ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241889 / تحميل: 4160
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

ابن زياد بحبسهما بعد أن شتم المختار ، واستعرض وجهه بالقضيب فشتر عينه(١) .وبقيا في السجن إلى أن قتل الحسينعليه‌السلام (٢) .

__________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٥ ص ٢١٥.

(٢) المصدر السابق.

٥٠١

الفصل الخامس عشر :

عزم الحسينعليه‌السلام على المسير إلى العراق

(ونصائح الأصحاب)

إضافة لما ورد في هذا الفصل ، تراجع في الفصول السابقة من هذا الباب (النصائح) المتعددة الموجهة للحسينعليه‌السلام ، وردّ الإمام على هذه النصائح ، ففيها لمحات من فلسفة نهضة الحسينعليه‌السلام ، وفيها الإجابة على تساؤلات كثيرة حول أسباب نهضته المباركة ومراميها البعيدة.

وقد بدأت النصائح من المدينة ، واستمرت أثناء إقامته في مكة.

٥٨٨ ـ أقسام الناصحين :

يمكن تقسيم الذين نصحوا الحسينعليه‌السلام بعدم المسير إلى نوعين :

١ ـ المشفقون : وهم الذين نصحوه من منطلق المحبة والخوف عليه ، ومنهم محمّد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وعمر الأطرف والسيدة أم سلمة ، وعبد الله بن مطيع العدوي والمسوّر بن مخرمة وعمرو بن عبد الرحمن المخزومي وغيرهم.

٢ ـ المندّدون : وهم الذين أنكروا عليه خروجه ، ونصحوه من منطلق أنه مخطئ ولا يجوز له ذلك ، وهم غالبا من غير خطّ أهل البيتعليهم‌السلام ، منهم : عبد الله بن عمر وأبو واقد الليثي وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية وسعيد بن المسيّب ...وغيرهم.

وأما عبد الله بن الزبير ، فظاهره الإشفاق وباطنه غير ذلك.

٥٨٩ ـ الذين نصحوا الحسينعليه‌السلام كان الأولى بهم مناصرته :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٨ طبع حجر إيران)

يقول الفاضل الدربندي : ثم لا يخفى عليك أن علماء أهل الخلاف لو كانوا أخذوا طريق الإنصاف وتركوا الاعتساف ، وتتبعوا الأخبار وتفحصوا السير والآثار ، لعلموا أن ما ظنّ به ابن عمر وابن عباس من أن سيد الشهداءعليه‌السلام لو

٥٠٢

خرج إلى العراق لقتل فيه ، إنما كان منبعثا من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإخباره بشهادة ولده وريحانته في أرض العراق ، فإنه يقتله أشرار هذه الأمة ، فلا تنالهم شفاعته ، وأن أنصار ولده والمستشهدين بين يديه يكونون في أعلى درجات الجنان معه. فلو كان النصحاء من الكاملين المؤمنين ، لاختاروا نصرة ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتركوا النصيحة له. لأنه كما نص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبر بشهادته مرارا متضافرة ، إخبارا منجّزا ، بأنه يخرج إلى العراق ويقتل ، وأنه قد شاء الله تعالى أن يراه مقتولا ، لا معلّقا بأنه لو خرج لقتل ؛ فكذا قد نصّ بأنه إمام مفترض الطاعة ، وحجة الله على جميع أهل السموات والأرضين بعد أبيه وأخيهعليه‌السلام .

٥٩٠ ـ شخوص الحسينعليه‌السلام إلى المدينة لزيارة قبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٣٩)

قال أبو مخنف : لما قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة انقطع خبرهما عن الحسينعليه‌السلام فقلق قلقا عظيما. فجمع أهله وأخبرهم بما حدّثته به نفسه. وأمرهم بالرحيل إلى المدينة ، فخرجوا سائرين بين يديه إلى المدينة حتى دخلوها.

٥٩١ ـ زيارة الحسينعليه‌السلام لقبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورؤياه :

(المصدر السابق)

فأتى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتزمه وبكى بكاء شديدا ، فهوّمت عيناه بالنوم [أي نام نوما خفيفا] فرأى جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : يا ولدي الوحا الوحا العجل العجل ، فبادر إلينا فنحن مشتاقون إليك. فانتبه الحسينعليه‌السلام قلقا مشوقا إلى جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥٩٢ ـ زيارة الحسينعليه‌السلام لأخيه محمّد بن الحنفية :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ١٤١)

وجاء الحسينعليه‌السلام إلى أخيه محمّد بن الحنفية وهو عليل ، فحدّثه بما رأى وبكى. فقال له : يا أخي ماذا تريد أن تصنع؟. قال : أريد الرحيل إلى العراق ، فإني على قلق من أجل ابن عمي مسلم بن عقيل. فقال له محمّد بن الحنفية : سألتك بحق جدك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا تفارق حرم جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن لك فيه أعوانا كثيرة. فقال الحسينعليه‌السلام : لا بدّ من العراق. فقال محمّد بن الحنفية : إني والله ليحزنني فراقك ، وما أقعدني عن المسير معك إلا لأجل ما أجده من المرض

٥٠٣

الشديد ، فوالله يا أخي ما أقدر أن أقبض على قائم سيف ولا كعب رمح. فوالله لا فرحت بعدك أبدا. ثم بكى بكاء شديدا حتّى غشي عليه. فلما أفاق من غشيته قال :يا أخي أستودعك الله من شهيد مظلوم.

وودعه الحسينعليه‌السلام ورجع إلى مكة.

٥٩٣ ـ عبد الله بن عمر يشير على الحسينعليه‌السلام بالخضوع ، والحسين يبيّن هوان الدنيا ، وأن الله سينتقم من قتلته كما انتقم من بني إسرائيل :

(المنتخب للطريحي ، ص ٣٨٩)

روى بعض الثقات أن عبد الله بن عمر لما بلغه أن الحسينعليه‌السلام متوجه إلى العراق ، جاء إليه وأشار عليه بالطاعة والانقياد لابن زياد ، وحذّره من مشاقّة أهل العناد.

فقال له الحسينعليه‌السلام : يا عبد الله ، إنّ من هوان هذه الدنيا على الله ، أن رأس يحيى بن زكرياعليه‌السلام أهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، فامتلأ به سرورا ، ولم يعجّل الله عليهم بالانتقام ، وعاشوا في الدنيا مغتبطين. ألم تعلم يا عبد الله أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يفعلوا شيئا ، ولم يعجّل الله عليهم بانتقام ، بل أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.

ثم قال : يا عبد الله ، اتّق الله ولا تدعنّ نصرتي ، ولا تركنن إلى الدنيا ، لأنها دار لا يدوم فيها نعيم ، ولا يبقى أحد من شرّها سليم. متواترة محنها ، متكاثرة فتنها.أعظم الناس فيها بلاء الأنبياء ، ثم الأئمة الأمناء ، ثم المؤمنون ، ثم الأمثل بالأمثل.

٥٩٤ ـ خطبة الحسينعليه‌السلام قبيل خروجه من مكة إلى العراق :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٩٣)

ولما عزم الحسينعليه‌السلام على الخروج إلى العراق ، قام خطيبا فقال :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلّى الله على رسوله.

٥٠٤

خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة. وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف!. وخير لي مصرع أنا لاقيه. كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس(١) وكربلا ، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا(٢) . لا محيص عن يوم خطّ بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس(٣) ، تقرّبهم عينه ، وينجز بهم وعده. ألا ومن كان فينا باذلا مهجته ، موطّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى.

٥٩٥ ـ نصيحة عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي للحسينعليه‌السلام بالعدول عن المسير إلى العراق :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٥)

دخل عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي على الحسينعليه‌السلام وقد عزم على المسير إلى العراق ، فقال : يابن رسول الله أتيتك لحاجة أريد أن أذكرها لك ، وأنا غير غاشّ لك فيها ، فهل لك أن تسمعها؟. فقالعليه‌السلام : قل ما أحببت ، فقال : أنشدك الله يابن عم ألا تخرج إلى العراق ، فإنهم من قد عرفت ، وهم أصحاب أبيك ، وولاتهم عندهم ، وهم يجبون البلاد ، والناس عبيد المال ، ولا آمن أن يقاتلك من كتب إليك يستقدمك. فقال الحسينعليه‌السلام : سأنظر فيما قلت ، وقد علمت أنك أشرت بنصح ، ومهما يقض الله من أمر فهو كائن البتة ، أخذت برأيك أم تركت.

__________________

(١) النواويس : أرض تقع شمال غربي كربلاء. والنواويس جمع ناووس : وهو من القبر ما سدّ لحده. وكانت بها مجموعة مقابر للنصارى والأنباط ، واليوم يقال لها أراضي الجمالية.وقيل : إنها في المكان الّذي فيه مزار الحر بن يزيد الرياحي. وعسلان الفلوات : ذئابها.والأوصال : الأعضاء.

(٢) الأكراش : جمع كرش. وجوفا : أي واسعة. والأجربة : الأوعية. والسّغب : الجائعة.وهذا الكلام كناية عن قتلهعليه‌السلام ونبذه بالعراء وتركه عرضة لما ذكر. والمعنى هنا مجازي ، إذ أن جسم المعصوم لا تقربه الوحوش ولا تمسّه بسوء. والمعنى أنهعليه‌السلام ستقتله عصابة وتسلبه ، وتوزّع أهله وتسبي نساءه وأولاده ، عصابة هي أشبه ما تكون بذئاب الفلوات الجائعة ، تقطّع أوصال القتيل وتبعثر أعضاءه. وكنّىعليه‌السلام عن أهله وأولاده بالأوصال ، لأن صلتها به تنقطع بوفاته.

(٣) حظيرة القدس : الجنة.

