ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242408 / تحميل: 4170
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

٦ ـ ابن الأثير الجزري ، في اسد الغابة : ٤ / ٢٢.

٧ ـ جلال الدين السيوطي ، في تاريخ الخلفاء : ٦٦.

٨ ـ ابن عبد البرّ القرطبي ، في الاستيعاب : ٢ / ٤٧٤.

٩ ـ عبد المؤمن الشبلنجي ، في نور الأبصار : ٧٣.

١٠ ـ شهاب الدين العجيلي ، في «ذخيرة المآل».

١١ ـ الشيخ محمد الصبّان ، في إسعاف الراغبين : ١٥٢.

١٢ ـ ابن الصبّاغ المالكي ، في الفصول المهمّة : ١٨.

١٣ ـ نور الدين السمهودي ، في جواهر العقدين.

١٤ ـ ابن أبي الحديد في شرح النهج : ١ / ١٨ ط دار إحياء التراث العربي(١) .

١٥ ـ العلاّمة القوشچي ، في شرح التجريد : ٤٠٧.

١٦ ـ الخطيب الخوارزمي المكّي ، في المناقب : ٤٨ و ٦٠.

١٧ ـ محمد بن طلحة القرشي الشافعي ، في مطالب السئول : ٨٢ الفصل السادس ط دار الكتب.

١٨ ـ الإمام أحمد بن حنبل ، في المسند والفضائل.

١٩ ـ سبط ابن الجوزي ، في التذكرة : ٨٥ و ٨٧.

٢٠ ـ الامام الثعلبي ، في تفسيره «كشف البيان».

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد : وأمّا عمر فقد عرف كلّ أحد رجوعه إليه (عليعليه‌السلام ).

في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة ، وقوله غير مرّة : لو لا عليّ لهلك عمر. وقوله : لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن. وقوله : لا يفتينّ أحد في المسجد وعليّ حاضر إلى آخره.

«المترجم»

٤٠١

٢١ ـ ابن القيّم ، في الطرق الحكمية ـ ضمن نقله بعض قضاياهعليه‌السلام ـ : ٤١ ـ ٥٣.

٢٢ ـ محمد بن يوسف القرشي الكنجي ، في «كفاية الطالب» الباب السابع والخمسين.

٢٣ ـ ابن ماجة القزويني ، في سننه.

٢٤ ـ ابن المغازلي ، في كتابه «مناقب علي بن أبي طالب».

٢٥ ـ شيخ الاسلام الحمويني ، في فرائد السمطين.

٢٦ ـ الحكيم الترمذي ، في شرح «الفتح المبين».

٢٧ ـ الديلمي ، في «فردوس الأخبار».

٢٨ ـ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي ، في «ينابيع المودّة» الباب الرابع عشر.

٢٩ ـ الحافظ أبو نعيم ، في «حلية الأولياء» وفي كتابه الآخر المسمّى «ما نزل من القرآن في عليّ».

٣٠ ـ والفضل بن روزبهان ، في كتابه المسمّى ب : «إبطال الباطل»(١) .

__________________

(١) ومنهم : محب الدين الطبري ، في ذخائر العقبى : ٨٢ ، فإنّه قال بعد نقله مراجعة عمر إلى عليّعليه‌السلام في قضاياه المشكلة وذكر حكم المرأة التي ولدت لستّة أشهر

قال عمر : اللهمّ لا تنزلن بي شديدة إلاّ وأبو الحسن إلى جنبي!

وذكر أيضا عن يحيى بن عقيل ، قال : كان عمر يقول لعليّ عليه‌السلام إذا سأله ففرّج عنه : لا أبقاني الله بعدك يا عليّ!

قال : وعن أبي سعيد الخدري ، أنّه سمع عمر يقول لعليّ ـ وقد سأله عن شيء فأجابه : أعوذ بالله أن أعيش في يوم لست فيه يا أبا الحسن!

ومنهم : أبو المظفّر يوسف بن قزأغلي الحنفي ، في كتابه «تذكرة خواصّ الأئمّة : ٨٧

٤٠٢

هؤلاء وكثير غيرهم وكلّهم من أجلّة علمائكم وأعلامكم رووا أنّ عمر كان يقول : أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن!

ويقول : كاد يهلك ابن الخطّاب ، لو لا عليّ بن أبي طالب!

ويقول : لو لا عليّ لهلك عمر!

ويقول : لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن!

وغيرها من العبارات المتقاربة من العبارات المذكورة.

النّواب : نرجو من سماحتكم أن تحدّثونا عن بعض القضايا المعضلة التي حكم فيها سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه ، وكذلك عن المسائل المشكلة التي حلّها وأجاب عنها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

قلت : من جملة القضايا قضية رواها جمع من علمائكم

روى ابن الجوزي في كتابه الأذكياء : ١٨ ، وفي كتابه الآخر أخبار الظرّاف : ١٩.

وروى محبّ الدين الطبري ، في كتابه الرياض النضرة : ٢ / ١٩٧ ، وفي كتابه الآخر ذخائر العقبى : ٨٠.

__________________

ط إيران. فقد ذكر قضيّة المرأة التي ولدت لستّة أشهر ، فأمر عمر برجمها ، فمنعهم من ذلك عليّ بن أبي طالب بعد ما بيّن سببه ، فقال عمر : اللهمّ لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب!

ومنهم : المتّقي الحنفي ، في كنز العمال ٣ / ٥٣ ، فإنّه بعد ذكر القضيّة قال : قال عمر : اللهمّ لا تنزل بي شدّة إلاّ وأبو الحسن إلى جنبي.

«المترجم»

٤٠٣

وروى الخطيب الخوارزمي ، في المناقب : ٦٠.

وروى سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ : ٨٧ ، قالوا : عن حنش بن المعتمر ، قال :

إنّ رجلين أتيا امرأة من قريش فاستودعاها مائة دينار وقالا : لا تدفعيها إلى أحد منّا دون صاحبه حتى نجتمع.

فلبثا حولا ، ثمّ جاء أحدهما إليها وقال : إنّ صاحبي قد مات فادفعي إليّ الدنانير ، فأبت ، فثقّل عليها بأهلها ، فلم يزالوا بها حتّى دفعتها إليه.

ثمّ لبثت حولا آخر فجاء الآخر فقال : ادفعي إليّ الدنانير!

فقالت : إنّ صاحبك جاءني وزعم أنّك قد متّ فدفعتها إليه.

فاختصما إلى عمر ، فأراد أن يقضي عليها وقال لها : ما أراك إلا ضامنة.

فقالت : أنشدك الله أن تقضي بيننا ، وارفعنا إلى عليّ بن أبي طالب.

فرفعها إلى عليّعليه‌السلام وعرف أنّهما قد مكرا بها.

فقال : أليس قلتما ، لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه؟

قال : بلى.

قال : فإنّ مالك عندنا ، اذهب فجىء بصاحبك حتّى ندفعها إليكما.

فبلغ ذلك عمر فقال : لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب!

ومن جملة المسائل والقضايا المشكلة التي تحيّر فيها عمر ، وحلّها الإمام عليعليه‌السلام ، مسائل كانت بين عمر وحذيفة بن اليمان ، رواها

٤٠٤

العلاّمة محمد بن يوسف القرشي الكنجي في كتابه «كفاية الطالب» الباب السابع والخمسين ، بإسناده عن حذيفة بن اليمان ، أنّه لقي عمر ابن الخطّاب ، فقال له عمر : كيف أصبحت يا بن اليمان؟

فقال : كيف تريدني اصبح؟! أصبحت والله أكره الحقّ ، وأحبّ الفتنة ، وأشهد بما لم أره ، وأحفظ غير المخلوق ، وأصلّي على غير وضوء ، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء!!

فغضب عمر لقوله ، وانصرف من فوره وقد أعجله أمر ، وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك.

فبينا هو في الطريق إذ مرّ بعليّ بن أبي طالب ، فرأى الغضب في وجهه ، فقال : ما أغضبك يا عمر؟!

فقال : لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت؟

فقال : أصبحت أكره الحقّ!

فقالعليه‌السلام : صدق ، فإنّه يكره الموت وهو حقّ.

فقال : يقول : واحبّ الفتنة!

قالعليه‌السلام : صدق ، فإنّه يحبّ المال والولد ، وقد قال تعالى :( ... أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (١) .

فقال : يا عليّ! يقول : وأشهد بما لم أره!

فقال : صدق ، يشهد لله بالوحدانية ، ويشهد بالموت ، والبعث ، والقيامة ، والجنّة ، والنار ، والصراط ، وهو لم ير ذلك كلّه.

فقال : يا عليّ! وقد قال : إنّني أحفظ غير المخلوق!

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ٢٨.

٤٠٥

قالعليه‌السلام : صدق ، إنّه يحفظ كتاب الله تعالى ـ القرآن ـ وهو غير مخلوق.

قال : ويقول : اصلّي على غير وضوء!

فقال : صدق ، يصلّي على ابن عمّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على غير وضوء.

فقال : يا أبا الحسن! قد قال أكبر من ذلك!

