ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235441 / تحميل: 3867
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

لظهوره فيه أو كونه متيقنا منه ولو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه حسب اختلاف مراتب الانصراف كما انه منها ما لا يوجب ذا ولا ذاك بل يكون بدويا زائلا بالتأمل كما انه منها ما يوجب الاشتراك أو النقل (لا يقال): كيف يكون ذلك وقد تقدم ان التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلا ؟ (فانه يقال): - مضافا إلى انه إنما قيل لعدم استلزامه له لا عدم امكانه فان استعمال المطلق في المقيد بمكان من الامكان أن كثرة ارادة المقيد لدى اطلاق المطلق ولو بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزية أنس كما في المجاز المشهور أو تعيينا واختصاصا به كما في المنقول بالغلبة فافهم (تنبيه) وهو انه يمكن ان يكون للمطلق

______________________________

سيرة من لا ينسب إليه القول المذكور كالسلطان وغيره ؟ (قوله: لظهوره فيه أو كونه) اشارة إلى أنواع الانصراف وهي كثيرة (الاول) الخطوري بمعنى محض ؟ حخطور بعض الافراد أو الاصناف في الذهن من دون أن يكون موجبا للشك والتردد أصلا كحضور ماء الفرات من لفظ الماء لمن كان نزيل الفرات وماء دجلة لمن كان نزيلها وهكذا (الثاني) التشكيك البدوي وهو ما يوجب الشك لكن يزول بالتأمل (الثالث) ما يوجب الشك المستقر وهذا يوجب الاجمال والتوقف عند المعارضة مع اصالة الحقيقة وفي المقام يوجب وجود القدر المتقين (الرابع) ما يوجب الظهور بحيث يرجح على أصالة الحقيقة وفى المقام يكون قرينة على التقييد (الخامس) ما يوجب الاشتراك (السادس) ما يوجب النقل وهذه الانواع مترتبة في القوة والضعف فالاولان لا يقدحان في الاطلاق والبواقي تقدح فيه والاخيران يوجبان مع ذلك رفع صلاحية اللفظ للاطلاق فافهم (قوله: كيف يكون) يعني كيف يؤدي الانصراف إلى خصوص بعض الافراد إلى الاشتراك أو النقل مع أن الاستعمال في المقيد حقيقة وليس معنى آخر كي يصح فرض الاشتراك والنقل فيه (قوله: لعدم استلزامه) يعني ان مرادهم عدم استلزام المجاز لا عدم إمكان المجاز فانه يمكن ان يكون مجازا حيث يستعمل فيه بلحاظ الخصوصية فانه

٥٦١

جهات عديدة كان واردا في مقام البيان من جهة منها وفي مقام الاهمال أو الاجمال من اخرى فلا بد في حمله على الاطلاق بالنسبة إلى جهة من كونه بصدد البيان من تلك الجهة ولا يكفى كونه بصدده من جهة اخرى إلا إذا كان بينهما ملازمة عقلا أو شرعا أو عادة كما لا يخفى

______________________________

غير المطلق وإنما يكون حقيقة حيث يستعمل فيه لا بعنوان الخصوصية بل بعنوان نفس الطبيعة (قوله: جهات عديدة كان) لا ريب في ان القيد المحتمل الاعتبار في موضوع الحكم تارة يكون واحدا وأخرى يكون متعددا فموضوع الحكم في الاول يكون ذا جهة واحدة وفي الثاني يكون ذا جهات متعددة بتعدد القيود فإذا كان المتكلم في مقام البيان بالنظر إلى جميع القيود ولم تكن قرينة على احدها كان الكلام مطلقا كذلك، وان كان في مقام البيان بالنظر إلى بعض القيود دون بعض كان مطلقا بالنظر إلى ذلك البعض دون غيره فلا يكون الكلام مطلقا بالنظر إلى جميع القيود بمجرد كون المتكلم في مقام البيان بالنظر إلى بعضها فإذا دل الدليل على العفو عما لا تتم الصلاة به من المتنجس لا يستفاد منه جواز الصلاة فيه إذا كان مما لا يؤكل لحمه أو كان مغصوبا أو حريرا حيث أنه ليس الا في مقام بيان العفو عن النجاسة لا غير وكذا ما دل على العفو عما دون الدرهم من الدم لا يدل على جواز الصلاة فيه إذا كان مما لا يؤكل لحمه (قوله: بينهما ملازمة) بأن كان ثبوت الحكم من الجهة المقصودة يقتضي ثبوته من الجهة غير المقصودة فان الكلام يكون حجة بالاضافة إلى الجهتين معا لان ما هو حجة على أحد المتلازمين يكون حجة على الملازم الآخر ومثل لذلك بما ورد من صحة الصلاة في ثوب فيه عذرة فانه يدل على صحة الصلاة في خرء ما لا يؤكل لحمه فان العفو عن النجاسة لو لم يستلزم العفو عن خرء ما لا يؤكل لحمه لم يكن فعليا حيث أن كل خرء نجس فهو مما لا يؤكل لحمه وظاهر

٥٦٢

فصل

إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين فاما يكونان مختلفين في الاثبات والنفى وإما يكونان متوافقين فان كانا مختلفين مثل (أعتق رقبة) (ولا تعتق رقبة كافرة) فلا اشكال في التقييد وان كانا متوافقين فالمشهور فيهما الحمل والتقييد وقد استدل بانه جمع بين الدليلين وهو أولى وقد أورد عليه بامكان الجمع على وجه آخر مثل حمل الامر في المقيد على الاستحباب واورد عليه بان التقييد ليس تصرفا في معنى اللفظ وانما هو تصرف في وجه من وجوه المعنى اقتضاه تجرده عن القيد مع تخيل وروده في مقام بيان تمام المراد وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على على وجه الاجمال فلا اطلاق فيه حتى يستلزم تصرفا فلا يعارض ذلك بالتصرف في المقيد بحمل امره على الاستحباب " وانت خبير " بان التقييد أيضا يكون تصرفا في المطلق لما عرفت من ان الظفر بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان بل عن عدم كون الاطلاق الذي هو ظاهر بمعونة الحكمة بمراد جدي غاية الامر ان التصرف

______________________________

*

الدليل كون نفي البأس فعليا فيدل على نفي البأس من الجهة الاخرى (قوله: فلا اشكال في التقييد) وكأنه من جهة أن ظهور النهي في الحرمة أقوى من ظهور كون المتكلم في مقام البيان أو اصالة عدم القرينة وان كان قد يتفق ما يوجب ضعف الظهور فيحمل على الكراهة مثل: لا تصل في الحمام أو السبخة أو وادي ضجنان بالاضافة إلى قوله صلى الله عليه وآله: جعلت لى الارض مسجدا وطهورا (قوله: واورد عليه بان) هذا أورده في التقريرات جريا على مبناه المتقدم (قوله: نعلم وجوده) قد عرفت أن العلم المذكور ان كان وجدانيا فهو غير محل الفرض وان كان من جهة أصالة الظهور في المقيد فهي معارضة بالاصول الجارية في المطلق المقتضية لاطلاقه وتقديمها عليها بقول مطلق غير ظاهر الوجه لعدم التقدم الرتبي فلا بد أن يكون المقدم هو الاقوى ايا ما كان (قوله: وانت خبير)

٥٦٣

فيه بذلك لا يوجب التجوز فيه مع ان حمل الامر في المقيد على الاستحباب لا يوجب تجوزا فيه فانه في الحقيقة مستعمل في الايجاب فان المقيد إذا كان فيه ملاك الاستحباب كان من افضل افراد الواجب لا مستحبا فعلا ضرورة ان ملاكه لا يقتضى استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه. نعم فيما إذا كان احراز كون المطلق في مقام البيان بالاصل كان من التوفيق بينهما حمله على انه سيق في مقام الاهمال على خلاف مقتضى الاصل " فافهم " ولعل وجه التقييد كون ظهور اطلاق الصيغة في الايجاب التعييني أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق وربما يشكل بانه يقتضى التقييد في باب المستحبات مع أن بناء المشهور على حمل الامر بالمقيد فيها على تأكد الاستحباب اللهم الا ان يكون الغالب في هذا الباب

