ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252518 / تحميل: 4423
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

باب

في أن الذنوب ثلاثة

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن حماد ، عن بعض أصحابه رفعه قال صعد أمير المؤمنينعليه‌السلام بالكوفة المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن الذنوب ثلاثة ثم أمسك فقال له حبة العرني يا أمير المؤمنين قلت الذنوب ثلاثة ثم أمسكت فقال ما ذكرتها إلا وأنا أريد أن أفسرها ولكن عرض لي بهر حال بيني وبين الكلام نعم الذنوب ثلاثة فذنب مغفور وذنب غير مغفور وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه قال يا أمير المؤمنين فبينها لنا ؟

قال نعم أما الذنب المغفور فعبد عاقبه الله على ذنبه في الدنيا فالله أحلم وأكرم من أن يعاقب عبده مرتين وأما الذنب الذي لا يغفر فمظالم العباد بعضهم

باب في أن الذنوب ثلاثة

الحديث الأول : مرفوع.

« إن الذنوب ثلاثة » أي غير الشرك والكفر ، أو ذنوب المؤمنين وقيل : وجه الحصر أن الذنب إما للتقصير في حق الله أو في حق الناس ، والأول إما أن يرفع العبد العقوبة الدنيوية بالتوبة أولا ، فهذه ثلاثة ، وأما الذنب الذي لا عقوبة عليه في الدنيا ولم يتب منه فالظاهر أنه داخل في القسم الثالث ، وحكمه حكمه ، وإن كان الخوف منه أشد ، وفي النهاية : البهر بالضم ما يعتري الإنسان عند السعي الشديد ، والعدو من التهيج ، وتتابع النفس ، وفي القاموس : البهر بالضم انقطاع النفس من الإعياء.

« فعبد » أي فذنب عبد « عاقبة الله على ذنبه في الدنيا » إما بالحدود والتعزيرات أو بالبلايا والمصائب « فالله أحلم » الفاء للبيان « فمظالم العباد بعضهم » بالجر بدل

٣٢١

لبعض إن الله تبارك وتعالى إذا برز لخلقه أقسم قسما على نفسه فقال وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ولو كف بكف ولو مسحة بكف ولو نطحة ما بين القرناء إلى الجماء فيقتص للعباد بعضهم من بعض حتى لا تبقى لأحد على أحد مظلمة ثم يبعثهم للحساب وأما الذنب الثالث فذنب ستره الله على خلقه ورزقه التوبة منه فأصبح خائفا من ذنبه راجيا لربه فنحن له كما هو لنفسه نرجو له الرحمة ونخاف عليه العذاب.

اشتمال أو بعض ، والمراد به الظالم « لبعض » المراد به المظلوم ، والمظالم جمع المظلمة بالكسر وهي ما يظلمه الرجل إذا برز لخلقه ، البروز الظهور بعد الخفاء ، ولعله كناية عن ظهور أحكامه وثوابه وعقابه وحسابه ، وقيل : كناية عن أنه سبحانه يتكلم مع جميع الخلائق بنفسه ويحاسبهم مشافهة كما ورد في الأخبار.

« على نفسه » أي ملزما على نفسه « فقال » الفاء للبيان ، ويقال : جازه يجوزه إذا تعداه « ولو كف بكف » لعل المراد بالكف أو لا المنع والزجر ، وبالثاني اليد أي تضرر كف إنسان بكف آخر بغمز وشبهه ، أو تلذذ كف بكف أو يقدر مضاف أي يجازى ضرب كف بضرب كف ، وقيل : أي ضربة كف بكف ، والمراد بالمسحة بالكف ما يشتمل على إهانة وتحقير أو تلذذ ، ويمكن حمل التلذذ في الموضعين على ما إذا كان من امرأة ذات بعل أو قهرا بدون رضاء الممسوح ، ليكون من حق الناس.

والجماء التي لا قرن لها ، قال في النهاية : فيه أن الله ليدين الجماء من ذوات القرون الجماء التي لا قرن لها ، ويدين أي يجزي ، انتهى.

ويدل على حشر الحيوانات أيضا في القيامة كما يدل عليه قوله تعالى : «وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ » وغيره من الآيات والأخبار ، وبه قال أكثر المتكلمين من الخاصة والعامة وإن اختلفوا في خصوصياته من بقائها بعد الحشر أو تفرقها وصيرورتها ترابا وغير ذلك.

٣٢٢

ومنهم من أول القرناء بالإنسان القوي القادر على الظلم ، والجماء بالمظلوم الضعيف وهو تكلف مستغنى عنه ، ولا يبعد أن يكون المراد مؤاخذة المكلف بتمكين القرناء من إضرار الجماء ، وفي صحيح مسلم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لتردن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلجاء من الشاة القرناء ، والجلجاء أيضا التي لا قرن لها ، وصرح جماعة من المفسرين في تفسير الآية المتقدمة ببعثها ، وقيل أي جمعت من أطراف الأرض وقيل : أميتت.

وقال الطبرسي (ره) في قوله تعالى : «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ »(١) أي يحشرون إلى الله بعد موتهم يوم القيامة كما يحشر العباد ، فيعوض الله ما يستحق العوض منها وينتصف لبعضها من بعض ، وفيما رووه عن أبي هريرة أنه قال : يحشر الله الخلق يوم القيامة البهائم والدواب والطير ، وكل شيء ، فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول : كوني ترابا فلذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا.

وعن أبي ذر قال : بينا أنا عند رسول الله إذا انتطحت عنزان فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتدرون فيم انتطحا؟ فقالوا : لا ندري ، قال : لكن الله يدري سيقضي بينهما.

وقال الرازي : قال قتادة : يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص ، وقالت المعتزلة : إن الله يحشر الحيوانات كلها في ذلك اليوم ليعوضها آلامها التي وصلت إليها في الدنيا بالموت والقتل وغير ذلك ، فإذا عوضت عن تلك الآلام فإن شاء الله أن يبقى بعضها في الجنة إذا كان مستحسنا فعل وإن شاء أن يفنيه أفناه على ما جاء به الخبر ، وأما أصحابنا فعندهم أنه لا يجب على الله شيء بحكم الاستحقاق ، ولكنه تعالى يحشر الوحوش كلها فيقتص للجماء من القرناء ، ثم يقال لها : موتي فتموت

__________________

(١) سورة الأنعام : ٣٨.

٣٢٣

انتهى.

وقال بعض شراح صحيح مسلم : اضطرب العلماء في بعث البهائم ، وأقوى ما تعلق به من يقول ببعثها قوله تعالى : «وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ » وأجاب الآخر بأن معنى حشرت ماتت ، قال : والأحاديث الواردة ببعثها آحاد تفيد الظن والمطلوب في المسألة القطع ، وحمل البعض العود المذكور في الحديث على أنه ليس حقيقة وإنما هو ضرب مثل إعلاما للخلق بأنها دار جزاء لا يبقى فيها حق عند أحد ، ثم قال : ويصح عندي أن يخلق الله تعالى هذه الحركة للبهائم يوم القيامة ليشعر أهل المحشر بما هم صائرون إليه من العدل ، وسمي ذلك قصاصا لا أنه قصاص تكليف ومجازاة ، ومن توقف في بعثها إنما توقف في القطع بذلك كما يقطع ببعث المكلفين والأحاديث الواردة ليست نصوصا ولا متواترة ، وليست المسألة عملية حتى يكتفي فيها بالظن والأظهر حشر المخلوقات كلها بمجموع ظواهر الآي والأحاديث ، وليس من شرط الإعادة المجازاة بعقاب أو ثواب للإجماع على أن أولاد الأنبياءعليهم‌السلام في الجنة ولا مجازاة على الأطفال ، واختلف في أولاد من سواهم اختلافا كثيرا انتهى.

وقال القرطبي : حمل بعضهم الحديث على ظاهره لأنه قال : يؤتى يوم القيامة بالبهائم فيقال لها : كوني ترابا بعد ما يقاد للجماء من القرناء ، وحينئذ يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ، ويدل على أنها ضرب مثل ما جاء في بعض الروايات من الزيادة في هذا الحديث ، يريد الحديث الذي نقله مسلم قال : حتى يقاد للجلجاء من القرناء وللحجرلم ركب على حجر ، وللعود لم خدش العود ، لأن الجمادات لا تعقل كلاما فلا ثواب ولا عقاب لها ، وهو في التمثيل مثل قوله تعالى : «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً »(١) الآية.

__________________

(١) سورة الرعد : ٣١.

٣٢٤

وقوله تعالى : «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ »(١) .

وقال الآبي : المسائل العلمية التي لا يرجع للذات ولا للصفات كهذه يصح التمسك فيها بالآحاد ، والاستدلال بمجموع ظواهر الآي والأحاديث يرجع إلى التواتر المعنوي والاختلاف فيمن سوى أولاد الأنبياءعليهم‌السلام إنما هو في محلهم بعد البعث لا في بعثهم كذا أظنه توقف الأشعري في بعث المجانين ومن لم يبلغه الدعوة فجوز أن يبعثوا وجوز أن لا يبعثوا ، ولم يرد عنه قاطع في ذلك ثم قال : لا معنى لتوقفه لأن ظاهر الآي والأحاديث بعث الجميع ، والمسألة علمية لا ترجع للذات ولا للصفات ، فيصح التمسك فيها بالآحاد كما تقدم ، أو يقال مجموع الآي والأحاديث يفيد التواتر المعنوي كما تقدم ، انتهى.

