ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235952 / تحميل: 3905
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الفيلسوف اليوناني «أشين» :

«الآن وقد هرمت فإنني أرى الأشياء على حقيقتها ، فتعلمت كثيراً ، ولم يبقَ شيء لم أتعلمه إلا أنني أرى نفسي جاهلاً ، يبحث لا أفهم كيفية ذَرّة واحدة لا قيمة لها»(٤٨٢) .

إذن ، نستفيد مما تقدم من دعاة العلم والثقافة العصرية ، الذين يعبرون عن المعجزات والكرمات بأنّها خزعبلات وخرافات ، بناء منهم على أنّ أي ظاهرة غريبة على العقول يتم تفسيرها على أساس من دراسة وبحث علمي ، وعندما تفسر ويدرك سرُّها تنتفي في الحال معجزاتها ؛ ولهذا يقولون : إذا بزع نور العقل ؛ ولى زمن المعجزات!. وهذا الإدعاء غير صحيح لسوء فهم معنى المعجزة ، وقد برهنا على هذا العجز في وصولهم إلى سرّ المعجزة. وذلك من خلال إعترافات بعض علماء العلم الحديث في ذلك.

ثانياً ـ إعتراف علماء الغرب بوجود المعجزة :

يقول الدكتور ألكسيس كاريل(٤٨٣) في كتابه (الإنسان ذلك المجهول) :

__________________

(٤٨٢) ـ المصدر السابق.

(٤٨٣) ـ جَرّاح وعالم أحياء فرنسي ، ولد بالقرب من ليون بفرنسا عام (١٨٧٣ م) ، وحصل على إجازة الطب من هذه المدينة ، كما حصل على إجازة في العلوم من ديّجون ، وبعد أن تعلم ومارس التدريس في ليون عدة أعوام ، سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام (١٩٠٥) ، وتوظف في معهد روكفلر للأبحاث العلمية (جامعة روكفلر) بنيويورك ، وبقي قرابة ثلاثين عاماً حتى إعتزال وعاد إلى فرنسا في عام (١٩٢٩ م). وقد منح جائزة نوبل لأبحاثه الطبية الفَذّة عام (١٩١٢ م) ، تقديراً لجهوده في جراحة الأوعية الدموية ، وفي زراعة الأعضاء والأنسجة. وفي فترة الحرب العالمية الأولى عام (١٩١٤ م ـ ١٩١٨ م) ، طَوّر مع العالم الإنجليزي هنري داكين ، المحلول المطهر كاريل ـ داكين ، لعلاج الأصابات والجروح. وبعد إعتزاله في عام (١٩٣٩ م) إستمر في أبحاثه المتعلقة بـ(القلب الميكانيكي) ، الذي قيل : إن في امكانه وصل (الحياة) لأ عضاء الجسم التي تفصل عن القلب الحقيقي فترة غير محدودة. ومن بين مؤلفاته (الإنسان ذلك المجهول ، والدعاء). وقد مات في باريس في شهر نوفمبر من عام (١٩٤٤ م).

٤٠١

«ففي جميع البلاد والأزمان آمن الناس بوجود المعجزات وبشفاء المرض سريعاً في أماكن الحج وفي معابد معينة. بيد أنّ قوة العلم الدافعة إبان القرن التاسع عشر ، جعلت مثل هذا الإيمان يختفي تماماص ، ولقد كان المعترف به بصفة عامة أنّ مثل هذه المعجزات لم تحدث فحسب ، بل أيضا أنّها مستحيلة الحدوث ، فكما أنّ قوانين علم الحرارة الديناميكي تجعل الحركة مستمرة مستحيلة ، فإنّ القوانين السيكولوجية تعارض المعجزات. ذلك هو إذن موقف علماء النفس والأطباء ومع ذلك ، فبالنظر إلى الحقائق التي لوحظت خلال الخمسين عاماً الأخيرة ، فلن يكون في الإمكان الإصرار على هذا الموقف ، فإنّ أكثر حالات الشفاء الإعجازي أهمية هي التي سجلها المركز الطبي للورد ، أما فكرتنا الحالية عن تأثير الصلاة على الأمراض الباثولوجية ؛ فقائمة على ملاحظة المرضى الذين شفوا فوراً تقريباً من الأمراض المختلفة ، مثل : سل البريتون ، والخراجات الباردة ، وإلتهاب العظام والجروح العفنة ، وسِل الأنسجة والسرطان الخ. وتختلف عملية الشفاء قليلاً من شخص لآخر.

وغالباً ما يشعر المريض بألم حاد يعقبه على الفور إحساس مفاجئ بالشفاء ففي ثوان معدودة ، أو دقائق معدودة ، أو على الأكثر في ساعات معدودة تلتئم الجروح وتختفي الأعراض الباثولوجية (المرضية) ، ويسترد المريض شهيته. وقد تختفي الإضطرابات الوظيفية أحياناً قبل أن نصلح الجروح التشريحية. وقد تستمر التشوهات الهيكلية الناتجة من مرض بوت أو الغدد السرطانية ، يومين أو ثلاثة أيام بعد شفاء القروح الرئيسية ، وتتصف المعجزة الرئيسية بسرعة متناهية في عملية الإصلاح العضوي. وليس هناك شك في أنّ درجة إلتئام التناقص التشريحية أكثر بكثير من الدرجة العادية ، بيد أنّ الشرط

٤٠٢

الذي لا مَفرّ منه لحدوث الظاهرة هو : الصلاة إلا أنّه لا توجد ضرورة تدعو المريض نفسه للصلاة ، أو أن يكون على درجة من الإيمان الديني ، وإنما يكفي أن يصلي أحد الموجودين حوله ، إنّ لمثل هذه الحقائق مغزى عظيماً ، فإنّها تدل على حقيقة علاقات معينة ، ذات طبيعة ما زالت غير معروفة بين العمليات السيكولوجية والعضوية ، وتبرهن على الأهمية الواضحة للنشاط الروحي التي أهمل علماء الصحة والأطباء والمربون ورجال الإجتماع دراستها إهمالاً يكاد يكون تاماً إنّها تفتح للإنسان عالماً جديداً»(٤٨٤) .

إذن ، بعد الإعتراف من هذه الشخصية البارزة في الأوساط العلمية الأوربية ، التي أثبتت وجود المعجزات والكرامات ، لا داعي لما يقوله منكري المعجزات والكرامات. بل يمكن القول : بأنّ وقوع هذه المعجزات والكرامات ضروري كي يتوجه البشر إلى عظمة الخالق عَزّ وجَلّ ، وما يفيضه عليهم من العم والسعادات الدنيوية والأخروية. لكن مما يؤسف له ، أنّ الإنسان بدل أن يتوجه إلى الخالق سبحانه وتعالى بالحمد والشكر على ما توصل إليه من إنجازات علمية ، تجعله يلتزم بالقيم الإنسانية ، إنغمس في الحياة المادية ، فأوقعه في مهالكها وشرورها ، فحطم شرفه وسعادته بذلك.

يقول ألكسيس كاريل : «إنّ الحضارة لم تفلح حتى في خلق بيئة مناسبة للنشاط العقلي وترجع القيمة العقلية والروحية المنخفضة لأغلب بني الإنسان إلى حد كبير ، للنقائض الموجودة في جَوّهم السيكولوجي ؛ إذ أنّ تفوق المادة ومبادئ دين الصناعة حطمت الثقافة والجمال والأخلاق»(٤٨٥) .

__________________

(٤٨٤) ـ كاريل ، ألكسيس : الإنسان ذلك المجهول / ١٥٩ ـ ١٦١.

(٤٨٥) ـ نفس المصدر / ١٦٣.

٤٠٣

إلى أن قال : «وتدهورت الطبقات المثقفة لإنتشار الصحف إنتشاراً واسع المدى ، كذا الأدب الرخيص والراديو ودور السينما. ومن ثم فإنّ إزدياد الطبقة الغبية آخذ في الإزدياد أكثر فأكثر ، بالرغم من كمال المناهج التي تدرس في المدارس والكليات والجامعات. ومن العجيب أنّ بلادة الذهن توجد غالباً حيثما تتقدم المعرفة العلمية»(٤٨٦) .

وبعد هذا الباين إتضح لنا جواب هذا السؤال ، وتبين لنا أنّ القصص الدينية التي أهمها المعجزات ، هي أكبر برهان على إثبات الرسالات والمعتقدات الدينية ، التي جاءت لنشر ال علم وكل ما هو مفيد لسعادة الإنسان.

السؤال الثاني : هل ما نسبه الشيعة الإمامية من القصص والكرامات ، التي لها إرتباط بالحسين عليه السلام ، وتربته الطاهرة لها واقع ، أم أنّها اسطورة وخرافة ، الهدف منها دعم معتقدهم؟

يتضح جواب هذا السؤال بعد بيان العناوين الآتية :

الأول ـ الإمامة :

قبل الحدث عن الكرامة التي هي صلب موضوع السؤال ، لا بد من الحديث عن الإمامة التي يرجع إليها موضوع هذا السؤال ؛ إذ الكرامات هي إحدى الصفات التي تبرز شخص الإمام أمام عامة الناس ، وخصوصاً المعاندين والمشككين منهم في هذا الأمر. وقد عَرّفوا الإمامة بأنها :

رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا ، نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فنستفيد من هذا التعريف ، أنّ الإمامة تشكل ركناً هاماً باعتبارها إمتداداً للنبوة ، فكما أنّ النبوة عهد إلهي يصطفي له الباري عَزّ وجَلّ من يشاء من

__________________

(٤٨٦) ـ المصدر السابق ١٦٣.