فقالعليه‌السلام : وما هو؟!

قال : قال : إنّ لي في الأرض ما ليس لله في السماء!

قال : صدق ، له زوجة ، وتعالى الله عن الزوجة والولد.

فقال عمر : كاد يهلك ابن الخطّاب لو لا عليّ بن أبي طالب!

قال العلاّمة الكنجي بعد نقله للخبر بطوله :

قلت : هذا ثابت عند أهل النقل ، ذكره غير واحد من أهل السير.

فهذا عمر في المجال العلمي عاجز جاهل ، وساكت خامل ، ولكن نرى الإمام عليّاعليه‌السلام يصول ويقول ، فيردّ شبهات الفضول ، ويقنع ذوي العقول.

وأمّا في المجال الثاني ، وهو الحرب والضرب ، والجهاد والجلاد ، في سبيل الله والمستضعفين من العباد ، فإنا لا نرى أيضا لعمر بن الخطّاب موقفا مشرّفا ، ولا نعرف له صولة أو جولة ، وشجاعة أو بطولة.

بل يحدّثنا التاريخ أنّه لم يثبت أمام الكفّار والمشركين ، وكان سبب انهزام وانكسار المسلمين!

الحافظ : لا نسمح لك أن تتفوّه بهذا الكلام ، ولا نسمح أن تحطّ من شأن عمر (رض) الذي هو أحد مفاخر الإسلام ، ولا ينكر أحد من

٤٠٦

الأعلام والمؤرّخين العظام ، أنّ الفتوحات التي حصلت في الإسلام ، أكثرها وأهمّها كانت في عهد سيّدنا عمر وبأمره وسياسته وحسن قيادته ، وأنت تقول إنّه كان فرّارا من الحروب ، وإنّه سبّب هزيمة المسلمين وانكسارهم!

أتظن أنّنا نسمع هذه الإساءة والإهانة بخليفة سيّد الأنام وأحد زعماء الإسلام ، ونسكت؟!

نحن لا نتحمّل هذا الكلام ، فإما أن تأتي بالدليل والبرهان ، أو تستغفر الله سبحانه وتعالى من الإساءة والإهانة في الحديث والبيان.

قلت : وهل تكلّمت بكلام في طول حوارنا وبحثنا في الليالي الماضية من غير دليل وبرهان؟!

أو هل رويت حديثا من غير أن أذكر له مصدرا وسندا من كتبكم المعتبرة ومصادركم الموثّقة؟!

أما عرفتم أنّي لا أتكلّم عن جهل وتعصّب ، ولا أنحاز إلاّ إلى الحقّ ، وأنّ مدحي وقدحي لا يكون إلاّ بسبب مقبول عند ذوي العقول؟!

وأظنّ إنّما صدرت منكم هذه الزبرة والزفرة والنفرة! حين سمعتم الكلام من رجل شيعي ، فحسبتموه إساءة وإهانة ، وذلك لأنّكم تسيئون الظنّ بنا ، والله عز وجلّ يقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) (١) .

فإنّكم تظنّون أنّ الشيعة يحرّفون التاريخ ، ويضعون الأحاديث ليذمّوا رجالا ويمدحوا آخرين ؛ بينما نحن لا نزيد على الواقع شيئا ، ولا نتكلّم إلاّ نقلا من كتب علمائكم ومحدّثيكم.

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ١٢.

٤٠٧

فلا داعي لتغيّر الحال والغضب ، وشدّة المقال والعتب ، أو أن تنسب إليّ الإساءة باللسان ، والإهانة في البيان! بل من حقّك أن تطالبني بالدليل والبرهان.

وإن أردت منّي ذلك فأقول :

ذكر كثير من علمائكم ومؤرّخيكم ، أنّ القتال الذي لم يحضره الإمام عليّعليه‌السلام لم ينتصر فيه المسلمون ، والذي حضره سجّل فيه النصر والانتصار للدين ، وأهمّها غزوة خيبر ، فإنّ عليّاعليه‌السلام غاب عن المعسكر لرمد أصابه في عينه فأعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الراية لأبي بكر ، فرجع منكسرا ، فأعطاها لعمر بن الخطّاب ، فرجع وهو يجبّن المسلمين وهم يجبّنونه!

الحافظ : ـ وهو غضبان ـ : هذا الكلام من أباطيلكم ، وإلاّ فالمشهور بين المسلمين أنّ الشيخين كانا شجاعين ، وكلّ منهما كان يحمل في صدره قلبا قويّا ليس فيه موضع للخوف والجبن.

قلت : ذكرت لكم مرارا ، أنّ شيعة أهل البيتعليهم‌السلام لا يكذبون ولا يفترون ، لأنّهم يتّبعون الأئمّة الصادقينعليهم‌السلام ، وهم يحسبون الكذب من الذنوب الكبائر ، والافتراء أكبر منه خسائر.

ونحن كما قلت مرارا ، لسنا بحاجة لإثبات عقائدنا وأحقّيّة مذهبنا ، أن نضع الأحاديث ونتمسّك بالأباطيل.

فإنّ غزوة خيبر من أهمّ الغزوات التي سجّلها التاريخ من يومها إلى هذا اليوم ، وجميع مورّخيكم ذكروها باختصار أو بتفصيل ، منهم : الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ٦٢ ، ومحمد بن طلحة في مطالب السئول : ٤٠ وابن هشام في السيرة النبوية ، ومحمد بن يوسف الكنجي في الباب الرابع عشر من «كفاية الطالب» وغير هؤلاء

٤٠٨

من الأعلام ، ولا يقتضي المجلس أن أذكرهم جميعا ، ولكن أهمّهم الشيخين ، البخاري في صحيحه ٢ / ١٠٠ ط مصر سنة ١٣٢٠ هج ، ومسلم في صحيحه ٢ / ٣٢٤ ط مصر سنة ١٣٢٠ هجرية.

فإنّهما كتبا بالصراحة هذه العبارة : «فرجع أيضا منهزما» أي : عمر.

ومن الدلائل الواضحة على هذه القضية الفاضحة ، أشعار ابن أبي الحديد ، فإنّه قال ضمن علويّاته السبع المشهورة :

[«أم تخبر الأخبار في فتح خيبر

ففيها لذي اللب الملبّ أعاجيب

وما أنس لا أنس اللذين تقدّما

وفرّهما والفرّ قد علما حوب

وللراية العظمى وقد ذهبا بها

ملابس ذلّ فوقها وجلابيب

يشلهما من آل موسى شمردل

طويل نجاد السيف أجيد يعبوب

يمجّ منونا سيفه وسنانه

ويلهب نارا غمده والأنابيب

احضر هما أم حضّرا خرج خاضب

وذانهما أم ناعم الخدّ مخضوب

عذرتكما ، إنّ الحمام لمبغض

وإنّ بقاء النفس للنفس محبوب

ليكره طعم الموت والموت طالب

فكيف يلذّ الموت والموت مطلوب؟!»]

٤٠٩

فنحن لا نريد إهانة أحد من الصحابة ، وإنّما ننقل لكم ما حكاه التاريخ ورواه المؤرّخون عنهم ، وبعد هذا عرفنا أنّ عمر ما كان صاحب صولة وجولة ، وشدّة وحدّة ، في الحروب والغزوات التي كانت بين المسلمين وبين أعدائهم ، فكيف نؤوّل الجملة من الآية الكريمة( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) بعمر ونطبّقها عليه؟!

ولكن إذا راجعنا تاريخ الاسلام ودرسنا سيرة الإمام عليّعليه‌السلام وطالعنا تاريخه المبارك ، نجده أشدّ المسلمين على الكفّار في المجال العلمي والمجال الحربي ، والله تعالى يشير إليه بقوله :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) (١) .

الحافظ : إنّك تريد أن تحصر الآية الكريمة التي تصف عامّة المؤمنين ، في شأن عليّ كرم الله وجهه؟!

قلت : لقد أثبتّ لكم أنّي لا أتكلّم بغير دليل ، ودليلي على هذا ، أنّ الآية إذا كانت تصف جميع المؤمنين ، لما فرّوا في بعض الغزوات من الميادين!

الحافظ : هل هذا الكلام من الإنصاف إذ تصف صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذين جاهدوا ذلك الجهاد العظيم ، وفتحوا تلك الفتوحات العظيمة ، وتقول : إنّهم فرّوا؟!

أليس قولك هذا إهانة لصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٥٤.

٤١٠

قلت : أوّلا : أشهد الله سبحانه أنّي لم أقصد إهانة أيّ فرد من الصحابة وغيرهم ، وإنّما الحوار والنقاش يقتضي هذا الكلام.