______________________________

وقدم تقدم الكلام فيه (قوله: من أفضل أفراد) هذا مع قطع النظر عن ظهوره في التعيين والا فكونه من أفضل الافراد لا يصحح الامر به تعيينا فالامر به تعيينا لابد أن يحمل على الاستحباب (قوله: إذا اجتمع مع ما يقتضي) هذا إذا كان ملاك الوجوب تعيينيا أيضا أما لو كان تخييريا وملاك الاستحباب تعيينيا لابد أن يحمل الامر به تعيينيا على الاستحباب نعم يمكن ان يعارض ما ذكر المورد بأن حمل الامر على الاستحباب ايضا لا يستلزم تصرفا في اللفظ لان دلالة الامر على الوجوب بالاطلاق فلا وجه لتقديم تقييد الموضوع على تقييد اطلاق الصيغة (قوله: في مقام البيان) يعني المراد الاستعمالي (قوله: من التوفيق بينهما) وعليه فيدور الامر دائما بين التصرف في الاطلاق والتصرف في الاصل المذكور الذي هو من مبادئ الاطلاق والتصرف في المقيد بحمله على الاستحباب فتعين التوفيق المذكور يتوقف على المرجح ولعله اشار إليه بقوله: فافهم (قوله: أقوى من ظهور المطلق) وتوهم ان الوجوب التعييني لا ينافي الاطلاق لجواز أن يكون في المقيد ملاك الوجوب التعييني وملاك الوجوب التخييري مندفع بأن الكلام في فرض التنافي بينهما بالعلم بوحدة الحكم ولو بالعلم

٥٦٤

هو تفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبية فتأمل أو أنه كان بملاحظة التسامح في أدلة المستحبات وكان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجئ دليل المقيد وحمله على تأكد استحبابه من التسامح(١) فيها " ثم " أن الظاهر انه لا يتفاوت فيما ذكرنا بين المثبتين

______________________________

بوحدة السبب فانه يمتنع أن يكون الحكم الواحد قائما بالمطلق والمقيد معا (قوله: تفاوت الافراد) فان غلبة التفاوت المذكور تمنع من احراز وحدة المسبب فيجوز أن يكون بعض مراتب الفضل قائما بالمطلق وبعضها قائما بالمقيد وبه يكون المقيد موضوعا للاستحباب التعييني مع كون المطلق باطلاقه موضوعا له ايضا، (فان قلت): غلبة تفاوت الافراد في الفضل لا تختص بالمستحبات بل هي في الواجبات ايضا فهلا يحمل الامر بالمقيد فيها على الاستحباب التعييني ؟ (قلت): الغلبة المذكورة لا تصلح للتصرف في الامر بحمله على الاستحباب وإنما صلحت في المستحبات للمنع عن احراز وحدة الحكم فقط وأما أصل الاستحباب فمستفاد من الخارج كما هو مقتضى فرض كون المورد مستحبا فمحصل الفرق بين الواجبات والمستحبات إحراز التنافي في الاولى بين المطلق والمقيد الموجب لحمل الاول على الثاني وعدم احرازه في الثانية فلا موجب للحمل (قوله: المحبوبية فتأمل) يمكن أن يكون اشارة إلى السؤال المتقدم وجوابه (قوله: من التسامح فيها) بان كان يصدق: من بلغه ثواب على... الخ بالنسبه إلى المطلق فيحكم باستحبابه لذلك لكن لازم ذلك الحكم باستحباب المطلق في الواجبات بعد التقييد لعين التقريب المذكور لكن الظاهر عدم تماميته في البابين معا لان المقيد من قبيل

______________

(١) ولا يخفى انه لو كان حمل المطلق على المقيد جمعا عرفيا كان قضيته عدم الاستحباب إلا للمقيد وحينئذ إن كان بلوغ الثواب صادقا على المطلق كان استحبابه تسامحيا والا فلا استحباب له وحده كما لا وجه بناء على هذا الحمل وصدق البلوغ يأكد الاستحباب في المقيد فافهم. " منه قدس سره " (*)

٥٦٥

والمنفيين بعد فرض كونهما متنافيين كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتحاد التكليف من وحدة السبب وغيره من قرينة حال أو مقال حسبما يقتضيه النظر فليتدبر (تنبيه) لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين بين كونهما في بيان الحكم التكليفي وفي بيان الحكم الوضعي فإذا ورد مثلا أن البيع سبب وأن البيع الكذائي سبب وعلم أن مراده إما البيع على اطلاقه أو البيع الخاص فلا بد من التقييد لو كان ظهور دليله في دخل التقييد أقوى من ظهور دليل الاطلاق فيه كما هو ليس ببعيد ضرورة تعارف ذكر المطلق وارادة المقيد بخلاف العكس الغاء القيد وحمله على انه غالبي أو على وجه آخر فانه على خلاف المتعارف (تبصرة) لا تخلو من تذكرة وهي أن قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات

______________________________

القرائن المتصلة المانعة من دليلية المطلق من حيث الدلالة فلا تجبره أدلة التسامح لانها ظاهرة في جبران السند لا الدلالة (قوله: والمنفيين) لا يخفى أن المطلق في المنفيين لما كان منحلا إلى أحكام متعددة بتعدد أفراده كان المقيد منهيا عنه تعيينا فحمل النهي في المقيد على انه من جهة ان المقيد أحد الافراد لا يستلزم تصرفا في صيغة النهي من حيث التعيين والتخيير كما كان يستلزمه في المثبتين غاية الامر انه لابد أن يكون وجه مقتض للتنصيص عليه وعليه فلا موجب للتقييد وحمل المطلق على المقيد مع احتمال أن يكون الوجه المصحح للتنصيص عليه الاهتمام به الناشئ من تأكد ملاك النهي فيه أو ندرة وجوده أو شيوعه أو غير ذلك من الوجوه المصححة للتنصيص عليه بالخصوص (قوله: من وحدة السبب و) والا فمقتضى الجمود على نفس المطلق والمقيد البناء على تعدد الطلب لتعدد المطلوب إذ المطلق يغاير المقيد غاية الامر أن يكون المقيد موضوعا لطلب متأكد لامتناع اجتماع المثلين فيه (قوله: ليس ببعيد) بل بعيد جدا كما عرفت وجهه في المنفيين (قوله: خلاف المتعارف) هذا ممنوع نعم هو خلاف الظاهر

٥٦٦

فانها (تارة) يكون حملها على العموم البدلي (وأخرى) على العموم الاستيعابي (وثالثة) على نوع خاص مما ينطبق عليه حسب اقتضاء خصوص المقام واختلاف الآثار والاحكام كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام فالحكمة في اطلاق صيغة الامر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي فان ارادة غيره تحتاج إلى مزيد بيان ولا معنى لارادة الشياع فيه فلا محيص عن الحمل عليه فيما إذا كان بصدد البيان كما انها قد تقتضي العموم الاستيعابي كما في (أحل الله البيع) إذا أراد البيع مهملا أو مجملا ينافي ما هو المفروض من كونه بصدد البيان وارادة العموم البدلي لا يناسب المقام ولا مجال لاحتمال ارادة بيع اختاره المكلف أي بيع كان مع انها تحتاج إلى نصب دلالة عليها لا يكاد يفهم بدونها من الاطلاق ولا يصح قيامه على ما إذا اخذ في متعلق الامر فان العموم الاستيعابي لا يكاد يمكن ارادته وارادة غير العموم البدلي وان كانت ممكنة الا انها منافية للحكمة وكون المطلق بصدد البيان.

______________________________

لكن يجوز ارتكابه في مقابل التصرف في المطلق بالتقييد (قوله: فانها تارة يكون) ضمير (انها) راجع إلى المطلقات وضمير (يكون) إلى قضية المقدمات (قوله: فان ارادة) قد تقدم بيان الحال في ذلك في مباحث الامر (قوله: كما انها قد تقتضي) الظاهر أن مقتضى المقدمات في جميع الموارد واحد وهو صرف الماهية وأما الاستيعاب والعموم البدلي وغيرهما فانما تستفاد من القرائن المكتنفة بالمقام مثل الورود مورد الامتنان في مثل: " أحل الله البيع " أو مناسبة الحكم للموضوع في مثل: " أكرم العالم " و " أهن الفاسق " أو غيرهما في غيرهما (قوله: لا يكاد يمكن) فانه تكليف بما لا يطاق غالبا (قوله: وارادة غير العموم) مثل ما يختاره المكلف (قوله: منافية للحكمة) لعدم القرينة عليه.