٤٠٤

عباده ؛ باعتباره خالق البشر ومحيط بأسرارهم ومصالحهم الحقيقة ، فكذلك الإمامة التي هي إمتداد لها. وهذا هو معتقد الإمامية ، إذ تنفرد عن بقية المذاهب الإسلامية ؛ بأنّ الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا به ، وأنّها بمثابة روح الشريعة والقلب النابض فيها ، وأنّ حذفه أو تهميشه سيجعل من الدين جثة هامدة لا حياة فيها ، وإلى هذا يشير النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف : (من مات ولم يعرف إمام زمانه ؛ مات ميتة جاهلية). وهذا الحديث معروف مشهور بين علماء المسلمين ، فعلى هذا إتضح لنا أنّ الجهل بالإمامة ، هو إبتعاد عن الدين ، بل هو جاهلية لا تعرف الدين ، ولذا لا بد أن يلي أمر الدين بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى ، شخص لائق تتجسد فيه كل مقومات النبوة باستثناء الوحي ، كما أشار إلى ذلك سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف : (أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنّه لا نبي بعدي). وهذا حديث مشهور لا ينكره إلا جاهل معاند.

نستفيد منه أنّ لأمير المؤمنين عليه السلام كل ما كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من رتبة وعمل ومقام وحكم وسيادة ، عدا ما أخرجه الإستثناء من النبوة ، كما كان هارون من موسى عليه السلام ، بل هو نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في آية المباهلة( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) [آل عمران / ٦١]. وخلاصة القول : إنّ الإمام بمنزلة المرآة التي تنعكس فيها كل حقايق الإسلام ، وقد بلغ من الصفاء والطهر درجة ، مدحه وأثنى عليه العدو والصديق.

الثاني ـ الكرامة :

إنّ الله عَزّ وجَلّ قد وَفّرَ كل ما هو ضروري لحاجات الإنسان الفردية والإجتماعية ، لتي تؤدي إلى سعادته الدنيوية والأخروية ، ولا يضمن توجيه

٤٠٥

الإنسان إلى كل ذلك إلا الشخص الذي تنعكس من خلاله فيوضات السماء ، ويكون حلقة الوصل بين عالمي الغيب والشهادة ، المصان المسدد من وحي السماء ، فلا مانع من ظهور الكرامة على يديه ، تأييداً أو إبرازاً لمقامه ومنصبه المرتبط بعالم الغيب. وبعد هذا الإيضاح توصلنا إلى تعريف الكرامة ، وهي :

«أن يظهر الله تعالى على يدي ولي من الأولياء شيئاً يخالف العادة»(٤٨٧) .

وسميت بالكرامة ؛ لأنّها مشتقة من كَرُمَ. والتكريم والتعظيم والتنزيه والتشريف ، كل هذه الألفاظ يشتركن في مدلول واحد ، وهو أنّ الله تعالى يُكرِّم العبد الصالح بما يُظهره على يده ، أو عند قبره بما يخرق به العادة ، وما يسهله من الأمور الصعبة وإن لم تكن خارقة للعادة : كشفاء المرض وتعجيل البرء ، وإعطاء الأماني وما شاكل ذلك ، حتى تصل إلى حد الإعجاز ، فكل هذه الكرامات التي يكرم الله تعالى بها الأولياء والبررة الأتقياء ، وكل مقدور لله فهو ممكن.

إذن ، فالكرامة كالمعجزة في الشكل والصورة والتأثير على الطبيعة ، فما هو الفرق بينهما؟

يمكن التفريق بينهما بما يلي :

١ ـ أنّ المعجزة أمر خارق للعادة يقترن بإدعاء النبوة ، بخلاف الكرامة ، فإنّها ليست مقرونة بهذا الإدعاء ، أي أنّ المعجزة والكرامة كلاهما أمر إلهي ، لكنّه إن صدر من عبد صالح من دون إدعاء يقال له : كرامة. وإن كان مقترناً للإدعاء يقال له : معجزة. إذن ، فالمعجزة في حالة الإدعاء للنبوة أو الإمامة ـ باعتبارهما دليل إلهي لإتمام الحجة على الناس ، وإثبات مقامهما

__________________

(٤٨٧) ـ إعداد مجمع البحوث الإسلامية : شرح المصطلحات الكلامية / ٢٨٦.

٤٠٦

من باب اللطف ـ ، مقترناً بالتحدي لمن خالف ذلك مما يؤدي إلى عجز المخالف عن المكابرة.

٢ ـ إنّ المعجزة لا بد أن تقع وقت الطلب ، ولا يمكن تأخيرها ؛ حتى لا يلزم كذب المرسل إلى هداية الخلق من قبل الله تعالى. بخلاف الكرامة ، فإنّه يجوز إظهارها تفضلاً وإكراماً للولي وتشريفاً لا لزوم فيها ولا تحتمة ، وفائدتها صيانة ا لولي عن التعدي عليه وهتك حرمته ، وبظهور الكرامة لديه لا يمتهن ولا يحتقر ، بل يعظم ويحترم.

٣ ـ أطلق بعض العلماء إسم المعجزة على كل الخوارق للعادة ، التي صدرت من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الأئمة عليهم السلام سواء صدرت في مقام التحدي أو في غير مقام التحدي. إلا أنّ البعض الآخر قسم الكرامة إلى قسمين :

أولهما ـ الكرامة الثابتة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام ، وأنّها بيده وإختياره ، فإنّ أراد حصولها ؛ حصلت بإذن الله تعالى ، وإن لم يرد لم تحصل.

ثانيهما ـ الكرامة الثابتة لأولياء الحق من العبّاد والزهّاد الصالحين والشهداء والعلماء والأتقياء الورعين. فغالباً لا تكون باختيارهم ، فإنّ دعوتهم لشخص أو عليه ، قد تستجاب وقد لا تستجاب ، وكذلك ما يطلبونه لأنفسهم ، وأن ظهور الكرامة على يد أحدهم ، دليل على فضله وكونه مقرباً عند الله عَزّ وجَلّ.

الثالث ـ نهضة الحسين (عليه السلام) في نظر الآخرين :

إنّ نهضة الحسين عليه السلام ذات طابع روحاني مقدس يُهيمن على النفوس البشرية بشتى مللها ودياناتها ، وقد تفاعل معها منذ حدوثها بعض علماء اليهود والنصارى ، وقتلوا في مجلس يزيد (لع) ، بل استشهد فيها بعض من لا يعتقد

٤٠٧

بالحسين عليه السلام ، أمثال : وهب الكلبي ، فقد كان نصرانياً قبل دخوله في أنصار الحسين عليه السلام ، وكذلك زهير بن القين ، فقد كان عثمانياً ، كما هو مذكور في السيرة الحسينية ، وما زالت محوراً للدراسة والبحوث إلى يومنا هذا.

فقد ظهرت في هذا العصر عِدّة كتب ومقالات وبحوث ودراسات ، هدفها إعادة كتابة التاريخ الإسلامي من جديد ، ومن بين تلك الدراسات واقعة كرباء وما تحويه من شعائر حسينية. إلا أنّ الواقع هو تحريف التاريخ الإسلامي ، وهذا واضح للباحث والقارئ المنصف ، حينما يتأمل في خطوات هذه الدراسات ؛ إذ يلاحظ مبدأ التشكيك والرفض ، ونزع لباس الحقيقة والموضوعية عنها ، بجمع الأكاذيب والإفتراءات التي قيلت وكتبت فيها ، والهدف من كل ذلك هو تشوييها وتحريفها عن واقعها ، ورسم صورة سوداء وغريبة في مخيلة القارئ ، بحيث تجعله يستعد نفسياً وعقلياً لتقبل تلك التشكيكات والطعون ، بعيداً عن البحث النزيه ، والحقيقة أنّ هذه الأفكار تدور في حلقة مفرغة لا تتعداها ، لا تفهم إلا لغة السب والشتم والقذف من دون دليل أو برهان ، لكل من يعتقد بقداسة وشعائر هذه النهضة الحسينية ، إلا أنّ هذا لا يُغيِّر من الواقع شيئاً ؛ إذ يوجد كثير من العقلاء الأحرار من المسلمين وغيرهم ، ممن وقف أمام هذه النهضة الحسينية وقفة إجلال وإكبار ، نذكر منهم ما يلي :

٤٠٨

١ ـ الشيخ عبد الله العلايلي(٤٨٨) :

درس الشيخ عبد الله العلايلي التاريخ يثقافة واعية ، وتجرّد وموضوعية وجرأة ، بعيداً عن التعصب الأعمى ، والنزعات المذهبية ، تعاطى مع قضية الحسين عليه السلام بحيادية وتجرد عن الميول والهوى ، قرأ حياة الحسين عليه السلام وحياة يزيد. قرأ سيرة بني هاشم ، وسيرة بني أمية ، وبعد دراسة السيرتين أحصى أعمال الهاشميين ، وإذا بها تدور في حقل الفضائل ، متناهية في حبّ الخير وفعله. وأحصى أعمال الأمويين ؛ فوجدها تدور في حقل الشرّ والحقد ، والإنتقام. والدسائس ، والدهاء. والمكر والقتل. عرض أعمال الهاشميين وتركها تشرق بفضائلها. وعرض أعمال الأمويين تتلفّح بعتمة الشرّ

كان منصفاً لم يحاول تجميل خبائث الأمويين ، وتصرفاتهم مثلما فعل كثير من المؤرخين الذين وقعوا في فتنة الأمويين ، فبدّلوا سيئاتهم إلى حسنات ، ودافعوا عن شرورهم ومفاسدهم ، أو ممن كتب بروح عدائية لآل البيت عليهم السلام أمثال : أبي بكر بن العربي ، المتوفي ام (٥٤٣ هـ) ، وعبد الرحمن بن خلدون المتوفي (٨٠٨ هـ) ، صاحب المقدمة التي تضمنت أسساً لكتابة التاريخ ، وما إستطاع أن يعمل بها عند ما كتب عن الحسين عليه السلام ، بل أظهر نصبه وتخبطه في ذلك ، فقد سار هؤلاء على منهاج يزيد ، وابن زياد ، وعمر بن سعد ، إلا أنّهم

__________________

(٤٨٨) ـ علم من أعلام المسلمين اللبنانيين ؛ فهو لغوي ، عريق مجدد ، وأديب مبدع : شعراً ونثراً. وفقيه ومصلح إجتماعي سياسي. ولد في بيروت سنة (١٩٢٤ م) ، الموافق لسنة (١٣٣٥ هـ) ، وتلقى علومه الإبتدائية في مدارس جمعية المقاصد ، ثم تابع تحصيله العلمي في الأزهر الشريف بالقاهرة من عام (١٩٢١ م حتى عام ١٩٢٧ م). ومما ينبغي الإشارة به ، أن الشيخ العلايلي أظهر إهتماماً كبيراً بالدرس والإتجاه بكله إلى العلم ، وإنتفع بتجارب نخبة من الأعلام ، حتى تسنى له أن يصل إلى هذه المكانة من النشاط الثقافي المنقطع النظير ، حتى حاز هذه المنزلة في العالم العربي والاسلامي. وافاه الأجل المحتوم ، مساء الثلاثاء في ٣ كانون الأول سنة (١٩٩٦ م).

