ليالي بيشاور

ليالي بيشاور6%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235915 / تحميل: 3903
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحكم بن أبي العاص وابنه مروان ويقرّبهم ويمنحهم الأموال الكثيرة من بيت مال المسلمين ، ويسند إليهم وإلى أبنائهم الولايات والإمارات ، وهم الّذين لعنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الملأ العامّ ، وقد سمعه المسلمون وهو يفسّر الشجرة الملعونة في القرآن ببني اميّة؟!

لما ذا كان عثمان يتّخذ مروان وأمثاله ونظراءه أولياء من دون الله تعالى ويركن إليهم ويعمل برأيهم ، بل أسند إليهم إدارة الدولة حتّى تكون آلة لهم ومطيّة لأغراضهم الإلحادية وأهدافهم الجاهلية؟!

فلقائل أن يقول : إنّما كان عثمان يقصد من وراء أعماله التي ذكرنا طرفا منها تمهيد السبيل للانقلاب الذي أخبر الله سبحانه في كتابه بقوله :( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) .

موقف عليّعليه‌السلام من عثمان

لقد كان موقف الإمام عليّعليه‌السلام في الفتنة موقف الناصح المصلح ، والتاريخ يشكر له مواقفه السليمة ، وأنا أنقل لكم الآن بعض كلامه في هذا الشأن من «نهج البلاغة» حتّى تعرفوا نيّاته الطيّبة ومساعيه الخيّرة.

قالوا : لمّا اجتمع الناس إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وشكوا إليه ما نقموه على عثمان ، وسألوه مخاطبته واستعتابه لهم ؛

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٤٤.

٤٤١

فدخلعليه‌السلام على عثمان فقال :

إنّ الناس ورائي وقد استسفروني بينك وبينهم ، وو الله ما أدري ما أقول لك! ما أعرف شيئا تجهله ، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه!

إنّك لتعلم ما نعلم ، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنبلّغكه ، وقد رأيت كما رأينا ، وسمعت كما سمعنا ، وصحبت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما صحبنا ، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطّاب بأولى بعمل الخير منك ، وأنت أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشيجة رحم منهما ، وقد نلت من صهره ما لم ينالا ، فالله الله في نفسك ، فإنّك والله ما تبصّر من عمى ، ولا تعلّم من جهل ، وإنّ الطرق لواضحة ، وإنّ أعلام الدين لقائمة.

فاعلم أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل ، هدي وهدى ، فأقام سنّة معلومة ، وأمات بدعة مجهولة ، وإنّ السنن لنيّرة لها أعلام ، وإنّ البدع لظاهرة لها أعلام ، وإنّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ، ضلّ وضلّ به ، فأمات سنّة مأخوذة ، وأحيى بدعة متروكة! وإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول «يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر ، وليس معه نصير ولا عاذر ، فيلقى في نار جهنّم ، فيدور فيها كما تدور الرّحى ، ثمّ يرتبط في قعرها».

وإنّي أنشدك الله أن تكون إمام هذه الامّة المقتول!

فإنّه كان يقال : يقتل في هذه الامّة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ، ويلبس امورها عليها ، ويبثّ الفتن فيها ، فلا يبصرون الحقّ من الباطل ، يموجون فيها موجا ، ويمرجون فيها مرجا.

فلا تكوننّ لمروان سيّقة حيث شاء بعد جلال السنّ وتقضّي

٤٤٢

العمر(١) .

فقال له عثمان : كلّم الناس في أن يؤجّلوني ، حتّى أخرج إليهم من مظالمهم.

فقالعليه‌السلام : ما كان بالمدينة فلا أجل فيه ، وما غاب فأجله وصول أمرك إليه.

ولكنّ عثمان شاور مروان في ما طلبه عليّعليه‌السلام من قبل الناس ، فأشار عليه بالمخالفة ، فخرج عثمان وخطب الناس وقال في ما قال : فاجترأتم عليّ ، أما والله لأنا أقرب ناصرا ، وأعزّ نفرا ، وأكثر عودا ، وأحرى إن قلت : «هلمّ» أن يجاب صوتي.

ولقد أعددت لكم أقرانا ، وكشّرت لكم عن نابي ، وأخرجتم منّي خلقا لم أكن أحسنه ، ومنطقا لم أكن أنطق به إلى آخره.

فهاج الناس ولم يرضوا من كلامه ، فاشتدّ البلاء حتّى وقع ما وقع.

موقف الصحابة من عثمان

وأمّا صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأكثرهم تألّبوا على عثمان وقاموا في

__________________

(١) ذكره الطبري أيضا في تاريخه ٤ / ٣٣٧.

أقول : ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩ / ٢٣ ، قال : وروى أبو سعد الآبي في كتابه «نثر الدرر في المحاضرات» أنّ عثمان لما نقم الناس عليه ما نقموا ، قام متوكّئا على مروان فخطب الناس

فذكر بعض ما ذكره الطبري ، وزاد :

إنّى لاقرب ناصرا ، وأعزّ نفرا ، فمالي لا أفعل في فضول الأموال ما أشاء؟!

«المترجم»

٤٤٣

وجهه ينهونه عن أعماله التعسّفية ، وتصرّفه بغير حقّ في الأمور المالية وانحيازه لبني اميّة.

وقد ذكر الطبري(١) : أنّ نفرا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكاتبوا ، فكتب بعضهم إلى بعض : أن أقدموا ، فإنّ الجهاد بالمدينة لا بالروم.

واستطال الناس على عثمان ، ونالوا منه ؛ وذلك في سنة أربع وثلاثين ، ولم يكن أحد من الصحابة يذبّ عنه ولا ينهى ؛ إلاّ نفر منهم : زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسّان بن ثابت.

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢ / ١٣٤ ط دار إحياء التراث العربي :

قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبريرحمه‌الله تعالى : ثمّ إنّ سعيد بن العاص قدم على عثمان سنة إحدى عشرة من خلافته ، فلمّا دخل المدينة ، اجتمع قوم من الصحابة ، فذكروا سعيدا وأعماله ، وذكروا قرابات عثمان وما سوغهم من مال المسلمين ، وعابوا أفعال عثمان.

فأرسلوا إليه عامر بن عبد القيس ـ وكان متألّها ، واسم أبيه عبد الله ، وهو من تميم ، ثمّ من بني العنبر ـ فدخل على عثمان ، فقال له : إنّ ناسا من الصحابة اجتمعوا ونظروا في أعمالك ، فوجدوك قد ركبت أمورا عظيمة ، فاتّق الله وتب إليه.

فقال عثمان : أنظروا إلى هذا ، تزعم الناس أنّه قارئ ثمّ هو يجيء إليّ فيكلّمني في ما لا يعلمه! والله ما تدري أين الله!

__________________

(١) نفس المصدر.

٤٤٤

فقال عامر : بلى والله! إنّي لأدري أنّ الله لبالمرصاد!

فأخرجه عثمان.

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢ / ١٤٤ : وروى أبو جعفر [الطبري] قال : كان عمرو بن العاص شديد التحريض والتأليب على عثمان.

وقال في صفحة ١٤٩ : قال أبو جعفر [الطبري] : إنّ عثمان مرّ بجبلة بن عمرو الساعدي ، وهو في نادي قومه ، وفي يده جامعة فسلّم فردّ القوم عليه ، فقال جبلة : لم تردّون على رجل فعل كذا وفعل كذا؟! ثمّ قال لعثمان : والله لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه الخبيثة ، مروان وابن عامر وابن أبي السّرح ، فمنهم من نزل القرآن بذمّه ، ومنهم من أباح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دمه.

وقال : قيل : إنّه خطب يوما وبيده عصا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر وعمر يخطبون عليها ، فأخذها جهجاه الغفاريّ من يده ، وكسرها على ركبته ، فلمّا تكاثرت أحداثه ، وتكاثر طمع الناس فيه ، كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم إلى من بالآفاق : إن كنتم تريدون الجهاد ، فهلمّوا إلينا ، فإنّ دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أفسده خليفتكم فاخلعوه ؛ فاختلفت عليه القلوب ، وجاء المصريون وغيرهم إلى المدينة حتّى حدث ما حدث.

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢ / ١٦١ : قال أبو جعفر [الطبري] : وكان لعثمان على طلحة بن عبيد الله خمسون ألفا ، فقال طلحة له يوما : قد تهيأ مالك فاقبضه ، فقال : هو لك معونة على مروءتك.

٤٤٥

فلمّا حصر عثمان ، قال عليّعليه‌السلام لطلحة : أنشدك الله ألا كففت عن عثمان!

فقال : لا والله حتّى تعطي بنو اميّة الحقّ من أنفسها.

فكان عليّعليه‌السلام يقول : لحا الله ابن الصعبة! اعطاه عثمان ما أعطاه ، وفعل به ما فعل!

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩ / ٣ عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب «أخبار السقيفة» بسنده عن أبي كعب الحارثيّ ، في رواية مفصّلة ، إلى أن قال في صفحة ٥ : فتبعته [أي : عثمان] حتّى دخل المسجد ، فإذا عمّار جالس إلى سارية ، وحوله نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكون ، فقال عثمان : يا وثّاب! عليّ بالشرط ؛ فجاءوا ، فقال : فرّقوا بين هؤلاء ؛ ففرّقوا بينهم.

ثمّ اقيمت الصلاة ، فتقدّم عثمان فصلّى بهم ، فلمّا كبّر قالت امرأة من حجرتها : يا أيّها الناس ؛ ثمّ تكلّمت ، وذكرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما بعثه الله به ، ثمّ قالت : تركتم أمر الله ، وخالفتم عهده ونحو هذا ، ثمّ صمتت ، وتكلّمت امرأة اخرى بمثل ذلك ، فإذا هما عائشة وحفصة.

قال : فسلّم عثمان ، ثمّ أقبل على الناس وقال : إنّ هاتين لفتّانتان ، يحلّ لي سبّهما ، وأنا بأصلهما عالم.