ثانيا : أنا ما أنسب إليهم الفرار ، ولكنّ التاريخ هكذا يحكم ويقول : إنّ في غزوة أحد ، فرّ الصحابة حتّى كبارهم ، وتركوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طعمة لسيوف المشركين والكفّار ، كما يذكر الطبري والمؤرّخون الكبار ، فما ذا تقولون حول الآية الكريمة التي تشمل اولئك الّذين ولّوا الدبر وفرّوا من الجهاد وخالفوا أمر الله عزّ وجلّ إذ يقول :

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١)

ثالثا : لقد وافقنا في قولنا بأنّ الآية نزلت في شأن الإمام عليّعليه‌السلام كثير من أعلامكم وكبار علمائكم ، منهم : أبو إسحاق الثعلبي ـ الذي تحسبوه إمام أصحاب الحديث في تفسير القرآن ـ قال في تفسير «كشف البيان» في ذيل الآية الكريمة ٥٤ من سورة المائدة : إنما نزلت في شأن الإمام عليّعليه‌السلام ، لأنّ الذي يجمع كلّ المواصفات المذكورة في الآية لم يكن أحد غيره.

ولم يذكر أحد من المؤرّخين من المسلمين وغيرهم ، بأنّ الإمام عليّاعليه‌السلام فرّ من الميدان ، حتّى ولو مرّة ، أو أنّه تقاعد وتقاعس في حروب النبيّ وغزواته مع الكفّار ، ولو في غزوة واحدة.

بل ذكر المؤرّخون أنّه في معركة احد حينما انهزم المسلمون ، حتّى كبار الصحابة ، ثبت الامام عليّعليه‌السلام واستقام واستمرّ في الجهاد

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآيات ١٥ و ١٦.

٤١١

ومقاتلة المشركين الأوغاد ، وهم أكثر من خمسة آلاف مقاتل بين راكب وراجل ، وعليّعليه‌السلام يضرب بالسيف خراطيمهم ويحصد رءوسهم ، فذبّ عن الإسلام ، ودفع الطغام ، عن محمّد سيّد الأنام ، حتّى سمع النّداء من السماء : لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ(١) .

__________________

(١) لقد ذكر هذه الفضيلة الإلهية ، والمنقبة السماوية ، لأسد الله الغالب ، عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كثير من العلماء الأعلام ومشايخ الإسلام ، منهم :ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٩٣ عن شيخه أبي جعفر ، قال : وما كان منه ـ أي : عليّعليه‌السلام ـ من المحاماة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد فرّ الناس وأسلموه ، فتصمد له كتيبة من قريش ، فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ! اكفني هذه. فيحمل عليها فيهزمها ويقتل عميدها ، حتّى سمع المسلمون والمشركون صوتا من قبل السماء :لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي.

ومنهم :

العلاّمة الكنجي القرشي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» في الباب التاسع والستّين ، فقد خصّصه بنداء ملك من السماء : «لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ» ، إلاّ أنّه يروي أنّ ذلك كان يوم بدر ، فراجع.

وأمّا روايته في أحد فقد قال في الباب السابع والستّين ، بإسناده عن أبي رافع ، قال : لمّا كان يوم احد نظر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى نفر من قريش ، فقال لعليّ عليه‌السلام : احمل عليهم ؛ فحمل عليهم فقتل هاشم بن اميّة المخزومي وفرّق جماعتهم.

ثمّ نظر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جماعة من قريش ، فقال لعليّ عليه‌السلام : احمل عليهم ؛ فحمل عليهم وفرّق جماعتهم وقتل فلانا الجمحي.

ثمّ نظر إلى نفر من قريش ، فقال لعليّ عليه‌السلام : احمل عليهم ؛ فحمل عليهم وفرّق جماعتهم وقتل أحد بني عامر بن لؤي.

فقال له جبرئيل : هذه المواساة!

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه منّي وأنا منه.

فقال جبرئيل : وأنا منكم يا رسول الله.

٤١٢

وقد اصيب في جسمه يوم احد بتسعين إصابة غير قابلة للعلاج ، فعالجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ما انتهت المعركة عن طريق الإعجاز ، إذ مسح عليها بريقه المبارك الذي جعل الله فيه بلسم كلّ جرح ، ودواء كل داء.

الحافظ : ما كنت أظنّ أن تفتري على كبار الصحابة إلى هذا الحدّ وتنسبهم إلى الفرار! وهم المجاهدون في سبيل الله وخاصّة الشيخين (رض) فإنّهما ثبتا ودافعا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى آخر لحظة حتّى انتهت المعركة.

قلت : إنّي لست بمفتر ، ولكنّكم ما قرأتم تاريخ الإسلام ، وليس لكم فيه تحقيق وإلمام ، حتّى نطقتم بهذا الكلام!

لقد ذكر المؤرّخون وأصحاب السير : أنّ المسلمين انهزموا في غزوة احد وخيبر وحنين ، أمّا خبر خيبر فقد ذكرته لكم عن صحيح البخاري ومسلم وغيرهما(١) .

__________________

رواه أيضا عن ابن عساكر بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، والحافظ الخطيب البغدادي في ما خرّجه من الفوائد للشريف النسيب ـ كذا ـ انتهى.

وقال ابن أبي الحديد في مقدّمته على «شرح نهج البلاغة» : المشهور المرويّ أنّه سمع من السماء يوم أحد :

لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي.

«المترجم»

(١) لقد ذكر فرار الشيخين وهزيمتهما في معركة خيبر ، كثير من أعلام وعلماء السنّة ، منهم : الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٢٤ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٣٧ ، وفي تلخيص المستدرك ٣ / ٣٧ ، قالوا : عن ابن عبّاس أنّه قال : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى

٤١٣

وأمّا الخبر عن غزوة حنين وفرار المسلمين فيها ، فراجع الجمع بين الصحيحين للحميدي والسيرة الحلبية : ٣ / ١٢٣.

وأمّا فرارهم في غزوة احد ، فحدّث ولا حرج! فقد ذكره عامّة المؤرّخين ، منهم : ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الاسكافي في شرح النهج ١٣ / ٢٧٨ ط دار إحياء التراث العربي ، قال : فرّ المسلمون بأجمعهم ولم يبق معه [النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] إلاّ أربعة : عليّ والزبير وطلحة وأبو دجانة(١) .

__________________

خيبر ، أحسبه قال : أبا بكر ـ والترديد من الراوي ـ فرجع منهزما ومن معه ، فلمّا كان من الغد بعث عمر ، فرجع منهزما يجبن أصحابه ويجبّنه أصحابه.

وروى الحافظ أحمد بن شعيب بن سنان النسائي ، أحد أصحاب الصحاح الستّة ، المتوفّى سنة ٣٠٣ هجرية ، في كتابه «خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام » ط مطبعة التقدّم بالقاهرة ، ص ٥ ، عن علي عليه‌السلام قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر وعقد له لواء فرجع ، وبعث عمر وعقد له لواء فرجع ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لأعطينّ الراية رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ليس بفرّار ؛ فأرسل إليّ وأنا أرمد إلى آخره.

وروى عن بريدة يقول : حاصرنا خيبر فأخذ الراية أبو بكر ولم يفتح له ، فأخذه من الغد عمر فانصرف ولم يفتح له إلى آخره.

ورواه عن طريق آخر عن بريدة الأسلمي ، قال : لمّا كان يوم خيبر ، نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحصن أهل خيبر ، أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللواء عمر ، فنهض فيه من نهض من الناس ، فلقوا أهل خيبر ، فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى آخر.

«المترجم»

(١) لقد ذكر كثير من أعلام السنّة هزيمة عمر في أحد ، منهم :الفخر الرازي في كتابه مفاتيح الغيب ٩ / ٥٢ ، قال : ومن المنهزمين عمر

٤١٤

وروى ابن أبي الحديد في شرح النّهج ١٤ : ٢٥١ ، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة : ٤٣ ، وغيرهما من الأعلام ، قالوا : وسمع ذلك اليوم صوت من قبل السماء ، لا يرى شخص الصارخ به ، ينادي مرارا : لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ علي!

فسئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه ، فقال : هذا جبرائيل ـ والنصّ لابن أبي الحديد ـ.

__________________

ثمّ قال : ومنهم عثمان ، انهزم مع رجلين من الأنصار يقال لهما : سعد وعقبة ، انهزموا حتّى بلغوا موضعا بعيدا ، ثمّ رجعوا بعد ثلاثة أيّام.

والآلوسي في روح المعاني ٤ / ٩٩ ، قال : وأمّا سائر المنهزمين فقد اجتمعوا على الجبل ، وعمر بن الخطّاب كان من هذا الصنف كما في خبر ابن جرير.

وقال النيسابوري في تفسير غرائب القرآن بهامش تفسير الطبري ٤ / ١١٢ ـ ١١٣ : الذي تدل عليه الأخبار في الجملة أنّ نفرا قليلا تولّوا وأبعدوا فمنهم من دخل المدينة ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب ومن المنهزمين عمر.

السيوطي في الدرّ المنثور ٢ / ٨٨ و ٨٩ ، وتفسير جامع البيان ـ للطبري ـ ٤ / ٩٥ و ٩٦ ، قال [عمر] : لمّا كان يوم أحد هزمناهم ، ففررت حتّى صعدت الجبل. فلقد رأيتني أنزو كأنّني أروى!

ثمّ قال السيوطي : أخرج عبد بن حميد عن عكرمة ، قال : كان الّذين ولّوا الدبر يومئذ عثمان بن عفّان وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان أخوان من الأنصار من بني زريق.