٤٠٩

أسفوا ، لأنّهم لم يكونوا على عهده ليشركوا في دمه ، فشاركوا في قتل مبدئه وشعائر نهضته. نعم إنّها الجرأة التي حملت الشيخ العلايلي على الخوض في هذا الموضوع ، لكشف المغالطات التاريخية التي سيطرت على قضية الحسين عليه السلام ، تعاطى مع هذه النهضة في كتبه الثلاثة التي أدرجها تحت عنوان الإمام الحسين عليه السلام : (ـ تاريخ الإمام الحسين ـ نقد وتحليل ، وأيام الحسين ، وسمو المعنى في سمو الذات ، أو أشعة من حياة الحسين). بحيث شغل فكره في سيرة الحسين عليه السلام وأخباره ، ويمكن التركيز على نقاط مهمة في حياة وسيرة الحسين عليه السلام نذكر منها التالي :

الأولى ـ طفولة الحسين (عليه السلام) :

قال الشيخ العلايلي (ره) : «جاء في أخبار الحسين أنّه كان صورة إحتبكت ظلالها من أشكال جده العظيم ، فأفاض النبي عليه شُعَاعة غامرة من حبه وأشياء نفسه لِيَتمَّ له أيضا من وراء الصورة معناها ، فتكون حقيقته ، من بعدُ كما كانت من قبلُ ، إنسانية إرتقت إلى نبوّة (أنا منْ حُسَيْن).

ونبوّة هبطت إل ىإنسانية (حُسَيْنٌ مني) فسلام عليه يوم ولد

والحسين الطفل حَلّ في بيئة النبوة التي هي الإنسانية العليا في المظهر البشري ، فكان بذلك أسمى رجل ؛ لأنّه أسمى طفل في أسمى بيئة. فسلام عليه يوم ولد ...»(٤٨٩) .

وقال أيضاً : «إرتحل الحسين عليه السلام ظهر جده العظيم وهو ساجد في الصلاة ، وجاء في الحديث إنّ أقرب ما يكون المرء من ربه وهو ساجد.

__________________

(٤٨٩) ـ العلايلي ، الشيخ عبد الله : الإمام الحسين / ٢٩٠ ـ ٢٩١.

٤١٠

ومع هذا أنّ النبوة الساجدة كانت معراجاً روحياً لهذا الطفل الذي إستودع في النبي أسراره العظمى وإنسانيته العليا. فسلام عليه يوم ولد»(٤٩٠) .

الثانية ـ شخصية الحسين (عليه السلام) :

«ونحن إذا قدمنا حسيناً بين العظماء ، فإنا لا نقدم فيها عظيماً فحسب ، وإنما نقدم فيه عظيماً دونه كل عظيم ، وشخصية أسمى من كل شخصية ، ورجلاً فوق الرجال مجتمعين.

فرجل كيفما سموت به من أي جهاته إنتهى بك إلى عظيم ، فهو ملتقى عظمات ومجمع أفذاذ ؛ فإنّ من ينبثق من عظمة النبوة (محمد) ، وعظمة الرجولة (علي) ، وعظمة الفضيلة (فاطمة) ، يكون امثولة عظمة الإنسان ، وآية الآيات البينات ، فلم تكون ذكراه ذكرى رجل بل ذكرى الإنسانية الخالدة ، ولم تكن أخباره أخبار بطل بل خير البطولة الفذّة.

ومن ثم كان جديراً بنا أن نستوحيه على الدوام ، كمصدر إلهامي إنبثق وهاجاً قوياً ، وإمتد بأنواره أجيالاً وأجيالاً. ولا يزال يسطع كذلك حتى ينتظم اللانهايات وينفذ إلى ماوراء الأرض والسموات ، وهل لنور الله حد يقف عنده أو مَعْلم ينتهي إليه (ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره).

على أنّ السبط الشهيد عليه السلام من وجه آخر ، تمت به روعة القداسة التي إبتدأت بجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فإنّ القداسة جلالها ، ولكن روعة القداسة لن تكون إلا بالدم على جوانبها.

نحيى الطهارة في بيتها

إطار الطهارة قُدسٌ ودم

__________________

(٤٩٠) ـ المصدر السابق / ٢٩٣.

٤١١

فلتسمع الأجيال ولتستيقظ الإنسانية ، على صوت الرّجاف الذي ينبعث من أعماق الرّجم ومن وراء القبور ، حياً جيّاشاً ينفذ إلى الأعماق فتستعر له الضمائر ، وينثال إلى مواطن الشعور فيحيا به الوجدان ، وعلى نبرات مثل هذا الصوت فقط ، يتأتى للإنسانية أن تغسل آثامها وتخلص من أدرانها وتتطهر من أرجاسها ، حتى تعود إنسانية كما أرادتها الشرائع واحتفلت بها الأديان. وحتى تكون إنسانية عمادها المثل العليا والفضائل الصالحة والخير المطلق وإحقاق الحق ، فإنّ لهذه الخصال وحدها ضَحّى الحسين عليه السلام»(٤٩١) .

هذه بعض المقتطفات التي ذكرها الشيخ العلايلي (ره) من دراسته لشخصية الحسين عليه السلام ونهضته المباركة.

٢ ـ الأديب الكبير بولس سلامه(٤٩٢) .

لقد أبرز مرئياته ودراسته حول الحسين عليه السلام ونهضته المباركة ، من خلال مقدمته لملحمته (عيد الغدير) ، مع العلم بأنه مسيحي العقيدة ؛ إلا أنّ حرية

__________________

(٤٩١) ـ المصدر السابق / ٩٠ ـ ٩١.

(٤٩٢) ـ بولس يوسف سلامة ، أديب لبناني ، واسع المعرفة ، من الرعيل الأول من أدباء العرب ، ولد في قرية (بتدين اللقش) ، قضاء جزين (لبنان الجنوبي) ، سنة (١٩٠٢ م) ، درس في مدرسة قريته ، ثم دخل مدرسة الأخوة المريمين في صيدا سنة (١٩١٣ م) ، لم تكتمل السنة المدرسية حتى وقعت الحرب العالمية الأولى ، فانقطع عن الدرس حتى سنة (١٩١٨ م) ، ثم دخل مدرسة الحكمة ، ثم مدرسة الفرير في صيدا وجونيه ، فكان مجموع سني الدراسة في هذه الفترة ثلاث سنوات ، ثم دخل بعدها مدرسة الحقوق الفرنسية في بيروت ، ونال شهادة (الليسانس) ، وقد تدرج في المحاماة زهاء سنتين ، ثم انخرط في سلك القضاء مدة خمس عشرة سنة. وقد نظم بين سنة (١٩٤٦ م) ، وسنة (١٩٤٨ م) ، أروع مطولاته التي طبعت في كراريس على حده ، وهي : علي والحسين ، وفلسطين وأخواتها ، والأمير بشير. أما آياته ؛ فهي ملحمة (عيد الغدير) ، أو ملحمة عربية تنطوي على ثلاثة آلاف وخمسمائة بيت من الشعر الرفيع ، وتناول أهم نواحي التاريخ الإسلامي. أصيب بناسور في العمود الفقري منذ سنة (١٩٣٦ م) ، وبقي على فراش المرض منذ سنة (١٩٤٢ م) ، حتى وافاه الأجل عام (١٩٧٩ م).

٤١٢

الفكر المبتني على الإنصاف ، هو الذي دعاه إلى ذلك. ويمكن تلخيص هذه الدراسة من خلال التالي :

أولاً ـ إختيار الشخصية :

وقد أشار إلى ذلك بقوله : «ولا يخفى أنّ في ذلك نشراً لناحية عظمى من التاريخ العربي ، وأنّ العروبة المستيقظة اليوم في صدور أبنائها من المغرب الأقصى إلى آخر جزيرة العرب ، لأحوج ما تكون إلى التمثل بأبطالها الغابرين ، وهم أكثر ، على أنّه لم يجتمع لواحد منهم ما اجتمع لعلي من البطولة والعلم والصلاح ، ولم يقم في وجه الظالمين أشجع من الحسين ، فقد عاش الأب للحق وجَرّد سيفه للذياد عنه منذ يوم بدر ، واستشهد الابن في سبيل الحرية يوم كربلاء ، ولا غرو فالأول ربيب محمد ، والثاني فلذة منه»(٤٩٣) .

ثانياً ـ مبررات الإختيار :

وقد برر وبرهن على إختيار الشخصية من خلال ما يلي :

١ ـ «ولما عزمت على النظم إنصرفت إلى درس المراجع التأريخية ولكنني قطعاً للظن والشبهات ـ قلما إعتمدت مؤرخي الشيعة بل الثقات من أهل السنة ـ الذين عصمهم الله من فتنة الأمويين ـ ، وتقيدت بالتاريخ جهد الإستطاعة ، فلو تقيدت أكثر مما فعلت ؛ لكنت كاتب عدل يخضع التاريخ للقوافي»(٤٩٤) .

