ليالي بيشاور

ليالي بيشاور3%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241892 / تحميل: 4160
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

خلّف علياعليه‌السلام ليدير أمور المدينة المنوّرة ، دينيا وسياسيا واجتماعيا ، وقال له : «أنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

وكان عليعليه‌السلام نعم الخلف ، وخير مدير ، وأفضل أمير.

ومنها : تبليغ آيات من سورة براءة لأهل مكّة حين كانوا مشركين ، فقد عيّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر لهذه المهمّة وأرسله إلى مكّة وقطع مسافة نحوها ، ولكنّ الله عزّ وجلّ أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعزل أبا بكر ويعيّن عليّاعليه‌السلام لتبليغ الرسالة ، ففعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأرسل عليّاعليه‌السلام فأخذ الرسالة من أبي بكر ، فرجع إلى المدينة وذهب عليّعليه‌السلام إلى مكّة فوقف في الملأ العامّ من قريش ورفع صوته بتلاوة الآيات من سورة براءة وأدّى تبليغ الرسالة ، ونفّذ الأمر ، ورجع إلى المدينة(١) .

ومنها : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه إلى اليمن ليهدي أهلها إلى الاسلام ،

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرحه ١٢ / ٤٦ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

وروى الزبير بن بكّار في كتاب «الموفّقيات» عن عبد الله بن عبّاس ، قال : إنّي لأماشي عمر بن الخطّاب في سكّة من سكك المدينة ، إذ قال لي : يا ابن عبّاس! ما أرى صاحبك إلاّ مظلوما!

فقلت في نفسي : والله لا يسبقني بها ، فقلت : يا أمير المؤمنين! فاردد إليه ظلامته.

فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعة ، ثمّ وقف فلحقته ، فقال : يا ابن عبّاس! ما أظنّهم منعهم عنه إلاّ أنّه استصغره قومه!

فقلت في نفسي : هذه شرّ من الأولى! فقلت : والله ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك!

فأعرض عنّي وأسرع ، فرجعت عنه.

اقول : وروي في الرياض النضرة ٢ / ١٧٣. «المترجم»

٥٤١

ويبلّغهم الدين ، ويقضي بين المتخاصمين ، وقد أدّى هذا الأمر على أحسن وجه.

وأمثال هذه الأخبار كثيرة ، لا يسعنا المجال لذكرها ، ولكن ذكرنا نماذج منها لتفنيد دليلكم وإبطال قولكم ، ولكي يعرف الحاضرون أنّ كبر السنّ والشيخوخة غير ملحوظة في انتخاب خليفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّما الملحوظ كمال عقله وإيمانه ، واتّصافه بالصفات الحميدة والفضائل المجيدة ، التي تجعله مشابها ومماثلا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء أكان خليفته شيخا أم شابّا.

عليّعليه‌السلام فاروق بين الحقّ والباطل

ودليلنا الآخر على بطلان خلافة أبي بكر أنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام رفض البيعة له وخالف ولايته.

والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصف عليّاعليه‌السلام بأنّه الفاروق بين الحقّ والباطل.

فخلافة أبي بكر التي خالفها عليّعليه‌السلام باطلة لا محالة.

الحافظ : إنّ عمر بن الخطّاب هو الفاروق الأعظم ، وهو أوّل من بايع أبا بكر وسعى في تحكيم خلافته.

قلت : الناس لقّبوا عمر بالفاروق ، في قبال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لقّب عليّاعليه‌السلام به ، وزادوا «الأعظم» في لقب عمر ليؤكّدوه فيه.

الحافظ : وهل لكم دليل على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقّب عليّا كرم الله وجهه بالفاروق.

قلت : وهل نقلت إلى الآن خبرا في فضل الإمام عليّعليه‌السلام بغير دليل من كتبكم ومسانيدكم المعتبرة عندكم؟! وهذا الموضوع أيضا سنده

٥٤٢

ودليله في كتبكم المعتبرة ومسانيدكم الموثّقة.

لقد نقل الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه «ينابيع المودة» باب ٥٦ : روى من كتاب «السبعين في فضائل أمير المؤمنين» حديث رقم ١٢ ، عن أبي ذرّ الغفاريرضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ستكون من بعدي فتنة ، فإن كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل».

قال : رواه صاحب الفردوس.

وخرّجه أيضا العلاّمة المير السيّد علي الهمداني في كتابه «مودّة القربى» المودة السادسة ، عن أبي ليلى الغفاري ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ستكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّا ، فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل».

وروى العلاّمة الكنجي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» الباب الرابع والأربعين : بإسناده عن أبي ليلى الغفاري ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ستكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ، إنّه أوّل من يراني ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو معي في السماء العليا ، وهو الفاروق بين الحقّ والباطل».

قال الكنجي : هذا حديث حسن عال ، رواه الحافظ في أماليه.

وروى أيضا في الباب بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : ستكون فتنة ، فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله تعالى وعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : «هذا أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني ، وهو فاروق هذه الأمّة ، يفرق بين الحقّ والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو

٥٤٣

الصدّيق الأكبر ، وهو بابي الذي أؤتى منه ، وهو خليفتي من بعدي».

قال الكنجي : هكذا أخرجه محدّث الشام في فضائل عليّعليه‌السلام في الجزء التاسع والأربعين بعد الثلاث مائة من كتابه بطرق شتّى.

وأخرج شيخ الإسلام الحمويني بسنده عن علقمة بن قيس والأسود بن بريدة.

وأخرجه عنهما المير السيّد علي الهمداني في آخر المودّة الخامسة من كتاب «مودّة القربى» باختلاف يسير في أوّله ، ونحن ننقل عنه

قالا : أتينا أبا أيّوب الأنصاري ، قلنا : يا أبا أيّوب! إنّ الله تعالى أكرمك بنبيّك إذ أوحى إلى راحلته تبرك إلى بابك ، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صنع لك فضيلة فضّلك بها.

أخبرنا بمخرجك مع عليّعليه‌السلام تقاتل أهل لا إله إلاّ الله!

فقال أبو أيّوب : فإنّي أقسم لكما بالله تعالى لقد كان والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معي في هذا البيت الذي أنتما فيه معي ، وما في البيت غير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ جالس عن يمينه ، وأنس قائم بين يديه ، إذ حرّك الباب ، [«فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انظر إلى الباب من بالباب؟

فقال : يا رسول الله! هذا عمّار.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : افتح لعمّار الطيّب المطيّب.

ففتح أنس الباب ، فدخل عمّار على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمّار ستكون في أمّتي هنات حتّى يختلف السيف فيما بينهم حتّى يقتل بعضهم بعضا ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني ـ يعني علي بن أبي طالب ـ إن سلك الناس كلّهم واديا وسلك علي واديا ، فاسلك وادي عليّ وخلّ عن الناس.

٥٤٤

يا عمّار! عليّ لا يردّك عن هدى ، ولا يدلّك على ردى.

يا عمّار! طاعة عليّ طاعتي ، وطاعتي طاعة الله»].

أقول : فكانت الفتنة التي أشار إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصرّح بها وأفصح عنها ، وهي اختلاف أصحابه بعده في أمر الخلافة ، وقد بيّنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما عليه ، من إرشاد أمّته إلى الصراط المستقيم والطريق القويم ، بأن يستضيئوا بنور وصيّه وابن عمّه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ويتّبعوه ويأخذوا جانبه ، فإنّ الحقّ معه ، وكان عليّعليه‌السلام يخالف بيعة أبي بكر ويرفضها لأنّها باطلة.

ونحن نعتقد أنّ السقيفة وخليفتها ما هي إلاّ مؤامرة نفر من قريش ، أشهرهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح ، وإذا لم تكن مؤامرة مدبّرة بين هؤلاء كان عليهم أن يخبروا الصحابة الآخرين وخاصّة الإمام عليّا والعبّاس ، وكان عليهم أن يشاوروهم ويأخذوا رأيهم. فكان يتعيّن حينئذ خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أساس الإجماع.

الحافظ : ما كانت هناك مؤامرة ، وإنّما الأوضاع الرّاهنة كانت خطيرة للغاية ، بحيث رأوا التعجيل في تعيين الخليفة أمرا ضروريا لا يجوز تأخيره ، وذلك في مصلحة الإسلام والمسلمين حفظا للدين.

قلت : هل إنّ الثلاثة الّذين سبقوا بني هاشم وغيرهم من ذوي البصيرة والرأي ، وحضروا السقيفة ، هل كان إحساسهم في حفظ الدين أكثر من العبّاس ومن عليّ بن أبي طالب ، مع سوابقه المشرقة في الجهاد والتضحية والذبّ عن الإسلام ونبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!!

فإذا لم يكونوا متآمرين في سبيل نيل الخلافة ، وما كانوا طامعين

٥٤٥

فيها ، لكان على اثنين منهم أن يبقيا في السّقيفة ويناقشا الأنصار ويهدّئا الوضع ، ويخرج الثالث إلى الصحابة وبني هاشم الّذين كانوا في بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخبرهم باجتماع السقيفة ، فكانوا سيشاركونهم فيها ويبدون رأيهم ، ولحلّ الوفاق محل الاختلاف.

