ليالي بيشاور

ليالي بيشاور3%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235922 / تحميل: 3903
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

فقال بعضهم : إنّ هذه الروايات المطلقة في الجمع بين الصلاتين لعلّها تقصد الجمع في أوقات العذر ، مثل الخوف والمطر وحدوث الطين والوحل ، وعلى هذا التأويل المخالف لظاهر الروايات أفتى جماعة كبيرة من أكابر متقدّميكم ، مثل : الإمام مالك والإمام الشافعي وبعض فقهاء المدينة فقالوا : بعدم جواز الجمع بين الصلاتين إلاّ لعذر كالخوف والمطر!

ومع أنّ هذا التأويل يردّه صريح رواية ابن عبّاس التي تقول : «جمع النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، بالمدينة من غير خوف ولا مطر».

وقال بعضهم الآخر في تأويل هذه الروايات المطلقة الصريحة في الجمع بين الصلاتين مطلقا ، حتّى وإن كان بلا عذر ولا سفر : لعلّ السحاب كان قد غطّى السماء ، فلم يعرفوا الوقت ، فلمّا صلّوا الظهر وأتمّوا الصلاة ، زال السحاب وانكشف الحجاب ، فعرفوا الوقت عصرا ، فجمعوا صلاة العصر مع الظهر!!

فهل يصحّ ـ يا ترى ـ مثل هذا التأويل في أمر مهمّ مثل الصلاة ، التي هي عمود الدين؟!

وهل أنّ المؤوّلين نسوا أنّ المصلّي ـ في الرواية ـ هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ وجود السحاب وعدمه لا يؤثّر في علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي يعلم من الله تعالى ، وينظر بنور ربّه (عزّ وجلّ)؟!

وعليه : فهل يجوز أن نحكم في دين الله العظيم استنادا إلى هذه التأويلات غير العرفيّة ، التي لا دليل عليها سوى الظنّ أو التّرجيح! وقد

٤١

قال تعالى :( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (١)

إضافة إلى ذلك ما الذي تقولونه في جمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين صلاتي المغرب والعشاء ، مع أنّه لا أثر حينها للسحاب وعدمه فيه؟!

إذن فهذا التأويل وغيره من التأويلات ، خلاف ظاهر الروايات ، وخلاف صريح الخبر القائل : «إنّ ابن عبّاس استمرّ في خطبته حتّى بدت النجوم ، ولم يبال بصياح الناس : الصلاة الصلاة ، ثمّ ردّ ابن عبّاس على التميمي بقوله : أتعلّمني بالسنّة؟! لا أمّ لك! رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء» ثمّ تصديق أبي هريرة لمقالة ابن عبّاس.

وعليه : فإنّ هذه التأويلات غير معقولة ولا مقبولة عندنا ، وكذا غير مقبولة عند كبار علمائكم أيضا ، إذ إنّهم علّقوا عليها : بأنّها خلاف ظاهر الروايات.

فهذا شيخ الإسلام الأنصاري في كتابه «تحفة الباري في شرح صحيح البخاري في باب صلاة الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء آخر ص ٢٩٢ في الجزء الثاني» وكذا العلاّمة القسطلاني في كتابه «إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري في ص ٢٩٣ من الجزء الثاني» وكذا غيرهما من شرّاح صحيح البخاري ، وكثير من محقّقي علمائكم ، قالوا : هذه التأويلات على خلاف ظاهر الروايات ، وإنّ التقيّد بالتفريق بين الصلاتين ترجيح بلا مرجّح وتخصيص بلا مخصّص.

النواب : إذن فمن أين جاء هذا الاختلاف الذي فرّق بين الإخوة

__________________

(١) سورة يونس ، الآية ٣٦.

٤٢

المسلمين إلى فرقتين متخاصمتين ، ينظر بعضهم إلى الآخر بنظر البغض والعداء ، ويقدح بعضهم في عبادة البعض الآخر؟!

قلت :

أوّلا : بما أنّك قلت : بأنّ المسلمين صاروا فريقين متعاديين ، أوجب عليّ الوقوف قليلا عند كلمة : متعاديين ، لنرى معا هل العداء ـ كما قلت ـ كان من الطرفين ، أو من طرف واحد؟!

وهنا لا بدّ لي ـ وأنا واحد من الشيعة ـ أن أقول دفاعا عن الشيعة ـ أتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، وإزاحة لهذه الشبهة عنهم ـ : بأنّا نحن ـ معاشر الشيعة ـ لا ننظر إلى أحد من علماء العامة وعوامهم بعين التحقير والعداء ، بل نعدّهم إخواننا في الدين.

وذلك بعكس ما ينظره بعض العامة إلينا تماما ، إذ إنّهم يرون أنّ الشيعة أعداءهم ، فيتعاملون معهم معاملة العدوّ لعدوّه ، ولم تأتهم هذه النظرة بالنسبة إلى شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأتباع مذهب أهل بيت رسولهم الكريم ، إلاّ بسبب التقوّلات والأباطيل التي نشرت ضدّهم بواسطة الخوارج والنواصب وبني أميّة وأتباعهم من أعداء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعداء آله الكرامعليهم‌السلام ، وبسبب الاستعمار ـ في يومنا هذا ـ الذي هو ألدّ أعداء الإسلام والمسلمين ، والذي يخشى على منافعه ومطامعه من وحدة المسلمين واجتماعهم.

ومع الأسف الشديد فإنّ هذه التضليلات العدوانية أثّرت في قلوب وأفكار بعض أهل السّنة ، حتّى نسبونا إلى الكفر والشرك!

ويا ليت شعري هل فكّروا بأيّ دليل ذهبوا إلى هذا المذهب وفرّقوا بين المسلمين؟!

٤٣

ألم يفكّروا في نهي الله تعالى المسلمين عن التفرقة بقوله :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) ؟

ثمّ أليس الله (عزّ وجلّ) ، وحده لا شريك له ، ربّنا جميعا ، والإسلام ديننا ، والقرآن كتابنا ، والنبيّ الكريم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيّين وسيّد المرسلين نبيّنا ، وقوله وفعله وتقريره سنّتنا ، وحلاله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، وأنّ الحقّ ما حقّقه ، والباطل ما أبطله ، ونوالي أولياءه ، ونعادي أعداءه ، والكعبة مطافنا وقبلتنا جميعا ، والصلوات الخمس ، وصيام شهر رمضان ، والزكاة الواجبة وحجّ البيت لمن استطاع إليه سبيلا ، فرائضنا ، والعمل بجميع الأحكام والواجبات والمستحبّات وترك الكبائر والمعاصي والذنوب مرامنا؟!

ألستم معنا في هذا كلّه؟!

أم إنّ شرعنا أو شرعكم ، وإسلامنا وإسلامكم غير ما بيّنّاه من الدين المبين؟؟!

وأنا على علم ويقين بأنّكم توافقوننا في كلّ ما ذكرناه ، وإن كان بيننا وبينكم شيء من الخلاف فهو كالخلاف الموجود فيما بينكم وبين مذاهبكم ، فنحن وأنتم في الإسلام سواء( كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (٢) .

إذن فلما ذا صار بعض العامة ينسبوننا إلى ما لا يرضى به الله ورسوله ، ويبغون الفرقة بيننا وبينهم ، وينظرون إلينا بنظر العداوة

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٣.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٨٥.

٤٤

والبغضاء؟! وهذا ما يتربّصه بنا أعداء الإسلام ويريده لنا الشيطان ، شياطين الإنس والجنّ ، قال تعالى في ذلك :( ... شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ ) (١) .

وقال تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) (٢) فتارة يوقع الشيطان العداوة والبغضاء بين المسلمين بواسطة الخمر والميسر ، وتارة بواسطة التسويلات والأوهام التي يلقيها في قلوبهم عبر التهم والأباطيل التي ينشرها شياطين الإنس في أوساطهم.

ثانيا : سألت : من أين جاء هذا الاختلاف؟

فإنّي أقول لك وقلبي يذوب حسرة وأسفاً : لقد جاء هذا وغيره من الاختلافات الفرعية على أثر اختلاف جذري وخلاف أصولي ، ليس هذا الوقت مناسبا لذكره ، ولعلّنا نصل إليه في مباحثنا الآتية فنتعرّض له إذا دار النقاش حوله ، وحين ذاك ينكشف لكم الحقّ وتعرفون الحقيقة إن شاء الله تعالى.

ثالثا : وأمّا بالنسبة إلى مسألة الجمع والتفريق بين الصلاتين ، فإنّ فقهاءكم بالرغم من أنّهم رووا الروايات الصحيحة والصريحة في الرخصة وجواز الجمع لأجل التسهيل ورفع الحرج عن الامّة ، أوّلوها ـ كما عرفت ـ ثمّ أفتوا بعدم جواز الجمع من غير عذر أو سفر ، حتّى أنّ بعضهم ـ مثل أبي حنيفة وأتباعه ـ أفتوا بعدم جواز الجمع مطلقا

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ١١٢ و ١١٣.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩١.

٤٥

حتّى مع العذر والسفر(١) .

ولكنّ المذاهب الاخرى من الشافعية والمالكية والحنابلة على كثرة اختلافاتهم الموجودة بينهم في جميع الأصول والفروع أجازوا الجمع في الأسفار المباحة كسفر الحج والعمرة ، والذهاب إلى الحرب ، وما أشبه ذلك.

