ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242847 / تحميل: 4193
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فأقبل على أم كلثومعليها‌السلام وقال لها : أوصيك يا أخيّة بنفسك خيرا ، وإني بارز إلى هؤلاء القوم. فأقبلت سكينة وهي صارخة وكان يحبها حبا شديدا ، فضمّها إلى صدره ومسح دموعها بكمه ، وقال :

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي

منك البكاء إذا الحمام دهاني

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

ما دام مني الروح في جثماني

فإذا قتلت فأنت أولى بالذي

تأتينه يا خيرة النسوان

١٢٤ ـ نعي الحسينعليه‌السلام نفسه ، وطلب نسائه الرجوع إلى حرم جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مقتل أبي مخنف ، ص ٨٤)

قال أبو مخنف : ثم نادىعليه‌السلام : يا أم كلثوم ويا زينب ويا سكينة ويا رقية ويا عاتكة ويا صفية ، عليكنّ مني السلام ، فهذا آخر الاجتماع ، وقد قرب منكن الافتجاع. فصاحت أم كلثوم : يا أخي كأنك استسلمت للموت!. فقال لها الحسينعليه‌السلام : يا أختاه فكيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين!. فقالت :

يا أخي ردّنا إلى حرم جدنا. فقال لها : يا أختاه هيهات هيهات ، لو ترك القطا ليلا لنام. فرفعت سكينة صوتها بالبكاء والنحيب ، فضمّها الحسينعليه‌السلام إلى صدره الشريف وقبّلها ومسح دموعها بكمّه.

١٢٥ ـ الوداع الأخير(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٤٢٣)

(وفي رواية) فنادى في تلك الحالة : يا زينب يا أم كلثوم ويا سكينة يا رقية يا فاطمة ، عليكنّ مني السلام. فأقبلت زينبعليها‌السلام فقالت : يا أخي ، أيقنت بالقتل؟.فقالعليه‌السلام : كيف لا أيقن وليس لي معين ولا نصير؟. فقالت :

يا أخي ردّنا إلى حرم جدنا. فقالعليه‌السلام : هيهات ، لو تركت ما ألقيت نفسي في المهلكة ، وكأنكم غير بعيد كالعبيد ، يسوقونكم أمام الركاب ، ويسومونكم سوء العذاب. فلما سمعته زينبعليها‌السلام بكت ، وجرى الدموع من عينيه ، ونادت :

وا وحدتاه ، وا قلة ناصراه ، وا سوء منقلباه ، وا شؤم صباحاه. فشقّت ثوبها ونشرت شعرها ولطمت على وجهها. فقال الحسينعليه‌السلام : مهلا لها ، يا بنت المرتضى ، إن البكاء طويل. فأراد أن يخرج من الخيمة ، فلصقت به زينبعليها‌السلام فقالت : مهلا يا أخي ، توقّف حتى أزوّد من نظري ، وأودّعك وداع مفارق لا تلاق

١٤١

بعده فمهلا يا أخي قبل الممات هنيهة ، لتبرد مني لوعة وغليل. فجعلت تقبّل يديه ورجليه. وأحطن به سائر النسوان

١٢٦ ـ الحسينعليه‌السلام يلبس ثوبا خلقا تحت ثيابه لئلا يجرّد منه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٥١)

ثم قالعليه‌السلام لأخته : آتيني بثوب عتيق لا يرغب فيه أحد من القوم ، أجعله تحت ثيابي لئلا أجرّد منه بعد قتلي.

قال الراوي : فارتفعت أصوات النساء بالبكاء والنحيب.

يقول السيد المقرّم في مقتله ، ص ٣٤١ :

فأتوه بتبّان ، فلم يرغب فيه لأنه من لباس الذلة. وأخذ ثوبا خلقا [أي باليا] وخرّقه وجعله تحت ثيابه(١) ، ودعا بسراويل حبرة ففزرها ولبسها لئلا يسلب منها.

ويقول السيد عبد الكريم الحسيني القزويني في (الوثائق الرسمية) ص ٢٢٣ :

ثم إنهعليه‌السلام دعا بسروال يماني محكم النسج ، يلمع فيه البصر ، فخرّقه وفزره ، حتى لا يطمع فيه أحد ، لأنهعليه‌السلام يعلم أنه يسلب بعد مقتله. فقيل له : لو لبست تحته تبّانا ـ وهو سروال صغير ـ فقالعليه‌السلام : ذلك ثوب مذلة ، لا ينبغي لي أن ألبسه(٢) .

١٢٧ ـ مصرع ابن صغير للحسينعليه‌السلام عمره ثلاث سنوات :

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ص ٣٠٢)

وبينما الحسينعليه‌السلام جالس ، عليه جبّة خز دكناء ، والنبل يقع حوله ، فوقعت نبلة في ولد له ابن ثلاث سنين. فلبس لامته [أي درعه].

(أقول) : لا يبعد أن يكون هذا هو علي الأصغرعليه‌السلام .

١٢٨ ـ محاولة زين العابدينعليه‌السلام القتال رغم مرضه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢ ؛ ومقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤٠)

ثم التفت الحسينعليه‌السلام عن يمينه وشماله فلم ير أحدا من الرجال. فخرج علي

__________________

(١) مجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي ، ج ٩ ص ١٩٢ ؛ والبحار ، ج ١٠ ص ٢٠٥.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٥ ص ٤٥١ و ٤٥٢.

١٤٢

ابن الحسينعليهما‌السلام وهو زين العابدين ـ وهو أصغر من أخيه علي القتيل ـ وكان مريضا بالذّرب [وهو داء يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ، ويفسد فيها ولا تمسكه]. ونهض السجّادعليه‌السلام يتوكأ على عصا ويجرّ سيفه ، لأنه لا يقدر على حمله لمرضه ، وأم كلثوم تنادي خلفه : يا بني ارجع. فقال : يا عمتاه!. ذريني أقاتل بين يدي ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فصاح الحسينعليه‌السلام بأم كلثوم : احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأرجعته إلى فراشه(١) .

١٢٩ ـ لماذا أمرض الله زين العابدينعليه‌السلام ؟ :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٠٥)

حاول الإمام زين العابدينعليه‌السلام أن يخرج للجهاد رغم مرضه ، فمنعه سيد الشهداءعليه‌السلام . والواقع أن الله تعالى قد أمرض سيد الساجدين ، فطال زمان كونه عليلا ليسقط عنه الجهاد ، حفظا للعالم عن أن ينهدم ويبيد. وقد أثر عن الحسينعليه‌السلام قوله : وحاشا اللهعزوجل شأنه الكبير المتعال ، أن يبقي الأرض بلا حجة من نسلي.

١٣٠ ـ الحسينعليه‌السلام يوصي لابنه زين العابدينعليه‌السلام بالإمامة أكثر من مرة :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٠٦)

قال الفاضل الدربندي : اعلم أن وصية سيد الشهداءعليه‌السلام على ولده سيد الساجدينعليه‌السلام وتنصيصاته بإمامته ، كما أنها قد وقعت مرات عديدة قبل خروجهعليه‌السلام من المدينة ، فكذا إنها قد وقعت مرات في كربلاء. وما استفيد من الأخبار أنها وقعت في كربلاء أربع مرات : مرة في ليلة عاشوراء ، ومرة في طلب زين العابدينعليه‌السلام الجهاد ، ومرة قبيل شروع الإمام الحسينعليه‌السلام في الجهاد ، ومرة بعد صدور مجاهدات كثيرة وقتل آلاف من الناس في جملة من الحملات منهعليه‌السلام .

١٣١ ـ وصية الإمام الحسينعليه‌السلام لزين العابدينعليه‌السلام :

(العيون العبرى للميانجي ، ص ١٧٦ ؛ وأسرار الشهادة ، ص ٤٠٣)

عن (إثبات الوصية) قال : ثم أحضر علي بن الحسينعليه‌السلام وكان عليلا ،

__________________

(١) الخصائص الحسينية للشيخ جعفر التستري ، ص ١٢٩.

١٤٣

فأوصى إليه بالاسم الأعظم ومواريث الأنبياء. وعرّفه أنه قد دفع العلوم والصحف والمصاحف والسلاح إلى أم سلمة رضي الله عنها وأمرها أن تدفع جميع ذلك إليه.

وعنه أيضا : أن الحسينعليه‌السلام أوصى إلى أخته زينب بنت عليعليهما‌السلام في الظاهر ، فكان ما يخرج من علي بن الحسينعليهما‌السلام في زمانه من علم ينسب إلى زينبعليها‌السلام عمته ، سترا على علي بن الحسينعليهما‌السلام وتقيّة واتقاء عليه.

وعن العلامة الكليني عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال : إن الحسينعليه‌السلام لما حضره الّذي حضر ، دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة. وكان علي بن الحسينعليه‌السلام مبطونا معهم ، لا يرون إلا أنه لما به. فدفعت فاطمةعليها‌السلام الكتاب إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام .

(قال الراوي) قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟. قال : فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم ، منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا. والله إن فيه الحدود ، حتى أن فيه أرش الخدش [أي الغرامة التي يدفعها الشخص إذا خدش شخصا آخر].

١٣٢ ـ شهادة علي الأصغر بن الحسينعليه‌السلام :

اختلف الرواة في عدد أولاد الحسينعليه‌السلام الذين حضروا كربلاء ، كما اختلفوا في أسمائهم. وقد حققنا سابقا أن عددهم أربعة هم :

علي الأكبرعليه‌السلام ـ علي الأوسط وهو زين العابدينعليه‌السلام ـ علي الأصغر ـ عبد الله الرضيع.

فمن الرواة ما اعتبر زين العابدينعليه‌السلام هو الأصغر ، ولم يذكر علي الأصغر.ومنهم من سمّى عبد الله الرضيع عليا الأصغر ، واعتبر عددهم ثلاثة.

وقد ذكر القرماني في (أخبار الدول وآثار الأول) شهادة علي الأصغر قبل شهادة علي الأكبرعليه‌السلام ، وقال : وطلب الحسينعليه‌السلام ماء لولده الصغير علي الأصغر ، فذهب علي الأكبر بركوة وملأها من الشريعة ورجع. وأجلس الحسينعليه‌السلام ابنه على فخذه وهمّ بسقيه ، فأتاه سهم

يقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٤٠٤ : وهذه الرواية كما ترى غير مستقيمة ، وهي تنافي ما في الزيارة المروية من الناحية القائمية المقدسة.

ثم يقول القرماني في (أخبار الدول) ص ١٠٨ : وأصاب سهم ابنا

١٤٤

للحسينعليه‌السلام وهو في حجره ، فجعل يمسح الدم عنه ويقول : الله م احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا.

ثم يقول : وأتي بصبي صغير من أولادهعليه‌السلام اسمه عبد الله [الظاهر أنه الرضيع] ، فحمله وقبّله ، فرماه رجل من بني أسد [لعله حرملة بن كاهل الأسدي] فذبح ذلك الغلام. فتلقى الحسينعليه‌السلام دمه في يده وألقاه نحو السماء ، وقال :يا رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء ، فاجعله لنا خيرا ، وانتقم من الظالمين.

أما ابن أعثم في (كتاب الفتوح) ج ٥ ص ٢٠٩ فيقول : فبقي الحسينعليه‌السلام فريدا وحيدا ، ليس معه ثان إلا ابنه عليعليه‌السلام وهو يومئذ ابن سبع سنين [أقول : هذا خطأ من الناسخ ، ولعل عمره سبع عشرة سنة ، وهو زين العابدينعليه‌السلام ]. وله ابن آخر يقال له علي في الرضاع. فتقدم إلى باب الخيمة ، فقال : ناولوني ذلك الطفل حتى أودّعه وإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبّة الصبي [اللّبّة : موضع القلادة من الصدر] ، فقتله.

١٣٣ ـ شهادة الطفل الّذي ولد يوم عاشوراء :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ بعد ص ٢٤٣)

يقول اليعقوبي : ثم تقدّموا رجلا رجلا ، حتى بقي وحده ما معه أحد من أهله ولا ولده ولا أقاربه. فإنه لواقف على فرسه إذ أتي بمولود قد ولد له في تلك الساعة.فأذّن في أذنه ، وجعل يحنّكه ، إذ أتاه سهم ، فوقع في حلق الصبي ، فذبحه. فنزع الحسينعليه‌السلام السهم من حلقه ، وجعل يلطخه بدمه ، ويقول : والله لأنت أكرم على الله من الناقة [أي ناقة صالح التي ذبحها قومه فاستحقوا العذاب لذلك] ، ولمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكرم على الله من صالح!. ثم أتى فوضعه مع ولده وبني أخيه.

ويقول السيد الميانجي في (العيون العبرى) ص ١٧٣ :

في (الإبصار) : عبد الله [الرضيع] ابن الحسينعليه‌السلام ولد في المدينة ، وأمه الرباب بنت امرئ القيس الكلبي وكانت الرباب عند الحسينعليه‌السلام وولدت له سكينة وعبد الله هذا.

ثم يقول : اشتهر في الألسن هذا الصبي بعلي الأصغر ، وقيل بتخالفهما ، وأن عبد الله الرضيع غيره ، وأن أمه أم إسحق بنت طلحة ، وأنه ولد في كربلاء في يوم عاشوراء وأن علي الأصغر قتل في معركة القتال ، رماه حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه ، والعلم عند الله.

١٤٥

وذكر السيد حميد بن أحمد الزيدي صاحب (الحدائق الوردية) قال : ولد للحسينعليه‌السلام في الحرب ولد (أمه أم إسحق بنت طلحة بن عبيد الله التميمية) زوجة الحسينعليه‌السلام . فأتي به وهو قاعد ، فأخذه في حجره ولبّاه بريقه ، وسماه عبد الله.فبينما هو كذلك إذ رماه عبد الله بن عقبة الغنوي ، وقيل هانئ بن ثبيت الحضرمي ، بسهم فنحره. فأخذ الحسينعليه‌السلام دمه فجمعه ورمى به نحو السماء ، فما وقع منه قطرة إلى الأرض. قال الإمام الباقرعليه‌السلام : ولو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب (انظر وسيلة الدارين للزنجاني ، ص ٢٨٠). ولنعم ما قيل :

ومنعطف أهوى لتقبيل طفله

فقبّل منه قبله السهم منحرا

لقد ولدا في ساعة هو والردى

ومن قبله في نحره السهم كبّرا

ونذكر الآن شهادة عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام ، الّذي له من العمر ستة أشهر.

شهادة عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام

١٣٤ ـ مصرع عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام على يد حرملة بن كاهل الأسدي(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤١)

ثم تقدمعليه‌السلام إلى باب الخيمة وقال : ناولوني ولدي الرضيع لأودعه. فأتته زينبعليها‌السلام بابنه عبد الله [وقد سماه ابن شهر اشوب : علي الأصغر] وأمه الرباب بنت امرئ القيس ، فأجلسه في حجره وجعل يقبّله(١) ويقول : بعدا لهؤلاء القوم ، إذا كان خصمهم جدك المصطفى(٢) . ثم أتىعليه‌السلام بالرضيع نحو القوم يطلب له الماء ، وقال لهم : لقد جفّت محالب أمه ، فهل إلى شربة من ماء سبيل؟. ثم قال لهم : يا قوم ، إذا كنت أقاتلكم وتقاتلونني ، فما ذنب هذا الطفل حتى تمنعوا عنه الماء؟!.(وفي رواية) أنه قال : إذا لم ترحموني فارحموا هذا الطفل. فمنهم من رقّ قلبه للطفل ، وقال : اسقوه شربة من ماء ، ومنهم من قال : لا تسقوه ولا ترحموه!.

__________________

(١) عن الله وف ، ص ٦٥.

(٢) عن البحار ، ج ١٠ ص ٢٥٣ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٢.

١٤٦

فخاف عمر بن سعد أن يدبّ النزاع في صفوف جيشه ، فقال لحرملة بن كاهل الأسدي وكان راميا : اقطع نزاع القوم. فسدد حرملة سهمه نحو عنق الصبي ، فرماه بسهم فذبحه من الوريد إلى الوريد ، وهو لائذ بحجر أبيه. فأخذ الطفل يفحص من ألم الجروح ، ويرفرف كما يرفرف الطير المذبوح ، ودمه يشخب من أوداجه ، والحسينعليه‌السلام يتلقّى دمه من نحره حتى امتلأت كفه ، ثم رمى به نحو السماء.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : فما وقع منه قطرة إلى الأرض ، ولو وقعت منه إلى الأرض قطرة لنزل العذاب.

ثم قالعليه‌السلام : هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى(١) . الله م لا يكن أهون عليك من فصيل ناقة صالح. إلهي إن كنت حبست عنا النصر [من السماء] ، فاجعله لما هو خير منه ، وانتقم لنا من [هؤلاء القوم] الظالمين(٢) واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل(٣) . الله م أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) . فسمععليه‌السلام مناديا من السماء : دعه يا حسين فإن له مرضعا في الجنة(٥) .

ثم نزلعليه‌السلام عن فرسه ، وحفر له بجفن سيفه ، ودفنه مرمّلا بدمه ، وصلّى عليه(٦) . ويقال : وضعه مع قتلى أهل بيته(٧) .

(وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٨٣) : ثم أقبل الحسينعليه‌السلام إلى أم كلثوم وقال لها : يا أختاه أوصيك بولدي الأصغر خيرا ، فإنه طفل صغير وله من العمر ستة أشهر. فقالت له : يا أخي إن هذا الطفل له ثلاثة أيام ما شرب الماء ، فاطلب له شربة من الماء. فقال : هلمّي إليّ به. فأخذ الطفل وتوجّه نحو القوم ، وقال : يا قوم قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري ، وما بقي غير هذا الطفل ، وهو يتلظى عطشا فاسقوه

__________________

(١) عن اللهوف ، ص ٦٦.

