ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235730 / تحميل: 3890
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

لا تقع مستوية » ونفى البأس إذا كانت مستوية(١) . ولا يخفى أنّ الأصل لا يخرج عنه بما ذكر.

أمّا الخبر المبحوث عنه فالنهي فيه يقتضي التحريم ، وحينئذ يتّجه قول الصدوق إن لم يعمل بالموثق ، والعجب من عدم تعرض بعض محقّقي المعاصرين للخبر المذكور(٢) .

ولو حمل النهي على الكراهة بعد التحريم في الثلج لكن يقربه كونه مأكولا.

وما ذكره الشيخ من الضرورة له وجه على ( اعتقاده ، والخبر السابق عن منصور دل على )(٣) وضع القطن أو الكتان عليه ، وهو يقتضي أنّ الضرورة لو اندفعت بما ذكر فعل مقدما على الثلج ، والشيخ هنا أطلق الحكم ، والأمر كما ترى.

اللغة :

قال في القاموس السبخة ـ محركة ومسكّنة ـ أرض ذات نزّ وملح(٤) .

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢١ / ٨٧٣ ، الوسائل ٥ : ١٥١ أبواب مكان المصلي ب ٢٠ ح ٧.

(٢) البهائي في الحبل المتين : ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٤) القاموس المحيط ١ : ٢٧٠. والبحث اللغوي ساقط عن نسخة « م ».

٢٨١

[ أبواب القنوت وأحكامه ]

قوله :

باب رفع اليدين بالتكبير إلى القنوت في الصلوات الخمس‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « التكبير في صلاة الفرض في الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة ، منها تكبيرة القنوت خمس ».

عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة : وفسرهنّ في الظهر إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي العصر إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي المغرب ست عشرة تكبيرة ، وفي العشاء الآخرة إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي الفجر إحدى عشرة تكبيرة(١) ، وخمس تكبيرات في القنوت في خمس صلوات.

محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن موسى بن عمر ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبي الصباح المزني قال : قال(٢) أمير المؤمنين عليه‌السلام : « خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات ، منها تكبير القنوت ».

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٣٦ / ١٢٦٥ لا توجد : تكبيرة.

(٢) في الاستبصار ١ : ٣٣٦ / ١٢٦٦ لا توجد : قال.

٢٨٢

قال محمّد بن الحسن : هذه الروايات التي ذكرناها ينبغي أن يكون العمل عليها ، وبها كان يفتي شيخنا المفيد قديما ، ثم عنّ له في آخر عمره ترك العمل بها والعمل على رفع اليدين بغير تكبير ، والقول الأوّل أولى ؛ لوجود الروايات بها ، وما عدا هذا لست أرى(١) به حديثا أصلا ، وليس لأحد أن يتأوّل هذه الأخبار بأن يقول : ما زاد على التسعين تكبيرة أحمله على أنّه إذا نهض من التشهّد الأوّل إلى الثالثة يقوم بتكبير ، لأمور :

أحدها : إنّه إنّما تتأوّل الأخبار ويترك ظواهرها إذا تعارضت وكان ينافي بعضها بعضا ، وليس ها هنا ما ينافي هذه الروايات فلا يجوز العدول عن ظواهرها بضرب من التأويل.

وثانيها : أنّه ليس كل الصلوات فيها نهوض من الثانية إلى الثالثة وإنّما هو موجود في أربع صلوات ، فلو كان المراد ذلك لكان يقول : أربع وتسعون تكبيرة.

وثالثها : أنّ الحديث المفصّل تضمن ذكر إحدى عشرة تكبيرة في صلاة الغداة وتكبيرة بعد ذلك للقنوت مضافا إليها ، فلو كان الأمر على ما تأوّل عليه لكان التكبير فيها إحدى عشرة تكبيرة فقط.

ورابعها : أنّه قد وردت روايات مفردة بأنّه ينبغي أن يقوم الإنسان من التشهد الأوّل إلى الثالثة ويقول : بحول الله وقوته أقوم وأقعد. ولم يذكر التكبير ، فلو كان يجب القيام بالتكبير لكان يقول : ثم يكبّر ويقوم إلى الثالثة. كما أنّهم لمّا ذكروا الركوع والسجود قالوا : ثم يكبّر‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٣٦ / ١٢٦٦ : أعرف.

٢٨٣

ويركع ويكبّر ويسجد ويرفع رأسه من السجود ويكبّر. فلو كان ها هنا تكبير لكان يقول مثل ذلك.

وقد روى ذلك الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا جلست في الركعتين الأوّلتين فتشهدت ثم قمت فقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد ».

وعنه ، عن فضالة ، عن رفاعة بن موسى قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : « كان عليعليه‌السلام إذا نهض من الركعتين الأوّلتين قال : بحولك وقوتك أقوم وأقعد ».

وعنه ، عن فضالة ، عن سيف ، عن أبي بكر قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « إذا قمت من الركعتين (١) فاعتمد على كفيك وقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد ».

السند‌

في الأوّل : حسن.

والثاني : كذلك على قول النجاشي من عدم ذكر الوقف(٢) ، وموثق على قول غيره(٣) ، وقد قدّمنا وجه ذلك(٤) ، كما ذكرنا ـ في موضع آخر ـ أنّ المدح في بعض الرجال لا ينافي كون الخبر موثقا في ظاهر كلام بعض الأصحاب.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٣٣٨ / ١٢٦٩ زيادة : الأوّلتين.

(٢) رجال النجاشي : ٢١٥ / ٥٦١.

(٣) كما في رجال ابن داود : ١٢٤ / ٩٠٩.

(٤) راجع ج ١ : ١٣٩.

٢٨٤

ثم إنّ ظاهره الإسناد إلى غير الإمام ، وغير بعيد أنّ المراد عين الرواية الاولى ، أعني عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (١) أنّهعليه‌السلام فسّرهن ؛ إذ لو لا ذلك لكان التفسير من عبد الله بن المغيرة فلا يفيد حكما من جهة الرواية ، إلاّ بتقدير كون التفسير من عبد الله لأنّ الإمامعليه‌السلام فسّر ذلك له ، وفيه ما لا يخفى ؛ وفي التهذيب كما هنا(٢) .

والثالث : فيه موسى بن عمر ، وفيه اشتراك(٣) بين ثقة وغيره.

وأبو الصباح المزني في النسخة التي نقلت منها وهو مجهول ، لكن في التهذيب الصباح المزني(٤) ، والظاهر أنّه الصواب ؛ لأنّ في الرجال : صباح بن يحيى أبو محمّد المزني ثقة في النجاشي(٥) .

وفي الخلاصة قال : صباح بن قيس بن يحيى المزني أبو محمد كوفي زيدي قاله ابن الغضائري ، وقال : حديثه في حديث أصحابنا ضعيف ، وقال النجاشي : إنّه ثقة(٦) . انتهى.

والذي يظهر أنّ العلاّمة توهّم كونه ابن قيس من ابن طاوس في كتابه حيث نقل عن ابن الغضائري : أنّه قال : صباح بن يحيى من ولد قيس. فظن أن قيسا أبوه ، لكن ابن طاوس قال في كتابه : صباح بن يحيى.

والعجب من عدّه في القسم الثاني من الخلاصة ، وقد قدّمنا(٧) في‌

__________________

(١) في « رض » زيادة : ثم.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٧ / ٣٢٤ ، الوسائل ٦ : ١٨ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٥ ح ٢.

(٣) انظر هداية المحدثين : ٢٦٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٨٧ / ٣٢٥.

(٥) رجال النجاشي : ٢٠١ / ٥٣٧.

(٦) خلاصة العلاّمة : ٢٣٠ / ٢.

(٧) في ج ١ : ٨٦.

٢٨٥

أوّل الكتاب أنّ الظاهر من العلاّمة الاعتماد على قول ابن الغضائري ، وهذا من المواضع الدالة على ذلك ؛ لأنّ ترجيح الجارح لا يتم لو لا قبول قوله ، وحينئذ فاللاّزم من هذا قبول قول ابن الغضائري على تقدير قبول قول العلاّمة في الرجال ، فقول جماعة من مشايخنا : إنّ ابن الغضائري مجهول الحال(١) ، مع ما ذكرناه لا يخفى ما فيه.

وما قد يقال : إنّ التعجب من العلاّمة لا وجه له بعد الحكم بقبول قول ابن الغضائري ،جوابه : الفرق بين النجاشي وابن الغضائري كما يشهد به الاعتبار الظاهر.

والرابع : لا ارتياب فيه كالخامس بعد ما قدّمناه(٢) في رواية الحسين عن فضالة مرارا.

والسادس : سيف فيه : ابن عميرة ، وأبو بكر : الحضرمي ؛ لكثرة مثل هذه الرواية ، والأوّل تقدم(٣) أنّه ثقة ، وأنّ قول ابن شهرآشوب بالوقف فيه(٤) موقوف على العلم بحال الجارح ، والثاني لم يتحقّق حاله بمدح أو توثيق.