وأمّا هزيمة عمر في حنين قال البخاري في صحيحه ، باب قوله تعالى : ( ... وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ) (سورة التوبة ، الآية ٢٥) روى بسنده عن أبي محمد مولى أبي قتادة ، أنّ أبا قتادة قال : لمّا كان يوم حنين نظرت إلى وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطّاب في الناس

البخاري ٣ / ٦٧ ط عيسى البابي الحلبي بمصر. «المترجم»

٤١٥

فكان عليّعليه‌السلام في كلّ الحروب التي خاضها مؤيّدا من عند الله ومنصورا بالملائك.

روى محمد بن يوسف الكنجي القرشي في كتابه «كفاية الطالب» في الباب السابع والعشرين ، بإسناده عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ما بعث عليّ في سريّة إلاّ رأيت جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره والسحابة تظلّه حتّى يرزقه الله الظفر».

وروى الإمام الحافظ النسائي في كتابه خصائص الإمام عليعليه‌السلام ، ص ٨ ط مطبعة التقدّم بالقاهرة ، بسنده عن هبيرة بن هديم ، قال : جمع الناس الحسن بن عليّعليه‌السلام وعليه عمامة سوداء لمّا قتل أبوه ، فقال «قد كان قتلتم بالأمس رجلا ما سبقه الأوّلون ولا يدركه الآخرون ، وإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ويقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، ثمّ لا تردّ رايته حتّى يفتح الله عليه.». إلى آخره.

نعم ، كان النصر معقودا براية الإمام عليّعليه‌السلام وسيفه ، وكان الظفر ينزل على المسلمين في كلّ ميدان ينزل فيه عليّعليه‌السلام ، حتّى قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ما قام الدين وما استقام إلاّ بسيف عليّعليه‌السلام ».

عليّعليه‌السلام حبيب الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

رابعا : الآية الكريمة في سورة المائدة ، تصرّح أنّ المقصودين هم الموصوفون فيها ، يحبّهم الله ويحبّونه وهذه فضيلة ثابتة للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ولم تثبت في حقّ غيره ، وإنّ كان كثير من المؤمنين

٤١٦

والصحابة هم أيضا يحبّهم الله ويحبّونه ولكن غير معنيّين ، أمّا عليّعليه‌السلام فهو معنيّ بهذه الفضيلة كما قال ذلك كثير من الأعلام ، منهم :

العلاّمة الكنجي الشافعي في الباب السابع من كتابه «كفاية الطالب» روى بإسناده عن ابن عبّاس ، أنّه قال : كنت أنا وأبي ـ العبّاس ـ جالسين عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ دخل عليّ بن أبي طالب ، وسلّم ، فردّ عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبش وقام إليه واعتنقه ، وقبّل بين عينيه ، وأجلسه عن يمينه ؛ فقال العبّاس : أتحبّ هذا يا رسول الله؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «يا عمّ رسول الله! والله ، الله أشدّ حبّا له منّي».

وروى في الباب الثالث والثلاثين ؛ بإسناده عن أنس بن مالك ، قال : اهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر وكان يعجبه أكله ، فقال : اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي من هذا الطائر.

فجاء عليّ بن أبي طالب.

فقال : استأذن على رسول الله.

قال : قلت : ما عليه إذن.

وكنت أحبّ أن يكون رجلا من الأنصار.

فذهب ثمّ رجع فقال : استأذن لي عليه.

فسمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلامه ، فقال «ادخل يا عليّ ؛ ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ وإليّ ، اللهمّ وإليّ ـ» أي هو أحبّ الخلق إليّ أيضا ـ.

وذكرنا لكم في المجالس الماضية مصادر هذا الخبر الذي تلقّاه العلماء كلّهم بالصحّة والقبول ، وهو دليل قاطع ، وبرهان ساطع ، على أنّ عليّاعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الله سبحانه وإلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤١٧

إعطاؤه الراية يوم خيبر

ومن أهمّ الدلائل على أنّ عليّاعليه‌السلام هو المقصود بالآية الكريمة( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) حديث الراية لفتح خيبر ، وقد نقله كبار علمائكم ، ومشاهير أعلامكم ، منهم :

البخاري في صحيحه ج ٢ كتاب الجهاد ، باب دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وج ٣ كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ، ومسلم في صحيحه ٢ / ٣٢٤ ، والإمام النسائي في «خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والترمذي في السنن ، وابن حجر العسقلاني في الإصابة ٢ / ٥٠٨ ، وابن عساكر في تاريخه ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، وابن ماجة في السنن ، والشيخ الحافظ سليمان في «ينابيع المودّة» الباب السادس ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة ، ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي ، في «كفاية الطالب» الباب الرابع عشر ، ومحمد بن طلحة في «مطالب السئول» الفصل الخامس ، والحافظ أبو نعيم في «حلية الأولياء» والطبراني في الأوسط ، والراغب الأصفهاني في محاضرات الأدباء ٢ / ٢١٢.

ولا أظنّ أنّ أحدا من المؤرّخين أهمل الموضوع أو أحدا من المحدّثين أنكره ، حتّى إنّ الحاكم ـ بعد نقله له ـ يقول : هذا حديث دخل في حدّ التواتر ؛ والطبراني يقول : فتح عليّعليه‌السلام لخيبر ثبت بالتواتر.

وخلاصة ما نقله الجمهور ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاصر مع المسلمين قلاع اليهود ومنها قلعة خيبر ، عدة أيّام ، فبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر مع الجيش وناوله الراية وأمره أن يفتح ، ولكنّه رجع منكسرا

٤١٨

عاجزا عن الفتح ، فأخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الراية وأعطاها لعمر بن الخطّاب وأرسله مع الجيش ليفتح خيبر ، ولكنّه رجع منهزما يجبّن المسلمين وهم يجبّنونه.

فلمّا رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خور أصحابه وتخاذلهم وانهزامهم أمام ثلّة من اليهود ، غضب منهم وأخذ الراية فقال «لأعطين الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، كرّارا غير فرّار ، لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه».

ـ ولا يخفى تعريض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلامه بالفارّين ـ.

فبات المسلمون ليلتهم يفكّرون في كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن يكون مقصوده ومراده؟!

فلمّا أصبح الصباح اجتمعوا حول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والراية بيده المباركة ، فتطاولت أعناق القوم طمعا منهم بها أو ظنّا بأنّه سيناولهم الراية ، لكنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجال بصره في الناس حوله وافتقد أخاه ومراده عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقال «أين ابن عمّي عليّ؟».

فارتفعت الأصوات من كلّ جانب : إنّه أرمد يا رسول الله!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليّ به».

فجاءوا بالإمام عليّعليه‌السلام وهو لا يبصر موضع قدمه ، فسلّم وردّ النبيّ عليه وسأله «ما تشتكي يا عليّ؟ فقالعليه‌السلام : صداع في رأسي ، ورمد في عيني».

فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا من ريقه المبارك ومسح به على جبين الإمام عليهعليه‌السلام وقال «اللهمّ قه الحرّ والبرد» ودعا له بالشفاء ، فارتدّ بصيرا.

وإلى هذه المنقبة يشير حسّان في شعره فيقول :

٤١٩

«وكان عليّ أرمد العين يبتغي

دواء فلمّا لم يحسّ مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلة

فبورك مرقيّا وبورك راقيا

وقال سأعطي الراية اليوم فارسا

كميّا شجاعا في الحروب محاميا

يحبّ الإله والإله يحبّه

به يفتح الله الحصون الأوابيا

فخصّ بها دون البريّة كلّها

عليّا وسمّاه الوصيّ المؤاخيا»

فأعطى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الراية لعليّعليه‌السلام وقال «خذ الراية! جبرئيل عن يمينك ، وميكائيل عن يسارك ، والنصر أمامك ، والرعب مبثوث في قلوب القوم ، فإذا وصلت إليهم فعرّف نفسك وقل : أنا عليّ بن أبي طالب ، فإنّهم قرءوا في صحفهم أنّ الذي يدمّر عليهم الحصون ويفتحها اسمه إيليا ، وهو أنت يا عليّ!»

فأخذ عليّعليه‌السلام الراية وهرول بها نحو القلاع حتّى وصل إلى باب خيبر وهو أهم تلك الحصون والقلاع ، فطلب المبارزة ، فخرج إليه مرحب مع جماعة من أبطال اليهود ، فهزمهم عليّعليه‌السلام مرّتين ، وفي المرّة الثالثة لمّا برزوا وحمل عليهم عليّعليه‌السلام ضرب بالسيف على رأس مرحب فوصل إلى أضراس مرحب وسقط على الأرض صريعا ،

٤٢٠

وسجّل النصر للمسلمين(١) .

ونقل ابن الصبّاغ في «الفصول المهمّة» عن صحيح مسلم ، وكذلك روى الإمام النسائي في خصائص الإمام عليّ : ٧ ط مطبعة التقدّم بالقاهرة ، قال عمر بن الخطّاب : ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذ إلى آخره.