(٢) عن مثير الأحزان لابن نما ، ص ٣٦.

(٣) عن تظلم الزهراء ، ص ١٢٢.

(٤) عن المنتخب للطريحي ، ص ٣١٣.

(٥) تذكرة الخواص ، ص ١٤٤ ؛ والقمقام لميرزا فرهاد ، ص ٣٨٥.

(٦) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢ ؛ والاحتجاج للطبرسي ، ص ١٦٣ ط نجف.

(٧) الإرشاد للمفيد ، ومثير ابن نما ، ص ٣٦.

١٤٧

شربة من الماء. فبينما هو يخاطبهم إذ أتاه سهم مشوم من ظالم غشوم ، فذبح الطفل من الأذن إلى الأذن. وقيل : إن السهم رماه قديمة العامري. فجعل الحسينعليه‌السلام يتلقى الدم بكفيه ويرمي به إلى السماء ويقول : الله م إني أشهدك على هؤلاء القوم ، فإنهم نذروا ألا يتركوا أحدا من ذرية نبيك. ثم رجع بالطفل مذبوحا ، ودمه يجري على صدره ، فألقاه إلى أم كلثوم ، فوضعه في الخيمة وبكى عليه.

١٣٥ ـ منزلة عبد الله الرضيععليه‌السلام (أسرار الشهادة ، ص ٤٠٠)

يقول الفاضل الدربندي : إن عبد الله الرضيع الّذي كان في القماط ، قد طلب بلسان الحال الفوز بدرجة الشهادة ، حين سمع أباه يستغيث فلا يغاث ، فقطّع قماطه وألقى نفسه إلى الأرض.

وبعد استشهاده صلّى عليه الحسينعليه‌السلام ودفنه إن صلاة الإمامعليه‌السلام عليه في ضيق ذلك الوقت ، مما يشير إلى علوّ درجة هذا الطفل الرضيع من حيث الشهادة ، فإن درجة شهادته عند الله بمنزلة درجة شهادة سادات الشبان والكهول والشيوخ من الشهداء ، بل لا يصل إلى درجته إلا درجة طائفة من سادات الشهداء.فصلاة الإمامعليه‌السلام عليه كصلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحمزة يوم أحد في هذا المقام أيضا.

ـ ماذا بعد استشهاد الطفل الرضيععليه‌السلام ؟ :

(الإمام الحسين يوم عاشوراء ، ص ١٣١)

وهكذا بدأ شلال الدم ينحدر على أرض كربلاء ، وسحب المأساة تتجمع في آفاقها الكئيبة ، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حول الحسينعليه‌السلام وتنبعث من حناجر النساء والأطفال.

١٣٦ ـ رثاء الحسينعليه‌السلام أصحابه الذين استشهدوا :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٨٤)

قال أبو مخنف : ثم توجّهعليه‌السلام نحو القوم وقال : : يا ويلكم علام تقاتلوني ؛ على حقّ تركته ، أم على سنّة غيّرتها ، أم على شريعة بدّلتها؟!. فقالوا : بل نقاتلك بغضا منا لأبيك وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين. فلما سمع كلامهم بكى وجعل ينظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا من أنصاره إلا من صافح التراب جبينه ، ومن قطع الحمام أنينه. فنادى : يا مسلم بن عقيل ويا هانئ بن عروة ويا حبيب بن مظاهر ويا

١٤٨

زهير بن القين ويا يزيد بن مظاهر ويا فلان ويا فلان يا أبطال الصفا ، ويا فرسان الهيجا ، مالي أناديكم فلا تجيبون ، وأدعوكم فلا تسمعون!. أنتم نيام ، أرجوكم تنتبهون ، أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصروه!. هذه نساء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفقدكم قد علاهن النحول ، فقوموا عن نومتكم أيها الكرام ، وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام. ولكن صرعكم والله ريب المنون ، وغدر بكم الدهر الخؤون ، وإلا لما كنتم عن نصرتي تقصّرون ، ولا عن دعوتي تحتجبون. فها نحن عليكم مفتجعون ، وبكم لاحقون. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

١٣٧ ـ الضحّاك بن عبد الله المشرقي يترك المعركة بعد استئذان الحسينعليه‌السلام (تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ٣٥٤)

قال أبو مخنف : حدثني عبد الله بن عاصم عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : لما رأيت أصحاب الحسينعليه‌السلام قد أصيبوا ، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ، ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي ، قلت له : يابن رسول الله ، قد علمت ما كان بيني وبينك ؛ قلت لك :أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا ، فإذا لم أر مقاتلا فأنا في حلّ من الانصراف!. فقلت لي :

نعم!. فقالعليه‌السلام : صدقت ، وكيف لك بالنجاة؟. إن قدرت على ذلك فأنت في حل!.

فأقبلت إلى فرسي ، وقد كنت ـ حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر ـ أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطا لأصحابنا من البيوت ، وأقبلت أقاتل معهم راجلا ، فقتلت يومئذ بين يدي الحسينعليه‌السلام رجلين ، وقطعت يد آخر. وقال لي الحسينعليه‌السلام يومئذ مرارا : لا تشلل ، لا يقطع الله يدك ، جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ، ثم استويت على متنها ثم ضربتها ، حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم ، فأفرجوا لي ، واتّبعني منهم خمسة عشر رجلا ، حتى انتهيت إلى (شفية) قرية قريبة من شاطئ الفرات. فلما لحقوني عطفت عليهم ، فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبد الله الصائدي ، فقالوا : هذا الضحاك بن عبد الله المشرقي ، هذا ابن عمنا ، ننشدكم الله لما كففتم عنه. فقال ثلاثة نفر من بني تميم

١٤٩

كانوا معهم : بلى والله لنجيبنّ إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهم.

قال : فلما تابع التميميون أصحابي كفّ الآخرون. قال : فنجّاني الله.

وقد وردت قصة التحاق الضحّاك بن عبد الله المشرقي بالحسينعليه‌السلام في الجزء الأول من الموسوعة ـ الفقرة ٧٩٧ ، فراجع.

(جدول بأشهر المستشهدين من آل أبي طالبعليهم‌السلام

مع ذكر أمهاتهم وقاتليهم)

اسم الشهيد

اسم والدته

اسم قاتله

علي الأكبر بن الحسينعليه‌السلام

ليلى بنت أبي مرة

مرة بن منقذ العبدي

عبد الله الرضيع ابن الحسينعليه‌السلام

الرباب

حرملة بن كاهل الأسدي

أبو بكر (عبد الله الأكبر) بن الحسن

أم ولد : رملة

عبد الله بن عقبة الغنوي وقيل :

حرملة بن كاهل

القاسم بن الحسن (شقة القمر)

أم ولد : رملة

عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي

(الغلام) عبد الله بن الحسنعليه‌السلام

أم ولد

حرملة بن كاهل الأسدي

العباس بن عليعليه‌السلام

أم البنين

زيد بن الرقاد الجهني وحكيم بن الطفيل السنبسي

عبد الله الأصغر بن عليعليه‌السلام

فاطمة

هانئ بن ثبيت الحضرمي

جعفر بن عليعليه‌السلام

بنت حزام

هانئ بن ثبيت الحضرمي

عثمان بن عليعليه‌السلام

الكلابية

رجل من بني أبان بن دارم

محمّد الأوسط بن عليعليه‌السلام

أمامة بنت أبي العاص

رجل من بني أبان بن دارم

أبو بكر (عبد الله) بن عليعليه‌السلام

ليلى بنت مسعود

زحر بن بدر النخعي

عمر الأصغر بن عليعليه‌السلام

الصهباء التغلبية

لم يعرف قاتله

محمّد الأصغر بن عليعليه‌السلام

أم ولد

رجل من بني أبان بن دارم

١٥٠

اسم الشهيد

اسم والدته

اسم قاتله

عون بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام

زينب العقيلةعليها‌السلام

عبد الله بن قطبة الطائي

محمّد بن عبد الله بن جعفرعليه‌السلام

الخوصاء بنت حفصة

عامر بن نهشل التميمي

عبد الله بن مسلم بن عقيل

رقية بنت عليعليها‌السلام

يزيد بن الرقاد الجهني وقيل عمرو بن صبيح الصدائي

محمّد بن مسلم بن عقيل

أم ولد

أبو جرهم الأزدي ولقيط الجهني

جعفر بن عقيل

أم الثغر بنت عامر

عبد الله بن عروة الخثعمي وقيل بشر بن سوط الهمداني

عبد الرحمن بن عقيل

أم ولد

عثمان بن خالد وبشر بن سوط

عبد الله الأكبر بن عقيل

أم ولد

عثمان بن خالد وبشر بن سوط

محمّد بن أبي سعيد بن عقيل

أم ولد

لقيط بن ناشر الجهني وقيل هانئ بن ثبيت

١٥١
١٥٢

الفصل الرابع والعشرون

شهادة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام

ويتضمن هذا الفصل :

ـ مقدمة الفصل

١ ـ الأشعار التي قالها الحسينعليه‌السلام وهو عازم على الشهادة

٢ ـ عطش الحسينعليه‌السلام

٣ ـ استسقاء الماء [أصابهعليه‌السلام سهم في فمه]

٤ ـ معركة في طريق الفرات [أصابه سهم في حنكه]

٥ ـ لما حال القوم بين الحسينعليه‌السلام وبين رحله

٦ ـ وصول الحسينعليه‌السلام إلى المشرعة ـ حيلة الاعتداء على نسائه

٧ ـ رجوع الحسينعليه‌السلام : الوداع الأخير

٨ ـ لما أصابه سهم في جبهته الشريفة

٩ ـ توزّع الأعداء على الحسينعليه‌السلام ثلاث فرق.