المتن :

في الأوّل : صريح في عدد التكبيرات وأنّ تكبيرات القنوت منها ، فيكون غيرها ما عدا الخمسة وتكبيرة الإحرام من غيرها ، فلا مجال‌

__________________

(١) كما في منهج المقال : ٣٩٨.

(٢) راجع ج ١ : ٣٩٨.

(٣) في ج ١ : ٢٦٤.

(٤) معالم العلماء : ٥٦ / ٣٧٧.

٢٨٦

لاحتمال كون التكبير بعد التشهد منها بوجه من الوجوه ، إلاّ على تقدير وجود المعارض ، فيحتاج إلى التأويل المخالف للظاهر.

والثاني : ظاهر التفصيل ، غير أنّ قوله : « وخمس تكبيرات في القنوت » يدل على أنّ التكبيرات المذكورة غير تكبيرات القنوت في الظاهر ، لكن قوله في الأوّل : وفسّرهن. في ظاهر الحال العود إلى الخمسة والتسعين ، وحينئذ يقتضي حمل قوله : « وخمس تكبيرات في القنوت » على أنّه من جملة الخمسة والتسعين فتكون تكبيرات الإحرام مسكوتا عنها في الجميع.

وما ذكره الشيخ تطويل من غير طائل ؛ إذ لا ارتياب في أنّ إثبات الحكم الشرعي موقوف على الدليل ، والتكبير بعد التشهد لا تدل الأخبار عليه بعد التصريح في الأوّل بأنّ الخمسة والتسعين منها تكبيرات القنوت.

وقوله في الوجه الثاني : لكان يقول : أربع وتسعون. فيه : أنّ بعد التصريح بتكبيرات القنوت تكون تسعة وتسعين ، ولو أراد الشيخ أنّ تكبيرات القنوت غير الخمسة والتسعين ليكون عدولا عن ظاهر الأخبار أمكن التوجيه بأنّ في الصبح أحد عشر نظرا إلى تكبيرة الإحرام ، لكن لا يخفى أنّ البحث مع عدم المعارض لغو.

وقوله في الوجه الرابع قد ينظر فيه : بأنّ المعارض إذا وجد لا مانع من التقييد ، كما يقيد ما دل على أنّ من قام إلى الثانية أو الرابعة يقول : بحول الله وقوته. مع ثبوت التكبير بعد السجود ، فالأولى الاقتصار على طلب الدليل.

أمّا ما تضمنه الثالث فكالأوّل.

وأمّا الرابع : فواضح ، ومخالفة الخامس له في الظاهر والمضمر‌

٢٨٧

يقتضي التخيير.

والسادس : كالرابع.

وما دل على الدعاء بعد القيام من السجود للثانية والرابعة مختلف ، ففي بعض الأخبار قول : بحول الله وقوته ، وفي بعض : اللهم ربي بحولك وقوتك.

تنبيه : ذكر بعض شرّاح حديث المخالفين أنّ الحول والقوة لا ترادف بينهما ، بل القوة معروفة ، والحول الاحتيال في الأمور.

قوله :

باب السنّة في القنوت‌

الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي نجران ، عن صفوان الجمّال قال : صلّيت خلف أبي عبد اللهعليه‌السلام أيّاما ، وكان يقنت في كل صلاة يجهر فيها أو لا يجهر فيها.

عنه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع ».

عنه ، عن صفوان وابن أبي عمير ، عن عبد الله بن بكير ، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن القنوت في الصلوات الخمس جميعا ، فقال : « اقنت فيهنّ جميعا » قال : فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام بعد (١) ذلك ، فقال : « أمّا ما جهرت فيه فلا تشك ».

__________________

(١) في التهذيب ٢ : ٨٩ / ٣٣١ زيادة : عن.

٢٨٨

عنه ، عن فضالة ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « القنوت في المغرب في الركعة الثانية ، وفي العشاء والغداة مثل ذلك ، وفي الوتر في الركعة الثالثة ».

عنه ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال : سألته عن القنوت في أيّ صلاة هو؟ فقال : « كل شي‌ء تجهر(١) فيه بالقراءة فيه قنوت ، والقنوت قبل الركوع وبعد القراءة ».

أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : سأله بعض أصحابنا ـ وأنا عنده ـ عن القنوت في الجمعة ، فقال له : « في الركعة الثانية ». فقال له أبو بصير : قد حدّثنا بعض أصحابك أنك قلت : في الركعة الأولى. فقال : « في الأخيرة » فلمّا رأى غفلة الناس منه قال : « يا أبا محمّد في الاولى والأخيرة ». فقال أبو بصير بعد ذلك : قبل الركوع(٢) أو بعده؟ فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : « كل قنوت قبل الركوع إلاّ الجمعة ، فإنّ الركعة الأولى فيها قبل الركوع والأخيرة بعد الركوع ».

عنه ، عن ابن أذينة ، عن وهب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة ، فمن ترك القنوت رغبة(٣) فلا صلاة له ».

عنه ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن عبد الله بن بكير ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « القنوت في كل ركعتين‌

__________________

(١) في التهذيب ٢ : ٨٩ / ٣٣٣ و « فض » و « م » : يجهر.

(٢) في التهذيب ٢ : ٩٠ / ٣٣٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ / ١٢٧٥ : أقبل الركوع.

(٣) في التهذيب ٢ : ٩٠ / ٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ / ١٢٧٦ زيادة : عنه.

٢٨٩

من التطوع أو الفريضة ».

قال الحسن : أخبرني عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « القنوت في كل الصلاة » قال محمّد بن مسلم : فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : « أمّا ما لا شك فيه ما (١) جهر فيها بالقراءة ».

السند‌

في الأوّل : لا ارتياب فيه كالثاني.

والثالث : موثق بعبد الله بن بكير على ما مضى القول فيه(٢) ، غير أنّه ينبغي أن يعلم أنّ ظاهر السند رواية الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير وصفوان ، والأوّل يروي فيه الحسين بن سعيد عن ابن أبي نجران عن صفوان ، ولا مانع منه ؛ لجواز الرواية بواسطة تارة وبعدمها اخرى ، كما في ابن أبي عمير ، فإنّ الحسين بن سعيد يروي عنه وأحمد بن محمّد بن عيسى يروي عنه مع أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى يروي عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير. وقد كان الوالدقدس‌سره يرتاب في مثل هذا(٣) ، ودفعه ظاهر.

والرابع : فيه رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله ، وقد ذكرنا فيما مضى قول الكشي : إنّ ابن مسكان لم يرو عن الصادقعليه‌السلام إلاّ حديث « من أدرك المشعر » كما ذكرنا وجود كثير من الروايات بخلاف ذلك(٤) ، وهذا من‌

__________________

(١) في التهذيب ٢ : ٩٠ / ٣٣٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ / ١٢٧٧ : فما.

(٢) راجع ج ١ : ١٢٥.

(٣) منتقى الجمان ٢ : ٥.

(٤) راجع ج ٤ : ٤٨٦.

٢٩٠

الجملة.

واحتمال أن يقال : إنّ كلام الكشي في عبد الله بن مسكان ، ومعلومية أنّ ابن مسكان هو عبد الله هنا لا دليل عليها ؛ إذ لم يذكر في الرجال فضالة راويا عنه.

يدفعه أنّ ابن مسكان غير عبد الله المذكور في الرجال وهو الحسين ومحمّد ، بعيدان عن الإطلاق ، وإن كان باب الاحتمال واسعا. ولا يخفى أنّ مرتبة فضالة مرتبة ابن أبي عمير الراوي عن عبد الله بن مسكان في الرجال(١) ، والمذكوران غير معلومي المرتبة ، فاحتمالهما لا يمكن نفيه ولا إثباته إلاّ من حيث احتمال التبادر ، حيث ينتفي القرائن المذكورة سابقا كروايته عن الحلبي وأشباه ذلك ، فليتأمّل.

والخامس : الحسن فيه ابن سعيد ؛ لما تقدم من أنّ الحسين يروي عن زرعة بواسطة أخيه الحسن(٢) . وسماعة تكرر القول فيه(٣) .

والسادس : فيه أبو بصير. وعلي بن الحكم بتقدير الاشتراك هو الثقة ؛ لرواية أحمد بن محمّد بن عيسى عنه. كما يستفاد من الرجال(٤) .

وقد يظن صحة الخبر في الجملة من حيث إنّ قوله : فقال له أبو بصير. يدل على أنّ الحاكي أبو أيوب ، فيكون سامعا لكلّ ما قاله أبو عبد اللهعليه‌السلام لا بالنقل عن أبي بصير ، وحينئذ يتم الخبر.

وفيه : أنّه لا مانع من الرواية عن أبي بصير ، والإثبات ب « قال له‌

__________________

(١) انظر منهج المقال : ٢١٢.

(٢) راجع ج ١ : ١٧٣ ـ ١٧٤.

(٣) راجع ج ١ : ١١٠.

(٤) انظر هداية المحدثين : ٢١٦.

٢٩١

أبو بصير » لا مانع منه على أن يكون أبو بصير قال : قلت له. وأبو أيوب أتى بالمعنى.