وصدّقوني أيّها الإخوة ، إنّ كل ما نجده اليوم من افتراق المسلمين واختلافهم الذي انتهى إلى ضعفهم وكسر شوكتهم ، وما حدثت من نزاعات داخلية بين المسلمين ، والحروب الدامية والوقائع المخزية التي نشبت بينهم في الماضي والحاضر ، كلّها حصيلة يوم السقيفة ومؤامرة أولئك النفر وتعجيلهم في تعيين الخليفة.

النوّاب : سيدنا الجليل! ما هو السبب في تعجيل القوم؟! وما الذي حداهم إلى عدم إخبار بني هاشم والصحابة الذين كانوا مجتمعين في بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

قلت : نحن على يقين أنهم كانوا يعلمون ، لو لم يعجّلوا في تعيين أحدهم بالخلافة ، ولو صبروا حتّى يحضر بنو هاشم وكبار الصحابة فيشاورونهم في تعيين خليفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسمع الحاضرون احتجاجهم ما عدلوا عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كما أنّ بشير بن سعد الأنصاري ، وهو أول من بايع أبا بكر من الأنصار ، لمّا سمع كلام الإمام عليّعليه‌السلام وهو يحتجّ على أبي بكر ، قال : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر ، ما اختلفت عليك!(١) .

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ١٣ ط مطبعة الأمّة بمصر.

وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٦ / ٢١ عن الزبير بن بكّار ، قال : وكان

٥٤٦

وحتّى عمر بن الخطّاب لم يكن موقنا بنجاح المؤامرة ، وأنّ الخليفة الذي سينصبه هو(١) ويبادر إلى بيعته ، سيصبح حاكما متمكّنا ،

__________________

عامّة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أنّ عليا هو صاحب الأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ونقل ابن أبي الحديد في شرحه ٦ / ١٩ عن الزبير بن بكّار ، جواب زيد بن أرقم ، في ردّ عبد الرحمن بن عوف في أوّل يوم من بيعة أبي بكر ، إذ قال : يا معشر الأنصار ليس فيكم مثل أبي بكر ولا عمر ولا عليّ ولا أبي عبيدة! فقال زيد كلاما طويلا ، آخره : وإنّا لنعلم أنّ ممّن سمّيت من قريش ، من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد ؛ علي بن أبي طالب.

ويقول الأستاذ عبد الفتّاح عبد المقصود في كتابه «السقيفة والخلافة» صفحة ١٦٠ : فالراجح الذي يقارب اليقين أنّ أغلب المهاجرين ، ثمّ أكثر الكثيرين من رفاق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على طريق الإيمان منذ بدء الدعوة الهادية ، كانوا بعيدين عن مجال هذا الصراع السياسي بين فريقي المتنازعين يومئذ على السلطان ، بعضهم نفورا منه وبعضهم غفلة عنه ، وعامّتهم اطمئنانا يقينيّا إلى أنّ خلافة صاحب الرسالة باقية في بيته لا محالة ، إذ كانوا لا يشكّون لحظة واحدة في أنّ الولاية على المسلمين مفضية حتما من بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّ بن أبي طالب ، بحقّ قدره وفضله ، وليس فقط بحقّ صهره وقرباه ، فهو من علم الناس موئل علمه ، ولجأ أمره ، وموضع سرّه ، ونجي قلبه ولصيق لبّه ، وأولاهم كافّة ـ أمّة وآلا ـ بإمرة المؤمنين بلا مجادلة ولا نزاع.

«المترجم»

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١ / ١٧٤ ط دار إحياء التراث :

وعمر هو الذي شدّ بيعة أبي بكر ووقم ـ أذلّ ـ المخالفين فيها ، فكسر سيف الزبير لمّا جرّده ودفع في صدر المقداد ، ووطئ في السقيفة سعد بن عبادة وقال : اقتلوا سعدا ، قتل الله سعدا ، وحطّم أنف الحبّاب بن المنذر ، الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكّك ، وعذيقها المرجّب.

٥٤٧

فلذلك كان يقول : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه(١) .

ردّ الدليل الثالث

وأمّا دليلكم الثالث ، وهو قول عمر بن الخطّاب بأن النبوّة والحكم لا تجتمعان في أهل بيت واحد ، فبطلانه وزيفه واضح ، بدليل قوله تعالى :( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ) (٢) .

__________________

وتوعّد من لجأ إلى دار فاطمة عليها‌السلام من الهاشميّين وأخرجهم منها. ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ولا قامت له قائمة.

انتهى كلام ابن أبي الحديد.

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٦ : فأمّا حديث الفلتة ، فقد كان سبق من عمر أن قال : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه!

ثمّ نقل معنى «الفلتة» في صفحة ٣٦ و ٣٧ فقال : ذكر صاحب «الصحاح» أنّ الفلتة ، الأمر الذي يعمل فجأة من غير تردّد ولا تدبّر ؛ وهكذا كانت بيعة أبي بكر ؛ لأنّ الأمر لم يكن فيها شورى بين المسلمين ، وإنّما وقعت بغتة لم تمحّص فيها الآراء ، ولم يتناظر فيها الرجال ، وكانت كالشيء المستلب المنتهب.

أقول : لقد عبّر أبو بكر عن بيعته أنّها كانت «فلتة» قبل عمر ، كما روى ذلك ابن أبي الحديد في شرحه ٦ / ٤٧ عن عمر بن شبّة ثمّ قام أبو بكر ، فخطب الناس ، فاعتذر إليهم ، وقال : إنّ بيعتي كانت «فلتة» وقى الله شرّها

ولا يخفى أن قول عمر بأن تلك البيعة كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، قد نقله البخاري في صحيحه : ج ٤ ص ١٢٧. «المترجم»

(٢) سورة النساء ، الآية ٥٤.

٥٤٨

فالكلام إن كان ينسب إلى عمر فهو دليل على عدم إحاطته بالآيات القرآنية ومفاهيمها!

وإن كان عمر يرويه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو حديث مجعول ، لأنه مخالف لكتاب الله الحكيم.

ثمّ نحن نعتقد بأنّ الخلافة تالية للنبوة ولازمة لها ، فلا يطلق عليها اسم الحكومة والسلطنة ، لأنّ سلطة الخليفة لا تكون كسلطة الملوك وحكومتهم.

ثمّ إنّ خلافة النبوّة عندنا كخلافة هارون لأخيه موسى بن عمران حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه :( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) (١) .

فإن يكن عندكم ، أنّه يحقّ للمسلم أن ينفي خلافة هارون لموسى ، فإنّه يحقّ له أيضا عزل عليّعليه‌السلام من خلافة خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فكما إنّ النبوّة والخلافة اجتمعتا في أهل بيت عمران والد موسى وهارون ، كما ينصّ القرآن فيه ، كذلك اجتمعتا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّعليه‌السلام في بيت عبد المطّلب ، بالنصوص الكثيرة ، منها : حديث المنزلة ، وقد ذكرنا مصادره وتكلّمنا حوله في الليالي الماضية.

ثمّ إنّ عمر بن الخطّاب لمّا جعل عليّاعليه‌السلام أحد الستّة الّذين عيّنهم في شورى الخلافة من بعده ، قد ناقض حديثه بعلمه ، وإضافة إلى تناقض عمر ، تناقض اعتقادكم لهذا الحديث ، إذ إنّكم إن تعتقدون بصحّة كلام عمر في هذا المجال ، فكيف تعتقدون بخلافة عليّعليه‌السلام في

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٤٢.

٥٤٩

الدور الرابع؟!! وهذا تناقض بيّن(١) .

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٢ / ٥٢ ـ ٥٤ ط دار إحياء التراث العربي :

قال : وروى عبد الله بن عمر ، قال : كنت عند أبي يوما وعنده نفر من الناس ـ إلى أن قال : ـ فقال [أي أبوه عمر] : يا ابن عبّاس! أتدري ما منع الناس منكم؟!

قال : لا يا أمير المؤمنين.

قال : لكنّي أدري.

قال : ما هو يا أمير المؤمنين؟

قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة والخلافة ، فتجخفوا جخفا ، فنظرت قريش لنفسها فاختارت ، ووفّقت فأصابت.

فقال ابن عبّاس : أيميط أمير المؤمنين عنّي غضبه فيسمع؟!

قال : قل ما تشاء.

قال : أمّا قول أمير المؤمنين : «إنّ قريشا كرهت» فإنّ الله تعالى قال لقوم : ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ ) سورة الأحزاب : ١٩.

وأمّا قولك : «إنّا كنّا نجخف» فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة ، ولكنّا قوم أخلاقنا مشتقّة من خلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي قال الله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) سورة القلم : ٤.

وقال له : ( وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) سورة الشعراء : ٢١٥.