وأمّا فقهاء الشيعة ، فإنّهم تبعا للأئمّة الأطهار من آل النبي المختارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الّذين جعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميزانا لمعرفة الحقّ والباطل ، وعدلا للقرآن ، ومرجعا للامّة في حلّ الاختلاف ، وصرّح بأنّ التمسّك بهم وبالقرآن معا أمان من الفرقة والضلالة بعده ـ أفتوا بجواز الجمع مطلقا ، لعذر كان أم لغير عذر ، في سفر كان أم في حضر ، جمع تقديم في أوّل الوقت ، أم جمع تأخير في آخر الوقت ، وفوّضوا الخيار في الجمع والتفريق إلى المصلّي نفسه تسهيلا عليه ودفعا للحرج عنه ، وبما أنّ الله يحبّ الأخذ برخصه ، اختارت الشيعة الجمع بين الصلاتين ، حتّى لا يفوتهم شيء من الصلاة غفلة أو كسلا ، فجمعوا تقديما ، أو تأخيرا.

ولمّا وصل الكلام في الجواب عن الجمع بين الصلاتين إلى هنا قلت لهم : أرى الكلام عن هذه المسألة بهذا المقدار كافيا ، فإنّي أظنّ

__________________

(١) جاء في كتاب «عارضة الاحوذي بشرح صحيح الترمذي» للإمام الحافظ ابن العربي المالكي : ج ١ باب «ما جاء في الجمع بين الصلاتين».

قال علماؤنا : الجمع بين الصلاتين في المطر والمرض رخصة. وقال أبو حنيفة : بدعة وباب من أبواب الكبائر.

ثمّ يبدي الشارح رأيه فيقول : بل الجمع سنّة. «المترجم».

٤٦

بأنّ الشبهة قد ارتفعت عن أذهانكم وانكشف لكم الحقّ ، وعرفتم : أنّ الشيعة ليسوا كما تصوّرهم البعض أو صوّروهم لكم ، بل إنّهم إخوانكم في الدين ، وهم ملتزمون بسنّة النبي الكريم وبالقرآن الحكيم(١) .

عود على بدأ

قلت : والآن أرى أنّ من الأفضل أن نعود إلى حوارنا السابق ، ونتابع حديثنا حول المسائل الاصولية المهمّة ، فإنّ هناك مسائل اصوليّة أهمّ من هذه المسائل الفرعيّة ، فإذا توافقنا على تلك المسائل الاصولية ، فالموافقة على أمثال هذه المسائل الفرعية حاصلة بالتبع.

الحافظ : إنّني فرح بمجالسة عالم فاضل ومفكّر نبيل ، ومحادثة متفكّر ، ذي اطّلاع وافر على كتبنا ورواياتنا مثل جنابكم ، فقد بان لي فضلكم وعلمكم في أوّل مجلس جلسناه معكم ، وكما تفضّلتم ، فإنّ من الأفضل ـ الآن ـ أن نتابع حديثنا السابق.

__________________

(١) وأمّا دليلنا على جواز الجمع بين الصلاتين من القرآن الكريم قوله تعالى :( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ* إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) سورة الإسراء ، الآية ٧٨.

فالمواقيت التي بيّنها الله تعالى للصلوات اليومية في هذه الآية المباركة ، ثلاثة : ١ ـ دلوك الشمس ، وهو الزوال ، ٢ ـ غسق الليل ، ٣ ـ الفجر.

وقال تعالى :( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ* وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) سورة هود ، الآية : ١١٤.

فالطرف الأوّل ـ من طرفي النهار ـ هو : من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، والطرف الثاني هو : من زوال الشمس إلى غروبها ، وزلفا من الليل ، أي : أوّل الليل ، وهو وقت زوال الحمرة بعد غروب الشمس. «المترجم».

٤٧

غير إنّي أستأذن سماحتكم لأقول متسائلا : لقد ثبت لنا بكلامكم الشيّق ، وبيانكم العذب ، أنّكم من الحجاز ، ومن بني هاشم ، فأحبّ أن أعرف ـ أنّكم مع هذا النسب الطاهر والأصل المنيف ـ ما حدا بكم حتّى هاجرتم من الحجاز وعلى الخصوص من المدينة المنوّرة ، مدينة جدّكم ومسقط رأسكم وسكنتم في إيران؟!

ثمّ في أيّ تاريخ كان ذلك ولما ذا؟!

قلت : إنّ أوّل من هاجر من آبائي إلى إيران هو الأمير السيّد محمد العابد ابن الإمام موسى بن جعفر (عليه الصلاة والسّلام) ، وكان فاضلا تقيّا ، عابدا زاهدا ، ولكثرة عبادته ـ إذ إنّه كان قائم الليل وصائم النهار وتاليا للقرآن الكريم في أكثر ساعات ليله ونهاره ـ لقّب بالعابد ، وكان يحسن الخطّ ويجيد الكتابة ، فصار يستغل فراغه باستنساخ وكتابة المصحف المبارك ، وكان ما يأخذه من حقّ مقابل كتابته يعيش ببعضه ، ويشتري بالزائد منه مماليك وعبيدا ويعتقهم لوجه الله (عزّ وجلّ) ، حتّى أعتق عددا كبيرا منهم بذلك.

ولمّا أدركته الوفاة وارتحل من الدنيا ودفن في مضجعه ، أصبح مرقده الشريف وإلى هذا اليوم مزارا شريفا لعامة المؤمنين في مدينة شيراز.

وأمر ابن الأمير أويس ميرزا معتمد الدولة ، ثاني أولاد الحاجّ فرهاد ميرزا معتمد الدولة ـ عم ناصر الدين شاه قاجار ـ بنصب ضريح فضّي ثمين على القبر الشريف ، وأمر بروضته المباركة ـ وهي مسجد لأداء الفرائض اليومية وإقامة الجماعة ، وتلاوة آيات الكتاب الكريم ، وقراءة الأدعية والصلوات المستحبّة ، أمر أن تزيّن بالمرايا وأنواع البلاط

٤٨

والرخام ، ليكون مأوى الزائرين الّذين يفدون إلى زيارة المرقد الشريف من كلّ صوب ومكان.

الحافظ : ما هو سبب هجرته من الحجاز إلى شيراز؟!

قلت : إنّ في أواخر القرن الثاني من الهجرة ، حينما أجبر المأمون الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه الصلاة والسلام) على الرحيل من مدينة جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والهجرة إلى خراسان ، وفرض عليه الإقامة في طوس ، وذلك بعد أن قلّده ولاية العهد كرها ، وقع الفراق بين الإمام الرضاعليه‌السلام وبين ذويه وإخوته.

ولمّا طال الفراق ، اشتاق ذووه وإخوته وكثير من بني هاشم إلى زيارتهعليه‌السلام فاستأذنوهعليه‌السلام في ذلك فأذن لهم.

كما بعثوا كتابا إلى المأمون يطلبون منه الموافقة على سفرهم إلى طوس لزيارة أخيهم وإمامهم الرضاعليه‌السلام ، حتّى لا يصدّهم المأمون وجلاوزته وعمّاله عن قصدهم ، ولا يتعرّضوا لهم بسوء ، فوافق المأمون على ذلك ، وأبدى لهم رضاه ، فشدّوا الرحال ، وعزموا على السفر لزيارة الإمام الرضاعليه‌السلام ، فتحرّكت قافلة عظيمة تضمّ أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذرّيّته ، وتوجّهت من الحجاز نحو خراسان ، وذلك عن طريق البصرة والأهواز وبوشهر وشيراز إلى آخره.

وكانت القافلة كلّما مرّت ببلد فيها من الشيعة والموالين لآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انضمّ قسم كبير منهم إلى القافلة الهاشمية ، التي كان على رأسها السادة الكرام من إخوة الإمام الرضاعليه‌السلام ، وهم : الأمير السيّد أحمد المعروف ب : «شاه چراغ» والأمير السيّد محمد العابد وهو : «جدّنا الأعلى» والسيّد علاء الدين حسين ، أبناء الإمام

٤٩

موسى بن جعفرعليه‌السلام ، فكان الناس يلتحقون بهم طوعا ورغبة لينالوا زيارة إمامهم الرضاعليه‌السلام .

وعلى أثر ذلك ذكر المؤرّخون : بأنّ هذه القافلة حينما قربت من شيراز بلغ عدد أفرادها أكثر من خمسة عشر ألف إنسان ، بين رجل وامرأة ، وصغير وكبير ، وقد غمرهم جميعا شوق اللقاء ، وفرحة الوصال والزيارة.

فأخبر الجواسيس وعمّال الحكومة المأمون في طوس بضخامة القافلة وكثرة أفرادها ، وحذّروه من مغبّة وصولها إلى مركز الخلافة طوس ، فأوجس المأمون ـ من الأخبار الواصلة إليه عن القافلة الهاشمية ـ خيفة ، وأحسّ منها بالخطر على مقامه ومنصبه.

فأصدر أوامره إلى جواسيسه في الطريق ، وإلى حكّامه على المدن الواقعة في طريق القافلة الهاشمية ، يأمرهم فيها بأن يصدّوا القافلة عن المسير أينما وجدوها ، وأن يمنعوها من الوصول إلى طوس ، وكانت القافلة قد وصلت قريبا من شيراز حين وصل أمر الخليفة إلى حاكمها بصدّها ، فاختار الحاكم سريعا وعلى الفور أحد جلاوزته المسمّى : «قتلغ خان» وكان شديدا قاسيا ، وأمّره على أربعين ألف مقاتل ، وأمرهم بصدّ القافلة الهاشمية وردّها إلى الحجاز.