وفي الظن أنّ الوالدقدس‌سره ذكر ذلك في المنتقى ، لكن لم يحضرني الآن وقد خطر في البال ، والجواب كما سمعته غير بعيد.

وما تضمنه من قوله : « يا أبا محمّد » مع أنّ الحاكي أبو بصير سهل الأمر على ما يستفاد من الرجال ، فإنّه يقال له : أبو محمّد وأبو بصير ، ويجوز المغايرة لكنها بعيدة.

والسابع : فيه وهب وهو مشترك ؛ إذ في الرجال وهب بن عبد الرحمن من أصحاب الصادقعليه‌السلام في كتاب الشيخ مهملا(١) ، ووهب ابن عبد ربه الثقة ، ووهب بن وهب العامي(٢) .

والثامن : موثق على ما مضى في الحسن(٣) . وابن بكير تقدم القول فيه أيضا(٤) .

وما تضمّنته الرواية ـ من قوله : قال الحسن ـ يحتمل أن يكون من أحمد بن محمّد بن عيسى فيكون موثقا ، ويحتمل أن يكون من الشيخ فيكون مرسلا ، لكن قوله : قال محمّد بن مسلم. يؤيّد أن يكون من الشيخ ، إذ لا يروي عنه أحمد بن محمّد بن عيسى إلاّ أن يكون على سبيل الإرسال من أحمد ، ويحتمل أن يكون من الحسن عن ابن بكير ، فيكون ابن بكير حكى عن زرارة وحكى عن محمّد بن مسلم ، ولا بعد في رواية ابن بكير‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٢٧ / ٢٠.

(٢) انظر رجال النجاشي : ٤٣٠ / ١١٥٥ و ١١٥٦ ، الفهرست : ١٧٣ / ٧٦٧.

(٣) راجع ج ٤ : ٣٧٩.

(٤) راجع ج ١ : ١٢٥.

٢٩٢

عن محمّد بن مسلم كما مضى في الثالث ، وعلى كل حال المجزوم بكونه موثقا إلى قوله : قال الحسن.

فإن قلت : ما تقدّم في الثالث يدل على أنّ هذا ـ أعني : قال محمّد ـ من مقول عبد الله بن بكير فيكون موثقا بلا ارتياب.

قلت : لفظ « قال الحسن » غير معلوم أنّه من أحمد بن محمّد بن عيسى أو من غيره ، فليتأمّل.

المتن :

قال العلاّمة في المختلف : المشهور عند علمائنا استحباب القنوت ، وقال ابن أبي عقيل : من تركه معتمدا بطلت صلاته وعليه الإعادة ، ومن تركه ناسيا لم يكن عليه شي‌ء ، وقال أبو جعفر بن بابويه : القنوت سنّة واجبة ، من تركها متعمدا في كل صلاة فلا صلاة له(١) . ونقل بعض الأصحاب عن ابن أبي عقيل الوجوب في الجهرية(٢) .

إذا عرفت هذا فالأوّل : لا يدل على الوجوب ، والتأسّي يعطي الاستحباب في كل صلاة جهرية أو إخفاتية. وقد قيل : إنّه لا شك في رجحانه وإنّما الخلاف في وجوبه واستحبابه(٣) .

والثاني : كما ترى محتمل لأن يراد الإخبار عن رجحان القنوت في كل صلاة على سبيل الاستحباب أو الوجوب ، ويحتمل أن يراد الإخبار عن محله مع غير نظر إلى الرجحان والوجوب. ومع الاحتمال لا يقال : إنّه دالّ‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ١٨٩.

(٢) حكاه عنه في الذكرى : ١٨٣.

(٣) كما في مجمع الفائدة ٢ : ٢٩٨.

٢٩٣

على الوجوب بفحواه.

أمّا الثالث : فالأمر يدل على الوجوب بناء على القول بذلك في الأمر شرعا. وقول أبي عبد اللهعليه‌السلام : « أمّا ما جهرت فيه » إلى آخره. فيما أظن أنّ المراد به نفي الشك بالنسبة إلى أهل الخلاف ؛ لما يأتي في رواية أبي بصير(١) من قوله : « ثم أتوني شكاكا فأخبرتهم بالتقية » لكن هذا على تقدير العمل بالخبر الآتي ، وبدونه يمكن أن يستفاد الاستدلال بالخبر المبحوث عنه على قول ابن أبي عقيل المنقول من اختصاص الوجوب بالجهرية.

لكن لا يخفى أنّ نفي الشك في الجهرية يقتضي الشك في الوجوب في الإخفاتية ، والحال أنّ القائل بالجهرية جازم بالاستحباب في غيرها ، فتمام الشك مشكل. وقد يقال : إنّ نفي الشك في الوجوب كما يتحقق نفيه بالشك في الوجوب يتحقق بالاستحباب. أو يقال : إنّ الشك في الوجوب يقتضي نفي الوجوب ، والاستحباب يتحقق حينئذ بالدليل من الأخبار مع الشهرة في الجملة.

ومن هنا يعلم أنّ ما ذكره بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ من : أنّ الحديث عند القائل بوجوب القنوت في الجهرية محمول على [ النهي عن الشك ](٢) في وجوبه ، إذ لا يمكن حمله على [ النهي عن ](٣) الشك في استحبابه ، لاقتضائه بمعونة المقام وذكر « أمّا » التفصيلية عدم استحباب القنوت في الإخفاتية ، وهو خلاف الإجماع. ثم قال : لكنّك خبير بأنّ‌

__________________

(١) انظر ص ٣٠٤.

(٢) ما بين المعقوفين في النسخ : نفي الشك ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٢٩٤

الحمل على النهي عن الشك في تأكّد الاستحباب لا محذور فيه(١) . محل تأمّل.

على أنّ ذكر الشك من الإمامعليه‌السلام لو لا الحمل على التقية لا يخلو من غموض ، فإنّ أحكامهمعليهم‌السلام صادرة عن الوحي ، فربما يتأيّد الحمل على التقية ، غاية الأمر أنّ المعروف من أهل الخلاف خلاف ذلك ، وهذا لا يضرّ بالحال ؛ لاختلافهم في المقام كما يظهر من آثارهم(٢) ، على أنّ ما يجهر فيه في الجملة كاف في التقية ، وهو عندهم محقق في بعض ما يجهر فيه.

والرابع : له دلالة على الجهرية ، لكن احتمال إرادة بيان المحل كما قدمناه ، والحمل على ( ذكر )(٣) ما يتأكد الجهر فيه ممكن لو كان المقصود بيان القنوت لا محله ، أو هما على تقدير ثبوت ما يدل على الاستحباب وستسمعه.

وما تضمنه من أنّ القنوت في الوتر في الثالثة. محتمل لإرادة الاختصاص بالثالثة احتمالا ظاهرا. واحتمال كونه في الثالثة مع كونه في الثانية أيضا للخبر الأخير الدالّ على أنّه في كل ركعتين من الفريضة والتطوع ، لا يخلو من بعد ؛ ويؤيّد ذلك أنّ الوتر اسم للثلاث ركعات في الأخبار ، لا ما ظنه الشيخ في المصباح : من أنّه اسم للواحدة(٤) . وإذا كان اسما للثلاث فما دل على الركعتين من التطوع يستفاد منه غير الوتر ؛ لأنّ الوتر إذا كان اسما للثلاث فكأنّه قيل : إنّ قنوته في الثالثة ، وإلاّ لقيل : فيه‌

__________________

(١) الحبل المتين : ٢٣٤.

(٢) انظر المغني والشرح الكبير ١ : ٨٢٣ ، إرشاد الساري ٢ : ٢٣٣ ، الإنصاف ٢ : ١٧٠ و ١٧١.

(٣) ليست في « رض ».

(٤) مصباح المتهجد : ١٣٣.

٢٩٥

قنوتان ، فليتأمّل.

(والخامس : يدل على القنوت في الجهرية وربّما دل على الانحصار لكن قد علمت نقل الإجماع على عدمه ، ودلالته على الوجوب محتملة )(١) .

والسادس : يدل على أنّ في الجمعة قنوتين ، لكن قد سمعت السند.

وما عساه يقال : إنّ الظاهر من الخبر التقية في الأوّل. مع عدم معلومية القائل.

فيه : أنّه بالدلالة على ثبوت القنوت في الجهرية أولى منه على النفي.

ويمكن أن يستدل على التعدد في الجمعة بما ذكرناه في كتاب معاهد التنبيه من أنّ الصدوق(٢) روى ما يدل على التعدد صحيحا ، لكن لم يعمل به لتفرد حريز به عن زرارة كما هي عادة المتقدمين من عدم العمل بالخبر الخالي من القرائن ، وهذا لا يضر بحال المتأخرين المكتفين بالخبر الصحيح ؛ إذ الطريق إلى حريز لا ريب فيه ، غاية الأمر أنّ في متن الخبر نوع شك وضرورة(٣) محلّ تأمّل ، ويتضح الأمر بمراجعته هناك.

والسابع : يدل على ما نقل عن ابن أبي عقيل ، لكن فيه زيادة الوتر ؛ ويمكن أن يوجّه عدم نفيها للوجوب بخروجها بالإجماع على نفي الوجوب في الوتر. وفيه استبعاد تغاير الأحكام في الخبر الواحد ، لكنه محلّ تأمّل.