٥٦٧

فصل في المجمل والمبين

والظاهر أن المراد من المبين في موارد إطلاقه الكلام الذي له ظاهر ويكون بحسب متفاهم العرف قالبا لخصوص معنى. والمجمل بخلافه فما ليس له ظهور مجمل وان علم بقرينة خارجية ما اريد منه كما ان ماله الظهور مبين وان علم بالقرينة الخارجية انه ما اريد ظهوره وأنه مأول ولكل منهما في الآيات والروايات وان كان أفراد كثيرة لا تكاد تخفى الا ان لهما أفرادا مشتبهة وقعت محل البحث والكلام للاعلام في انها من أفراد أيهما كآية السرقة

______________________________

فصل في المجمل والمبين

(قوله: وان علم بالقرينة) هذا تعريض بما في التقريرات من عده من المجمل واستشهد عليه بما تقدم من الحكم بسراية اجمال الخاص إلى العام ولا يخفى أنه ليس من الاجمال في الكلام بل في المراد الا أن يكون اصطلاح عليه كما قد يظهر منه فانه قسم المجمل على قسمين الاول ما لم تتضح دلالته والآخر ما له ظاهر غير مراد للمتكلم ومثل له بالعام الذي علم اجمالا تخصيصه والمطلق الذي علم اجمالا تقييده (قوله: كآية السرقة) وهي قوله تعالى: (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ووجه الاجمال إما لان اليد تستعمل في الانامل والاصابع ونفس الكف وما ينتهي إلى المرفق وما ينتهي إلى المنكب وليس في الآية الشريفة قرينة على تعيين المراد. وإما لان تعليق القطع باليد مجمل إذ لا ظهور له في محل القطع نظير قولك: قطعت الحبل، حيث يتردد محل القطع بين كل جزء من أجزائه ويمكن دفع الاول بأن اليد حقيقة في العضو المتصل بالمنكب والاستعمال في غيره اعم من الحقيقة والثاني بأن الظاهر من إيراد القطع على شئ متصل بغيره قطعه من محل الاتصال بالغير فالظاهر من الآية قطع اليد من المنكب ونحوه قطعت الاصبع والكف والذراع والعضد ولا وجه لقياسه بقطع الحبل ولو منع ذلك كان مقتضى الاطلاق الاكتفاء

٥٦٨

ومثل (حرمت عليكم أمهاتكم) و (أحلت لكم بهيمة الانعام) مما اضيف التحليل إلى الاعيان ومثل (لا صلاة الا بطهور) ولا يذهب عليك أن اثبات الاجمال أو البيان لا يكاد يكون بالبرهان لما عرفت من أن ملاكهما أن يكون للكلام ظهور ويكون قالبا لمعنى وهو مما يظهر بمراجعة الوجدان فتأمل. ثم لا يخفى أنهما وصفان اضافيان ربما يكون مجملا عند واحد لعدم معرفته بالوضع أو لتصادم ظهوره بما حف به لديه ومبينا لدى الآخر لمعرفته وعدم التصادم بنظره فلا يهمنا التعرض لموارد الخلاف والكلام والنقض والابرام في المقام وعلى الله التوكل وبه الاعتصام.

______________________________

بالقطع من أي موضوع كان من اليد (قوله: ومثل حرمت عليكم) وجه الاجمال في آيات التحليل والتحريم امتناع تعلقهما بالاعيان فلابد من التقدير والصالح للتقدير متعدد وليس بعضه معينا إذ لا قرينة ويمكن دفعه بأن الاطلاق يقتضي تقدير كل ما هو صالح للتقدير من افعال المكلف المتعلقة بتلك الاعيان ولو بتقدير الجامع بينها الا ان يكون جهة ظاهرة ينصرف إليها الكلام كما في الآيتين الشريفتين ولذا لم يتوهم أحد من الصحابة إجمال آية تحريم الامهات من جهة احتمال كل من اللمس والنظر والكلام والتعظيم وغير ذلك (قوله: ومثل لا صلاة إلا بطهور) ووجه الاجمال أنه - بناء على الاعم - يمكن تقدير الصحة كما يمكن تقدير الكمال ولا قرينة معينة لاحدهما ويمكن دفعه بان الصحة أقرب عرفا واعتبارا إلى نفي الذات من نفي الكمال والاقرب كذلك يكون أظهر (قوله: ولا يذهب عليك) هذا تعريض بكل من تعرض لاثبات دعوى الاجمال والبيان بالبرهان كما صنعه جماعة إذ الظهور وعدمه من الوجدانيات التي لا يرجع فيها إلا إلى الوجدان إلا أن يكون المقصود من سوق البرهان تنبيه النفس على ما هو ثابت بالوجدان ولعله إليه أشار بقوله: فتأمل، والله سبحانه أعلم. إلى هنا انتهى ما أردنا ايراده تعليقا على كلام شيخنا واستاذنا المحقق العلامة - أعلى الله مقامه - والحمد لله أولا

٥٦٩

وآخرا وظاهرا وباطنا وله جزيل الشكر على ما منحنا من التوفيق لذلك فنسأله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم إنه خير مسؤول وهو حسبنا ونعم الوكيل. قد وقع الفراغ من تأليفه في (النجف الاشرف) بيمن الحضرة المقدسة على ساكنها أفضل السلام بتاريخ ثالث صفر المظفر من السنة الخامسة والاربعين بعد الالف والثلثمائة من الهجرة النبوية على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام والتحية بقلم الفقير إلى رحمة ربه الغني (محسن) ابن العلامة المرحوم السيد (مهدى) الطباطبائي الحكيم طاب ثراه

٥٧٠

فهرس الجزء الأوّل

تقديم ٣

موضوع العلم ٦

تمايز العلوم تمايز الموضوعات ١٠

موضوع علم الاصول ١٢

تعريف علم الاصول ١٥

الوضع ١٧

حقيقة الوضع ١٨

اقسام الوضع ٢٠

المعني الحرفي ٢٢

تحقيق المعني الحرفي ٢٣

الخبر والانشاء ٢٧

أسماء الاشارة ٢٩

اطلاق اللفظ وارادة نوعه أو صنفه أو مثله ٣١

اطلاق اللفظ واردة شخصه ٣٣

تبعية الدلالة للارادة ٣٦

توجيه ماحكي عن العلمين ٣٨

وضع المركبات ٤٠

التبادر ٤٢

صحة السلب ٤٤

الاطراد ٤٥

احوال اللفظ ٤٧

الحقيقة الشرعية ٤٧

الصحيح والاعم ٥٣

معنى الصحة ٥٥

القدر الجامع على القول بالصحيح ٥٦

تصوير الجامع على القول بالاعم ٦٠

ثمرة النزاع بين القول بالصحيح والقول بالاعم ٦٦

وجوه القول بالصحيح ٧٠

وجوه القول بالأعم ٧٣

اسماء المعاملات موضوعة للصحيحة أو للاعم؟ ٨٠

أقسام دخل الشيء في المأمور به ٨٥

الاشتراك ٨٧

استعمال المشترك في اكثر من معنى ٨٩

بطون القرآن ٩٥

المشتق ٩٦

أدلة المختار ١١٢

الاشكال على الاستدلال بصحة السلب ١١٥

حجة القول بالوضع للأعم ١١٦

بساطة المشتق ١٢٠

المراد من بساطة المفهوم ١٢٨

الفرق بين المشتق ومبدئه ١٣٠

ملاك الحمل ١٣٣

يكفي في الحمل المغايرة مفهوما ١٣٦

الصفات الجارية عليه تعالى ١٣٨

المقصد الاول في الاوامر ١٤٠

معني مادة الأمر ١٤١

اعتبار العلو في معني الأمر ١٤٣

الطلب والارادة ١٤٤

اشكال في التكليف ١٥٠

دفع الاشكال ١٥٢

الارادة التشريعية والتكوينية ١٥٣

اشكال العقاب على المعاصي ١٥٤

حل الاشكال ١٥٥

صيغة الامر و معانيها ١٥٦

الصيغ الانشائية ١٥٨

هل الصيغة حقيقة في الوجوب؟ ١٥٩

الجمل الخبرية في مقام الطلب ١٦١

التعبدي والتوصلى ١٦٥

معني قصد التقرب المعتبر في العبادة ١٦٦

تصوير أخذ قصد القربة في متعلق الأمر ١٦٧

الاشكال على تقييد المامور به بداعي الأمر ١٦٨

تأسيس الاصل في الشك في اعتبار قصد القربة ١٧٦

اقتضاء اطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيا تعيينيا عينيا ١٧٩