فقال له سعد بن أبي وقّاص : أتقول هذا لحبائب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! فقال : وفيم أنت وما هاهنا؟!

ثمّ أقبل نحو سعد عامدا ليضربه فانسلّ سعد فخرج من المسجد ، فاتّبعه عثمان ، فلقي عليّاعليه‌السلام بباب المسجد ، فقال لهعليه‌السلام : أين تريد؟ قال : أريد هذا الذي كذا وكذا ـ يعني سعدا يشتمه ـ فقال له عليّعليه‌السلام : أيّها الرجل ، دع عنك هذا.

٤٤٦

قال : فلم يزل بينهما كلام ، حتى غضبا ، فقال عثمان : ألست الذي خلّفك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم تبوك؟!

فقال عليّعليه‌السلام : ألست الفارّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد؟!

فقال : ثمّ حجز الناس بينهما.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩ / ٣٥ و ٣٦ : وروى الناس الّذين صنّفوا في واقعة الدار أنّ طلحة كان يوم قتل عثمان مقنّعا بثوب قد استتر به عن أعين الناس ، يرمي الدار بالسهام.

ورووا أيضا انه لما امتنع على الذين حصروه الدخول من باب الدار ، حملهم طلحة الى دار لبعض الأنصار ، فأصعدهم الى سطحها وتسوروا منها على عثمان داره فقتلوه.

ورووا أيضا : أنّ الزبير كان يقول : اقتلوه! فقد بدّل دينكم.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ٢٧ و ٢٨ : وروى شعبة بن الحجّاج عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، قال : قلت له : كيف لم يمنع أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عثمان؟!

فقال : إنّما قتله أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال : وروي عن أبي سعيد الخدري ، أنّه سئل عن مقتل عثمان : هل شهده أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فقال : نعم ، شهده ثمانمائة!

قال : وهذا عبد الرحمن بن عوف ، وهو عاقد الأمر لعثمان ، وجالبه إليه ومصيّره في يده ، يقول ـ على ما رواه الواقدي ، وقد ذكر له عثمان في مرضه الذي مات فيه ـ : عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه ؛ فبلغ ذلك عثمان ، فبعث إلى بئر كان عبد الرحمن يسقي منها نعمه ، فمنع منها ، ووصّى عبد الرحمن ألاّ يصلّي عليه عثمان ؛ فصلّى عليه

٤٤٧

الزبير ـ أو سعد بن أبي وقّاص ـ وقد كان حلف لمّا تتابعت أحداث عثمان ألاّ يكلّمه أبدا.

قال : وروى الواقدي ، قال : لمّا توفّي أبو ذرّ بالربذة ، تذاكر أمير المؤمنينعليه‌السلام وعبد الرحمن فعل عثمان ، فقال أمير المؤمنين له : هذا عملك! فقال عبد الرحمن : فإذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي ، إنّه خالف ما أعطاني.

وقال في شرح النهج ٣ / ٥٠ و ٥١ : وقد روي من طرق مختلفة وبأسانيد كثيرة أنّ عمارا كان يقول : ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر وأنا الرابع ، وأنا شرّ الأربعة( ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (١) ، وأنا أشهد أنّه قد حكم بغير ما أنزل الله.

قال : وروي عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة أنّه قيل له : بأيّ شيء كفّرتم عثمان؟

فقال : بثلاث : جعل المال دولة بين الأغنياء ، وجعل المهاجرين من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة من حارب الله ورسوله ، وعمل بغير كتاب الله.

موقف عثمان من صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المقرّبين

ومن أسباب ثورة المسلمين على عثمان وقتله ، إيذاؤه بعض الصحابة المقرّبين إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمكرّمين لديه ، وما كان لهم جرم سوى إنّهم كانوا ينهونه عن المنكر ويأمرونه بالمعروف ، منهم :

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٤٤.

٤٤٨

عبد الله بن مسعود ، وهو الحافظ لكتاب الله ، والكاتب الضابط للقرآن الكريم على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان يحظى عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعند الشيخين باحترام وافر.

وذكر ابن خلدون في تاريخه أنّ عمر بن الخطّاب في أيّام خلافته وحكومته كان يقرّب عبد الله بن مسعود ولا يفارقه أبدا ، لأنّه كان ذا اطّلاع كامل على القرآن ، وقد روى المحدّثون أحاديث كثيرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّه ، ذكرها ابن أبي الحديد أيضا في شرح النهج.

وذكر المؤرّخون : أنّ عثمان لمّا أراد أن يجمع المصاحف أمر بأخذ النسخ الموجودة عند الأصحاب ، ومنها النسخة التي كانت عند عبد الله ابن مسعود ، إذ كان من كتّاب الوحي ومحلّ ثقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنّ ابن مسعود أبا أن يعطيه نسخته ، فذهب عثمان بنفسه إلى بيت ابن مسعود وأخذ نسخته قهرا ، فلمّا سمع ابن مسعود أنّ نسخته احرقت مع سائر النسخ ، حزن حزنا شديدا وكان حينذاك بالكوفة ، فبدأ يطعن في عثمان ، ويكشف الستّار عن أعماله المخالفة لسنّة النبيّ والقرآن وسيرة الشيخين.

وكان الجواسيس يخبرون الوليد بن عقبة والي الكوفة ، فكتب فيه الوليد إلى عثمان ، فأمره أن يبعثه إلى المدينة.

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ٤٣ ـ عن الواقدي وغيره ـ : إنّ ابن مسعود دخل المدينة ليلة الجمعة ، فلمّا علم عثمان بدخوله قال : أيّها الناس ، إنّه قد طرقكم الليلة دويبة ، من تمشي على طعامه يقيء ويسلح.

فقال ابن مسعود : لست بدويبة ، ولكنّي صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٤٤٩

يوم بدر ، وصاحبه يوم أحد ، وصاحبه يوم بيعة الرضوان ، وصاحبه يوم الخندق ، وصاحبه يوم حنين.

وصاحت عائشة : يا عثمان! أتقول هذا لصاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! فقال عثمان : اسكتي ؛ ثمّ قال لعبد الله بن زمعة بن الأسود : أخرجه إخراجا عنيفا!

فأخذه ابن زمعة ، فاحتمله حتّى جاء به باب المسجد ، فضرب به الأرض ، فكسر ضلعا من أضلاعه.

فقال ابن مسعود : قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان.

وفي رواية : أنّ ابن زمعة كان مولى لعثمان ، أسود مسدما طوّالا.

وقال ابن أبي الحديد في صفحة ٤٤ : وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظيّ : أنّ عثمان ضرب ابن مسعود أربعين سوطا ، لأنّه قام بتجهيز أبي ذرّ الغفاري ودفنه.

قال : وهذه قصّة اخرى ، ثمّ يذكرها بالتفصيل.

أقول : الله أكبر! وهل دفن مؤمن كأبي ذرّ ، يستوجب التعزيز والتعذيب؟!

وقال ابن أبي الحديد في صفحة ٤٢ و ٤٣ : ولمّا مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه ، أتاه عثمان عائدا.

فقال : ما تشتكي؟

فقال : ذنوبي.

قال : ما تشتهي؟

قال : رحمة ربّي.

قال : ألا أدعو لك طبيبا؟

٤٥٠

قال : الطبيب أمرضني.

قال : أفلا آمر لك بعطائك؟

قال : منعتنيه وأنا محتاج إليه ، وتعطنيه وأنا مستغن عنه!

قال : يكون لولدك.

قال : رزقهم على الله تعالى.

قال : استغفر لي يا أبا عبد الرحمن.

قال : أسأل الله أن يأخذ لي منك حقّي!

وقال ابن أبي الحديد في صفحة ٤٢ : وقد روي عنه أيضا من طرق لا تحصى كثرة ، أنّه كان يقول : ما يزن عثمان عند الله جناح ذباب.

قال ابن أبي الحديد : وتعاطي ما روي عنه في هذا الباب يطول ، وهو أظهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه ، وإنّه بلغ من إصرار عبد الله على مظاهرته بالعداوة ، أن قال لما حضره الموت : من يتقبّل منّي وصيّة اوصيه بها على ما فيه!

فسكت القوم ، وعرفوا الذي يريد.

فأعادها ، فقال عمار بن ياسررحمه‌الله تعالى : أنا أقبلها.

فقال ابن مسعود : ألاّ يصلّي عليّ عثمان.

قال : ذلك لك.

فيقال : إنّه لمّا دفن ، جاء عثمان منكرا لذلك ، فقال له قائل : إنّ عمارا ولي الأمر.

فقال لعمار : ما حملك على أن لم تؤذنّي؟!

فقال : عهد إليّ ألاّ أؤذنك.

٤٥١

فوقف على قبره وأثنى عليه. ثمّ انصرف وهو يقول : رفعتم والله أيديكم عن خير من بقي.

فتمثل الزبير بقول الشاعر :

لا ألفينّك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زوّدتني زادي

إيذاؤه عمّار بن ياسر

ومن أعمال عثمان الثابتة عليه ، ولم ينكره أحد من المؤرّخين ، وهو خلاف العدل والرحمة ، وظلم ظاهر ، لم يرض به المؤمنون ، ولو كان أبو بكر وعمر حيّين لأنكرا عليه وانتقما منه :

ضربه وإيذاؤه عمّار بن ياسر ، الصحابي الجليل الذي قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عمّار ملئ إيمانا من قرنه إلى قدميه». وشهد له ولأبويه بالجنّة ، بل قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّ الجنّة تشتاق إليه».

وكان السبب في ضربه امورا ، منها كما نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ٥٠ قال : وروى آخرون ، أنّ السبب في ذلك ، أنّ عثمان مرّ بقبر جديد ، فسأل عنه. فقيل : عبد الله بن مسعود. فغضب على عمّار لكتمانه إيّاه موته ، إذ كان المتولّي للصلاة عليه والقيام بشأنه ، فعندها وطئ عثمان عمّارا حتّى أصابه الفتق.