فخرج هذا الجيش الجرار من شيراز باتّجاه طريق القافلة وعسكر في «خان زنيون» وهو منزل يبعد عن شيراز ، ثلاثين كيلومترا تقريبا ، وبقوا يترصّدون القافلة ، وفور وصول القافلة إلى المنطقة وهي في طريقها إلى شيراز باتّجاه طوس ، بعث القائد «قتلغ خان» رسولا إلى السادة الأشراف ، وبلّغهم أمر الخليفة ، وطلب منهم الرجوع إلى

٥٠

الحجاز من مكانهم هذا فورا.

فأجابه الأمير السيّد أحمد ـ وهو كبيرهم ـ قائلا :

أوّلا : نحن لا نقصد من سفرنا هذا إلاّ زيارة أخينا الإمام الرضاعليه‌السلام في طوس.

وثانيا : نحن لم نخرج من المدينة المنوّرة ، ولم نقطع هذه المسافة البعيدة إلاّ بإذن من الخليفة وبموافقة منه ، ولهذا فلا مبرّر لصدّنا عن المسير.

ذهب الرسول وبلّغ مقالته إلى «قتلغ» ثمّ رجع وهو يقول : إنّ القائد قتلغ أجاب قائلا : بأنّ الخليفة أصدر إلينا أوامر جديدة تحتّم علينا وبكلّ قوّة أن نمنعكم من السفر إلى طوس ، ولعلّها أوامر أخرى اقتضتها الظروف الراهنة ، فلا بدّ لكم أن ترجعوا من هنا إلى الحجاز.

التشاور دأب النبلاء

وهنا أخذ الأمير السيّد أحمد يشاور إخوته وغيرهم من ذوي الرأي والحجى من رجال القافلة في الأمر ، فلم يوافق أحد منهم على الرجوع ، وأجمعوا على مواصلة السفر إلى خراسان مهما كلّفهم الأمر ، فجعلوا النساء في مؤخّر القافلة ، والأقوياء من الرجال المجاهدين في المقدّمة ، وأخذوا يواصلون سفرهم.

وتحرّك قتلغ خان بجيشه وقطع عليهم الطريق ، وكلّما نصحهم السادّة أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتخلية الطريق لهم لم ينفعهم نصحهم ،

٥١

وانجرّ الموقف إلى المناوشة والمقاتلة ، ومنها شبّت نيران الحرب والقتال بين الطرفين ، فحمي الوطيس وانهزم جيش المأمون على أثر مقاومة بني هاشم وشجاعتهم.

فتوسّل قتلغ خان بالمكر والخديعة ، وأمر جماعة من رجاله أن يصعدوا على التلال ، وينادوا بأعلى أصواتهم : يا أبناء علي وشيعته! إن كنتم تظنّون أنّ الرضا سوف يشفع لكم عند الخليفة ، فقد وصلنا خبر وفاته ، وجلوس الخليفة في عزائه ، فلما ذا تقاتلون؟! فإن الرضا قد مات!!

أثّرت هذه الخديعة أثرا كبيرا في انهيار معنويات المقاتلين والمجاهدين ، فتفرّقوا في ظلام الليل وتركوا ساحة القتال ، وبقي أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحدهم ، فأمر الأمير السيّد أحمد إخوته ومن بقي معه أن يرتدوا ملابس أهل القرى ويتزيّوا بزيّهم ، ويتفرّقوا في سواد اللّيل ، ويتنكّبوا عن الطريق العامّ حتّى يسلموا بأنفسهم ولا يقعوا في يد قتلغ خان ورجاله ، فتفرّقوا من هنا وهناك ، في الجبال والقفار ، مشرّدين مطاردين.

وأمّا الأمير السيّد أحمد ، وكذا السيّد محمد العابد ، والسيد علاء الدين ، فقد دخلوا شيراز مختفين ، وانفرد كلّ منهم في مكان منعزل واشتغل بعبادة ربّه.

نعم ، يقال : إن المراقد المنسوبة الى آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إيران وخاصة النائية منها في القرى وبين الجبال ، أكثرها لأصحاب تلك الوقعة الأليمة.

٥٢

ترجمة الأمير السيّد أحمد

الأمير السيّد أحمد هو أخ الإمام الرضاعليه‌السلام ، وأفضل أولاد أبيه بعد أخيه الإمام عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام ، وأكثرهم ورعا وأتقاهم.

وهو الذي اشترى في حياته ألف عبد مملوك وأعتقهم لوجه الله ، ويلقّب باللقب المعروف : «شاه چراغ» وبعد أن نجّاه الله تعالى من تلك المعركة ، توجّه مختفيا مع أخويه إلى شيراز ، وأقاموا فيها متنكّرين متفرّقين.

ونزل السيّد أحمد في شيراز عند أحد الشيعة في محلّة «سردزك» وهو المكان الذي فيه مرقده الآن ، واختفى في بيت ذاك الموالي واشتغل بالعبادة.

وأمّا قتلغ خان ، فقد جعل العيون والجواسيس في كلّ مكان لاستقصاء أخبار السادة المشرّدين والعثور عليهم ، وبعد سنة تقريبا عرف مكان السيّد أحمد ، فحاصره مع رجاله ، وأبى السيّد أن ينقاد ويستسلم لعدوّه ، فقاتلهم ذابّا عن نفسه ، وأبدى شجاعة وشهامة هاشمية ، أعجبت الناس كلّهم ، وكان كلّما ضعف عن الحرب يلتجئ إلى منزله فيستريح فيه لحظات ثمّ يخرج ويدافع عن نفسه.

فلمّا رأى قتلغ أنّهم لا يستطيعون القضاء عليه عبر المواجهة المسلحة ، احتالوا عليه بالدخول إلى بيت جيرانه والتسلل إليه عبر ثغرة أحدثوها من بيت الجيران ، فلمّا دخل السيّد بيته ليستريح فيه قليلا ، خرجوا إليه وغدروا به ، فضربوه بالسيف على رأسه ، فخرّ صريعا ، ثمّ أمر قتلغ خان ، فهدموا البيت على ذلك الجسد الشريف وبقي تحت

٥٣

التراب والأنقاض.

ولمّا كان أغلب الناس في ذلك الزمان من المخالفين ، ولم يكونوا شيعة لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ القليل منهم ، وذلك على أثر الأكاذيب والأباطيل التي كانت تنشر بواسطة الدولة ورجالها ضدّهم ، لم يرعوا حرمة ذلك المكان ، ولا حرمة الجسد الشريف ، ولم يرقبوا فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل تركوه مدفونا تحت الأنقاض وأكوام التراب.

اكتشاف الجسد الشريف

وفي أوائل القرن السابع الهجري دخلت شيراز في ظلّ حكومة الملك أبي بكر بن سعد مظفّر الدين ، وكان مؤمنا صالحا يسعى لنشر الدين الإسلامي الحنيف ، ويكرم العلماء ، ويحترم المؤمنين الأتقياء ، ويحب السادة الشرفاء ، وكما قيل : «الناس على دين ملوكهم» كان وزراؤه ورجال دولته مثله ـ أيضا ـ مؤمنين أخيارا ، ومنهم : الأمير مسعود بن بدر الدين ، وكان كريما يحب عمران البلاد وإصلاح حال العباد ، فعني بتجميل مدينة شيراز وتنظيفها من الأوساخ ، وتجديد بناياتها وإصلاح خرائبها ، إذ إنّ شيراز كانت عاصمة ملكهم.

فأمر ـ في جملة ما أمر بإصلاحه ، وتجديد البناء فيه ـ إعمار المكان الذي كان يضمّ جسد الأمير السيّد أحمد منذ قرون ، فلمّا جاء عمّاله ومستخدموه إلى المكان وانهمكوا بنقل التراب والأنقاض منه إلى خارج البلد ، وصلوا أثناء العمل إلى جسد طريّ لشابّ جسيم وسيم ، قد قتل في أثر ضربة على رأسه انفلقت هامته ، فأخرجوه من بين الأنقاض ، وأخبروا الأمير مسعود بذلك ، فجاء هو بصحبة جماعة

٥٤

من المسئولين للتحقيق في الموضوع.

وبعد الفحص الكثير ، والتنقيب عن وجود أثر يدلّ على هويّة الشابّ القتيل عثروا على خاتم له كان قد نقش عليه : «العزّة لله ، أحمد ابن موسى» فأذعنوا لمّا رأوا ذلك ـ إضافة إلى ما كانوا قد سمعوه عن تاريخ ذلك المكان ـ أيضا ـ من أخبار الشجاعة الهاشمية التي أبداها أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنفسهم في الواقعة الأليمة التي دارت هناك وأدّت أخيرا إلى شهادة أحمد بن موسىعليه‌السلام ـ أنّ هذا الجسد هو جسد الأمير السيّد أحمد بن الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام .

ولمّا شاهد الناس أنّ الجسد الشريف قد أخرج من تحت الأنقاض وأكوام التراب وذلك بعد أربعمائة عام من تاريخ شهادته وهو على نضارته طريّا لم يتغيّر ، عرفوا أنّ صاحبه ولىّ من أولياء الله تعالى ، وأيقنوا بحقانية التشيّع مذهب أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ إنّه كان من أولاد الرسول وعلى مذهب أهل البيت الذي استشهد في سبيله ومن أجله ، فتشيّع على أثر ذلك كثير من أهل شيراز.

ثمّ أمر مسعود بن بدر الدين ، أن يدفنوا الجسد الطاهر في نفس المكان الذي عثروا عليه فيه ، بعد أن حفروا له قبرا وصلّوا عليه ، ودفنوه في قبره مجلّلا محترما بحضور العلماء وأعيان شيراز ، كما وأمر أن يشيّدوا على مرقده عمارة عالية ذات رحبة واسعة لتكون مأوى للزائرين والوافدين وبقيت كذلك حتّى توفّي الملك مظفّر الدين سنة ٦٥٨ ه‍ ق.