٥٠٥

فانصرف عنه عمر بن عبد الرحمن وهو يقول :

ربّ مستنصح سيعصى ويؤذى

ونصيح بالغيب يلفى نصيحا

وفي رواية (مثير الأحزان) لابن نما الحلي ، ص ٢٧ :

كم ترى ناصحا يقول فيعصى

وظنين المغيب يلفى نصيحا

٥٩٦ ـ نصيحة المسوّر بن مخرمة :(تاريخ ابن عساكر ، ص ٢٠٢)

وكتب إليه المسوّر بن مخرمة : إياك أن تغترّ بكتب أهل العراق ، ويقول لك ابن الزبير : الحق بهم فإنهم ناصروك. إياك أن تبرح الحرم ، فإنهم إن كانت لهم بك حاجة ، فسيضربون إليك آباط الإبل حتّى يوافوك ، فتخرج في قوة وعدّة.

فجزاه الحسينعليه‌السلام خيرا ، وقال : أستخير الله في ذلك.

٥٩٧ ـ كتاب عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية :

(تاريخ ابن عساكر ، بعد الحديث ٦٥٣ ، ص ١٩٨)

كتبت إلى الحسينعليه‌السلام عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه : أشهد لحدّثتني عائشة أنها سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «يقتل حسين بأرض بابل».

فلما قرأعليه‌السلام كتابها ، قال : فلا بدّ لي إذا من مصرعي ، ومضى.

٥٩٨ ـ عبد الله بن الزبير يحمّس الحسينعليه‌السلام على الخروج إلى العراق ليصفو له الجو :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٧)

قال الخوارزمي : ثم أقبل عبد الله بن الزبير فسلّم على الحسينعليه‌السلام وجلس ساعة. ثم قال : أما والله يابن رسول الله ، لو كان لي بالعراق مثل شيعتك لما أقمت بمكة يوما واحدا ، ولو أنك أقمت بالحجاز ما خالفك أحد ، فعلى ماذا نعطي هؤلاء الدنيّة ونطمعهم في حقنا ، ونحن أبناء المهاجرين ، وهم أبناء المنافقين؟!.

قال : وكان هذا الكلام مكرا من ابن الزبير ، لأنه لا يحب أن يكون بالحجاز أحد يناويه. فسكت الحسينعليه‌السلام وعلم ما يريد.

٥٩٩ ـ كتاب عبد الله بن جعفر الطيار للحسينعليه‌السلام من المدينة يطلب منه عدم التعجل بالمسير إلى العراق :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٧)

٥٠٦

وبعث عبد الله بن جعفر كتابا مع ابنيه محمّد وعون من المدينة هذا نصه :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . للحسين بن علي ، من عبد الله بن جعفر. أما بعد فإني أنشدك الله ألا تخرج من مكة ، فإني خائف عليك من هذا الأمر الّذي قد أزمعت عليه ، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، فإنك إن قتلت خفت أن يطفأ نور الله ، فأنت علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين. فلا تعجل بالمسير إلى العراق(١) فإني آخذ لك الأمان من يزيد ، ومن جميع بني أمية لنفسك ولمالك وأولادك وأهلك ، والسلام.

فكتب إليه الحسينعليه‌السلام : أما بعد ، فإن كتابك ورد عليّ ، فقرأته وفهمت ما فيه. اعلم أني رأيت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامي ، فأخبرني بأمر

أنا ماض له ، كان لي الأمر أو عليّ ، فو الله يابن عم لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني حتّى يقتلوني. وو الله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في يوم السبت ، والسلام(٢) .

٦٠٠ ـ كتاب عمرو بن سعيد بن العاص(٣) من المدينة للحسينعليه‌السلام يعيذه فيه من الشقاق ويدعوه إلى المدينة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٨)

وكتب عمرو بن سعيد بن العاص والي الحجاز إلى الحسينعليه‌السلام من المدينة :أما بعد ، فقد بلغني أنك قد عزمت على الخروج إلى العراق ، ولقد علمت ما نزل بابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته ، وأنا أعيذك بالله تعالى من الشقاق ، فإني خائف عليك منه ، ولقد بعثت إليك بأخي (يحيى بن سعيد) فأقبل إليّ معه ، فلك عندنا الأمان والصلة ، والبر والاحسان ، وحسن الجوار ، والله بذلك عليّ شهيد ووكيل وراع وكفيل ، والسلام.

فكتب الحسينعليه‌السلام : أما بعد فإنه لم يشاقّ من دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين. وقد دعوتني إلى البر والإحسان ، وخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا. ونحن نسأله لك ولنا في هذه الدنيا

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٩٦.

(٢) المناقب لابن شهراشوب ، ج ٢ ص ٢٤٥ طبع نجف.

(٣) كان عمرو بن سعيد بن العاص والي مكة ، والوليد بن عتبة والي المدينة ، فلما بلغ يزيد ما صنع الوليد عزله عن المدينة وولاها عمرو بن سعيد بن العاص إضافة لمكة ، فقدمها في شهر رمضان من سنة ٦٠ ه‍.

٥٠٧

عملا يرضى لنا يوم القيامة. فإن كنت بكتابك هذا إليّ أردت برّي وصلتي ، فجزيت بذلك خيرا في الدنيا والآخرة ، والسلام.

٦٠١ ـ كتاب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس بمكة :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط ٢ نجف)

قال الواقدي : ولما نزل الحسينعليه‌السلام مكة ، كتب يزيد بن معاوية إلى ابن عباس :

أما بعد ، فإن ابن عمك حسينا ، وعدوّ الله ابن الزبير ، التويا ببيعتي ولحقا بمكة ، مرصدين للفتنة ، معرّضين أنفسهما للهلكة.

فأما ابن الزبير ، فإنه صريع الفنا ، وقتيل السيف غدا.

وأما الحسين ، فقد أحببت الإعذار إليكم أهل البيت مما كان منه. وقد بلغني أن رجالا من شيعته من أهل العراق يكاتبونه ويكاتبهم ، ويمنّونه الخلافة ويمنّيهم الإمرة. وقد تعلمون ما بيني وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتائج الأرحام. وقد قطع ذلك الحسين وبتّه ، وأنت زعيم أهل بيتك وسيد أهل بلادك. فالقه فاردده عن السعي في الفرقة ، وردّ هذه الأمة عن الفتنة ، فإن قبل منك وأناب إليك ، فله عندي الأمان والكرامة الواسعة ، وأجري عليه ما كان أبي يجريه على أخيه ، وإن طلب الزيادة فاضمن له ما أراك الله ، أنفّذ ضمانك وأقوم له بذلك ، وله عليّ الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكدة ، بما تطمئن به نفسه ويعتمد في كل الأمور عليه.

عجّل بجواب كتابي ، وبكل حاجة لك إليّ وقبلي ، والسلام.

قال هشام بن محمّد : وكتب يزيد في أسفل الكتاب :

يا أيها الراكب العادي مطيّته

على عذافرة(١) في سيرها قحم

أبلغ قريشا على نأي المزار بها

بيني وبين الحسين : الله والرّحم

وموقف بفناء البيت أنشده

عهد الإله غدا يوفى به الذّمم

عنّيتم قومكم فخرا بأمّكم

أمّ لعمري حصان عفّة كرم

هي التي لا يداني فضلها أحد

بنت الرسول وخير الناس قد علموا

وفضلها لكم فضل ، وغيركم

من قومكم لهم في فضلها قسم

__________________

(١) العذافرة : الناقة الشديدة ، الوثيقة الظهر.

٥٠٨

إني لأعلم أو ظنّا كعالمه

والظنّ يصدق أحيانا فينتظم

أن سوف يترككم ما تدّعون بها

قتلى تهاداكم العقبان والرّخم

يا قومنا لا تشبّوا الحرب إذ سكنت

وأمسكوا بحبال السلم واعتصموا

قد غرّت الحرب من قد كان قبلكم

من القرون وقد بادت بها الأمم

فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخا

فربّ ذي بذخ زلّت به القدم

قال الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٢١٩ :

وأتى كتاب من يزيد بن معاوية إلى عمرو بن سعيد يأمره فيه أن يقرأه على الموسم ، وفيه القصيدة السابقة.

ثم قال : وأتى مثله إلى أهل المدينة ؛ من قريش وغيرهم.

قال : فوجّه أهل المدينة بهذه الأبيات إلى الحسين ولم يعلموه أنها من يزيد.فلما نظرها الحسين علم أنها منه ، وكتب إليهم في الجواب :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) (٤١) [يونس : ٤١].

٦٠٢ ـ جواب ابن عباس ليزيد على كتابه ، ونصيحته له :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٩ ط ٢ نجف)

فكتب ابن عباس ليزيد :

أما بعد ، فقد ورد كتابك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكة.

فأما ابن الزبير فرجل منقطع عنا برأيه وهواه ، يكاتمنا مع ذلك أضغانا يسرّها في صدره ، يوري علينا وري الزّناد ، لا فكّ الله أسيرها ، فارأ في أمره ما أنت راء.

وأما الحسين فإنه لما نزل مكة وترك حرم جده ومنازل آبائه ، سألته عن مقدمه ، فأخبرني أن عمّالك بالمدينة أساؤوا إليه وعجلوا عليه بالكلام الفاحش ، فأقبل إلى حرم الله مستجيرا به ، وسألقاه فيما أشرت إليه ، ولن أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ، ويطفئ به النائرة [أي الحرب] ، ويخمد به الفتنة ، ويحقن به دماء الأمة.

فاتقّ الله في السرّ والعلانية ، ولا تبيتنّ ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة ، ولا ترصده بمظلمة ، ولا تحفر له مهواة. فكم من حافر لغيره حفرا وقع فيه ، وكم من مؤمّل أملا لم يؤت أمله. وخذ بحظك من تلاوة القرآن ونشر السنّة ، وعليك بالصيام

٥٠٩

والقيام ، لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها ، فإنّ كل ما اشتغلت به عن الله يضرّ ويفنى ، وكل ما اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع ويبقى ، والسلام.