قال ابن أبي الحديد في صفحة ٥٠ : وروى آخرون ، أنّ المقداد وعمّارا وطلحة والزبير وعدّة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتبوا كتابا ، عدّدوا فيه أحداث عثمان ، وخوّفوه به ، وأعلموه أنّهم مواثبوه إن لم يقلع.

٤٥٢

فأخذ عمّار الكتاب فأتاه به ، فقرأ منه صدرا ثمّ قال له : أعليّ تقدم من بينهم!

فقال : لأنّي أنصحهم لك.

قال : كذبت يا ابن سميّة!

فقال : أنا والله ابن سميّة وابن ياسر!

فأمر عثمان غلمانا له ، فمدّوا بيديه ورجليه ، ثمّ ضربه عثمان برجليه ـ وهي في الخفين ـ على مذاكيره ، فأصابه الفتق ، وكان ضعيفا كبيرا فغشي عليه.

قال ابن أبي الحديد في صفحة ٤٩ : ثمّ أخرج فحمل حتّى أتي به منزل أمّ سلمة (رضي الله عنها) ، فلم يصلّ الظهر والعصر والمغرب ، فلمّا أفاق توضّأ وصلّى.

ومن أحبّ التفصيل ، فليراجع مروج الذهب ١ / ٤٣٧ ، وشرح النهج ـ لابن أبي الحديد ـ الجزء الثالث ، طبع دار إحياء التراث العربي.

إيذاؤه أبا ذرّ الغفاري

ومن أسباب ثورة المسلمين على عثمان ، إيذاؤه أبا ذرّ ونفيه إلى الشام ، لكنّ أبا ذر لم يسكت ، بل كان يتكلّم في مظالم عثمان ومآثم معاوية بن أبي سفيان ، عامله على الشام ، فكتب معاوية إلى عثمان يخبره عن كلام أبي ذرّ ، فطلبه عثمان واستردّه إلى المدينة ، فلما وصل إليها ، نفاه إلى الرّبذة مع عياله ، فبقي هناك حتّى وافاه الأجل ، فمات مقهورا ، مغلوبا على أمره ، وخلّف ابنته وحيدة فريدة من غير وال

٤٥٣

وحام في ذلك المكان الموحش.

وذكر إساءة عثمان وإيذاءه لأبي ذرّ ، صحابي رسول الله كثير من أعلامكم ، منهم : ابن سعد في طبقاته ٤ / ١٦٨ ، والبخاري في صحيحه في كتاب الزكاة ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ٥٤ ـ ٥٨ ، واليعقوبي في تاريخه ٢ / ١٤٨ ، والمسعودي في مروج الذهب ١ / ٤٣٨ ، وغيرهم من المؤرّخين فقد ذكروا تفصيل معاملة عثمان السيّئة ، وكذلك عمّاله المجرمين وإساءتهم لأبي ذرّ الطيّب الصادق ، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

حتّى إنّ عثمان أهان الإمام عليّاعليه‌السلام لأنّه شايع أبا ذرّ حين تبعيده إلى الربذة ، فخرج لتوديعه مع الحسنين عليهما السّلام ، وذكروا كذلك أنّ عثمان ضرب عبد الله بن مسعود أربعين سوطا لأنّه تولّى دفن أبي ذرّ عليه الرحمة(١) .

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ٤٤ ط بيروت دار إحياء التراث العربي :

وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي ، أنّ عثمان ضرب ابن مسعود أربعين سوطا في دفنه أبا ذرّ! وهذه قصّة أخرى ؛ وذلك أنّ أبا ذرّرحمه‌الله تعالى ، لمّا حضرته الوفاة بالرّبذة ، وليس معه إلاّ امرأته وغلامه ، عهد إليهما أن غسّلاني ثمّ كفّناني ، ثمّ ضعاني على قارعة الطريق ، فأوّل ركب يمرّون بكم قولوا لهم : هذا أبو ذرّ صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأعينونا على دفنه ؛ فلمّا مات فعلوا ذلك.

وأقبل ابن مسعود في ركب من العراق معتمرين ، فلم يرعهم إلاّ الجنازة على قارعة الطريق ، قد كادت الإبل تطؤها ، فقام إليهم العبد فقال : هذا أبو ذرّ صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعينونا على دفنه.

فانهلّ ابن مسعود باكيا ، وقال : صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له «تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك».

ثمّ نزل هو وأصحابه ، فواروه. «المترجم»

٤٥٤

الحافظ : إيذاء أبي ذرّ عليه الرحمة ونفيه لم يصدر من عثمان ، وإنّما كان بأمر بعض عمّاله ومن غير علمه ، وإلاّ فإنّ عثمان أجلّ من هذه الأعمال ، والمشهور أنّه كان رحيما شفيقا يحمل بين جنبيه قلبا رقيقا.

قلت : إنّ كلامك هذا خلاف الواقع ، وقد صدر من غير تحقيق ، فإنّ التاريخ يؤكّد أنّ الأوامر الصادرة في تبعيد أبي ذر إنّما كانت من نفس عثمان إلى عماله ، وهم قاموا بكلّ ما فعلوا ، تنفيذا لأوامره!

وإذا أردت أن تعرف حقيقة الأمر ، فراجع تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٤١ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ٣ / ٥٥ ، وغيرهما ، فقد سجّلوا كتاب عثمان إلى معاوية ـ وهو عامله على الشام ـ فقد كتب فيه : أمّا بعد ، فاحمل جندبا إليّ على أغلظ مركب وأوعره.

فوجّه به مع من سار به الليل والنهار ، وحمله على شارف ليس عليها إلاّ قتب ، حتّى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد.

فبالله عليكم أنصفوا! هل هذا معنى الرحمة الرّأفة مع شيخ كبير طاعن في السنّ كأبي ذرّرحمه‌الله تعالى!!(١) .

__________________

(١) كان أبو ذرّ عليه الرحمة رجلا صريحا يجهر بالحقّ ولا يسكت على الباطل. فكان ينكر على عثمان تصرّفه في بيت المال وإعطاءه أموال المسلمين لمن لا يستحقّ ، فكان يتلو قول الله تعالى :( ... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) (سورة التوبة ، الآية ٣٤) فأرسل عثمان نائلا مولاه إلى أبي ذرّ : أن انته عمّا يبلغني عنك!

فقال : أينهاني عثمان عن تلاوة كتاب الله ، وعيب من ترك أمر الله! فو الله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحبّ إليّ وخير لي من أن أسخط الله برضاه.

٤٥٥

ولا أدري لم استحقّ هذا الرجل الكريم ذلك الظلم العظيم؟!

وكيف نسي عثمان منزلة أبي ذرّ ورتبته السامية عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

وكيف نسي حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّه حين أعلم المسلمين فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّ الله أمرني بحبّ أربعة ، وأخبرني أنّه يحبّهم».

قالوا : يا رسول الله! ومن هم؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «عليّ منهم ـ ثلاثا ـ ثمّ قال : وأبو ذرّ ومقداد وسلمان».

ذكر هذا الحديث كثير من أعلامكم ، منهم : الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ١٧٢ ، وابن ماجة في السنن ١ / ٦٦ ، والحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة : الباب ٥٩ ، وابن حجر المكّي في «الصواعق المحرقة» الحديث الخامس من الأربعين حديثا في فضل الإمام عليّعليه‌السلام عن الترمذي والحاكم ، وابن حجر العسقلاني في الإصابة ٣ / ٤٥٥ ،

__________________

فأغضب عثمان ذلك ، ونفاه إلى الشام ، فكان أبو ذرّ في الشام ، ينكر على معاوية أشياء يفعلها ، فبعث إليه معاوية ثلاثمائة دينار ، فقال أبو ذرّ : إن كانت هذه من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها ، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها ؛ وردّها عليه.

وبنى معاوية الخضراء بدمشق ، فقال أبو ذرّ : يا معاوية ، إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة ، وإن كانت من مالك فهو الإسراف.

قال ابن أبي الحديد في ٣ / ٥٥ : وكان أبو ذرّ رحمه‌الله تعالى يقول : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ولا سنّة نبيّه ، والله إنّي لأرى حقّا يطفأ ، وباطلا يحيا ؛ وصادقا مكذّبا ، وأثرة بغير تقى ، وصالحا مستأثرا عليه إلى آخره.

«المترجم»

٤٥٦

والترمذي في صحيحه ٢ / ٢١٣ ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ٢ / ٥٥٧ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ١٣٠ ، والسيوطي في «الجامع الصغير» وغير هؤلاء من علمائكم الموثوقين لديكم.

فهل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعذر عثمان؟! هل يعذره في تلك المعاملات السيّئة التي عامل بها حبيبه وصاحبه أبا ذرّ الذي أمره الله تعالى بحبّه؟!!

هل هذه الأعمال البربرية ، تصدر من ذي رحمة ورأفة ، أم من ذي صلابة وقسوة؟!!

الحافظ : إنّما لاقى أبو ذر عقاب أعماله! لأنّه كان في الشام يدعو الناس لعليّ كرّم الله وجهه ، وكان يقول علانية : بأنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «عليّ خليفتي فيكم» فكان يعرّض بعثمان والشيخين ، بأنّهم غصبوا الخلافة من عليّ بن أبي طالب ، فكان بهذه الكلمات يوقع الخلاف بين المسلمين في الشام ، فيشتّت آراءهم بعد أن كانوا على رأي واحد ؛ والخليفة مسئول على حفظ الدين ووحدة الكلمة واتّحاد المسلمين ، ولم يكن بدّ لعثمان من طلب إرجاعه إلى المدينة ، ليجعله تحت نظره ويراقب أمره.

قلت :

أوّلا : كان في المدينة تحت نظره ولكن أبعده إلى الشام ثمّ استردّه إلى المدينة!