وأمّا قولك : فإنّ قريشا اختارت ، فإنّ الله تعالى يقول : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) سورة القصص : ٦٨. وقد علمت يا أمير المؤمنين أنّ الله اختار من خلقه لذلك من اختار ، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفّقت وأصابت قريش.

فقال عمر : على رسلك يا ابن عبّاس ، أبت قلوبكم يا بني هاشم إلاّ غشّا في أمر قريش لا يزول ، وحقدا عليها لا يحول.

فقال ابن عبّاس : مهلا يا أمير المؤمنين : لا تنسب هاشما إلى الغشّ ، فإنّ قلوبهم من قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي طهّره الله وزكّاه ، وهم أهل البيت الّذين قال الله

٥٥٠

الشيخ عبد السّلام : إنّ الكلام والنقاش حول هذا الموضوع لا يزيد المسلمين إلاّ افتراقا وابتعادا ، لذلك نقول : كيفما كان الأمر فنحن ما كنّا في ذلك اليوم ، وما حضرنا السقيفة حتى نلمس الأمر ونتحسّس الأحداث ، فنجد اليوم أنفسنا أمام أمر واقع ، وقد حصل عليه الإجماع ولو تدريجا ، فلا يجوز لنا أن نخالفه ، بل يجب على كلّ مسلم أن يخضع له ويستسلم للأمر الواقع.

قلت : أمّا نحن فنقول : لا يجوز لأحد من المسلمين أن يعتقد بشيء من غير دليل شرعي ، ويجب على كلّ مسلم أن يتّبع الحقّ لا أنّه يستسلم للأمر الواقع ، فكم من ضلال وباطل قائم في الدنيا ، فهل

__________________

تعالى لهم :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) سورة الأحزاب : ٣٣.

وأمّا قولك : «حقدا» فكيف لا يحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره؟!

فقال عمر : أمّا أنت يا ابن عبّاس ، فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك عندي.

قال : وما هو يا أمير المؤمنين؟! أخبرني به ، فإن يك باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه ، وإن يك حقّا فإنّ منزلتي عندك لا تزول به.

قال : بلغني أنّك لا تزال تقول : أخذ هذا الأمر منكم حسدا وظلما.

قال : أمّا قولك يا أمير المؤمنين : «حسدا» فقد حسد إبليس آدم ، فأخرجه من الجنة ، فنحن بنو آدم المحسود.

وأمّا قولك : «ظلما» فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحقّ من هو! ثمّ قال : يا أمير المؤمنين! ألم تحتجّ العرب على العجم بحقّ رسول الله واحتجّت قريش على سائر العرب بحقّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنحن أحقّ برسول الله من سائر قريش. «المترجم»

٥٥١

يجوز لمسلم أن يتّبعه ويتقبّله ، ثمّ يقول : إنّه أمر واقع وليس لنا إلاّ أن نستسلم للأمر الواقع؟!

فالإسلام دين تحقيق لا دين تقليد.

قال سبحانه وتعالى :( فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (١) .

فهل قول عمر أحسن أم قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

فهل يجوز لمسلم أن يترك هذه النصوص الجليّة ، والأحاديث النبويّة المروية عن طرقكم ، والمذكورة في كتبكم المعتبرة عندكم في شأن الإمام عليعليه‌السلام ، وأنّ الحقّ بجانبه وهو مع الحقّ متلازمان لا يفترقان ، ثمّ يتمسّك بقول عمر بن الخطّاب فيعتقد بخلافة أبي بكر ، مع العلم بأنّ عليّاعليه‌السلام أعلن بطلانها ، وهو علم الهدى والكمال ، والفاروق ، بين الحقّ والضلال ، فلذلك تبعه بنو هاشم وكثير من الصحابة ، فأبوا أن يبايعوا لأبي بكر.

[علا صوت المؤذّن لصلاة العشاء ، فقطعنا الحديث ، وبعد الفراغ من صلاة العشاء وبعد تناول الشاي]

افتتح الحافظ الكلام قائلا : لقد كرّرتم الكلام بأنّ عليّا كرم الله وجهه وبني هاشم وكثير من الصحابة رضي الله عنهم ، لم يرضوا بخلافة أبي بكر ولم يبايعوه ، ونحن نرى التواريخ كلّها اتّفقت على أنّ سيّدنا عليّا وبني هاشم وجميع أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايعوا أبا بكر.

قلت : نعم بايعوا ولكن كيف تمّت البيعة؟!

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ١٧ ـ ١٨.

٥٥٢

أما قرأتم في كتب التاريخ والحديث أنّ عليّاعليه‌السلام وبني هاشم وكثيرا من كبار الصحابة ، ما بايعوا إلاّ بعد ستّة أشهر بالتهديد والجبر ، إذ جرّدوا السيف على رأس الإمام عليّعليه‌السلام وهدّدوه بالقتل إن لم يبايع!

الحافظ : إنّي أعجب من جنابك ؛ كيف تتفوّه بهذا الكلام الذي ما هو إلاّ من أساطير جهلة الشيعة والعوامّ ، وقد أكّد غير واحد من المؤرّخين أنّ سيّدنا عليّا كرم الله وجه بايع أبا بكر في أوان خلافته طوعا ورغبة ، وأعلن موافقته لخلافة أبي بكر في خطبة خطبها من غير جبر وإكراه.

قلت : ولكنّ الخبر الذي اتّفق عليه أعلامكم من أصحاب الصحاح والمؤرّخين ، وصرّح به البخاري في صحيحه ٣ / ٣٧ باب غزوة خيبر ، ومسلم بن الحجّاج في صحيحه ٥ / ١٥٤ باب قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نورث ، ومسلم بن قتيبة في الإمامة والسياسة : ١٤ ، والمسعودي في مروج الذهب ١ / ٤١٤ ، وابن أعثم الكوفي في الفتوح ، وأبو نصر الحميدي في الجمع بين الصحيحين ، أخرجوا : أنّ عليا وبني هاشم لم يبايعوا إلاّ بعد ستّة أشهر.

وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٦ / ٤٦ عن الصحيحين ، عن الزهري ، عن عائشة فهجرته [أبا بكر] فاطمة ولم تكلّمه في ذلك حتّى ماتت ، فدفنها عليّ ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وفي الخبر : فمكثت فاطمة ستّة أشهر ثمّ توفّيت.

فقال رجل للزهري : فلم يبايعه عليّ ستّة أشهر؟!

قال : ولا أحد من بني هاشم ، حتّى بايعه عليّ.

٥٥٣

وذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ، صفحة ١٣(١) ، تحت عنوان : «كيف كانت بيعة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه» قال : وإنّ أبا بكر (رض) تفقّد قوما تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار عليّ ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرّقنها على من فيها!

فقيل له : يا أبا حفص! إنّ فيها فاطمة!

فقال : وإن

وبعد عدّة أسطر يقول : فدقّوا الباب فلمّا سمعت أصواتهم ، نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله! ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة!

فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا(٢) عليّا فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع.

فقال : إن أنا لم ابايع فمه؟!

قالوا : إذا والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك! قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله.

قال عمر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا.

وأبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك؟!

__________________

(١) من الطبعة القديمة ، وفي ص ٣٠ من الطبعة المصرية.

(٢) أيّها القارئ الكريم! إنّ ابن قتيبة في نقله يراعي جانب الشيخين ، فلا ينقل الخبر بتمامه ، فلا يقول كيف أخرجوا عليّا ، فالإخراج حصل بعد ما اقتحموا الدار وهجموا ، وكانت فاطمة خلف الباب ، فعصرت وصار ما صار ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. «المترجم»

٥٥٤

فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.

فلحق عليّ بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصيح ويبكي وينادي :( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) .

بعد ما سمعت هذا الخبر ، اعلم بأنّ كلامك كذب وزور وافتراء علينا ، لأنّك تعلم بأنّ هذه الأخبار ليست من أساطير جهلة الشيعة وعوامّهم ، بل ممّا نقلها كثير من أعلامكم وعلمائكم في كتبهم المعتبرة لديكم.

واعلم أنّ مسئوليّتكم ـ أنتم العلماء ـ خطيرة تجاه الجهلة والعوام ، لأنّهم يأخذون منكم وينقلون عنكم ، وقد قيل : إذا فسد العالم فسد العالم.

الحافظ : مقصودنا من أساطير الشيعة ، هي الأخبار الكاذبة التي وضعوها ، مثل هجوم القوم على بيت فاطمة الزهراء ، وحرق الباب ، وضربها حتّى سقط جنينها ، وأنّ عليا أخرجوه من الدار قهرا ، وأخذوا منه البيعة جبرا ، وأمثال هذه الأخبار المجعولة التي تتناقلها الشيعة في مجالسها بلوعة وحنين وحرقة الواله الحزين.

قلت : إمّا أنّ معلوماتكم التاريخية ومطالعتكم لهذه القضايا ضعيفة ، وإما تعرفون وتحرّفون!