فلما قرأ يزيد كتاب ابن عباس أخذته العزة بالإثم ، وهمّ بقتل ابن عباس ، فشغله عنه أمر ابن الزبير ، ثم أخذه الله ـ بعد ذلك بيسير ـ أخذا عزيزا.

٦٠٣ ـ نصيحة عبد الله بن عباس للحسينعليه‌السلام وفيها يتخوّف عليه من أهل الكوفة ويدعوه للبقاء في مكة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٦)

وقدم ابن عباس في تلك الأيام إلى مكة ، وقد بلغه أن الحسين عزم على المسير ، فأتى إليه ودخل عليه مسلّما. ثم قال له : جعلت فداك ، إنه قد شاع الخبر بين الناس وأرجفوا بأنك سائر إلى العراق ، فبيّن لي ما أنت عليه. فقال : نعم قد أزمعت على ذلك في أيامي هذه إنشاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فقال ابن عباس : أعيذك بالله من ذلك ، فإنك إن سرت إلى قوم قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم واتقوا عدوهم ، ففي مسيرك إليهم لعمري الرشاد والسداد ، وإن سرت إلى قوم دعوك إليهم وأميرهم قاهر لهم ، وعمّالهم يجبون بلادهم ، فإنما دعوك إلى الحرب والقتال. وأنت تعلم أنه بلد قد قتل فيه.

أبوك ، واغتيل فيه أخوك ، وقتل فيه ابن عمك(١) وقد بايعه الناس ، وعبيد الله في البلد يفرض ويعطي ، والناس اليوم عبيد الدينار والدرهم ، فلا آمن عليك أن تقتل.فاتّق الله والزم هذا الحرم ، فإن كنت على حال لا بدّ أن تشخص ، فصر إلى اليمن ، فإن بها حصونا لك ، وشيعة لأبيك ، فتكون منقطعا عن الناس. فقال الحسينعليه‌السلام : لا بدّ من العراق!. قال : فإن عصيتني فلا تخرج أهلك ونساءك ، فيقال إن دم عثمان عندك وعند أبيك ، فو الله ما آمن أن تقتل ونساؤك ينظرن كما قتل عثمان. فقال الحسينعليه‌السلام : والله يابن عم لأن أقتل بالعراق أحبّ إليّ من أن أقتل بمكة ، وما قضى الله فهو كائن ، ومع ذلك أستخير الله وأنظر ما يكون.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٠ :

__________________

(١) يقصد به مسلم بن عقيل. ويستفاد من هذا الكلام أن الحسينعليه‌السلام علم بمقتل مسلم وهو في مكة ، مع أن مسلما استشهد يوم التروية في اليوم الّذي سار فيه الحسينعليه‌السلام إلى العراق.وتدل الروايات المؤكدة على أنهعليه‌السلام لم يبلغه ذلك إلا وهو في منتصف الطريق في (زرود).

٥١٠

قال هشام بن محمّد : ثم إن حسينعليه‌السلام كثرت عليه كتب أهل الكوفة وتواترت إليه رسلهم : «إن لم تصل إلينا ، فأنت آثم». فعزم على المسير ، فجاء إليه ابن عباس ونهاه عن ذلك ، وقال له : يابن عم ، إن أهل الكوفة قوم غدر ؛ قتلوا أباك ، وخذلوا أخاك وطعنوه وسلبوه وأسلموه إلى عدوه ، وفعلوا ما فعلوا.

فقال : هذه كتبهم ورسلهم ، وقد وجب عليّ المسير لقتال أعداء الله.

فبكى ابن عباس ، وقال : وا حسيناه.

وأورد المقرّم في مقتله ، ص ١٩٦ هذا الكلام على النحو التالي :

وقال ابن عباس للحسينعليه‌السلام : يابن العم إني أتصبّر وما أصبر ، وأتخوّف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال. إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربهم. أقم في هذا البلد ، فإنك سيد أهل الحجاز. وأهل العراق إن كانوا يريدونك كما زعموا فلينفوا عاملهم وعدوهم ، ثم اقدم عليهم. فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن ، فإن بها حصونا وشعابا(١) وهي أرض عريضة طويلة ، ولأبيك بها شيعة ، وأنت عن الناس في عزلة ، فتكتب إلى الناس وترسل وتبثّ دعاتك ، فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الّذي تحب في عافية.

فقال الحسينعليه‌السلام : يابن العم إني والله لأعلم أنك ناصح مشفق ، وقد أزمعت على المسير. فقال ابن عباس : إن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فإني لخائف أن تقتل وهم ينظرون إليك. فقال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام المرأة(٢) .

(وفي رواية) قال ابن عباس : استشارني الحسينعليه‌السلام في الخروج من مكة فقلت : لو لا أن يزري بي وبك لتشبّثت بيدي في رأسك. فقالعليه‌السلام : ما أحبّ أن تستحلّ بي (يعني مكة).

وفي (تاريخ مدينة دمشق) لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسينعليه‌السلام ص

__________________

(١) روى بعض هذا الكلام أبو مخنف في مقتله ، ص ٤١.

(٢) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٦ ؛ وفي القاموس المحيط وتاج العروس : الفرام دواء تضيّق به المرأة المسلك. وفي لواعج الأشجان للأمين ص ٧٤ : الفرام هو خرقة الحيض.

٥١١

٢٠٤ ، قال ابن عباس : وكان قوله هذا هو الّذي سلا بنفسي عنه. ثم بكى وقال :أقررت عين ابن الزبير.

ثم خرج عبد الله بن عباس من عنده وهو مغضب ، وابن الزبير على الباب. فلما رآه قال : يابن الزبير قد أتى ما أحببت قرّت عينك ، هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز. ثم قال :

يا لك من قبّرة بمعمر

خلا لك الجوّ فبيضي واصفري

ونقّري ما شئت أن تنقّري

(أقول) : وفي أغلب المصادر أن هذه النصائح من ابن عباس كانت في يومين متتاليين.

وبعث الحسينعليه‌السلام إلى المدينة ، فقدم عليه من خفّ معه من بني عبد المطلب ، وهم تسعة عشر رجلا ، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم.

٦٠٤ ـ نصيحة عبد الله بن عمر للحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)

قال الواقدي : ولما بلغ عبد الله بن عمر ما عزم عليه الحسينعليه‌السلام دخل عليه بنفر ، فلامه ووبخه ونهاه عن المسير ، وقال له : يا أبا عبد الله ، سمعت جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «مالي وللدنيا ، وما للدنيا ومالي». وأنت بضعة منه. وذكر له نحو ما ذكر ابن عباس.

فلما رآه مصرّا على المسير ، قبّله ما بين عينيه وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل.

٦٠٥ ـ نصيحة عبد الله بن الزبير للحسينعليه‌السلام وردّها :

(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ١١)

(ذكر الطبري عن أبي مخنف) عن عبد الله بن سليم والمنذر بن المشمعل الأسديين ، قالا : خرجنا حاجّين من الكوفة حتّى قدمنا مكة ، فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسينعليه‌السلام وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب. قال : فتقربنا منهما ، فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسينعليه‌السلام : إن شئت أن تقيم أقمت فوليت هذا الأمر ، فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك. فقال الحسينعليه‌السلام : إن أبي حدثني أن بها كبشا سيستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أن أكون

٥١٢

أنا ذلك الكبش. فقال له ابن الزبير : فأقم إن شئت وتوليني أنا الأمر ، فتطاع ولا تعصى. فقال : وما أريد هذا أيضا.

(قالا) : ثم إنهما أخفيا كلامهما دوننا ، فما زالا يتناجيان حتّى سمعنا دعاء الناس متوجهين إلى منى عند الظهر.

(قالا) : فطاف الحسين بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، وقصّ شعره ، وحلّ من عمرته. ثم توجه نحو العراق ، وتوجهنا نحو منى(١) .

وفي رواية (مقتل الخوارزمي) ص ٢١٩ : قال عبد الله بن الزبير للحسين بن عليعليه‌السلام : أين تذهب؟. إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك!. فقال له الحسين :لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن تستحلّ بي (يعني مكة).

وفي رواية المقرّم ، ص ١٩٤ : إن الحسينعليه‌السلام قال لابن الزبير : إن أبي حدثني أن بمكة كبشا به تستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أن أكون ذلك الكبش ، ولئن أقتل خارجا منها بشبر أحبّ إليّ من أن أقتل فيها(٢) . وايم الله لو كنت في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيّ حاجتهم ، والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت.

وعن معمّر ، قال : وسمعت رجلا يحدّث عن الحسين بن عليعليه‌السلام قال :سمعته يقول لعبد الله بن الزبير : أتتني بيعة أربعين ألفا يحلفون لي بالطلاق والعتاق ، من أهل الكوفة (وفي رواية : من أهل العراق). فقال له عبد الله بن الزبير : أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وأخرجوا أخاك؟!.

٦٠٦ ـ موقف عبد الله بن الزبير من الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)

ولما بلغ ابن الزبير عزمه ، دخل عليه وقال : لو أقمت ههنا بايعناك ، فأنت أحقّ من يزيد وأبيه.

وكان ابن الزبير أسرّ الناس بخروجه من مكة ، وإنما قال له هذا ، لئلا ينسبه إلى شيء آخر.

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٧.

(٢) في (تاريخ مكة) للأزرقي ، ج ٢ ص ١٠٥ أنه قال ذلك لابن عباس.

٥١٣

وفي كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٦ :

ولما خرج من عنده ابن الزبير قال الحسين لمن حضر عنده : إن هذا ليس شيء من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز ، وقد علم أن الناس لا يعدلونه بي ، فودّ أني خرجت حتّى يخلو له.