ثانيا : وهل الإسلام يخالف بيان الحقّ؟!

وهل من العدل والدين أنّ من صدع بالحقّ يجب أن ينفى ويعذّب حتّى يموت صبرا؟!!

٤٥٧

ثالثا : وعلى فرض أن يكون من حقّ الخليفة أن يجعل من يحبّ تحت نظره ويراقب أموره ، فهل من حقّه أيضا أن يصدر حكما قاسيا في حقّ المتّهم ، قبل أن يراه ويحاكمه ويسمع كلامه ودفاعه عن نفسه؟!

وهل يسمح الدين القويم والعقل السليم للخليفة ، أو لأيّ حاكم ، أن يحكم على متّهم ـ قبل ثبوت الجرم ـ وهو شيخ كبير مسنّ ضعيف نحيف ، بحكم لا يطيقه ولا يتحمّله؟! كما حكم عثمان وأمر في كتابه لمعاوية : أن احمل جندبا ـ يعني : أبا ذرّ ـ على أغلظ مركب وأوعره من غير قتب!! فلما وصل المدينة تساقط لحم فخذيه من الجهد.

فهل هذا بحكم العدل والرحمة؟! وهل هذا من المروءة والرأفة؟!!

وإذا كان عثمان يريد وحدة الكلمة واتّحاد المسلمين فقام بتبعيد أبي ذرّرحمه‌الله تعالى لكي لا تشقّ عصا المسلمين ، فلما ذا اختلف المسلمون على عهده وانشقّت عصاهم ، وثاروا على عثمان وقتلوه؟!!

فالمنصف المحقّق يعرف إنّما اختلف المسلمون وثاروا على عثمان وخلعوه ، بسبب ارتكابه تلك الأعمال المخالفة للإسلام والعرف!

وإذا كان الخليفة كما تزعمون ، حريصا على وحدة الكلمة واتّحاد المسلمين ، فكان يجب عليه أن يلبّي طلبات الثائرين ، وكلّها كانت أمورا شرعية وعرفية ، ومن أهمّها أنّهم كانوا يطالبوه بعزل بعض عمّاله المفسدين الظالمين ، وإبعاد حاشيته ، أمثال : مروان طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوليد بن عقبة الفاسق ، ومعاوية الفاجر ، الّذين لعنوا في القرآن الكريم وعلى لسان النبيّ العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الحافظ : من أين نعرف أنّ أبا ذر كان صادقا ، وبالحقّ ناطقا ،

٤٥٨

فنحن نقول : إنّه كان يجعل الأحاديث على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كما أنتم تقولون في أبي هريرة!

أبو ذر أصدق الناس

إنّي أستغرب كلامك ، فكأنّك لم تطالع تاريخ أبي ذررحمه‌الله ولو لمرّة واحدة ، وإلاّ ما كنت تتكلّم بهذا الكلام الواهي ، فإنّ كلامك هذا يناقض كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخالف حديثه الشريف في حقّ أبي ذرّ إذ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ما أقلّت الغبراء وما أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر».

وهذا حديث مشهور ، نقله أعلامكم ومحدّثوكم ، منهم : محمد ابن سعد في طبقاته ٤ / ١٦٧ و ١٦٨ ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ١ / ٨٤ باب جندب ، والترمذي في صحيحه ٢ / ٢٢١ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٣٤٢ ، وابن حجر العسقلاني في الإصابة ٣ / ٦٢٢ ، والمتّقي الهندي في كنز العمّال ٦ / ١٦٩ ، والإمام أحمد في المسند ٢ / ١٦٣ و ١٧٥ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ / ٥٦ ط بيروت ـ دار إحياء التراث العربي ، والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ، وفي كتاب «لسان العرب» وكتاب «ينابيع المودّة» فقد رووه بأسانيد كثيرة وطرق عديدة.

بناء على هذا الحديث الشريف ، لا يحقّ لكم أن تنسبوا الكذب لأبي ذرّرحمه‌الله تعالى ، لأنّ تكذيبه يكون تكذيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو كفر!

ولذلك ، فنحن نعتقد أنّ كلّ ما أعلنه أبو ذر صدق محض ، وحقّ

٤٥٩

بحت ، وليس لنا ولكم إلاّ التصديق والقبول.

وبناء على الحديث الآخر الذي رويته لكم قبل هذا ، عن أعلامكم وطرقكم ، بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ الله تعالى أمرني بحبّ أربعة كان أبو ذر أحدهم ، ومن الواضح أنّ الله سبحانه لا يأمر نبيّه بحبّ رجل كاذب يجعل الحديث وينسبه الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعياذ بالله!

ثمّ أقول : لو كان لبان ، أي : لو كان أبو ذرّ كاذبا لكان علماؤكم بيّنوا أكاذيبه وأعلنوا كذبه ، كما بيّنوا أباطيل أبي هريرة وأكاذيبه.

بالله عليكم فكّروا في هذه الحقائق وأنصفوا!

هل من الحقّ والعدل ومن الرحمة والرأفة : أنّ رجلا من خواصّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن المقرّبين لديه ، والذي حبّه فرض من الله عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أصدق الامّة ، بل أصدق إنسان على وجه الغبراء وتحت السماء ، يعامل تلك المعاملات السيّئة ، فيعذّب وينفى إلى صحراء قاحلة ، فيموت فيها جوعا وعطشا!! لأنّه عمل بواجبه فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وصدع بالحق وأعلن الحقيقة؟!!

والجدير بالذكر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبره بابتلائه ومصابه في الله تعالى ، فقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ١٦٢ بإسناده عن أبي ذرّ الغفاري أنّه قال : كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال «أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدي.

قلت : في الله؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في الله.

قلت : مرحبا بأمر الله».

٤٦٠

٥٢٤ ـ انتقال مسلم إلى دار هانئ بن عروة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٨)

فلما سمع مسلم بن عقيل بمجيء عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التي قالها ، وما أخذ به العرفاء والناس ، خرج من دار المختار إلى دار هانئ بن عروة المرادي في جوف الليل ودخل في أمانه. وأخذت الشيعة تختلف إلى دار هانئ سرا واستخفاء من عبيد الله ، وتواصوا بالكتمان. وألحّ عبيد الله في طلب مسلم ، ولا يعلم أين هو.

وقد أورد ابن قتيبة كيفية انتقال مسلم إلى دار هانئ برواية غريبة في

(الإمامة والسياسة) ج ٢ ص ٤ قال :

وبايع للحسين مسلم بن عقيل وأكثر من ثلاثين ألفا من أهل الكوفة ، فنهضوا معه يريدون عبيد الله بن زياد ، فجعلوا كلما أشرفوا على زقاق انسلّ عنه منهم ناس ، حتّى بقي مسلم في شرذمة قليلة.

قال : فجعل أناس يرمونه بالآجر من فوق البيوت. فلما رأى ذلك دخل دار هانئ ابن عروة المرادي ، وكان له فيهم رأي.

ابن زياد يعتمد على نظام العرافة

٥٢٥ ـ نظام العرافة في صدر الإسلام :

(الفن الحربي في صدر الإسلام لعبد الرؤوف عون ، ص ١١٠)

قال عبد الرؤوف عون : فحين كثر أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسّمهم عرافات ، وجعل على كل عشرة منهم عريفا.

فقد روى الطبري في حديثه عن (القادسية) أن سعدا عرّف العرفاء ، فجعل على كل عشرة عريفا ، كما كانت العرافات أزمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي عهد عمر ، لما اتسعت الفتوح ، وتبع ذلك كثرة الأجناد والأموال ، وضع عمر (الديوان) ورتّب العطاء للناس جميعا. وجعل العرفاء أداته في توزيعه ، فكان العريف في المدنيين ينوب عن القبيلة ، وفي الجند ينوب عن عشرة.

فلما كثر عدد الناس ، جمع كل عدد من العرافات في (سبع) عليه أمير ، وسمّاهم (أمراء الأسباع) ، فكان هؤلاء يأخذون العطاء ، فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والأمناء ، فيدفعونه إلى أهله في دورهم.

٤٦١

٥٢٦ ـ العرفاء والمناكب :(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٠)

العرفاء : جمع عريف كأمير ، وهو الرئيس. والظاهر أنه كان يجعل لكل قوم رئيس من قبل السلطان يطالب بأمورهم ، يسمى العريف. وكان يجعل للعرفاء أيضا رؤساء يقال لهم : المناكب.

وفي كتاب (مع الحسين في نهضته) لأسد حيدر ، ص ٩٨ :

العريف في اللغة : هو من يعرّف أصحابه ، وهو القائم بأمور الجماعة من الناس ؛ يلي أمورهم ، ومنه يتعرّف الأمير على أحوالهم. وكان لكل عشرة عريف ، وللعرفاء رئيس يدعى : أمير الأعشار. فالعريف يقود خلية مؤلفة من عشرة أشخاص ، وأمير الأعشار يقود مجموعة مؤلفة من مئة شخص ، وهو يقابل اليوم قائد سريّة.

٥٢٧ ـ نظام العرافة :(حياة الإمام الحسين ، ج ٢ ص ٤٤٧)

قال السيد باقر شريف القرشي : وكانت الدولة تعتمد على العرفاء ، فكانوا يقومون بأمور القبائل ، ويوزعون عليهم العطاء. كما كانوا يقومون بتنظيم السجلات العامة التي فيها أسماء الرجال والنساء والأطفال ، وتسجيل من يولد ليفرض له العطاء من الدولة ، وحذف العطاء لمن يموت(١) .

كما كانوا مسؤولين عن شؤون الأمن والنظام. وكانوا في أيام الحرب يندبون الناس للقتال ويحثونهم على الحرب ، ويخبرون السلطة بأسماء الذين يتخلفون عن القتال(٢) . وإذا قصّر العرفاء أو أهملوا واجباتهم ، فإن الحكومة تعاقبهم أقسى العقوبات وأشدها(٣) .