مصرع الحسينعليه‌السلام :

١ ـ شجاعة الحسينعليه‌السلام وإقدامه

٢ ـ قول ابن يغوث : ما رأيت مكثورا قط

٣ ـ إصابة الحسينعليه‌السلام بحجر في جبهته ، وبسهم ذي ثلاث شعب وقع في قلبه

١٥٣

٤ ـ سقوط الحسينعليه‌السلام عن فرسه بعد أن صار جسمه كالقنفذ ، وخولي يضربه بسهم في لبّنه

٥ ـ الحسينعليه‌السلام يقاتل راجلا

٦ ـ شهادة الطفلين : محمّد بن أبي سعيد بن عقيل وعبد الله الأصغر ابن الحسنعليه‌السلام

٧ ـ خطاب زينبعليها‌السلام لعمر بن سعد

٨ ـ قول شمر : ما تنتظرون بالرجل

٩ ـ سنان يضرب الحسينعليه‌السلام برمح في صدره فيخرّ على الأرض

١٠ ـ وصف هلال بن نافع للحسينعليه‌السلام وهو يجود بنفسه

١١ ـ الحسينعليه‌السلام يطلب في تلك الحال ماء

١٢ ـ دعاء الحسينعليه‌السلام قبيل استشهاده

١٣ ـ ذهول القوم عن حزّ رأس الحسينعليه‌السلام وارتعادهم منه

١٤ ـ أشقى الأشقياء شمر بن ذي الجوشن يذبح الحسينعليه‌السلام

١٥ ـ ما صنع فرس الحسين

١٦ ـ مناد من السماء يتوعّد الأمة الضالة ، وينعى الحسينعليه‌السلام

١٧ ـ تحقيق حول من الّذي باشر قتل الحسينعليه‌السلام

١٨ ـ تحقيق حول اليوم الّذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام .

١٥٤

قال الحاج هاشم الكعبي :

آل الرسول ونعم أكفاء العلى آل الرسول

خير الفروع فروعهم

وأصولهم خير الاصول

سيّد الشهداء أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ولدعليه‌السلام في ٣ شعبان سنة ٤ ه‍ واستشهد في ١٠ محرم سنة ٦١ ه‍ وعمره الشريف ٥٧ سنة

يا ابن الذين توارثوا

العليا قبيلا عن قبيل

والسابقين بمجدهم

في كل جيل كل جيل

إن تمس منكسر اللوى

ملقى على وجه الرمول

فلقد قتلت مهذبا

من كل عيب في القتيل

١٥٥
١٥٦

الفصل الرابع والعشرون :

شهادة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام سيد شباب أهل الجنّة

مدخل الفصل :

بعد أن استشهد العباسعليه‌السلام انهدّ ركن الحسينعليه‌السلام وانكسر ظهره لمصرعه ، وأصبح وحيدا فريدا بين الوحوش من الأعداء (كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواوويس وكربلاء). وقد عميت أبصارهم إلا عن جوائز يزيد وأحقاد نهروانية ضدّ عليعليه‌السلام .

فركب الحسينعليه‌السلام جواده يقصد مشرعة الفرات ، بعد أن أخذ العطش منه مأخذه ومن الهاشميات والأطفال ، وهو يرتجز أشعاره الخالدة ، فأصابه سهم في حنكه الشريف. ثم حالوا بينه وبين رحله ، فرجع ليحمي نساءه ، وطلب من الشمر عدم التعرض لهن ، فأجابه إلى ذلك. ثم ما زالعليه‌السلام يكشفهم عن المشرعة حتى وصل إلى الفرات. وحين همّ بأن يشرب ، ترامى له نبأ بتعرض القوم لرحله ، فرجع إلى المخيم ، فوجد أنها خدعة. عندها اغتنم الفرصة وودّع عياله الوداع الأخير ، وهو عازم على الموت ، وانطلق يغوص في الأعداء.

وخاف شمر من بسالة الحسينعليه‌السلام فطلب من عمر بن سعد أن يتفرق جيشه إلى ثلاث فرق للإحاطة بالحسينعليه‌السلام ، ففعل. وظل الحسينعليه‌السلام يحارب على فرسه حتى صار جسمه معقودا بالسهام كالقنفذ. فضربه رجل منهم بحجر فأصاب جبهته الشريفة ، ثم جاءه سهم ذو ثلاث شعب فوقع في قلبه. فخرّ عن جواده إلى الأرض ، ثم استوى جالسا. فخرجت أخته زينبعليها‌السلام تخاطب عمر بن سعد مندّدة بأعماله البربرية.

ثم صاح الشمر صيحته الثانية قائلا : ويحكم ما تنتظرون بالرجل ، اقتلوه.فاجتمعوا عليه يضربونه من كل جانب ، وهو ينوء ويكبو ، حتى سقط صريعا. وما زال يطلب الماء في تلك الحال وقد أعياه نزف الدم ، وهم يمنعونه منه ، وكأنه لم يبق في قلوبهم ذرة من الرحمة والشفقة.

١٥٧

ثم غشي عليهعليه‌السلام وظل ثلاث ساعات من النهار ملقى على الأرض يخور بدمه ، وكلما مرّ به رجل تحامى عن قتله. ثم حاول شبث بن ربعي أن يذبحه ، ثم حاول سنان ، ثم خولي ، فارتعدت أيديهم وذهلوا حين نظروا إلى وجهه الشريف ، إلى أن جاء اللعين شمر وسفّههم قائلا لسنان : فتّ الله في عضدك وأبان يدك!.

ثم نزل الشمر إلى الحسينعليه‌السلام وجلس على صدره الشريف يريد أن يذبحه ، فلما نظر في وجهه ورآه يبتسم أرعد من منظره ، فقلبه ليذبحه من قفاه ، وشرع يضرب بسيفه مذبح الحسين ، والحسينعليه‌السلام يذكر الله ويكبّر ، حتى احتز رأسه الشريف.

الحسينعليه‌السلام يرتجز من أشعاره

١٣٨ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام من الشعر لما عزم على الشهادة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٢)

ثم قامعليه‌السلام وركب فرسه ، ووقف قبالة القوم مصلتا سيفه بيده ، آيسا من نفسه عازما على الموت ، وهو يقول :

أنا ابن عليّ الخير من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

وجدي رسول الله أكرم من مضى

ونحن سراج الله في الخلق يزهر

وفاطمة أمي ابنة الطهر أحمد

وعمّي يدعى ذا الجناحين جعفر

وفينا كتاب الله أنزل صادقا

وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر

ونحن أمان الله في الخلق كلهم

نسرّ بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا

بكأس وذاك الحوض للسقي كوثر

فيسعد فينا في القيام محبّنا

ومبغضنا يوم القيامة يخسر

١٣٩ ـ قصيدة (خيرة الله من الخلق أبي):

(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ٨٦)

ثم وثبعليه‌السلام قائما ، وهو يقول :

كفر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب الله ربّ الثقلين

قتلوا قدما عليا وابنه

حسن الخير وجاؤوا للحسين

١٥٨

(حسدا منهم وقالوا إننا

نقبل الآن جميعا للحسين

يا لقومي من أناس قد بغوا

جمعوا الجمع لأهل الحرمين

ثم ساروا وتواصوا كلهم

باجتياحي لرضاء الملحدين

لم يخافوا الله في سفك دمي

لعبيد الله نسل الفاجرين

وابن سعد قد رماني عنوة

بجنود كوكوف الهاطلين

لا لشيء كان مني سابقا

غير فخري بضياء الفرقدين

بعليّ الخير من بعد النبي

والنبيّ القرشيّ الوالدين)