وأقول : تمام الكلام في ذلك موكول إلى كتابنا الكبير.

وأما الذنب الثالث فالخوف بعد التوبة ، لاحتمال عدم حصول شرائط التوبة وعدم القطع بقوله فينبغي أن يكون التائب أيضا بين الخوف والرجاء.

ولنذكر هنا بعض الفوائد التي لا بد من التعرض لها.

الأولى : في معنى التوبة وهي لغة الرجوع وتنسب إلى العبد وإلى الله سبحانه ومعناها على الأول الرجوع عن المعصية إلى الطاعة وعلى الثاني الرجوع عن العقوبة إلى اللطف والتفضل ، وفي الاصطلاح قيل : هي الندم عن الذنب لكونه ذنبا فخرج الندم على شرب الخمر مثلا لإضراره بالجسم ، وقد يزاد مع العزم على ترك المعاودة أبدا ، والظاهر أن هذا لازم لذلك الندم غير منفك عنه كما مرت الإشارة إليه.

وقال الشيخ البهائيقدس‌سره : والكلام الجامع في هذا الباب ما قاله بعض ذوي الألباب : من أن التوبة لا تحصل إلا بحصول أمور ثلاثة : أولها معرفة ضرر

__________________

(١) سورة الحشر : ٢١.

٣٢٥

الذنوب وكونها حجابا بين العبد ومحبوبة ، وسموما قاتلة لمن يباشرها ، فإذا عرف ذلك وتيقنه حصل له من ذلك حالة ثانية هي التألم لفوات المحبوب ، والتأسف من فعل الذنوب وهذا التألم والتأسف هو المعبر عنه بالندم ، وإذا غلب هذا الألم حصل حالة ثالثة هي القصد إلى أمور ثلاثة لها تعلق بالحال والاستقبال والمضي ، فالمتعلق بالحال هو ترك ما هو مقيم عليه من الذنوب ، والمتعلق بالاستقبال هو العزم على عدم العود إليها إلى آخر العمر والمتعلق بالماضي تلافى ما يمكن تلافيه من قضاء الفوائت والخروج من المظالم ، فهذه الثلاثة أعني المعرفة والندم والقصد إلى المذكورات أمور مترتبة في الحصول ، وقد يطلق على مجموعها اسم التوبة ، وكثيرا ما يطلق على الثاني أعني الندم وحده ، وتجعل المعرفة مقدمة لها ، وذلك القصد ثمرة متأخرة عنها ، وقد يطلق على مجموع الندم والعزم هذا ، وقد عرفها بعض أصحاب القلوب برجوع الآبق عن الجرم السابق ، وبعضهم بإذابة الأحشاء لما سلف من الفحشاء ، وبعضهم بأنها خلع لباس الجفاء وبسط بساط الوفاء ، انتهى.

وأقول : إذا عرفت أن عدم العود إلى الذنب فيما بقي من العمر لا بد منه في التوبة ، فهل إمكان صدوره منه في بقية العمر شرط ، حتى لو زنا ثم جب وعزم على أن لا يعود إلى الزنا على تقدير قدرته عليه لم تصح توبته ، أم ليس بشرط فتصح؟ الأكثر على الثاني ، بل نقل بعض المتكلمين إجماع السلف عليه ، وأولى من هذا بصحة التوبة من تاب في مرض مخوف غلب على ظنه الموت فيه.

أما التوبة عند حضور الموت وتيقن الفوت وهو المعبر عنه بالمعاينة فقد انعقد الإجماع على عدم صحتها ونطق بذلك القرآن العظيم ، قال سبحانه : «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً »(١) وفي الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) سورة النساء : ١٨.

٣٢٦

إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ، والغرغرة تردد الماء وغيره من الأجسام المائعة في الحلق ، والمراد هنا تردد الروح عند النزع.

والأخبار عن أئمتناعليهم‌السلام كثيرة في أنه لا تقبل التوبة عند حضور الموت وظهور علاماته ومشاهدة أهواله ، كتوبة فرعون وسائر الكفرة الذين نزل عليهم العذاب ، وقد مر بعضها ، وعلل ذلك بأن الإيمان برهان ، ومشاهدة تلك العلامات والأهوال في ذلك الوقت تصير الأمر عيانا فيسقط التكليف كما أن أهل الآخرة لما صارت معارفهم ضرورية سقطت التكاليف عنهم ، قال بعض المفسرين : ومن لطف الله بالعباد أن أمر قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرجلين ثم يصعد شيئا فشيئا إلى أن تصل إلى الصدر ، ثم تنتهي إلى الحلق ليتمكن في هذه المهلة من الإقبال بالقلب على الله تعالى ، والوصية والتوبة ما لم يعاين والاستحلال ، وذكر الله على لسانه فيرجى بذلك حسن خاتمته ، رزقنا الله ذلك بفضله وكرمه.

الثانية : لا خلاف في وجوب التوبة في الجملة والأظهر أنها إنما تجب لما لم يكفر من الذنوب كالكبائر والصغائر التي أصرت عليها ، فإنها ملحقة بالكبائر والصغائر التي لم يجتنب معها الكبائر ، فأما مع اجتناب الكبائر فهي مكفرة إذا لم يصر عليها ، ولا يحتاج إلى التوبة منها ، لقوله تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ »(١) قال المحقق الطوسيقدس‌سره في التجريد : التوبة واجبة لدفعها الضرر ، ولوجوب الندم على كل قبيح أو إخلال بواجب ، وقال العلامة (ره) في شرحه : التوبة هي الندم على المعصية لكونها معصية ، والعزم على ترك المعاودة في المستقبل : لأن ترك العزم يكشف عن نفي الندم ، وهي واجبة بالإجماع ، لكن اختلفوا.

فذهب جماعة من المعتزلة إلى أنها تجب من الكبائر المعلوم كونها كبائر أو

__________________

(١) سورة النساء : ٣١.

٣٢٧

المظنون فيها ذلك ، ولا يجب من الصغائر المعلوم أنها صغائر.

وقال آخرون : إنها لا تجب من ذنوب تاب عنها من قبل ، وقال آخرون : إنها تجب من كل كبير وصغير من المعاصي أو الإخلال بالواجب ، سواء تاب منها قبل أو لم يتب ، وقد استدل المصنف على وجوبها بأمرين : الأول : أنها دافعة للضرر الذي هو العقاب أو الخوف فيه ، ودفع الضرر واجب ، الثاني : أنا نعلم قطعا وجوب الندم على فعل القبيح أو الإخلال بالواجب.

إذا عرفت هذا فنقول : إنها تجب من كل ذنب لأنها تجب من المعصية لكونها معصية ، ومن الإخلال بواجب لكونه كذلك ، وهذا عام في كل ذنب وإخلال بواجب ، انتهى.

أقول : ظاهر كلامه وجوب التوبة من الذنب الذي تاب منه ، وكأنه نظر إلى أن الندم على القبيح واجب في كل حال ، وكذا ترك العزم على الحرام واجب دائما ، وفيه أن العزم على الحرام ما لم يأت به لا يترتب عليه إثم ، إلا أن يقول : أن العفو عنه تفضلا لا ينافي كونه منهيا عنه كما مر ، وأما الندم على ما صدر عنه سابقا فلا نسلم وجوبه بعد تحقق الندم مرة ، وسقوط العقاب به ، وإن كان القول بالوجوب لا يخلو من قوة ، وقال الشيخ البهائي : دفع ضرر العقاب لا يدل على وجوب التوبة عن الصغائر ممن يجتنب الكبائر لكونها مكفرة ، ولهذا ذهبت البهشمية إلى وجوبها عن الصغائر سمعا لا عقلا.

نعم الاستدلال بأن الندم على القبيح من مقتضيات العقل الصحيح يعم القسمين ، وأما فورية الوجوب فقد صرح به المعتزلة فقالوا يلزم بتأخيرها ساعة إثم آخر تجب التوبة منه أيضا ، حتى أن من أخر التوبة عن الكبيرة ساعة واحدة فقد فعل كبيرتين وساعتين أربع كبائر ، الأولتان وترك التوبة عن كل منهما ، وثلاث ساعات ثمان كبائر وهكذا ، وأصحابنا يوافقونهم على الفورية لكنهم لم يذكروا

٣٢٨

هذا التفصيل فيما رأيته من كتبهم الكلامية.

وقالرحمه‌الله : لا ريب في وجوب التوبة على الفور فإن الذنوب بمنزلة السموم المضرة بالبدن وكما يجب على شارب السم المبادرة إلى الاستفراغ تلافيا لبدنه المشرف على الهلاك ، كذلك يجب على صاحب الذنوب المبادرة إلى تركها والتوبة منها تلافيا لدينه المشرف على التهافت والاضمحلال ، ومن أهمل المبادرة إلى التوبة وسوفها من وقت إلى وقت فهو بين خطرين عظيمين إن سلم من واحد فلعله لا يسلم من الآخر.