ومن أهمّ الأسباب في تفرّق الناس عن مسلم بن عقيل ، هو قيام العرفاء في تخذيل الناس عن الثورة ، وإشاعة الإرهاب والأراجيف بين الناس(٤) كما كانوا السبب الفعال في زجّ الناس وإخراجهم لحرب الإمام الحسينعليه‌السلام .

__________________

(١) الحياة الإجتماعية والاقتصادية في الكوفة ، ص ٥٣.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٧ ص ٢٢٦.

(٣) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني ، ج ٢ ص ١٧٩.

(٤) البداية والنهاية لابن كثير ، ج علينا ص ١٥٤.

٤٦٢

٥٢٨ ـ التجنيد في الدولة الأموية :

(الفن الحربي في صدر الإسلام لعبد الرؤوف عون ، ص ١٠١)

وكان التجنيد في عهد الخلفاء الأولين إلزاميا من أجل الفتح الإسلامي ، لكنه فقد عنصر الإلزام أو كاد بعد النكسة التي سببتها الحروب الأهلية. وصار المال أداة التجنيد في الدولة الأموية ، وارتفع صوت الذهب فوق كل صوت. فكان الخليفة تكثر أجناده أو تقلّ ، تبعا لكثرة المال في خزائنه أو قلته. وصار الخلفاء يسترضون الجند بصرف الأموال لهم مقدّما ، وعزل من يطلبون عزله من الولاة.

ولم تقف روح التهرب من الجندية عند حد ، بل سرت عدواها إلى الأمصار ، حتّى إلى (البصرة والكوفة) وهما المعسكران اللذان كانا مصدر المدد الحربي للمسلمين ، ومنهما اتجهت الجيوش شرقا حتّى اقتحمت على الفرس عاصمتهم ، ووطدت قدم الإسلام فيما وراء النهر إلى حدود الصين. حتّى بلغ عدد الجند في (خراسان) وحدها أيام قتيبة بن مسلم سبعة وأربعين ألفا (كما في رواية ابن الأثير) عدا ما كان في غيرها من المقاطعات الفارسية.

٥٢٩ ـ تنظيم الجيش في الكوفة :

(حياة الإمام الحسين لباقر شريف القرشي ، ج ٢ ص ٤٤٥)

أنشئت الكوفة لتكون معسكرا للجيوش الإسلامية. وقد نظّم الجيش فيها على أساس قبلي ، فكانوا يقسمون في معسكراتهم باعتبار القبائل والبطون التي ينتمون إليها ، وقد رتّبت على نظام الأسباع.

وفي سنة ٥٠ ه‍ عمد زياد بن أبيه حاكم العراق فغيّر ذلك وجعل التقسيم رباعيا ، فكان على النحو التالي :

١ ـ أهل المدينة : وجعل عليهم عمرو بن حريث.

٢ ـ تميم وهمدان : وعليهم خالد بن عرفطة.

٣ ـ ربيعة بكر وكندة : وعليهم قيس بن الوليد.

٤ ـ مذحج وأسد : وعليهم أبو بردة بن أبي موسى [الأشعري].

وقد استعان عبيد الله بن زياد بهذا التنظيم لقمع ثورة مسلم بن عقيل. كما تولى بعضهم قيادة الفرق التي زجّها الطاغية لحرب الإمام الحسينعليه‌السلام .

٤٦٣

٥٣٠ ـ الجيش النظامي والجيش الشعبي :

وكان هناك دائما جيشان :

الأول جيش نظامي عدده قليل ، ومهمته المحافظة على الوالي ، وكان ينتقى من غير العرب (الأعاجم والموالي) لأنهم يخلصون للوالي أكثر من العرب ، ولا ينقادون لانتمائهم القبلي. وقد كان هؤلاء يسمّون (الحمر) وهم من بقايا رستم ، أسلموا وتجندوا في الجيش الاسلامي ، وعددهم أربعة آلاف ، وهم الذين خرجوا أول دفعة لحرب الحسينعليه‌السلام بقيادة عمر بن سعد.

أما الجيش الآخر [الشعبي] فهو يدعى عند الضرورة ومن أجل الفتوحات ، ويكون تنظيمه آنيا. وهو جيش شعبي يستنفر من المسلمين للجهاد. وقد كانت الكوفة مركزا لتنظيم هذه الجيوش ودفعها للفتح في مشارق البلاد.

ملفّ الكوفة

(مدينة الكوفة ـ مسجد الكوفة ـ قصر الإمارة)

٥٣١ ـ مدينة الكوفة :(البلدان لليعقوبي ، ص ٩٢)

الكوفة مدينة العراق الكبرى والمصر الأعظم وقبة الإسلام ودار هجرة المسلمين. وهي أول مدينة اختطها المسلمون بالعراق في سنة ١٧ ه‍. وبها خطط العرب. وهي على معظم الفرات ، ومنه يشرب أهلها. وهي من أطيب البلدان وأفسحها وأعذبها وأوسعها.

وعن الإمام عليعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ ) [المؤمنون : ٥٠] ، الربوة : الكوفة ، والقرار : مسجدها ، والمعين : الفرات.

٥٣٢ ـ تعريف بقصر الإمارة بالكوفة :(تاريخ الكوفة للبراقي)

قصر الإمارة بالكوفة بناه سعد بن أبي وقّاص ، وأمره عمر بن الخطاب أن يبني بجنبه مسجدا.

موقع القصر والمسجد شرق ميدان الكوفة

٤٦٤

(الشكل ٥) : مخطط الكوفة القديمة

[مأخوذ من كتاب (خطط الكوفة وشرح خريطتها) للمسيو لويس ماسينيون]

٤٦٥

هدم القصر عبد الملك بن مروان لما وضع بين يديه رأس مصعب بن الزبير ، وقال له ما قال عبيد بن عمير (والأصح عبد الملك بن عمير) فارتعد عبد الملك وقام من فوره وأمر بهدم القصر. يقع القصر في الزاوية الجنوبية الشرقية من ميدان الكوفة ، بينما يقع المسجد في الزاوية الشمالية الشرقية (انظر المخطط).

وفي (أضواء على معالم محافظة كربلاء) ص ١١٢ :

يقع هذا القصر خلف المسجد مباشرة ، وهو الآن في منخفض من الأرض.وعند ما بنى سعد بن أبي وقّاص مدينة الكوفة سنة ١٧ ه‍ بأمر عمر بن الخطاب ، شيّد بجانب المسجد دارا سميت بدار الإمارة ، تكون مقرا لأمير الكوفة. وتعتبر دار الإمارة أقدم ما عثر عليه من عمارات إسلامية حتّى الآن في كافة الأقطار الإسلامية.

وتتألف دار الإمارة من بناء مربع طول ضلعه ١١٠ م ومعدل سمك الجدران ١٨٠ سم ، وفي بعض أجزائه ممران. وهذه الدار مشيّدة بالآجر والجص ، وفي كل ركن من أركانها توجد أبراج نصف دائرية.

مسجد الكوفة :

وهو جامع واسع جدا ، يتسع لأكثر من ثلاثين ألفا من المصلين ، وهو الجامع الّذي ضرب في محرابه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام (انظر الشكل ٦). وهو الّذي صلى فيه مسلم بن عقيل حين جاء إلى الكوفة سفيرا للحسينعليه‌السلام ، ثم نكثوا به البيعة وتخلوا عنه.

ونورد فيما يلي تعريفا ببعض الأماكن الواقعة حول الكوفة :

٥٣٣ ـ القادسيّة :

مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه تقع على حافة البرية وحامة سواد العراق. وهي بليدة بينها وبين الكوفة ١٥ فرسخا (نحو ٨٠ كم) في طريق الحاج. وبها كانت وقعة القادسية المشهورة أيام عمر بن الخطاب.

وفي (معجم البلدان) لياقوت الحموي : القادس : السفينة العظيمة. والقادسية :بلدة بينها وبين الكوفة ١٥ فرسخا ، وبينها وبين العذيب أربعة أميال. قيل : سميت القادسية بقادس هراة.

٤٦٦

(الشكل ٦)

مخطط مسجد الكوفة

ويظهر في أطرافه قبر هانئ ومسلم والمختار رضي الله عنهم

٤٦٧

قال المدائني : كانت القادسية تسمى قديسا ، وذلك أن إبراهيمعليه‌السلام مرّ بها فرأى زهرتها ، ووجد هناك عجوزا فغسلت رأسه ، فقال : قدّست من أرض ، فسميت (القادسية).

تقع القادسية جنوب الكوفة ومنها

ينطلق طريق الحاج إلى مكة

٥٣٤ ـ الحيرة :

مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة (٦ كم) جنوبا ، على موضع يقال له النجف [هذا نجف الحيرة ، وليس نجف الكوفة المعروفة] ، زعموا أن بحر فارس [لعل المقصود به الخليج العربي] كان يتصل به.والنجف كان ساحل بحر الملح ، وكان في قديم الدهر يبلغ الحيرة.

ومعنى الحيرة في اللغة السريانية (الحصن) ، وكانت الحيرة من أكبر مدن العصور السالفة. وهي منازل آل (بقيلة) وغيرهم.

وكانت الحيرة مسكن ملوك العرب في الجاهلية ، وبها كانت منازل ملوك بني نصر من لخم ، وهم آل النعمان بن المنذر. وعلية أهل الحيرة نصارى ، وتكثر فيها الأديرة ، مثل دير علقمة ودير اللّج ودير هند الصغرى ودير هند الكبرى ؛ بنتي النعمان بن المنذر ، ودير حتّه ودير السّوا (أي العدل).

وبنى فيها المناذرة بعد تنصّرهم القصور والكنائس الكبيرة والحصون المنيعة.وبنى فيها النعمان بن المنذر قصرين شهيرين هما : الخورنق والسّدير.