* * *

خيرة الله من الخلق أبي

بعد جدّي فأنا ابن الخيرتين

والدي شمس وأمّي قمر

فأنا الكوكب وابن القمرين

فضّة قد صفّيت من ذهب

فأنا الفضة وابن الذهبين

ذهب في ذهب في ذهب

ولجين من لجين في لجين

من له جدّ كجدي المصطفى؟

أحمد المختار صبح الظلمتين

من له عمّ كعمّي جعفر؟

ذي الجناحين كريم النسبتين

من له أمّ كأمي في الورى؟

بضعة المختار قرّة كل عين

أمّي الزهراء حقا وأبي

وارث العلم ومولى الثّقلين

جدي المرسل مصباح الدجى

وأبي الموفي له بالبيعتين

خصّه الله بفضل وتقى

فأنا الزاهر وابن الزاهرين

ذاك والله علي المرتضى

ساد بالفضل جميع الحرمين

عبد الله غلاما يافعا

وقريش يعبدون الوثنين

يعبدون اللات والعزّى معا

وعليّ قام نحو القبلتين

مع رسول الله سبعا كاملا

ما على الأرض مصلّ غير ذين

أظهر الإسلام رغما للعدى

بحسام قاطع ذي شفرتين

قاتل الأبطال لما برزوا

يوم بدر ثم أحد وحنين

(وله في يوم أحد وقعة

شفت الغلّ بفضّ العسكرين

ثم بالأحزاب والفتح معا

كان فيها حتف أهل القبلتين

في سبيل الله ما ذا صنعت

أمة السوء معا بالعترتين

١٥٩

عترة البرّ النبي المصطفى(١)

وعليّ الورد بين الجحفلين)

* * *

نحن أصحاب العبا خمستنا

قد ملكنا شرقها والمغربين

ثم جبريل لنا سادسنا

ولنا البيت غدا والمشعرين

وكذا المجد بنا مفتخر

شامخا نعلو به في الحسبين

عروة الدين علي المرتضى

صاحب الحوض معزّ المؤمنين

يفرق الصفّان من هيبته

وكذا أفعاله في الخافقين

شيعة المختار طيبوا أنفسا

فغدا تسقون من حوض اللجين

فعليه الله صلّى ربّنا

وحباه تحفة بالحسنين

وفي (ينابيع المودة) لسليمان القندوزي الحنفي ، ج ٢ ص ١٧٢ ينهي القصيدة بقوله :

شيعة المختار قرّوا أعينا

فغدا تسقون من كفّ الحسين

ثم حملعليه‌السلام على الميمنة ، وهو يقول :

الموت أولى من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

والله من هذا وهذا جاري(٢)

وحمل على الميسرة ، وهو يقول :

أنا الحسين بن علي

آليت ألا أنثني

أحمي عيالات أبي

أمضي على دين النبي(٣)

عطش الحسينعليه‌السلام

١٤٠ ـ الحصين بن نمير يصيب الحسينعليه‌السلام بسهم في فمه الشريف ، فلم يستطع شرب الماء :

يقول القرماني في (أخبار الدول) ص ١٠٧ :

__________________

(١) الأبيات التي بين قوسين هي من (كتاب الفتوح) لابن أعثم ، ج ٥ ص ١١٦ طبع دار الأضواء بيروت. وقد وردت في (كشف الغمة) ج ٢ ص ٢٣٧ باختلاف يسير.

(٢) البيان والتبيين للجاحظ ، ج ٣ ص ١٧١ ط ٢ يضيف الشطرة الأخيرة.

(٣) مقتل المقرّم ، ص ٣٤٥ عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٥٩ ط إيران.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ومن أهمّ علامات الأولياء كما في قوله تعالى :( أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) .

ولمّا وصل البحث إلى هذه النقطة ، نظر العلماء إلى الساعة وهي تشير إلى أنّ الوقت قد جاوز منتصف الليل.

فأرادوا الانصراف من المجلس ، ولكنّ النوّاب قال : ما وصلنا إلى نتيجة حول الآية الكريمة :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) إلى آخره والسيد بعد لم يتمّ كلامه في الموضوع.

فقال الحاضرون : لقد تعب السيد فنترك البحث إلى الليلة المقبلة إن شاء تعالى فتوادعنا وانصرفوا.

__________________

(١) سورة يونس ، الآية ٦٣.

٣٦١
٣٦٢

المجلس السادس

ليلة الأربعاء ٢٨ رجب ١٣٤٥ هجرية

قبل غروب الشمس جاءني إلى البيت حضرة الفاضل غلام إمامين ، وكان تاجرا محترما من أهل السنّة ، وهو رجل كيّس ورزين ، كان يحضر مجلس الحوار في كلّ ليلة.

جاءني وقال : أيها السيد الجليل! إنّما جئت في هذا الوقت وقبل مجيء رفاقي ، لأخبرك بأنّك كسبت قلوبنا ونوّرتها بكلامك الحلو وبيانك العذب ، فانجذب أكثر الحاضرين نحوك ، فقد كشفت لنا ما كان مستورا وبيّنت لنا الحقّ الذي كان مجهولا.

واعلم أنّنا حين انصرفنا في الليلة الماضية من المجلس ، وقع اختلاف شديد بيننا وبين علمائنا وعاتبناهم عتابا شديدا على إخفائهم هذه الحقائق عنّا وإغوائنا بالأكاذيب والأباطيل ، وكاد الأمر يؤول من التشاجر إلى التناحر ، ولكنّ بعض العقلاء والكبار توسّطوا في ذات البين وأنهوا القضيّة بسلام.

ولمّا صار وقت المغرب تهيّأت وقمت للصلاة ، واقتدى بي كلّ من

٣٦٣

كان في البيت ، وصلّى غلام إمامين أيضا معنا جماعة.

وبعد إتمامنا الصلاة ، جاء العلماء ومعهم الأصحاب والرفاق ، فأكرمهم صاحب البيت ورحّب بهم ورحبت بهم بدوري ، وبعد ما شربوا الشاي وتناولوا الحلوى ، وجّه الاستاذ نوّاب عبد القيّوم خان نظره إليّ واستاذن للسؤال ، فأذنت له.

فقال : نسألكم أن تتمّوا موضوع الليلة الماضية حول الآية الكريمة :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) .

قلت : إذا أذن لي المشايخ الحاضرون ، فلا مانع لديّ.

الحافظ : ـ وكان في حالة غضب ـ : لا مانع تكلّموا ونحن نستمع.

قلت : لقد بيّنت لكم في الليلة الماضية بعض الإشكالات الأدبية على تأويل الآية وتطبيقها على الخلفاء الراشدين.

وأمّا في هذه الليلة فنبحث فيها من جهات اخرى حتّى ينكشف الحقّ للحاضرين.

إنّ جناب الشيخ عبد السلام سلّمه الله تعالى أوّل كلّ صفة من الصفات الأربعة في الآية الكريمة على أحد الراشدين بالترتيب ، فأقول :

أوّلا : لم يذكر أحد من المفسّرين في شأن نزول الآية ، هذا التأويل.

ثانيا : كلّنا يعرف أنّ الصفات الأربعة المذكورة إذا اجتمعت كلّها في شخص واحد ، فهو المراد من الآية الكريمة.

وأمّا إذا تحقّق بعضها في شخص ، فلا يكون ذلك هو مقصود الآية ومرادها.

٣٦٤

ونحن إذا نظرنا في تاريخ الإسلام نظر تحقيق وتعمّق ، ودرسنا حياة الصحابة دراسة تحليلية ، ونظرنا في سيرتهم نظرة استقلالية ، بعيدا عن الأغراض النفسية والعوارض القلبية ، لوجدنا أنّ كلّ الصفات المذكورة في الآية الكريمة ما اجتمعت في واحد من الصحابة سوى مولانا علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

الحافظ : إنّكم معشر الشيعة تغالون في حقّ سيّدنا عليّ كرّم لله وجهه ، فكلّما وجدتم آية في وصف المؤمنين والمتّقين والمحسنين والصالحين ، تقولون : نزلت في شأن الإمام عليّ!!

قلت : هذا اتّهام وافتراء آخر منكم ، نحن الشيعة لا نغالي في حقّ مولانا الإمام عليّعليه‌السلام ، وإنّما نواليه ولا نبغضه ، كما أراد الله سبحانه ، فلذلك نقول فيه ما هو حقّه ، وإنّه لظاهر كالشمس في الضحى.

من ينكر فضلك يا حيدر؟!

هل ضوء الشمس ضحى ينكر؟!

وكلّ ما نقوله نحن في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إنّما هو من كتبكم ومصادركم!

الآيات النازلة في شأن عليّعليه‌السلام

وأمّا الآيات المباركة الكثيرة التي نقول بأنّها نزلت في شأن الإمام عليعليه‌السلام وفضله ، إنّما نذكر رواياتها وتفاسيرها من كتبكم المعتبرة ومن تفاسير علمائكم الأعلام.

فإنّ الحافظ أبو نعيم ، صاحب كتاب «ما نزل من القرآن في عليّ»

٣٦٥

والحافظ أبو بكر الشيرازي ، صاحب كتاب «نزول القرآن في علي» والحاكم الحسكاني ، صاحب كتاب «شواهد التنزيل» فهؤلاء من علماء الشيعة أم من علمائكم؟!

والمفسّرون الكبار ، أمثال : الإمام الثعلبي والسيوطي والطبري والفخر الرازي والزمخشري ، والعلماء الأعلام ، أمثال : ابن كثير ومسلم والحاكم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبي داود وأحمد بن حنبل وابن حجر والطبراني والكنجي والقندوزي ، وغيرهم ، الّذين ذكروا في كتبهم ومسانيدهم وصحاحهم ، الآيات القرآنية التي نزلت في شأن الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام

هل هم من علماء الشيعة أم من أهل السنّة والجماعة؟!