ثمّ تبعا لأسلافكم ، تتّهمون الشيعة المظلومين بوضع الأخبار وجعل الحديث ، وأتباعكم الغافلون يصدّقونكم فيحسبون الشيعة كذلك. بينما هذه الأخبار التي تنكرها وتقول إنّها من أساطير الشيعة ، كلّها مذكورة في كتبكم ، ومنقولة من طرقكم ورجالكم.

وسأنقل بعضها ، حسب اقتضاء الوقت والمجلس ، حتّى يعرف

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٥٠.

٥٥٥

الحاضرون المنصفون ، صدق كلامي ؛ ويتبيّن لهم ، أنّك حائف ، وكلامك زائف ، ومقالك جائف.

وثائق تاريخية

لقد أشار المحدّثون والمؤرّخون إلى هذه الحوادث الأليمة في الأخبار ، وبعضهم صرّحوا وشرحوها بالتفصيل وبعضهم باختصار ، بحيث لم يبق لأحد مجال للإنكار ، وإليكم بعض الوثائق التاريخية التي تكون عندكم محلّ الوثوق والاعتبار :

١ ـ أحمد بن يحيى البغدادي ، المعروف بالبلاذري ، وهو من كبار محدّثيكم ، المتوفّى سنة ٢٧٩ ، روى في كتابه أنساب الأشراف ١ / ٥٨٦ ، عن سليمان التيمي ، وعن ابن عون : أنّ أبا بكر أرسل إلى عليّعليه‌السلام يريد البيعة ، فلم يبايع.

فجاء عمر ومعه فتيلة ـ أي شعلة نار ـ فتلقّته فاطمة على الباب.

فقالت فاطمة : يا بن الخطّاب! أتراك محرّقا عليّ بابي؟!

قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك!!

٢ ـ روى ابن خنزابة في كتابه «الغدر» عن زيد بن أسلم ، قال : كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع عليّ وأصحابه من البيعة ، فقال عمر لفاطمة : أخرجي كلّ من في البيت أو لأحرّقنّه ومن فيه!

قال : وكان في البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقالت فاطمة : أفتحرق عليّ ولدي!!

٥٥٦

فقال عمر : إي والله ، أو ليخرجنّ وليبايعنّ!!

٣ ـ ابن عبد ربّه في العقد الفريد ٢ / ٢٠٥ ط المطبعة الأزهرية ، سنة ١٣٢١ هجرية ، قال : الّذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ؛ عليّ ، والعبّاس ، والزبير ، وسعد بن عبادة.

فأمّا عليّ والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر ، عمر بن الخطّاب ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم!

فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة ، فقالت : يا ابن الخطّاب : أجئت لتحرق دارنا؟!

قال : نعم ، أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمّة!!

٤ ـ محمد بن جرير الطبري في تاريخه ٣ / ٢٠٣ وما بعدها ، قال : دعا عمر بالحطب والنار وقال : لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقنّها على من فيها.

فقالوا له : إن فيها فاطمة!

قال : وإن!!

٥ ـ ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢ / ٥٦ روى عن أبي بكر الجوهري ، فقال : قال أبو بكر : وقد روي في رواية أخرى أنّ سعد بن أبي وقّاص كان معهم في بيت فاطمةعليها‌السلام ، والمقداد بن الأسود أيضا ، وأنّهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليّاعليه‌السلام ، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت ، وخرجت فاطمةعليها‌السلام تبكي وتصيح إلى آخره.

وفي صفحة ٥٧ : قال أبو بكر : وحدّثنا عمر بن شبّة بسنده عن الشعبي ، قال : سأل أبو بكر فقال : أين الزبير؟! فقيل عند عليّ وقد

٥٥٧

تقلّد سيفه.

فقال : قم يا عمر! قم يا خالد بن الوليد! انطلقا حتّى تأتياني بهما.

فانطلقا ، فدخل عمر ، وقام خالد على باب البيت من خارج ، فقال عمر للزبير : ما هذا السيف؟!

فقال : نبايع عليّا.

فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره ، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثمّ دفعه وقال : يا خالد! دونكه فأمسكه.

ثمّ قال لعليّ : قم فبايع لأبي بكر!

فأبى أن يقوم ، فحمله ودفعه كما دفع الزبير فأخرجه ، ورأت فاطمة ما صنع بهما ، فقامت على باب الحجرة وقالت : يا أبا بكر ، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله! إلى آخره.

وقال ابن أبي الحديد في صفحة ٥٩ و ٦٠ : فأمّا امتناع عليّعليه‌السلام من البيعة حتّى أخرج على الوجه الذي أخرج عليه. فقد ذكره المحدّثون ورواه أهل السير ، وقد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب ، وهو من رجال الحديث ومن الثقات المأمونين ، وقد ذكر غيره من هذا النحو ما لا يحصى كثرة.

٦ ـ مسلم بن قتيبة بن عمرو الباهلي ، المتوفّى سنة ٢٧٦ هجرية ، وهو من كبار علمائكم له كتب قيّمة منها كتاب «الإمامة والسياسة» يروي في أوّله قضية السقيفة بالتفصيل ، ذكر في صفحة ١٣ قال : إنّ أبا بكر تفقّد قوما تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار عليّ ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا

٥٥٨

بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده ، لتخرجنّ أو لأحرّقنّها على من فيها.

فقيل له : يا أبا حفص! إنّ فيها فاطمة! فقال : وإن! إلى آخره.

٧ ـ أبو الوليد محبّ الدين بن شحنة الحنفي ، المتوفّى سنة ٨١٥ هجرية ، وهو من كبار علمائكم ، وكان قاضي حلب ، له تاريخ «روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر» ذكر فيه موضوع السقيفة ، فقال : جاء عمر إلى بيت عليّ بن أبي طالب ليحرقه على من فيه.

فلقيته فاطمة ، فقال عمر : أدخلوا في ما دخلت الأمّة إلى آخره(١) .

__________________

(١) وجدت مصادر اخرى إضافة إلى ما ذكرها السيّد المؤلّفرحمه‌الله ، أذكرها لتكون الحجّة أقوى وأثبت :

١ ـ عمر رضا كحّالة ، ذكر في كتابه أعلام النساء ٤ / ١١٤ ، قال : وتفقّد أبو بكر قوما تخلّفوا عن بيعته عند عليّ بن أبي طالب. كالعبّاس والزبير وسعد بن عبادة ، فقعدوا في بيت فاطمة ، فبعث أبو بكر عمر بن الخطّاب فجاءهم عمر فناداهم وهم في دار فاطمة ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها.

فقيل له : يا أبا حفص! إنّا فيها فاطمة.

قال : وإن!

٢ ـ ونقل هذا الخبر في تاريخ أبي الفداء ١ / ١٥٦.

٣ ـ وشهيرات النساء ٣ / ٣٣.

٤ ـ الدكتور عبد الفتّاح عبد المقصود ، ذكر في كتابه «السقيفة والخلافة» ص ١٤ ، ط مكتبة غريب في القاهرة ، بعد ما يسرد الأخبار المتضاربة يقول : ثمّ تطالعنا صحائف

٥٥٩

هذه نماذج من الأخبار المرويّة في كتبكم ، حتّى إنّ بعض شعرائكم المعاصرين ذكر الموضوع في قصيدة يمدح فيها عمر بن الخطّاب ، وهو حافظ إبراهيم المصري المعروف بشاعر النيل ، قال في قصيدته العمريّة :

وقولة لعليّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرّقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها

الحافظ : هذه الأخبار كلّها تنبئ بأنّ عمر بن الخطّاب أمر بالحطب وجاء بالنار وهدّد بإحراق البيت على من فيه ، ليفرّق اجتماع المخالفين لبيعة الخليفة ، فأراد أن يرهبهم ويخوّفهم.

ولكنّكم زدتم أخبارا لا أصل لها ، فقلتم إنّهم أحرقوا الباب وعصروا فاطمة وضربوها حتّى أسقطوا جنينها المسمّى محسّنا.

هذه الأخبار ، من أكاذيب الشيعة ولا أصل لها أبدا ، وما أظنّ

__________________

ما أورد المؤرّخون بالكثير من أشباه هذه الأخبار المضطربة التي لا نعدم أن نجد بينها من عنف عمر ما يصل به إلى الشروع في قتل عليّ ، أو إحراق بيته على من فيه.

فلقد ذكر أنّ أبا بكر أرسل عمر بن الخطّاب ومعه جماعة بالنار والحطب إلى دار عليّ وفاطمة والحسن والحسين ليحرقوه بسبب الامتناع عن بيعته ، فلمّا راجع عمر بعض الناس قائلين : إنّ في البيت فاطمة!

قال : وإن! «المترجم»

٥٦٠

أحدا من المؤرّخين ذكرها.

قلت : أسأل الله تعالى أن يهديك إلى الحقّ ويكشف لك الحقيقة ، إنّك نسبتنا إلى الكذب ، وافتريت علينا جعل الأخبار غير مرّة ، وفي كلّ ذلك اتّضح للحاضرين زيف كلامك وبطلان رأيك ، وفي هذه المرّة أيضا ، أذكر مصادر هذه الأخبار التي تنكرها ، من كتبكم المعتبرة ومصادركم المشتهرة ، حتّى يعرف الحاضرون صدقنا ، وتعترف أنت بأنّ الحقّ معنا.