«ورب قارئ حسبني متحاملاً على بني أمية ، ويعلم الله أني لم أقل فيهم إلا ما أجمعت عليه السير النبوية ، ومؤرخو الإسلام : كأبي الفداء ، والمسعودي ، والطبري ، وابن الأثير ، وابن خلكان.

__________________

(٤٩٣) ـ سلامة ، بولس : عيد الغدير / ٨.

(٤٩٤) ـ نفس المصدر.

٤١٣

وما أقره الأدباء المعاصرون ، وقد أشرت إلى مراجع في الهوامش ؛ ليكون الكلام على بينة ، ولا ريب أنّ الأمويين شادوا في الشرق والغرب حضارة لها مكانتها الشامخة في عين من ينظر إلى الدنيا ولكنني قمت بالمقاييس الروحية ، وإنّ قصور العالم جميعاً لا تعادل في كفة الفضيلة جناح بعوضة.

فإنّ سقراط الفيلسوف الخيّر الذي كان يمشي حافياً في أسواق أثينا لأجلّ قدراً في ميزان القيم الروحية من الإسكندر على عرشه ، ومن كسرى انوشروان في ايوانه»(٤٩٥) .

٢ ـ ورُبّ معترض قال : «ما بال هذا المسيحي يتصدى لملحمة إسلامية بحتة؟

أجلّ إنني مسيحي ولكن التاريخ مشاع للعالمين. أجلّ إني مسيحي ينظر من أفق رحب لا من كوة ضيقة ، فيرى في غاندي الوثني قديساً ، مسيحي يرى (الخلق كلهم عيال الله) ، ويرى أن (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) ..»(٤٩٦)

٣ ـ «بقي لك بعد هذا أن تحسبني شيعياً ، فإذا كان التشيع تنقصاً لأشخاص ، أو بغضاً لفئات ، أو تهوراً في المزالق الخطرة فلست كذلك ، أما إذا كان التشيع حباً لعلي وأهل البيت الطيبين الأكرمين ، وثورة على الظلم وتوجعاً لما حَلّ بالحسين وما نزل بأولاده من النكبات في مطاوي التاريخ ، فإنني شيعي»(٤٩٧)

__________________

(٤٩٥) ـ المصدر السابق / ٩ ـ ١٠.

(٤٩٦) ـ نفس المصدر.

(٤٩٧) ـ نفس المصدر / ١٢.

٤١٤

هذه بعض النماذج من الأقلام الحرّة من غير الشيعة ـ سواء كانوا مسلمين أو غيرهم ـ ، وهذا دليل واضح على مظلومية سيد الشهداء عليه السلام الذي جذب إليه القلوب ؛ فهذا المسلم ، والمسيحي ، والمجوسي ، والبوذي ، يقف بخضوع إعظاماً للحسين عليه السلام ونهضته المباركة ، ولم نرَ شخصية لقيت هذا الإهتمام والعناية من جميع الفئات الفكرية المختلفة جيلاً بعد جيل ، كالحسين عليه السلام. ومن الشواهد على ذلك ما قاله الكاتب الفرنسي (الدكتور جوزف) : «ومن جملة الأمور التي صارت سبباً في ترقي هذه الفرقة وشهرتها في كل مكان ، هو غزادة أنفسهم بالرأي الحسن ؛ بمعنى أنّ هذه الطائفة بواسطة مجلس المآتم واللطم والدوران وحمل الأعلام في مأتم الحسين ، جلبت إليها قلوب باقي الفرق ، بالجاه والإعتبار ، والقوة والشوكة». ويختم الكاتب كلامه بقوله : «لهذا نرى أنّه في كل مكان ولو كانت جماعة من الشيعة قليلة ، يظهر عددها في الأنظار بقدر ما هي عليه مرتين ، وشوكتها وقدرتها بقدر ما هي عليه عشرات المرات ، وأكثر أسباب معروفية هؤلاء القوم وترقيهم هي هذه النكبة. ومصنفوا أوربا الذين كتبوا تفصيل مقاتلة الحسين وأصحابه وقتلهم ، مع أنّه ليس لهم عقيدة بهم قط ، أذعنوا بظلم قاتليهم وتعدّيهم ، وعدم رحمتهم ، ويذكرون أسماء قاتليهم بالإشمئزاز ، وهذه الأمور طبيعية لا يقف أمامها شيء ، وهذه النكبة من المؤيدات الطبيعية لفرقة الشيعة»(٤٩٨) .

السؤال الثالث : يتساءل بعض شبابنا قائلاً : نسمع ونقرأ قصصاً مفادها ، أنّ السماء إحمرّت وأمطرت دماً عبيطاً ، وأنّ التربة التي أودعت عند أم سلمة (رض) تحوّلت إلى دم عبيط ، وأنّ بعض الأشجار

__________________

(٤٩٨) ـ الشهرستاني ، السيد صالح : تاريخ النياحة ، ج ٢ / ٣٥ ـ ٣٦.

٤١٥

في اليوم العاشر من المحرم في كل عام يسيل منها الدم ، وجاء في زيارة الإمام الصادق عليه السلام لجده سيد الشهداء عليه السلام : (أشهد أنّ دمك سكن في الخلد ، واقشعرّت له أظلة العرش) ، فهل كل ذلك صحيح أم لا؟ ولماذا التركيز على الدم؟

يتضح جواب هذا السؤال بعد دراسة العنوانين التاليين :

الأول ـ صحة هذه القصص والروايات :

قصص وروايات الدم المرتبطة بشهادة الحسين عليه السلام ، هي من الواضحات في كتب المسلمين كالتالي :

أولاً ـ في كتب السنة والجماعة :

ذكرت روايات الدم في كثير من مصادر العامة نتقصر منها على التالي :

١ ـ أسد الغابة ـ لإبن الأثير الجزري ، ت (٥٥٥ هـ أو ٦٣٠ هـ) :

بإسناده عن ابن عباس قال : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرى النائم نصف النهار ، وهو قائم أشعث أغبر ، بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الدم؟

ثال : هذا دم الحسين ، لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فوجد قد قتل في ذلك)(٤٩٩) .

٢ ـ أنساب الأشراف ـ لأبي جعفر البلاذري ، ت (٢٧٩ هـ) :

١ ـ قال البلاذري : حدثنا سعيد بن سليمان ، عن عباد بن العوام ، عن أبي حصين ، قال : (لما قتل الحسين مكثوا شهرين أو ثلاثة أشهر ، وكأنما يلطخ الحيطان بالدم ، من حين صلاة الغداة ، إلى طلوع الشمس).

__________________

(٤٩٩) ـ ابن الأثير ، علي بن محمد : أسد الغابة ، ج ٢ / ٣٠.

٤١٦

٢ ـ وقال : حدثني عمر بن شبه ، عن موسى بن إسماعيل ، عن حَمّاد بن سلمة ، عن سالم القاص قال : (مطرنا أيّام قتل الحسين دما).

٣ ـ وقال : حدثني عمر بن شبة ، عن عفان ، عن حمادة عن هشام ، عن محمد بن سيرين قال : «لم نرّ هذه الحمرة في آفاق السماء حتى قتل الحسين».

٤ ـ وقال : وحدثت عن ابي عاصم النبيل ، عن بن جريح ، عن ابن شهاب قال : «ما رُفع حجر بالشام يوم قتل الحسين إلا عن دم»(٥٠٠) .

٣ ـ تاريخ الخلفاء ـ للحافظ أبي بكر السيوطي ، ت (٩١١ هـ) :

١ ـ قال السيوطي : «ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة ، والكواكب يضرب بعضها بعضاً ، وكان قتله يوم عاشوراء ، وكسفت ذلك اليوم ، واحمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ، ثم لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ، ولم تكن ترى فيها قبله».

٢ ـ وقال : «إنّه لم يقلب حجر البيت المقدس يومئذ إلا وجد تحته دم عبيط ، وصار الورس الذي في عسكرهم رماداً ، ونحروا ناقة في عسكرهم ، فكانوا يرون في لحمها مثل النيران ، وطبخوها فصارت مثل العلقم ، وتكلم رجل في الحسين بكلمة ؛ فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره».

٣ ـ وقال : أخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنصف النهار أشعث أغبر ، وبيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما هذا؟ قال : هذا دم الحسين وأصحابه ، لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فأحصى ذلك اليوم فوجدوه قتل يومئذٍ)(٥٠١) .

__________________

(٥٠٠) ـ البلاذري ، أحمد بن يحيى : أنساب الأشراف / ترجمة الإمام الحسين (ع).

(٥٠١) ـ السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر : تاريخ الخلفاء / ٢٠٧ ـ ٢١٠.

٤١٧

٤ ـ تاريخ ابن عساكر ـ للحافظ علي بن الحسن الدمشقي ، ت (٥٧١ هـ) :

١ ـ ابن عساكر ، باسناده عن خلاد صاحب السمسم ـ قال : (حدثتني أمي قالت : كنّا زماناً بعد مقتل الحسين ، وإنّ الشمس تطلع محمرّة على الحيطان والجدران بالغداة والعَشيّ. قالت : وكانوا لا يرفعون جدراً إلا وجدوا تحته دماً).

٢ ـ وباسناده عن الأسود بن قيس قال : (إِحمرّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر يرى ذلك في آفاق السماء كأنّها الدم).

قالت : فحدثت بذلك شريكاً فقال لي : ما أنت من الأسود؟ قلت : هو جدي أبو أمي.

قال : أما والله إن كان لصدوق الحديث ، عظيم الأمانة ، مكرماً للضيف.

٣ ـ وبإسناده عن أم شرف العبدية قالت : حدثتني نصرة الأزدية ، قالت : (لما قتل الحسين بن علي مطرت السماء دماً ، فأصبحت وكل شيء ملآن دماً).

٤ ـ وبإسناده عن حَمّاد بن زيد ، عن هشام ، عن محمد قال : (تعلم هذه الحمرة في الأفق ممّ هو؟

فقال : من يوم قتل الحسين بن علي).