وفي عام ٧٥٠ ه‍ ق لمّا آلت السلطة على بلاد فارس إلى الملك إسحاق بن محمود شاه ودخل مدينة شيراز ، كانت أمّه معه ، وهي

٥٥

الملكة «تاشي خاتون» وكانت امرأة صالحة ، فتشرّفت بزيارة ذلك المرقد الشريف ، وأمرت بترميم الروضة المباركة وإصلاحها ، كما وأمرت ببناء وتشييد قبّة جميلة جدا فوق مرقده ، وجعلت قرية «ميمند» الواقعة على بعد ما يقرب من ثمانين كيلومترا عن مدينة شيراز وقفا عليه ، وأمرت بأن يصرف واردها على تلك البقعة المباركة ، وهي باقية إلى يومنا هذا ، حيث يعمل المتولّون لها على قرار الوقف وينفقون واردها في شئونه ، ومحصولها حتّى اليوم : ماء ورد معروف بجودته وطيبه في العالم.

ترجمة الأمير السيّد علاء الدين حسين

السيّد علاء الدين هو أيضا من إخوة الإمام الرضاعليه‌السلام ، ومن أبناء الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ، وهو الذي دخل بصحبة أخويه متستّرا إلى شيراز ، وفارقهما مختفيا في مكان لا يعرفه أحد ، واشتغل فيه بالعبادة.

ثمّ مضت مدّة من الزمن وهو مختف ، وكان بالقرب من محل اختفائه بستان لقتلغ خان والسيّد لا يعرف أنّها لقتلغ خان ، فضاقت به الدنيا يوما وضاق صدره ، فخرج من مخبئه وأطلّ على البستان لينفّس عن ضيق صدره ويروّح نفسه قليلا ، فجلس في زاوية واشتغل بتلاوة القرآن ، فعرفه رجال قتلغ العاملون في البستان ، فحملوا عليه ، ولم يمهلوه حتّى قتلوه والقرآن في يده وآياته على شفتيه ، فما هالهم إلاّ أن رأوا أنّ الأرض تنشقّ وتضمّ جسده الشريف وتخفيه عنهم حتّى مصحفه الذي كان في يديه.

مرّت أعوام كثيرة على هذه الواقعة الأليمة ، ومات قتلغ وانمحى

٥٦

أثر البستان ، وتبدّلت حكومات ودول كثيرة في بلاد فارس ، حتّى جاء عهد الدولة الصفوية.

وفي عهد الصفويّين اتّسعت مدينة شيراز حتّى وصلت البيوت إلى الارض التي ضمت جسد السيّد علاء الدين ، فعند ما كانوا يحفرون فيها لوضع أساس للبناء ، عثروا على جثّة شابّ جميل كأنّه قتل من ساعته ، واضعا يده على قبضة سيفه والمصحف الكريم على صدره ، فعرفوا ممّا لديهم من العلائم والشواهد ، أنّه هو السيّد علاء الدين حسين بن الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ـ وقيل : إنّهم وجدوا اسمه مكتوبا على جلد المصحف الكريم ـ فدفنوه بعد الصلاة عليه في محلّه.

وأمر حاكم شيراز أن يبنوا على قبره الشريف مكانا عاليا وبناء رفيعا ليتسع للمؤمنين والموالين الّذين يتوافدون لزيارته من كلّ صوب ومكان وبعد ذلك جاء رجل من المدينة المنوّرة ـ يدعى : الميرزا علي المدني ـ لزيارة مراقد السادة الشرفاء ، وكان ثريّا ومن الموالين لأهل البيت وذراريهم ، فقام بتوسيع البناء على مرقد السيّد علاء الدين ، وشيّد عليه قبّة جميلة ، واشترى أملاكا كثيرة فجعلها وقفا على ذلك المرقد الشريف ، وأمر بصرف وارداتها في شئونه ، كما وأوصى بأن يدفن بعد موته في جوار السيّد علاء الدين ، فلمّا مات دفنوه هناك ، وقبره اليوم في تلك البقعة المباركة معروف ، وقد كتب عليه اسمه ، وهو : «ميرزا علي المدني» ولا يزال المؤمنون يزورونه ويقرءون له الفاتحة.

ثمّ إنّه بعد ذلك أمر الملك إسماعيل الصفوي الثاني بتزيين ذاك البناء المشيّد وترميمه بأحسن وجه ، فنصبوا الكاشي والمرايا وزيّنوا الروضة المباركة بأفضل زينة ، وهو إلى الآن مزار عظيم ومشهد كريم ،

٥٧

يقصده المؤمنون من كلّ أنحاء إيران وغيرها ، وأهالي شيراز يكنّون له غاية الاحترام والتكريم.

قال بعض النسّابة : إنّ السيّد علاء الدين كان عقيما لا نسل له ، وقال بعض آخر : كان له نسل ولكن انقرضوا ، ولم يبق له منهم عقب وذرّيّة.

وكذلك الكلام في أخيه الأكبر السيّد أحمد فقد قالوا في حقّه : إنّه لم يكن له أولاد ذكور ، بل كانت له بنت واحدة فقط ، وذلك على ما في كتاب : «عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب».

وقال بعضهم : كان للسيّد أحمد أولاد ذكور أيضا.

ترجمة الأمير السيّد محمد العابد

السيّد محمّد ، الملقّب بالعابد ، هو : ثالث إخوة الإمام الرضاعليه‌السلام ، ورابع أولاد الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ، وهو الذي دخل شيراز بصحبة أخويه ، الأمير السيّد أحمد والسيد علاء الدين حسين ، وفارقهما إلى مكان مجهول ، مختفيا ومتنكّرا لا يعرفه أحد ، يعبد الله تعالى فيه حتّى وافاه الأجل ومات موتا طبيعيا ودفن فيها.

ومن كثرة عبادته لقّب بالعابد.

خلّف أولادا أجلاّء ، أفضلهم من حيث العلم والتقوى ، والزهد والورع ، هو : السيّد إبراهيم المعروف ب : «المجاب».

لقّب بهذا اللقب ، لأنّه عند ما تشرّف بزيارة قبر جدّه الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، ووقف مسلّما عليه ، أتاه جواب سلامه من داخل القبر الشريف ، فسمعه هو ومن حوله ، وعلى أثر هذه المنقبة أجلّه الناس وعظّموه واحترموه ، ولقّبوه بالمجاب.

٥٨

وبعد وفاة أبيه السيّد محمد العابد توجّه إلى زيارة العتبات المقدّسة ، وسكن بجوار قبر جدّه الشهيد الإمام الحسينعليه‌السلام ، وقريبا من قبر جدّه الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ليزورهما أيّ وقت شاء.

وكان موضع قبر الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قد ظهر حديثا وعرف في ذلك الزمان بعد ما كان مجهولا على الناس طيلة مائة وخمسين سنة تقريبا ، فظهر بكرامة قدسية لتلك البقعة المباركة ، وصار خبره آنذاك حديث اليوم ، يتناقله الناس في المحافل والمجالس.

الحافظ : عجيب! في أيّ حال كان مرقد أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه منذ دفنه إلى ذلك الزمان ، حتّى اكتشف بعد مائة وخمسين سنة ، هل كان مخفيّا على المسلمين طيلة هذه المدّة؟! ولما ذا اخفي عنهم؟؟!

قلت : لمّا استشهد أمير المؤمنين عليعليه‌السلام كان ذلك في زمن طغى فيه بنو أميّة ، ولمّا كانعليه‌السلام يرى بنور الله أن ستمتدّ حكومة معاوية بعده من الشام إلى الكوفة ، أوصى أن يدفن ليلا بلا علم من أحد ، وأمر بأن يعفى موضع قبره ، لذلك لم يحضر دفنه إلاّ أولاده وخواصّ شيعته.

ولكي يشتبه الأمر على الناس ويبقى محلّ القبر مجهولا عليهم ، جهّزوا في صبيحة يوم ٢١ من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة بعيرين وعقدوا عليهما نعشين ، بعثوا أحدهما إلى مكّة ، والآخر إلى المدينة ، وهكذا نفّذت وصيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخفى موضع قبرهعليه‌السلام عن عامّة الناس.

الحافظ : هل يمكنك أن تخبرني ما هو سبب هذه الوصية؟ وما

٥٩

الحكمة في الإصرار على إخفاء القبر؟!

لما ذا دفن الإمام عليعليه‌السلام سرّا؟

قلت : نحن لا نعلم السبب والحكمة بالضبط ، ربّما كان ذلك لما يعلمهعليه‌السلام من حقد بني أميّة وعدائهم الدفين لبني هاشم عامة ، وللنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولآلهعليهم‌السلام خاصة ، فإنّه كان من المحتمل أن ينبشوا القبر الشريف ويسيؤها الأدب مع الجسد الطاهر ، وهو ظلم دونه كلّ ظلم!!

الحافظ : هذا الكلام غريب منكم وبعيد جدّا ، كيف يمكن لإنسان أن يتعدّى على قبر مسلم بعد موته ودفنه ، إنّه لا يكون مهما كان بينهم من العداء والبغضاء؟!

قلت : ولكن ذلك ليس ببعيد من بني أمّيّة!!

أما طالعت تاريخهم الأسود وماضيهم الحقود؟!

أما قرأت جرائمهم العظيمة وأعمالهم الفجيعة ، التي يندى منها جبين الإنسانية خجلا ، وتدمع عينها أسفا؟؟!