فاجعة سقط الجنين

١ ـ ذكر المسعودي صاحب تاريخ «مروج الذهب» المتوفّى سنة ٣٤٦ هجرية ، وهو مؤرّخ مشهور ينقل عنه كلّ مؤرّخ جاء بعده ، قال في كتابه «إثبات الوصيّة» عند شرحه قضايا السقيفة والخلافة : فهجموا عليه [عليّعليه‌السلام ] وأحرقوا بابه ، واستخرجوه كرها وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتّى أسقطت محسّنا!!

نعم ، إنّ إسقاط جنين فاطمةعليها‌السلام وقتل ولدها «محسّن» عند هجوم القوم لأخذ البيعة من الإمام عليّعليه‌السلام ، أمر ثابت ، إلاّ أنّ أكثر مؤرّخيكم سكتوا عنه ولم ينقلوه ، لحبّهم للشيخين ، وسترا على سوء فعلهما وهتكهما لبيت الرسالة وحريم العترة ، ومع ذلك فقد جرت أقلام بعضهم وسجّلت ما حدث وجرى ، لأنّ الله سبحانه يريد أن يتمّ الحجّة عليكم وعلى كلّ المسلمين ، ويريد أن يكشف الحقائق للجاهلين والغافلين ، فاستمعوا أيّها الحاضرون!

٢ ـ قال الصفدي في كتاب «الوافي بالوفيات ٦ / ٧٦» في حرف

٥٦١

الألف ، عند ذكر إبراهيم بن سيّار ، المعروف بالنظام ، ونقل كلماته وعقائده ، يقول : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسّن من بطنها!

٣ ـ ونقل أبو الفتح الشهرستاني في كتابه الملل والنحل ١ / ٥٧ : وقال النظّام(١) : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها. وكان يصيح [عمر] : أحرقوا دارها بمن فيها!!

وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين.

انتهى كلام الشهرستاني.

٤ ـ ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٤ / ١٩٣ ط دار أحياء الكتب العربية ، بعد ما ينقل خبر هبّار بن الأسود وترويعه زينب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى أسقطت جنينها ، فأباح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دم هبّار لذلك.

قال :

وهذا الخبر أيضا قرأته على النقيب أبي جعفررحمه‌الله ، فقال : إذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أباح دم هبّار بن الأسود لأنّه روّع زينب فألقت ذا بطنها ، فظهر الحال أنّه لو كان حيّا لأباح دم من روّع فاطمة حتّى ألقت ذا بطنها إلى آخره.

هذه بعض المصادر التي ظفرنا بها في نقل الأخبار التي تنكرونها وتتّهمون الشيعة المؤمنين بجعلها!

الحافظ : في نظرنا أنّ نقل هذه الأخبار لا فائدة فيها سوى التفرقة وتشتّت المسلمين.

__________________

(١) توفّي النظّام سنة ٢٣١ هجرية. «المترجم»

٥٦٢

يلزم الدفاع عن المظلوم وإثبات حقّه

قلت :

أوّلا : قولوا لعلمائكم ومؤرّخيكم لما ذا ذكروا هذه الأخبار! ثمّ ردّوا على شاعر النيل قصيدته العمريّة وعاتبوه عليها وحاكموه على تلك الأبيات التي يتفاخر فيها ويتباهى بتلك الوقائع الأليمة والفجائع العظيمة ويعدّها من فضائل القوم!!

ثانيا : وأمّا نحن فنقلها عنكم لإقامة الحجّة عليكم و( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (١) ولكي لا ينحرف التاريخ ، فنعرف الحقّ حقّا والباطل باطلا ، والمظلوم مظلوما والظالم ظالما.

ثالثا : نحن ننقل هذه الأخبار عند ما نواجه هجماتكم وحملات بعض المنسوبين إليكم من أصحاب الأقلام التي ما هي إلاّ أجيرة للأعداء لتبثّ البغضاء والشحناء بين المسلمين ، فتتّهم الشيعة الأبرياء والمؤمنين الأوفياء بالكفر والشرك! وتحرّك علينا مشاعر العامة وخاصة الجاهلين الغافلين.

ونحن دفاعا عن مذهبنا ومعتقدنا ، نبيّن الوقائع ، ونكشف عن الحقائق ، حتّى يعرف الجميع أنّ عليّاعليه‌السلام مع الحقّ والحقّ معه ، ونحن أتباعه وشيعته ، نشهد أنّ لا إله إلاّ الله جلّ جلاله ، وأنّ محمّدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونقول في عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ما قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك نقلا من كتبكم المعتبرة ومصادركم المشهورة ، فنشهد بأنّ علياعليه‌السلام عبد الله ، ووليّه ، وأخو رسول الله ، ووصيّه ، وهو خليفته الذي نصّ عليه بأمر الله تعالى.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ١٤٩.

٥٦٣

أمّا في جواب قولكم بأن هذه الأخبار لا فائدة فيها سوى التفرقة وتشتّت المسلمين

فأقول : أنتم البادئون والعادون والمهاجمون ونحن مدافعون ، فانتهوا وامنعوا أصحابكم عن التعرّض وعن الكذب والافتراء علينا ، حتّى نسكت عن نقل هذه الأخبار.

الحافظ : أنا لا أوافق الّذين يرمون الشيعة بالكفر والشرك ، ولكنّي لا أسكت أيضا على بعض الأخبار المرويّة في كتبكم ، والتي تنسبونها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي تفسح مجال العصيان للعباد ، فيعملون بالذنوب اتّكالا على تلك الأخبار والأحاديث.

قلت : رجاء! بيّن تلك الأخبار ، فربّما نصل معكم إلى حلّ وتفاهم.

شبهات وردود

الحافظ : ذكر العلاّمة المجلسي وهو واحد من أكبر علمائكم ومحدّثيكم ، في كتابه «بحار الأنوار» راويا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : حبّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة.

وروى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من بكى على الحسين وجبت له الجنّة.

هذه الأخبار ونظائرها كثيرة في كتبكم ، وهي تسبّب فساد الأمّة وانتشار الذنوب والمعاصي.

قلت : لو كان الأمر كذلك للزم أن نرى أهل السنّة والجماعة مبرّئين من الذنوب ، وبعيدين عن الحوب ، بينما نرى البلاد التي يسكنها أهل السنّة قد انتشرت فيها الذنوب الكبيرة ، وشاعت فيها

٥٦٤

معاصي كثيرة ، وكثير منهم يتجاهرون بالفسوق والفجور! فهذه عواصمكم مثل بغداد والقاهرة ودمشق وبيروت وعمّان والجزيرة وغيرها ، تتسابق في تأسيس مراكز المعاصي والفجور ، ومحلاّت القمار وحانات الخمور.

فهل ترضون أن ننسب هذه المخازي والفسوق إلى مذهبكم وضعف مباديكم؟!

هل تقبلون منّا لو قلنا : إن السبب في انتشار الفحشاء والفجور ، وعدم التحرّج في شرب النبيذ والخمور ، هو فتاوى علمائكم؟!!

لأن بعضهم أفتى بطهارة الكلب وأحلّ أكله.

وبعضهم أفتى بطهارة المنيّ والخمر وعرق الجنب من الحرام.

وبعضهم أفتى بجواز اللواط في السفر!

وبعضهم أفتى بنكاح المحارم ، الأمّ ومن دونها ؛ بشرط أن يلفّ القضيب بالحرير!!

هذه الفتاوى وأمثالها تسبّب تجرّء العوامّ والجاهلين على ارتكاب المعاصي وعمل الفسق والفجور.

ولذلك فإن علماءنا يحرّمون تلك الأعمال القبيحة ولا يجيزونها بأيّ حال من الأحوال.

الحافظ : هذه المسائل التي ذكرتها ، كلّها أكاذيب ، وللأسطورة أقرب منها إلى الحقيقة ، وهي من مفتريات الشيعة!

أبيات شعر للعلاّمة الزمخشري

قلت : أنت أعرف بحقيقة مقالي ، والعلماء الحاضرون أيضا

٥٦٥

يعلمون صدقي ، ولكن يصعب عليكم الإقرار ، والخجل يدعوكم إلى الإنكار ، وإلاّ كيف يمكن لعالم دينيّ ـ مثلكم ـ يجهل هذه المسائل التي ذكرها وأفتى بها بعض علمائكم ثم نقلها عنهم بعض أعلامكم وانتقدوها؟!