أحدهما : أن يعاجله الأجل فلا يتنبه من غفلته إلا وقد حضره الموت وفات وقت التدارك ، وانسدت أبواب التلافي ، وجاء الوقت الذي أشار إليه سبحانه بقوله : «وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ »(١) وصار يطلب المهلة والتأخير يوما أو ساعة ، فيقال : لا مهلة لك كما قال سبحانه : «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ »(٢) قال بعض المفسرين في تفسير هذه الآية إن المحتضر يقول عند كشف الغطاء : يا ملك الموت أخرني يوما أعتذر فيه إلى ربي وأتوب إليه وأتزود عملا صالحا فيقول فنيت الأيام فيقول أخرني ساعة فيقول : فنيت الساعات فيغلق عنه باب التوبة ويغرغر بروحه إلى النار ويجرع غصة اليأس وحسرة الندامة على تضييع العمر ، وربما اضطرب أصل إيمانه في صدمات تلك الأهوال نعوذ بالله من ذلك.

وثانيهما أن تتراكم ظلمة المعاصي على قلبه إلى أن تصير رينا وطبعا فلا تقبل المحو فإن كل معصية يفعلها الإنسان يحصل منها ظلمه في قلبه كما تحصل من نفس الإنسان ظلمه في المرآة فإذا تراكمت ظلمة الذنوب صارت رينا كما تصير بخار النفس عند تراكمه على المرآة ، وإذا تراكم الرين صار طبعا تطبع على قلبه

__________________

(١) سورة سبأ : ٥٤.

(٢) سورة المنافقون : ١٠.

٣٢٩

كالخبث على وجه المرآة إذا تراكم بعضه فوق بعض ، وطال مكثه وغاص في جرمها ، وأفسدها فصار لا تقبل الصيقل أبدا.

وقد يعبر عن هذا القلب بالقلب المنكوس والقلب الأسود كما مر في الخبر. أنه يصير أعلاه أسفله ، وفي خبر آخر إن تمادى في الذنوب زاد السواد حتى يغطى البياض فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وهو قول الله عز وجل : «كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ »(١) فقوله : لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا يدل على أن صاحب هذا القلب لا يرجع عن المعاصي ولا يتوب منها أبدا ، ولو قال بلسانه تبت إلى الله يكون هذا القول مجرد تحريك اللسان من دون موافقة القلب ، فلا أثر له أصلا كما أن قول القصار : غسلت الثوب لا يصير الثوب نقيا من الأوساخ.

وربما يؤول حال صاحب هذا القلب إلى عدم المبالاة بأوامر الشريعة ونواهيها فيسهل أمر الدين في نظره ويزول وقع الأحكام الإلهية من قلبه ، وينفر عن قبولها طبعه ، وينجر ذلك إلى اختلاف عقيدته وزوال إيمانه ، فيموت على غير الملة وهو المعبر عنه بسوء الخاتمة نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

الثالثة : سقوط العقاب بالتوبة مما أجمع عليه أهل الإسلام ، وإنما الخلاف في أنه هل يجب علي الله حتى لو عاقب بعد التوبة كان ظلما أو هو تفضل يفعله سبحانه كرما منه ورحمة بعبادة؟ المعتزلة على الأول ، والأشاعرة على الثاني وإليه ذهب الشيخ أبو جعفر الطوسيقدس‌سره في كتاب الاقتصاد ، والعلامةرحمه‌الله في بعض كتبه الكلامية ، وتوقف المحقق الطوسي طاب ثراه في التجريد.

وقال الطبرسي (ره) في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : «فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ »(٢) في هذه الآية دلالة على أن إسقاط العقاب عند التوبة

__________________

(١) سورة المطفّفين : ١٤.

(٢) سورة غافر : ٧.

٣٣٠

تفضل من الله تعالى إذ لو كان واجبا لكان لا يحتاج إلى مسألتهم ، بل كان يفعله سبحانه لا محالة ، واعترض عليه بأنه يحتمل أن يكون من قبيل قوله تعالى : «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا »(١) ، والحق ما اختاره الشيخ كما يظهر من كثير من الأخبار وأدعية الصحيفة الكاملة وغيرها ، ودليل الوجوب ضعيف.

الرابعة : الذنب إن لم يستتبع أمر آخر يلزم الإتيان به شرعا كلبس الحرير مثلا ، كفى الندم عليه والعزم على عدم العود إليه ، ولا يجب شيء آخر سوى ذلك ، وإن استتبع أمر آخر من حقوق الله تعالى أو من حقوق الناس ماليا أو غير مالي وجب مع التوبة الإتيان به ، وربما كان المكلف مخيرا بين الإتيان بذلك الأمر وبين الاكتفاء بالتوبة من الذنب المستتبع له.

فحقوق الله المالية كالعتق في الكفارة مثلا يجب الإتيان بها مع القدرة ، وغير المالية إن كان غير حد كقضاء الفوائت وصوم الكفارة فكذلك ، وإن كان حدا فالمكلف مخير إن شاء أقر بالذنب عند الحاكم ليقام عليه الحد ، وإن شاء ستره واكتفى بالتوبة منه فلا حد عليه حينئذ إن تاب قبل قيام البينة به عند الحاكم.

وأما حقوق الناس المالية فتجب تبرئة الذمة منها بقدر الإمكان ، فإن مات صاحب الحق فورثته في كل طبقة قائمون مقامه ، فمتى دفعه إليهم هو أو ورثته أو أجنبي متبرع برئت ذمته وإن بقي إلى يوم القيامة فلفقهائنا رضوان الله عليهم في مستحقه وجوه.

الأول : أنه لصاحبه الأول ، الثاني : أنه لآخر وارث ولو بالعموم كالإمام ، الثالث : أنه ينتقل إلى الله سبحانه والأول هو الأصح ، وقد دلت عليه الرواية الصحيحة عن الصادقعليه‌السلام .

وأما حقوقهم الغير المالية فإن كان إضلالا وجب الإرشاد بل قد ورد في بعض

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٦.

٣٣١

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن حمران قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن رجل أقيم عليه الحد في الرجم

الأخبار أنه لا تقبل توبته إلا بأن يحيي من مات على تلك الضلالة ويرده عنها ، وإن كان قصاصا وجب إعلام المستحق له وتمكينه من استيفائه ، فيقول : أنا الذي قتلت أباك مثلا ، فإن شئت فاقتص مني ، وإن شئت فاعف عني ، وإن كان حدا كما في القذف فإن كان المستحق له عالما بصدور ما يوجبه وجب التمكين أيضا وإن كان جاهلا به فهل يجب إعلامه به وجهان ، من كونه حق آدمي فلا يسقط إلا بإسقاطه ، ومن كون الإعلام تجديدا للأذى وتنبيها على ما يوجب البغضاء ، ومثل هذا يجري في الغيبة أيضا.

وكلام المحقق الطوسي وتلميذه العلامة طاب ثراهما يعطي عدم الإعلام بها ، وقد مر في باب الغيبة أن الأقوى أنه إذا علم بها يجب الاستحلال منه ، وإن لم يعلم فكفارته الاستغفار له.

ثم المشهور بين المتكلمين أن الإتيان بما يستتبعه الذنوب من فضاء الفوائت وأداء الحقوق والتمكين من القصاص والحد ونحو ذلك ليس شرطا في صحة التوبة ، بل هذه واجبات برأسها ، والتوبة صحيحة بدونها ، وبها تصير أكمل وأتم.

الخامسة : اختلفوا في التوبة المبعضة والموقتة والمجملة ، والأصح صحة المبعضة ، وإلا لما صحت عن الكفر مع الإصرار على صغيرة ، وأما الموقتة كان يتوب عن الذنوب سنة فاشتراط العزم على عدم العود أبدا يقتضي بطلانها ، وأما المجملة كان يتوب عن الذنوب على الإجمال من دون ذكر تفصيلها وهو ذاكر للتفصيل فقد توقف فيها المحقق الطوسيقدس‌سره ، والقول بصحتها غير بعيد ، إذ لا دليل على اشتراط التفصيل ، وقد بسطنا القول في أكثر تلك المباحث في كتابنا الكبير.

الحديث الثاني : حسن موثق كالصحيح.

وظاهره أن من أقيم عليه الحد يسقط عنه العقاب وإن لم يتب كما هو

٣٣٢

أيعاقب عليه في الآخرة قال إن الله أكرم من ذلك.

باب

تعجيل عقوبة الذنب

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن حمزة بن حمران ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عز وجل إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله ذنب ابتلاه بالسقم فإن لم يفعل ذلك له ابتلاه بالحاجة فإن لم يفعل به ذلك شدد عليه الموت ليكافيه بذلك الذنب قال وإذا كان من أمره أن يهين عبدا وله عنده حسنة صحح بدنه فإن لم يفعل به ذلك وسع عليه في رزقه فإن هو لم يفعل ذلك به هون عليه الموت ليكافيه بتلك الحسنة.

ظاهر الأصحاب ، ويشكل القول بسقوط وجوب التوبة عنه إلا أن يقال : يعفى عنه تفضلا ، وإن استحقه كما يومئ إليه الخبر ، أو يقال : يسقط عنه عقاب ما يوجب الحد كالزنا مثلا ، وإن بقي عليه عقاب ترك التوبة ، والخبر لا يأتي عنه بل يشعر به أيضا.

باب تعجيل عقوبة الذنب

الحديث الأول : مجهول.