٦٠٧ ـ نصيحة أبي محمّد الواقدي :(لواعج الأشجان ، ص ٦٥)

قال أبو محمّد الواقدي وزرارة بن خلج [ذكر ذلك في الله وف ص ٢٦] : لقينا الحسين بن عليعليهما‌السلام قبل أن يخرج إلى العراق ، فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة ، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه. فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ، ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا اللهعزوجل ، فقالعليه‌السلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر ، لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكن أعلم يقينا أن من هناك مصرعي وهناك مصارع أصحابي ، لا ينجو منهم إلا ولدي (علي)عليه‌السلام .

٦٠٨ ـ الحسينعليه‌السلام يرفض نصرة الملائكة ، حتّى يحرز الشهادة ::

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٦٢)

عن زرارة بن صالح قال : لقينا الحسين بن عليعليهما‌السلام قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث.

إلى أن قال : فأومأ بيده إلى السماء ، ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيه إلا الله. فقالعليه‌السلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر نقاتلهم بهؤلاء.

٦٠٩ ـ جبرئيلعليه‌السلام يدعو إلى بيعة الله :(المصدر السابق)

ومن رواية ابن عباس قال : رأيت الحسينعليه‌السلام قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة ، وكفّ جبرئيل في كفه ، وجبرئيل ينادي : هلمّوا إلى بيعة الله. فقال : إن أصحاب الحسينعليه‌السلام لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم قبل شهودهم.

وفي هذا دلالة تامة على علوّ شأن من استشهدوا بين يدي الحسينعليه‌السلام ، وأن منزلتهم أعلى من الشهداء الذين سبقوهم. وبيان ذلك أن هذا النحو من الدعوة المتمثلة في نداء جبرئيل ودعوته إلى البيعة ، لم يتحقق في شأن دعوة نبي من

٥١٤

الأنبياء. وهذا يدل على أن المتخلّف عن نصرة الحسينعليه‌السلام لا لعذر ، ليس من أهل الإيقان والإيمان.

٦١٠ ـ وصية الحسينعليه‌السلام إلى بني هاشم :

(اللهوف ، ص ٣٦)

ذكر الكليني في كتاب (الرسائل) عن حمزة بن حمران عن الصادقعليه‌السلام قال :ذكرنا خروج الحسينعليه‌السلام وتخلّف ابن الحنفية عنه ، فقال الصادقعليه‌السلام : يا حمزة إني سأحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا. إن الحسين لما فصل متوجها ، أمر بقرطاس وكتب :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . من الحسين بن علي إلى بني هاشم : أما بعد ، إنه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلّف عني لم يبلغ الفتح ، والسلام. وقيل بعثه إلى محمّد بن الحنفية(١) .

يقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٢١٥ ، معلقا على قول الإمام الحسينعليه‌السلام لبني هاشم : ومن تخلّف لم يبلغ الفتح». أي من تخلّف عن نصرة الحسينعليه‌السلام لم يحرز النجاة والفلاح ، الّذي يحرزه من استشهد مع الحسينعليه‌السلام .

٦١١ ـ يزيد يأمر والي مكة بقتل الحسينعليه‌السلام غيلة ولو في حرم مكة :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٦٢ ط نجف)

كان يزيد بن معاوية عزل الوليد بن عتبة عن المدينة ، وولّى عمرو بن سعيد ابن العاص على المدينة ومكة معا ، فأقام عمرو في المدينة. ثم أمره يزيد بالمسير إلى مكة في عسكر عظيم ، وولاه أمر الموسم ، وأمّره على الحاجّ كلهم.

وأوصاه بالقبض على الحسينعليه‌السلام سرا ، وإن لم يتمكن منه يقتله غيلة. وأمره أن يناجز الحسينعليه‌السلام القتال إن هو ناجزه. فلما كان يوم التروية قدم عمرو بن سعيد إلى مكة في جند كثيف.

ثم إن يزيد دسّ مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ، وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام على أي حال اتفق [نقل ذلك العلامة المجلسي في كتاب البحار].

__________________

(١) كتاب (الحسين في طريقه إلى الشهادة) للسيد علي بن الحسين الهاشمي ، ص ١٢٥.

٥١٥

فلما علم الحسينعليه‌السلام بذلك ، عزم على التوجه إلى العراق ، وحلّ من إحرام الحج ، وجعلها عمرة مفردة.

٦١٢ ـ الإمام الحسينعليه‌السلام يقصّر حجه إلى عمرة مفردة ، استعدادا للمسير إلى العراق :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٩٣)

لما بلغ الحسينعليه‌السلام أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر كثيف ، وأمّره على الحاج وولاه أمر الموسم ، وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجد(١) وبقتله على أي حال اتفق(٢) ، عزمعليه‌السلام على الخروج من مكة قبل إتمام الحج ، وجعلها عمرة مفردة ، وذلك كراهية أن تستباح به حرمة البيت(٣) .

وكان خروجهعليه‌السلام من مكة يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة ، ومعه أهل بيته ومواليه وشيعته ، من أهل الحجاز والبصرة والكوفة ، الذين انضموا إليه أيام إقامته بمكة فكان الناس يخرجون إلى منى للتزود بالماء ، والحسينعليه‌السلام يخرج إلى العراق. ولم يكن علمعليه‌السلام بمقتل مسلم بن عقيل الّذي استشهد في ذلك اليوم(٤) .

٦١٣ ـ الفرق بين العمرة والحج :

(الكافي للكليني ، ج ٤ ص ٥٣٥)

عن معاوية بن عمار عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : إن المتمتّع مرتبط بالحج ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء. وقد اعتمر الحسينعليه‌السلام في ذي الحجة ، ثم راح يوم التروية إلى العراق ، والناس يروحون إلى (منى). ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج.

٦١٤ ـ ابن الزبير يودّع الحسينعليه‌السلام عند ما أزمع على السفر :

(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ، ج ١٧ ص ١٥٥)

عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : إن الحسينعليه‌السلام خرج من مكة قبل التروية بيوم ، فشيّعه عبد الله بن الزبير. فقال : يا أبا عبد الله ، قد حضر الحج وتدعه وتأتي

__________________

(١) المنتخب للطريحي ، ص ٣٠٤ الليلة العاشرة.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧١.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ١٧٧ ؛ ومثير الأحزان لابن نما ، ص ٨٩.

(٤) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٢.

٥١٦

العراق؟!. فقالعليه‌السلام : يابن الزبير لأن أدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أن أدفن بفناء الكعبة(١) .

٦١٥ ـ نصيحة محمّد بن الحنفية لأخيه الحسينعليه‌السلام ، وفيها يخبر الحسين أخاه برؤياه :(المنتخب للطريحي ، ص ٤٣٥ ط ٢)

وعن بعض الناقلين : إن محمّد بن الحنفية لما بلغه الخبر ، أن أخاه الحسينعليه‌السلام خارج من مكة يريد العراق ، كان في يده طشت فيه ماء وهو يتوضأ ، فجعل يبكي بكاء شديدا ، حتّى سمع وكف دموعه في الطّشت مثل المطر.

ثم إنه صلّى المغرب ، ثم سار إلى أخيه الحسينعليه‌السلام . فلما صار إليه قال له :يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم ومكرهم بأبيك وأخيك من قبلك ، وإني أخشى عليك أن يكون حالك كحال من مضى من قبلك. فإن أطعت رأيي قم بمكة ، وكن أعزّ من في الحرم المشرّف. فقال : يا أخي إني أخشى أن تغتالني أجناد بني أمية في حرم مكة ، فأكون كالذي يستباح دمه في حرم الله. فقال :

يا أخي فصر إلى اليمن ، فإنك أمنع الناس به. فقال الحسينعليه‌السلام : والله يا أخي لو كنت في جحر هامة من هوامّ الأرض لاستخرجوني منه حتّى يقتلوني. ثم قال : يا أخي سأنظر فيما قلت.

فلما كان وقت السحر ، عزم الحسينعليه‌السلام على الرحيل إلى العراق. فجاءه أخوه محمّد بن الحنفية وأخذ بزمام ناقته التي هو راكبها ، وقال : يا أخي ألم تعدني النظر فيما أشرت به عليك؟. فقال : بلى. قال : فما حداك على الخروج عاجلا؟.فقال : يا أخي إن جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاني بعد ما فارقتك وأنا نائم ، فضمّني إلى صدره ، وقبّل ما بين عينيّ ، وقال : يا حسين قرة عيني ، اخرج إلى العراق ، فإن اللهعزوجل قد شاء أن يراك قتيلا مخضبا بدمائك.

فبكى ابن الحنفية بكاء شديدا ، وقال له : يا أخي إذا كان الحال هكذا ، فما معنى حملك هذه النسوة وأنت ماض إلى القتل؟. فقال : يا أخي قد قال لي جدي أيضا :إن اللهعزوجل قد شاء أن يراهنّ سبايا مهتكات ، يسقن في أسر الذل ، وهن أيضا لا يفارقنني ما دمت حيا.

__________________

(١) كامل الزيارات ، ج ٦ ص ٧٣ ؛ والبحار ، ج ٤٥ ص ٨٦.

٥١٧

فبكى ابن الحنفية بكاء شديدا ، وجعل يقول : أودعتك الله يا حسين في وداعة الله يا حسين.

٦١٦ ـ ورود عمرو بن سعيد إلى مكة يوم التروية :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ٢ ص ٣)

ثم خرج [والي المدينة] إلى مكة ، فقدمها يوم التروية. فصلى الحسينعليه‌السلام ثم خرج.

فقال الناس للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، لو تقدمت فصليت بالناس. فإنه ليهمّ بذلك إذ جاء المؤذن ، فأقام الصلاة. فتقدم عثمان (والأصح : عمرو ابن سعيد) فكبّر ، فقال للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إذا أبيت أن تتقدم فاخرج. فقال :الصلاة في الجماعة أفضل.