٥ ـ وبإسناده عن يحيى بن السري ، عن روح بن عبادة ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين قال : (لم تكن ترى هذه الحمرة في السماء حتى قتل الحسين بن علي).

٤١٨

٦ ـ وبإسناده عن مروان ـ مولى هند بنت المهلب ـ يقول : (قال أبو غالب : قال : حدثني بَوّاب عبيد الله بن زياد ، أنّه لما جيء برأس الحسين فوضع بين يديه ، رأيت حيطان دار الإمارة تتسايل دماً)(٥٠٢) .

٥ ـ تاريخ اليعقوبي ـ لأحمد بن إسحاق اليعقوبي ، ت (٢٨٤ هـ) :

قال : «.. وكان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كان دفع إليها قارورة فيها تربة ، وقال لها : إنّ جبرئيل أعلمني إنّ أمتي تقتل الحسين وأعطاني هذه التربة ، وقال لي : إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أنّ الحسين قد قتل. وكانت عندها ، فلما حضر ذلك الوقت ؛ جعلت تنظر إلى القارورة في كل ساعة ، فلما رأتها قد صارت دماً ، صاحت : وا حسيناه ، وا ابن رسول الله ، وتصارخت النساء من كل ناحية ، حتى إرتفعت المدينة بالرجّة التي ما سُمِعَ بمثلها قط»(٥٠٣) .

٦ ـ تهذيب التهذيب ـ لابن حجر العسقلاني ، ت (٨٥٢ هـ) :

١ ـ وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن معمر قال : (أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك ، فقال الوليد : أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي؟ فقال الزهري : بلغني أنّه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط).

٢ ـ وقال ابن حجر في حاشية التهذيب : (لما قتل الحسين ، إسودت السماء نهاراً ، ووجد تحت أحجار بيت المقدس دم عبيط يوم قتله)(٥٠٤) .

__________________

(٥٠٢) ـ ابن عساكر ، علي بن الحسن : تاريخ ابن عساكر / ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ترجمة الإمام الحسين (ع).

(٥٠٣) ـ اليعقوبي ، احمد بن إسحاق : تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ / ٢٤٦.

(٥٠٤) ـ ابن حجر ، احمد بن علي : تهذيب التهذيب ، ج ٢ / ٣٥٢.

٤١٩

٧ ـ جامع كرامات الأولياء ـ ليوسف بن إسماعيل النبهاني ، ت (١٣٥٠ هـ) :

قال : «وحكى إنّ شخصاً حضر قتله عليه السلام فقط فعمي ، سئل عن سبب عماه فقال : إنّه رأى النبي وعشرة من قاتلي الحسين مذبوحين بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم ثم لعنه وسَبّه بتكثيره سوادهم ، ثم أكحله بمرود من دم الحسين ، فأصبح أعمى»(٥٠٥) .

٨ ـ الخصائص الكبرى ـ للحافظ أبي بكر السيوطي ، ت (٩١١ هـ) :

١ ـ قال : وأخرج أبو نعيم ، عن أم سلمة قالت : (كان الحسن والحسين يلعبان ببيتي ، فنزل جبريل فقال : يا محمد ، إنّ أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ، وأومأ إلى الحسين وأتاه بتربة فشَمّها ، ثم قال : ريح كرب وبلاء ، وقال : يا أم سلمة ، إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد تقل فجعلتها في قارورة).

٢ ـ قال : وأخرج أحمد ، والبيهقي ، عن ابن عباس قال : (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم ذات يوم نصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم ، فقلت : ما هذا؟ قال : هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فأحصى ذلك الوقت فوجد قد تقل ذلك اليوم).

٣ ـ وأخرج البيهقي ، وابو نعيم عن الزهري قال : بلغني أنّه يوم قتل الحسين لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس إلا وجد تحته دم عبيط)(٥٠٦) .

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

قال : سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي بن أبي طالبعليه‌السلام خصالا لو كانت واحدة منها في رجل كانت تكفي في شرفه وفضله ، وهي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : [«من كنت مولاه فعليّ مولاه.

وقوله : علي منّي كهارون من موسى.

وقوله : عليّ منّي وأنا منه.

وقوله : عليّ منّي كنفسي ، طاعته طاعتي ، ومعصيته معصيتي.

وقوله : حرب عليّ حرب الله ، وسلم علي سلم الله.

وقوله : وليّ عليّ وليّ الله ، وعدوّ عليّ عدوّ الله.

وقوله : عليّ حجة الله على عباده.

وقوله : حبّ عليّ إيمان ، وبغضه كفر.

وقوله : حزب عليّ حزب الله ، وحزب أعدائه حزب الشيطان.

وقوله : عليّ مع الحقّ والحق معه لا يفترقان.

وقوله : عليّ قسيم الجنّة والنار.

وقوله : من فارق عليّا فقد فارقني ، ومن فارقني فقد فارق الله.

وقوله : شيعة عليّ هم الفائزون يوم القيامة»].

ويختم الباب بحديث آخر رواه عن المناقب أيضا ، جاء في آخره ، : «أقسم بالله الذي بعثني بالنبوّة ، وجعلني خير البريّة ، إنّك لحجّة الله على خلقه ، وأمينه على سرّه وخليفة الله على عباده».

أمثال هذه الأحاديث الشريفة كثيرة في صحاحكم ومسانيدكم المعتبرة ، ولو نظرتم فيها بنظر الإنصاف لأذعنتم أنّها قرائن على المجاز الذي نقوله في اتّحاد نفس المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ المرتضىعليه‌السلام وهي

٥٠١

تؤيّد نظرنا أنّ كلمة( أَنْفُسَنا ) في آية المباهلة دليل واضح على تقارب نفسي النبيّ والوصي إلى حدّ التساوي في الكمالات الروحية والتماثل في الصفات النفسية.

فإذا ثبت هذا الأمر ، فقد ثبت اعتقادنا بأفضليّة عليّعليه‌السلام وتقدّمه على الرسل والأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما عدا خاتم النبيّين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

استدلال آخر

جاء في الحديث النبويّ الشريف : «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل».

أخرجه جماعة من أعلامكم ، منهم :

الإمام الغزالي في إحياء العلوم ، وابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» والفخر الرازي في تفسيره ، وجار الله الزمخشري ، والبيضاوي ، والنيسابوري ، في تفاسيرهم.

وجاء في رواية أخرى :

«علماء أمّتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل».

فإذا كان علماء المسلمين الّذين أخذوا علمهم من منبع النبوّة ومدرسة الرسالة والقرآن الحكيم كأنبياء بني إسرائيل أو أفضل ، فكيف بعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الذي نصّ فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها(١) ، وأنا مدينة الحكمة وعليّ بابها؟!»

__________________

(١) ألّف ابن الصدّيق المغربي ـ وهو من علماء العامة ـ كتابا حول هذا الحديث وأسماه ب «فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي» قال في مقدّمته :

٥٠٢

__________________

وأمّا حديث باب العلم فلم أر من أفرده بالتأليف ، ولا وجّه العناية إليه بالتصنيف ، فأفردت هذا الجزء لجمع طرقه ، وترجيح قول من حكم بصحّته

ورواه جمع غفير من أعلام القوم ، منهم :

١ ـ تاريخ بغداد : ٢ / ٣٧٧ و ٤ / ٣٤٨ و ١١ / ٤٨ و ٤٩ و ٤٨٠.

٢ ـ المعجم الكبير ـ للطبراني ـ : ١١ / ٦٥ / ح ١١٠٦١.

٣ ـ التدوين بذكر أهل العلم بقزوين : ٣ / ٣.

٤ ـ أحسن التقاسيم : ١٢٧.

٥ ـ تاريخ ابن عساكر : في ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام : ح رقم ٩٩٤ و ٩٩٥.

٦ ـ تاريخ جرجان : ٢٤ ط حيدرآباد.

٧ ـ شواهد التنزيل : ٨١.

٨ ـ المفردات ـ للراغب ـ : ٦٤.

٩ ـ أسد الغابة : ٤ / ٢٢.

١٠ ـ الفائق في غريب الحديث : ١ / ٢٨.

١١ ـ خصائص العشرة : ٩٨ ط بغداد.

١٢ ـ فرائد السمطين : ١ / ٩٨.

١٣ ـ تذكرة الحفاظ : ٤ / ٢٨ ط حيدرآباد.

١٤ ـ البداية والنهاية : ٧ / ٣٥٨.

١٥ ـ لباب الألباب في فضائل الخلفاء والأصحاب : فصل الأخبار المسندة في علي عليه‌السلام .

١٦ ـ وسيلة المتعبّدين : ٢ / ١٦٤.

١٧ ـ بهجة النفوس : ٢ / ١٧٥ و ٤ / ٢٤٣.

١٨ ـ لمع الأدلّة ـ لابن الأنباري ـ : ٤٦.

١٩ ـ نهاية الأرب : ٢٠ / ٦.

٢٠ ـ مجمع الزوائد : ٩ / ١١٤.

٥٠٣

__________________

٢١ ـ صبح الأعشى : ١٠ / ٤٢٥.

٢٢ ـ عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ٧ / ٦٣١.

٢٣ ـ تمييز الطيّب من الخبيث : ٤١.

٢٤ ـ مناقب الخلفاء ـ لمقدسي الحنفي ـ.

٢٥ ـ جمع الفوائد : ٣ / ٢٢١.

٢٦ ـ سمط النجوم العوالي : ٤٩١.

٢٧ ـ كشف الخفاء : ح رقم ٦١٨.

٢٨ ـ إتحاف السادة المتّقين ٦ / ٢٤٤.

٢٩ ـ الفتوحات الإسلامية ٢ / ٥١٠.

٣٠ ـ تاريخ آل محمّد : ٥٦.

٣١ ـ مقاصد الطالب ـ للبرزنجي ـ.

٣٢ ـ الفتح الكبير ٢ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

٣٣ ـ شجرة النور الزكية ٢ / ٧١.

٣٤ ـ جامع الأحاديث ٣ / ٢٣٧.