وأخرج السيوطي في «تاريخ الخلفاء» وابن حجر في «الصواعق» والديلمي في «فردوس الأخبار» بإسنادهم عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : لقد اعطي عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من أن أعطى حمر النّعم ؛ فسئل : ما هي؟

قال : تزويجه فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسكناه المسجد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحلّ له فيه ما يحلّ له ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر(٢) .

__________________

(١) لمّا رأى اليهود قتل مرحب وهو قائدهم وصاحب رايتهم ، انهزموا ودخلوا الحصن وأغلقوا الباب ، وبدءوا يرمون المسلمين بالنبال من سطح الحصن ، فهجم عليّعليه‌السلام على باب الحصن وقلعه من مكانه وجعله ترسا يصدّ به سهام القوم ونبالهم. وكان الباب عظيما منحوتا من الصخر ؛ يقول ابن أبي الحديد في قصائده العلوية مشيرا إلى ذلك الموقف المشرّف :

يا قالع الباب الذي عن هزّه

عجزت أكفّ أربعون وأربع

أأقول فيك سميدع كلاّ ولا

حاشا لمثلك أن يقال سميدع

إلى آخر أبياته «المترجم»

(٢) لقد اشتهر هذا الخبر عن عمر وذكره كثير من أعلام السنّة ، وإضافة إلى من ذكرهم المؤلّف فإنّي أذكر بعض من أعرف من العلماء الّذين رووا الخبر عن عمر ، منهم عبيد الله الحنفي في «أرجح المطالب» والحاكم في المستدرك ٣ / ١٢٥ ، وابن حجر الهيثمي في الصواعق : ٧٨ ، والإمام أحمد في «المسند» عن ابن عمر ، وابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٧ / ٣٤١ ، والمتّقي الحنفي في كنز العمّال ٦ / ٣٣٩

٤٢١

فالخبر ثابت لا ينكره إلا المعاندون الجاهلون الّذين ليس لهم اطّلاع على تاريخ الاسلام وغزوات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والآن فقد ثبت للحاضرين ، وخاصة العلماء والمشايخ ، بأنّي لا أتكلّم من غير دليل ، ولم أقصد إهانة الصحابة ، بل مقصدي بيان الواقع وكشف الحقائق ، التي منها الاستدلال بالتاريخ والحديث والعقل والنقل ، بأنّ جملة( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) في الآية الكريمة تنطبق على الإمام عليّعليه‌السلام قبل أن تنطبق على غيره كائنا من كان.

وهذا لم يكن قولي أنا فحسب ، بل كثير من أعلامكم صرّحوا به ، منهم العلاّمة الكنجي في «كفاية الطالب» في الباب الثالث والعشرين ، فإنّه يروي حديثا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشبّه فيه عليّاعليه‌السلام بالأنبياء ، وفي تشبيهه بنوحعليه‌السلام يقول العلاّمة الكنجي : وشبّه بنوح لأنّ علياعليه‌السلام كان شديدا على الكافرين ، رءوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله :( ... وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) (١) وأخبر الله عزّ وجلّ عن شدّة نوح على الكافرين بقوله :( ... رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) (٢) انتهى.

فعليّعليه‌السلام هو المصداق الأجلى والأظهر لجملة( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) (٣) .

__________________

ح ٦٠١٣ ـ ٦٠١٥ ، والموفّق بن أحمد الخطيب الخوارزمي في المناقب : ٢٣٢. «المترجم».

(١) سورة الفتح ، الآية ٢٩.

(٢) سورة نوح ، الآية ٢٦.

(٣) الّذي يعرف من الأخبار والتواريخ أنّ عمر بن الخطّاب كان شديدا على المسلمين ،

٤٢٢

__________________

ولكي تعرف الحقيقة والواقع أنقل لك بعضها :

قال ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة : ١٩ ط مطبعة الامّة بمصر سنة ١٣٢٨ ه‍ : فدخل عليه المهاجرون والأنصار حين بلغهم أنّه استخلف عمر ، فقالوا : نراك استخلفت علينا عمر ، وقد عرفته وعلمت بوائقه فينا ، وأنت بين أظهرنا ، فكيف إذا ولّيت عنّا؟!

بوائقه ، غوائل وشروره. النهاية.

وروى السيوطي في تاريخ الخلفاء ٨٢ :

عن أسماء بنت عميس ، أنّها قالت : دخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقال : استخلفت على الناس عمر! وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه ، فكيف إذا خلا بهم وأنت لاق ربّك؟!

ونقل الديار بكري في تاريخ الخميس ٢ / ٢٤١ :

قال طلحة لأبي بكر : أتولّي علينا فظّا غليظا؟! ما تقول لربّك إذا لقيته؟!

وروى الديار بكري في نفس الصفحة ، عن جامع بن شدّاد ، عن أبيه ، أنّه قال :

كان أوّل كلام تكلّم به عمر حين صعد المنبر أن قال : اللهمّ إنّي شديد فليّنّي ، وإنّي ضعيف فقوّني ، وإنّي بخيل فسخّني.

ونقل ابن الأثير في تاريخه الكامل ٣ / ٥٥ ، والطبري في تاريخه ٥ / ١٧ ، أنّ عمر خطب أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت : يغلق بابه ، ويمنع خيره ، ويدخل عابسا ، ويخرج عابسا!!

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ١٨٣ ط دار إحياء التراث العربي.

وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهيّة ظاهرة.

وقال في ج ١٠ / ١٨١ ط دار إحياء التراث العربي :

وإنّما الرجل [عمر] كان مطبوعا على الشدّة والشراسة والخشونة!

أقول : أظهر شراسته وخشونته وشدّته على آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي هجومه على بيت فاطمة البتول وقرّة عين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من أيّ مكان آخر!!

٤٢٣

__________________

قال ابن عبد ربّه الأندلسي في العقد الفريد ٢ / ٢٠٥ ط المطبعة الأزهرية :

الّذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر : عليّ والعبّاس والزبير وسعد بن عبادة. فأما عليّ والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم.

فأقبل بقبس من نار ، على أن يضرم عليهم الدار!

فلقيته فاطمة ، فقالت : يا ابن الخطاب! أجئت لتحرق دارنا؟!

قال : نعم!

ونقل الشهرستاني في الملل والنحل ١ / ٥٧ عن النظّام ، قال :

إنّ عمر ضرب بطن فاطمةعليها‌السلام يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها! وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين.

وقال الصفدي في الوافي بالوفيات ٦ / ١٧ :

إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسّن من بطنها!

وأخرج البلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٥٨٦ ، عن سليمان التيمي وعن ابن عون : إنّ أبا بكر أرسل إلى عليّ يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ؛ فتلقّته فاطمة على الباب فقالت : يا ابن الخطّاب! أتراك محرّقا عليّ بابي؟!

قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك!!

أقول : وهل بعد الجملة الأخيرة يقال : إنّ عمر كان مؤمنا؟!!

وقال الأستاذ عبد الفتّاح عبد المقصود في كتابه السقيفة والخلافة : ١٤ :

أتى عمر بن الخطّاب منزل عليّ وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجن إلى البيعة.

قال : ثمّ تطالعنا صحائف ما أورد المؤرّخون بالكثير من أشباه هذه الأخبار المضطربة التي لانعدم أن نجد من بينها من عنف عمر ما يصل به إلى الشروع في قتل

٤٢٤

وأمّا قولكم بأنّ جملة( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) تنطبق على عثمان بن عفّان ، وهي إشارة إلى مقام الخلافة في المرتبة الثالثة ، وأنّ عثمان كان رقيق القلب ، بالمؤمنين رءوفا رحيما

فنحن لا نرى ذلك من صفات عثمان ، بل التاريخ يحدّثنا على عكس ذلك ، وأرجو أن لا تسألوني توضيح الموضوع أكثر من هذا ؛ لأنّي أخاف أن تحملوا حديثي على الإساءة والإهانة بمقام الخليفة الثالث. ولا احبّ أن أزعجكم.

الحافظ : نحن لا نضجر إذا لم يكن حديثك فحشا ، وكان مدعما بالدليل ومطابقا للواقع مع ذكر الأسناد والمصادر.

قلت : أوّلا : إنّي ما كنت ولم أكن فحّاشا ، بل سمعت الفحش وأجبت بالمنطق والبرهان!

__________________

عليّ أو إحراق بيته على من فيه! فلقد ذكر أنّ أبا بكر أرسل عمر بن الخطّاب ومعه جماعة بالنار والحطب إلى دار عليّ وفاطمة والحسن والحسين ليحرقوه بسبب الامتناع عن بيعته ، فلمّا راجع عمر بعض الناس قائلين : إنّ في البيت فاطمة! قال : وإن!!

وقال عمر رضا كحّالة : فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده ، لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها. فقيل له : يا أبا حفص! إنّ فيها فاطمة! قال : وإن.