__________________

(١) ما بين القوسين في النسخ كان مكتوبا بين قوله : ستسمعه ، وقوله : وما تضمّنه ، والصواب ما أثبتناه.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧.

(٣) كذا في النسخ ، والأولى : وضرورة.

٢٩٦

نعم ربّما يقال : إنّ الخبر بتقدير صحته يدل على أنّ من ترك القنوت رغبة عنه لا مجرد الترك لكونه مستحبا ، وحينئذ يراد بالرغبة هجر الحكم الشرعي.

وفيه : أنّ الرغبة عن الشي‌ء لا تدل على الهجر المذكور ، غير أنّ عدم الصحة يسهل الخطب بالنسبة إلى الخبر ، وأمّا غيره فقد علمت الحال فيه.

ونقل بعض محققي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ عن الشهيدرحمه‌الله في الذكرى : أنّه استدل للقائل بوجوب القنوت بصحيح زرارة قال : قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : ما فرض الله من الصلاة؟ قال : « الوقت والطهور والركوع(١) والسجود والقبلة والدعاء والتوجّه » قلت : فما سوى ذلك؟ قال : « سنّة في فريضة »(٢) . قالرحمه‌الله : ولا قائل بوجوب دعاء في الصلاة سواه.

وبموثق عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إن نسي الرجل القنوت في شي‌ء من الصلوات حتى يركع فقد جازت صلاته وليس له شي‌ء ، وليس عليه أن يدعه متعمّدا »(٣) .

وبرواية وهب السابقة ، وبقوله عز وجل( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٤) وقد ذكر جماعة أنّ المراد به : داعين.

ثم أجابقدس‌سره عن الأوّل : بجواز حمل الدعاء على القراءة وباقي الأذكار الواجبة فإنّ فيها معنى الدعاء. وعن الثاني : بالحمل على المبالغة في تأكد الاستحباب. وعن الثالث : أنّ المنفي كمال الصلاة ، والرغبة عنه أخص‌

__________________

(١) في « رض » و « م » : الوقت والركوع.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤١ / ٩٥٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٥ / ١٢٨٥.

(٤) البقرة : ٢٣٨.

٢٩٧

من الدعوى. وعن الآية : بأنّ معنى( قانِتِينَ ) مطيعين ، ولو سلّم أنّه بمعنى القنوت فلا دلالة فيه على الوجوب لأنّه أمر مطلق ، ولو دل لم يدل على التكرار ؛ ولأنّ الصلاة مشتملة على القراءة والأذكار وفيها معنى الدعاء فيتحقق الامتثال بدون القنوت. انتهى(١) .

واعترض عليه الناقل ـ سلّمه الله(٢) ـ بما ذكرناه في فوائد التهذيب ، وما ذكرناه قد يتوجه في المقام ، وحاصل الأمر : أمّا(٣) الاعتراض فلأنّ شيئا من القراءة وأذكار الركوع والسجود لا يسمّى في العرف دعاء ، وأيضا فقد دل الحديث على أنّ الدعاء الواجب في الصلاة ثبت في القرآن ووجوب القراءة وذكر الركوع والسجود لم يثبت بالقرآن. والثاني والثالث تكلف. والآية يمكن أن يقال فيها : إنّ الحديث دل على تضمن القرآن الأمر بالدعاء في الصلاة أعني القنوت ، ولا دلالة في شي‌ء من الآيات على وجوب القنوت سوى هذه الآية فيكون القنوت فيها بمعنى الدعاء. وقوله : إنّ الأمر مطلق. لا يخفى ما فيه ؛ وقوله : إنّه لا يدل على التكرار. فيه : أنّ كل من قال بالوجوب قال بالتكرار.

وحاصل ما خطر في البال أوّلا : أنّ الخبر الصحيح عن عبيد بن زرارة دل على أنّ الفاتحة تحميد ودعاء(٤) ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، على أن منع كون أذكار السجود والركوع دعاء لا يضر بالحال ؛ لأنّ المجيب مانع ، فيكفيه جواز إرادة الدعاء من القراءة والأذكار ولا يحتاج إلى‌

__________________

(١) الحبل المتين : ٢٣٦.

(٢) انظر الحبل المتين : ٢٣٧.

(٣) في « رض » : أن.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٨ / ١٣٦.

٢٩٨

المعلومية ليطلب منه إثباتها.

وما عساه يقال : من عدم الصدق عرفا فكذا في الشرع واللغة ؛ لأصالة عدم النقل.

ففيه : أنّ أصالة عدم النقل إنّما تثمر الظن وهو لا ينافي التجويز.

إلاّ أن يقال : إنّ الظن كاف في الأحكام الشرعية ، ولو منع التجويز لم يتم دليل فالتجويز لا يضر بالحال.

وفيه : أنّ الظن(١) حينئذ مرجعه إلى الاستصحاب فهو استدلال غير مناف لكلام المجيب ، وفيه شي‌ء يطلب من الحاشية.

ثم إنّ العرف في المقام غير واضح الاطراد ، لكن الجواب عنه غير بعيد.

وما ذكر من دلالة الخبر ففيه : أنّ عدم الثبوت عندنا لا ينفي(٢) الثبوت مطلقا إلاّ بأصالة(٣) عدم النقل. وفيه ما فيه. نعم في خبر صحيح أنّ القراءة سنّة(٤) ، فالأولى التعلق به ، وعدم التنبيه له مع ذكره غريب.

وأمّا التكلف فغير ظاهر ، وبتقديره مع المعارض لا مانع منه ، والرغبة عن الشي‌ء ينبئ عن الظهور المذكور.

وما ذكر من أنّه لا دلالة في شي‌ء من الآيات على وجوب القنوت ، يشكل بقوله( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وما ذكر من جهة الأمر وإطلاقه ، فيه : أنّ الشهيدرحمه‌الله لا يخفى عليه مثل هذا ، بل مراده على الظاهر أنّ الأمر‌

__________________

(١) في « رض » زيادة : فيه.

(٢) في « فض » و « م » زيادة : عدم.

(٣) في « فض » و « م » : بالأصالة.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٧ ، الوسائل ٦ : ٩١ أبواب القراءة ب ٢٩ ح ٥.

٢٩٩

بالقيام لله غير(١) مقيد بالصلاة الواجبة ، وإذا لم يقيد لا يدل على الوجوب بخصوصه.

وما ذكر من عدم دلالة القرآن على أذكار السجود والركوع ، فيه : أنّ بعض الأخبار السابقة في الأذكار دالّة على أنّها فرض ، وهو يعطي ثبوته من القرآن.

(٢) وما ذكر من أنّ القراءة لم تثبت من القرآن ، فيه : أنّ الأولى أن يقال : قد ثبت نفيه لما تضمنه الحديث الصحيح من أنّ القراءة سنّة.

ويبقى في المقام أمور مذكورة في الفوائد المشار إليها من أرادها وقف عليها.

والذي يظهر من الصدوق في الفقيه الاستدلال بالآية الشريفة ، لأنّه قال : والقنوت سنّة واجبة ، فمن تركها معتمدا في كل صلاة فلا صلاة له ، قال الله عزّ وجلّ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) يعني مطيعين داعين(٣) .

وعلى هذا لا مجال لإنكار معنى الدعاء في القنوت ، لأنّ قوله : يعني ، يدل على الجزم ، والاشتراك لغة ينافي ذلك. إلاّ أن يقال : إنّه اجتهاد ، وفيه ما فيه. إلاّ أنّ ما ذكره الشهيدرحمه‌الله من أنّ معنى الآية مطيعين فقط محل كلام ، لأنّ الصدوق ثبت في النقل. نعم ما ذكره الشهيدرحمه‌الله من احتمال الدعاء لغير القنوت ممكن. ولا يبعد أن يكون الصدوق وقف على تفسير الآية بوجه كاف ، إلاّ أنّ في الاكتفاء به [ كلاما ](٤) .

__________________

(١) في النسخ : غيره ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في « فض » زيادة : وقوله.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٧.

(٤) ما بين المعقوفين في « رض » : نكره ، وفي « فض » و « م » : كلّها ، والظاهر ما أثبتناه.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

وإذا كان إيمانه في الصغر لا يعدّ فضيلة ، فلما ذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينوّه به ويشير إليه؟! وما ذلك إلاّ ليسجل له فضيلة اخرى ، تضاف إلى فضائله الجمّة؟!

فقد روى الحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» الباب السادس والخمسين ، عن محبّ الدين الطبري المكّي في كتابه «ذخائر العقبى» بسنده عن عمر بن الخطّاب ، أنّه قال :

كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة وجماعة إذ ضرب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منكب عليّ فقال «يا عليّ! أنت أوّل المؤمنين إيمانا ، وأوّلهم إسلاما ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى».

وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عبّاس ، أنّه قال :

كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح وجماعة من الصحابة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ ضرب على منكب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقال «أنت أوّل المسلمين إسلاما ، وأنت أوّل المؤمنين إيمانا ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، كذب يا عليّ من زعم أنّه يحبّني ويبغضك».