وأذكر لك نموذجا من كتبكم ليكون دليلا على كلامنا ؛ راجع تفسير الكشّاف ٣ / ٣٠١ للعلاّمة الكبير جار الله الزمخشري ، فإنّه يقول :

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به

وأكتمه ، كتمانه لي أسلم

فإن حنفيا قلت ، قالوا بأنّني

أبيح الطّلا وهو الشراب المحرّم

وإن مالكيا قلت ، قالوا بأنّني

أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم

وإن شافعيا قلت ، قالوا بأنّني

أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وإن حنبليا قلت ، قالوا بأنّني

ثقيل حلولي بغيض مجسّم

وإن قلت من أهل الحديث وحزبه

يقولون : تيس ليس يدري ويفهم

تعجّبت من هذا الزمان وأهله

فما أحد من ألسن الناس يسلم

وأخّرني دهري وقدّم معشرا

على أنّهم لا يعلمون وأعلم

فنرى هذا العالم والمفسّر يخجل أن ينسب نفسه إلى أحد المذاهب الأربعة! لوجود تلك الآراء الفاسدة والفتاوى الباطلة فيها ، ثمّ إنّكم تريدون منّا أن نتّبع تلك المذاهب ونترك مذهب أهل بيت النبوة والعترة والصفوة الطاهرة!

فلنخرج من هذا الإطار ونتابع موضوع الحوار

فأقول : أمّا الخبر الذي ذكرته من «بحار الأنوار» لم تنفرد الشيعة

٥٦٦

بنقله ، فإنّ علماءكم وأعلامكم نقلوه أيضا ونقلوا أمثاله في كتبهم المعتبرة.

إسناد حديث حبّ عليّ حسنة

لقد ذكر هذا الحديث كثير من أعلامكم وأيّدوه ، منهم :

الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، والخطيب الخوارزمي في آخر الفصل السادس من كتابه «المناقب» والشيخ القندوزي الحنفي في الباب ٤٣ من كتابه «ينابيع المودّة» وأيضا في الباب ٥٦ نقله عن الديلمي ، قال : حبّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة ، حب عليّ براءة من النار ، حبّ عليّ يأكل الذنب كما تأكل النار الحطب ، حبّ عليّ براءة من النفاق.

وفي المناقب السبعين(١) خرّجه عن ابن عبّاس في الحديث رقم ٣٣ ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حبّ عليّ بن أبي طالب يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب».

وفي الحديث رقم ٥٩ ، عن معاذ بن جبل ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حبّ عليّ بن أبي طالب حسنة لا تضرّ معها سيّئة ، وبغضه سيّئة لا تنفع معها حسنة».

رواهما صاحب «الفردوس».

ورواه المحدّث والفقيه الشافعي المير السيّد علي الهمداني في كتابه

__________________

(١) كتاب «السبعين في مناقب أمير المؤمنين» نقله القندوزي بكامله في كتابه «ينابيع المودّة». «المترجم»

٥٦٧

«مودّة القربى» في المودّة السادسة عن ابن عبّاس ، قال : حبّ عليّ يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب.

وعنه أيضا : حبّ عليّ براءة من النار.

ورواه محبّ الدين الطبري في «ذخائر العقبى» الحديث رقم ٥٩ من الأحاديث السبعين التي رواها في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام .

ورواه محمد بن طلحة في مطالب السئول.

والعلاّمة الكنجي الشافعي في كتاب «كفاية الطالب في مناقب مولانا علي بن أبي طالب».

ثمّ إن كان عقلكم وعلمكم لا يصل إلى حلّ معنى حديث كهذا وأمثاله ، فأنصحكم بأن لا تطعنوا فيه ولا تردّوه ، بل يجب أن تسألوا

عن حلّه ومعناه وتفسيره ممّن هو أعلم ، قال تعالى :( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) .

وطالما أنّ هذا الحديث وأمثاله لا يعارض كتاب الله سبحانه فليس لأحد من المسلمين إنكاره.

الحافظ : كيف لا يعارض كتاب الله وهو سبب تجرّء الناس على المعاصي!

قلت : لا تعجل حتّى أبيّن لك كيف لا يعارض الكتاب الكريم ، فإن الله تعالى يقسّم الذنوب في القرآن إلى قسمين ، صغائر ، وكبائر.

وهو يعبّر في بعض الآيات عن الصغائر بالسيّئة ، في حين يعبّر عن الكبائر بالذنوب ، كما في سورة النساء ، الآية ٣١ ، قال تعالى :( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآية ٧.

٥٦٨

مُدْخَلاً كَرِيماً ) .

فالآية الكريمة تصرّح بأنّ عبدا لو اجتنب الكبائر وارتكب الصغائر ، فإنّ الله عزّ وجلّ يعفو عنه ويدخله الجنّة ، والحديث الذي تنكروه ، لا يصرّح بأكثر من هذا.

فإنّ حبّ عليّعليه‌السلام حسنة عظيمة عند الله سبحانه بحيث لا تضرّ معها السيّئات ، يعني الصغائر.

الحافظ : إنّ هذا التفسير والتقسيم لا يكون على أساس علمي(١) .

لأنّ الله تعالى يقول :( إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (٢) فالعبد العاصي إذا تاب واستغفر الله سبحانه فإنّه يغفر كلّ ذنوبه سواء أكانت من الكبائر أم الصغائر.

قلت : أظنّك ما دقّقت النظر في الآية الكريمة التي تلوتها عليك ، وإلاّ ما كنت تورد إشكالا على كلامي ، لأنّ الذي قسّم المعاصي إلى كبائر وصغائر وفرّق بينهما هو الله تعالى ، لا أنا.

ثمّ اعلم بأنّنا نعتقد ـ مثلكم ـ بأنّ الله تعالى يغفر الذنوب جميعا ، فكلّ عبد عاص إذا تاب وندم وعمل بشرائط التوبة ، فإنّ الله سبحانه

__________________

(١) إنّ بيان «الحافظ» كليل ، وليس له دليل ، ولا يصدر إلاّ من ذي عقل عليل ، لأنّه يعارض كلام الربّ الجليل ، فقد قال سبحانه: ( وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى* الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) سورة النجم : ٣٠ ـ ٣١.

فاللمم هي المعاصي الصغائر تقابلها كبائر الأثم ، كما تجد في الآية الكريمة.

«المترجم»

(٢) سورة الزمر ، الآية ٥٣.

٥٦٩

يغفر ذنوبه ويعفو عنه ، ولكن إذا لم يتب فيعاقبه الله تعالى بعد الموت في عالم البرزخ ، فإذا لاقى عقاب ذنوبه قبل يوم الحساب ، يساق إلى الجنّة في يوم المعاد ، وإلاّ فيقضى عليه فيلقى في جهنّم ليرى جزاء عمله هناك.

والعبد المؤمن إذا ارتكب الصغائر ومات من غير توبة فإن كان يحبّ الإمام عليّاعليه‌السلام يغفر الله تعالى له ويعفو عنه ويدخله الجنّة ، قال سبحانه :( وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً ) (١) .

فلا أدري لما ذا تعتقد بأنّ هذا الحديث الشريف «حبّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة» يسبّب تجرّء الشيعة على المعاصي!!

هل الحديث يأمر بارتكاب الذنوب؟! لا

فأثر هذا الحديث في المسلمين كأثر آيات القرآن الحكيم التي تعد العباد المذنبين بقبول التوبة وغفران ذنوبهم.

فكما إنّ آيات التوبة والمغفرة تبعث الرجاء برحمة الله تعالى في قلوب العباد وتزيل اليأس عن نفوس العصاة ، كذلك هذا الحديث الشريف وأمثاله ، فإنّه يوقف المحبّ عند السيّئات ويصدّه عن الكبائر الموبقات ، لأنّ إطاعة الحبيب من لوازم الحبّ.

قال الإمام الصادق ، وهو إمامنا جعفر بن محمدعليه‌السلام : إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع ؛ فالشيعي يعرف هذا فلذلك لا يرتكب الذنوب والمعاصي اتّكالا على حبّه للإمام عليّعليه‌السلام بل يجتهد في طاعة إمامه ومتابعته ، لإثبات صدقه في الحبّ لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

نعم ، هناك بعض المحبّين الّذين يحسبون أنفسهم من الشيعة يرتكبون بعض الذنوب مثل كثير من أهل السنّة والجماعة فلا يكون

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٣١.

٥٧٠

عملهم السيّئ بسبب حبّهم أو بسبب حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ الإنسان بطبعه يكون مطيعا لهواه ومجيبا لنفسه الأمّارة كما قال سبحانه وتعالى حكاية عن يوسف الصدّيق :( وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١) .

وأمّا الشيعي هو الذي يعزم على أن يخطو ويسير في الطريق الذي سار فيه الأئمّة الهداة من أهل البيتعليهم‌السلام ويلتزم بنهجهم ويعمل برأيهم.

وقد ذكرنا في الليالي السالفة بعض الأحاديث النبوية في حقّهم ، حيث بشّرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنّة ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا عليّ! أنت وشيعتك الفائزون بالجنّة» وذكرنا مصادر هذا الحديث الشريف وأمثاله من كتبكم المعتبرة وطرقكم المتواترة ، وبشارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لشيعة عليّعليه‌السلام بالجنّة أمر ثابت لا ينكره إلاّ الجاهل المعاند والمتعصّب الجاحد.