وقوع الامر عقيب الحظر ١٨٠

المرة والتكرار ١٨١

الفرق بين المسألة ومسألة تعلق الأمر بالطبايع والافراد ١٨٤

الفور والتراخى ١٨٨

الاجزاء ١٩١

معني الاجزاء ١٩٣

الفرق بين مسألة الاجزاء ١٩٤

اجزاء الاتيان بالمأمور به عن امره ومسألة المرة والتكرار ١٩٥

اجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري عن الأمر الواقعي ١٩٦

الكلام في المسألة ثبوتا ١٩٦

الكلام في المسألة اثباتا ١٩٩

اجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري عن الأمر الواقعي ٢٠٤

تحقيق في مفاد قوله (عليه السلام): كل شي نضيف ٢٠٤

عدم الاجزاء في صورة القطع بخلاف الواقع ٢١٣

الفرق بين التصويب والاجزاء ٢١٤

في مقدمة الواجب ٢١٥

تقسيم المقدمة إلى داخلية و خارجية ٢١٦

تقسيم المقدمة إلى عقلية وشرعية وعادية ٢٢١

تقسيم المقدمة إلى مقدمة الوجود والصحة والوجوب والعلم ٢٢٢

تقسيم المقدمة إلى متقدمة ومقارنة ومتأخرة ٢٢٤

تحقيق الشرط المتأخر ٢٢٥

تقسيم الواجب إلى المطلق والمشروط ٢٣٠

تحقيق في الوجوب التعليقي ٢٣١

في ان المقيد في الواجب المشروط هو المادة او الهيئة ٢٣٣

وجوب المعرفة والتعلم ٢٤١

تقسيم الواجب إلى معلق ومنجز ٢٤٣

وجوه دفع الاشكال في فعلية وجوب المقدمة قبل فعلية ذيها ٢٤٩

تردد القيد بين رجوعه للمادة او الهيئة ٢٥٣

ترجيح اطلاق الهيئة على اطلاق المادة ٢٥٣

اشكال على الترجيح المذكور ٢٥٥

تقسيم الواجب إلى نفسي وغيري ٢٥٧

دوران الامر بين كون الواجب نفسياً أو غيريا ٢٥٩

في ان الامر الغيري توصلي وان موافقته ومخالفته لا توجب ثوابا ولا عقابا ٢٦٢

اشكال التقرب في الطهارات الثلاث ٢٦٣

دفع الاشكال المذكور ٢٦٤

اشتراط وجوب المقدمة ٢٦٩

قصد التوصل باردة ذيها ٢٧٠

المقدمة الموصلة ٢٧٤

ثمرة المقدمة الموصلة ٢٨٥

الاصلى والتبعى ٢٨٨

ثمرة وجوب المقدمه ٢٩٠

تأسيس الاصل في وجوب المقدمة ٢٩٤

البرهان على وجوب المقدمة ٢٩٦

برهان أبي الحسن البصري والاشكال عليه ٢٩٧

التفصيل بين السبب وغيره ٢٩٩

التفصيل بين الشرط الشرعي و غيره ٣٠٠

مقدمة المستحب والحرام والمكروه ٣٠٠

في مسألة الضد ٣٠٢

في ان التحقيق عدم مقدمية ترك احد الضدين للآخر ٣٠٣

في ان التلازم لا يقتضي حرمة الضد ٣١٢

الترتب ٣١٥

أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ٣٢٣

تعلق الاوامر والنواهي بالطبايع أو الافراد ٣٢٥

نسخ الوجوب ٣٣٠

الواجب التخييري ٣٣٢

الواجب الكفائي ٣٣٧

الواجب الموقت ٣٣٨

الامر بالامر ٣٤٢

المقصد الثاني في النواهي ٣٤٤

مفاد صيغة النهي ٣٤٤

دلالة النهي على الدوام ٣٤٧

في اجتماع الامر والنهى ٣٤٩

الفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة النهي في العبادة ٣٥٠

في ان مسألة الاجتماع عقليه ٣٥٤

في ان النزاع لا يختص بالوجوب والحرمة التعيينيين ٣٥٥

اعتبار المندوحة ٣٥٦

عدم ابتناء النزاع على القول بتعلق الاحكام بالطبائع ٣٥٧

اعتبار وجود المناط في مورد التصادق ٣٥٩

فيما يستكشف به المناط ٣٦١

الامتثال بالجمع على القولين وبالنسبة إلى حالات المكلف ٣٦٢

دليل الامتناع ٣٦٨

دليل الجواز من العلم والجهل قصورا و تقصيراً ٣٧٥

العبادات المكروهة ٣٧٦

دفع الشكال الكراهة في العبادات ٣٧٧

تنبيهات الاجتماع ٣٨٨

توسط الارض المغصوبة ٣٨٨

الصلاة في الدار المغصوبة اضطراراً ٤٠٢

التنبيه الثاني ٤٠٦

وجوه ترجيح النهي على الأمر في حال الاجتماع ٤١١

التنبيه الثالث ٤٢٠

النهى عن الشئ هل يقتضى فساده؟ ٤٢١

اقسام متعلق النهي ٤٣٢

النهي عن العبادة ٤٣٦

النهي عن المعاملة ٤٤٠

المقصد الثالث في المفاهيم ٤٤٥

مفهوم الشرط ٤٥١

فرض تعدد الشرط ٤٥٩

كيفية مع في تعدد الشرط ٤٦٠

اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء ٤٦٢

الكلام في مفهوم الوصف ٤٦٩

مفهوم الغاية ٤٧٤

مفهوم الاستثناء ٤٧٦

مفهوم اللقب والعدد ٤٨١

المقصد الرابع في العام والخاص ٤٨٢

صيغ العموم ٤٨٦

العام المخصص حجة في الباقي ٤٨٩

العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص ٥١٥

الخطابات الشفاهية تعم الغائبين بل المعدومين؟ ٥١٩

ثمرة القول بالعموم ٥٢٤

تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض افراده ٥٢٨

التخصيص بالمفهوم المخالف ٥٣٠

الاستثناء المتعقب للجمل متعددة ٥٣١

تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد ٥٣٣

تعارض العام والخاص ٥٣٦

حقيقة النسخ ٥٤٠

الثمرة المترتبة على النسخ والتخصيص ٥٤٤

المقصد الخامس في المطلق والمقيد والمجمل والمبين ٥٤٥

اسم الجنس ٥٤٥

علم الجنس ٥٤٧

المفرد المعرف باللام ٥٥١

النكرة ٥٥٢

مقدمات الحكمة ٥٥٥

اذا شك في كون المتكلم في مقام البيان ٥٦٠

المطلق والمقيد المتنافيان ٥٦٣

فصل في المجمل والمبين ٥٦٨

٥٧١

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «الأئمة بعدي أو خلفائي بعدي اثنا عشر كلهم من قريش» ، وفي بعض الروايات كلهم من بني هاشم ، وحتى في بعضها عيّنهم بذكر أسمائهم.

ولا نجد حتى حديثا واحدا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول الأئمة الأربعة الذين تمسكتم بهم. ثم إنّ الفرق بين الأئمة الاثني عشر الذين نتمسك بهم نحن ونأخذ بأقوالهم وبين أئمتكم الأربعة فرق كبير.

وكما أشرنا في الليالي السّالفة أنّ الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام هم أوصياء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد نصّ عليهم بأمر من الله سبحانه فلا يقاس بهم أي فرد من الخلفاء والأئمة الذين تمسكتم بهم ، فإنّ أئمة المذاهب الأربعة شأنهم شأن غيرهم من فقهاء المسلمين وعلماء الدين ، والمسلمون في خيار تام في تقليدهم وتقليد غيرهم من فقهاء الإسلام الذين يملكون قدرة الاستنباط واستخراج الأحكام الدينية من القرآن الحكيم والسّنّة النبويّة الشريفة.

وعلى هذا فنحن الشيعة نقلّد مراجع الدين وهم الفقهاء الذين درسوا وحققوا الأخبار والأحاديث المرويّة عن النبي وأهل بيته الطيبين الراسخين في العلم.

فيحققون ويتقنون أسنادها وطرقها ويميّزون بين صحيحها وسقيمها ويستخرجون منها حكم المسائل المستحدثة والفروع الطارئة في زماننا هذا ، ويبيّنون تكليفنا الشرعي على أساس أصول الفقه والقواعد الإلهيّة ، يردّون الفرع على الأصل ويستخرجون حكمه ويبيّنونه لمقلّديهم ، وهؤلاء الفقهاء يتواجدون في كل زمان وهم متعدّدون ولا ينحصر التقليد في واحد منهم ، لأنّ الكلّ يأخذون من منهل العترة

٦٢١

الهادية ومنبع أهل البيت الطاهرينعليهم‌السلام .

ولكن الأئمة وإن تتلمذوا عند بعض أئمة أهل البيتعليهم‌السلام إلاّ أنهم خرجوا من إطارهم وتركوا الأصول الفقهية والقواعد المقبولة لديهم ، فعملوا بالقياسات العقلية والاستحسانات النظرية حتى أنّهم ربما اجتهدوا في بعض المسائل وخالفوا النصوص الجليّة فيها ، فضلّوا وأضلّوا(١) .