ولقد روى الحسكاني ، والطبراني ، والخطيب البغدادي في تاريخه ، وابن عساكر في تاريخه ، في ترجمة الإمام عليّعليه‌السلام ، وابن حجر في الصواعق : ٧٦ ، ونور الأبصار : ٧٣ ، ومحمد بن يوسف الكنجي في «كفاية الطالب» في أوائل الباب الثاني والستّين ، في تخصيص عليعليه‌السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة ، بإسنادهم عن ابن عبّاس ، قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب ثلاثمائة آية.

وروى العلامة الكنجي في الباب الحادي والثلاثين بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أنزل الله تعالى آية فيها :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلاّ وعليّ رأسها وأميرها.

ورواه عن طريق آخر : إلاّ وعليّ رأسها وأميرها وشريفها.

وروى في الباب عن ابن عبّاس أيضا أنّه قال : ولقد عاتب الله عزّ وجلّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير آي من القرآن وما ذكر عليّا إلاّ بخير.

٣٦٦

فمع هذه الأخبار المتضافرة والروايات المعتبرة الجمّة التي رواها كبار علمائكم ومحدّثيكم ، نحن لا نحتاج لوضع الأحاديث وجعل الأخبار في شأن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وإثبات فضله وجلالته وخلافته.

فإنّ رفعة مقامه وسموّ شأنه وعلوّ قدره يلوح للمنصفين في سماء العلم والمعرفة ، كشمس الضحى في وسط السماء ، لا ينكرها إلاّ فاقدو البصر أو السفهاء.

وكما ينسب إلى الإمام محمّد بن إدريس الشافعي ـ أو غيره من الأعلام ـ أنّه حين سئل عن فضل الإمام عليّعليه‌السلام قال : ما أقول في رجل ، أخفى أعداؤه فضائله بغضا وحسدا ، وأخفى محبّوه فضائله خوفا ورهبا ، وهو بين ذين وذين قد ملأت فضائله الخافقين(١) .

وأمّا حول الآية الكريمة ، فإنّي كلّ ما أقوله فهو من كتبكم وأقوال علمائكم ، كما إنّي إلى الآن ما تمسّكت بأقوال الشيعة في محاوراتي معكم ، ولا أحتاج أن أتمسّك بها في محاوراتي الآتية أيضا إنشاء الله تعالى.

وأمّا تطبيق الآية الكريمة :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) على مولانا وسيّدنا الإمام عليّعليه‌السلام ، فهو ليس قولي فحسب ، بل أذكر جيّدا أنّ العلاّمة محمّد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي ، في

__________________

(١) وفيه يقول الشاعر :

لقد كتموا آثار آل محمّد

محبّوهم خوفا وأعداؤهم بغضا

فأبرز من بين الفريقين نبذة

بها ملأ الله السموات والأرضا

والقول أعلاه لأحمد بن حنبل لا للشافعي! «المترجم»

٣٦٧

كتابه «كفاية الطالب» في الباب الثالث والعشرين ، وبعد روايته للحديث النبويّ الشريف الذي يشبّه فيه الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بالأنبياء والمرسلينعليهم‌السلام فيقول العلاّمة الكنجي في شرحه للحديث : وشبّهه بنوح في حكمته ، وفي رواية في حكمه ، وكأنّه أصحّ لأنّ عليّاعليه‌السلام كان شديدا على الكافرين رءوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله :( وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) وأخبر الله عزّ وجلّ عن شدّة نوحعليه‌السلام على الكافرين بقوله :( ... رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) (١) إلى آخر كلام العلاّمة الكنجي.

وأمّا قول الشيخ عبد السّلام : بأنّ( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) إشارة إلى أبي بكر لأنّه كان صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار.

فإنّي أجبت بأنّ صحبته كانت من باب الصدفة ، ولو سلّمنا بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذه معه لا عن صدفة ، فهل مرافقة أيّام قلائل وصحبة سفر واحد ، تساوي مرافقة أكثر العمر وصحبة سنين عديدة هي التي قضاها مولانا الإمام عليّعليه‌السلام تحت رعاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعلّم عنده وتأدّب بآدابه وتربّى على يده وتحت إشرافه؟!

فلو أنصفتم لقلتم : إنّ عليّا أخصّ من أبي بكر في هذه الصفة أيضا ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذه من أبي طالب وربّاه في حجره وعلّمه وأدّبه ، فكان أوّل من آمن به وعمره حينذاك عشر سنين ، آمن عليّعليه‌السلام حين كان أبو بكر وعمر وعثمان وأبو سفيان ومعاوية وغيرهم من المسلمين ، كفّارا مشركين ، يعبدون الأوثان ويسجدون للأصنام ، وعلي

__________________

(١) سورة نوح ، الآية ٢٦.

٣٦٨

ما سجد لصنم قطّ ، كما صرّح كثير من علمائكم.

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مربّي عليعليه‌السلام ومعلّمه

لقد ذكر بعض علمائكم موضوع تربية النبيّ عليّا من الصغر.

منهم ابن الصبّاغ المالكي في كتابه «الفصول المهمّة» فإنه خصّص فصلا في الموضوع.

ومنهم محمّد بن طلحة الشافعي في كتابه «مطالب السئول» في الفصل الأوّل.

والحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» الباب السادس والخمسين ، ص ٢٣٨ ط المكتبة الحيدرية ، نقلا عن «ذخائر العقبى» للطبري.

والثعلبي في تفسيره ، عن مجاهد.

وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣ / ١٩٨ ط دار إحياء الكتب العربية ، نقلا عن الطبري في تاريخه(١) ، روى بإسناده عن مجاهد ، قال : كان من نعمة الله عزّ وجلّ على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وما صنع الله له ، وأراده به من الخير ، أنّ قريشا أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعبّاس ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ : يا عبّاس ، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة ، فانطلق بنا فلنخفّف عنه من عياله ، آخذ من بيته

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٢ / ٣١٣ طبعة المعارف.

٣٦٩

واحدا ، وتأخذ واحدا ، فنكفيهما عنه.

فقال العبّاس : نعم.

فانطلقا حتّى أتيا أبا طالب ، فقالا له : إنا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه.

فقال لهما : إن تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما.

فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا فضمّه إليه ، وأخذ العبّاس جعفرارضي‌الله‌عنه فضمّه إليه ، فلم يزل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتّى بعثه الله نبيّا ، فاتّبعه عليّعليه‌السلام ، فآمن به وصدّقه ، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه(١) .

__________________

(١) وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : ١٣ / ٢٠٠ ط دار إحياء الكتب العربية ، قال : وروى الفضل بن عبّاس ; ، قال : سألت أبي عن ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّهم كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له أشدّ حبّا؟ فقال : علي بن أبي طالب : فقلت : سألتك عن بنيه! فقال : إنّه كان أحب إليه من بنيه جميعا وأرأف ، ما رأيناه زايله يوما من الدهر منذ كان طفلا ، إلا أن يكون في سفر لخديجة ، وما رأينا أبا أبرّ بابن منه لعليّعليه‌السلام ، ولا ابنا أطوع لاب من عليّعليه‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ونقل ابن أبي الحديد في ج ١٠ / ٢١ و ٢٢٢ ، عن أبي جعفر النقيب أنّه كان يقول : انظروا إلى أخلاقيهما وخصائصهما ـ أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام ـ هذا شجاع ، وهذا شجاع.

وهذا فصيح ، وهذا فصيح.

وهذا سخيّ جواد ، وهذا سخيّ جواد.

وهذا عالم بالشرائع والأمور الإلهيّة وهذا عالم بالفقه والشريعة والأمور الإلهيّة الدقيقة الغامضة.

وهذا زاهد في الدنيا غير نهم ولا مستكثر منها ، وهذا زاهد في الدنيا تارك لها غير متمتّع بلذّاتها.

٣٧٠

وقال ابن الصبّاغ المالكي بعد نقله للرواية : فلم يزل عليّعليه‌السلام مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى بعث الله عزّ وجلّ محمّدا نبيّا ، فاتّبعه عليّعليه‌السلام وآمن به وصدّقه ، وكان إذ ذاك في السنة الثالثة عشر من عمره لم يبلغ الحلم ، وإنّه أوّل من أسلم وآمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الذكور.

__________________

وهذا مذيب نفسه في الصلاة والعبادة ، وهذا مثله.

وهذا غير محبّب إليه شيء من الأمور العاجلة إلاّ النساء ، وهذا مثله.

وهذا ابن عبد المطّلب بن هاشم وهذا في قعدده ، وأبواهما أخوان لأب وأمّ ، دون غيرهما من بني عبد المطّلب ، وربّي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجر والد هذا ، وهذا أبو طالب ، فكان جاريا عنده مجرى أحد أولاده.