ولقد مرّت على (الحيرة) فترات من العمران والخراب. فلما مات بخت نصّر انضم عرب الحيرة إلى أهل الأنبار (مدينة تسمى اليوم الرمادي ، وتقع على نهر الفرات) ، وبقي الحير خرابا زمانا طويلا ، لا تطلع عليه طالعة من بلاد العرب. وبعد خمسمائة سنة عمّرت الحيرة في زمن عمرو بن عدي ، باتخاذه إياها مسكنا ، وظلت عامرة أكثر من خمسمائة سنة ، إلى أن جاء الفتح الإسلامي وعمّرت (الكوفة) ونزلها المسلمون ، فأهملت الحيرة.

٥٣٥ ـ الخورنق والسّدير :

إنما تكلمت عن الحيرة ، والآن أتكلم عن الخورنق والسدير ، لأبيّن أن هذه المنطقة التي حول الكوفة كانت مهد حضارات قديمة منذ أقدم العصور.

٤٦٨

يقع قصر الخورنق بالقرب من الحيرة مما يلي الشرق ، على بعد ثلاثة أميال (انظر الشكل ٧). والخورنق تعريب للكلمة الفارسية (خورنكاه) ومعناها : محل الأكل.

والسّدير : قصر في وسط البرية التي بينها وبين الشام.

وفي كتاب (العرب قبل الإسلام) لجرجي زيدان ، ج ١ ص ٢٠٤ ط مصر ، قال :

كانت الحيرة على شاطئ الفرات ، والفرات يدنو من أطراف البر حتّى يقرب من النجف ، فلما تبسّط النعمان في العيش رأى أن يتّخذ مجلسا عاليا يشرف منه على المدينة ، فاتخذ الخورنق على مرتفع يشرف منه على النجف ، وما يليه من البساتين والجنان والأنهار.

٥٣٦ ـ النّخيلة :

هي العباسية (في كلام ابن نما) ، وتعرف اليوم بالعباسيات ، وهي قريبة من (ذي الكفل). وفي (اليقين) لابن طاووس : أن النخيلة تبعد فرسخين عن الكوفة (انظر الشكل ٧).

(الشكل ٧) : مصور سواد الكوفة

[مأخوذ من كتاب (خطط الكوفة وشرح خريطتها) للمسيولويس ماسينيون]

٤٦٩

٥٣٧ ـ النجف والغريّ :

تقع النجف على بعد ٧ كم جنوب غرب الكوفة ، وترتفع ٣٦ مترا عن الكوفة الواقعة على الفرات. والنجف في اللغة : التل ، لأنه عال. ووراء مدينة النجف البحيرة المعروفة ببحر النجف ، حيث تنخفض الأرض انخفاضا هو أوطأ من مستوى نهر الفرات الموازي لها.

يقع بحر النجف من جهة الجنوب الغربي من المدينة ، يبتدئ من نهر الفرات عند (أبي ضمير) وينتهي فوق المدينة. ويغلب على الظن أن هذا البحر حصل هنا بتأثير زلزال انخفضت من جرائه الأرض ، فانسابت إليها مياه الفرات ، فتكونت هذه البحيرة ، التي عرضها عشرة كيلو مترات.

وكان اسم (النجف) يطلق قديما على الجزء الغربي ـ المطلّ على البحيرة المالحة ـ من ذلك اللسان الّذي تقع الكوفة في النقطة الشمالية الشرقية منه (من جهة الفرات). وهذه الذروة صارت في عصر اللخميين تسمى (الغريّ). والغراء :الحسن ، ومنه الغريّ (كغنيّ) : الحسن الوجه. والغري : البناء الجيد.

ومنه : الغريّان ، وهما بناءان مشهوران بالكوفة عند الثويّة ، حيث قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام . زعموا أنهما بناهما بعض ملوك الحيرة ، حيث كان الأمير (ماء السماء) قد نصب عليها عمودين : الغريّين.

محاولة قتل عبيد الله بن زياد

تضاربت الأخبار حول محاولة قتل عبيد الله بن زياد. فبعض الروايات تقول إن هانئ بن عروة كان مريضا منذ جاء ابن زياد إلى الكوفة ، فلما علم هانئ بزيارته طلب من مسلم بن عقيل وكان عنده ، أن يغتال ابن زياد أثناء الزيارة. وهذه الرواية مستبعدة للأسباب التي ستأتي.

وفي رواية أن أحد أصحاب هانئ طلب منه قتل ابن زياد ، أثناء مجيء ابن زياد لعيادته ، فرفض.

وفي روايات أخرى أن الّذي مرض هو شريك بن الأعور ، وكان مقيما في دار هانئ ، فطلب من مسلم قتل ابن زياد أثناء عيادته له ، وأن هانئا ترجّى مسلما أن لا يقتله في داره ، وكذلك زوجة هانئ توسّلت إليه بأن لا يقتله.

٤٧٠

ويمكن التوفيق بين هذه الروايات ، بأن عبيد الله بن زياد قد زار دار هانئ مرتين ، وذلك أن هانئ مرض أولا فعاده ، ثم مرض شريك فزاره. ولا بدّ أن ذلك حصل قبل أن تتم مكيدة (معقل) مولى ابن زياد ، وينكشف مكان مسلم.

٥٣٨ ـ علاقة شريك بهانئ بن عروة :

(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٣٣)

وكان هانئ بن عروة مواصلا لشريك بن الأعور البصري الّذي قام مع ابن زياد.وكان شريك ذا شرف بالبصرة وخطر. فانطلق هانئ إليه حتّى أتى منزله ، وأنزله مع مسلم بن عقيل في الحجرة التي كان فيها.

وكان شريك بن الأعور من كبار الشيعة بالبصرة ، فكان يحثّ هانئا على القيام بأمر مسلم.

٥٣٩ ـ مرض هانئ :(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٦١)

ومرض هانئ بن عروة بعد نزول مسلم بن عقيل عنده ، فأتاه عبيد الله يعوده. فقال عمارة بن عبد السلولي لهانئ : إنما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية ، وقد أمكنك الله ، فاقتله. فقال هانئ : ما أحبّ أن يقتل في داري. وجاء ابن زياد فجلس عنده ، ثم خرج.

٥٤٠ ـ مرض شريك بن الأعور :(المصدر السابق)

فما مكث إلا جمعة حتّى مرض شريك بن الأعور ، وكان قد نزل على هانئ.وكان كريما على ابن زياد وعلى غيره من الأمراء. وكان شديد التشيّع ، قد شهد صفين مع عمار. فأرسل إليه عبيد الله : إني رائح إليك العشية. فقال لمسلم : إن هذا الفاجر عائدي العشية ، فإذا جلس اخرج إليه فاقتله ، ثم اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه ، فإن برئت من وجعي ، سرت إلى البصرة حتّى أكفيك أمرها.وعلامتك أن أقول : اسقوني ماء. ونهاه هانئ عن ذلك.

٥٤١ ـ هانئ يتوسّل إلى مسلم بعدم قتل ابن زياد في داره ، ومسلم يتورّع عن قتله :(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد)

هناك توسّل هانئ إلى مسلم أن لا يقتل عبيد الله أثناء عيادته لشريك. فلما كان وقت الميعاد جاء عبيد الله بن زياد ، ودخل مسلم الخباء ، وهمّ مسلم أن يخرج إليه ،

٤٧١

فوثب إليه هاني وقال له : يا سيدي ناشدتك الله لا تفعل ذلك ، ولا تحدث في منزلنا حادثة ، فإن فيه نسوة ضعافا وأطفالا صغارا فأخاف عليهم. فقال مسلم : معاذ الله أن يصاب أحد من أجلنا بمكروه ، فنكون قد تقلدّنا إثمه. وقبل قول هاني وأطاع أمره وبقي على حاله. فأبطأ ذلك على شريك ، فجعل يتمثّل بهذه الأبيات :

ما تنظرون بسلمى لا تحيّوها

حيّوا سليمى وحيّوا من يحيّيها

هل شربة عذبة أسقى على ظمأ

ولو تلفت وكانت منيتي فيها

وإن تخشّيت من سلمى مراقبة

فلست تأمن يوما من دواهيها

٥٤٢ ـ زيارة ابن زياد لشريك بن الأعور في دار هانئ :

(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٣٤)

قال أبو حنيفة الدينوري : ومرض شريك بن الأعور في منزل هانئ مرضا شديدا.وبلغ ذلك عبيد الله بن زياد ، فأرسل إليه يعلمه أنه يأتيه عائدا.

فقال شريك لمسلم : إنما غايتك وغاية شيعتك هلاك هذا الطاغية ، وقد أمكنك الله منه ، وهو صائر إليّ ليعودني ، فقم فادخل الخزانة ، حتّى إذا اطمأن عندي ، فاخرج إليه فقاتله. ثم صر إلى قصر الإمارة فاجلس فيه ، فإنه لا ينازعك فيه أحد من الناس. وإن رزقني الله العافية صرت إلى البصرة ، فكفيتك أمرها ، وبايع لك أهلها.

فقال هانئ : ما أحبّ أن يقتل في داري ابن زياد.

فقال له شريك : ولم؟. فوالله إنّ قتله لقربان إلى الله.

ثم قال شريك لمسلم : لا تقصّر في ذلك.

فبينا هم على ذلك إذ قيل لهم : الأمير بالباب!. فدخل مسلم بن عقيل الخزانة.ودخل عبيد الله بن زياد على شريك ، فسلّم عليه ، وقال : ما الذي تجد وتشكو؟.فلما طال سؤاله إياه ، استبطأ شريك خروج مسلم ، وجعل يقول ويسمع مسلما :

ما تنظرون بسلمى عند فرصتها

فقد وفى ودّها واستوسق الصّرم(١)

وجعل يردد ذلك.

__________________

(١) الصّرم : الطائفة المجتمعة من القوم.

٤٧٢

فقال ابن زياد لهانئ : أيهجر؟(أي يهذي).

قال هانئ : نعم ، أصلح الله الأمير ، لم يزل هكذا منذ أصبح.