« من أمره » أي من شأنه وتدبيره « أن يكرم عبدا » أي في الآخرة بإيمانه بأن لا يعذبه فيها « فإن لم يفعل » أي الرب أو الذنب « ذلك » أي السقم أو الابتلاء به ، أو المعنى إن لم يفعل السقم ذلك أي تكفير الذنب أو استحقاق الإكرام به أي بالعبد ، والاحتمالات جارية في سائر الفقرات والأول في الكل أظهر ، وفي رواية : إن بقي عليه ذنب يكافيه بضغطة القبر ، وظاهره أن المؤمن لا يعذب في الآخرة ، وقد يخص بحقوق الله « أن يهين عبدا » أي بنفاقه فإنه لا يستحق ثواب

٣٣٣

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن الحكم بن عتيبة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يكن عنده من العمل ما يكفرها ابتلاه بالحزن ليكفرها.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عز وجل وعزتي وجلالي لا أخرج عبدا من الدنيا وأنا أريد أن أرحمه حتى أستوفي منه كل خطيئة عملها إما بسقم في جسده وإما بضيق في رزقه وإما بخوف في دنياه فإن بقيت عليه بقية شددت عليه عند الموت وعزتي وجلالي لا أخرج عبدا من الدنيا وأنا أريد أن أعذبه حتى أوفيه كل حسنة عملها إما بسعة في رزقه وإما بصحة في جسمه وإما بأمن في دنياه فإن بقيت عليه بقية هونت عليه بها الموت.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبان بن تغلب قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن المؤمن ليهول عليه

الآخرة فيعطيه عوضه في الدنيا كإبليس ، وذلك من فضل الله سبحانه لأنه لا يستحق الجزاء لإخلاله بأعظم الشرائط وهو الإيمان ، ويمكن تعميمه بحيث يشمل بعض الظلمة والفساق أيضا.

الحديث الثاني : ضعيف.

« إن العبد » أي المؤمن « ولم يكن عنده » أي عند العبد أو الرب والأول أظهر « بالحزن » أي بسبب ظاهر أو بغيره.

الحديث الثالث : ضعيف.

« وأنا أريد أن أرحمه » أي استحق رحمتي.

الحديث الرابع : صحيح.

« ليهول » على بناء المجهول من التفعيل ، في القاموس : هاله هولا أفزعه كهوله فاهتاله ، والهول مخافة لا يدري ما هجم عليه ، وقال : مهنة كمنعه ونصره

٣٣٤

في نومه فيغفر له ذنوبه وإنه ليمتهن في بدنه فيغفر له ذنوبه.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن السري بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا عجل له عقوبته في الدنيا وإذا أراد بعبد سوءا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافي بها يوم القيامة.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ »(١) ليس من التواء عرق ولا نكبة حجر ولا عثرة قدم

وخدمه وضربه وجهده ، وامتهنه استعمله فامتهن هو لازم متعد ، والمهين الحقير والضعيف ، وفي النهاية : امتهنوني أي ابتذلوني في الخدمة ، وربما يقرأ ليمهن وهو تصحيف ، وفي الصحاح امتهنت الشيء ابتذلته وأمهنته أضعفته.

والحاصل أنه تبتليه في بدنه بالبلايا والأمراض والأحزان والذل كأنه استخدمه أو ابتذله واستعمله كثوب البذلة ، وفي الصحيفة السجادية وامتهنك بالزيادة والنقصان.

الحديث الخامس : مجهول.

« أمسك عليه ذنوبه » أي لم يكفرها بالعقوبة في الدنيا.

الحديث السادس : ضعيف.

«وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ » قال في مجمع البيان : أي من بلوى في نفس أو مال «فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » من المعاصي «وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » منها فلا يعاقب بها ، قال الحسن : الآية خاصة بالحدود التي يستحق على وجه العقوبة ، وقال قتادة : هي عامة ، وروي عن عليعليه‌السلام أنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير آية في كتاب الله هذه الآية ، يا علي ما من خدش عود ولا نكبة قدم إلا بذنب ، وما عفا الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه ، وما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني

__________________

(١) سورة الشورى : ٣٠.

٣٣٥

ولا خدش عود إلا بذنب ولما يعفو الله أكثر فمن عجل الله عقوبة ذنبه في الدنيا فإن الله عز وجل أجل وأكرم وأعظم من أن يعود في عقوبته في الآخرة.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن العباس بن موسى الوراق ، عن علي الأحمسي ، عن رجل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

على عبده ، وقال أهل التحقيق : أن ذلك خاص وإن خرج مخرج العموم لما يلحق من مصائب الأطفال والمجانين ، ومن لا ذنب له من المؤمنين ، ولأن الأنبياء والأئمة يمتحنون بالمصائب وإن كانوا معصومين من الذنوب لما يحصل لهم في الصبر عليها من الثواب ، انتهى.

وأقول : سيأتي استثناء المعصومينعليهم‌السلام منها ، والالتواء الانفتال والانعطاف ، في القاموس : لواه يلويه ليا فتله وثناه فالتوى وتلوى ، وبرأسه أمال ، والنباقة بذنبها حركت ، و التوى القدح اعوج وتلوى انعطف ، وقال : نكب الحجارة رجله لتمتها أو أصابتها فهو منكوب ، وفي النهاية : وقد نكب بالحرة أي نالته حجارتها وأصابته ، ومنه النكبة وهي ما يصيب الإنسان من الحوادث ، ومنه الحديث أنه نكبت إصبعه أي نالتها الحجارة ، و الخدش جراحة في ظاهر الجلد سواء دمي الجلد أولا.

« ولما يعفو الله » بفتح اللام وتخفيف الميم.

الحديث السابع : مجهول.

والهم والغم إما مترادفان أو الغم ما يعلم سببه ، والهم ما لم يعلم سببه ، أو الهم الحزن الذي يذيب الجسد فهو أخص ، أو الهم ما كان لفقد محبوب ، والغم لوجود مكروه.

وفي الدعاء : أعوذ بك من الهم والغم والحزن ، قيل : الفرق بين الثلاثة هو أن الهم قبل نزول الأمر ويطرد النوم ، والغم بعد نزول الأمر ويجلب النوم ، والحزن الأسف على ما فات وخشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم ، وقال الكرماني

٣٣٦

ما يزال الهم والغم بالمؤمن حتى ما يدع له ذنبا.

٨ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن الحارث بن بهرام ، عن عمرو بن جميع قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن العبد المؤمن ليهتم في الدنيا حتى يخرج منها ولا ذنب عليه.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي الأحمسي ، عن رجل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لا يزال الهم والغم بالمؤمن حتى ما يدع له من ذنب.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عز وجل ما من

الغم هو ما يلحقه بحيث يضمه كأنه يضيق عليه ، ويقرب أن يغمى عليه ، فهو أخص من الحزن ، وهو شامل لجميع أنواع المكروهات ، والهم بحسب ما يقصده ، والحزن ما يلحقه بسبب مكروه في الماضي ، والغم على المستقبل.

وقيل : الهم والحزن بمعنى وقيل : الهم لما يتصور من المكروه الحالي والحزن لما في الماضي.

وقال الطيبي : الحزن خشونة في النفس لحصول غم ، والهم حزن يذيب الإنسان فهو أخص من الحزن ، وقيل : هو بالآتي والحزن بالماضي.

الحديث الثامن : ضعيف.

« ليهتم » أي يصيبه الهم والحزن كثيرا ، في القاموس : الهم الحزن ، وهمه الأمر هما ومهمة حزنه كأهمه فاهتم ، وفي بعض النسخ : ليهم على بناء المفعول.

الحديث التاسع : مجهول ، وقد مر.

الحديث العاشر : صحيح.

« أريد أن أدخله الجنة » أي لإيمانه وقد عمل بالمعاصي ، وليست له حسنة

٣٣٧

عبد أريد أن أدخله الجنة إلا ابتليته في جسده فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا شددت عليه عند موته حتى يأتيني ولا ذنب له ثم أدخله الجنة وما من عبد أريد أن أدخله النار إلا صححت له جسمه فإن كان ذلك تماما لطلبته عندي وإلا آمنت خوفه من سلطانه فإن كان ذلك تماما لطلبته عندي وإلا وسعت عليه في رزقه فإن كان ذلك تماما لطلبته عندي وإلا هونت عليه موته حتى يأتيني ولا حسنة له عندي ثم أدخله النار.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن أورمة ، عن النضر بن سويد ، عن درست بن أبي منصور ، عن ابن مسكان ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال مر نبي من أنبياء بني إسرائيل برجل بعضه تحت حائط وبعضه خارج منه قد شعثته الطير ومزقته الكلاب ثم مضى فرفعت له مدينة فدخلها فإذا هو بعظيم من عظمائها ميت على سرير مسجى بالديباج حوله المجمر فقال يا رب

تكفرها ولم يعف عنها « فإن كان » الجزاء مقدر أي فاكتفى به أو مثله « تماما » أي متمما ، في القاموس : تم يتم تما وتماما مثلثتين ، وتمام الشيء ما يتم به.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

والتشعيث التفريق ، وفي المصباح مزقت الشيء أمزقه ومزقته خرقته ، ومزقهم الله كل ممزق ، فرقهم في كل وجه من البلاد « فرفعت » على بناء المفعول أي ظهرت ، قال الكرماني في شرح البخاري : فيه فرفع لي البيت المعمور أي قرب وكشف وعرض.