ثمّ لمّا شبّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكبر استخلصه من بني أبي طالب وهو غلام ، فربّاه في حجره مكافأة لصنيع أبي طالب به.

فامتزج الخلقان ، وتماثلت السجيتان ، وإذا كان القرين مقتديا بالقرين ، فما ظنّك بالتربية والتثقيف الدائر الطويل؟!

فواجب أن تكون أخلاق محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأخلاق أبي طالب ، وتكون أخلاق عليّعليه‌السلام كأخلاق أبي طالب أبيه ، ومحمّد عليه‌السلام مربّيه ، وأن يكون الكلّ شيمة واحدة وسوسا ـ أي أصلا ـ واحدا ، وطينة مشتركة ونفسا غير منقسمة ولا متجزّئة ، وألاّ يكون بين بعض هؤلاء وبعض فرق ولا فضل ، لو لا أنّ الله تعالى اختصّ محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برسالته. واصطفاه لوحيه ، لما يعلمه من مصالح البريّة في ذلك ، ومن أنّ اللّطف به أكمل ، والنفع بمكانه أتمّ وأعمّ ، فامتاز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك عمّن سواه ، وبقي ما عدا الرسالة على أمر الاتّحاد ، فقال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.

فأبان نفسه منه بالنبوّة وأثبت له ما عداها من جميع الفضائل والخصائص مشتركا بينهما. «المترجم»

٣٧١

عليّعليه‌السلام أوّل من آمن

ثمّ ينقل ابن الصبّاغ المالكي ، قول الإمام الثعلبي في تفسيره للآية الكريمة( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ) (١) ، أنّه روى عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن أرقم ومحمّد بن المنكدر وربيعة المرائي ، أنّهم قالوا : أوّل من آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد خديجة أمّ المؤمنين ، هو علي بن أبي طالب.

وهذا الموضوع الهامّ صرّح به كبار علمائكم الأعلام ، مثل : البخاري ومسلم في الصحيح ، والإمام أحمد في مسنده ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب : ٣ / ٣٢ والإمام النسائي في الخصائص ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة : ٦٣ والحافظ سليمان الحنفي القندوزي في الينابيع ـ باب ١٢ ـ نقلا عن مسلم والترمذي ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : ١٣ / ٢٢٤ ط إحياء الكتب العربية ، والحمويني في فرائد السمطين ، والمير السيّد علي الهمداني في مودّة القربى ، والترمذي في الجامع : ٢ / ٢١٤ ، وابن حجر في الصواعق ، ومحمد بن طلحة القرشي في مطالب السئول ـ الفصل الأوّل ـ ، وغيرهم من كبار علمائكم ومحدّثيكم ذكروا بأنّ : النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث يوم الاثنين وآمن به عليّ يوم الثلاثاء ـ وفي رواية : وصلّى عليّ يوم الثلاثاء ـ وقالوا : إنّه أوّل من آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الذكور.

كما جاء في مطالب السئول : ولمّا انزل الوحي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ١٠٠.

٣٧٢

وشرّفه الله سبحانه وتعالى بالنبوّة كان عليّعليه‌السلام يومئذ لم يبلغ الحلم ، وكان عمره إذ ذاك في السنة الثالثة عشر ، وقيل : أقلّ من ذلك ، وقيل : أكثر منه ، وأكثر الأقوال وأشهرها : أنّه لم يكن بالغا ، فإنّه أوّل من أسلم وآمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الذكور ، وقد ذكر ذلك بعض الشعراء على لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام وأشاروا إليه في أبيات وهي :

محمد النبي أخي وصنوي

وحمزة سيّد الشهداء عمّي

وجعفر الذي يضحي ويمسي

يطير مع الملائكة ابن أمّي

وبنت محمّد سكني وعرسي

منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولدي منها

فأيّكم له سهم كسهمي؟!

سبقتكم إلى الإسلام طرّا

غلاما ما بلغت أوان حلمي

وأوجب لي ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خمّ

فويل ثمّ ويل ثمّ ويل

لمن يلقى الإله غدا بظلمي(١)

ونقل الطبري في تاريخه : ٢ / ٢٤١ والترمذي في الجامع : ٢ ص ٢١٥ والإمام أحمد في مسنده : ٤ / ٣٦٨ وابن الأثير في تاريخه الكامل : ٢ / ٢٢ والحاكم في المستدرك : ٤ / ٣٣٦ ومحمد بن يوسف

__________________

(١) قال الحافظ سليمان الحنفي في ينابيع المودّة ، الفصل الرابع : ولمّا وصل إلى عليّعليه‌السلام أنّ معاوية افتخر بملك الشام ، قال لغلامه : أكتب ما املي عليك ، فأنشد :

محمّد النبي أخي وصهري

وحمزة سيّد الشهداء عمّي

إلى آخره

وبعد ذكره الأبيات قال :

قال البيهقي : إنّ هذا الشعر ممّا يجب على كلّ مؤمن أن يحفظه ليعلم مفاخر عليّ عليه‌السلام في الإسلام. «المترجم»

٣٧٣

القرشي الكنجي في كفاية الطالب : الباب الخامس والعشرون ، وغيرهم من علمائكم الثقات رووا بإسنادهم عن ابن عبّاس : أوّل من صلّى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

__________________

(١) روى العلاّمة الكنجي في «كفاية الطالب» في الباب الخامس والعشرين بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : «أوّل من صلّى عليّعليه‌السلام » ثمّ نقل اختلاف الأقوال في ذلك وخصم النزاع بقوله : والمختار من الروايات عندي قول ابن عبّاس ، ويدلّ عليه قول عبد الرحمن بن جعل الجمحي حين بويع عليّعليه‌السلام ، قال :

لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة

علي الدين معروف العفاف موفّقا

عفيفا عن الفحشاء أبيض ماجدا

صدوقا وللجبّار قدما مصدّقا

أبا حسن فارضوا به وتمسّكوا

فليس لمن فيه يرى العيب منطقا

عليا وصيّ المصطفى وابن عمّه

وأوّل من صلّى لذي العرش واتّقى

وقال الفضل بن العبّاس في قصيدة له :

وكان وليّ الأمر بعد محمّد

عليّ وفي كلّ المواطن صاحبه

وصيّ رسول الله حقّا وصهره

وأوّل من صلّى وما ذمّ جانبه

وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين :

إذا نحن بايعنا عليّا فحسبنا

أبو حسن ممّا نخاف من الفتن

وأوّل من صلّى من الناس واحدا

سوى خيرة النسوان والله ذو المنن

يعني : خديجة بنت خويلد ، ثمّ يذكر الكنجي روايات في هذا الباب.

ونقل الحافظ سليمان الحنفي في الباب الثاني عشر من «ينابيع المودّة» روايات كثيرة جدّا في أنّ أوّل من آمن وصلّى عليّ بن أبي طالب ، قال : أنشد بعض أهل الكوفة ، أيّام صفّين في مدحه :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته

يوم النشور من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان مشتبها

جزاك ربّك منّا فيه إحسانا

نفسي الفداء لأولى الناس كلّهم

بعد النبي عليّ الخير مولانا

أخ النبي ومولى المؤمنين معا

وأوّل الناس تصديقا وإيمانا

«المترجم»

٣٧٤

وروى الحاكم الحسكاني في كتابه «شواهد التنزيل» في ذيل الآية( السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ) بسنده عن عبد الرحمن بن عوف ، أنّ عشرة من قريش آمنوا وكان أوّلهم عليّ بن أبي طالب.

وروى كثير من علمائكم ـ منهم الإمام أحمد في مسنده ، والخطيب الخوارزمي في «المناقب» والحافظ سليمان الحنفي القندوزى في الباب الثاني عشر من «الينابيع» وغيرهم ـ بإسنادهم عن أنس بن مالك ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين ، وذلك أنّه لم ترفع شهادة أن لا إله إلاّ الله إلى السماء ، إلاّ منّي ومن عليّ.

وأمّا ابن أبي الحديد ـ في شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٢٥ ط دار إحياء الكتب العربية ، بعد ما نقل روايات كثيرة في سبق عليّعليه‌السلام إلى الإيمان ، وأخرى مخالفة ، قال : فدلّ مجموع ما ذكرناه أنّ علياعليه‌السلام أوّل الناس إسلاما وأنّ المخالف في ذلك شاذّ ، والشاذّ لا يعتدّ به.

وهذا الإمام الحافظ أحمد بن شعيب النسائي ، صاحب واحد من الصحاح الستّة عندكم ، له كتاب «خصائص الإمام عليّعليه‌السلام ، فإنّه روى أوّل حديث في هذا الكتاب بإسناده عن زيد بن أرقم ، قال : أوّل من صلّى مع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) علي رضي الله عنه.

وابن حجر الهيتمي ـ مع شدّة تعصبه ـ يرى أنّ عليّاعليه‌السلام أوّل من آمن ؛ كما في الفصل الثاني من كتابه «الصواعق المحرقة».