والعجب أنكم تركتم تقليد العترة وأهل بيت الوحي والرسالة الذين عيّنهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتابعتم التلامذة الذين لم يبلغوا عشر معشار علوم أهل البيتعليهم‌السلام ولم يغترفوا إلاّ غرفة أو رشحة من بحارهم المتلاطمة بشتى العلوم التي آتاهم الله عز وجلّ من لدنه وجعلهم أئمة يهدون بأمره.

فالأئمّة الأربعة استندوا إلى عقولهم النّاقصة في بيان حكم الله عزّ وجل ولم يستندوا إلى الكتاب المبين وسنّة سيد المرسلين.

وقد قال سبحانه وتعالى :( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) .

السيد عبد الحي : وهل عندكم دليل على أنّ الأئمة الأربعة تتلمذوا عند أئمتكم؟

__________________

(١) مرّ هذا البحث في أوائل المجلس الرابع.

(٢) سورة يونس ، الآية ٣٥.

٦٢٢

الامام الصادقعليه‌السلام وموقعه العلمي

قلت : دليلنا هو التاريخ الذي كتبه أعلامكم ، فقد ذكر ابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمة في معرفة الأئمةعليهم‌السلام ـ فصل حياة الإمام الصادقعليه‌السلام ـ قال :

[كان جعفر الصادقعليه‌السلام من بين إخوته خليفة أبيه ووصيه والقائم بالإمامة من بعده ، برز على جماعة بالفضل وكان أنبههم ذكرا وأجلّهم قدرا نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته وذكره في ساير البلدان ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث ، وروى عنه جماعة من أعيان الأمّة مثل يحيى بن سعيد وابن جريح ومالك بن أنس والثوري وأبو عينية وأبو حنيفة وشعبة وأبو أيّوب السجستاني وغيرهم الخ].

وقال كمال الدين محمد بن طلحة العدوي القرشي الشافعي ، في كتابه مطالب السئول في مناقب آل الرسول ـ الباب السادس في أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السّلام ـ :

[هو من عظماء أهل البيت وساداتهمعليهم‌السلام ذو علوم جمّة ، وعبادة موفرة ، وأوراد متواصلة ، وزهادة بيّنة ، وتلاوة كثيرة ، يتّبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجايبه ، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليه نفسه. رؤيته تذكّر الآخرة ، واستماع كلامه يزهد في الدّنيا ، والاقتداء بهداه يورث الجنة ، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة ، وطهارة أفعاله تصدع أنه من

٦٢٣

ذرية الرسالة.

نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من الأئمة وأعلامهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريح ومالك بن أنس والثوري وابن عيينة وشعبة وأبو أيوب السجستاني وغيرهم (رض) ، وعدوّا أخذهم عنه منقبة شرفوا بها وفضيلة اكتسبوها الخ].

وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السّلمي وهو من أعلامكم ، في كتابه طبقات المشايخ : [إنّ الإمام جعفر الصادق فاق جميع أقرانه ، وهو ذو علم غزير في الدين وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات ، وأدب كامل في الحكمة الخ](١) .

__________________

(١) أقول : ومما يناسب المقام كلام ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرحه على نهج البلاغة فقد قال : [ومن العلوم علم الفقه وهوعليه‌السلام ـ أي الإمام علي ـ أصله وأساسه ، وكل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه ، أما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمد وغيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة ، وأما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة ، وأما احمد بن حنبل فقرأ على الشافعي فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة ، وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمدعليه‌السلام ـ أي الصادق ـ.]

ويقول الآلوسي البغدادي وهو من أعلام العامة ، في كتابه التحفة الاثنا عشرية ص ٨ : [هذا أبو حنيفة وهو من أهل السنّة يفتخر ويقول بأفصح لسان : «لو لا السنّتان لهلك النعمان» يعني السّنتين اللّتين جلس فيهما لأخذ العلم عن الإمام الصادق الخ.]

وجاء في كتاب مناقب أبي حنيفة للخوارزمي ج ١ / ١٧٣ وفي جامع أسانيد أبي حنيفة ج ١ / ٢٢٢.

وفي تذكرة الحفاظ للذهبي : ج ١ / ١٥٧.

٦٢٤

__________________

قال أبو حنيفة : [ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ، لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة! إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد ، فهيّئ له من المسائل الشّداد.

فهيّأت له أربعين مسألة ، ثم بعث إليّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس عن يمينه ، فلما أبصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر [المنصور] فسلّمت عليه. وأومأ إليّ ، فجلست ثم التفتّ إليه ، فقال : يا أبا عبد الله! هذا أبو حنيفة. قال جعفر : نعم ، ثم أتبعها : قد أتانا ، كأنّه كره ما يقول فيه قوم أنّه إذا رأى الرجل عرفه.

ثم التفت المنصور إليّ فقال : يا أبا حنيفة ألق على أبي عبد الله من مسائلك! فجعلت ألقي عليه فيجيبني ، فيقول : أنتم تقولون كذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا ، فربما تابعهم ، وربما خالفنا جميعا ، حتى أتيت على الأربعين مسألة.]

ثم قال أبو حنيفة : ألسنا روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟

وقال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ج ٢ / ١٠٣ تحت رقم ١٥٦ : [جعفر بن محمد وروي عنه شعبة والسفيانان ومالك وابن جريح وابو حنيفة وابنه موسى عليه‌السلام ووهيب بن خالد والقطّان وأبو عاصم وخلق كثير ، وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من أقرانه ، ويزيد بن الهاد الخ.]

وقال الخطيب التبريزي العمري في إكمال الرجال طبع دمشق / ٦٢٣ :[جعفر الصادق سمع منه الأئمة الأعلام نحو يحيى بن سعيد وابن جريح ومالك ابن أنس والثوري وابن عيينة وأبو حنيفة الخ.]

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ ج ١ / ١٦٦ ط حيدرآباد :

[جعفر بن محمد أحد السادة الأعلام وعنه ـ أخذ ـ مالك والسفيانان وحاتم بن إسماعيل ويحيى القطّان وأبو عاصم النبيل وخلق كثير ...].

٦٢٥

__________________

وعن أبي حنيفة قال : [ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد الخ.]

وقال أبو نعيم في حلية الأولياء ج ٣ / ١٩٨ ط مصر :

[روى عن جعفرعليه‌السلام عدة من التابعين ، منهم يحيى بن سعيد الأنصاري وأبو السختياني وأبان بن تغلب وأبو عمر بن العلاء ويزيد بن عبد الله بن الهاد. الخ.]

وقال محمد بن عبد الغفّار في كتابه أئمة الهدى ص ١١٧ ط القاهرة :

[لقد كان الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام بحرا زاخرا في العلم حيث أخذ عنه أربعة آلاف شيخ ، فرووا عنه الحديث الشريف ومنهم أعلام العلم ، كالإمام الأعظم أبي حنيفة والإمام مالك بن أنس والإمام سفيان الثوري وغيرهم من أجلّة العلماء الخ.]

وقال الشبراوي في كتابه الإتحاف بحبّ الأشراف ص ٥٤ ط مصر :

[السادس من الأئمة جعفر الصادقعليه‌السلام ذو المناقب الكثيرة والفضائل الشهيرة ، روى عنه الحديث أئمة كثيرون مثل مالك بن أنس وأبي حنيفة ويحيى بن سعيد وابن جريح والثوري وابن عيينة وشعبة وغيره الخ.]

وقال ابن حجر الهيتمي في كتابه الصواعق المحرقة : ص ١٢٠ ط مصر : [جعفر الصادق عليه‌السلام نقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان ، وروى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح ومالك والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني الخ.]

وجاء في كتاب رسائل الجاحظ ص ١٠٦ قوله : [جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه ، ويقال : أن أبا حنيفة من تلامذته وكذلك سفيان الثوري ، وحسبك بهما في هذا الباب.]

وقال جمال الدين أبو المحاسن في كتاب النجوم الزاهرة : ج ٢ ص ٨ : [جعفر الصادق بن محمد الباقر حدّث عنه أبو حنيفة وابن جريح وشعبة والسفيانان ومالك وغيرهم الخ.]

٦٢٦

ولو نقلت لكم ما ذكره علماؤكم وأعلامكم عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام ومقامه العلمي ، وصفاته الحميدة وأخلاقه المحمودة لطال بنا المقام ، ولتقاصر البيان عن أداء حقّه وتعريفه بما يستحقّه ، وكلّ ما يقال في علمه وخلقه وصفاته الحسنة لا يبلغ به معشار ما هو حقّه.