أقول : لقد نظم هذه الواقعة شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدة تحت عنوان : عمر وعليّ ، مطبوعة في ديوانه ١ / ٧٥ ط دار الكتب المصرية :

وقولة لعليّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرّقت دارك لا ابقي بها أحدا

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها

«المترجم»

٤٢٥

ثانيا : هناك أدلّة كثيرة على خلاف ما ذهبتم في شأن عثمان ، فإنّ جملة( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) لا تنطبق عليه أبدا ، ولإثبات قولي اشير إلى بعض الدلائل ، وأترك التحكيم والقضاء للحاضرين الأعزّاء.

سيرة عثمان

لقد أجمع المؤرّخون والأعلام ، مثل : ابن خلدون ، وابن خلّكان ، وابن أعثم الكوفي ، وأصحاب الصحاح كلّهم ، والمسعودي في مروج الذهب ١ / ٤٣٥ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والطبري في تاريخه ، وغيرهم من علمائكم ، قالوا : إنّ عثمان بن عفّان حينما ولي الخلافة سار على خلاف سنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الشيخين ، ونقض العهد الذي عاهده عليه عبد الرحمن بن عوف في مجلس الشورى حين بايعه على كتاب الله وسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الشيخين ، وأن لا يسلّط بني أميّة على رقاب المسلمين.

ولكن حينما استتبّ له الأمر خالف العهد ، وتعلمون بأنّ نقض العهد من كبائر الذنوب ، والقرآن الحكيم يصرّح بذلك.

قال تعالى :( ... وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً ) (١) .

وقال تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) (٢) .

الحافظ : نحن لا نعلم لذي النورين خلافا ، وإنّما هذا قولكم ومن مزاعم الشيعة ، ولا دليل عليه!

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ٣٤.

(٢) سورة الصفّ ، الآية ٢ و ٣.

٤٢٦

قلت : راجعوا شرح النهج ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٩٨ ط دار إحياء التراث العربي ، فإنّه قال : وثالث القوم هو عثمان بن عفّان بايعه الناس بعد انقضاء الشورى واستقرار الأمر له ، وصحّت فيه فراسة عمر ، فإنّه أوطأ بني اميّة رقاب الناس ، وولاّهم الولايات ، وأقطعهم القطائع ، وافتتحت إفريقية في أيّامه فأخذ الخمس كلّه فوهبه لمروان.

وأعطى عبد الله بن خالد أربعمائة ألف درهم.

وأعاد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة ، بعد أن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سيّره ـ أي : نفاه من المدينة ـ ثمّ لم يردّه أبو بكر ولا عمر! وأعطاه مائة ألف درهم.

وتصدّق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بموضع سوق بالمدينة ـ يعرف بمهزوز ـ على المسلمين ، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان.

وأقطع مروان فدك ، وقد كانت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلبتها بعد وفاة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تارة بالميراث ، وتارة بالنحلة ، فدفعت عنها.

وحمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلّهم إلاّ عن بني اميّة.

وأعطى عبد الله بن أبي السّرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة ، من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين.

وأعطى أبا سفيان بن حرب(١) مائتي ألف من بيت المال ، في اليوم

__________________

(١) ربّما يتساءل القارئ : من كان أبو سفيان؟ ولما ذا يمنحه عثمان هذا المبلغ من بيت مال المسلمين؟ أكان هذا العطاء من أجل خدمة قدّمها للدين؟!

٤٢٧

الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال ، وقد كان زوّجه ابنته أمّ أبان. فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ، فوضعها بين يدي عثمان وبكى وقال : والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا!

فقال : ألق المفاتيح يا ابن أرقم ، فإنّا سنجد غيرك!

وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة ، فقسّمها كلّها في بني اميّة.

وأنكح الحارث بن الحكم ـ أخا مروان ـ ابنته عائشة ، فأعطاه مائة ألف من بيت المال ، بعد طرده زيد بن أرقم عن خزانته.

وانضمّ إلى هذه الأمور ، امور اخرى نقمها عليه المسلمون ، كتسيير أبي ذرّرحمه‌الله تعالى إلى الرّبذة ، وضرب عبد الله بن مسعود حتّى كسر أضلاعه ، وما أظهر من الحجّاب. والعدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود وردّ المظالم وكفّ الأيدي العادية والانتصاب لسياسة الرعية!

__________________

فأنا أنقل قضيّة تاريخية حتّى يعرف القارئ الكريم جواب ما تساءل عنه :

روى ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩ / ٥٣ ط دار إحياء التراث العربي ، عن الشعبي ، أنّه قال :

فلمّا دخل عثمان رحله ـ بعد ما بويع له بالخلافة ـ دخل إليه بنو اميّة حتى امتلأت بهم الدار ، ثم أغلقوها عليهم ، فقال أبو سفيان بن حرب : أعندكم أحد من غيركم؟

قالوا : لا.

قال : يا بني اميّة! تلقّفوها تلقّف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ، ما من عذاب ولا حساب ، ولا جنّة ولا نار ، ولا بعث ولا قيامة!! «المترجم»

٤٢٨

وختم ذلك ما وجدوه من كتابه إلى معاوية يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين إلى آخره.

هذا كلام ابن أبي الحديد في عثمان بن عفّان.

وذكر المسعودي في مروج الذهب ٢ / ٣٤١ ـ ٣٤٣ :

فقد بلغت ثروة الزبير خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضياعا وخططا في البصرة والكوفة ومصر والإسكندرية ، وكانت غلّة طلحة بن عبيد الله(١) من العراق كلّ يوم ألف دينار ، وقيل أكثر.

وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف مائة فرس ، وله ألف بعير ، وعشرة آلاف شاة ، وبلغ ربع ثمن ماله بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا.

وحين مات زيد بن ثابت خلّف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفئوس غير ما خلّف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار.

ومات يعلى بن منية وخلّف خمسمائة ألف دينار وديونا وعقارات وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار.

أمّا عثمان نفسه فكان له يوم قتل عند خازنه مائة وخمسون

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢ / ١٦١ ط دار إحياء التراث العربي :

قال أبو جعفر ـ الطبري ، صاحب التاريخ ـ : وكان لعثمان على طلحة بن عبيد الله خمسون ألفا ، فقال طلحة له يوما : قد تهيّأ مالك فاقبضه ، فقال : هو لك معونة على مروءتك.

وقال ابن أبي الحديد في ج ٩ / ٣٥ : روي أن عثمان قال : ويلي على ابن الحضرمية ـ يعني : طلحة ـ أعطيته كذا وكذا بهارا ذهبا. وهو يروم دمي يحرّض على نفسي.

قال : والبهار : الحمل ؛ قيل : هو ثلاثمائة رطل بالقبطية.

«المترجم»

٤٢٩

ألف دينار وألف ألف [أي : مليون] درهم ، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار ، وخلّف خيلا كثيرا وإبلا.

ثمّ قال المسعودي بعد ذلك : وهذا باب يتّسع ذكره ، ويكثر وصفه فيمن تملّك الأموال في أيّامه.

انتهى كلام المسعودي.

هكذا كان عثمان وحاشيته يتسابقون في كنز الذهب والفضة ، وجمع الخيل والإبل والمواشي ، وامتلاك الاراضي والعقار ، في حين كان كثير من المسلمين المؤمنين لا يملكون ما يسدّون به جوعهم ويكسون به أجسامهم.

أكان هذا السلوك يليق بمن يدّعي خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهل كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك؟!

كلاّ وحاشا ، ولا شكّ أنّ عثمان خالف طريقة أبي بكر وناقض سيرة عمر أيضا ، وكان هو قد عاهد على أن يسلك سبيلهما.

ذكر المسعودي في مروج الذهب ، ج ١ ، في ذكره سيرة عثمان وأخباره ، فقال بالمناسبة : إنّ الخليفة عمر مع ولده عبد الله ذهبا إلى حجّ بيت الله الحرام ، فلما رجع إلى المدينة كان ما صرفه في سفره ستّة عشر دينارا ، فقال لابنه : ولدي لقد أسرفنا في سفرنا هذا.

فاستدلّوا على تبذير عثمان لأموال المسلمين بكلام عمر بن الخطّاب ، وشاهدوا كم الفرق بينهما؟!

توليته بني اميّة

إنّ عثمان مكّن فسّاق بني اميّة وفجّارهم من بلاد المسلمين ،

٤٣٠

وسلّطهم على رقاب المؤمنين وأموالهم(١) ، فاتّخذوا أموال الله دولا ، وعباده خولا ، وسعوا في الأرض فسادا ، منهم : عمّه الحكم بن أبي العاص وابنه مروان ، وهما ـ كما نجد في التاريخ ـ طريدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد لعنهما ونفاهما من المدينة إلى الطائف.

الحافظ : ما هو دليلكم على لعن هذين بالخصوص؟

قلت : دليلنا على لعنهما من جهتين ، جهة عامة ، وجهة خاصّة.

أمّا الجهة العامّة : فهما غصنان من الشجرة الملعونة في القرآن ، بقوله تعالى :( ... وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٢) .