٣٥ ـ المستدرك ـ للحاكم ـ : ٣ / ١٢٦ و ١٢٧ و ١٢٩.

٣٦ ـ ميزان الاعتدال : ١ / ح رقم ١٥٢٥.

٣٧ ـ الجامع الصغير ـ للسيوطي ـ : ١ / ٣٦٤ بالرقم ٢٧٠٥.

٣٨ ـ منتخب كنز العمّال : ٥ / ٣٠.

٣٩ ـ ينابيع المودّة : الباب الرابع عشر.

٤٠ ـ مناقب ابن المغازلي : ح رقم ١٢٠ الى ١٢٩.

٤١ ـ وقد خصّص العلاّمة الكنجي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» الباب الثامن والخمسين ، بعنوان (في تخصيص عليّ عليه‌السلام بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها)». فذكر الحديث بإسناده من طرق شتّى بعبارات متعدّدة إلاّ أنّها متّحدة المعنى.

٥٠٤

وحلّ وقت العشاء ، وبعد ما صلّوا صلاة العشاء وانعقد المجلس ، بدأت بالكلام قائلا :

الإمام عليّعليه‌السلام جامع فضائل الأنبياء

لا شكّ أنّ أنبياء الله سبحانه وهم من أرسلهم وبعثهم لهداية عباده كانوا يتخلّفون بأجمل الأخلاق ، وكانوا يتّصفون بأحمد الصفات ، وكانوا يتزيّنون بأحسن الفضائل والخصال ، إلاّ أنّ كلا منهم امتاز بصفة واشتهر بفضيلة حتّى امتاز بها عن الآخرين.

وعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام جمع كلّ الفضائل التي امتاز بها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين.

وقد شهد بذلك سيّد الرسل وخاتم النبيّين محمّد الصادق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما جاء في مناقب الخوارزمي : ٤٩ و ٢٤٥ ، والرياض النضرة ٢ / ٢١٧ ، وذخائر العقبى : ٩٣ وغيرها ، أنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مع بعض الاختلافات اللفظية ـ : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى يحيى بن زكريّا في زهده وإلى موسى بن عمران

__________________

وبعده علّق عليه في آخر الباب تعليقا قيّما ، وختم تعليقه بالسطور التالية :

فقد قال العلماء من الصحابة والتابعين وأهل بيته بتفضيل عليّ ٧ ، وزيادة علمه وغزارته ، وحدّة فهمه ، ووفور حكمته ، وحسن قضاياه وصحّة فتواه ؛ وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصحابة يشاورونه في الأحكام ، ويأخذون بقوله في النقض والإبرام ، اعترافا منهم بعلمه ووفور فضله ورجاعة عقله وصحّة حكمه ، وليس هذا الحديث في حقّه بكثير ؛ لأنّ رتبته عند الله وعند رسوله ٦ وعند المؤمنين من عباده أجلّ وأعلى من ذلك. انتهى. «المترجم»

٥٠٥

في بطشه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب».

ونقل الشيخ سليمان القندوزي في كتابه «ينابيع المودّة» الباب الأربعين ، قال : أخرج أحمد بن حنبل في مسنده وأحمد البيهقي في صحيحه عن ابن الحمراء ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في عزمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في زهده فلينظر إلى علي بن أبي طالب».

قال القندوزي : وقد نقل هذا الحديث في «شرح المواقف» و «الطريقة المحمّدية».

ونقله ابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة : ١٢١ عن البيهقي أيضا.

ونقله ـ مع بعض الاختلافات اللفظية ـ الامام الفخر الرازي في تفسيره الكبير ، ذيل آية المباهلة.

ومحيي الدين ابن العربي في كتابه اليواقيت والجواهر ، المبحث ٣٢ : ١٧٢.

ونقله العلاّمة الكنجي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» وخصّص له الباب الثالث والعشرين ، ثمّ شرحه وعلّق عليه ، وإليك ذلك : روى بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس في جماعة من اصحابه إذ أقبل عليعليه‌السلام فلما بصر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أراد منكم أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في حكمته ، وإلى إبراهيم في حلمه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب».

وعلّق العلاّمة الكنجي بقوله :

قلت : تشبيهه لعليّعليه‌السلام بآدم في علمه ، لأنّ الله علّم آدم صفة

٥٠٦

كلّ شيء كما قال عزّ وجلّ :( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ) (١) فما من شيء ولا حادثة ولا واقعة إلاّ وعند عليّعليه‌السلام فيها علم ، وله في استنباط معناها فهم.

وشبّهه بنوح في حكمته ـ أو في رواية : في حكمه ، وكأنّه أصحّ ـ لأنّ عليّاعليه‌السلام كان شديدا على الكافرين رءوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله :( وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) (٢) وأخبر عزّ وجلّ عن شدّة نوحعليه‌السلام على الكافرين بقوله :( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) (٣) .

وشبّهه في الحلم بإبراهيمعليه‌السلام خليل الرحمن كما وصفه الله عزّ وجلّ بقوله :( إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (٤) فكانعليه‌السلام متخلّقا بأخلاق الأنبياء ، متّصفا بصفات الأصفياء. انتهى.

وروى في الرياض النضرة ٢ / ٢١٨ عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه ، وإلى نوح في حكمه ، وإلى يوسف في جماله ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب».

قال : أخرجه الملاّ في سيرته.

والملاّ هو عمر بن خضر من كبار علمائكم ، توفّي عام ٥٧٠.

وفي الرياض النضرة ٢ / ٢٠٢ قال : أخرج الملاّ في سيرته ، قيل : يا رسول الله! كيف يستطيع عليّعليه‌السلام أن يحمل لواء الحمد؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : «وكيف لا يستطيع ذلك وقد أعطي خصالا شتّى : صبرا كصبري ، وحسنا كحسن يوسف ، وقوّة

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٣١.

(٢) سورة الفتح ، الآية ٢٩.

(٣) سورة نوح ، الآية ٢٦.

(٤) سورة التوبة ، الآية ١١٤.

٥٠٧

كقوّة جبريلعليه‌السلام ».

وروى السيّد مير علي الهمداني في كتابه «مودّة القربى» المودّة الثامنة ، قال : عن جابر ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أراد أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته ، وإلى ميكائيل في رتبته ، وإلى جبرائيل في جلالته ، وإلى آدم في علمه ، وإلى نوح في خشيته ، وإلى إبراهيم في خلّته ، وإلى يعقوب في حزنه ، وإلى يوسف في جماله ، وإلى موسى في مناجاته ، وإلى أيّوب في صبره ، وإلى يحيى في زهده ، وإلى عيسى في عبادته ، وإلى يونس في ورعه ، وإلى محمد في حسبه وخلقه ، فلينظر إلى عليّ ، فإنّ فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء ، جمعها الله فيه ولم يجمعها في أحد غيره».

نقله الشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة ١ / ٣٠٤ الطبعة السابعة ، سنة ١٣٨٤ هجرية ١٩٦٥ ميلادية.

قال : وعدّ ذلك في كتاب «جواهر الأخبار».

وإليك ما رواه كمال الدين القرشي محمد بن طلحة ، في كتابه القيّم «مطالب السئول في مناقب آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » الفصل السادس ، ج ١ / ٦١ ، ط دار الكتب ، قال :

ومن ذلك ما رواه الإمام البيهقي «رض» في كتابه المصنّف في فضائل الصحابة ، يرفعه بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب».

فقد أثبت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّعليه‌السلام بهذا الحديث ، علما يشبه علم

٥٠٨

آدم ، وتقوى تشبه تقوى نوح ، وحلما يشبه حلم إبراهيم ، وهيبة تشبه هيبة موسى ، وعبادة تشبه عبادة عيسى ، وفي هذا تصريح لعليّعليه‌السلام بعلمه وتقواه وحلمه وهيبته وعبادته ، وتعلو هذه الصفات إلى أوج العلى حيث شبّهها بهؤلاء الأنبياء المرسلينعليهم‌السلام من الصفات المذكورة والمناقب المعدودة.

مقارنته بالأنبياءعليهم‌السلام

لقد حدّثنا المؤرّخون والمحدّثون أنّهعليه‌السلام في آخر يوم من حياته الكريمة ، حينما كان على فراش الشهادة ، حضر عنده جماعة من أصحابه لعيادته ، وكان ممّن حضر صعصعة بن صوحان ، وهو من كبار الشيعة في الكوفة ، وكان خطيبا بارعا ، ومتكلّما لامعا ، وهو من الرواة الثقات حتّى عند أصحاب الصحاح الستّة وأصحاب المسانيد عندكم ، فإنّهم يروون عنه ما ينقله من الإمام عليّعليه‌السلام ، وقد ترجم له كثير من أعلامكم مثل ابن عبد البرّ في «الاستيعاب» وابن سعد في «الطبقات الكبرى» وابن قتيبة في «المعارف» وغيرهم ، فكتبوا أنّه كان عالما صادقا ، وملتزما بالدين ، ومن خاصّة أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام .

في ذلك اليوم سأل صعصعة الإمام عليّاعليه‌السلام قائلا :

[يا أمير المؤمنين! أخبرني أنت أفضل أم آدمعليه‌السلام ؟

فقال الإمامعليه‌السلام : يا صعصعة! تزكية المرء نفسه قبيح ، ولو لا قول الله عزّ وجلّ :( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) (١) ما أجبت.

يا صعصعة! أنا أفضل من آدم ؛ لأن الله تعالى أباح لآدم كلّ

__________________

(١) سورة الضحى ، الآية ١١.

٥٠٩

الطيّبات المتوفّرة في الجنّة ونهاه عن أكل الحنطة فحسب ، ولكنّه عصى ربّه وأكل منها!

وأنا لم يمنعني ربّي من الطيّبات ، وما نهاني عن أكل الحنطة ، فأعرضت عنها رغبة وطوعا].