النوّاب : هل تأذن لي بالسؤال؟

قلت : أرجو أن يكون سؤالك فيما نحن فيه ، وأن لا تخرجنا بسؤالك عن الموضوع.

قال النواب : إنّ مذهبكم يعرف بالمذهب الاثني عشري لأنكم تتّبعون اثني عشر إماما. فلما ذا اشتهر هذا المذهب باسم الإمام جعفر الصادقرضي‌الله‌عنه فيطلق عليكم الجعفرية نسبة إليه؟

ظهور المذهب الجعفري

قلت : لقد جرت السنّة الإلهية على أنّ كل نبي يعيّن رجلا وصيّا لنفسه ليقوم بالأمر من بعده ولكي لا تكون أمّته حائرة من بعده ،

__________________

وقال الزّركلي في الأعلام ج ١ / ١٨٦ [جعفر الصادق سادس الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية ، كان من أجلّ التابعين وله منزلة رفيعة في العلم ، أخذ عنه جماعة ، منهم أبو حنيفة ومالك وجابر بن حيّان ، ولقّب بالصادق لأنّه لم يعرف عنه الكذب قط الخ.]

وقال محمود بن وهيب البغدادي في كتاب جواهر الكلام ص ١٣ : [جعفر الصادق نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان وروى عنه الأئمة الكبار كيحيى ومالك وأبي حنيفة الخ.]. «المترجم»

٦٢٧

فيضلوا عن سبيل الله سبحانه ، فقد قال عزّ وجلّ :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (١) . وبيّنا لكم في المجالس السابقة أنّ النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيّن الإمام عليّعليه‌السلام وصيّا وأوصى إليه بأمر من الله سبحانه وعيّنه خليفة من بعده ليهدي أمّته إلى الحق وإلى الصراط المستقيم ، ولكن السياسة اقتضت أن يخالفوا وصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعدلوا عنه إلى أبي بكر وعمر وعثمان وقد كانوا يستشيرونه في أكثر الأمور ، فكان يشير عليهم بالحق والصواب ، وهو الذي كان يواجه علماء الأديان المناوئين للإسلام فيردّ شبهاتهم ويجيب على مسائلهم.

ولمّا آل الأمر إلى بني أمية واغتصب معاوية عرش الخلافة ، عاملوه وعاملوا أئمة أهل البيت والعترة الهاديةعليهم‌السلام بكل قساوة ، فما شاوروهم في أي أمر من الأمور بل خالفوهم وما أذنوا لهم بنشر علومهم وبيان ما أخذوه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فطاردوا شيعتهم ومحبيهم وقتلوهم وسجنوهم وأبعدوهم إلى أن انتهت هذه السياسة الظالمة والسيرة الجائرة الغاشمة بقيام عامّ من المسلمين ضدّ بني أمية فأبادوهم ، وانتقل الحكم إلى بني العباس وكان ذلك في عصر الإمام الصادقعليه‌السلام الذي اغتنم هذه الفرصة التي أتيحت له بانشغال الدولتين ففتح باب بيته على مصراعيه ليستقبل من روّاد العلم وطلاّبه ، فوفد نحوه العلماء من كل صوب ومن كل مكان ليرتووا من منهله ويستقوا من منبعه العذب الصّافي ، وقد عدّ بعض المحققين والمؤرّخين تلاميذه فتجاوز الأربعة آلاف ، فالتفّ حوله طلاّب الحق فكشف لهم الحقائق العلمية ، وأوضح لهم المسائل الاعتقادية ، وبيّن لهم المسائل الدينية

__________________

(١) سورة الرعد ، الآية ٧.

٦٢٨

مستندا فيها على الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة الشريفة التي وصلته عن طريق آبائه الطيبين والأئمة المعصومين من أهل البيتعليهم‌السلام .

وهكذا انتشرت عن طريقه أصول مذهب الشيعة وعقائدهم الحقّة ، وقد ألّف بعض أصحابه وتلامذته المقرّبين رسائل في هذا الأمر اشتهرت بالأصول الأربعمائة.

ولم ينحصر علمه في المسائل الدينية والأحكام الشرعية بل كان بحرا زاخرا في شتى العلوم حتى أنّ جابر بن حيّان أخذ عنه علم الكيمياء وألّف في ذلك رسائل عديدة تدرّس بعضها إلى يومنا هذا في الجامعات العلمية.

وبعد ما تسلّط بنو العباس على الحكم وقويت شوكتهم ، منعوه من نشر العلم وتدريسه ، ودام المنع على أبنائه الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام من بعده ، فالفرصة التي أتيحت له في فترة قصيرة ما أتيحت لأحد من آبائه ولا لأحد من أبنائه الهداة الطيبين.

فلذلك اشتهر هذا المذهب باسمه وانتسب إليه ، فيقال : مذهب جعفر بن محمد أو المذهب الجعفري.

فالإمام الصادقعليه‌السلام كما يعترف أعلامكم وكبار علمائكم هو أفقه وأعلم أهل زمانه ، وكما أشرنا بأنّ الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الفقه أخذوا عنه وتتلمذوا عنده ، وكل واحد منهم استفاد من محضره حسب استعداده. وكانعليه‌السلام أفضلهم وأزهدهم وأورعهم وأكملهم ومع ذلك ترك أسلافكم تقليده ومتابعته ، حتى أنّهم أبوا أن يجعلوه في عداد الأئمة الأربعة! لما ذا هذا الجفاء والبغضاء؟ هل لأنّه من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن عترته الطاهرةعليهم‌السلام ؟!

٦٢٩

وقد بالغ بعض محدّثيكم وأعلامكم في البغض والجفاء لأهل البيت إلى حدّ العناد ، بحيث أبوا أن ينقلوا عنهم الحديث الذي يروونه عن جدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مع ما أوصى به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهم ، وتحريضه الأمة على إكرامهم واحترامهم ومتابعتهم).

فهذا البخاري ومسلم لم ينقلا روايات الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام في صحيحيهما ، بل لم ينقلا عن عالم واحد من علماء أهل البيت وفقهائهم ، مثل زيد بن علي الشهيد ويحيى بن زيد ومحمد بن عبد الله ذي النفس الزكية والحسين بن علي الشهيد والمدفون في «فخ» ويحيى ابن عبد الله بن الحسن وأخيه ادريس ، ومحمد بن الإمام الصادق ومحمد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبا ومحمد بن محمد بن زيد وعبد الله بن الحسن وعلي بن جعفر العريضي وغيرهم من أكابر وسادات بني هاشم من المحدثين والفقهاء ، فلم ينقلا عنهم. والعجيب أنّ البخاري ينقل ويروي عن أناس ضعفاء في الإيمان والعقيدة ، بل ينقل عن عدد من الخوارج والذين نصبوا العداء لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمثال أبي هريرة وعكرمة وعمران بن حطّان الذي يمدح ابن ملجم المرادي قاتل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وقد كتب ابن البيّع أنّ البخاري روى في صحيحه عن ألف ومائتي خارجي وناصبي من قبيل عمران بن حطان(١) .

__________________

(١) عمران بن حطّان السدوسي البصري المتوفى سنة ٨٤ ه‍ كان من رءوس الخوارج والمعلنين عداء الإمام عليعليه‌السلام ، وهو المادح ابن ملجم المرادي لعنه الله بقوله :

يا ضربة من تقيّ ما أراد بها

إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا

٦٣٠

وإنّي أتعجّب وأتأسّف من رأي بعض أعلامكم إذ يرون بأنّ أتباع الأئمة الأربعة مسلمين مؤمنين ، ولكنّ شيعة آل محمّد وأتباع الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام كفرة ومشركين ، فيفترون على طائفة كبيرة من المسلمين وعددا كثيرا بالكفر والشرك. فلو قسنا الشيعة بأتباع كلّ مذهب من المذاهب الأربعة من أهل السنّة لوحدهم فالشيعة هم الأكثر ، فإن أتباع الإمام الصادقعليه‌السلام ، أكثر عددا من أتباع مالك بن أنس وشيعة الإمام الصادقعليه‌السلام ، أكثر من أتباع محمد بن إدريس وهكذا لو قسناهم مع أتباع أبي حنيفة لوحدهم وأتباع أحمد بن حنبل لوحدهم ، لوجدنا شيعة الإمام الصادقعليه‌السلام أكثر عددا ، وإنّي أعلن بأننا نحن الشيعة ندعوا إخواننا السنة إلى التقارب والوحدة ونبرأ إلى

__________________

مع العلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصف ابن ملجم بأنه أشقى الأولين والآخرين.