فلما انصرف عمرو بن سعيد بلغه أن الحسينعليه‌السلام خرج ، فقال : اركبوا كل بعير بين السماء والأرض فاطلبوه.

قال : فكان الناس يعجبون من قوله هذا. قال : فطلبوه ، فلم يدركوه.

٦١٧ ـ محاولة عبد الله بن جعفر إرجاع الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق)

فأرسل عبد الله بن جعفر ابنيه (عونا ومحمدا) ليردّا الحسينعليه‌السلام فأبى أن يرجع. وخرج الحسينعليه‌السلام بابني عبد الله بن جعفر معه. ورجع عمرو بن سعيد بن العاص إلى المدينة. فأرسل إلى ابن الزبير فأبى أن يأتيه ، وامتنع برجال معه من قريش وغيرهم.

٦١٨ ـ سؤال الحسينعليه‌السلام للشاعر الفرزدق عن حال الناس ، وقد لقيه في الحرم المكي :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢١٨ ط نجف)

روي عن الفرزدق الشاعر أنه قال : حججت بأمّي في سنة ستين ، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم ، إذ لقيت الحسينعليه‌السلام خارجا من مكة مع أسيافه وأتراسه. فقلت : لمن هذا القطار؟. فقيل : للحسينعليه‌السلام . فأتيته ، فسلمت عليه

٥١٨

وقلت : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب يابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحج؟. فقال : لو لم أعجل لأخذت!.

ثم قال لي : من أنت؟. فقلت : رجل من العرب ، فما فتّشني أكثر من ذلك. قال:أخبرني عن الناس خلفك. فقلت : الخبير سألت : «قلوب الناس معك وأسيافهم عليك». ثم حرّك راحلته ومضى (راجع مثير ابن نما ، ص ٢٨).

٦١٩ ـ عبد الله بن عمرو بن العاص يستنكر مقاتلة الحسينعليه‌السلام بالسلاح :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٨)

كان عبد الله بن عمرو بن العاص من الصحابة ، يأمر الناس باتباع الإمام الحسينعليه‌السلام .

قال الفرزدق بعد ذكر لقائه السابق بالامامعليه‌السلام : ثم مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم وهيئته حسنة. فأتيته ، فإذا هو لعبد الله بن عمرو بن العاص ، فسألني فأخبرته بلقاء الحسين بن عليعليهما‌السلام . فقال لي : ويلك فهلّا اتّبعته؟. فوالله سيملكنّ ، ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه.

قال الفرزدق : فهممت والله أن ألحق به ، ووقع في قلبي مقالته ، ثم ذكرت الأنبياء وقتلهم ، فصدّني ذلك عن اللحاق بهم.

٦٢٠ ـ كتاب من الوليد بن عتبة إلى ابن زياد بعدم الإساءة للحسينعليه‌السلام :

(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٣٣)

قال المجلسي : واتصل خبر توجّه الحسينعليه‌السلام إلى العراق بالوليد بن عتبة أمير المدينة ، فكتب إلى ابن زياد : أما بعد ، فإن الحسين قد توجه إلى العراق ، وهو ابن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فاحذر يابن زياد أن تأتي إليه بسوء ، فتهيج على نفسك وقومك أمرا في هذه الدنيا لا يصدّه شيء ، ولا تنساه الخاصة والعامة أبدا ما دامت الدنيا.

توضيح : أورد الجواهري هذا الكتاب في مثيره أثناء مسير الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء. والذي يجب توضيحه أن الوليد بن عتبة لم يكن في ذلك الوقت واليا عليا المدينة ، فقد سبق أن يزيد عزله في منتصف شهر رمضان. فإن صحّت هذه الرواية

٥١٩

فالمقصود بها الوليد بن عتبة الّذي كان أميرا على المدينة. ويظهر في هذا الكتاب موقف الوليد بن عتبة الطيّب من الحسينعليه‌السلام ، والذي بدأه حين استدعى الحسينعليه‌السلام في المدينة لأخذ البيعة ، فساعده على الرحيل إلى مكة حتّى لا يبتلى بدمه ، وكان موقفه لا يقارن بموقف مروان الغادر ، وكلاهما من بني أمية.

٥٢٠

يعيّن خليفته بأمر من الله العزيز المتعال ، وإنّما كان يشير إلى عليّعليه‌السلام ويرشّحه للخلافة برأيه الشخصي ، وقد فتح على الأمّة باب الاختيار وفسح لهم المجال ، وأقرّه إجماعهم بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تجتمع أمّتي على خطأ أو ضلال.

فنقول : إنّ الإجماع الذي أقرّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما حصل في خلافة أبي بكر ولم يحصل لغيره.

الحافظ : نفي الإجماع على خلافة أبي بكر (رض) أمر غريب! لأنّه حكم في الأمّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من سنتين من غير مخالف أو منازع ، وانقاد له جميع المهاجرين والأنصار ، وبهذا حصل الإجماع على خلافته.

قلت : إنّ هذا الكلام مغالطة وجدل! لأنّ سؤالي وكلامي كان حول إجماع الأمّة على خلافة أبي بكر في بداية الأمر ، حينما اجتمعوا في السقيفة ، هل وافق الحاضرون كلّهم على خلافته؟!

وهل اتّفق رأي المسلمين الّذين كانوا في المدينة المنوّرة على خلافته آنذاك؟!

وهل كان لرأي سائر المسلمين ـ الّذين كانوا خارج المدينة المنوّرة ، ـ حواليها أو بعيدين عنها ـ أثر في الانتخاب؟!

أم ليس لرأيهم محلّ من الإعراب؟!

الحافظ : لا نقول إنّ اجتماع السقيفة كان يمثّل جميع الأمّة ، وإن كان فيه كثير من كبار الصحابة ، ولكنّ الحاضرين فيها اختاروا أبا بكر ، وبعد ذلك وافقهم المسلمون فحصل الإجماع تدريجيا مع مرور الزمن!

قلت : بالله عليكم فكّروا وأنصفوا! هل الإجماع الذي أقرّه

٥٢١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديثه حصل في السقيفة ، مع مخالفة سعد بن عبادة الخزرجي وأهله وأنصاره؟!

فهل تكشف واقعة السقيفة عن إجماع الصحابة البررة ، أو تنبئ عن مؤامرة مدبّرة؟!

وإذا ما كانت هناك مؤامرة ، ولم تتدخّل فيها الأغراض والأطماع ، لما ذا لم يصبروا حتّى يتحقّق الإجماع؟!

وكلّنا نعلم ، بأنّ الأوس قد وافقوا على خلافة أبي بكر لا لمصلحة الإسلام ، بل بسبب النزاعات والخلافات التي كانت بينهم وبين الخزرج ، وقد كانت لها جذور جاهلية ، فلمّا رأوا كفّة سعد بن عبادة قد رجحت وكاد أن يبتزّ الحكم ، أسرعوا إلى أبي بكر فبايعوه رغما لأنوف مناوئيهم الخزرجيّين.

وأمّا المسلمون خارج السقيفة ، لمّا سمعوا بما حدث في السقيفة ذهلوا وبهتوا ، ثمّ انجرفوا مع التيّار ، وكان أكثر الناس في ذلك المجتمع همجا رعاعا ، ينعقون مع كلّ ناعق ، ويميلون مع الريح ، وهم الّذين يصفهم الباري عزّ وجلّ بقوله :( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (١) .

وسوف يخاطبهم الله تعالى في جهنم بقوله سبحانه :( لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ ) (٢) و(٣) .

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٣٨.

(٢) سورة الزخرف ، الآية ٧٨.

(٣) روى علماؤنا الأعلام وجمع من محدّثي العامة وأعلامهم ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه

٥٢٢

__________________

قال : «عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ» منهم :

١ ـ الخطيب البغدادي ، في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٢١ بسنده عن أبي ثابت مولى أبي ذرّ ، عن أمّ سلمة ـ أمّ المؤمنين ـ رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة».

٢ ـ وأخرج الحافظ الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ٧ / ٢٣٦ بسنده عن سعد بن أبي وقّاص ، قال : سمعت رسول الله ٦ في دار أم سلمة يقول : «عليّ مع الحقّ ـ أو :الحقّ مع عليّ ـ حيث كان».

٣ ـ والحافظ ابن مردويه في «المناقب»

٤ ـ وكذلك السمعاني في كتاب «فضائل الصحابة» أخرجا بالإسناد عن محمد بن أبي بكر ، عن عائشة ، أنّها قالت : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

٥ ـ وأخرج ابن مردويه في «المناقب»

٦ ـ والديلمي في «الفردوس» ، رويا : أنه لمّا عقر جمل عائشة ودخلت دارا بالبصرة أتى إليها محمد بن أبي بكر فسلّم عليها فلم تكلّمه. فقال لها : أنشدك الله أتذكرين يوم حدّثتيني عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «الحقّ لن يزال مع عليّ ، وعليّ مع الحقّ ، لن يختلفا ولن يفترقا؟!»

فقالت : نعم!

٧ ـ وروى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : ٧٠ ط مطبعة الأمّة بمصر سنة ١٣٢٨ هجرية ، قال : وأتى محمد بن أبي بكر فدخل على أخته عائشة رضي الله عنها ، قال لها : أما سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ» ، ثمّ خرجت تقاتلينه بدم عثمان؟!!

٥٢٣

__________________

٨ ـ وأخرج ابن مردويه في «المناقب» عن أبي ذرّ رحمه‌الله تعالى أنّه سئل عن اختلاف الناس. فقال : عليك بكتاب الله والشيخ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «عليّ مع الحقّ ، والحقّ معه وعلى لسانه ، والحقّ يدور حيثما دار علي».