وفي القاموس : تسجية الميت تغطيته ، وفي المصباح : الديباج ثوب سداه ولحمته إبريسم ، ويقال هو معرب ثم كثر حتى اشتقت العرب منه فقالوا دبج الغيث الأرض دبجا من باب ضرب إذا سقاها فأنبتت أزهارا مختلفة ، لأنه عندهم اسم للمنقش ، واختلف في الياء فقيل زائدة ووزنه فيعال ، ولهذا يجمع بالياء فيقال دبابيج ، وقيل : هي أصل والأصل دباج بالتضعيف فأبدل من إحدى المضعفين حرف العلة ، ولهذا يرد

٣٣٨

أشهد أنك حكم عدل لا تجور هذا عبدك لم يشرك بك طرفة عين أمته بتلك الميتة وهذا عبدك لم يؤمن بك طرفة عين أمته بهذه الميتة فقال عبدي أنا كما قلت حكم عدل لا أجور ذلك عبدي كانت له عندي سيئة أو ذنب أمته بتلك الميتة لكي يلقاني ولم يبق عليه شيء وهذا عبدي كانت له عندي حسنة فأمته بهذه الميتة لكي يلقاني وليس له عندي حسنة.

١٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي الصباح الكناني قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخل عليه شيخ فقال يا أبا عبد الله أشكو إليك ولدي وعقوقهم وإخواني وجفاهم عند كبر سني فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا هذا إن للحق دولة وللباطل دولة وكل واحد منهما في دولة صاحبه ذليل وإن أدنى ما يصيب المؤمن في دولة الباطل العقوق من ولده والجفاء من إخوانه وما من

في الجمع إلى أصله ، فيقال دبابيج بباء موحدة بعد الدال.

« أشهد أنك حكم » بالتحريك وهو منفذ الحكم أي أعلم مجملا أن هذا من عدلك لأنك حاكم عادل ، لكن لا أعلم بخصوص السبب « أو ذنب » الترديد من الراوي.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

« دولة » بالفتح أي غلبة أو نوبة ، قال الجوهري : الدولة في الحرب أن تداول إحدى الفئتين على الأخرى ، والدولة بالضم في المال يقال : صار الفيء دولة بينهم يتداولونه يكون مرة لهذا ومرة لهذا ، وقال أبو عبيد : الدولة بالضم اسم الشيء الذي يتداول به بعينه ، والدولة بالفتح الفعل ، وقيل : بالضم في المال وبالفتح في الحرب ، وأدالنا الله من عدونا ، من الدولة والإدالة الغلبة ، ودالت الأيام أي دارت ، والله يداولها بين الناس ، وتداولته الأيدي أي أخذته هذه مرة وهذه مرة.

وقال : رجل رأفة أي وادع وهو في رفاهة من العيش ، أي سعة ورفاهية على فعالية ، انتهى.

٣٣٩

مؤمن يصيبه شيء من الرفاهية في دولة الباطل إلا ابتلي قبل موته إما في بدنه وإما في ولده وإما في ماله حتى يخلصه الله مما اكتسب في دولة الباطل ويوفر له حظه في دولة الحق فاصبر وأبشر.

باب

في تفسير الذنوب

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن العباس بن العلاء ، عن مجاهد ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الذنوب التي تغير النعم البغي والذنوب التي تورث الندم القتل والتي تنزل النقم الظلم والتي تهتك الستر

والمراد به إما مطلق الرفاهية أو الرفاهية بالباطل ، ولعل الأخير أظهر ، وعلى الأول الابتلاء في رفاهية الحلال ليفوز بثواب الصابرين ، ولحصول الرفاهية له في دولة الحق ولو في الرجعة ، وللتشبيه بأولياء الله في دولة الباطل.

باب تفسير عقوبات الذنوب

الحديث الأول : ضعيف.

وحمل البغي على الذنوب باعتبار كثرة أفراده ، وكذا نظائره ، و البغي في اللغة تجاوز الحد ويطلق غالبا على التكبر والتطاول ، وعلى الظلم قال تعالى : «يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ »(١) وقال : «إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ »(٢) و «بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ »(٣) «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ »(٤) «فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي »(٥) وقد روي أن الحسنعليه‌السلام طلب المبارز في صفين فنهاه أمير المؤمنين عن ذلك وقال : إنه بغى ولو بغى جبل على جبل لهد الله الباغي ،

__________________

(١) سورة الشورى : ٤٢.

(٢) سورة يونس : ٢٣.

(٣) سورة الحجّ : ٦٠.

(٤) سورة القصص : ٧٦.

(٥) سورة الحجرات : ٩.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

المجلس الثامن

ليلة الجمعة / غرّة شعبان المعظّم / ١٣٤٥ هجرية

أقبل القوم بعد ما أتممت صلاة العشاء ، فاستقبلناهم بالترحاب ، فجلسوا وشربوا الشاي.

ثم تكلم السيد عبد الحي قائلا :

لقد صدرت منكم في البحث الماضي كلمة لا ينبغي لمثلكم أن يتفوّه بها. لانها تسبّب تفرقة المسلمين. والله تعالى يقول :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) ( وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا ) (٢) .

قلت «متعجبا» : أرجو أن توضح ما هي تلك الكلمة؟! فربما صدرت مني في حال الغفلة.

السيد عبد الحي : في الليلة الماضية ، في أواخر البحث عن فوائد الزيارة قلتم : إنكم تعتقدون بأنّ زيارة مشاهد أهل البيت من علائم الإيمان. وقلتم : ليس كل مسلم بمؤمن!

بينما المسلمون كلهم مؤمنون والمؤمنون كلهم مسلمون.

فلما ذا تفرّقون بينهم وتجعلونهم قسمين متمايزين؟!

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٣.

(٢) سورة الأنفال ، الآية ٤٦.

٦٠١

أليس هذا الانقسام يضر الإسلام! وقد تبيّن لنا من كلامكم شيء ، وهو أنّ عوام الشيعة «خاصة في الهند» حين يحسبون أنفسهم مؤمنين ويحسبوننا مسلمين ، مأخوذ من علمائهم.

وهذا الأمر مخالف لرأى جمهور علماء الإسلام ، إذ لا يفرّقون بين الإسلام وبين الإيمان.

الفرق بين الإسلام والإيمان

قلت : أولا ، قولك : جمهور علماء الاسلام لا يفرقون بينه وبين الأيمان. فغير صحيح ، لأننا نجد في الكتب الكلامية اختلافا كثيرا حول الموضوع لا بين الشيعة والسنّة فحسب ، بل نجد الاختلاف ساريا في أقوال أهل السنة والجماعة أنفسهم أيضا ، فالمعتزلة على خلاف الأشاعرة. وبعض علماء الشافعية والحنفية على خلاف رأي أحمد ومالك.

ثانيا : لا يرد إشكالك على كلامي ، لأنّ كلامي صدر على أساس قوله تعالى :( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) الخ(١) .

فالآية الكريمة تصرّح بأنّ الإسلام والتسليم في الظاهر ، والإيمان يرتبط بالقلب ، والآية تنفي إيمان قوم في حين تثبت إسلامهم. فالمسلم ، من شهد بالتوحيد والنبوة فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله. فحينئذ يكون للمسلم ما للمؤمنين

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ١٤.

٦٠٢

في الدنيا ، من الحقوق الاجتماعية والمدينة والشخصية ، دون الآخرة ، فقد قال تعالى :( ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) (١) .

السيد عبد الحي : نقبل بأنّ الإسلام غير الإيمان ، فقد قال سبحانه وتعالى :( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ) (٢) .

فهذه الآية تفرض علينا الالتزام بالظاهر وأن لا ننفي الإسلام عمّن أظهر الإسلام.

قلت : نعم كل من نطق بالشهادتين ، فما لم يرتكب منكرا يلازم الكفر والارتداد ، ولم ينكر إحدى الضرورات الإسلاميّة كالمعاد ، فهو مسلم ، نعاشره ونجالسه ونعامله معاملة الإسلام ، ولم نتجاوز الظاهر ، فإنّ بواطن الناس لا يعلمها إلا الله سبحانه ، وليس لأحد أن يتجسّس على بواطن المسلمين. ولكن نقول : بأن النسبة بين الإسلام والإيمان ، عموم مطلق(٣) .

مراتب الإيمان

لقد أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمته عند اختلاف الأقوال وتضارب آرائهم ، أن يأخذوا بقول أهل بيته ويلتزموا برأيهم ، لأنهم أهل الحقّ والحقّ لا يفارقهم. فلذلك إذا بحثنا في أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام لنجد حقيقة موضوع حوارنا ، نصل إلى قول الإمام الصادقعليه‌السلام إذ يقول : «إنّ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٠٢.

(٢) سورة النساء ، الآية ٩٤.

(٣) مورد الاجتماع : المسلم المؤمن.

ومورد الافتراق : المسلم غير المؤمن ، ولا يوجد مؤمن غير مسلم.

٦٠٣

للإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل. فمنه الناقص البيّن نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه ومنه التام المنتهى تمامه. وأما الإيمان الراجح فهو عبارة عن إيمان الشخص الذي يتصف ببعض لوازم الإيمان ، فهو راجح على الذي لا يتصف بها فالثاني ناقص إيمانه ، وأما التام المنتهى تمامه ، فهو الذي يتصف بكل لوازم الإيمان». وقد قال سبحانه وتعالى فيهم :( أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) (١) .