ورواه ابن الصبّاغ المالكي عن ابن عبّاس أيضا في الفصول المهمّة : ١٢٥ :

وروى الإمام أحمد بن شعيب بن سنان النسائي في «الخصائص» وموفّق بن أحمد الخطيب الخوارزمي في (المناقب) مختصرا ، وابن عساكر في تاريخه مختصرا ، وأخرجه المتّقي الهندي في كنز العمال : ٦ / ٣٩٥ ، وهذا نصّه :

من مسند عمر ، عن ابن عبّاس [قال :] قال عمر بن الخطّاب : كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالب ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول

٣٨١

في عليّ ثلاث خصال ، لأن يكون لي واحدة منهنّ أحب إليّ ممّا طلعت عليه الشمس ، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح ونفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنبيّ متّكئ على عليّ بن أبي طالب ، حتّى ضرب بيده على منكبه ثم قال «أنت يا عليّ أوّل المؤمنين إيمانا ، وأوّلهم إسلاما ، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، وكذب عليّ من زعم أنّه يحبّني ويبغضك».

وفي رواية ابن الصبّاغ المالكي أضاف «من أحبك فقد أحبّني ، ومن أحبّني أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله تعالى وأدخله النار(١) ».

وروى الطبري في تاريخه عن محمد بن سعد بن أبي وقّاص ، قال : سألت أبي : هل إنّ أبا بكر أوّل من آمن بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا ، ولكنّه كان أفضل منّا في الإسلام.

وذكر الطبري أيضا فقال : ولقد أسلم قبل عمر بن الخطّاب خمسة وأربعون رجلا وإحدى وعشرون امرأة ، ولكن أسبق الناس إسلاما وإيمانا فهو عليّ بن أبي طالب.

__________________

(١) روى الحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» الباب الثاني عشر ، عن الحمويني بسنده عن أبي رافع ، عن أبي ذرّ ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي «أنت أوّل من آمن بي ، وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصدّيق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحقّ والباطل ، وأنت يعسوب المسلمين ، والمال يعسوب الكفّار».

«المترجم»

٣٨٢

ميزة إيمان عليّعليه‌السلام

ثمّ إنّ لإيمان عليّعليه‌السلام ميزة على إيمان غيره ، وهي أنّ إيمانهعليه‌السلام كان عن فطرة غير مسبوق بكفر أو شرك ، فإنّه بدأ حياته التكليفيّة بالإيمان ولم يشرك بالله سبحانه طرفة عين ، بينما الآخرون بدءوا بالكفر والشرك ثمّ آمنوا ، فكان إيمانهم مسبوقا بالكفر والشرك ، وإيمان الإمام عليعليه‌السلام كان عن فطرة ، وهو فضيلة عظيمة وميزة كريمة امتاز بها عن غيره.

لذا قال الحافظ أبو نعيم في كتابه «ما نزل من القرآن في عليّعليه‌السلام » والمير السيّد عليّ الهمداني في كتابه «مودّة القربى» نقلا عن ابن عبّاس أنّه قال : والله ما من عبد آمن بالله إلاّ وقد عبد الصنم ، إلاّ عليّ بن أبي طالب ، فإنّه آمن بالله من غير أن يعبد صنما.

وروى محمد بن يوسف الكنجي القرشي في «كفاية الطالب» الباب الرابع والعشرين ، بإسناده إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال «سبّاق الامم ثلاثة لم يشركوا بالله طرفة عين : عليّ بن أبي طالب ، وصاحب ياسين ، ومؤمن آل فرعون ؛ فهم الصدّيقون ، حبيب النجّار «مؤمن» أو صاحب ياسين ، وحزقيل مؤمن آل فرعون ، وعليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم(١) ».

__________________

(١) وذكر ابن أبي الحديد رواية أبي جعفر الإسكافي بسنده عن ابن عبّاس ، قال :«السبّاق ثلاثة : سبق يوشع بن نون إلى موسى ، وسبق صاحب يس إلى عيسى ، وسبق عليّ بن أبي طالب الى محمّد عليه و:».

٣٨٣

وفي «نهج البلاغة» قال عليعليه‌السلام «فإنّي ولدت على الفطرة ، وسبقت إلى الإيمان والهجرة».

وروى الحافظ أبو نعيم وابن أبي الحديد وغيرهما ، أنّ علياعليه‌السلام لم يكفر بالله طرفة عين.

وروى الإمام أحمد في المسند ، والحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» عن ابن عبّاس ، أنّه قال لزمعة بن خارجة : إنّه [عليّا] لم يعبد صنما ، ولم يشرب خمرا ، وكان أوّل الناس إسلاما.

وأخيرا أتوجّه إلى من يقول بأنّ إيمان الشيخين أفضل من إيمان عليّعليه‌السلام فأسأله : أما سمع الحديث النبوي الشريف الذي رواه كبار علماء العامّة ، منهم : ابن المغازلي في المناقب ، والإمام أحمد في المسند ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، والحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودة» وغيرهم ، رووا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال «لو وزن إيمان علي وإيمان أمّتي لرجح إيمان علي على إيمان أمّتي إلى يوم القيامة».

وروى الإمام الثعلبي في تفسيره ، والخوارزمي في المناقب ، والمير السيّد عليّ الهمداني في المودّة السابعة من كتابه «مودّة القربى» عن عمر بن الخطّاب ، قال : أشهد أنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول «لو أنّ السموات السبع والأرضين السبع وضعن في كفّة ميزان ووضع إيمان

__________________

ثمّ يروي عن الشعبي ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّعليه‌السلام «هذا أوّل من آمن بي وصدّقني وصلّى معي».

شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٢٥ ط دار إحياء التراث العربي.

«المترجم»

٣٨٤

عليّ في كفّة ميزان لرجح إيمان علي(١) ».

وفي ذلك يقول سفيان بن مصعب الكوفي :

«أشهد بالله لقد قال لنا

محمد والقول منه ما خفى

لو أن إيمان جميع الخلق ممّن

سكن الأرض ومن حلّ السما

يجعل في كفّة ميزان لكي

يوفي بإيمان عليّ ما وفى»

عليّعليه‌السلام أفضل الأمّة

روى المير السيد عليّ الهمداني ، الفقيه الشافعي ، في كتابه «مودّة القربى» أخبارا متظافرة في أفضلية الإمام عليّعليه‌السلام على جميع الصحابة ، بل على جميع الأمّة.

قال في المودّة السابعة : عن ابن عبّاس ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

__________________

(١) لقد روى هذا الخبر والحديث عن عمر بن الخطّاب ، جمع من العلماء والمحدّثين من أهل السنّة ، منهم :

محب الدين الطبري في الرياض النضرة ٢ / ٢٢٦ ، وذكره في ذخائر العقبى ص ١٠٠ أيضا ، والمتّقي الحنفي في كنز العمّال ٦ / ١٥٦ نقله من «فردوس الأخبار» للديلمي ، عن ابن عمر.

ومنهم العلاّمة الكنجي القرشي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» الباب الثاني والستين في تخصيص عليّعليه‌السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة ، روى بسنده عن عمر بن الخطّاب ، وفي تعليقه قال : هذا حديث حسن ثابت ، رواه الجوهري في كتاب «فضائل علي عليه‌السلام » عن شيخ أهل الحديث الدارقطني ، وأخرجه محدّث الشام في تاريخه في ترجمة عليّ عليه‌السلام ، كما أخرجناه سواء.

ومنهم العلاّمة الصفوري الشافعي ، رواه في كتابه نزهة المجالس ٢ / ٢٤٠ ط مصر سنة ١٣٢٠ هجرية. «المترجم»

٣٨٥

«أفضل رجال العالمين في زماني هذا عليّعليه‌السلام (١) ».

__________________

(١) وفي المصدر نفسه ، في المودّة السابعة أيضا في الخبر الأوّل ، رواه عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام عن ابن عمر ، في خبر طويل عن سلمان ، قال في آخره : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له :. «. وإنّي أوصيت إلى عليّعليه‌السلام ، وهو أفضل من أتركه بعدي».

وروى أيضا في المودّة السابعة عن أنس ، قل : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّ أخي ، ووزيري ، وخليفتي في أهلي ، وخير من أترك بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، عليّ بن أبي طالب».

وروى كثير من أعلام العامة خبرا بهذا المعنى ، منهم : العلامة الكنجي القرشي الشافعي في «كفاية الطالب» الباب الثاني والستين ، ص ١١٩ ، ط الغري سنة ١٣٥٦ ه‍ بسنده عن عطاء ، قال : سألت عائشة عن عليّ عليه‌السلام ، فقالت : ذلك خير البشر ، لا يشكّ فيه إلاّ كافر.

قال : هكذا ذكره الحافظ ابن عساكر في ترجمة عليّ عليه‌السلام في تاريخه في المجلّد الخمسين.

وخرّجه الكنجي الشافعي عن طرق عديدة في نفس الصفحة ؛ منهم : الإمام عليّ عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من لم يقل عليّ خير البشر فقد كفر».