وإنّ إشكالك على حديث «حبّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة» يردّ على تبشير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيعة عليّعليه‌السلام بالجنّة أيضا.

لأنّ الشيعي إذا عرف أنّه من أهل الجنّة يرتكب الذنوب ولا يبالي ، فإشكالك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موجب للكفر ، وهو مردود بالأدلّة التي أقمناها.

ولبّ الكلام : إنّ الشيعي هو الذي يسير على أثر مسير أهل البيتعليهم‌السلام ، فيعمل بما عملوا ، ويجتنب عمّا اجتنبوا ، ولمّا لم يكن معصوما ، ربّما ارتكب ذنبا وعمل إثما ولم يوفّق للتوبة فمات ، فإنّ الله عزّ وجلّ يعفو عن ذنبه ويغفر له كرامة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وحبّه

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٥٣.

٥٧١

إيّاه ، والله غفور رحيم.

البكاء على الحسينعليه‌السلام سنّة نبويّة

وأمّا الحديث الشريف «من بكى على الحسين وجبت له الجنّة» كلّنا نعلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكى على مصائب ولده الحسينعليه‌السلام قبل أن تقع ، فأخبر بها أصحابه وهو يبكي ، وقد تواترت بذلك الأخبار الكثيرة المرويّة عن طرقكم والتي نقرأها في كتبكم(١) .

__________________

(١) لقد تواترت الروايات وصرّحت الأخبار بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكى على ولده الحسينعليه‌السلام في أوان ولادته وأخبر بمقتله ، وتكرّر منه البكاء في خواصّ أصحابه تارة وفي الملأ العامّ أخرى ، وحدّث عن مصائب الحسين وما يلاقيه من بني أميّة الطلقاء ، وإليكم بعض تلك الأخبار التي وصلت إلينا من طرق علماء السنّة وأيّدها أعلامهم :

١ ـ روى الخوارزمي في كتابه «مقتل الحسين عليه‌السلام » بسنده عن أسماء بنت عميس خبرا طويلا جاء في آخره ، قالت أسماء : فلمّا كان بعد حول من مولد الحسن.

ولدت [أي فاطمة عليها‌السلام ] الحسين فجاءني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «يا أسماء هاتي ابني».

فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ثمّ وضعه في حجره وبكى!!

قالت أسماء : فقلت فداك أبي وأمّي ممّ بكاؤك؟!

قال : على ابني هذا!

قلت : إنّه ولد الساعة!

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أسماء! تقتله الفئة الباغية ، لا أنالهم الله شفاعتي.

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أسماء! لا تخبري فاطمة بهذا ، فإنّها قريبة عهد بولادته.

رواه الحمويني في فرائد السمطين ٢ / ١٠٣ ، ورواه ابن عساكر أيضا في تاريخ دمشق ، الحديثين ١٣ و ١٤ من ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام ، ورواه السمهودي في «جواهر العقدين» ورواه آخرون منهم لا مجال لذكرهم.

٥٧٢

__________________

٢ ـ روى الحاكم النيسابوري في المستدرك ٣ / ١٧٦ في الحديث الأوّل من فضائل الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، روى بسنده عن أمّ الفضل بنت الحارث خبرا جاء في آخره :

فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري فدخلت يوما على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجره ، ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهريقان من الدموع.

قالت : فقلت : يا نبي الله! بأبي أنت وأمّي مالك؟!

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبرئيل فأخبرني أنّ أمّتي ستقتل ابني هذا!!

فقلت : هذا؟!

قال : نعم ؛ وأتاني بتربة من تربته حمراء!

أقول : ورواه البيهقي أيضا في كتابه دلائل النبوّة ٦ / ٤٦٨ ط بيروت ، ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ٦ / ٢٣٠ ، ورواه جمع آخر من أعلام السنة لا مجال لذكر أسمائهم.

٣ ـ روى ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى ٨ / ٤٥ الحديث رقم ٨١ من ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام ، عن عائشة ، قالت : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه فنحّيته عنه ، ثمّ قمت لبعض أمري ، فدنا منه ، فاستيقظ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبكي! فقلت : ما يبكيك؟!

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ جبرئيل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين ؛ فاشتدّ غضب الله على من يسفك دمه

ورواه ابن عساكر أيضا في تاريخ دمشق في الحديث رقم ٢٢٩ من ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام .

ورواه أيضا ابن حجر في «الصواعق المحرقة» كما حكى عنه القندوزي في أوائل الجزء الثاني من «ينابيع المودة».

٥٧٣

__________________

ورواه ابن العديم في كتابه بغية الطلب في تاريخ حلب ٧ / ٧٨ في ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام .

ورواه الدارقطني في كتاب العلل ٥ / ٨٣.

وحديث التربة رواه جمع كثير من أعلام السنّة بألفاظ متعدّدة ، ويبدو أنّ إتيان جبرئيل بتربة كربلاء للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان غير مرّة ، والأشهر ما روي عن أمّ سلمة أمّ المؤمنين رضي الله عنها.

روى عمر بن خضر المعروف ب «ملاّ» وهو من علماء القرن السادس الهجري ، في كتابه «وسيلة المتعبّدين» ـ في أواسط باب معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : وعن أمّ سلمة قالت : سمعت بكاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي فاطّلعت ، فإذا الحسين بن عليّ رضي الله عنهما في حجره أو إلى جنبه وهو يمسح رأسه ويبكي!!

قالت : فقلت : يا رسول الله! على م بكاؤك؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ جبرئيل أخبرني أنّ ابني هذا يقتل بأرض من العراق يقال لها :كربلاء.

قالت : ثمّ ناولني كفّا من تراب أحمر وقال : إنّ هذه تربة الأرض التي يقتل بها ، فمتى صارت دما فاعلمي أنّه قد قتل.

قالت أمّ سلمة : فوضعت التراب في قارورة عندي وكنت أقول : إنّ يوما تتحوّلين فيه دما ليوم عظيم.

وروى قريبا من هذا المعنى جماعة كبيرة عن أمّ سلمة رضي الله عنها منهم : ابن سعد في طبقاته في حديث رقم ٧٩ من ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام في الجزء الثامن والمحبّ الطبري في ذخائر العقبى ١٤٧.

وأبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الفتن من كتاب المصنّف ١٥ / ١٤ حديث رقم ١٩٢١٣.

وابن حجر في كتاب المطالب العالية ٤ / ٧٣ ط دار المعرفة ـ بيروت.

٥٧٤

فالبكاء على الإمام الحسينعليه‌السلام سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والالتزام بسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوجب دخول الجنّة ، بشرطها وشروطها.

فكما إنّ الله تعالى وعد التائبين بالعفو والمغفرة والجنّة ولكن مع شرائط ، فلا تقبل توبة كلّ من قال : أستغفر الله وأتوب إليه إلاّ أن يردّ حقوق الناس إليهم ، ويقضي ما فاته من الفرائض ومن حقوق الله سبحانه ، ويندم على ما ارتكب من المعاصي ، ويعزم على أن

__________________

والطبراني في المعجم الكبير ٣ / ١١٤ ط بغداد ، ورواه بطريق آخر في صفحة ١١٥.

وابن عساكر في تاريخه في الحديث رقم ٢٢٣ من ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام بمناسبة.

ورواه المزّي في كتاب تهذيب الكمال ٦ / ٤٠٨.

ورواه ابن العديم عمر بن أحمد في كتابه تاريخ حلب ٧ / ٥٦ حديث رقم ٨٨ وما بعده من ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام .

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٩٢.

ورواه الحاكم في المستدرك ٤ / ٣٨٩ في آخر كتاب تعبير الرؤيا ، قال الحاكم ـ وأقرّه الذهبي ـ : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.

ورواه البيهقي في كتابه دلائل النبوّة ٦ / ٤٦٨ ط بيروت.

ورواه ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ٣ / ٢٣٠ ط دار الفكر.

ورواه جمع كثير من محدّثي العامة وأعلامهم ولا مجال لذكر أسمائهم.

وإنّ بكاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مصاب ولده الحسين عليه‌السلام قبل أن يقتل أمر ثابت مسجّل في المصادر والمسانيد المعتبرة ، غير قابل للإنكار ، ولا ينكره إلاّ معاند جاحد أو شيطان مارد.

أعاذنا الله من الجهل والعناد. «المترجم»

٥٧٥

لا يعصي إلى آخر الشرائط اللازمة المذكورة في الأخبار والروايات.

كذلك : من بكى على الحسينعليه‌السلام ـ مع الشرائط ـ وجبت له الجنّة ، ومن الشرائط السعي لتحقيق أهداف الحسينعليه‌السلام وتطبيقها في نفسه وفي المجتمع ، وإلاّ فإنّ المؤرّخين ذكروا أنّ سكينة بنت الحسينعليه‌السلام حينما جلست عند نعش أبيها ، تكلّمت بكلمات أبكت والله كلّ عدوّ وصديق.