وأما الصفات اللازمة للإيمان فهي كثيرة منها كما في الحديث المروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يا علي سبعة من كنّ فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان ، وأبواب الجنة مفتّحة له : من أسبغ وضوءه وأحسن صلاته ، وأدّى زكاة ماله ، وكفّ غضبه ، وسجن لسانه ، واستغفر لذنبه ، وأدّى النصيحة لأهل بيت نبيه»(٢) ونحن نعتقد أنّ زيارة مشاهد أهل البيتعليهم‌السلام يدخل ضمن العنوان الأخير. فالذي أسلم ، هو مؤمن في الظاهر ولا نعلم باطنه ، ولكن أعماله تكشف عن حقيقة إيمانه ، ومراتب رسوخ الايمان في قلبه وباطنه وقد جاء في تفسير الآية الكريمة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ) (٣) .

أي : يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم آمنوا بقلوبكم.

وخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من أصحابه فقال : «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان بقلبه».

فلا شك أنّ بين الإسلام والإيمان فرقا لغويا ومعنويا. وللمؤمن

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ٧٤.

(٢) الخصال : ٢ / ١٦٨ ، الحديث رقم ٨.

(٣) سورة النساء ، الآية ١٣٦.

٦٠٤

علائم تظهر في سلوكه وأعماله.

ثم اعلموا بأننا لا نفتش عن بواطن الناس ولا نفرّق بين المسلمين ، ولكن نعاملهم على حدّ أعمالهم ، فهناك من ينطق بالشهادتين ولكن يستخف بالصلاة والصوم ويستهين بالحج ولا يدفع الزكاة ويخالف القرآن الحكيم وأوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطيبين ، فليس هذا عندنا الاحترام والتكريم ، كمن ينطق بالشهادتين ويلتزم بأحكام الدين فيعمل بكل الفرائض ويترك المنهيّات ويطيع الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترتهعليهم‌السلام لقوله تعالى :( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١) .

فالإسلام يتحقق باللسان ، وهو بداية المرحلة الأولى من الإيمان ، ويترتب عليه الأحكام الدنيوية كالحقوق الاجتماعية والشخصية والمدنية.

ولكن الإيمان المطلق فيتحقق باللسان والقلب ، ويظهر بالأعمال الصالحة التي تصدر عن جوارح المؤمن وأعضاء بدنه ، وحتى اللسان ، وهو يحب أن يكون مطلقا ، يتقيّد بالإيمان فلا يتكلم إلاّ بالحق والصبر ، كما قال تعالى :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) (٢) .

وجاء في الحديث الشريف :

الإيمان هو الإقرار باللسان والعقد بالجنان والعمل بالأركان.

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ١٣.

(٢) سورة العصر.

٦٠٥

لما ذا ترفضون الشيعة!!

إذا كنتم ملتزمين بهذا الأصل العام ، إنّ كل من نطق بالشهادتين فهو مسلم ومؤمن وأخ في الدين. فلما ذا تطردون الشيعة وترفضونهم بل تعادونهم ، ولا تحسبون مذهبهم من المذاهب الإسلامية! وكلكم تعلمون بأنّ الشيعة يشهدون أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمدا رسول الله وخاتم النبيين. ويعتقدون بأنّ القرآن كلام الله العزيز ويلتزمون بكل ما جاء به النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيصلّون ويصومون ويزكّون ويحجون ويجاهدون في سبيل الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويعتقدون بالبعث والمعاد وبالمحاسبة والجزاء( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (١) لذلك يلتزمون بترك القبائح والمحرّمات كالظلم والسرقة والخمر والزنا والقمار واللواط والربا والكذب والافتراء والنميمة والسحر وغيرها من المحرّمات.

فنحن معكم نعتقد بإله واحد ونبي واحد ودين واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة ، ومع ذلك كله نراكم تفترون علينا وترموننا بالكفر والشرك! وهذا ما يريده الأجانب والمستعمرون ويفرحون منه.

فلما ذا هذا الظلم والجفاء وهذا التقوّل والافتراء علينا؟!!

ألم نكن معكم متّفقين على دين واحد ، ومتّفقين على أصوله وفروعه وأحكامه؟ ـ غير الإمامة والخلافة ـ وأما الاختلاف الموجود بيننا وبينكم في بعض الأحكام الفرعية ، فهو اختلاف نظري ورأي فقهي ، كالاختلاف الواقع بين الأئمة الأربعة لأهل السنّة والجماعة. بل

__________________

(١) سورة الزلزلة ، الآية ٧ و ٨.

٦٠٦

في بعض المسائل تكون اختلافاتهم أشدّ من اختلافنا مع بعضهم. هل أعددتم جوابا ليوم الحساب إذا سألتم عن سبب هذا الموقف البغيض والحقد العريض على الشيعة المؤمنين؟ وهل يقبل منكم إذا قلتم : إننا اتّبعنا أسلافنا من الخوارج وبني أمية النّواصب ، المعادين للعترة الهادية والفرقة النّاجية؟!!

فليس للشيعة ذنب ، سوى أنهم سلكوا الطريق الذي رسمه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله سبحانه ، فأمر المسلمين بمتابعة أهل بيته وإطاعة عترته من بعده.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا.

فالشيعة أخذوا بأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتمسّكوا بالثقلين.

وأمّا غيرهم فقد أخذوا بقول غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ عارضوه فقالوا : كفانا كتاب الله! فتركوا أهل البيت والعترة الطاهرة الهاديةعليهم‌السلام .

الشيعة أخذوا أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق أهل بيتهعليهم‌السلام ، وغيرهم أخذوا الأحاديث عن طريق أبي هريرة وأنس وسمرة وأمثالهم ، وتركوا طريق أهل البيت الطيبينعليهم‌السلام .

وللحصول على أحكام الدين ابتدعوا القياس والاستحسان حسب ما تراه عقولهم ، وتحكم به أفكارهم ، كل ذلك ليستغنوا عن العترة الهادية!!

لما ذا نتّبع عليّا وأبناءهعليهم‌السلام

ونحن إنما نتّبع عليّاعليه‌السلام وأبناءه الأئمة المعصومينعليهم‌السلام لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها».

٦٠٧

لذلك نحن دخلنا من الباب الذي فتحه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمته وأمرهم بالدخول منه إلى مدينة علومه وأحكام دينه وحقيقة شرعه.

ولكنكم تحتّمون علينا وعلى المسلمين أن نكون أشاعرة أو معتزلة في أصول الدين وأما في الفروع والأحكام فتريدوننا أن نأخذ برأي أحد الأئمة الأربعة ، لمذاهب أهل السنّة والجماعة وهو تحكّم منكم ، ليس لكم دليل عليه!

ولكننا نستند على أدلة عقلية ، ونقليّة من أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجوب متابعة عليعليه‌السلام وأبنائه الأئمة الطيبين ، وقد نقلت لكم بعض تلك الأحاديث الشريفة من كتبكم المعتبرة ومصادركم المشتهرة.

كحديث الثقلين وحديث السفينة وباب حطّة وغيرها. وإذ تنصفونا وتتركوا العناد واللجاج ، لكفى كل واحد من تلك الأحاديث في إثبات قولنا وأحقية مذهبنا.

وأمّا أنتم فليس عندكم حتى حديث واحد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر أمّته بمتابعة الأشعري أو ابن عطاء في مسائل أصول الدين ، أو العمل بآراء وأقوال مالك بن أنس أو أحمد بن حنبل أو أبي حنفية أو محمد ابن إدريس الشافعي في فروع الدين وأحكام العبادات والمعاملات.

ليت شعري من أين جاء هذا الانحصار؟!

فاتركوا التّعصّب لمذهب الآباء والأمّهات والتمسك بالتقاليد والعادات ، وارجعوا إلى القرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلو كان عشر هذه الروايات والأحاديث المروية في كتبكم والواصلة عن طرقكم في متابعة أهل البيتعليهم‌السلام ، لو كانت في حقّ واحد من أئمّة المذاهب الأربعة لاتّبعناه وأخذنا برأيه وعملنا بقوله.

٦٠٨

ولكن لا نرى في كتبكم وأسنادكم إلاّ أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يحثّ ويحفّز على متابعة الإمام عليعليه‌السلام بل يأمر المسلمين بذلك وينهى عن مخالفته ويصرّح بأنّ الحق معه.

والآن تذكّرت حديثا نبويا نقله كثير من علمائكم وأعلامكم ، أنقله لكم بالمناسبة لتعرفوا أنّ الشيعة لا يتّبعون عليّا وأبناءه عن تعصّب وهوى ، بل بأمر من الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس إلى الحقّ والجنة سبيل غير مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وهو مذهب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

روى الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه ينابيع المودة الباب الرابع / عن فرائد السمطين لشيخ الإسلام الحمويني بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها ولن تؤتى المدينة إلاّ من قبل الباب ، وكذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك لأنّك منّي وأنا منك. لحمك لحمي ودمك دمي وروحك من روحي وسريرتك من سريرتي وعلانيتك من علانيتي ، سعد من أطاعك ، وشقى من عصاك ، وربح من تولاّك ، وخسر من عاداك ؛ فاز من لزمك ، وهلك من فارقك ، مثلك ومثل الأئمة من ولدك بعدي ، مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق ، ومثلهم كمثل النجوم كلّما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة».

ويصرّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين الذي اتفق علماء المسلمين على صحته : إنّكم ما إن تمسّكتم بالقرآن وبأهل بيته وعترته لن تضلّوا بعده أبدا.