ثم قام عبيد الله وخرج. فخرج مسلم بن عقيل من الخزانة ، فقال شريك : ما الذي منعك منه إلا الجبن والفشل؟!.

قال مسلم : منعني منه خلّتان : إحداهما كراهية هانئ أن يقتل في منزله ، والأخرى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن بمؤمن» (يعني : إن إيمان الرجل يمنعه عن الفتك برجل على سبيل الاحتيال والإغتيال ، ولو كان المقتول كافرا).

قال شريك : أما والله لو قتلته لاستقام لك أمرك ، واستوسق لك سلطانك.

(وفي رواية ابن الأثير) : «لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا ، كافرا غادرا».

ولم يعش شريك بعد ذلك إلا أياما ، حتّى توفي. وشيّع ابن زياد جنازته ، وتقدم فصلى عليه.

(وفي رواية ابن الأثير) : «فلما علم عبيد الله أن شريكا كان حرّض مسلما على قتله ، قال : والله لا أصلي على جنازة عراقي أبدا. ولو لا أن قبر زياد فيهم لنبشت شريكا».

وكان شريك من خيار الشيعة وعبّادها ، غير أنه كان يكتم ذلك إلا عمن يثق به من إخوانه.

ترجمة شريك بن الأعور

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٣٩)

أبوه الحارث الأعور الهمداني ، من خواص أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو الّذي يقول فيه :

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

ولما رأى الإمامعليه‌السلام بطولات بني همدان في حروبه قال فيهم :

ولو كنت بوّابا على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

وكان شريك شديد التشيّع ، وقد شهد صفين. وحكايته مع معاوية حين عيّره في اسمه مشهورة.

٤٧٣

(رواية أخرى) : تمارض هانئ لقتل عبيد الله بن زياد :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ج ٢ ص ٤)

فقال هانئ بن عروة لمسلم : إن لي من ابن زياد مكانا ، وسوف أتمارض له ، فإذا جاء يعودني فاضرب عنقه.

قال : فقيل لابن زياد : إن هانئ بن عروة شاك يقيء الدم.

قال : وشرب المغرة فجعل يقيئها.

قال : فجاء ابن زياد يعوده. وقال لهم هانئ : إذا قلت لكم : اسقوني ، فاخرج إليه فاضرب عنقه. فقال : اسقوني ، فأبطؤوا عليه. فقال : ويحكم اسقوني ولو كان فيه ذهاب نفسي.

قال : فخرج عبيد الله بن زياد ولم يصنع الآخر شيئا. وكان مسلم من أشجع الناس ، ولكنه أخذته كبوة.

٥٤٣ ـ مكيدة بواسطة (معقل) تنطلي على مسلم بن عوسجة :

(الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ، ص ٢٣٥)

وخفي على عبيد الله بن زياد موضع مسلم بن عقيل ، فقام لمولى له من أهل الشام يسمى (معقلا) وناوله ثلاثة آلاف درهم في كيس ، وقال : خذ هذا المال وانطلق ، فالتمس مسلم بن عقيل ، وتأنّ له بغاية التأني.

فانطلق الرجل حتّى دخل المسجد الأعظم ، وجعل لا يدري كيف يتأنى الأمر.ثم إنه نظر إلى رجل يكثر الصلاة إلى سارية من سواري المسجد ، فقال في نفسه : إن هؤلاء الشيعة يكثرون الصلاة ، وأحسب هذا منهم. فجلس الرجل حتّى إذا انفتل من صلاته قام ، فدنا منه وجلس ، فقال : جعلت فداك ، إني رجل من أهل الشام (من حمص) مولى لذي الكلاع ، وقد أنعم الله عليّ بحبّ أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبّ من أحبهم ، ومعي هذه الثلاثة آلاف درهم ، أحبّ إيصالها إلى رجل منهم.بلغني أنه قدم هذا المصر داعية للحسين ابن عليعليه‌السلام ، فهل تدلني عليه لأوصل هذا المال إليه؟. ليستعين به على بعض أموره ، ويضعه حيث أحبّ من شيعته؟.

فقال له الرجل : وكيف قصدتني بالسؤال عن ذلك دون غيري ممن هو في المسجد؟.قال : لأني رأيت عليك سيما الخير ، فرجوت أن تكون ممن يتولى أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤٧٤

قال له الرجل : ويحك ، قد وقعت عليّ بعينك ، أنا رجل من إخوانك ، واسمي مسلم بن عوسجة ، وقد سررت بك ، وساءني ما كان من حسّي قبلك ، فإني رجل من شيعة أهل هذا البيت ، خوفا من هذا الطاغية ابن زياد ، فأعطني ذمة الله وعهده ، أن تكتم هذا عن جميع الناس. فأعطاه من ذلك ما أراد.

فقال له مسلم بن عوسجة : انصرف يومك هذا ، فإن كان غد فائتني في منزلي حتّى أنطلق معك إلى صاحبنا [يعني مسلم بن عقيل] فأوصلك إليه.

فمضى الشامي فبات ليلته. فلما أصبح غدا إلى مسلم بن عوسجة في منزله ، فانطلق به حتّى أدخله إلى مسلم بن عقيل ، فأخبره بأمره. ودفع إليه الشامي ذلك المال ، وبايعه.

فكان الشامي يغدو إلى مسلم بن عقيل ، فلا يحجب عنه ، فيكون نهاره كله عنده ، فيتعرف جميع أخبارهم. فإذا أمسى وأظلم عليه الليل ، دخل على عبيد الله بن زياد ، فأخبره بجميع قصصهم ، وما قالوا وفعلوا في ذلك. وأعلمه نزول مسلم في دار هانئ بن عروة.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ١ ص ٢٠٢ ط نجف :

فبقي ابن زياد متعجبا ، وقال لمعقل : انظر أن تختلف إلى مسلم [أي تزوره] في كل يوم ، ولا تنقطع عنه ، فإنك إن قطعته استرابك ، وتنّحى عن منزل هاني إلى منزل آخر ، فألقى في طلبه عناء.

٥٤٤ ـ إمساك عبد الله بن يقطر :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٣ ط نجف)

فلما دخل ابن زياد القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد الله بن يقطر ، فإذا فيه : للحسين بن عليعليهما‌السلام : أما بعد ، فإني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا ، فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل ، فإن الناس معك ، وليس لهم في يزيد رأي ولا هوى.

فأمر ابن زياد بقتله.

٥٤٥ ـ مقتل عبد الله بن يقطر (على رواية أخرى):

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٣)

فبينا عبيد الله مع القوم إذ دخل رجل من أصحابه يقال له مالك بن يربوع التميمي ،

٤٧٥

فقال : أصلح الله الأمير ، ههنا خبر!. قال ابن زياد : ما ذاك؟. قال : كنت خارج الكوفة أجول على فرسي إذ نظرت رجلا خرج من الكوفة مسرعا يريد البادية ، فأنكرته. ثم إني لحقته وسألته عن حاله فذكر أنه من المدينة ، فنزلت عن فرسي وفتشته ، فأصبت هذا الكتاب.

فأخذه ابن زياد ، فإذا فيه مكتوب : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. للحسين ابن عليعليهما‌السلام : أما بعد ، فإني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة ما ينيف على عشرين ألفا ، فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل ، فإن الناس كلهم معك ، وليس لهم في يزيد بن معاوية هوى ولا رأي ، والسلام.

فقال ابن زياد : أين هذا الرجل الّذي أصبت معه الكتاب؟. قال : هو بالباب.قال : ائتوني به ، فأدخل. فلما وقف بين يدي ابن زياد ، قال له : من أنت؟. قال :مولى لبني هاشم. قال : ما اسمك؟. قال : عبد الله بن يقطر. قال : من دفع إليك هذا الكتاب؟. قال : امرأة لا أعرفها ، فضحك ابن زياد. قال : اختر واحدة من اثنتين : إما أن تخبرني من دفع إليك هذا الكتاب ، أو تقتل. فقال : أما الكتاب فإني لا أخبرك من دفعه إليّ ، وأما القتل فإني لا أكرهه ، لأني لا أعلم قتيلا عند الله أعظم أجرا من قتيل يقتله مثلك. فأمر ابن زياد فضرب عنقه صبرا(١) .

ترجمة عبد الله بن يقطر

أرسله الحسينعليه‌السلام برسالة إلى أهل الكوفة وهو في طريقه إلى العراق.وقد اختلف بين أن تكون وفاته وهو ذاهب بهذه الرسالة ، أو بين أن يكون قد أوصلها ثم قبض عليه وهو راجع بجوابها من أهل الكوفة.

وكان عبد الله بن يقطر صحابيا. وكان لدة الحسينعليه‌السلام [أي الّذي ولد معه في زمن واحد] لأن (يقطر) كان خادما عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت زوجته ميمونة في بيت أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فولدت عبد الله قبل ولادة الحسينعليه‌السلام بثلاثة أيام. وكانت حاضنة للحسينعليه‌السلام ، لأنه لم يرضع من أمه فاطمةعليها‌السلام ، فلذلك فهو أخو الحسينعليه‌السلام من الرضاعة. (انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة للجزري)

__________________

(١) يقال قتل صبرا : إذا قتل وهو أسير ، لا يسمح له أن يدافع عن نفسه أو يقاتل خصمه.

٤٧٦

٥٤٦ ـ استدعاء هانئ بن عروة إلى قصر الإمارة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٣ ط نجف)

وخاف هانئ من عبيد الله بن زياد على نفسه ، فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض. فسأل عنه ابن زياد؟ فقيل : هو مريض. فقال : لو علمت بمرضه لعدته.

ودعا محمّد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وكانت رويحة بنت عمرو هذا تحت هانئ. فقال لهم : ما يمنع هانئ من إتياننا؟. فقالوا : ما ندري ، وقد قيل إنه مريض. قال : قد بلغني ذلك ، وبلغني أنه بريء ، وأنه يجلس على باب داره. فالقوه ومروه أن لا يدع ما عليه من حقنا ، فإني لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.