وعن حذيفة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «عليّ خير البشر ، من أبى فقد كفر».

وعن جابر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ خير البشر فمن أبى فقد كفر.

وخرّجه بهذا اللفظ ، الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» في ترجمة الإمام علي عليه‌السلام .

وخرّجه المناوي في «كنوز الحقائق» المطبوع بهامش «الجامع الصغير» للسيوطي ، ج ٢ / ٢٠ ـ ٢١ ، من سنن أبي يعلى ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ خير البشر من شكّ فيه كفر.

وخرّجه المتّقي في كنز العمال ٦ / ١٥٩ عن الإمام عليّ عليه‌السلام ، وعن ابن عبّاس ، وابن مسعود ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، فراجع.

والخير هنا بمعنى الأفضل.

«المترجم».

٣٨٦

وقال ابن أبي الحديد في مقدّمة شرح نهج البلاغة : ١ / ٩ : وأمّا نحن فنذهب إلى ما ذهب إليه شيوخنا البغداديّون ، من تفضيلهعليه‌السلام ـ أي : عليّ ـ وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الفضل ، وهل المراد به الأكثر ثوابا ، أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة ، وبيّنا أنّهعليه‌السلام أفضل على التفسيرين معا.

وقال في ١١ / ١١٩ : وقع بيدي بعد ذلك كتاب لشيخنا أبي جعفر الإسكافي ، ذكر فيه أنّ مذهب بشر بن المعتمر ، وأبي موسى ، وجعفر بن مبشّر ، وسائر قدماء البغداديين ، أنّ أفضل المسلمين عليّ بن أبي طالب ، ثمّ ابنه الحسن ، ثمّ ابنه الحسين ، ثمّ حمزة بن عبد المطّلب ، ثمّ جعفر بن أبي طالب إلخ.

وبعد نقله هذا القول ، وعدّه عقيدة المعتزلة ، ينظم فيه شعرا ، فيقول :

وخير خلق الله بعد المصطفى

أعظمهم يوم الفخار شرفا

السيّد المعظّم الوصي

بعد البتول المرتضى علي

وابناه ثمّ حمزة وجعفر

ثمّ عتيق بعدهم لا ينكر

الشيخ عبد السّلام : لو كنت تطالع أقوال العلماء في أفضلية أبي بكر (رض) ما كنت تتمسّك بغيره.

قلت : وأنتم إذا كنتم تتركون أقوال المتعصّبين وتأخذون بأقوال المنصفين من علمائكم الأعلام ، لرأيتم رأينا وتمسّكتم بقولنا في تفضيل الإمام عليّعليه‌السلام .

ولكي تعرف دلائل وبراهين الطرفين أدلّك على مصدر واحد كنموذج راجع : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٣ / ٢١٥ ـ

٣٨٧

٢٩٥ ، فإنّه ذكر في هذا الفصل من الكتاب كلام الجاحظ ، ودلائله على أفضلية صاحبكم ، أبي بكر ، وذكر ردّ أبي جعفر الإسكافي وهو من أفاضل علماء السنّة وكبار أعلام الأمّة وشيخ المعتزلة ، وذكر دلائله وبراهينه العقلية والنقلية في تفضيل الإمام عليّعليه‌السلام على غيره من الامّة.

ومن جملة كلامه ـ في صفحة ٢٧٥ ـ يقول أبو جعفر الإسكافي : إنّنا لا ننكر فضل الصحابة وسوابقهم ، ولسنا كالإمامية الّذين يحملهم الهوى على جحد الأمور المعلومة (لقد أصدر علينا حكما غيابيا ولو كنّا لأجبناه) قال : ولكنّنا ننكر تفضيل أحد من الصحابة على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام انتهى.

فنستفيد من مجموع الأخبار والأحاديث وأقوال العلماء والمحدّثين ، أنّ علياعليه‌السلام لا يقاس به أحد من المسلمين. وأنّ مقامه أسمى وشأنه أعلى من الآخرين بمراتب ، فلا يمكن أن تقدّموهم عليه بنقل بعض الأحاديث الضعيفة السند أو الدلالة.

ثمّ لا ينكر أنّ علياعليه‌السلام هو أبو العترة وسيّد أهل البيتعليهم‌السلام ، ولا يقاس بأهل البيت أحد من الأمّة في الشأن والمرتبة ، فكيف بسيّدهم وعلمهم؟!

لقد روى المير السيد عليّ الهمداني الشافعي ، في المودّة السابعة من كتابه «مودّة القربى» عن أحمد بن محمد الكرزي البغدادي ، أنّه قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : سألت أبي عن التفضيل.

فقال : أبو بكر وعمر وعثمان. ثمّ سكت.

٣٨٨

فقلت : يا أبة أين عليّ بن أبي طالب؟!

قال : هو من أهل البيت ، لا يقاس به هؤلاء!

وإذا نريد أن نفسّر كلام الإمام أحمد فنقول : يعني : أنّ علياعليه‌السلام لا يذكر في عداد الصحابة ، بل هو في مقام النبوّة والإمامة.

ونجد خبرا آخر في المودّة السابعة أيضا بهذا المعنى ، رواه عن أبي وائل ، عن ابن عمر ، قال : كنّا إذا عددنا أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلنا : أبو بكر وعمر وعثمان.

فقال رجل : يا أبا عبد الرحمن! فعليّ ما هو؟!

قال : عليّ من أهل البيت لا يقاس به أحد ، هو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في درجته ، إنّ الله تعالى يقول :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (١) .

ففاطمة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في درجته وعليّ معهما(٢) .

__________________

(١) سورة الطور ، الآية ٢١.

(٢) لقد وردت أخبار كثيرة في أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لا يقاس بهم أحد ، منها ما في «ذخائر العقبى» لمحبّ الدين الطبري ، ص ١٧ ، فإنّه قال تحت عنوان (إنّهم لا يقاس بهم أحد) قال : وعن أنص ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) «نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد».

وأخرج هذا الحديث أيضا عبيد الله الحنفي في كتاب «أرجح المطالب» ص ٣٣٠ ، غير إنّه قال : أخرجه ابن مردويه في «المناقب».

وفي نفس الصفحة قال : قال عليّعليه‌السلام على المنبر :

«نحن أهل بيت رسول الله لا يقاس بنا أحد».

أخرجه الديلمي أيضا في «فردوس الأخبار» وأخرجه عن الديلمي علي المتّقي الحنفي في كنز العمّال ٦ / ٢١٨.

وفي نهج البلاغة في آخر الخطبة التي تقع قبل الخطبة الشقشقية ، قال الإمام

٣٨٩

وكان هذا الأمر واضحا وضوح الشمس في الضحى ، وكان من المسلّمات ، ولذا نرى في المودّة السابعة أيضا خبرا بهذا المعنى ، رواه عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم يحضر المهاجرون والأنصار ـ كذا ـ «يا عليّ! لو أنّ أحدا عبد الله حق عبادته ، ثمّ شكّ فيك وأهل بيتك ، أنّكم أفضل الناس ، كان في النار!!» انتهى.

لمّا سمع أهل المجلس هذا الخبر استغفر أكثرهم الله ، وبالخصوص الحافظ محمد رشيد. استغفروا الله ، لأنّهم كانوا يظنّون أفضليّة الآخرين!

هذه نماذج من الأخبار الكثيرة في تفضيل الإمام عليعليه‌السلام على الصحابة والمسلمين عامة ، وأضف عليها الحديث النبوي الشريف الذي رواه علماء الفريقين في يوم الخندق ومعركة الأحزاب ، حينما قتل الإمام عليّعليه‌السلام بطل الأحزاب وقائدهم وحامل لوائهم عمرو بن عبد ود العامري وانهزم المشركون وانتصر المسلمون ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين».

فاذا كان عمل واحد من مولانا الإمام عليّعليه‌السلام هو أفضل من عبادة الجنّ والإنس ، فكيف بأعماله كلّها ، من الجهاد في سبيل الله ، وتحمّل الأذى في جنب الله ، وصلاته ، وصومه ، وإنفاقه الصدقات ،

__________________

عليّعليه‌السلام «لا يقاس بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الأمّة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء القالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حقّ الولاية ، وفيهم الوصيّة والوراثة ...».

«المترجم»

٣٩٠

ورعايته الأرامل والأيتام في طول حياته المباركة؟!

فلا أرى أحدا مع ما ذكرناه ، ينكر تفضيل الإمام عليّعليه‌السلام على غيره ، إلاّ المعاند.

عليّعليه‌السلام أفضل بدليل المباهلة

قال تعالى :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (١) .

اتّفق المفسّرون ، وأجمع المحدّثون ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امتثل أمر الله عزّ وجلّ في الآية الكريمة فأخذ معه الحسن والحسينعليهم‌السلام تطبيقا لأبنائنا ، وأخذ فاطمة الزّهراءعليها‌السلام تطبيقا لكلمة نسائنا ، وأخذ الإمام عليّاعليه‌السلام ، تطبيقا لكلمة أنفسنا.