٩ ـ الزمخشري في «ربيع الأبرار» روى

١٠ ـ والعلاّمة الحمويني في «فرائد السمطين» روى أيضا بسنده عن شهر بن حوشب ، قال : كنت عند أمّ سلمة رضي الله عنها إذ استاذن رجل ، فقالت له : من أنت؟

قال : أنا أبو ثابت مولى عليّ عليه‌السلام .

فقالت أمّ سلمة : مرحبا بك يا أبا ثابت ، ادخل.

فدخل فرحّبت به ، ثمّ قالت : يا أبا ثابت! أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟

قال : تبع عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام .

قالت : وفّقت ، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «عليّ مع الحقّ والقرآن ، والحقّ والقرآن مع عليّ ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

١١ ـ وأخرج العلاّمة عبيد الله الحنفي في أرجح المطالب : ٥٩٨ ط لاهور.

١٢ ـ وأخرج الحافظ ابن مردويه في «المناقب».

١٣ ـ وكذلك الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٣٤ ط مكتبة القدسي بالقاهرة ، عن أمّ سلمة أنّها كانت تقول : كان عليّ على الحقّ ، من اتّبعه اتّبع الحقّ ، ومن تركه ترك الحقّ ، عهد معهود [كذا] قبل يومه هذا.

قال : رواه الطبراني.

١٤ ـ القندوزي في «ينابيع المودّة» الباب العشرين ، عن الحمويني ، عن ابن عبّاس

٥٢٤

وأمّا الّذين استقاموا على الدين ، وثبتوا في طريق الحقّ واليقين ، وتمسّكوا بولاية سيّد الوصيّين ، واعتقدوا خلافة وإمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فعددهم قليل ، وهم الّذين يصفهم ربّهم سبحانه وتعالى بقوله :( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) (١) .

وهم صفوة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته المطهّرين وعترته الطيّبين ، وهم الّذين غضبوا من أحداث السقيفة وأعلنوا مخالفتهم لبيعة أبي بكر.

فلذلك نقول : إنّ الإجماع ـ الذي تدّعونه لإثبات وتصحيح خلافة أبي بكر وشرعيّتها ـ لم يحصل!

الحافظ : يحصل الإجماع ويقع إذا وافق أهل الحلّ والعقد وسنام الأمّة على أمر ، وليس من حقّ أيّ مسلم أن ينقض ما أبرموا.

قلت : إنّ هذا التفسير والمعنى لكلمة الإجماع ادّعاء لا دليل عليه ، وهو خلاف ظاهر الحديث الذي تمسّكتم به لتشريع الإجماع.

فالحديث يصرّح : لا تجتمع أمّتي على خطأ ـ أو : ضلال ـ.

__________________

رضي الله عنهما ، قال : «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحقّ مع علي حيث دار».

١٥ ـ أخرج المحدّث الحافظ البدخشي في «مفتاح النجا».

١٦ ـ وكذلك عبيد الله الحنفي في أرجح المطالب : ٥٩٨ و ٥٩٩.

أخرجا عن أبي موسى الأشعري أنّه قال : أشهد أنّ الحقّ مع عليّ ولكن مالت الدنيا بأهلها ، ولقد سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له : «يا عليّ! أنت مع الحقّ ، والحقّ بعدي معك».

نكتفي بهذا المقدار ، وفيه كفاية لطالب الحقّ. «المترجم»

(١) سورة سبأ ، الآية ١٢.

٥٢٥

فكيف استخرجتم هذا المعنى ، وخصّصتم الأمّة بأهل الحلّ والعقد والسنام ـ أي الطبقة العليا من المجتمع ـ ثمّ ألزمتم الآخرين باتّباع رأي أولئك وإطاعتهم؟!!

والحال أنّ إضافة الأمّة إلى ياء المتكلّم ، أو نسبتها إلى ياء النسبة تفيد العموم ، فلا يجوز عند النحويّين أن تخصّص الأمّة بعدد من الصحابة دون الآخرين.

وحتّى إذا سلّمنا أن الإجماع يحصل بتوافق أهل الحلّ والعقد ، فهل الّذين حضروا السقيفة كانوا أهل الحلّ والعقد دون سواهم؟!

أم كان في المدينة وحواليها آخرون من أهل الحلّ والعقد ، ولم يحضروا آنذاك في السقيفة؟!

فهلا أخبروهم بانعقاد ذلك المؤتمر ودعوهم للحضور؟!

وهلا استفسروا عن رأيهم في خلافة أبي بكر؟!

الحافظ : الظروف ما سمحت بذلك ، فإذا كان على الشيخين أن ينتظرا رأي جميع أهل الحلّ والعقد الّذين كانوا في المدينة المنوّرة وخارجها ، لكانت دسائس المنافقين تعمل عملها ، فلذلك لمّا سمع أبو بكر وعمر (رض) أنّ جماعة من الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، ليتشاوروا في أمر الخلافة ، أسرعا إليها وتكلّما بكلام استوليا به على الوضع.

ثمّ إنّ عمر ـ الذي كان رجلا سياسيا وشيخا محنّكا ـ رأى صلاح الإسلام في أن يبايع أبا بكر بالخلافة ، فمدّ يده وبايعه ، وتبعه أبو عبيدة ابن الجرّاح والأوسيون.

فلمّا رأى سعد بن عبادة ذلك ، خرج من السقيفة غاضبا غير

٥٢٦

راض عمّا حصل ، لأنّه كان يريد الخلافة لنفسه ، وتبعه قومه الخزرجيّون وخرجوا من السقيفة غاضبين.

هذا هو سبب استعجال الشيخين في أمر الخلافة ، ولو لا اتّخاذهما ذلك الموقف الحاسم في السقيفة لكان الأمر يؤول إلى النزاع بين قبيلتي الأنصار : الأوس والخزرج.

قلت : ما كان اجتماع الأنصار في السقيفة من أجل تعيين خليفة ، بل كانوا بصدد تعيين أمير لأنفسهم ، وأخيرا كاد التوافق يحصل بأن يكون للأوس أمير وللخزرج أمير ـ وهو أشبه شيء برئيس القبيلة وشيخ العشيرة.

فهنا اغتنم الشيخان أبو بكر وعمر الفرصة من نزاع القوم ، فتقدّم أبو بكر وتكلّم في أمر الخلافة ، وتعجّل عمر في بيعته ، وإلاّ لو كان الاجتماع من أجل تعيين خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكان الاجتماع يضمّ كلّ الصحابة الّذين كانوا في المدينة المنوّرة من المهاجرين والأنصار ، وحتّى الّذين كانوا في معسكر أسامة بن زيد خارج المدينة.

فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر أيّامه عقد راية لأسامة وأمر المسلمين بالانضمام تحتها ، وكرّر الأمر بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنفذوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة!

وكان الشيخان تحت إمرة أسامة بن زيد ، ولكنّهما تخلّفا وتركا المعسكر ، فكان المفروض عليهما أن يستشيرا أميرهما في مثل ذلك الأمر الهامّ ، ولكنّهما استبدّا بالرأي وما شاوراه!

فلذلك لمّا سمع بما حدث في السقيفة وأنّ أبا بكر صار خليفة جاء إلى مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعترض ، فاقترب منه عمر قائلا : لقد انقضى

٥٢٧

الأمر وتمّت البيعة لأبي بكر ، قم وبايع ولا تشقّ عصا المسلمين! فقام وبايع!

ولكن كان لأسامة أن يقول : لقد جعلني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أميرا عليك وعلى أبي بكر ولم يعزلني بعد ، فكيف يصبح أميركم الذي أمّره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليكم تحت إمرتكم؟!

أما أمركما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطاعتي؟! وأمركم أن تكونا تحت إمرتي؟! فكيف انعكس الأمر؟!!

فإن تقولوا : إنّ المسافة كانت بعيدة بين المدينة والمعسكر والظروف الراهنة ما سمحت للشيخين أن يستشيرا أميرهما أسامة ومن كان تحت رايته من ذوي البصائر وأهل الحلّ والعقد!

فما تقولون في بني هاشم الّذين كانوا مجتمعين في بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذلك الصحابة المقرّبين الذين كانوا آنذاك عند جثمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعزّون أهله المصابين بتلك المصيبة العظمى؟!

فلما ذا ما استشار أولئك ، وبالخصوص عليّ بن أبي طالب والعبّاس(١) عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما بإجماع المسلمين كانا من أهل

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١ / ٢١٩ ـ ٢٢١ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت :روى عن البراء بن عازب ، قال : لم أزل لبني هاشم محبّا ، فلمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم ، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكنت أتردّد إلى بني هاشم وهم عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحجرة ، وأتفقّد وجوه قريش ، فإنّي كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر ، وإذا قائل يقول : القوم في سقيفة بني ساعدة ، وإذا قائل آخر يقول : قد بويع أبو بكر.

٥٢٨

__________________

فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالازر الصنعانيّة لا يمرّون بأحد إلاّ خبطوه وقدّموه فمدّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ، شاء ذلك أو أبى.

فأنكرت عقلي ، وخرجت أشتدّ حتّى انتهيت إلى بني هاشم ، والباب مغلق ، فضربت عليهم الباب ضربا عنيفا ، وقلت : قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة ؛ فقال العبّاس : تربت أيديكم إلى آخر الدهر ؛ أما إنّي قد أمرتكم فعصيتموني.

قال البراء : فمكثت أكابد ما في نفسي ، ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التّيهان وحذيفة وعمّارا ، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين.

وبلغ ذلك أبا بكر وعمر ، فأرسلا إلى أبي عبيدة وإلى المغيرة بن شعبة ، فسألاهما عن الرأي ، فقال المغيرة : الرأي أن تلقوا العبّاس فتجعلوا له ولولده في هذه الإمرة نصيبا ، ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب.

[أقول : هذا معنى المؤامرة المدبّرة والخديعة والمكر].

فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة حتّى دخلوا على العبّاس وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه ، وقال : إنّ الله ابتعث لكم محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّا وللمؤمنين وليّا ، فمنّ الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم حتّى اختار له ما عنده ، فخلّى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متّفقين غير مختلفين ، فاختاروني عليهم واليا ، ولأمورهم راعيا ، فتولّيت ذلك ، وما أخاف بعون الله وتسديده وهنا ولا حيرة ولا جبنا ، وما توفيقي إلاّ بالله ، عليه توكّلت وإليه أنيب.

وما أنفكّ يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامّة المسلمين يتّخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع.

٥٢٩

__________________

فإمّا دخلتم فيما دخل فيه الناس ، أو صرفتموهم عمّا مالوا إليه. فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا ، ولمن بعدك من عقبك ، إذ كنت عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومكان أهلك ، ثمّ عدلوا بهذا الأمر عنكم ، وعلى رسلكم بني هاشم ؛ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّا ومنكم.

فتكلّم العبّاس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ الله ابتعث محمدا نبيا ـ كما وصفت ـ ووليّا للمؤمنين ، فمنّ الله به على أمته حتّى اختار له ما عنده ، فخلّى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحقّ ، مائلين عن زيغ الهوى.

«هذا الكلام من العبّاس ، من باب المماشاة ، أي على فرض أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلّى الناس ليختاروا لأنفسهم».

فإن كنت برسول الله طلبت ، فحقّنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين ، فنحن منهم ؛ ما تقدّمنا في أمركم فرطا ، ولا حللنا وسطا ، ولا نزحنا شحطا ؛ فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنا كارهين ، وما أبعد قولك : إنّهم طعنوا من قولك إنّهم مالوا إليك!

وأمّا ما بذلت لنا ، فإن يكن حقّك أعطيتناه فأمسكه عليك ، وإن يكن حقّ المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن يكن حقّنا لم نرض لك ببعضه دون بعض.

وما أقول هذا أروم صرفك عمّا دخلت فيه ، ولكن للحجّة نصيبها من البيان.

وأمّا قولك : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّا ومنكم ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها.

وأمّا قولك يا عمر : إنّك تخاف الناس علينا ، فهذا الذي قدّمتموه أوّل ذلك ، وبالله المستعان.

ويحدّثنا ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة : ١٢ ط مطبعة الأمّة بمصر ، فيقول :ثمّ إنّ عليّا كرّم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥٣٠

الحلّ والعقد في الإسلام وكانا من ذوي البصيرة والرأي ، هل المسافة كانت بعيدة؟! أم الظروف الراهنة ما سمحت؟!!

الحافظ : أظنّ بأنّ الأمر كان خطيرا والخطر كبيرا بحيث لم يمكن

__________________

فقيل له : بايع أبا بكر.

فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم ، وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصبا!

ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لمّا كان محمد منكم ، فأعطوكم المقادة ، وسلّموا إليكم الإمارة ، فإذا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار ؛ نحن أولى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّا وميّتا ، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون! وإلاّ فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون!

فقال له عمر : إنّك لست متروكا حتّى تبايع.

فقال له عليّ : احلب حلبا لك شطره ، وشدّ له اليوم يردده عليك غدا.

ثمّ قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه.

فقال له أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك.

فقال عليّ كرّم الله وجهه : الله الله يا معشر المهاجرين! لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقّه.

فو الله يا معشر المهاجرين! لنحن أحقّ الناس به لأنّا أهل البيت ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، المتطلع لأمر الرعيّة ، الدافع عنهم الأمور السيّئة ، القاسم بينهم بالسويّة ، والله إنّه لفينا فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بعدا.

قال بشير بن سعد الأنصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك. «المترجم»

٥٣١

للشيخين ترك السقيفة حتّى لحظة واحدة.

قلت : ولكنّي أقول : إنّ الشيخين ما أرادا أن يخبرا عليّا وبني هاشم وسائر الصحابة ، بل كانا يريدان خلوّ الساحة من أولئك ، حتّى

يحقّقا أمرا دبّراه فيما بينهما!

الحافظ : وهل لكم دليل على ذلك؟

قلت : أوّلا ، كان بإمكانهما أن يراقبا الوضع في السقيفة ويبعثا أبا عبيدة الجرّاح ، فيخبر بني هاشم وسائر الصحابة.

ثانيا : قبل أن يأتي الشيخان إلى السقيفة ، كان أبو بكر مع المجتمعين في بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء عمر عند الباب ولم يدخل البيت ، فطلب أبا بكر وأخبره باجتماع الأنصار في السقيفة ، ولم يخبر الآخرين ، ثمّ أخذه معه وانطلقا نحو السقيفة.

الحافظ : هذا الخبر من أقاويل الروافض!

قلت : سبحان الله ، مالك كلّما عجزت عن الجواب ، اتّهمت الشيعة وأسأت إليهم بالكلام؟! ولقد تكرّر منك هذا الموقف العنيف ، ثمّ ثبت للحاضرين زيف كلامك وبطلان رأيك وهذه المرّة كذلك.

ولكي تعرف الحقيقة فراجع تاريخ محمد بن جرير الطبري ـ من كبار أعلامكم ومؤرّخيكم في القرن الثالث ـ ٢ / ٤٥٦ ، ونقل عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢ / ٣٨ فقال : وروى أبو جعفر أيضا في التاريخ ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ـ إلى أن قال : ـ وسمع عمر الخبر ، فأتى منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيه أبو بكر ، فأرسل إليه : أن أخرج إليّ ؛ فأرسل : إنّي مشغول ؛ فأرسل إليه عمر أن اخرج ، فقد حدث أمر لا بدّ أن تحضره ؛

٥٣٢

فخرج فأعلمه الخبر ، فمضيا مسرعين نحوهم ومعهما أبو عبيدة إلى آخر الخبر(١) .

__________________

(١) وروى ابن أبي الحديد في الجزء ٦ / ٤٣ من شرح نهج البلاغة : عن أبي بكر الجوهري ، قال : سمعت عمر بن شبّة يحدّث رجلا ، قال : مرّ المغيرة بن شعبه بأبي بكر وعمر ، وهما جالسان على باب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قبض ، فقال : ما يقعدكما؟

قالا : ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه ـ يعينان عليّا ـ.

فقال : أتريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت؟! وسّعوها في قريش تتّسع.

قال : فقاما إلى سقيفة بني ساعدة.

انظر أيّها القارئ الكريم ، كيف ترك الشيخان أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبيعة لعليّ وأخذا بكلام المغيرة ، وقد كافأه عمر إذ ولاّه البصرة في خلافته ، فزنى فيها بامرأة يقال لها أمّ جميل ، وشهد عليه أربعة شهداء ولكن عمر درأ عنه الحدّ.

وتجد تفصيل الواقعة في شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٢٢٧ ـ ٢٣٩ ، وهو بعد ما يروي الخبر من تاريخ الطبري ومن كتاب الأغاني ـ لأبي الفرج الأصفهاني ـ يستنتج فيقول في صفحة ٢٣٩ : فهذه الأخبار كما تراها تدلّ متأمّلها على أنّ الرجل ـ المغيرة ـ زنى بالمرأة لا محالة.

وكلّ كتب التواريخ والسّير تشهد بذلك وإنّما اقتصرنا نحن منها على هذين الكتابين.

قال : وقد روى المدائني ، أنّ المغيرة كان أزنى الناس في الجاهلية ، فلمّا دخل في الإسلام قيّده الإسلام ، وبقيت عنده منه بقيّة ظهرت في أيّام ولايته البصرة.

أقول : والمغيرة هو الذي أشار على أبي بكر وعمر فقال : الرأي أن تلقوا العبّاس فتجعلوا له ولولده في هذه الإمرة نصيبا ؛ ليقطعوا بذلك ناحية عليّ بن أبي طالب إلى آخر الخبر الذي ذكرته في ما علّقته قبل هذا التعليق فراجع.

وحسب مطالعاتي لأخبار السقيفة ، أرى أنّ المغيرة كان أحد المتآمرين في أمر

٥٣٣

فبأيّ دليل ومنطق ، تسمّون هذه الواقعة ، إجماع الأمّة أو إجماع أهل الحلّ والعقد؟!

إنّ هذا الطريقة في تعيين رئيس الجمهورية أو أمير القوم أو خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخالف القوانين السماوية والأرضية ، وتناقض سيرة العقلاء في العالم وترفضها جميع الأمم والشعوب ، لا الشيعة فحسب!

لا إجماع على خلافة أبي بكر

أيّها العلماء لو فكّرتم قليلا وأنصفتم ، ثمّ نظرتم إلى أحداث السقيفة وما نجم منها ، لأذعنتم أنّ خلافة أبي بكر ما كانت بموافقة جميع أهل الحلّ والعقد ، ولم يحصل الإجماع عليها ، وأنّ ادّعاء القوم وتمسّكهم بالإجماع فارغ عن المعنى واسم من غير مسمى!

فإنّ إعلان النتيجة في مثل هذه الأمور تعبّر برأي الأكثرية والأقلّيّة أو الإجماع.

فلو تشاور قوم في أمر ، فوافق أكثرهم وخالف آخرون.

فالموافقون أكثرية والمخالفون أقلّيّة.

__________________

الخلافة ، ولا عجب ، لأنّه ما دخل الإسلام عن بصيرة وإيمان.

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣ / ٤٢ ط دار إحياء الكتب العربية ، وقد علم الله تعالى والمسلمون ، أنّه لو لا الحدث الذي أحدث ، والقوم الّذين صحبهم فقتلهم غدرا ؛ واتّخذ أموالهم ، ثمّ التجأ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعصمه ، لم يسلم ، ولا وطئ حصا المدينة.

انتهى كلام ابن أبي الحديد. «المترجم»

٥٣٤

ولكن إذا وافق كلّهم ، بحيث لم يخالف منهم أحد ، فقد حصل الإجماع.