وقد فسّرها أعلام المفسّرين وكبار المحدّثين ، ببني اميّة ، منهم : الطبري والقرطبي والنيسابوري والسيوطي والشوكاني والآلوسي ، وابن أبي حاتم والخطيب البغدادي وابن مردويه والحاكم المقريزي والبيهقي وغيرهم ، فقد رووا في تفسير الآية الكريمة عن ابن عبّاس أنّه

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩ / ٢٤ ط دار إحياء التراث العربي :

وروى شيخنا أبو عثمان الجاحظ ، عن زيد بن أرقم ، قال :

سمعت عثمان وهو يقول لعليّعليه‌السلام : أنكرت عليّ استعمال معاوية ، وأنت تعلم أن عمر استعمله!

قال عليّعليه‌السلام : نشدتك الله! ألا تعلم أنّ معاوية كان أطوع لعمر من يرفأ غلامه! إنّ عمر كان إذا استعمل عاملا وطئ على صماخه ، وإنّ القوم ركبوك وغلبوك واستبدّوا بالأمر دونك.

فسكت عثمان! «المترجم»

(٢) سورة الإسراء ، الآية ٦٠.

٤٣١

قال : الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أميّة ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى فيما يراه النائم أنّ عددا من القردة تنزو على منبره وتدخل محرابه ، فلمّا استيقظ من نومه نزل عليه جبرئيل وأخبره : أنّ القردة التي رأيتها في رؤياك إنّما هي بنو اميّة ، وهم يغصبون الخلافة والمحراب والمنبر طيلة ألف شهر(١) .

وأمّا الفخر الرازي فيروي في تفسيره عن ابن عبّاس : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسمّي من بني اميّة الحكم بن أبي العاص ويخصّه باللعن.

وأمّا الجهة الخاصّة في لعنهما ، فالروايات من الفريقين كثيرة :

أمّا روايات الشيعة فلا أذكرها ، وأكتفي بذكر ما نقله كبار علمائكم ومحدّثيكم ، منهم : الحاكم النيسابوري في المستدرك ٤ / ٤٨٧ ، وابن حجر الهيتمي المكّي في «الصواعق» قال : وصحّحه الحاكم ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي من أمّتي قتلا وتشريدا ، وإنّ أشدّ

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد فى شرح النهج ٩ / ٢٢٠ ط دار إحياء التراث العربي ، قال في تفسير قوله تعالى :( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ) فإنّ المفسّرين قالوا : رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرؤيا بني أميّة ينزون على منبره نزو القردة ـ هذا لفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي فسّر لهم الآية ـ فساءه ذلك ، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الشجرة الملعونة ، بنو اميّة وبنو المغيرة».

ونحوه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتّخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا».

وورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذمّهم الكثير المشهور ، نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أبغض الأسماء إلى الله : الحكم وهشام والوليد».

وفي خبر آخر : «اسمان يبغضهما الله : مروان والمغيرة ...»

هذا ما أردنا نقله من ابن أبي الحديد.

«المترجم»

٤٣٢

قومنا لنا بغضا بنو اميّة وبنو المغيرة وبنو مخزوم.

قال : ومروان بن الحكم كان طفلا ، قال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وهو الوزغ بن الوزغ ، والملعون بن الملعون.

وروى ابن حجر أيضا ، والحلبي في السيرة الحلبيّة ١ / ٣٣٧ ، والبلاذري في أنساب الأشراف ٥ / ١٢٦ ، والحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» والحاكم في المستدرك ٤ / ٤٨١ ، والدميري في حياة الحيوان ٢ / ٢٩٩ ، وابن عساكر في تاريخه ، ومحبّ الدين الطبري في «ذخائر العقبى» وغير هؤلاء ، كلهم رووا عن عمر بن مرّة الجهني : أنّ الحكم بن أبي العاص استأذن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف صوته. فقال : «ائذنوا له ، عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه ، إلاّ المؤمن منهم وقليل ما هم».

ونقل الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير ، في ذيل الآية :( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) أنّ عائشة كانت تقول لمروان : لعن الله أباك وأنت في صلبه. فأنت بعض من لعنه الله!

والمسعودي في مروج الذهب ١ / ٤٣٥ يقول : مروان بن الحكم طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أخرجه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفاه من المدينة.

إنّ أبا بكر وعمر لم يأذنا له بالرجوع إلى المدينة ، ولكنّ عثمان خالف النبيّ والشيخين ، فأجاز مروان بالإقامة في المدينة ، وزوّجه ابنته أمّ أبان ، ومنحه الأموال ، وفسح له المجال حتّى أصبح صاحب الكلمة النافذة في الدولة(١) .

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ١٢ نقلا عن قاضي القضاة عبد الجبّار : حتّى

٤٣٣

وقال ابن أبي الحديد ـ نقلا عن بعض أعلام عصره ـ : إنّ عثمان سلّم عنانه إلى مروان يصرفه كيف شاء ، الخلافة له في المعنى ولعثمان في الاسم.

النوّاب : من كان الحكم بن أبي العاص؟ ولما ذا لعنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفاه من المدينة؟

قلت : هو عمّ الخليفة عثمان ؛ وقد ذكر الطبري وابن الأثير في التاريخ والبلاذري في أنساب الأشراف ٥ / ١٧ : أنّ الحكم بن أبي العاص كان في الجاهلية جارا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان كثيرا ما يؤذي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة ، ثمّ جاء إلى المدينة بعد عام الفتح ، وأسلم في الظاهر ، ولكنّه كان يسعى لأن يحقّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحاول أن يحطّ من شأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الناس. وكان يمشي خلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويبدي من نفسه

__________________

كان من أمر مروان وتسلّطه عليه [عثمان] وعلى أموره ما قتل بسببه ، وذلك ظاهر لا يمكن دفعه.

وقال في ج ١٠ / ٢٢٢ نقلا عن أبي جعفر النقيب أنه كان يقول في عثمان : إنّ الدولة في أيّامه كانت على إقبالها وعلوّ جدّها ، بل كانت الفتوح في أيّامه أكثر ، والغنائم أعظم ، لو لا أنّه لم يراع ناموس الشيخين ، ولم يستطع أن يسلك مسلكهما ، وكان مضعّفا في أصل القاعدة ، مغلوبا عليه ، وكثير الحبّ لأهله ، وأتيح له من مروان وزير سوء أفسد القلوب عليه ، وحمل الناس على خلعه وقتله.

وقال ابن أبي الحديد أيضا في شرح النهج ٩ / ٢٥ و ٢٦ ط دار إحياء التراث العربي ، نقلا عن جعفر بن مكّي الحاجب ، عن محمّد بن سليمان حاجب الحجّاب : وكان عثمان مستضعفا في نفسه ، رخوا ، قليل الحزم ، واهي العقيدة ، وسلّم عنانه إلى مروان يصرفه كيف شاء ، الخلافة له في المعنى ولعثمان في الاسم

«المترجم»

٤٣٤

حركات وإشارات يتسهزئ بها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجرّئ على السخرية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

فدعا عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبقى على الحالة التي كان عليها ، فبقي على حالة غريبة تشبه الجنون ، وصار الناس يستهزءون به ويسخرون منه.

فذهب يوما إلى بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أعلم ما صدر منه ، إلاّ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وقال «لا يشفّع أحد للحكم!».

ثمّ أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفيه مع أولاده وعياله ، فأخرجه المسلمون من المدينة ، فأقام في الطائف.

ولمّا ولي أبو بكر الخلافة شفع له عثمان عند الخليفة ليأذن له بالرجوع إلى المدينة ، ولكنّه رفض ، وبعده شفع له عثمان عند عمر ، فرفض ، وقالا : هو طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا نعيده ولا نأذن له أن يقيم في المدينة.

فلمّا آل الأمر إليه وأصبح هو الخليفة بعد عمر ، أعاد الحكم مع أولاده الى المدينة وأحسن إليهم كثيرا ولم يعبأ بمخالفة الصحابة واعتراض المؤمنين ، بل منحهم أموال بيت المال ، ونصب مروان بن الحكم وزيرا واتخذه مشيرا ، فجمع حوله أشرار بني أميّة وأسند إليهم الأمور والولايات.

فجور وإليه في الكوفة

فولّى على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وهو أخو عثمان لأمّه ، واسمها أروى ، وقد صرّح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه من أهل النار! كما في

٤٣٥

رواية المسعودي في مروج الذهب ، ج ١ ، في أخبار عثمان ، وكان فاسقا متجاهرا بالشرور ، ومتظاهرا بالفجور.

وذكر أبو الفداء في تاريخه ، والمسعودي في مروج الذهب وأبو الفرج في الأغاني ٤ / ١٧٨ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : ١٠٤ ، والإمام أحمد في المسند ١ / ١٤٤ ، والطبري في تاريخه ٥ / ٦٠ ، والبيهقي في سننه ٨ / ٣١٨ ، وابن الأثير في اسد الغابة ٥ / ٩١ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ١٨ ط دار إحياء التراث العربي.

هؤلاء وغيرهم من أعلام السّنة ذكروا : أنّ الوليد بن عقبة ـ والي الكوفة من قبل عثمان ـ شرب الخمر ودخل المحراب سكرانا وصلّى الصبح بالناس أربع ركعات وقال لهم : إن شئتم أزيدكم!!