ومن الواضح الذي لا يشكّ فيه إلاّ كافر ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّد الأوّلين والآخرين ، وخير الخلق ، وأفضل الخلائق ، وبحكم كلمة( أَنْفُسَنا ) حيث جعل الله تعالى عليّاعليه‌السلام في درجة نفس النبيّ ، فصار هو كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفضل ، وأصبح خير الخلق ، وأفضل الخلائق(٢) .

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٦١.

(٢) لقد وردت أحاديث كثيرة عن طرق الشيعة والسنّة في أنّ علياعليه‌السلام كنفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونكتفي هنا بنماذج ممّا رواه علماء العامة

نقل الحافظ سليمان الحنفي في كتابه «ينابيع المودة» في الباب السابع ، قال : أخرج أحمد بن حنبل في المسند وفي المناقب ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «لتنتهينّ يا بني وليعة

٣٩١

__________________

أو لأبعثنّ إليكم رجلا كنفسي ، يمضي فيكم بأمري ، يقتل المقاتلة ، ويسبي الذرّيّة. فالتفت إلى عليعليه‌السلام فأخذ بيده وقال : هو هذا. مرّتين».

قال الحافظ سليمان : أيضا أخرجه موفّق بن أحمد الخوارزمي المكّي بلفظه.

أقول : وأخرجه العلاّمة الكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» الباب الحادي والسبعين ، وقال : نقله عن «خصائص عليّ عليه‌السلام » لإمام أهل الجرح والتعديل الحافظ : النسائي ، وهو بسنده عن أبي ذرّ إلى آخره.

ونقل الحافظ سليمان أيضا في نفس الباب والمصدر ، قال : أخرج أحمد في «المسند» عن عبد الله بن حنطب ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوفد ثقيف حين جاءوه : «لتسلمنّ أو لأبعثنّ إليكم رجلا كنفسي ليضربنّ أعناقكم ، وليسبينّ ذراريكم ، وليأخذنّ أموالكم ؛ فالتفت إلى عليّ وأخذ بيده فقال : هو هذا مرتين».

وذكر الحافظ سليمان في آخر الباب خبرا ننقله بعينه إتماما للفائدة ، قال :

وفي «المناقب» عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في عليّ خصالا لو كانت واحدة منها في رجل اكتفى بها فضلا وشرفا :

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [«من كنت مولاه فعليّ مولاه.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ منّي كهارون من موسى.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ منّي وأنا منه.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي منّي كنفسي ، طاعته طاعتي ، ومعصيته معصيتي.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حرب عليّ حرب الله ، وسلم عليّ سلم الله.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وليّ عليّ وليّ الله ، وعدوّ عليّ عدوّ الله.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ حجة الله على عباده.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حبّ عليّ إيمان ، وبغضه كفر.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حزب عليّ حزب الله ، وحزب أعدائه حزب الشيطان.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ مع الحقّ ، والحقّ معه ، لا يفترقان.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي قسيم الجنّة والنار.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من فارق عليّا فقد فارقني ، ومن فارقني فقد فارق الله.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شيعة عليّ هم الفائزون يوم القيامة».]

انتهى كلامه ، رفع في الخلد مقامه.

«المترجم»

٣٩٢

فأذعنوا واعتقدوا أنّ مصداق( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) هو سيّدنا ومولانا عليّعليه‌السلام الذي كان من أوّل عمره ، ومن أوّل البعثة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدعه في الملمّات ، وما تركه في الهجمات والطامّات ، بل كان ناصره وحاميه ، يقيه بنفسه ، ويدافع عنه بسيفه ، ويفديه بروحه.

حتّى إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فارقت روحه الدنيا ورأسه في حجر الإمام عليّعليه‌السلام كما قال في خطبة له في «نهج البلاغة» :

ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّي لم أردّ على الله ولا على رسوله ساعة قطّ ، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال ، وتتأخّر الأقدام ، نجدة أكرمني الله بها.

ولقد قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّ رأسه لعلى صدري ، ولقد سالت نفسه في كفّي فأمررتها على وجهي ، ولقد ولّيت غسله والملائكة أعواني حتّى واريناه في ضريحه ، فمن ذا أحقّ به منّي حيّا وميّتا؟!

ولمّا وصلنا إلى نهاية خطبة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام صار وقت صلاة العشاء فقطعنا كلامنا وبعد ما أدّوا الصلاة شربوا الشاي وتناولوا الفواكه والحلوى ، ولمّا انتهوا بدأت أنا بالكلام فقلت : لقائل أن يقول : إذا كان عليعليه‌السلام مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ مواقفه ، فلما ذا لم يرافقه في الهجرة من مكّة إلى المدينة؟!

أقول : لأنّ علياعليه‌السلام قام في مكّة بأعمال مهمّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد ألقاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عاتقه وأمره أن ينفّذها ، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعتمد على أحد يقوم مقامه ويقضي مهامّه غير الإمام عليّعليه‌السلام ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما نعلم ـ كان أمين أهل مكّة ، حتّى إنّ الكفار والمشركين كانوا يستودعون عنده أموالهم ولا يعتمدون على غيره في استيداع

٣٩٣

أماناتهم وحفظها ، فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف بالصادق الأمين.

فخلّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخاه وابن عمّه عليّاعليه‌السلام في مكّة ليردّ الودائع والأمانات إلى أهلها ، وبعد ذلك حمل معه بنت رسول الله وحبيبته فاطمة الزهراء التي كان يعزّ فراقها على أبيها ، وأخذ معه أمّه فاطمة بنت أسد وابنة عمّه فاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب وغيرهن فأوصلهنّ بسلام إلى المدينة المنوّرة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فضيلة المبيت على فراش النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وإضافة إلى ما ذكرنا ، فإنّ عليّاعليه‌السلام إذا لم يدرك فضيلة مرافقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الهجرة ، فإنّهعليه‌السلام أدرك مقاما أسمى بالاستقلال لا بالتبع ، وهو مبيته على فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلتبس الأمر على الأعداء ، فيخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بينهم بسلام.

فإذا كانت آية الغار تعدّ فضيلة لأبي بكر بأنّ حسبته ثاني اثنين ، فقد جعلته تابعا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غير مستقلّ في كسب الفضيلة ، وإنّما حصّلها تبعا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

بينما الإمام عليعليه‌السلام حينما بات على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلت في شأنه آية كريمة سجّلت له فضيلة مستقلّة تعدّ من أعظم مناقبه ، وهي قوله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) (١) .

وقد ذكر جمع كثير من كبار علمائكم الأعلام والمحدّثين الكرام ،

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٠٧.

٣٩٤

خبرا هامّا بهذه المناسبة ، وإن كانت ألفاظهم مختلفة ولكنّها متقاربة والمعنى واحد ، ونحن ننقله من كتاب «ينابيع المودة» للحافظ سليمان الحنفي ، الباب الحادي والعشرين ، وهو ينقله عن الثعلبي وغيره.

قال الحافظ سليمان : عن الثعلبي في تفسيره ، وابن عقبة في ملحمته ، وأبو السعادات في فضائل العترة الطاهرة ، والغزّالي في إحياء العلوم ، بأسانيدهم ، عن ابن عبّاس وعن أبي رافع وعن هند بن أبي هالة ربيب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أمّه خديجة أمّ المؤمنين رضي الله عنها ـ أنّهم قالوا :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل : إنّي آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه ، فأيّكما يؤثر أخاه عمره ، فكلاهما كرها الموت ، فأوحى الله إليهما : إنّي آخيت بين عليّ وليّي وبين محمّد نبيّي ، فآثر عليّ حياته للنبيّ ، فرقد على فراش النبيّ يقيه بمهجته. اهبطا إلى الأرض واحفظاه من عدوّه.

فهبطا ، فجلس جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجعل جبرائيل يقول : بخ بخ ، من مثلك يا ابن أبي طالب ، والله عزّ وجلّ يباهي بك الملائكة!»

فأنزل الله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي ) .

أقول : الّذين نقلوا هذا الخبر بألفاظ متقاربة وبمعنى واحد ، جمع كبير من أعلام العامة ، منهم : ابن سبع المغربي في كتابه «شفاء الصدور» والطبراني في الجامع الأوسط والكبير ، وابن الأثير في أسد الغابة ٤ / ٢٥ ، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة : ٣٣ ، والفاضل النيسابوري ، والإمام الفخر الرازي ، وجلال الدين السيوطي ، في

٣٩٥

تفاسيرهم للآية الكريمة ، والحافظ أبو نعيم في كتابه «ما نزل من القرآن في عليّ» والخطيب الخوارزمي في «المناقب». وشيخ الإسلام الحمويني في (الفرائد) والعلاّمة الكنجي القرشي الشافعي في «كفاية الطالب» الباب الثاني والستّين ، والإمام أحمد في «المسند» ومحمد بن جرير بطرق متعدّدة ، وابن هشام في «السيرة النبوية» والحافظ محدّث الشام في «الأربعين الطوال» والإمام الغزالي في إحياء العلوم ٣ / ٢٢٣ ، وأبو السعادات في «فضائل العترة الطاهرة» وسبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص : ٢١ ، وغير هؤلاء الأعلام.

ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٦٢ ـ ط دار إحياء التراث العربي ـ قول الشيخ أبي جعفر الإسكافي ، قال : وقد روى المفسّرون كلّهم أن قول الله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) أنزلت في عليّعليه‌السلام ليلة المبيت على الفراش.

فأرجو من الحاضرين ، وخاصّة العلماء الأفاضل ، أن يفكّروا في الآيتين بعيدا عن الانحياز إلى إحدى الجهتين ، فتدبّروا واستدلّوا ، وأنصفوا ، أيّهما أفضل وأكمل ، صحبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومرافقته أيّاما قليلة في سفر الهجرة ، أم مبيت الإمام عليعليه‌السلام على فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقتحامه خطر الموت ، وتحمّله أذى المشركين ، ورميه بالحجارة طيلة الليل ، وهو يتضوّر ولا يكشف عن وجهه ، ليسلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كيد الأعداء وهجومهم ، ومباهاة الله سبحانه ملائكته بمفاداة عليّعليه‌السلام وإيثاره ، ثمّ نزول آية مستقلّة في شأنه ، أنصفوا أيّهما أفضل؟؟

ولا يخفى أنّ بعض علمائكم الأعلام أنصفوا فأعلنوا تفضيل الإمام عليّعليه‌السلام على غيره ، وفضّلوا مبيته على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣٩٦

على صحبة أبي بكر ومرافقته إيّاه في الهجرة ، منهم : الإمام أبو جعفر الإسكافي ـ وهو من أبرز وأكبر علماء ومشايخ أهل السنّة المعتزلة ـ في ردّه على أبي عثمان الجاحظ وكتابه المعروف بالعثمانية.

لقد تصدّى الإسكافي لنقضه بالبراهين العقلية والأدلّة النقلية ، وأثبت تفضيل الإمام عليّعليه‌السلام على أبي بكر ، وفضّل المبيت على الصحبة ، ونقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢١٥ ـ ٢٩٥ ، فراجعه ، فإنّه مفيد جدّا.

وممّا يذكره الشيخ أبو جعفر في مقاله ، قال :

قال علماء المسلمين : «إنّ فضيلة عليّعليه‌السلام تلك الليلة لا نعلم أحدا من البشر نال مثلها» شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢٦٠.

وبعد كلام طويل ـ وكلّه مفيد ـ قال في صفحة ٢٦٦ و ٢٦٧ : قد بيّنا فضيلة المبيت على الفراش على فضيلة الصحبة في الغار بما هو واضح لمن أنصف ، ونزيد هاهنا تأكيدا بما لم نذكره فيما تقدّم فنقول : إنّ فضيلة المبيت على الفراش على الصحبة في الغار لوجهين :

أحدهما : إنّ علياعليه‌السلام قد كان أنس بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحصل له بمصاحبته قديما أنس عظيم ، وإلف شديد ، فلمّا فارقه عدم ذلك الأنس ، وحصل به أبو بكر ، فكان ما يجده عليّعليه‌السلام من الوحشة وألم الفرقة موجبا زيادة ثوابه ، لأنّ الثواب على قدر المشقّة.

وثانيهما : إنّ أبا بكر كان يؤثر الخروج من مكّة ، وقد كان خرج من قبل فردا فازداد كراهيّته للمقام ، فلمّا خرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وافق ذلك هوى قلبه ومحبوب نفسه ، فلم يكن له من الفضيلة ما يوازي فضيلة من احتمل المشقّة العظيمة وعرّض نفسه لوقع السيوف ورأسه

٣٩٧

لرضخ الحجارة ، لأنّه على قدر سهولة العبادة يكون نقصان الثواب.

وعالم آخر من علمائكم وهو ابن سبع المغربي ، صاحب كتاب «شفاء الصدور» يقول فيه وهو يبيّن شجاعة سيّدنا الإمام عليعليه‌السلام : إنّ علماء العرب أجمعوا على أنّ نوم عليّعليه‌السلام على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من خروجه معه ، وذلك أنّه وطّن نفسه على مفاداته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآثر حياته ، وأظهر شجاعته بين أقرانه. انتهى.

فالموضوع واضح جدّا بحيث لا ينكره إلاّ من فقد عقله بالتعصّب الذي يعمي ويصمّ عن فهم الحقّ وإدراك الحقيقة!

أكتفي بهذا المقدار في إطار البحث حول جملة( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) وأمّا جملة( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) فقد قال الشيخ عبد السّلام : إنّ المراد منها والمقصود بها هو الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب.

فأقول : نحن لا نقبل الكلام بمجرّد الادّعاء ، من غير دليل. والأولى أن نطبّق العبارة على الشخص المشار إليه ، فندرس سيرته وحالاته ونعرف صفاته وأخلاقه ، فإذا تطابقت مع الآية الكريمة ، فحينئذ نسلّم ، وإذا لم تتطابق ، فنردّ ادّعاءكم وكلامكم ، ونثبت قولنا ورأينا بالدليل والبرهان.

فلنضع الجملة على طاولة التحليل والتحقيق فنقول : الشّدة تظهر في مجالين :

١ ـ مجال المناظرات العلمية والبحوث الدينيّة مع الخصوم.

٢ ـ مجال الجهاد الحربي والمناورات القتالية مع الأعداء.

أمّا في المجال العلمي فلم يذكر التاريخ لعمر بن الخطّاب مناظرة علمية ومحاورة دينية تغلّب فيها على الخصوم ومناوئي الإسلام.

٣٩٨

وإذا كنتم تعرفون له تاريخا وموقفا مشرّفا في هذا المجال فبيّنوه حتى نعرف!

ولكنّ علياعليه‌السلام يعترف له جميع العلماء وكلّ المؤرخين بأنّه كان حلال المشكلات الدينية والمعضلات العلمية.

وهو الوحيد في عصره الذي كان قادرا على ردّ شبهات اليهود والنصارى مع كلّ التحريفات التي جرت على أيدي الامويّين والبكريّين الخونة على تاريخ الإسلام ـ كما يصرّح بها علماؤكم في كتب الجرح والتعديل ـ مع ذلك ما تمكّنوا من إخفاء هذه الحقائق الناصعة ، والمناقب السّاطعة ، والأنوار العلمية اللامعة ، التي أضاءت تاريخ الإسلام مدى الزمان

وخاصة في عصر الخلفاء الّذين سبقوا الإمام عليّاعليه‌السلام ، فقد كان علماء اليهود والنصارى وسائر الأديان ، يأتون إلى المدينة ويسألونهم مسائل مشكلة ويوردون شبهات مضلّة ، ولم يكن لهم بدّ من أن يرجعوا إلى مولانا وسيّدنا عليّعليه‌السلام لأنّه باب علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيردّ شبهاتهم ويجيب عن مسائلهم ، وقد أسلم كثير من أولئك العلماء كما نجده مسطورا في التاريخ.

والجدير بالذكر ، أنّ الخلفاء الثلاثة الّذين سبقوا الامام عليّاعليه‌السلام كلّهم اعترفوا وأقرّوا له بتفوّقه العلمي وعجزهم وجهلهم أمام علماء الأديان.

وقد ذكر بعض المحقّقين من أعلامكم عن أبي بكر أنّه قال :

أقيلوني أقيلوني! فلست بخيركم وعليّ فيكم!

وأمّا عمر بن الخطّاب فقد قال أكثر من سبعين مرّة : لو لا عليّ

٣٩٩

لهلك عمر. وقال : لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن.

وذلك لمّا كان يرى من عليّعليه‌السلام حلّ المعضلات والحكم في القضايا المشتبهات التي كان يحار في حلّها وحكمها ، عمر وحاشيته وكلّ الصحابة ، وقد ذكر التاريخ كثيرا منها في كتبكم ولكن لا مجال لذكرها ، ولا منكر لها!! فالأفضل أن يدور بحثنا حول الأهمّ فالأهمّ.

النّواب : لا أرى موضوعا أهمّ من هذا ، فلو سمحتم أرجو أن تذكروا لنا بعض الكتب المعتبرة عندنا التي نقلت وذكرت ما نقلتم من قول الخليفة عمر الفاروق ، حتى نعرف الحقّ والواقع.

قلت : نعم ، إنّ أكثر علمائكم نقلوا هذه العبارات أو ما بمعناها وإن اختلف اللفظ ، وسأذكر لكم بعضهم حسب ما يحضر في ذهني وذاكرتي.

مصادر قول عمر

١ ـ ابن حجر العسقلاني ، في تهذيب التهذيب / ٣٣٧ ط حيدرآباد ـ الدّكن.

٢ ـ ابن حجر العسقلاني ـ أيضا ـ في الإصابة ٢ / ٥٠٩ ط مصر.

٣ ـ ابن قتيبة ـ المتوفى سنة ٢٧٦ هجرية ـ في تأويل مختلف الحديث : ٢٠١ و ٢٠٢.

٤ ـ ابن حجر المكي الهيتمي ، في الصواعق : ٧٨.

٥ ـ أحمد أفندي ، في هداية المرتاب : ١٤٦ و ١٥٢.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205