[كلامهعليه‌السلام كناية عن أنّ فضل الإنسان وكرامته عند الله عزّ وجلّ بالزهد في الدنيا وبالورع والتقوى ، وأعلى مراتبه أن يجتنب الماندات ويعرض عن الشهوات والطيّبات المباحة ـ من باب رياضة النفس ـ حتّى يتمكّن منها ، ويمسك زمامها ، فيسوقها في طريق الورع والتقوى(١) ].

فقال صعصعة : أنت أفضل أم نوح؟

فقالعليه‌السلام : أنا أفضل من نوح ؛ لأنّه تحمّل ما تحمّل من قومه ، ولما رأى منهم العناد دعا عليهم وما صبر على أذاهم ، فقال :( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) (٢) .

ولكنّي بعد حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحمّلت أذى قومي وعنادهم ، فظلموني كثيرا فصبرت وما دعوت عليهم(٣) .

__________________

(١) قالعليه‌السلام في كتابه لعثمان بن حنيف واليه على البصرة : [.... وإنّما هي نفسي أروّضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب المزلق.

ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القزّ ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ...] إلى آخر مقاله القيم الثمين.

(٢) سورة نوح ، الآية ٢٦.

(٣) في الخطبة المعروفة بالشقشقية والمذكورة في «نهج البلاغة» يصف سلام الله عليه جانبا من الوضع الذي قاساه فصبر ، قال :

٥١٠

[كلامهعليه‌السلام كناية عن أنّ أقرب الخلق إلى الله سبحانه أصبرهم على بلائه وأكثرهم تحمّلا من جهال زمانه سوء تصرفهم ، وهو يقابلهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبحسن سلوكه وأخلاقه ، قربة إلى الله تعالى].

فقال صعصعة : أنت أفضل أم إبراهيم؟

فقالعليه‌السلام : أنا أفضل ؛ لأنّ إبراهيم قال :( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (١) .

ولكنّي قلت وأقول : لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا(٢) .

__________________

[وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا إلى آخر خطبته البليغة]. «المترجم»

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٦٠.

(٢) جاء في كتاب «مطالب السئول» لمحمد بن طلحة القرشي الشافعي ١ / ٨٩ ط دار الكتب ، قال : [وقد كان عليّعليه‌السلام منطويا على يقين لا غاية لمداه ، ولا نهاية لمنتهاه ، وقد صرّح بذلك تصريحا مبينا ، فقالعليه‌السلام : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ...] إلى آخره.

أقول : اعلم يرحمك الله سبحانه ، أنّ اليقين على مراتب : علم اليقين ، وحقّ اليقين ، وعين اليقين.

فلو شاهد إنسان دخانا ولم يشاهد النار ، علم يقينا بوجود النار ، فلو شاهد النار بعينه حصل له حقّ اليقين ، وليس هذا كالذي يمسّ النار بيده فيحس بحرارتها ، فهو في عين اليقين. وكان عليّ عليه‌السلام في هذه المرتبة من اليقين بالغيب ، قال تعالى : ( الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) . سورة البقرة ، الآية ١ ـ ٣. «المترجم»

٥١١

[كلامهعليه‌السلام كناية عن أنّ مرتبة العبد عند الله سبحانه تكون بمرتبة يقينه ، فكلّما ازداد العبد يقينا بالله عزّ وجلّ وبالمعتقدات الدينية ، ازداد قربا من الله سبحانه وتعالى].

قال صعصعة : أنت أفضل أم موسى؟

قالعليه‌السلام : أنا أفضل من موسى ؛ لأنّ الله تعالى لمّا أمره أن يذهب إلى فرعون ويبلّغه رسالته( قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ) (١) .

ولكنّي حين أمرني حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله عزّ وجلّ حتّى أبلّغ أهل مكّة المشركين سورة براءة ، وأنا قاتل كثير من رجالهم وأعيانهم! مع ذلك أسرعت غير مكترث ، وذهبت وحدي بلا خوف ولا وجل ، فوقفت في جمعهم رافعا صوتي ، وتلوت الآيات من سورة براءة ، وهم يسمعون!!

[كلامه كناية عن أنّ فضل الإنسان عند الله سبحانه بالتوكّل عليه عزّ وجلّ والإقدام في سبيل الله وأن لا يخشى العبد أحدا إلاّ ربّه تعالى شأنه].

قال صعصعة : أنت أفضل أم عيسى؟

قالعليه‌السلام : [أنا أفضل ؛ لأنّ مريم بنت عمران لمّا أرادت أن تضع عيسى ، كانت في البيت المقدّس ، جاءها النداء يا مريم اخرجي من البيت! هاهنا محلّ عبادة لا محل ولادة ، فخرجت( فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) (٢) ولكن أمّي فاطمة بنت أسد لمّا قرب مولدي جاءت

__________________

(١) سورة القصص ، الآية ٣٣.

(٢) سورة مريم ، الآية ٢٣.

٥١٢

إلى بيت الله الحرام والتجأت إلى الكعبة ، وسألت ربّها أن يسهّل عليها الولادة ، فانشقّ لها جدار البيت الحرام وسمعت النداء : يا فاطمة ادخلي! فدخلت وردّ الجدار على حاله فولدتني في حرم الله وبيته(١) ].

__________________

(١) اتّفق العلماء على أنّهعليه‌السلام ولد في الكعبة حتّى أنّ الشعراء ذكروا له هذه الفضيلة ، منهم : إسماعيل الحميري ، سيّد الشعراء في القرن الثاني ، قال :

[ولدته في حرم الإله وأمنه

والبيت حيث فناؤه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب كريمة

طابت وطاب وليدها والمولد]

وقال محمد بن منصور السرخسي ، من شعراء القرن السادس ، في قصيدة منها :

[ولدته منجبة وكان ولادها

في جوف كعبة أفضل الأكنان]

وللمرحوم السيّد ميرزا إسماعيل الشيرازي قصيدة موشّحة في ميلاد الإمام عليّ عليه‌السلام فيها :

[هذه فاطمة بنت أسد

أقبلت تحمل لاهوت الأبد

فاسجدوا ذلا له فيمن سجد

فله الأملاك خرّت سجّدا

إذ تجلّى نوره في آدم إن يكن يجعل لله البنون وتعالى الله عمّا يصفون

فوليد البيت أحرى أن يكون

لوليّ البيت حقّا ولدا

لا عزيز لا ولا ابن مريم سيّد فاق علا كلّ الانام كان إذ لا كائن وهو إمام

شرّف الله به البيت الحرام

حين أضحى لعلاه مولدا

فوطى تربته بالقدم]

والقصيدة جميلة جدّا ، تحتوي على نكات لطيفة ، وهي طويلة اكتفينا منها بما نقلنا.

وإنّ خبر ولادته عليه‌السلام في الكعبة أمر مشهور ، لا ينكره إلاّ المعاند المتعصّب.

قال الحاكم في المستدرك ٣ / ٤٨٣ : وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة.

وقال الشيخ أحمد الدهلوي الشهير بشاه ولي ، وهو والد عبد العزيز الدهلوي ، مصنّف «التحفة الاثنا عشرية في الردّ على الشيعة» قال في كتابه «إزالة الخفاء» :

٥١٣

[لا أدري هل هذه المقارنة تنبئ عن أفضلية فاطمة بنت أسد على مريم بنت عمران كما أنّ ابنها عليّاعليه‌السلام كان أفضل وأشرف عند الله تعالى من عيسى بن مريمعليها‌السلام ؟! ربّما].

بالله عليكم فكّروا قليلا وأنصفوا ، مع وجود هذه الروايات والأحاديث المنقولة في كتبكم ، والمرويّة بطرقكم ، هل يجوز أن تقدّموا أحدا على الإمام عليّعليه‌السلام في الخلافة؟!!

وهل يجوز عند العقلاء والنبلاء تقديم المفضول على الفاضل؟! كما يقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٠ / ٢٢٦ : أمّا الذي استقرّ عليه رأي المعتزلة بعد اختلاف كثير بين قدمائهم في التفضيل؟؟؟ يره ، أنّ علياعليه‌السلام أفضل الجماعة ، وأنّهم تركوا الأفضل لمصلحة رأوها!

ويقول في صفحة ٢٢٧ : وبالجملة أصحابنا يقولون : [إن الأمر

__________________

تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّا في جوف الكعبة ، فإنّه ولد يوم الجمعة ثالث عشر من شهر رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة ، ولم يولد فيها أحد سواه قبله ولا بعده.

وقال شهاب الدين الآلوسي ، صاحب التفسير الكبير «روح المعاني» في شرح القصيدة العينية لعبد الباقي العمري الموصلي ، عند قوله :

[أنت العليّ الذي فوق العلى رفعا

ببطن مكّة وسط البيت إذ وضعا]

قال : وكون الأمير كرّم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا ، وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة ـ إلى أن قال : ـ وما أحرى بإمام الأئمة أن يكون وضعه في ما هو قبلة للمؤمنين! وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين. «المترجم»

٥١٤

كان له [لعليّ]عليه‌السلام ، وكان هو المستحق والمتعيّن!]

ويقول في شرح الخطبة الشقشقية في شرح نهج البلاغة ١ / ١٥٧ ط دار إحياء التراث العربي : لمّا كان أمير المؤمنينعليه‌السلام هو الأفضل والأحقّ وعدل عنه إلى من لا يساويه في فضل ولا يوازيه في جهاد وعلم ، ولا يماثله في سؤدد وشرف ، ساغ إطلاق هذه الألفاظ إلى آخره.

فلا ينكر أحد تفضيل الإمام عليّعليه‌السلام على غيره إلاّ عن تعصّب وعناد ، وإلا فإنّ أعلامكم المنصفين ذهبوا أيضا مذهب المعتزلة في ذلك :

فقد روى العلاّمة الكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» الباب الثاني والستّين ، بسنده عن ابن التيمي ، عن أبيه ، قال : فضّل عليّ بن أبي طالب على سائر الصحابة بمائة منقبة وشاركهم في مناقبهم.