وقد تكلمت حول هذا الحديث بالتفصيل في الليالي الماضية

٦٠٩

وذكرت لكم مصادره من كتبكم ومسانيدكم ، ولكن بالمناسبة أقول :

إنّ ابن حجر الهيثمي وهو ممن لا يتّهم عندكم بشيء بل لا ينكر أحد تعصّبه في مذهبه ، وتمسّكه بطريقة أهل السنّة والجماعة.

قال في كتابه الصواعق المحرقة / الفصل الأول من الباب الحادي عشر عند ذكره الآيات الكريمة النازلة في شأن أهل البيتعليهم‌السلام . فيقول في ذيل «الآية الرابعة» قوله تعالى :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (١) :

«أخرج الديلمي» عن ابن سعيد الخدري أنّ النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال : «وقفوهم إنهم مسئولون عن ولاية عليّ». وكأنّ هذا هو مراد الواحدي بقوله : روي في قوله تعالى :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) ، أي عن ولاية عليّ وأهل البيت قال ابن حجر : وأخرج الترمذي وقال : حسن غريب ، إنه (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي : أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله عزّ وجلّ ، حبل ممدود من السّماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟!». قال : «وأخرجه أحمد» في مسنده بمعناه ولفظه : «إنّي أوشك أن ادعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. فانظروا بم تخلفوني فيهما؟!» وسنده لا بأس به. وفي رواية : إنّ ذلك كان في حجة الوداع. وفي [رواية] أخرى : مثله ـ يعني : كتاب الله ـ كسفينة

__________________

(١) سورة الصافات ، الآية ٢٤.

٦١٠

نوح من ركب فيها نجى. ومثلهم ـ أي أهل بيته ـ كمثل باب حطّة ، من دخله غفرت له الذنوب.

وذكر ابن الجوزي لذلك في «العلل المتناهية» وهم أو غفلة عن استحضار بقية طرقه. بل في مسلم ـ أي صحيح مسلم ـ عن زيد بن أرقم أنه (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال : ذلك يوم غدير خم وهو ماء بالجحفة ، كما مر وزاد : أذكّركم الله في أهل بيتي. قلنا لزيد من أهل بيته : نساؤه؟ قال : لا ، أيم الله! إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدّهر ، ثم يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.

قال ابن حجر : وفي رواية صحيحة : «إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن تبعتموهما ، وهما : كتاب الله وأهل بيتي عترتي. وقال : زاد الطبراني : إنّي سألت ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم».

[ثم قال ابن حجر : اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك ، طرقا كثيرة ، وردت عن نيّف وعشرين صحابيا ، وفي بعض تلك الطرق أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك بحجة الوداع بعرفة ، وفي اخرى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي أخرى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك بغدير خم ، وفي اخرى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف.

ولا تنافي إذ لا مانع من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة ـ وبعد سطور قال ـ : «تنبيه» سمّى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) القرآن

٦١١

وعترته ثقلين ، لأنّ الثّقل كلّ نفيس خطير مصون وهذان كذلك ، إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنيّة والأسرار والحكم العليّة والأحكام الشرعيّة ، ولذا حثّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) على الاقتداء والتمسّك بهم والتعلّم منهم ويؤيّده الخبر السابق : ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم. وتميّزوا بذلك عن بقية العلماء ، لأنّ الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وشرّفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة.

وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت ، إشارة إلى عدم انقطاع العالم عن التمسّك بهم الى يوم القيامة ، كما انّ الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ثم أحق من يتمسّك به منهم ، إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، لما قدّمنا من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته الخ].

ايها الحاضرون! هذه تصريحات أحد كبار علماء السنّة وهو ابن حجر الذي اشتهر بالتّعصب ضد الشيعة ومذهبهم ، والعجيب أنه مع كل تلك الاعترافات بفضل أهل البيتعليهم‌السلام ولزوم التمسّك بهم ، يؤخّرهم عن مقامهم وعن مراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، لا سيّما الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام فيقدّم عليه وعليهم من لا يقايس بهم في العلم والفضيلة فاعتبروا يا أولي الأبصار!! نعوذ بالله من التّعصب والعناد.

أيها الأخوان فكروا في هذه التأكيدات المتتالية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! وهو يبيّن أنّ سعادة الدنيا والآخرة منحصرة في التمسّك بالقرآن والعترة معا وأنّ طريق الحق واحد وهو الذي سار فيه أهل بيته فما هو واجب المسلمين؟ فكروا وانصفوا!

٦١٢

إنه موقف صعب واختيار الحق أصعب ، لقد وقفتم على طريقين : طريق سلكه آباؤكم وأسلافكم ، وطريق يدعوكم إليه نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقرآنكم وعقولكم.

فكما لا يجوز للمسلمين أن يغيّروا شيئا من كتاب الله العزيز حتى لو اجمعوا على ضرورة التغيير لتغيير الزمان وغير ذلك ، كذلك لا يجوز للمسلمين أن يتركوا أهل البيت ويتمسكوا بغيرهم حتى لو اجمعوا على ذلك لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم على المسلمين وأمرهم أن يتمسكوا بالقرآن وبعترته وأهل بيته معا فلا يجوز التمسك بواحد دون الآخر.

أسألكم أيها الحاضرون! هل الخلفاء الذين سبقوا الإمام عليعليه‌السلام كانوا من أهل البيت ومن العترة الهادية؟ وهل تشملهم أحاديث الثقلين والسفينة وباب حطة وغيرها حتى يكون التّمسك بهم لازما ، وطاعتهم واجبة علينا؟!

السيد عبد الحي : لم يدّع أحد من المسلمين أنّ الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم كانوا من أهل البيت ، ولكنهم كانوا من الصحابة الصالحين ، ولهم فضيلة المصاهرة مع النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

قلت : فإذا أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإطاعة قوم أو فرد معيّن وأكّد ذلك على أمته ، فهل يجوز لطائفة من الأمّة أن يعرضوا عن أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولوا : إننا نرى صلاحنا وصلاح الأمّة في متابعة وإطاعة قوم آخرين ـ حتى إذا كانوا صلحاء ـ؟ فهل امتثال أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطاعته واجبة؟ أم إطاعة تلك الطائفة المتخلّفة عن أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعاملة حسب نظرها في تعيين الصواب والصلاح للأمّة؟!

٦١٣

السيد عبد الحي : حسب اعتقادنا طاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة.

قلت : إذا ، لما ذا تركتم أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم تطيعوه حيث قال : «إني تارك فيكم ثقلين أو أمرين ، لن تضلوا إن اتبعتموهما وهما : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فلا تقدموا عليهم فتهلكوا ولا تقصّروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم؟». ومع هذا تركتموهم وهم أعلم الناس وأفضلهم وتبعتم واصل بن عطاء وأبا حسن الأشعري أو مالك بن أنس وأبا حنيفة ومحمد بن ادريس وأحمد بن حنبل!

هل إنّ هؤلاء أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته أم هم علي بن أبي طالب وأبناؤه الأئمة المعصومونعليهم‌السلام ؟.

السيد عبد الحي : لم يدّع أحد من المسلمين أنّ المقصود من أهل البيت في حديث الثقلين ، أئمة المذاهب الأربعة ، أو الخلفاء الثلاثة ، أو أبو الحسن الأشعري أو واصل بن عطاء ، وإنما نقول : إنّ هؤلاء كانوا من أبرز علماء المسلمين ومن الفقهاء الصلحاء.

قلت : ولكن بإجماع العلماء واتفاق جمهور المسلمين ، أن الأئمة الاثني عشر الذين نتمسك نحن الشيعة بأقوالهم ونلتزم بطاعتهم ، كلهم من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته ، وهم أشرف أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثبت أنهم في كل زمان كانوا أعلم الناس بأحكام الدين وتفسير الكتاب المبين وفقه شريعة سيد المرسلين. وأقرّ لهم بذلك جميع علماء المسلمين.

لا أدري ما يكون جوابكم ، إذا سألكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحساب : أن لما ذا خالفتم رأيي وعصيتم أمري فتركتم عترتي وأهلي وقدّمتم غيرهم عليهم؟!

٦١٤

أليس أهل بيتي كانوا أعلم وأفضل؟

لقد أخذ الشيعة دينهم ومذهبهم ، حسب أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من باب علمه ، ومن وصيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأخذوا بعده من عترته وأهل بيته الذين أدركوه وعاشروه وسمعوا حديثه ورأوا أعماله وسلوكه فأخذوا منه وأوصلوا ذلك إلى أبنائهم ونشروه. أما غير أهل البيتعليهم‌السلام فكيف وصلوا إلى علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

فالأئمة الأربعة ما كان لهم أيّ ذكر في القرن الأول والثاني بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا يعدّون من الصحابة ولا التابعين.

ولكن أخرجتهم السياسة وأظهرتهم الحكومة والفئة المناوئه لأهل البيت والعترةعليهم‌السلام .

ففسحت لهم المجال وفتحت أبوابهم ، في حين ضايقت أهل البيت وأغلقت أبوابهم ، ومنعت الحكومات الناس من التّوجّه إلى آل محمّدعليهم‌السلام : لينصرفوا نحو الأئمة الأربعة ، وإذا لم يهتمّ أحد لأمر الحكومة ، تمسّك بأهل البيت وعمل برأيهم ولم ينضم إلى مذاهب الأئمة الأربعة ، فيرمى بالكفر والزندقة وكان مصيره القتل أو السجن والمطاردة!