والآن أسألكم بالله! هل حصل هذا الإجماع على خلافة أبي بكر ، في السقيفة أو في المسجد أو في المدينة؟!

وحتّى لو تنزّلنا وقلنا : إنّ الملحوظ هو رأي كبار الصحابة وذوي العقل والبصيرة من المسلمين ؛ فهل أجمع كبار الصحابة وعقلاء المسلمين وأهل الحلّ والعقد كلهم على خلافة أبي بكر ، بحيث لم يكن فيهم مخالف واحد؟!

الحافظ : قلنا بأنّ الاجماع ما حصل في بادئ الأمر ، بل حصل تدريجا بموافقة المخالفين واحدا بعد الآخر مع طول الزمن.

قلت : وحتّى هكذا ـ إجماع تدريجي ـ لم يحصل أيضا ؛ لأنّ كثيرا من المخالفين بقوا على مخالفتهم لخليفة السقيفة ، إلى أن وافاهم الأجل ، منهم سيدة نساء العالمين وبنت سيّد المرسلين وحبيبة خاتم النبيّين ، فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكانت هي مدار سخط الله سبحانه ورضاه ، حيث قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأنها : «فاطمة بضعة منّي ، يرضى الله لرضاها ، ويسخط لسخطها».

فأعلنت سخطها على الخليفة ، ومخالفتها لرأي السقيفة ، ورفضت أن تبايع أبا بكر حتّى ماتت وهي واجدة عليه(١) .

__________________

(١) قال ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة ١٤ و ١٥ ط مطبعة الأمّة بمصر : فقال عمر لأبي بكر (رض) : انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها!

فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة ، فلم تأذن لهما!

٥٣٥

وأحد المخالفين لخلافة أبي بكر ، سعد بن عبادة الخزرجي ، وهو سيّد قومه ، أعلن خلافه لمّا بعث إليه أبو بكر أن أقبل فبايع فقد بايع الناس.

فقال : أما والله حتى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي من نبل ، وأخضب منكم سناني ورمحي ، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، واقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي ، ولا والله لو أنّ الجنّ اجتمعت لكم مع

__________________

فأتيا عليّا فكلّماه ، فأدخلهما عليها ، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط.

فسلّما عليها فلم تردّ عليهما السّلام!

فتكلّم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله! والله إلى آخر كلامه الذي يرويه ابن قتيبة ، ثمّ يقول : فقالت [فاطمة] أرأيتكما إن حدّثتكما حديثا عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) تعرفانه وتفعلان به؟!

قالا : نعم.

فقالت : نشدتكما الله ، ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟!

قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قالت : فإنّي أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونّكما إليه!

فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة.

ثمّ انتحب أبو بكر يبكي وهي تقول : والله لأدعونّ عليك في كلّ صلاة أصلّيها.

هذا ، ولقد اتّفق المؤرّخون والمحدّثون من أهل السنّة والشيعة أنّ فاطمة الزهراء عليها‌السلام ماتت وهي ساخطة ـ وفي بعض الأخبار : واجدة ، وفي بعضها : غضبى ـ على أبي بكر وعمر. «المترجم»

٥٣٦

الإنس ما بايعتكم حتّى أعرض على ربّي وأعلم حسابي(١) .

فالإجماع الذي تزعمونه نفاه كثير من أعلامكم أيضا ، منهم صاحب كتاب «المواقف» والفخر الرازي وجلال الدين السيوطي وابن أبي الحديد والطبري والبخاري ومسلم بن الحجّاج وغيرهم.

وقد ذكر العسقلاني والبلاذري في تاريخه ومحمد خاوندشاه في «روضة الصفا» وابن عبد البرّ في «الاستيعاب» وغير هؤلاء أيضا ذكروا : أنّ سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وجماعة من قريش ما بايعوا أبا بكر ، وثمانية عشر من كبار الصحابة رفضوا أيضا أن يبايعوه ، وهم شيعة عليّ بن أبي طالب وأنصاره ، وذكروا أسماءهم كما يلي :

١ ـ سلمان الفارسي ٢ ـ أبو ذرّ الغفاري ٣ ـ المقداد بن الأسود الكندي ٤ ـ أبي بن كعب ٥ ـ عمّار بن ياسر ٦ ـ خالد بن سعيد بن العاص ٧ ـ بريدة الأسلمي ٨ ـ خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ٩ ـ أبو الهيثم بن التيهان ١٠ ـ سهل بن حنيف ١١ ـ عثمان بن حنيف ١٢ ـ أبو أيّوب الأنصاري ١٣ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري ١٤ ـ حذيفة بن اليمان ١٥ ـ سعد بن عبادة ١٦ ـ قيس بن سعد ١٧ ـ عبد الله بن عبّاس ١٨ ـ زيد ابن أرقم.

وذكر اليعقوبي في تاريخه فقال : تخلّف قوم من المهاجرين والأنصار عن بيعة أبي بكر ، ومالوا مع عليّ بن أبي طالب ، منهم العبّاس بن عبد المطّلب والفضل بن العبّاس والزبير بن العوّام وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد وسلمان وأبو ذر الغفاري وعمّار بن ياسر

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ١١.

٥٣٧

والبرّاء بن عازب وأبيّ بن كعب.

أقول :

ألم يكن هؤلاء من صفوة أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن المقرّبين إليه والمكرّمين لديه؟! فلما ذا لم يشاوروهم؟!

فإن لم يكن هؤلاء الأخيار من أهل الحلّ والعقد ومن ذوي البصيرة والرأي في المشورة والاختيار ، فمن يكون إذن؟!!

وإذا لم يعبأ برأي أولئك الّذين كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشاورهم في الأمور ويعتمد عليهم ، فبرأي من يعبأ ، ورأي من يكون ميزانا ومعيارا لإبرام الأمور المهمّة وحسم قضايا الأمّة؟!

مخالفة العترة لخلافة أبي بكر

لا شكّ أنّ العترة وأهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم أفضل الصحابة ، وهم في الصفّ الأوّل والمتقدّمين على أهل الحلّ والعقد ، وأنّ إجماع أهل البيتعليهم‌السلام حجّة لازمة ، ليس لأحد من المسلمين ردّهم ، بدليل الحديث النبويّ الشريف المروي في كتب الفريقين أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا».

[ذكرنا بعض مصادره من كتب العامة في مجلس سابق].

فجعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منار الهدى ، وأمانا من الضلالة والعمى.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى». [ذكرنا مصادره في المجلس الثالث من هذا الكتاب].

٥٣٨

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا وأهل بيتي شجرة [أصلها] في الجنة ، وأغصانها في الدنيا ، فمن شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلا فليتمسّك بها(١) ». فجعلهم سبيل الوصول إلى الله سبحانه وتعالى.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ فانظروا من توفدون!(٢) ».

هذه الأحاديث الشريفة وأمثالها ، جاءت في كتبكم ، وذكرت في مسانيدكم وصحاحكم ، وهي تشير إلى أنّ المسلمين إذا أطاعوا أهل البيتعليهم‌السلام واتّبعوا العترة الهادية سعدوا في الدنيا والآخرة.

واتّفق المؤرّخون والمحدّثون على أنّ أهل البيت وبني هاشم كلّهم تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ولم يرضوا بخلافته.

فثبت أنّ دليلكم الأوّل ـ وهو الإجماع على خلافة أبي بكر ـ مردود.

تفنيد الدليل الثاني

وأمّا دليلكم الثاني ، وهو كبر السنّ ، إذ قلتم : إنّهم قدّموا أبا بكر في الخلافة لأنّه كان أكبر سنّا من عليّ بن أبي طالب.

صحيح أنّ أصحاب السقيفة استدلّوا بهذا الدليل لإقناع الإمام عليّعليه‌السلام ليبايع أبا بكر(٣) ولكنّه دليل ضعيف وكلام سخيف.

__________________

(١) الصواعق المحرقة / ذيل الآية الرابعة / في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام .

(٢) الصواعق المحرقة / ذيل الآية الرابعة / في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام .

(٣) قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ١٢ : فقال أبو عبيدة بن الجرّاح له [لعليّ كرّم الله

٥٣٩

فلو كان كبر السنّ ملحوظا في المنصوب للخلافة ، فقد كان في المسلمين والصحابة من هو أكبر سنّا من أبي بكر ، حتّى إن والده أبا قحافة كان حيّا في ذلك اليوم ، فلم أخّروه وقدّموا ابنه؟!!(١) .

الحافظ : إنّ الملحوظ عندنا كبر السنّ مع السابقة في الإسلام.

وقد كان أبو بكر شيخا محنّكا في الأمور ، ذا سابقة حسنة ، وكان مقدّرا ومحبوبا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يقدّم عليه عليّ كرم الله وجهه وهو حديث السن غير محنّك في الأمور.

قلت : إن كان كذلك فلما ذا قدّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاعليه‌السلام عليه في كثير من الأمور والقضايا؟!

منها : في غزوة تبوك ، حينما عزم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخرج مع المسلمين إلى تبوك وكان يخشى تحرّك المنافقين في المدينة وتخريبهم ،

__________________

وجهه] : يا ابن عمّ! إنّك حديث السنّ ، وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالا واستطلاعا ، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق ، في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك

فأنظر أيّها القارئ الكريم كيف يعترف للإمام عليّ عليه‌السلام بفضله في الدين والعلم والفهم والسابقة والنسب والحسب ، ولكن لأنّه حديث السنّ يؤخّر عن مقامه!!

«المترجم»

(١) شرح ابن أبي الحديد ١ / ٢٢٢ ، قال : قيل لأبي قحافة يوم ولي الأمر ابنه : قد ولي ابنك الخلافة. فقرأ :( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ ) ثمّ قال : لم ولّوه؟ قالوا : لسنّه! قال : أنا أسنّ منه!! «المترجم»

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205