وبعضهم ذكر بأنّه تقيّأ في المحراب ، فشمّ الناس منه رائحة الخمر ، فأخرجوا من إصبعه خاتمه ولم يشعر بذلك ، فشكوه إلى عثمان ، فهدّد الشهود وأبى أن يجري الحدّ عليه ، فضغط عليه الإمام عليّعليه‌السلام والزبير وعائشة وغيرهم من الصحابة ، حتّى اضطرّ إلى ذلك ، فعزله وأرسل سعيد بن العاص مكانه ، وهو لا يقلّ عن ذاك في الخمر والمجون والفسق والفجور.

وولى على البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر وعمره خمس وعشرون سنة ، وكان معاوية عاملا لعمر علي دمشق والأردن ، فضمّ إليه عثمان ولاية حمص وفلسطين والجزيرة(١) .

__________________

(١) نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ٤ / ٧٩ ط دار إحياء التراث العربي ، قال :

وروى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلّم رحمه‌الله تعالى ، عن نصر بن عاصم

٤٣٦

هؤلاء وأمثالهم ما كانوا من ذوي السابقة في الدين والجهاد في الإسلام ، وإنّما كانوا متّهمين في دينهم ، بل كان فيهم مثل الوليد بن عقبة الذي أعلن القرآن فسقه كما يحدّثنا المفسّرون في ذيل الآية

__________________

الليثي ، عن أبيه ، قال : أتيت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس يقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله! فقلت : ما هذا؟! قالوا : معاوية قام الساعة ، فأخذ بيد أبي سفيان ، فخرجا من المسجد ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لعن الله التابع والمتبوع : ربّ يوم لامّتي من معاوية ذي الاستاه ـ يعني الكبير العجز ـ».

وقال : روى العلاء بن حريز القشيري ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لمعاوية «لتتّخذنّ يا معاوية البدعة سنّة ، والقبح حسنا ، أكلك كثير ، وظلمك عظيم».

وفي صفحتي ٨٠ و ٨١ نقل ابن أبي الحديد عن شيخه ، قال :

قال شيخنا أبو القاسم البلخي : من المعلوم الذي لا ريب فيه ـ لاشتهار الخبر به ، وإطباق الناس عليه ـ أنّ الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان يبغض عليّا ويشتمه ، وأنّه هو الذي لاحاه في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونابذه ، وقال له : أنا أثبت منك جنانا ، وأحدّ سنانا ، فقال له عليّ عليه‌السلام : اسكت يا فاسق ، فأنزل الله تعالى فيهما : ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) السجدة / ١٨.

وسمّي الوليد ـ بحسب ذلك ـ في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفاسق ؛ فكان لا يعرف إلا بالوليد الفاسق.

قال : وسمّاه الله تعالى فاسقا في آية اخرى وهو قوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) سورة الحجرات : ٦ ، وسبب نزولها مشهور.

قال : وكان الوليد مذموما معيبا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشنؤه ويعرض عنه ، وكان ببغض رسول الله ويشنؤه أيضا ، وأبوه عقبة بن أبي معيط هو العدوّ الأزرق بمكّة ، والذي كان يؤذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفسه وأهله ، فلمّا ظفر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به يوم بدر ضرب عنقه ، وورث ابنه الوليد الشنآن والبغضة لمحمّد وأهله ؛ فلم يزل عليهما إلى أن مات.

«المترجم»

٤٣٧

الكريمة :( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (١) .

فالمؤمن عليّعليه‌السلام والفاسق الوليد.

وقوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (٢) ، وقال المفسّرون في شأن نزولها : إنّ الوليد كذب على بني المصطلق عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وادّعى أنّهم منعوه الصدقة ، ولو قصصنا مخازيه ومساويه لطال بها الشرح.

وكان المسلمون ـ أعيانهم وعامّتهم ـ يراجعون عثمان في شأن هؤلاء الولاة من أقاربه ويطلبون منه عزلهم فلا يعزلهم ، ولا يسمع فيهم شكاية إلاّ كارها ، وربّما ضرب الشاكين وأخرجهم من المجلس بعنف!

أسباب الثورة على عثمان

إنّ من أهمّ أسباب الثورة على عثمان ، سيرته المخالفة لسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الشيخين ، فلو كان يسعى ليغيّر سيرته الخاطئة ويصلح الامور ويعمل بنصيحة الناصحين ، أمثال الإمام عليّعليه‌السلام وابن عبّاس ، لكان الناس يهدءون والمياه ترجع إلى مجاريها الطبيعية(٣) ، ولكنّه اغترّ

__________________

(١) سورة السجدة ، الآية ١٨.

(٢) سورة الحجرات ، الآية ٦.

(٣) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢ / ١٥١ و ١٥٢ نقلا عن تاريخ الطبري :و

كان عثمان قد استشار نصحاءه في أمره فأشاروا أن يرسل إلى عليّعليه‌السلام يطلب إليه أن يردّ الناس ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتّى تأتيه الأمداد.

فقال : إنّهم لا يقبلون التعليل ، وقد كان منّي في المرّة الأولى ما كان.

٤٣٨

بكلام حاشيته وحزبه من بني اميّة حتّى قتل ، وقد كان عمر بن الخطّاب تنبّأ بذلك ، لأنّه عاشر عثمان مدّة طويلة ، وعرف أخلاقه وسلوكه كما يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ١٨٦ ط دار إحياء التراث العربي قال :

في قصّة الشورى فقال عمر : أفلا أخبركم عن أنفسكم؟!

ثمّ أقبل على عليّعليه‌السلام فقال : لله أنت! لو لا دعابة فيك! أما والله

__________________

فقال مروان : أعطهم ما سألوك ، وطاولهم ما طاولوك ، فإنّهم قوم قد بغوا عليك ، ولا عهد لهم.

فدعا عليّاعليه‌السلام وقال له : قد ترى ما كان من الناس ، ولست آمنهم على دمي ، فارددهم عنّي ، فإنّي أعطيهم ما يريدون من الحق من نفسي ومن غيري.

فقال عليّ عليه‌السلام : إنّ الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك ، وإنّهم لا يرضون إلا بالرضا ، وقد كنت أعطيتهم من قبل عهدا فلم تف به ، فلا تغرّر في هذه المرّة ، فإنّي معطيهم عنك الحقّ.

فقال : أعطهم ، فو الله لأفينّ لهم

فقال : اضرب بيني وبين الناس أجلا ، فإنّي لا أقدر على تبديل ما كرهوا في يوم واحد.

فقال عليّ عليه‌السلام : أمّا ما كان بالمدينة فلا أجل فيه ، وأمّا ما غاب فأجله وصول أمرك.

قال : نعم ، فأجّلني في ما بالمدينة ثلاثة أيّام.

فأجابه إلى ذلك ، وكتب بينه وبين الناس كتابا على ردّ كلّ مظلمة ، وعزل كلّ عامل كرهوه ، فكفّ الناس عنه.

وجعل يتأهّب سرّا للقتال ويستعدّ بالسلاح ، واتّخذ جندا فلمّا مضت الأيّام الثلاثة ولم يغيّر شيئا ثار عليه الناس إلى آخره.

«المترجم»

٤٣٩

لئن وليتهم لتحملنّهم على الحقّ الواضح ، والمحجّة البيضاء.

ثمّ أقبل على عثمان ، فقال : هيها إليك! كأنّي بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبّها إيّاك ، فحملت بني اميّة وبني أبي معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا إلى آخره.

وقال في ج ٢ / ١٢٩ : وأصحّ ما ذكر في ذلك ما أورده الطبري في تاريخه ، حوادث سنة ٣٣ ـ ٣٥ ، وخلاصة ذلك : أنّ عثمان أحدث أحداثا مشهورة نقمها الناس عليه ، من تأمير بني اميّة ، ولا سيّما الفسّاق منهم وأرباب السّفه وقلّة الدين ، وإخراج مال الفيء إليهم ، وما جرى في أمر عمّار بن ياسر وأبي ذرّ وعبد الله بن مسعود ، وغير ذلك من الأمور التي جرت في أواخر خلافته.

وراجعوا التاريخ حول أبي سفيان وبنيه ، وهو من زعماء بني اميّة ، وانظروا إلى ما نقله الطبري في تاريخه ، فقد قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى أبا سفيان مقبلا على حماره ومعاوية يقوده ويزيد بن أبي سفيان يسوق بالحمار ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعن الله الراكب والقائد والسائق».

وبالرغم من ذلك نجد في التاريخ أنّ عثمان أكرمه وأعطاه أموالا كثيرة ، وكان له عند الخليفة مقاما وجاها عاليا ، وهو الذي أنكر القيامة والمعاد في مجلس عثمان ، فارتدّ عن الإسلام ، وكان على الخليفة أن يأمر بقتله ؛ لأنّ المرتدّ جزاؤه القتل ، لكنّه تغاضى عنه واكتفى بإخراجه!

فأنصفوا وفكّروا! لما ذا كان عثمان يكرم أبا سفيان المرتدّ ، ويؤوي

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205