أما علمت أنّ هذه العصبة الخبيثة والشجرة الملعونة في القرآن ، لمّا قبضوا على زمام الحكم وغصبوا الخلافة ، كم من أبواب جور فتحوا؟! وكم من جناية وغواية ابتدعوا؟! وكم من دم سفكوا؟! وأعراض هتكوا؟! وأموال نهبوا؟! وحرمات انتهكوا؟!

إنّ أولئك البعيدين عن الإسلام والإنسانية ، لم يراعوا شيئا من الدين والأخلاق الحميدة في حركاتهم وسكناتهم. فكانوا يتصرّفون في شئون المسلمين حسب أهوائهم وآرائهم الفاسدة ، وإنّ كثيرا من كبار علمائكم ومؤرّخيكم سجّلوا جرائم هذه الطغمة الفاسدة بحبر من عرق

٦٠

الخجل ، على أوراق العار والفشل ، بقلم الخوف والوجل!

ولقد ألّف العلاّمة أبو العبّاس أحمد بن علي المقريزي الشافعي كتابه المشهور «النزاع والتخاصم بين بني اميّة وبني هاشم» وذكر فيه بعض أعمال بني اميّة القبيحة وجرائمهم الفظيعة ، فإنّهم لم يرحموا حيّا ولم يحترموا ميتا من شيعة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الموالين لعليّ بن أبي طالب أمير المؤمنينعليه‌السلام وأولاده الغرّ الميامين.

وهنا اسمحوا لي أن أذكر لكم ـ كنموذج على ذلك ـ مثالين من هذا الكتاب ، حتّى تطّلعوا على الجرائم البشعة لبني اميّة ، وتعرفوا حقيقة أمرهم ، كي لا تتعجّبوا من كلامي ولا تستغربوه ، وتعرفوا أنّ ما أقوله لكم إنّما هو عن دليل وبرهان!

شهادة زيد بن عليّعليه‌السلام

قال المقريزي وغيره من المؤرخين : لمّا هلك يزيد بن عبد الملك ، تولّى الحكم أخوه هشام ، فبدأ بالجور والعدوان على أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ، فكتب إلى عمّاله بالتضييق عليهم وسجنهم والفتك بهم ، وأمر عامله على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي ، أن يهدم دار الكميت شاعر أهل البيتعليهم‌السلام وأن يقطع لسانه ، لأنّه مدح آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

وكتب إلى عامله على المدينة خالد بن عبد الملك بن الحارث : أن يحبس بني هاشم فيها ويمنعهم من السفر! فنفّذ خالد أمر هشام ، وضيّق على الهاشميّين ، وأسمع زيد بن الإمام زين العابدينعليه‌السلام ما يكره ، فخرج زيد إلى الشام ليشكوا خالدا إلى هشام ، فأبى هشام أن يأذن له ، فأرسل إليه زيد رسالة يطلب الإذن بها له ، فكتب هشام في أسفلها :

٦١

ارجع إلى أرضك ، فقال زيد : والله لا أرجع. وأخيرا أذن له هشام وأمر خادما أن يتبعه ويحصي ما يقول. فسمعه يقول : والله ما أحبّ الدنيا أحد إلاّ ذلّ.

وأمر هشام جلساءه أن يتضايقوا في المجلس حتّى لا يقرب منه.

فلمّا دخل زيد لم يجد موضعا يجلس فيه ، فعلم أنّ ذلك قد فعل عمدا ، واستقبله هشام بالشتم والسباب ، بدل التكريم والترحاب!

وفي المقابل لم يسكت زيد عن الجواب ، وإنّما أسمع هشاما ما لم يحبّ أن يسمع ، فلم يتحمّل هشام وأمر بطرده ، دون أن يسمع شكواه ، فأخذ الغلمان بيده ليخرجوه ، فأنشد زيد :

شرّده الخوف وأزرى به

كذاك من يكره حرّ الجلاد

قد كان في الموت له راحة

والموت حتم في رقاب العباد

فخرج من مجلس هشام وتوجّه إلى الكوفة ، فحدّث الناس بظلم الخليفة وعمّاله ، فبايعه خلق كثير فيهم الأشراف والعلماء ، لأنّهم وجدوه أهلا للقيادة ، فهو سيّد هاشمي ، وفقيه تقيّ ، وشجاع باسل.

ولمّا رأى أعوانا ، نهض ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويدفع الظلم والضيم عن نفسه وعن المؤمنين ، فدارت المعركة بينه وبين يوسف الثقفي والي الكوفة وجيشه الجرّار. ولكن أصحاب زيد تركوا زيدا وحده قبل أن يخوض الحرب ويدخل في غمراتها ، ولم يبق معه إلاّ نفر قليل!! ورغم ذلك فقد دخل زيد الحرب وجاهد بشجاعة وبسالة هاشمية وهو يرتجز :

أذلّ الحياة وعزّ الممات

وكلا أراه طعاما وبيلا

فإن كان لا بدّ من واحد

فسيري إلى الموت سيرا جميلا

٦٢

فبينما هو يجاهد في سبيل الله ويحارب الأعداء ، إذ وقع سهم في جبهته ، فلمّا انتزعوه سقط شهيدا.

وكان ذلك في اليوم الثامن من شهر صفر عام ١٢١ ه‍ ، وكان عمره الشريف اثنتين وأربعين سنة ؛ فرثاه الحسن الكناني بأبيات منها :

فلمّا تردّى بالحمائل وانتهى

يصول بأطراف القنا الذوابل

تبيّنت الأعداء أنّ سنانه

يطيل حنين الامّهات الثواكل

تبيّن فيه ميسم العزّ والتقى

وليدا يفدّى بين أيدي القوابل

فحمله ابنه يحيى بإعانة عدّة من أنصاره ، ودفنه في ساقية وردمها وأجرى عليها الماء لكي لا يعلم أحد مدفنه ولكن تسرّب الخبر إلى يوسف ابن عمر ، فأمر بنبش القبر وإخراج الجسد الطاهر ، ثمّ أمر بقطع رأسه الشريف فقطع وبعث به إلى الشام ، فلمّا وصل الرأس الشريف إلى الشام كتب هشام إلى واليه على الكوفة : أن مثّل ببدنه واصلبه في كناسة الكوفة.

ففعل والي الكوفة يوسف بن عمر ذلك ، وصلبه في ساحة من ساحات الكوفة حقدا وعدوانا ، وراح الشاعر الأموي يفتخر بهذه الجريمة البشعة ويقول في قصيدة جاء فيها :

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة

ولم أر مهديّا على الجذع يصلب!

فبقي أكثر من أربع سنين مصلوبا ، حتّى هلك هشام وتولّى بعده الوليد بن يزيد ، فكتب إلى عامله بالكوفة : أحرق زيدا بخشبته وأذر رماده.

ففعل وأذرى رماده على شاطئ الفرات!(١) .

__________________

(١) وأمّا الرأس الشريف ، فقد بعثه هشام من الشام إلى المدينة ونصب عند قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكان العامل عليها : محمد بن إبراهيم بن هشام المخزومي.

٦٣

شهادة يحيى بن زيد

وفعلوا نفس الصنيع بولده يحيى ، فإنّه قام ضدّ ظلم بني أميّة وجورهم ، والتاريخ يذكره بالتفصيل(١) واستشهد في ميدان القتال ،

__________________

فطلب منه الناس أن ينزّل الرأس الشريف فأبى ، فضجّت المدينة بالبكاء.

وكان الوالي يجمع أنصاره ، وهم السفلة والأراذل ، ويأمرهم بسب عليّ وبنيه وشيعته ، وبقي على ذلك سبعة أيّام!!

ثم سيّر الرأس الشريف إلى مصر ، فنصب بالجامع ، فسرقه أهل مصر ودفنوه بالقرب من جامع ابن طولون.

ويعتقد بعض المحقّقين أنّ المسجد المعروف اليوم بمسجد رأس الحسين عليه‌السلام بالقاهرة ، هو مدفن رأس حفيده : «زيد بن عليّ بن الحسين عليه‌السلام ».

وكانت كنيته : أبو الحسين. «المترجم».

(١) خرج يحيى من الكوفة ليلا بعد استشهاد أبيه ودفنه ، وقد وكّل الحاكم حريث الكلبي بتعقّبه والقبض عليه ، ولكن لم يتمكّن منه ، فوصل يحيى إلى الريّ ومنها إلى خراسان. فنزل في «سرخس» عند يزيد بن عمرو التيمي وبقي ستّة أشهر ثم خرج الى بلخ ونزل عند حريش بن عبد الرحمن الشيباني ، وبقي عنده حتّى هلك هشام وتولّى بعده الوليد بن يزيد ، وكتب يوسف بن عمر عامل الكوفة إلى نصر بن سيّار عامل خراسان : بأنّي استخبرت أنّ يحيى بن زيد أقام في بلخ عند حريش بن عبد الرحمن الشيباني ، فابعث إليه حتّى يسلّمك يحيى ، فكتب نصر لعامل بلخ : خذ حريش ولا تطلقه حتّى يسلّمك يحيى بن زيد.

فألقى عامل بلخ القبض على حريش وطلب منه ضيفه يحيى ، فأبى حريش تسليمه ، فأمر العامل بتعذيب حريش ، فضربوه ستّمائة جلدة ، وهو يأبى تسليم يحيى.