(وفي مقتل الخوارزمي ج ١ ص ٢٠٣) فقال : «صيروا إلى هانئ بن عروة المذحجي فسلوه أن يصير إلينا ، فإنا نريد مناظرته. فركب القوم ثم صاروا إلى هانئ فوجدوه جالسا على باب داره ، فسلّموا عليه» ، وقالوا له : ما يمنعك من لقاء الأمير ، فإنه قد ذكرك وقال : لو أعلم أنه مريض لعدته. فقال لهم : المرض يمنعني. فقالوا :إنه قد بلغه أنك تجلس كل عشية على باب دارك ، وقد استبطأك. والإبطاء والجفاء لا يحتمله السلطان من مثلك ، لأنك سيد في قومك ، ونحن نقسم عليك إلا ركبت معنا.

٥٤٧ ـ هانئ يحسّ بالشّر الّذي يترصده :(المصدر السابق)

فدعا [هانئ] بثيابه فلبسها ، ثم دعا ببغلته فركبها. حتّى إذا دنا من القصر كأن نفسه أحسّت (بالشر) ببعض الّذي كان. فقال لحسان بن أسماء ابن خارجة : يابن الأخ ، إني والله لهذا الرجل لخائف ، فما ترى؟. قال :

يا عم والله ما أتخوّف عليك شيئا (فلا تحدّثنّ نفسك بشيء من هذا) ولم تجعل على نفسك سبيلا. ولم يكن حسان يعلم مما كان شيئا ، وكان محمّد بن الأشعث عالما به.

٥٤٨ ـ دعوة هانئ إلى قصر الإمارة لقتله :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ص ٥)

فقيل لابن زياد : والله إن في البيت رجلا متسلحا. قال : فأرسل ابن زياد إلى هانئ ، فدعاه. فقال : إني شاك [أي مريض] لا أستطيع النهوض. فقال : ائتوني به

٤٧٧

وإن كان شاكيا. قال : فأخرج له دابة ، فركب ومعه عصاه ، وكان أعرج. فجعل يسير قليلا ويقف ، ويقول : مالي أذهب إلى ابن زياد؟!. فما زال ذلك دأبه حتّى دخل عليه.

فقال له عبيد الله بن زياد : يا هانئ ، أما كانت يد زياد عندك بيضاء؟. قال : بلى.قال : ويدي؟. قال : بلى. فقال : يا هانئ قد كانت لكم عندي يد بيضاء ، وقد أمّنتك على نفسك ومالك. فتناول العصا التي كانت بيد هانئ فضرب بها وجهه حتّى كسرها.

٥٤٩ ـ إمساك هانئ ومعاملته بقسوة :

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٢٩٩)

قال الذهبي : فبعث ابن زياد إلى هانئ ـ وهو شيخ ـ فقال : ما حملك على أن تجير عدوي؟. قال : يابن أخي ، جاء حقّ هو أحقّ من حقك. فوثب إليه عبيد الله بالعنزة [عصا يتوكأ عليها الشيخ] حتّى غرز رأسه بالحائط.

٥٥٠ ـ دخول هانئ على ابن زياد :(لواعج الأشجان ، ص ٤٤)

فجاء هانئ والقوم معه حتّى دخلوا على عبيد الله. فلما طلع (نظر إليهم من بعيد) قال عبيد الله لشريح القاضي ، وكان جالسا عنده :

أتتك بخائن رجلاه تسعى

يقود النفس منها للهوان

فلما دنا من ابن زياد التفت إلى شريح وأشار إلى هانئ ، وأنشد بيت عمرو بن معديكرب الزبيدي :

أريد حياته ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

فقال له هانئ : وما ذاك أيها الأمير؟. قال : إيه يا هانئ ، ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين؟. جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الجموع والسلاح في الدور حولك ، وظننت أن ذلك يخفى عليّ؟!. قال : ما فعلت ذلك ، وما مسلم عندي. قال : بلى قد فعلت.

فلما كثر ذلك بينهما ، وأبى هانئ إلا مجاحدته ومناكرته ، دعا ابن زياد (معقلا) ذاك اللعين ، فقال : أتعرف هذا؟. قال : نعم. وعلم هانئ عند ذلك أنه كان عينا [أي جاسوسا] عليهم ، وأنه قد أتاه بأخبارهم ، فسقط في يده ساعة [أي بهت وتحيّر ما يدري ما يقول] ، ثم راجعته نفسه.

٤٧٨

(وفي رواية مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٤) : «فقال : أصلح الله الأمير. ما بعثت إلى مسلم ولا دعوته ، ولكنه جاءني مستجيرا ، فاستحييت من ردّه ، وأخذني من ذلك ذمام». فضيّفته وآويته ، وقد كان من أمره ما قد بلغك. فإن شئت أعطيتك الآن موثقا تطمئن به ، ورهينة تكون في يدك ، حتّى أنطلق وأخرجه من داري ، فأخرج من ذمامه وجواره.

فقال له ابن زياد : والله لا تفارقني أبدا حتّى تأتيني به. قال : لا والله لا أجيئك به أبدا. أجيئك بضيفي تقتله!(أيكون هذا في العرب؟). قال ابن زياد : والله لتأتينّي به. فقال هانئ : لا والله لا آتيك به أبدا.

٥٥١ ـ ابن زياد يجدع أنف هانئ بن عروة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٥ ط نجف)

ثم قال ابن زياد : والله لتأتينّي به أو لأضربنّ عنقك. فقال هانئ : إذن والله لتكثر البارقة [أي السيوف] حول دارك. فقال ابن زياد : والهفاه عليك ، أبالبارقة تخوّفني!. وهانئ يظن أن عشيرته سيمنعونه.

ثم قال : ادنوه مني ، فأدني منه ، فاستعرض وجهه بالقضيب ، فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخده ، حتّى كسر أنفه وسالت الدماء على ثيابه ووجهه ولحيته ، ونثر لحم جبينه وخده على لحيته ، حتّى كسر القضيب. وضرب هانئ بيده على قائم سيف شرطي ، وجاذبه الشرطي ومنعه من ذلك السيف.

فصاح ابن زياد : خذوه. فأخذوه وألقوه في بيت من بيوت القصر ، وأغلقوا عليه الباب. فقال : اجعلوا عليه حرسا ، ففعل ذلك به.

ثم وثب أسماء بن خارجة ، فقال له : أيها الأمير ، أرسل غدر سائر اليوم ، أمرتنا أن نجيئك بالرجل ، حتّى إذا جئناك به هشّمت أنفه ووجهه ، وسيّلت دماءه على لحيته ، وزعمت أنك تقتله!. فقال له عبيد الله : وإنك لههنا

(وأنت ههنا أيضا)؟. فأمر به فضرب وأجلس ناحية. فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إلى نفسي أنعاك يا هانئ.

٥٥٢ ـ تداعي مذحج لتخليص هانئ ، وخدعة شريح القاضي :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٥)

قال : وبلغ ذلك بني مذحج ، فركبوا بأجمعهم وعليهم عمرو بن الحجاج الزبيدي

٤٧٩

(وكانت رويحة بنت عمرو زوجة هانئ) فوقفوا بباب القصر. ونادى عمرو : يا عبيد الله (أنا عمرو بن الحجاج) وهذه فرسان مذحج (ووجوهها) ، لم تخلع طاعة ولم تفرّق جماعة ، فلم تقتل صاحبنا؟!.

فقال ابن زياد لشريح القاضي : ادخل على صاحبهم فانظر إليه ، ثم اخرج إليهم فأعلمهم أنه (حي) لم يقتل. قال شريح : فدخلت عليه ، فقال هاني : ويحك (يا لله يا للمسلمين) أهلكت عشيرتي!. أين أهل الدين فلينقذوني من يد عدوهم وابن عدوهم؟. ثم قال والدماء تسيل من لحيته : يا شريح هذه أصوات عشيرتي ، أدخل منهم عشرة ينقذوني.

قال شريح : فلما خرجت تبعني حمران بن بكير ، وقد بعثه ابن زياد عينا عليّ ، فلو لا مكانه لكنت أبلّغ أصحابه ما قال.

ثم خرج شريح فقال : يا هؤلاء لا تعجلوا بالفتنة ، فإن صاحبكم لم يقتل.

(فقال له عمرو بن الحجاج وأصحابه : أما إذا لم يقتل فالحمد لله). ثم انصرف القوم.

تعليق : يقول العلامة السيد محسن الأمينرحمه‌الله في (أعيان الشيعة) ج ٤ ص ١٦٩: وهكذا يتمكن الظالم من ظلمه ، بأمثال محمّد بن الأشعث من أعوان الظلمة ، وأمثال شريح من قضاة السوء ، المظهرين للدين ، المصانعين الظلمة ، اللابسين جلود الأكباش ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، وبأمثال (مذحج) الذين اغتروا بكلام شريح ، وانصرفوا ولم يأخذوا بالحزم.

٥٥٣ ـ خطبة ابن زياد في مسجد الكوفة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٦)

(ولما ضرب عبيد الله هانئا وحبسه ، خاف أن يثب به الناس). فخرج حتّى دخل المسجد الأعظم ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، فنظر إلى أصحابه عن يمين المنبر وشماله ، في أيديهم الأعمدة والسيوف المسللة. (فخطب خطبة موجزة) فقال : أما بعد ، يا أهل الكوفة ، فاعتصموا بطاعة الله ، وطاعة رسول الله ، وطاعة أئمتكم ، ولا تختلفوا وتفرقوا ، فتهلكوا وتندموا وتذلوا وتقهروا وتحرموا ، ولا يجعلن أحد على نفسه سبيلا. وقد أعذر من أنذر.

فما أتمّ الخطبة حتّى سمع الصيحة!. فقال : ما هذا؟. فقيل له : أيها الأمير

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205