ويروي البخاري عن أبي الأحمر السائب بن فروخ وكان شاعرا فاسقا ومبغضا لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو القائل لأبي عامر بن وائلة الصحابي المعروف بأبي الطفيل من شيعة الإمام علي عليه‌السلام :

لعمرك إنني وأبا طفيل

لمختلفان والله الشهيد

لقد ضلّوا بحبّ أبي تراب

كما ضلّت عن الحق اليهود

مع العلم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : علي مع الحق والحق مع علي.

ويروي أيضا عن حريز بن عثمان الحمصي ، المشهور بالنّصب والمعلن عداءه لعلي عليه‌السلام .

ويروي عن إسحاق بن سويد التميمي وعبد الله بن سالم الأشعري وزياد بن علاقة الكوفي ، وأمثالهم الذين عرفوا واشتهروا بعدائهم للإمام علي عليه‌السلام .

«المترجم»

٦٣١

الله تعالى من التّنافر والتفرقة.

الحافظ : إنّي أؤيّد كثيرا من كلامك وأعترف بأنّ هناك بعض العصبيّات حاكمة على كثير من أهل السنة ، ولكن لو تحقّقنا من الأسباب لعرفناها ترجع إليكم ، لأنكم أنتم ـ علماء الشيعة ومبلغيهم ـ لا ترشدون عوام الشيعة إلى الحق ولا تنهونهم عن الباطل ، فهم يتكلمون بكلمات تنتهي إلى الكفر والشرك.

قلت : أرجوك أن توضّح لي كلامك وتبيّن لي مثالا من كلام عوام الشيعة الذي ينتهي إلى الكفر!!

مطاعن الشيعة في الصحابة وزوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

الحافظ : مما لا شك فيه أنّ المطاعن التي تروونها على الصحابة المقرّبين لرسول الله وبعض زوجاته الطاهرات رضي الله عنهم كفر صريح ، اذ إنّ هؤلاء الصحابة هم الذين جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا الكفار تحت راية النبي وقد قال سبحانه فيهم :( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) (١) فالذين يعلن الله تعالى رضاه عنهم ، ورسول الله يكرمهم ويحترمهم ويحدّث عن فضائلهم ، وهو كما قال سبحانه في سورة النجم( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (٢) .

فالطعن فيهم إنكار للقرآن والنبي ، وهو كفر ، والمنكر كافر.

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية ١٨.

(٢) سورة النجم ، الآية ٣ و ٤.

٦٣٢

قلت : إنّي لا أحب أن خوض في هكذا مسائل فالرجاء أن تترك هذا السؤال ولا تطالبني بالجواب في حضور هذا الجمع ، بل أجتمع بك وحدك وأعطيك الجواب.

الحافظ : الحقيقة ، إنّ هذا السؤال والموضوع مطروح من قبل الجماعة الذين معي لأنهم ألحّوا عليّ وأكّدوا في الليلة الماضية حينما انتهينا من البحث وخرجنا إلى البيت ، على أن أطرح هذا البحث فكلهم يحبّون أن يسمعوا جوابكم.

النوّاب : صحيح يا مولانا كلنا نحب أن نسمع جواب هذا السؤال قلت : إني أتعجّب من جنابكم وما كنت أتوقّع طرح هذا السؤال ، مع ما بيّناه في الليالي الماضية وأوضحنا لكم معنى الكفر والشرك وأثبتنا بأنّ الشيعة سائرون في طريق أهل البيتعليهم‌السلام ، وتابعون لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم المؤمنون حقا.

وأما الموضوع الذي طرحه جناب الحافظ ، فهو ذو جهات ، وليس موضوعا واحدا ، ولا بدّ لي أن أبسطه وأشرحه ، حتى يعرف الحاضرون حقيقة الأمر ويقضوا بالحق ، وحتى تزول الشبهات الواقعة في نفوسهم ضد الشيعة.

سبّ الصحابة لا يوجب الكفر

أمّا قول الحافظ : بأنّ سبّ الصحابة والطعن فيهم ولعنهم ، ولعن بعض زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل الشيعة موجب لكفر الشيعة ، فهو حكم غريب! ولا أدري بأي دليل من القرآن والسنّة النبوية صدّر هذا الحكم؟!!

٦٣٣

فإنّ بيان الطعن وكذلك السب واللعن إذا كان مستندا إلى دليل وبرهان فلا إشكال فيه(١) .

وإن كان من غير دليل وبرهان فهو فسق ، حتى إذا كان على أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزوجاته(٢) وهذا رأي بعض أعلامكم كابن حزم

__________________

(١) أنّ الله سبحانه لعن كثيرا من الناس في القرآن الحكيم كقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) البقرة ١٥٩ ، وكقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) الأحزاب ٥٧ ، وكذلك غير اللعن كما في قوله تعالى :( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ) القلم ١٠ ـ ١٣.

«المترجم»

(٢) لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر» صحيح البخاري ج ٨ / ١٨ من حديث ابن مسعود.

فالشيعة لا يلعنون مؤمنا وإنما يلعنون الذين كفروا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وارتدّوا بعده ، وهم الذين اشار الله سبحانه إليهم في قوله : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران ١٤٤ / ، وهؤلاء هم الذين قاتلوا عليا عليه‌السلام وأصحابه المؤمنين ، إذ كان هو عليه‌السلام يومئذ خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين الذي بايعه أهل الحل والعقد وأجمعوا على ولايته وخلافته ، فالذين خرجوا عليه وخالفوه ، شقّوا عصى المسلمين وقاتلوا المؤمنين ، وأصبحوا بعملهم هذا كافرين.

والعجب أنّكم تكفّرون الشيعة لسبهم ولعنهم معاوية وعائشة وطلحة وابن العاص وأمثالهم الذين قادوا الناس لقتال المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين عليه‌السلام

٦٣٤

حيث يقول في كتابه «الفصل ج ٣ / ٢٥٧» :

[وأمّا من سبّ أحدا من الصحابة (رض) ، فإن كان جاهلا فمعذور ، وإن قامت عليه الحجّة فتمادى غير معاند فهو فاسق ، كمن زنى وسرق وإن عاند الله تعالى في ذلك ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو كافر ، وقد قال عمر (رض) بحضرة النبي (ص) عن حاطب ، وحاطب مهاجر بدري : دعني أضرب عنق هذا المنافق!

فما كان عمر بتكفيره حاطبا كافرا ، بل كان مخطئا متأوّلا الخ.]

وقد أفرط أبو الحسن الأشعري [وهو إمامكم في مثل هذه المسائل] فإنه يرى : [إنّ من كان في الباطن مؤمنا وتظاهر بالكفر ، فهو غير كافر ، حتى إذا سب الله ورسوله (ص) من غير عذر بل حتى إذا خرج لحرب النبي! [والعياذ بالله].]

ويستدلّ على ذلك بأن الكفر والإيمان محلهما في القلب وهما من الأمور الخفيّة الباطنيّة ، فلا يمكن لأحد أن يطّلع على باطن الإنسان وما في قلبه إلاّ الله سبحانه(١) !!

__________________

ولا تكفرونهم مع وجود هذا النص الصريح والحديث النبوي الصحيح :

سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر / صحيح البخاري ج ٨ / ١٨.

«المترجم»

(١) أقول : لقد ارتأى إمام الأشاعرة هذا الرأي الباطل ليبرّر ساحة معاوية وانصاره ، وعائشة وجنودها الذين حاربوا الله ورسوله بقتالهم أمير المؤمنين علياعليه‌السلام وبسفكهم دماء المؤمنين والمسلمين ، وكذلك بسبهم ولعنهم إمام المتقين وسيد

٦٣٥

فكيف يكفر جناب الحافظ وأمثاله ، شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمجرّد سبهم بعض الصحابة وبعض زوجات النبي؟

مع العلم بأنّ كثيرا من علمائكم وأعلامكم السابقين ردّوا هذا الحكم الجائر ونسبوا قائليه إلى الجهل والتعصب. وحكموا بأنّ الشيعة مسلمون مؤمنون.

منهم القاضي عبد الرحمن الإيجي الشافعي في كتابه المواقف ، ردّ كل الوجوه التي بيّنها بعض المتعصّبين من أهل السنّة في تكفير الشيعة وأثبت بطلانها.

ومنهم الإمام محمد الغزالي ، صرّح بأنّ سب الصحابة لا يوجب الكفر ، حتى سب الشيخين ليس بكفر.