٦٤

__________________

وكان لحريش ولد يسمّى قريشا ، لمّا رأى ما نزل بأبيه من الضرب والتعذيب ، قام مع جماعة من أصحابه يفتش عن يحيى ، فلقيه في دار مع يزيد بن عمرو وهو صاحبه من الكوفة ، فجاءوا بهما إلى عامل بلخ وسلّمهما هو إلى نصر بن سيّار فسجنهما ، وكتب إلى يوسف بن عمر بالكوفة يخبره بذلك ، وكتب يوسف بالخبر إلى الوليد ابن يزيد بالشام ، فأمره الوليد أن يطلق يحيى وصاحبه من السجن ، وكتب يوسف ابن عمر الثقفي إلى نصر يخبره برأي الخليفة.

فطلب نصر بن سيّار ، يحيى بن زيد الشهيد وحذّره من الخروج. ثمّ أعطاه عشرة آلاف درهم وبغلتين ، له ولصاحبه ، وأمرهما أن يلتحقا بالوليد بن يزيد بالشام.

ولكن يحيى توجّه مع صاحبه إلى سرخس ومنها إلى أبرشهر فطلبه عمرو بن زرارة والي أبرشهر وأعطاه ألف درهم نفقة الطريق وأخرجه إلى بيهق.

فلمّا وصل إلى بيهق التفّ حوله جماعة وعاهده سبعون رجلا على أن يقاتلوا معه من قاتل.

فاشترى يحيى لهم خيلا وسلاحا وخرج على عمرو بن زرارة ، فكتب عمرو إلى نصر يخبره بذلك ، وكتب نصر إلى عبد الله بن قيس عامل سرخس ، وإلى حسن ابن زيد عامل طوس ، يأمرهم أن يلتحقا مع جنودهما بعمرو بن زرارة عامله على أبرشهر ، ويقاتلا تحت لوائه.

فوصلا إلى أبرشهر ومعهما عشرة آلاف مقاتل. وفور وصولهم هجموا على يحيى وأصحابه. وثبت يحيى مع قلّة جنده ، ثبات الأبطال ، وأبدوا شجاعة وبسالة قلّ مثلها في التاريخ ، فنشبت حرب حامية ودارت معركة دامية حتّى قتل عمرو بن زرارة وانهزم جيشه. وتركوا غنائم كثيرة ليحيى وأصحابه ، فقويت شوكته وكثرت عدّته. وتوجّه إلى هراة ومنها إلى جوزجان في بلاد خراسان.

وامّا نصر بن سيّار فقد بعث سالم بن أحور مع ثمانية آلاف فارس شامي وغير شامي ، لقتال يحيى بن زيد.

٦٥

فقطعوا رأسه وبعثوه إلى الشام وصلبوا جسده الشريف ستّ سنين ـ وقد بكى عليه المؤالف والمخالف ـ حتّى مات الوليد ، ونهض أبو مسلم الخراساني واستولى على تلك البلاد فأمر فانزل جسد يحيى الشهيد ودفن في جرجان وقبره اليوم مزار يتوافد المؤمنون لزيارته.

بعد هذا الحديث الحزين تأثّر كلّ الحاضرين وتألّموا ، وبكى بعضهم على مصائب آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعنوا بني أميّة الظالمين.

سرّ وصيّة الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام

إنّ فاجعة قتل زيد وابنه يحيى وصلبهما ، واحدة من آلاف

__________________

فالتقى الجيشان في قرية «أرغوى» ودارت بينهما معركة ضارية ، دامت ثلاثة ايّام بلياليها ، وقتل جمع كثير من الفريقين ، وبينما كان يحيى يخوض غمار الحرب ويجاهد الاعداء إذ جاءه سهم وقع في جبهته ، ومضى شهيدا كأبيه زيد المظلومعليه‌السلام .

فقطعوا رأسه الشريف وبعثوه إلى نصر بن سيّار عامل خراسان ، وبعث هو به إلى الوليد بن يزيد في الشام ، وكان ذلك في سنة ١٢٥ ه‍.

وصلبوا جثمانه على بوّابه جوزجان وبقي مصلوبا إلى أن قام أبو مسلم الخراساني ضدّ بني أميّة وقوّض دولتهم ، فأمر بأن ينزلوا جسد يحيى ويدفنوه.

وأمر كذلك بأن يسمّوا كلّ من يولد ذلك العام في خراسان باسم يحيى ، ويوجد هذا اليوم قبران باسمه الشريف ، تقصدهما الوفود والزائرون ، ويتوسّلون به إلى الله تعالى في قضاء حوائجهم.

أحدهما في مدينة «كنبد كاووس» وهي تبعد عن جرجان ثلاثين كيلومترا.

وآخر في جوزجان في قرية تسمّى : «ميامي» وهي تبعد عن مدينة مشهد الإمام الرضا عليه‌السلام قرابة مائة كيلومتر. «المترجم».

٦٦

الفجائع التي أحدثتها أيدي بني أميّة ، بعد قتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

فيا ترى ما الذي كان يمنعهم ، إذا سنحت لهم الفرصة ، أن يصنعوا بجسد الإمام عليّعليه‌السلام الزكيّ الطاهر ، ما صنعوه بجسد حفيده المظلوم زيد بن الإمام زين العابدينعليه‌السلام ؟!

فقد جاء في كتاب منتخب التواريخ : انّ الحجّاج بن يوسف الثقفي نبش حواليّ الكوفة آلاف القبور ، يفتّش عن جثمان الإمام عليّعليه‌السلام !!

فلعلّه لهذا السبب وصّى بنيه أن يدفنوه ليلا لا نهارا ، وسرّا لا جهارا ، ويعفّوا موضع قبره ويخفوه على الناس. وكان كذلك حتى عهد هارون الرشيد.

اكتشاف قبر الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام

خرج الرشيد يوما للقنص والصيد إلى وادي النجف في ظهر الكوفة ، وكانت هناك آجام أصبحت أوكارا للحيوانات.

قال عبد الله بن حازم : فلمّا صرنا إلى ناحية الغريّ ، رأينا ظبية فأرسلنا إليها الصقور والكلاب ، فحاولتها ساعة ثمّ لجأت الظبية إلى أكمة فاستجارت بها ، وتراجعت الصقور والكلاب ، فتعجّب الرشيد من ذلك!

ثمّ إنّ الظباء هبطت من الأكمة ، فتعقّبتها الصقور والكلاب ، فرجعت الظباء إلى الأكمة ، فتراجعت عنها الصقور والكلاب ، ففعلت ذلك ثلاثا.

٦٧

فقال هارون : اركضوا إلى هذه الأنحاء والنواحي فمن لقيتموه ائتوني به ، فأتيناه بشيخ من بني أسد.

فقال له هارون : ما هذه الأكمة؟

قال الشيخ : إن جعلت لي الأمان أخبرتك!

فقال : لك عهد الله وميثاقه أن لا أهيجك ولا أؤذيك.

قال الشيخ : جئت مع أبي إلى هنا فزرنا وصلّينا فسألت أبي عن هذا المكان.

فقال : عند ما تشرّفت بزيارة هذه البقعة مع الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام قال : هذا قبر جدنا علي بن أبي طالبعليه‌السلام وسيظهره الله تعالى قريبا.

فنزل هارون ودعا بماء فتوضّأ وصلّى عند الأكمة وتمرّغ عليها وجعل يبكي. وبعده أمر ببناء قبّة على القبر! ومنذ ذلك اليوم لم يزل البناء في تطوّر ، وهو اليوم صرح بديع لا يوصف.

الحافظ : أظنّ إنّ قبر مولانا عليّ بن أبي طالب ، لم يكن في النجف ، ولا في الموضع الذي ينسب إليه ، لأنّ العلماء اختلفوا فيه ، فمنهم من يقول : دفن في قصر الإمارة. ومن قائل : إنّه في جامع الكوفة. وقول : إنّه في باب كندة. وقيل : إنّه دفن في رحبة الكوفة. وهناك من يقول : حمل إلى المدينة ودفن في البقيع. وبالقرب من كابل في أفغانستان أيضا قبر ينسب إليه!

ويقال : إنّ جسد مولانا عليّ (كرّم الله وجهه) ، وضع في صندوق وحمل على بعير ساروا به نحو الحجاز ، فاعترضهم عدد من قطّاع الطريق وظنّوا أنّ فيه أموالا فسرقوه ، ولمّا فتحوا الصندوق وجدوا فيه جثمان عليّ بن أبي طالب ، فذهبوا به إلى ذلك المكان من

٦٨

أفغانستان ، فدفنوه ، والناس عموما يحترمون ذلك القبر ويزورونه!

قلت : هذا الخبر مضحك جدّا ، فربّ مشهور لا أصل له ، وهو للاسطورة أقرب.

وأمّا الاختلاف في موضع قبر الإمام عليّعليه‌السلام فقد جاء على أثر وصيّته بإخفاء قبره الشريف ، وإنّما لم أشرح لكم الموضوع بالتفصيل رعاية للوقت.

فقد روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : إنّ أمير المؤمنين أوصى ابنه الحسن وقال له ما مضمونه : بنيّ إذا دفنتني في النجف ورجعت إلى الكوفة ، فاصنع في أربعة مواضع أربعة قبور : ١ ـ مسجد الكوفة ٢ ـ الرحبة ٣ ـ الغريّ ٤ ـ دار جعدة بن هبيرة.

وإنّ هذا الاختلاف الذي تذكره ، إنّما يكون بين علمائكم ، لأنّهم أخذوا كلام هذا وذاك ، ولم يأخذوا بكلام العترة النبوية حتّى في تعيين موضع قبر أبيهم ، سيّد العترة ، الإمام عليّعليه‌السلام !!