وقال العلاّمة الكنجي. وابن التيمي هو موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي ، ثقة وابن ثقة ، أسند عنه العلماء والأثبات ثم ذكر المائة منقبة بالتفصيل(١) .

__________________

(١) منها ما رواه في صفحة ١٢٤ ـ ١٢٥ ط مطبعة الغري سنة ١٣٥٦ هجرية بإسناده عن عيسى بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : قال رجل لابن عباس : سبحان الله ما أكثر مناقب عليّ وفضائله!! إنّي لاحسبها ثلاثة آلاف ، فقال ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه :أولا تقول إنّها إلى ثلاثين ألفا أقرب؟!

ثمّ قال العلاّمة الكنجي : خرّج هذا الأثر جماعة من الحفّاظ في كتبهم.

وروى بعدها بإسناده عن محمد بن منصور الطوسي ، قال : سمعت الإمام أحمد

٥١٥

ونقل الشيخ سليمان القندوزي في كتابه «ينابيع المودة» الباب الأربعين ، قال : أخرج موفّق بن أحمد ، عن محمد بن منصور ، قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من الصحابة من الفضائل مثل ما لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وقال أحمد : قال رجل لابن عبّاس سبحان الله! ما أكثر فضائل عليّ بن أبي طالب ومناقبه! إنّي لأحسبها ثلاثة آلاف منقبة. فقال ابن عبّاس : أو لا تقول إنّها إلى ثلاثين ألفا أقرب؟!(١) .

__________________

ابن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ما جاء لعليّ بن أبي طالب.

ثمّ قال العلاّمة الكنجي : قال الحافظ البيهقي : وهو [عليّ عليه‌السلام ] أهل كلّ فضيلة ومنقبة ، ومستحقّ لكلّ سابقة ومرتبة ، ولم يكن أحد في وقته أحقّ بالخلافة منه.

«المترجم»

(١) أرى من المناسب نقل الرواية التالية التي رواها جماعة من أعلام السنة ، منهم :القندوزي في ينابيع المودّة ١ / ١٤٣ رواها عن الخوارزمي عن ابن عبّاس.

ورواها المير السيّد علي الهمداني الحنفي في المودّة الخامسة من كتابه «مودّة القربى» عن عمر بن الخطّاب.

ورواه موفّق ابن أحمد في المناقب : ١٨.

والعلاّمة الكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» الباب الثاني والستّين : ١٢٣.

كلاهما عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أنّ الغياض أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حسّاب ، والإنس كتّاب ، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب.

وعن عمر : لو أنّ البحر مداد ، والرياض أقلام ، والإنس كتّاب ، والجنّ حسّاب ، ما أحصوا فضائلك يا أبا الحسن. قالها النبيّ لعليّ. «المترجم»

٥١٦

وقال ابن أبي الحديد في مقدّمة شرح نهج البلاغة ١ / ١٧ ط دار إحياء التراث العربي : وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله؟! وما أقول في رجل تعزى إليه كلّ فضيلة ، وتنتهي إليه كلّ فرقة ، وتتجاذبه كلّ طائفة؟! فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ومجلّي حلبتها. كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى.

ويقول في خاتمة المقدّمة : ٣٠ : وجب أن نختصر ونقتصر ، فلو أردنا شرح مناقبه وخصائصه لاحتجنا إلى كتاب مفرد يماثل حجم هذا ، بل يزيد عليه. وبالله التوفيق.

فلا أدري بأيّ عذر أخّروا هذا الرجل الفذّ ، والإنسان العبقري ، العملاق العظيم ، العليّ على البشر بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولما ذا لم يستشيروه في أمر الخلافة؟!

وهل لهم دليل على تقديم الآخرين عليه؟!

فأنصفوا ولا تتّبعوا التعصّب والعناد!

الحافظ : وأنتم أيضا أنصفوا وانظروا هل يجوز لكم أن تنسبوا لأصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المقرّبين ، غصب الخلافة ومخالفة أمر الله والرسول؟!

وكيف تعتقدون بأنّ أمّة الإسلام اجتمعت على الباطل والضلال؟!!

أما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تجتمع أمّتي على الخطأ؟!»

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تجتمع أمّتي على ضلالة».

٥١٧

فلذلك نحن لا نقلّد أسلافنا تقليد الأعمى ، ولا نسير خلفهم سير الحمقى ، بل قلّدناهم وأخذنا مذهبهم إطاعة لأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث صحّح إجماع المسلمين وأيّد كلّ ما أجمعت عليه الصحابة المهتدون.

دعوى : إجماع الأمة على خلافة أبي بكر

قلت : أرجو أن تبيّنوا لنا أدلّتكم على صحّة خلافة أبي بكر؟

الحافظ : إنّ أقوى دليل على إثبات خلافة أبي بكر وصحّتها هو إجماع الأمّة على خلافته.

وأضف على هذا كبر السنّ والشيخوخة ، فإن عليّا (كرّم الله وجه) مع فضله وسوابقه المشرّفة وقربه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن المسلمين أخّروه لصغر سنّه.

وأنتم لو فكّرتم قليلا وأنصفتم لأعطيتم الحقّ للمسلمين ، فلا يجوز عقلا أن يتقدّم في هذا الأمر العظيم شابّ حدث السنّ مع وجود شيوخ قومه وكبراء أهله وإنّ تأخر سيّدنا عليّ لا يكون نقصا له بل كماله ، وإن أفضليّته على أقرانه ثابتة ولا ننكرها.

ثمّ إنّ المسلمين سمعوا حديثا رواه عمر بن الخطّاب ، قال : لا تجتمع النبوّة والملك في أهل بيت واحد.

ولمّا كان عليّ من أهل بيت النبوّة ما بايعوه

هذه أسباب تقدّم أبي بكر وتأخّر عليّ في أمر الخلافة.

قلت : إنّ أدلّتكم هذه تضحك الثّكلى ، وإنّ مثلكم كمثل الذي يغمض عينيه فيصبح كالأعمى ، فلا يرى الشمس الطالعة في الضّحى ، وينكر ضوء النهار إذا تجلّى ؛ فافتحوا أعينكم ، وانظروا إلى منار

٥١٨

الهدى ، واسلكوا طريق الحقّ والتقى ، ولا تتّبعوا الهوى ، وتجنّبوا المزلق والمهوى ، ولا تغرّنّكم الدنيا ، فإنّ الآخرة خير وأبقى.

وإنّي أرجوكم أن تقرءوا كتبنا وتدقّقوا النظر في أدلتنا وتعمّقوا الفكر في عقائدنا.

أقول هذا ، لأنّي فتّشت أسواق الشام والقاهرة والحجاز والأردن ، وغيرها من البلاد الاسلامية التي غالب سكّانها أهل السنّة أو حكّامها من أهل السنّة والجماعة ، فما وجدت كتب الشيعة في مكتباتها فكأنّكم ـ مع الأسف ـ آليتم أن لا تطالعوا كتب الشيعة ، فلا أدري هل حكمتم عليها بأنّها كتب الضلال فحرّمتم قراءتها؟!!

وإنّي دخلت بيوت كثير من إخواننا أهل السنّة والجماعة ، علمائهم وغير علمائهم ، الّذين يهوون مطالعة الكتب ويملكون مكتبات شخصيّة في بيوتهم ، فوجدت فيها كتب مختلفة حتّى كتب غير المسلمين من الشرقيّين والغربيّين ، ولم أجد كتابا واحدا من كتب الشيعة!!

بينما نحن في بلادنا نطبع كتبكم وننشرها ، وندعو أهل العلم والمثقفين لمطالعتها.

فهذه مدينة النجف الأشرف وكربلاء المقدّسة في العراق ، وهذه مدينة قم ومشهد الإمام الرضاعليه‌السلام في إيران ، وهي مراكز الشيعة التي فيها حوزاتنا العلمية ومراجعنا الكرام ، وكذلك طهران وشيراز واصفهان ، وغيرها من البلاد التي تسكنها الشيعة ، فتحت أبواب مكتباتها لعرض كتبكم وبيعها بدون أيّ مانع ورادع.

ولا أجد مكتبة واحدة من مكتباتنا العامّة أو الشخصية تخلو من

٥١٩

كتبكم وصحاحكم ومسانيدكم وتواريخكم وتفاسيركم ، لا لحاجة منّا إليها ، لأنّ مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام غنيّة ، والأخبار المرويّة عن العترة الطاهرة الهادية تناولت جميع جوانب الحياة وكلّ ما يحتاجه الإنسان في أمر الدين والدنيا.

ولكن نريد أن نحاجكم بكتبكم ، ونلزمكم بأقوال علمائكم وآراء أعلامكم ، وننقدها نقدا بنّاء حتّى نصل معكم إلى التفاهم ، وكما تجدونني في هذه المحاورات والمناقشات لا أنقل إلاّ عن كتبكم ومسانيدكم وصحاحكم وتفاسيركم.

إجماع أم مؤامرة!!

لقد ادّعيتم أنّ إجماع الصحابة هو أقوى دليل على إثبات خلافة أبي بكر وصحّتها. واستدللتم بحديث : لا تجتمع أمّتي على خطأ ، أو : لا تجتمع أمّتي على ضلال.

فالأمّة أضيفت إلى ياء المتكلّم ، فتفيد العموم كما قال النحويّون ، فعلى فرض صحّة الحديث يكون معناه : إنّ أمّتي كلّهم من غير استثناء إذا أجمعوا على أمر فذاك الأمر لا يكون خطأ أو ضلالا.

وهذا هو الإجماع الذي يتضمّن رأي حجّة الله تعالى في خلقه ؛ لأنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله عزّ وجلّ ـ كما جاء في روايات الفريقين ـ.

ثم إنّ هذا الحديث ـ على فرض صحّته ـ لا ينسخ الأحاديث النبوية والنصوص الجلية في تعريف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خليفته في البريّة.

ولو تنزّلنا وسلّمنا برأيكم والتزمنا بهذا المقال ، بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205