ومنهم سعد الدين التفتازاني في كتابه شرح العقائد النسفية ، تناول هذا البحث بالتفصيل وخرج إلى أنّ سابّ الصحابة ليس بكافر.

ثم إن أكثر من كتب من أعلامكم في الملل والنحل وكتب في المذاهب الإسلاميّة : [عدّ الشيعة من المسلمين وذكرهم في عداد المذاهب

__________________

الوصيّين علياعليه‌السلام ، وهو نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في كتاب الله العزيز في آية المباهلة ولذلك حكم العلماء المحقّقون بكفر من سبّهعليه‌السلام وقالوا : إنّ سابّ عليّعليه‌السلام سابّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أفرد العلاّمة الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب ـ الباب العاشر بعنوان «كفر من سبّ علياعليه‌السلام » ـ روى فيه بسنده عن عبد الله بن عباس :[أشهد على رسول الله (ص) سمعته أذناي ووعاه قلبي ، يقول لعلي بن أبي طالب : من سبّك فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله ومن سبّ الله أكبّه الله على منخريه في النار.] «المترجم»

٦٣٦

الإسلامية الأخرى.]

منهم العلاّمة ابن الأثير الجزري في كتابه جامع الأصول ، ومنهم الشهرستاني في كتابه الملل والنحل.

وممّا يذكر في عدم كفر السابّ لبعض صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ أبا بكر قد سبّه أحد المسلمين وشتمه فما أمر بقتله ، كما جاء في مستدرك الحاكم النيسابوري ج ٤ / ٣٥٥ أخرج بسنده عن أبي برزة الاسلمي (رض) قال : أغلظ رجل لأبي بكر الصديق (رض) فقلت : يا خليفة رسول الله ألا أقتله؟! فقال : ليس هذا إلاّ لمن شتم النبي (ص).

وأخرجه الامام أحمد في المسند ج ١ / ٩ بسنده عن ثوية العنبري قال : سمعت أبا سوار القاضي يقول : عن ابن برزة الأسلمي قال : أغلظ رجل لأبي بكر الصديق (رض) قال : فقال أبو برزة : ألا أضرب عنقه؟

قال : فانتهره وقال : ما هي لأحد بعد رسول الله.

ورواه الذهبي في تلخيص المستدرك ، والقاضي عيّاض في الشفاء ج ٤ / الباب الأول ، والإمام الغزالي في إحياء العلوم ج ٢.

فإذا كان الأمر كذلك ، إذ يسمع الخليفة من رجل السباب والشتم ولا يحكم بكفر ولا بقتله.

فلما ذا أنتم العلماء تغوون أتباعكم العوام وتكفّرون الشيعة عندهم بحجّة أنّهم يسبّون الصحابة ويشتمون الخلفاء ، ثم تبيحون لهم قتل الشيعة المؤمنين!!

وإذا كان سب صحابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موجبا للكفر ، فلما ذا لا تحكمون بكفر معاوية وأتباعه الذين كانوا يسبّون ويلعنون أفضل

٦٣٧

صحابة رسول الله وأعلمهم وأورعهم ، ألا وهو أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟!

وإذا كان سبّ الصحابة يوجب الكفر ، فلما ذا لا تكفّرون عائشة ـ أم المؤمنين ـ إذ كانت تشتم عثمان وتحرّض أبناءها على قتله فتقول : اقتلوا نعثلا فقد كفر؟!

كيف تحكمون في موضوع واحد بحكمين متناقضين؟!

فإذا سبّ أحد الشيعة ولعن عثمان ، تكفّروه وتحكمون بقتله.

ولكن عائشة التي كفّرت عثمان وحرّضت المسلمين على قتله تكون عندكم محترمة ومكرّمة!! فما هذا التّضاد والتّناقض؟!

النوّاب : ما معنى نعثل؟ ولما ذا كانت أم المؤمنين تسمي عثمان بنعثل؟

قلت : معنى نعثل ـ كما قال الفيروزآبادي [وهو من أعلامكم] في القاموس ـ معناه : الشيخ المخرف.

وقال العلامة القزويني في شرحه على القاموس : ذكر ابن حجر في كتابه تبصرة المنتبه : انّ نعثل يهودي كان بالمدينة هو رجل لحياني يشبّه به عثمان.

نرجع إلى بحثنا ، فأقول :

إذا كان سب الصحابة يلزم منه الكفر ، فإنّ أول من بدأ بالسبّ هو أبو بكر لما سبّ الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام على المنبر في المسجد ، وعلي هو أفضل الصحابة وأقربهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعظمهم قدرا وأكبرهم شأنا عند الله عزّ وجلّ.

ومع ذلك أنتم لا تقبّحون عمل أبي بكر ، بل تكرمونه وتعظّمونه!!

٦٣٨

الحافظ : هذا افتراء وكذب منكم على الصدّيق ، فإن أبا بكر أجلّ وأكرم من أن يسبّ عليا كرّم الله وجهه ، وما سمعنا بهذا إلاّ منكم ، وأنا على يقين بأنّ الصدّيق بريء من هكذا أفعال وأعمال قبيحة.

قلت : لا تتسرّع في الحكم ولا تتّهمني بالكذب والافتراء وقد ثبت لديكم بأنّي لا أتكلم بغير دليل وبغير شاهد من كتبكم ولكي تعرف صدق كلامي وتعلم بأنّ أبا بكر ارتكب هذا العمل القبيح فراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٦ / ٢١٤ و ٢١٥ ط إحياء التراث العربي ، قال :

[فلما سمع أبو بكر خطبتها [أي خطبة سيدة النساء فاطمةعليها‌السلام ] شقّ عليه مقالتها ، فصعد المنبر وقال : أيها الناس

إنما هو ـ أي عليعليه‌السلام ـ ثعالة شهيده ذنبه ، مربّ لكل فتنة ، هو الذي يقول كرّوها جذعة بعد ما هرمت ، يستعينون بالضعفة ويستنصرون بالنساء ، كأمّ طحال أحبّ أهلها إليها البغي(١) .]

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد : قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري ، وقلت له : بمن يعرّض؟

فقال : بل يصرّح. قلت : لو صرّح لم أسألك ، فضحك وقال : بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام .

قلت : هذا الكلام كله لعلي يقوله! قال : نعم ، إنّه الملك يا بني! قلت : فما مقالة الأنصار؟

قال : هتفوا بذكر عليّ ، فخاف من اضطراب الأمر عليهم ، فنهاهم. فسألته عن غريبه ، فقال : وثعالة : اسم الثعلب علم غير مصروف وأمّ طحال :امرأة بغيّ في الجاهلية ، ويضرب بها المثل فيقال : ازنى من أمّ طحال.

«المترجم»

٦٣٩

فإذا حكمتم بكفر من يسبّ أحد الصحابة ، فيلزم أن تحكموا بكفر أبي بكر وبنته عائشة ، وكذلك معاوية وأنصاره وتابعيهم ، وإذا لم تحكموا بكفر هؤلاء لسبهم ولعنهم عليّاعليه‌السلام فيلزم أن تعمّموا الحكم ولا تكفّروا الشيعة الموالين للعترة الهاديةعليهم‌السلام لسبّهم بعض الصحابة.

كما أفتى وحكم كثير من فقهائكم وعلمائكم بأنّ السّاب للصحابة غير كافر ولا يجوز قتله وذلك باستناد الخبر الذي رواه أحمد ابن حنبل في مسنده ج ٣ ، والقاضي عياض في كتاب الشفاء ج ٤ الباب الأول ، وابن سعد في كتاب الطبقات ج ٥ / ٢٧٩ أخرج بسنده عن سهيل بن أبي صالح أن عمر بن عبد العزيز قال : لا يقتل أحد في سبّ أحد إلاّ في سبّ نبي.

واستنادا على ما مرّ من الخبر الذي نقلناه عن الحاكم النيسابوري في مستدركه ج ٤ / ٣٥٥ ، وأخرجه أحمد في مسنده ج ١ / ٩ كلاهما عن أبي برزة الأسلمي قال : أغلظ رجل لأبي بكر ، فقال أبو برزة : ألا أضرب عنقه؟ فانتهره ـ أبو بكر ـ وقال : ما هي لأحد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

احترام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه

وأما قول الحافظ : بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحترم أصحابه ويكرمهم.

فلا ننكر ذلك ولكن العلماء أجمعوا على أنّ احترام النبي للناس كان بسبب أعمالهم حتى انه كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقدّر ويحترم عدل كسرى

٦٤٠

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205