وما زالت هذه الحالة التّعصّبية تنتقل من دور إلى دور ، ومن دولة إلى أخرى ، حتى يومنا هذا!!

فما يكون جوابكم لنبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحساب إذا سألكم : بأي دليل كفّرتم شيعة أهل بيتي ، وهم مؤمنو أمّتي؟

ولما ذا قلتم لأتباعكم وأشياعكم : إنّ شيعة عليّعليه‌السلام مشركون؟!

فحينئذ ليس لكم جواب ، ولكم الخزي والخجل في المحشر!

٦١٥

أيها الأخوة! تداركوا اليوم الموقف! وارجعوا إلى الحق والصواب! واعتبروا يا أولي الألباب!

نتّبع العلم والعقل

أيها الحاضرون الكرام! نحن لا نعاديكم ولا نعادي أحدا من المسلمين ، بل نحسب جميع المسلمين إخواننا في الدين ، ولكنّ خلافنا معكم ناشئ من التزامنا لحكم العقل والعلم ، وهو أنّنا لا نقلّد في أمر ديننا تقليدا أعمى ، بل يجب أن نفهم الدين بالدليل والبرهان حتى يحصل لنا اليقين ، قال سبحانه وتعالى :( فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (١) .

فلا نتبع أحدا ولا نطيعه من غير دليل ، فنأخذ بأمر الله سبحانه ونهتدي بهدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا نسلك إلاّ الطريق السّوي الذي رسمه لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله عزّ وجلّ ، من مطلع رسالته حين جمع رجال قومه الأقربين امتثالا لأمر الله سبحانه حيث قال :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٢) .

فجمعهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأطعمهم ، ثم قام فيهم بشيرا ونذيرا ثم قال : فمن منكم يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني في القيام به ، يكن أخي ووزيري وخليفتي من بعدي؟ فما أجابه إلاّ عليعليه‌السلام ، وكان أصغرهم سنّا ، فأخذ النبي بيده وقال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ١٧ ـ ١٨.

(٢) سورة الشعراء ، الآية ٢١٤.

٦١٦

فيكم فاسمعوا له وأطيعوا الخ ـ وقد نقلنا الخبر بالتفصيل وذكرنا مصادره المعتبرة في المجلس الخامس ـ.

وفي أواخر أيام حياته المباركة ، وفي أكبر جمع من أمته ، يوم الغدير ، أخذ بيد علي بن أبي طالبعليه‌السلام بأمر الله عزّ وجلّ وعيّنه لخلافته ، فقال : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه وأخذ له البيعة منهم.

فالدّلائل الساطعة والبراهين القاطعة من القرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المرويّة في كتبكم المعتبرة ومسانيدكم الموثّقة ـ إضافة إلى تواترها في كتب الشيعة ـ كلها تشير بل تصرّح على أنّ الصّراط المستقيم والسبيل القويم منحصر في متابعة آل محمد وعترتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولو تذكرون لنا حديثا واحدا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه قال : خذوا أحكام ديني من أبي حنيفة أو مالك أو أحمد بن حنبل أو الشافعي ، لقبلناه منكم! ولتركت مذهبي واخترت أحد المذاهب الأربعة!!

ولكن لا تجدون ذلك أبدا وليس لكم أي دليل وبرهان عليه ، ولم يدّعه أحد من المسلمين إلى يومنا هذا.

نعم لكم أن تقولوا : بأن الأئمة الأربعة كانوا من فقهاء الإسلام ، والملك الظاهر بيبرس في عام ٦٦٦ من الهجرة ، أجبر المسلمين على متابعة أحدهم(١) ، وأعلن رسمية المذاهب الأربعة ومنع فقهاء

__________________

(١) قال المقريزي : فلما كانت سلطنة الظاهر بيبرس البندقدارى ولى بمصر أربعة قضاة :شافعي ، ومالكيّ ، وحنفيّ ، وحنبلي ، فاستمر ذلك من سنة ٦٦٥ هجرية حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه

٦١٧

__________________

المذاهب الأربعة وعودي من تمذهب بغيرها وأنكر عليه ، ولم يولّ قاضي ولا قبلت شهادة أحد ولا قدّم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلدا لأحد هذه المذاهب ، وأفتى فقهاء الأمصار في طول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها.

وسبقه إلى ذلك الخليفة العباسي في بغداد ، وهو المستنصر ، فقد أنشأ المدرسة المستنصرية سنة ٦٢٥ هجرية وتم بناؤها سنة ٦٣١ هجرية فاحتفل بافتتاحها احتفالا عظيما حضره بنفسه وحضر معه نائب وزيره والولاة والحجاب والقضاة والمدرسون والفقهاء والقراء والوعاظ والشعراء وأعيان التجار والنّقباء.

وحصرا الخليفة التدريس في المستنصرية على المذاهب الأربعة ، وجعل لها ستة عشر وقفا تجري عائداتها عليها ، لكل مذهب ربع العوائد ، وجعل ربع القبلة الأيمن للشافعي ، وجعل ربع القبلة الأيسر للحنفي ، والرّبع الذي على يمين الدّاخل للحنابلة ، والرّبع الذي على يسار الداخل للمالكية.

وسبقه إلى اختيار بعض المذاهب وإعلان رسميته ، جدّه أبو جعفر المنصور الدوانيقي حيث أمر الإمام مالك بوضع كتاب في الفقه يحمل الناس عليه بالقهر! فوضع الموطّا. / شرح الموطأ للزرقاني ج ١ ص ٨.

فأعلن المنصور أنّ مالكا أعلم الناس.

وقد أمر الرشيد عامله على المدينة بأن لا يقطع أمرا دون مالك ، ومنادي السلطان كان ينادي أيام الحج : أن لا يفتي إلا مالك.

أما في بغداد فقد ولى الرشيد أبا يوسف منصب رئاسة القضاء العامة وأبو يوسف هو تلميذ أبي حنيفة.

وكان الرشيد لا ينصب أحدا في بلاد العراق وخراسان والشام ومصر ، بالولاية

٦١٨

المسلمين من استنباط الأحكام وإبداء آرائهم ، والتاريخ يصرّح بأنّه كان في الإسلام فقهاء وعلماء أعلم وأفقه من أولئك الأربعة.

والعجب أنكم تتركون الإمام علياعليه‌السلام وهو باب علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمته بالأخذ منه ومتابعته في أمر الدّين والشرع ، بالنصوص الكثيرة والروايات المتواترة الواصلة عن طرقكم المعتبرة ، وكذلك الآيات القرآنية التي نزلت في هذا الشأن كما فسّرها كبار علمائكم الأعلام ومحدّثوكم الكرام.

وأنتم مع ذلك تصمّون أسماعكم ، وتغمضون أبصاركم ، وتتّبعون الأئمة الأربعة ، وتحصرون الحق في آرائهم وأقوالهم بغير دليل وبرهان ، وأغلقتم باب الاجتهاد واستنباط الأحكام ، وقد تركه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مفتوحا أمام الفقهاء والعلماء.

السيد عبد الحي : نحن نرى الحق في متابعة الأئمة الأربعة ، كما أنكم ترون الحق في متابعة الأئمة الاثني عشر!!!

قلت : هذا قياس باطل ، لأنكم ترون الحق في متابعة أحد الأئمة الأربعة ، بينا نحن نرى الحق في متابعة كلّ الأئمة الاثني عشر ، فلا يجوز عندنا ترك أحدهم والإعراض عن أوامره.

__________________

والقضاء إلا من أشار به القاضي أبو يوسف وذلك لمكانته في الدولة ومنزلته عند الرشيد.

فكان القاضي أبو يوسف أقوى عوامل انتشار المذهب الحنفي ورسميته في الدولة.

ومن اراد التفصيل في هذا الباب فليراجع كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ١ تأليف العلامة المحقق الشيخ أسد حيدر قدس‌سره .

٦١٩

ثم إن تعيين الأئمة الاثني عشر ما كان إلا من عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبأمره وحكمه ، فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيّنهم وذكر أسماءهم واحدا بعد الآخر.

خلفاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر

ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة مجموعة أحاديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا المعنى وفتح لها بابا عنوانه :

الباب السابع والسبعون : في تحقيق حديث بعدي اثنا عشر خليفة.

قال : ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة ، من عشرين طريقا في أنّ الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش : في البخاري من ثلاثة طرق وفي مسلم من تسعة طرق وفي أبي داود من ثلاثة طرق وفي الترمذي من طريق واحد وفي الحميدي من ثلاثة طرق.

وذكر هذه الأحاديث الشريفة كثير من علمائكم الأعلام غير الذين ذكرهم القندوزي ، منهم : الحمويني في فرائد السمطين والخوارزمي في المناقب ، وابن المغازلي في المناقب ، والثعلبي في التفسير ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في المودّة العاشرة من كتابه مودة القربى ، نقل اثنا عشر خبرا وحديثا في هذا الأمر ، من عبد الله بن مسعود وجابر بن سمرة وسلمان الفارسي وعبد الله بن عباس وعباية بن ربعي وزيد بن حارثة وأبي هريرة ، وعن الإمام عليعليه‌السلام ، كلهم يروون عن رسول

٦٢٠

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205