ونقل الحافظ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه «ينابيع المودة» في الباب الثاني عشر ، نقل واحدا وثلاثين خبرا ورواية عن الترمذي والحمويني وابن ماجة وأحمد بن حنبل والحافظ أبي نعيم والإمام

٣٧٥

الثعلبي وابن المغازلي وأبي المؤيّد الخوارزمي والديلمي وغيرهم ، بعبارات مختلفة والمعنى واحد ، وهو أنّ عياعليه‌السلام أوّل من أسلم وآمن وصلّى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وينقل رواية شريفة في آخر الباب ، من كتاب المناقب بالإسناد عن أبي زبير المكّي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، أنقلها لكم إتماما للحجّة وإكمالا للفائدة

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «إنّ الله تبارك وتعالى اصطفاني واختارني وجعلني رسولا ، وأنزل عليّ سيّد الكتب ، فقلت : إلهي وسيّدي ، إنّك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيرا ، يشدّ به عضده ، ويصدّق به قوله وإنّي أسألك يا سيّدي وإلهي ، أن تجعل لي من أهلي وزيرا ، تشدّ به عضدي ، فاجعل لي عليّا وزيرا وأخا ، واجعل الشجاعة في قلبه ، وألبسه الهيبة على عدوّه ، وهو أول من آمن بي وصدّقني وأوّل من وحّد الله معي.

وإنّي سألت ذلك ربّي عزّ وجلّ ، فأعطانيه ؛ فهو سيّد الأوصياء ، اللحوق به سعادة ، والموت في طاعته شهادة ، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي ، وزوجته الصدّيقة الكبرى ابنتي. وابناه سيّدا شباب أهل الجنة ابناي ، وهو وهما والأئمة من بعدهم حجج الله على خلقه بعد النّبيين ، وهم أبواب العلم في أمّتي ، من تبعهم نجا من النار ، ومن اقتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم ، لم يهب الله محبّتهم لعبد إلاّ أدخله الجنّة».

فهذا قليل من كثير ممّا نقله حملة الأخبار ، من علمائكم الكبار ، في هذا المضمار ؛ ولو نقلتها كلّها لطال بنا المجلس في موضوع واحد

٣٧٦

إلى النهار ، ولكن أكتفي بهذه النماذج التي ذكرتها لكي يعرف العلماء والحاضرون أنّ الإمام عليّعليه‌السلام كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ صغره وقبل أن يبعث.

وحينما بعثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة ، آمن به عليّعليه‌السلام ولازمه ولم يفارقه أبدا.

فهو أولى وأجلى لمصداق الآية :( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) من الذي صاحب النبيّ وكان معه في سفر واحد.

شبهة على الموضوع وردّها

الحافظ : نحن كلّنا نقول بما تقولون ، ونقرّ بأنّ عليّا كرّم الله وجهه أوّل من آمن ، وأنّ أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة آمنوا بعده بمدة من الزمن ، ولكن إيمان اولئك يفرق عن إيمان عليّ بن أبي طالب ، إذ لا يحسب العقلاء إيمانه في ذلك الزمان فضيلة ، ويحسبون إيمان اولئك المتأخّرين عنه فضيلة!

لأنّ عليا كرم الله وجهه ، آمن وهو صبيّ لم يبلغ الحلم ، واولئك آمنوا وهم شيوخ كبار في كمال العقل والإدراك.

ومن الواضح أنّ إيمان شيخ محنّك ومجرّب ذي عقل وبصيرة أفضل من إيمان طفل لم يبلغ الحلم.

وأضف على هذا أنّ إيمان سيّدنا عليّ كان تقليدا وإيمانهم كان تحقيقيا ، وهو أفضل من الإيمان التقليدي.

قلت : إنّي أتعجّب من هذا الكلام ، وأنتم علماء القوم! أنا لا

٣٧٧

أنسبكم إلى اللجاج والعناد والتعصّب ، ولكن أقول : إنّكم تفوّهتم من غير تفكّر ، وتكلّمتم من غير تدبّر ، تبعا لأسلافكم الّذين قلّدوا بني أميّة وتبعوا الناصبين العداء للعترة الهادية!

والآن ، لكي يتّضح لكم الأمر ، أجيبوا على سؤالي :

هل إنّ علياعليه‌السلام حين آمن صبيا ، كان إيمانه بدعوة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم من عند نفسه؟!

الحافظ : أوّلا : لما ذا تنزعجون من طرح الشبهة وتتضجّرون من إيراد الإشكال ، فإذا لم نطرح ما يختلج في صدورنا من الشبهات ، ولا نستشكل على كلامكم ، فلن يصدق على مجلسنا اسم الحوار والمناظرة ؛ فقد اجتمعنا هنا لنعرف الحقّ ، وهذا يقتضي أن نطرح كلّ ما يكون في أذهاننا من الشبهات والإشكالات حول مذهبكم وعقائدكم ؛ فإن دفعتم الشبهات ورفعتم الإشكالات وأوضحتم الحقّ ، يلزم علينا أن نصدّقكم ونعتنق مذهبكم ، وإذا لم تتمكّنوا من ذلك فيلزم عليكم تصديق مذهبنا وترك مذهبكم.

ثانيا : وأما جواب سؤالكم ، أقول : من الواضح أنّ عليّا كرم الله وجهه إنّما آمن بدعوة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا من عند نفسه.

قلت : هل إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين دعا عليّاعليه‌السلام إلى الإيمان كان يعلم أن لا تكليف على الطفل الذي لم يبلغ الحلم أم لا؟!

إذا قلتم : ما كان يعلم! فقد نسبتم الجهل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك لا يجوز ؛ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدينة العلم ، ولا يخفى عليه شيء من الأحكام.

وإذا قلتم : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم أن لا تكليف على الطفل ومع ذلك دعا علياعليه‌السلام وهو صبيّ إلى الإيمان بالله والإيمان برسالته ، فيلزم من

٣٧٨

قولكم إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام بعمل لغو وعبث ، والقول بهذا في حدّ الكفر بالله سبحانه!

لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤيّد بالعصمة ، ومسدّد بالحكمة من الله تعالى وهو بريء من اللغو والعبث ، وقد قال عزّ وجلّ في شأنه :

( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) .

فضيلة سبق عليّعليه‌السلام إلى الإيمان

لقد ثبت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا عليّاعليه‌السلام إلى الإيمان ، فاستجاب وآمن بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّد العقلاء والحكماء ، ولا يصدر منه عمل اللغو والعبث ، فلا بدّ أنّه رأى عليّاعليه‌السلام أهلا وكفوا ، فدعاه الى الإيمان صبيّا.

وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على قابلية الإمام عليعليه‌السلام ولياقته وكماله وفضله وتميّزه ووفور عقله.

وصغر السنّ لا ينافي الكمال العقلي ، وبلوغ الحلم وحده لا يكون سبب التكليف ، فإنّ هناك من بلغ الحلم ولم يكلّف ـ لقصر عقله وسفهه ـ وبالعكس ، نجد من لم يبلغ الحلم ، لكنّ الله كلفه باعظم التكاليف ، كما قال سبحانه وتعالى في شأن يحيىعليه‌السلام :( وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (٢) .

وقال تعالى حكاية عن عيسى بن مريم :( إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ٣ و ٤.

(٢) سورة مريم ، الآية ١٢.

٣٧٩

الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) (١) .

قال هذه الجملة ، وهو صبيّ في المهد ، فالحكم المأتيّ ليحيى إنّما كان تكليفا من الله تعالى ليحيىعليه‌السلام ، والنبوّة كذلك تكليف من عند الله عزّ وجلّ لعيسى بن مريمعليه‌السلام ، وهذان التكليفان لهذين الصبيّين ، دليل على عظمة شأنهما وكمالهما وكفايتهما وفضلهما ووفور عقلهما.

وإيمان الإمام عليّعليه‌السلام بدعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما هو تكليف موجّه من هذا القبيل ، وهو على فضله وكماله أكبر دليل!

وقد أشار سيّد الشعراء إسماعيل الحميري ـ المتوفى سنة ١٧٩ هجرية ـ إلى هذه الفضيلة قائلا :

وصيّ محمد وأبو بنيه

ووارثه وفارسه الوفيّا

وقد اوتي الهدى والحكم طفلا

كيحيى يوم اوتيه صبيّا

كما كان الإمام عليّعليه‌السلام يشيد بهذه الفضيلة ويفتخر بها كما مرّ في أشعاره :

سبقتكم إلى الاسلام طفلا

صغيرا ما بلغت أوان حلمي(٢)

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٣٠.

(٢) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٤ / ١٢٢ ، ط دار إحياء التراث أو الكتاب العربي : ومن الشعر المروي عنهعليه‌السلام في هذا المعنى الأبيات التي أوّلها :

محمّد النبيّ اخي وصهري

وحمزة سيّد الشهداء عمّي

ومن جملتها :

سبقتكم إلى الإسلام طرّا

غلاما ما بلغت أوان حلمي

«المترجم»

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205