وأمّا إجماع علماء الشيعة فهو على أنّ قبر الإمام عليّعليه‌السلام في النجف الأشرف ، وفي الموضع المنسوب إليه ، وهم أخذوا هذا الخبر الصحيح من أهل بيته «وأهل البيت أدرى بما في البيت» ومن الواضح أنّ أولاد عليّعليه‌السلام الّذين قاموا بدفنه أعلم من غيرهم بموضع قبره ، والعادة في مثل هذه الاختلافات أن يرجعوا إلى الأبناء في تعيين قبر أبيهم. ولكن قاتل الله العناد!!

وإنّ العترة الهادية وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، اتّفقوا وأجمعوا على أنّ قبر جدّهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إن هو إلاّ في النجف وفي الموضع الذي اشتهر به ، وحرّضوا المسلمين ليزوروا قبر أبي الحسن عليّ بن

٦٩

أبي طالبعليه‌السلام في ذلك الموضع.

ذكر سبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواصّ» ص ١٦٣(١) : إختلاف الأقوال في قبر الإمام عليّعليه‌السلام ـ إلى أن قال : ـ والسادس : إنّه على النجف في المكان المشهور الذي يزار فيه اليوم ، وهو الظاهر ، وقد استفاض ذلك.

وعلى هذا القول كثير من علمائكم ، كأمثال خطيب خوارزم في المناقب ، وخطيب بغداد في تاريخه ، ومحمد بن طلحة في «مطالب السئول» وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، والفيروزآبادي في القاموس ـ في كلمة : النجف ـ وغيرهم.

أبناء إبراهيم المجاب

صار حوارنا مصداقا للمثل : «الكلام يجر الكلام» وأعود الآن لأتحدّث عن نسبي :

توفّي السيّد إبراهيم المجاب بن السيد محمد العابد في كربلاء المقدّسة ، ودفن عند قبر جدّه سيّد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام ، ومرقده اليوم مزار المؤمنين. وخلّف ثلاثة أولادا وهم : السيد أحمد ، والسيد محمود ، والسيد علي. فهاجروا الى بلاد إيران ليوجهوا الناس الى الله تعالى ويعلموهم أحكام الدين ويسلكوا بهم سبيل أهل البيت الطاهرينعليه‌السلام فأما السيد أحمد أقام في منطقة (قصر ابن هبيرة) وبقي فيها مع أولاده وخدموا الدين والمجتمع.

وأمّا السيّدان محمد وعلي ، فقد توجّها إلى كرمان.

__________________

(١) تذكرة الخواص ، الباب السابع : في وفاته ، ص ١٦٣.

٧٠

أمّا السيّد علي فسكن مدينة سيرجان وهي تبعد عن كرمان أكثر من مائة كيلومتر ، واشتغل هو وأولاده وأحفاده بتبليغ الدين وإرشاد المسلمين وأمّا السيّد محمد ـ الملقّب بالحائري ـ فقد وصل كرمان وبقي فيها ، وخلّف ثلاثة أولاد ، وهم : أبو علي الحسن ، ومحمد حسين الشيتي ، وأحمد.

أمّا محمد حسين وأحمد ، فقد رجعا إلى كربلاء وسكنا في جوار جدّهم الحسين الشهيدعليه‌السلام ، حتّى توفّيا ، وتوجد إلى يومنا هذا في العراق ، قبائل كبيرة من السادة الشرفاء ينتمون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريقهما ، مثل : آل شيته ، وآل فخّار وهم من نسل السيّد محمد الشيتي.

أمّا آل نصر الله وآل طعمه ، فهم من نسل السيّد أحمد ، وهم اليوم سدنة الروضة الحسينية المقدّسة في كربلاء.

وأمّا السيد أبو علي الحسن ، فقد هاجر مع أولاده من كرمان إلى شيراز وكان سكّانها آنذاك من العامّة ، بل كثير منهم كانوا يبغضون آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل المدينة مع أهله وأولاده بأزياء عربية وأقاموا بالقرب من الخندق المحيط بالبلد فأقاموا بيوتا عربية وسكنوا فيها.

واتّصلوا بالشيعة الساكنين في محلة (سردزك) وهم قليلون مستضعفون يعيشون في تقيّة. فبدأ السيّد أبو علي وأولاده بنشر تعاليم آبائهم الطيّبين وتبليغ مذهبهم الحقّ ، في خفاء وحذر.

وبعد وفاة السيّد أبي علي قام ابنه الأكبر السيّد أحمد أبو الطيّب بالتبليغ ونشر عقائد الشيعة وتعاليمهم ، واهتمّ بذلك اهتماما بالغا ، حتّى أنّ كثيرا من أهل شيراز اتّبعوه وتشيّعوا ، وأخذ عددهم يزداد يوما بعد يوم ، فلمّا رأى السيّد أبو الطيّب إقبال الناس عليه ، أعلن نسبه

٧١

ومذهبه ، فازداد إقبال الناس عليهم والتفافهم حول السادة الكرام ، فنصبوا منبر الإرشاد الإسلامي والتوجيه الديني في شيراز باسم السادة المجابية ، وهم المنسوبون إلى السيّد إبراهيم المجاب ، والسادة العابدية وهم المنسوبون إلى إخوان السيّد المجاب ، فإنّ أباهم جميعا هو السيّد محمد العابد.

فتحرّك الخطباء والمبلّغون من هؤلاء السادة وسافروا إلى انحاء ايران لينشروا عقائد العترة الهادية وتعاليمهم باسم ـ المذهب الشيعي ـ فانتشر المذهب الحقّ في أكثر البلاد الايرانية ، حتّى قامت دولة آل بويه وهم شيعة ، وجاء بعدهم غازان خان محمود ، والسلطان محمد خدابنده ، وهم من المغول ولكن تشيّعا وخدما مذهب الشيعة وأتباعه ، ثمّ قامت الدولة الصفوية وكان عصرهم أفضل العصور للشيعة في إيران ، إذ أعلنوا التشيّع هو المذهب الرسمي في إيران ، ولا يزال كذلك.

هجرتنا إلى طهران

في أواخر أيّام الملك فتح علي القاجاري ، تشرّف جدّنا السيّد حسن الواعظ الشيرازي ـ طاب ثراه ـ بزيارة مرقد الإمام الرضا عليّ بن موسىعليه‌السلام ، وعند رجوعه من خراسان وصل طهران العاصمة فاستقبله أهلها والعلماء ، وتوافدوا إلى منزله يزورونه ويرحّبون بقدومه ، وجاء وفد من قبل جلالة الملك وبلّغوه تحيّة جلالته ورغبته في أن يجعل السيّد محلّ إقامته في العاصمة ، فلبّى جدّنا دعوة الملك وأجابه بالقبول.

٧٢

وكانت المساجد آنذاك في طهران ، تختص بصلوات الجماعة وبيان المسائل الشرعية ، ولم تنعقد فيها مجالس الخطابة ـ المتداولة في زماننا ـ وكانت التكايا والحسينيات تختصّ بعرض التمثيليات عن وقائع عاشوراء الدامية وإقامة العزاء والشعائر الحسينية.

وكانت «تكية الدولة» من أهمّ التكايا والحسينيات ، فطلب جدّنا من الملك أن ينصب منبرا للخطابة والتبليغ والإرشاد ـ على النحو المتعارف في زماننا ـ في كلّ حسينية وتكية.

فأيّد الملك ذلك وبدأ بتكية الدولة ، ودعا فضيلته ليخطب ويفيد الناس فصعد جدّنا المنبر في تكية الدولة فوعظ وبلّغ وأرشد الناس إلى حقائق الدين وتعاليم المذهب ، وبعد ذلك رثى سيّد الشهداء الحسينعليه‌السلام وأبكى الحاضرين.

فاستقبل الناس طريقته بحضورهم المتكاثف ، واستمر مجلسه ليالي كثيرة في ذلك المكان ، وبعده دعي إلى تكية اخرى ، وهكذا كان جدّنا مؤسّس مجالس الوعظ والخطابة ، وأوّل من وضع منبر التوجيه الديني والإرشاد المذهبي في طهران.

ثمّ لمّا رأى جدّنا السيّد حسن الواعظ ، استقبال الناس لمجالسه وحديثه ، أرسل كتابا إلى والده السيّد إسماعيل ، أحد مجتهدي شيراز ، وطلب منه أن يبعث بعض أولاده إلى طهران ، وكان له أربعون ولدا ، فانتخب منهم :

١ ـ السيّد رضا ، وكان فقيها مجتهدا ٢ ـ السيّد جعفر ٣ ـ السيّد عباس ٤ ـ السيّد جواد ٥ ـ السيّد مهدي ٦ ـ السيّد مسلم ٧ ـ السيّد كاظم ٨ ـ السيّد فتح الله.

٧٣

وأمرهم أن يهاجروا إلى طهران ليعينوا أخاهم السيّد حسن في إدارة مجالس الوعظ والإرشاد ، ويطيعوه لأنّه كان أكبرهم وأفضلهم.

فأقام هؤلاء السادة في طهران واشتهروا فيها وفي المدن المجاورة لها ، بحسن أخلاقهم وإيمانهم وبعذوبة بيانهم وحلاوة كلامهم.

فطلب أهالي قزوين من السيد حسن أن يبعث إليهم بعض إخوته ، ليقيموا هناك ليرشدوهم ويعلموهم الدين.

فبعث إليهم السيّد مهدي والسيّد مسلم والسيّد كاظم ، فسكنوا قزوين وقاموا فيها بأمر التبليغ والتوجيه الديني ، وخلّفوا أولادا يعرفون بالسادة المجابية ، وعددهم اليوم كثير في قزوين.

وأمّا السيّد حسن مع بقيّة إخوانه فقد سكنوا طهران وعقدوا فيها مجالس كثيرة للتوجيه والإرشاد ، فخدموا الدين وأهله خدمة جليلة عن طريق المحراب والمنبر.

