك!

ثمّ قال : رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة ، فسألته ، فصدّق مقالته.

وروى مسلم في صحيحه الحديث رقم ٥٨ ذلك أيضا بطريق آخر عن عبد الله بن شقيق العقيلي ، قال : قال رجل لابن عبّاس ـ لمّا طالت خطبته ـ : الصلاة! فسكت ، ثمّ قال : الصلاة! فسكت. ثمّ قال :

__________________

(١) يقصد بالثمان : ركعات الظهر والعصر ، وبالسبع : ركعات المغرب والعشاء ، في الحضر. «المترجم».

٣٧

الصلاة! فسكت ، ثمّ قال : لا أمّ لك! أتعلّمنا بالصلاة ، وكنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)؟!

وروى الزرقاني وهو من كبار علمائكم ، في كتابه «شرح موطّأ مالك ج ١ ص ٢٦٣ ، باب الجمع بين الصلاتين» عن النسائي ، عن طريق عمرو بن هرم ، عن ابن الشعثاء ، أنّه قال : إنّ ابن عبّاس كان يجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وصلاتي المغرب والعشاء في البصرة ، وكان يقول : هكذا صلّى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

وروى مسلم في صحيحه ، ومالك في : «الموطّأ» وأحمد بن حنبل في «المسند» والترمذي في صحيحه في «باب الجمع بين الصلاتين» بإسنادهم عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : جمع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء بالمدينة ، من غير خوف ولا مطر ، فقيل لابن عبّاس : ما أراد بذلك؟

قال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمّته.

هذه بعض رواياتكم في هذا الموضوع ، وهي أكثر من ذلك بكثير ، ولكن ربّما يقال : إنّ أوضح دليل على جواز الجمع بين الصلاتين من غير عذر ولا سفر ، هو : أنّ علماءكم فتحوا بابا في صحاحهم ومسانيدهم بعنوان : «الجمع بين الصلاتين» وذكروا فيه الروايات التي ترخّص الجمع مطلقا ، فيكون دليلا على جواز الجمع مطلقا ، في السفر والحضر ، مع العذر وبلا عذر.

ولو كان غير ذلك ، لفتحوا بابا مخصوصا للجمع في الحضر ، وبابا مخصوصا للجمع في السفر ، وبما أنّهم لم يفعلوا ذلك ، وإنّما

٣٨

سردوا الروايات في باب واحد ، كان ذلك دليلا على جواز الجمع مطلقا!

الحافظ : ولكنّي لم أجد في صحيح البخاري روايات ولا بابا بهذا العنوان.

قلت :

أوّلا : إنّه إذا روى سائر أصحاب الصحاح ـ غير البخاري ـ من مثل مسلم والترمذي والنسائي وأحمد بن حنبل ، وشرّاح صحيحي مسلم والبخاري ، وغيرهم من كبار علمائكم ، أخبارا وأحاديث في مطلب ما وأقرّوا بصحّتها ، ألا تكون رواية أولئك كافية في إثبات ذلك المطلب ، فيثبت إذن هدفنا ومقصودنا؟!

وثانيا : إنّ البخاري أيضا ذكر هذه الروايات في صحيحه ، ولكن بعنوان آخر ، وذلك في باب «تأخير الظهر إلى العصر» من كتاب مواقيت الصلاة ، وفي باب «ذكر العشاء والعتمة» وباب «وقت المغرب».

أرجو أن تطالعوا هذه الأبواب بدقّة وإمعان حتّى تجدوا أنّ كلّ هذه الأخبار والروايات الدالّة على جواز الجمع بين الصلاتين منقولة هناك أيضا.

الجمع بين الصلاتين عند علماء الفريقين

والحاصل : إنّ نقل هذه الاحاديث من قبل جمهور علماء الفريقين ـ مع الإقرار بصحّتها في صحاحهم ـ دليل على أنّهم أجازوا الجمع ورخّصوه ، وإلاّ لما نقلوا هذه الروايات في صحاحهم.

٣٩

كما أنّ العلاّمة النووي في «شرح صحيح مسلم» والعسقلاني والقسطلاني وزكريّا الأنصاري ، في شروحهم لصحيح البخاري ، وكذلك الزرقاني في «شرح موطّأ مالك» وغير هؤلاء من كبار علمائكم ذكروا هذه الأخبار والروايات ، ثمّ وثّقوها وصحّحوها ، وصرّحوا بأنّها تدلّ على الجواز والرخصة في الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر ولا مطر ، وخاصة بعد رواية ابن عبّاس وتقرير صحّتها ، فإنّهم علّقوا عليها بأنّها صريحة في جواز الجمع مطلقا ، وذلك حتّى لا يكون أحد من الأمّة في حرج ومشقّة.

النوّاب ـ وهو يقول متعجبا ـ : كيف يمكن مع وجود هذه الأخبار والروايات المستفيضة والصريحة في جواز الجمع بين الصلاتين ، ثمّ يكون علماؤنا على خلافها حكما وعملا؟!

قلت ـ بديهي ، ومع كامل العذر على الصراحة ـ : إنّ عدم التزام علمائكم بالنصوص الصريحة والروايات الصحيحة لا تنحصر ـ مع كلّ الأسف ـ بهذا الموضوع فقط ، بل هناك حقائق كثيرة نصّ عليها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصرّح بها في حياته ، ولكنّهم لم يلتزموا بها ، وإنّما تأوّلوها وأخفوا نصّها عن عامة الناس ، وسوف تنكشف لكم بعض هذه الحقائق خلال البحث والنقاش في موضوع الإمامة وغيره إن شاء الله تعالى.

وأمّا هذا الموضوع بالذات ، فإنّ فقهاءكم لم يلتزموا ـ أيضا ـ بالروايات التي وردت فيه مع صراحتها ، وإنّما أوّلوها بتأويلات غير مقبولة عرفا.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205