وقالوا : إنّ الحوراء زينب لمّا خاطبت عمر بن سعد وقالت له : يا ابن سعد! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟!! ترقرقت دموعه وسألت على لحيته!

فهل ابن سعد والأعداء الّذين بكوا يوم عاشوراء ، وجبت لهم الجنّة؟!

لا ، لأنّ الشرائط ما كانت متوفّرة فيهم(١) .

__________________

(١) من البديهي أنّ البكاء على الحسينعليه‌السلام الذي يوجب دخول الجنّة إنّما هو البكاء الذي يكون عن شعور ومعرفة بالحسينعليه‌السلام وتأييدا لأهدافه المقدّسة ، ويكون رمزا وشعارا في نصرة الحقّ وانتصار المظلوم ، لا مطلق البكاء.

إنّ الباكي الممدوح عندنا والذي وعده النبيّ والأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام بالجنّة ، هو الباكي الذي جدّ وجاهد ، ويسعى ويجتهد بكلّ قدراته وإمكاناته ، لتحقيق أهداف أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام وتطبيقها ، لأنّها ما هي إلاّ أهداف الله سبحانه وتعالى وغرضه من رسالة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعثة الأنبياء عليهم‌السلام جميعا.

فالبكاء على الحسين عليه‌السلام الذي يوجب لصاحبه دخول الجنّة ، إنّما هو البكاء الذي ينبثق من قلب ممتلئ حقدا على الظالمين ، فيتحوّل صرخة في وجه الباطل وثورة على الظالم.

٥٧٦

الحافظ : إذا كان المسلم ملتزما بأصول الإسلام وعاملا بأحكام الدين فهو من أهل الجنّة ، سواء أبكى على الحسين أم لم يبك ، فلا أرى فائدة للمجالس التي تنعقد في بلاد الشيعة ، وهم يصرفون أموالا طائلة ليجتمعوا ويبكوا على الحسين! إنّه عمل مخالف للعقل!!

فوائد المجالس الحسينية

قلت : أوّلا : الإنسان مهما كان ملتزما بأصول الإسلام ، وعاملا بالأحكام ، فلا يكون معصوما من الذنوب والآثام ، فربّما زلّت به الأقدام ، وسقط في مهاوي النفس والشيطان ، وخالف أمر الله العزيز المنّان.

فلكي لا ييأس من الله الكريم الرحمن ، ويرجو منه اللطف والإحسان ، ويسأل منه العفو والغفران ، فتح له باب التوبة والإنابة ليشعر بالأمان.

__________________

هذا النوع من البكاء ـ لا مطلق البكاء ـ يكون استمرارا لحركة الإمام أبي عبد الله السبط الشهيدعليه‌السلام واستمرارا لحركة الحوراء زينب وأهل البيتعليهم‌السلام من كربلاء إلى الشام سبايا.

فكما إنّ هاتين الحركتين تركتا أثرا عظيما في تحريك الإحساس الديني وإيقاظ الشعور الإنساني في المجتمع الإسلامي ، بحيث أدّت إلى ثورات ، وأسقطت عروش الظلم ، وقضت على الظالمين كذلك الأثر في البكاء الذي يكون استمرارا لحركة الإمام الحسين والحوراء زينبعليها‌السلام . «المترجم»

٥٧٧

وأمر الله عزّ وجلّ عباده أن يتوسّلوا إليه في التوبة والاستغفار وقضاء حوائجهم ، بقوله تعالى :( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (١) ويصف أنبياءه فيقول :( أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً ) (٢) .

ثم بيّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوسائل التي يتوسّل بها إلى الله سبحانه ، منها حبّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ومنها البكاء على الحسينعليه‌السلام ومنها خدمة الوالدين ، ومنها الجهاد في سبيل الله ، ومنها العطف على الأيتام ، وغير ذلك.

فالمؤمن إن كان بريئا من الذنب ، فهذه الوسائل تسبّب رفع درجاته في الجنّة ، وإن كان مرتكبا بعض السيّئات والذنوب فهذه الوسائل تسبّب له المغفرة وتجلب له رضا ربّه عزّ وجلّ.

ثانيا : وأمّا فوائد المجالس الحسينية فهي كثيرة جدّا ، ولكنّك حيث لم تحضرها ولم تكن من المباشرين والعاقدين لها ، فلا ترى فوائدها ولا تدرك بركاتها.

ولمّا كنت بعيدا عنها وجاهلا بفلسفتها ، فليس لك أن تقول : إنّه عمل مخالف للعقل! بل العقل السليم يخالف كلامك ، والوجدان القويم ينقض بيانك ، فقد تسرّعت في الحكم على شيء ما عرفت مغزاه ، وما أدركت منتهاه.

فلو كنت تحضر هذه المجالس مع الشيعة ، وتستمع إلى كلام

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٣٥.

(٢) سورة الإسراء ، الآية ٥٧.

٥٧٨

خطبائها الكرام ، لعرفت فوائدها الجمّة التي منها :

١ ـ هذه المجالس تكون كالمدارس ، فإنّ الخطيب يلقي على الحاضرين فيها أحكام الدين ، والتاريخ الإسلامي ، وتاريخ الأنبياء وأممهم ، ويتناول تفسير القرآن الحكيم ، ويتكلّم حول التوحيد والعدل الإلهي والنبوّة والإمامة والمعاد ، وأخلاق المسلم وما يجب أن يتّصف به المؤمن ، ويبيّن للمستمعين فلسفة الأحكام وعلل الشرائع ومضارّ الذنوب ، ويقايس الإسلام بسائر الأديان ويثبت بالدليل والبرهان تفوّقه وامتيازه على المذاهب والأديان.

٢ ـ يشرح الخطيب سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتاريخ حياته وسيرة أهل بيته والعترة الهادية والصحابة الصالحين ، فيلفت الخطيب أنظار مستمعيه إلى النقاط المشرقة الهامّة من ذلك التاريخ ، فيأخذ الحاضرون دروسا وعبرا منه يطبقونها في حياتهم الشخصية وسيرتهم الاجتماعية.

٣ ـ يتناول الخطيب تاريخ النهضة الحسينية ، ويبيّن أسبابها وأهدافها. ويشرح آثارها والدروس التي يجب على المسلم أن يأخذها من تلك النهضة المقدّسة ، ويدعو الخطيب المستمعين إلى تطبيق أهداف الحسينعليه‌السلام وإحياء ثورته وتكرارها ضدّ الظلم والظالمين في كلّ زمان ومكان.

٤ ـ في كلّ عام يهتدي كثير من الضالّين والعاصين ، فيتوبون إلى الله تعالى ، ويسلكون الصراط المستقيم ، ويصبحون من الصالحين المهتدين ، حتّى إنّ في بعض البلاد التي تسكنها الشيعة والكفّار مثل بلاد الهند والبلاد الإفريقية ، أسلم كثير منهم بعد ما حضروا في المجالس الحسينية وعرفوا تاريخ الإسلام وأحكامه وسيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٥٧٩

وأخلاقه الحميدة.

وهذا جانب من معنى الحديث النبوي الذي نقله علماؤكم أيضا في الكتب المعتبرة ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسينا ، حسين سبط من الأسباط(١) ».

فمعنى : «وأنا من حسين» لعلّه يكون : إنّ الحسين والمجالس التي تنعقد باسمه ولأجله هو السب في إحياء ديني وإبقائه ، فالحسينعليه‌السلام بنهضته المباركة فضح بني أميّة وكشف واقعهم الإلحادي ، وحال بينهم وبين الوصول إلى أهدافهم العدوانيّة ونياتهم الشيطانية التي كانت ستقضي على الدين الحنيف ورسالة خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

واليوم يمرّ أكثر من ألف عام على إقامة مجالس عظيمة ومحافل كريمة باسم الحسينعليه‌السلام علانية وسرّا ، والناس يحضرون على مختلف طبقاتهم ومستوياتهم ، فيقتبسون النور ويتعرّفون على الإسلام الحقيقي

__________________

(١) خرّجه الإمام أحمد في مسنده ٤ / ١٧٢ بسنده عن يعلى بن مرة الثقفي.

ورواه ابن سعد في طبقاته الكبرى ج ٨ حديث رقم ١٨ من ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام .

ورواه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٧٧ باب فضائل الحسين عليه‌السلام ، وأقرّ صحّته.

ورواه الذهبي في تلخيصه ، وقال : هذا حديث صحيح.

ورواه الخطيب الخوارزمي في كتابه مقتل الحسين ١ / ١٤٦ الفصل السابع.

ورواه شيخ الاسلام الحمويني في كتابه «فرائد السمطين» في الباب ٣٠.

ورواه البخاري في «الأدب المفرد» صفحة ١٠٠ ط مصر.

ورواه الترمذي في سننه ١٣ / ١٩٥ باب مناقب الحسن والحسين عليهم‌السلام .

ورواه ابن ماجة في مقدّمة سننه ١ / ٦٤.

ورواه جمع كثير من أعلام العامّة لا مجال لذكر أسمائهم جميعا. «المترجم»

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205