وبعد أن توفّي جدّنا السيّد حسن ـقدس‌سره ـ سنة ١٢٩١ ه‍ ، تعيّنت نقابة السادة المجابية والعابدية في ولده الأكبر ، السيّد قاسم ، بحر العلوم ، وهو والد والدي ، وكان عدد رجال هذا البيت الشريف يبلغ ألفا آنذاك ، وكانت مؤهّلات وشرائط الرئاسة مجتمعة في السيّد قاسم ، من الزهد والورع والعلم والحلم وحسن الخلق ، فكان يحوي العلوم العقلية والنقلية ، وعلم الأصول والفروع ، واشتهر في زمانه بالعلم وحسن التدبير والإدارة.

وتوفّي في سنة ١٣٠٨ ه‍ ونقل جثمانه إلى العراق وشيّع في مدينة كربلاء المقدّسة بكلّ عزّ واحترام ، ودفن عند مرقد جدّه الإمام الشهيد الحسين بن عليعليه‌السلام ، بجنب قبر والده السيّد حسن الواعظ ـ طاب ثراه ـ.

٧٤

وبعده انتقلت نقابة السادة العابدية والمجابية ، إلى والدي ، وهو اليوم من حماة الشيعة وأنصار الشريعة ، وحيد عصره ، وفريد دهره ، السيّد علي أكبر ، دامت بركاته.

وقد نال من الملك ناصر الدين شاه القاجاري ، لقب «أشرف الواعظين» ويبلغ عمره اليوم ثمانين سنة ، صرف جلّه في خدمة الدين وإثبات أصوله ونشر فروعه ، وقد قام بتوجيه الغافلين وإرشاد الجاهلين ، وخاصة في الآونة الأخيرة ، إذ مرّت بالأمّة عواصف إلحادية وحوادث خطيرة جاءت من قبل الأجانب المستعمرين وأعداء الإسلام والمسلمين ، فجرفت الكثير من العوامّ والجاهلين ، فنهض والدي وأمثاله من العلماء الكرام ، ووقفوا في وجوه الأعداء اللئام ، حتّى كشفوا عن الحقّ اللثام ، وشقّوا أمواج الفتن والظلام ، بنور العلم وضوء الكلام.

فدحضوا الباطل ، وأنقذوا العوامّ من الشكوك والأوهام ، فقدّر مواقف والدي وخدماته ، علماء عصره ومراجع الدين في زمانه ، أمثال :

١ ـ آية الله العظمى ، مجدّد مذهب سيّد البشر في القرن الثالث عشر ، السيّد ميرزا محمد حسن الشيرازي ـ طاب ثراه ـ.

٢ ـ آية الله العظمى ميرزا حبيب الله الرشتي.

٣ ـ الآية العظمى الشيخ زين العابدين المازندراني.

٤ ـ آية الله ميرزا حسين بن ميرزا خليل الطهراني.

٥ ـ المجتهد الأكبر آية الله السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي.

٦ ـ آية الله العظمى الشيخ فتح الله ، شيخ الشريعة الأصفهاني.

٧٥

٧ ـ آية الله العظمى السيّد إسماعيل الصدر.

٨ ـ آية الله العظمى الميرزا محمد تقي الشيرازي ، قائد ثورة العشرين ضدّ الاحتلال البريطاني للعراق.

فهؤلاء المجتهدون الكرام والعلماء الأعلام ـ قدّس الله أسرارهم ـ كانوا يحترمون والدي كثيرا ويحبّونه ويكرمونه غاية الإكرام والاحترام.

وأمّا في هذا الزمان ، فإنّ زعيم الشيعة سيّد الفقهاء والمجتهدين ، وحيد دهره ، ونابغة عصره ، سماحة السيّد أبو الحسن الأصفهاني متّع الله المسلمين بطول بقائه ، وهو الآن في النجف الأشرف يرفع لواء الدين وراية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويهتمّ بنشر علوم سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ أقطار العالم ، وقد دخل بواسطته جماعات كثيرة من أصحاب الملل والنحل في الإسلام واعتنقوا مذهب التشيّع.

وفي إيران ، زعيمنا آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري مدّ ظله العالي ، مؤسّس الحوزة العلمية في قمّ المقدّسة ، وهو ملاذ الشيعة ، وحامي الشريعة في إيران.

وإنّ هذين العالمين الكبيرين يحترمان والدي ويكرمانه كثيرا ، ويقدّران جهوده الجبّارة في سبيل إحياء الدين وردّ شبهات المضلّين.

وإنّ سماحة الشيخ الحائري يخاطب والدي ب «سيف الإسلام» لأنّ بيانه وكلامه مفعم بالأدلّة العقلية القاطعة ، والبراهين الساطعة ، فلسانه في الدفاع عن الدين الحنيف ، والذبّ عن مذهب التشيع الشريف ، أكثر أثرا من السيف.

واليوم بنو أعمامي ورجال شجرتنا المباركة موجودون في أكثر

٧٦

مدن إيران ، وبالأخصّ في طهران ونواحيها ، وشيراز وحواليها ، وقزوين وضواحيها ، وهم يعرفون بالسادة العابدية والمجابية والشيرازية ، ولم يزالوا يخدمون الدين وأهله ، بسلوكهم النزيه ، وبالإرشاد والتوجيه.

هذا ملخّص تاريخ هذه السلالة الكريمة ، في جواب سؤالكم : لما ذا هاجرنا إلى إيران؟ وقد تبيّن لكم من خلال الجواب أنّ هدف المهاجرين الأوّلين من هذه السلالة ، زيارة الإمام عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام ولمّا منعتهم السلطات ، قاموا يفضحون أعمال الحكّام والولاة ، ويعلنون جور الخلفاء الجفاة ، وينشرون الوعي بين الأمّة ، ويوجّهون الناس إلى الحقائق الدينية والأحكام الإلهية التي طالما سعى الخلفاء وأعوانهم في تغييرها. فكانوا كما قال تعالى :( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً ) (١) .

لمّا تلونا هذه الآية الكريمة ، نظر السيّد عبد الحيّ إلى ساعته فقال : لقد مضى كثير من الليل ، فلو تسمحون أن نؤجّل الكلام إلى الليلة الآتية ، فنأتيكم إن شاء الله تعالى من أوّل الليل ونواصل الحديث.

فابتسمت وأبديت موافقتي ، فانصرفوا وشيّعتهم إلى باب الدار.

__________________

(١) سورة الاحزاب ، الآية ٣٩.

٧٧
٧٨

المجلس الثاني

ليلة السبت ٢٤ / رجب / ١٢٤٥ ه

بعد ما انتهيت من صلاة العشاء ، حضر أصحاب البحث والحوار وكانوا أكثر عددا من الليلة الماضية ، فاستقبلتهم ورحّبت بهم ، وبعد أن استقرّوا في أماكنهم وشربوا الشاي ، افتتح الحافظ كلامه قائلا :

أقول حقيقة لا تملّقا : لقد استفدنا في الليلة السابقة من بيانكم الشيّق وكلامكم العذب ، وبعد ما انصرفنا من هنا كنّا نتحدّث في الطريق عن شخصيّتكم وأخلاقكم ، وعن علمكم الغزير واطّلاعكم الكثير ، وقد انجذبنا لصورتك الجميلة وسيرتك النبيلة ، وهما قلّ أن يجتمعا في شخص واحد ، فأشهد أنّك ابن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) حقّا.

وإنّي راجعت المكتبة في هذا اليوم ، وتصفّحت بعض كتب الأنساب حول بني هاشم والسادة الشرفاء ، فوجدت كلامكم في الليلة الماضية حول نسبكم الشريف مطابقا لما في تلك الكتب ، واغتبطت بهذا النسب العالي لسماحتكم.

٧٩

ولكن استغربت وتعجّبت من شيء واحد ، وهو : أنّ شخصا شريفا صحيح النسب كجنابكم مع حسن الصورة والسيرة ، كيف تأثّرتم بالعادات الواهية والعقائد العاميّة ، وتركتم طريقة أجدادكم الكرام واتّبعتم سياسة الإيرانيّين المجوس ، وتمسّكتم بمذهبهم وتقاليدهم؟!

قلت :

أوّلا : أشكرك على أوّل كلامك حول نسبي وحسن ظنّك بي.

ولكنّك : اضطربت بعد ذلك في الكلام ، وخلطت الحلال بالحرام ، سردت جملا مبهمة ما عرفت قصدك منها والمرام ، وإنّ كلامك هذا عندي أقاويل وأوهام.

فالرجاء وضّح لي مرادك من : «العادات الواهية والعقائد العاميّة».

وما المقصود من : «طريقة أجدادي الكرام»؟!

وما هي : «سياسة الإيرانيّين التي اتّبعتها»؟!

وما المراد من : «مذهبهم وتقاليدهم التي تمسّكت بها»؟!

الحافظ : أقصد بالعادات الواهية والعقائد العاميّة : البدع المضلّة والتقاليد المخلّة ، التي أدخلها اليهود في الإسلام.

قلت : هل يمكن أن توضّح لي أكثر حتّى أعرف ما هذه البدع التي تأثّرت أنا بها؟!

الحافظ : إنّك تعلم جيّدا والتاريخ يشهد ، أنّ بعد موت كلّ نبيّ صاحب كتاب ، اجتمع أعداؤه وحرّفوا كتابه ، مثل : التوراة والإنجيل فحذفوا وزادوا ، وغيّروا وبدلوا ، حتّى سقط دينهم وكتابهم عن الاعتبار.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205