ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 212040
تحميل: 3126

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212040 / تحميل: 3126
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

الخجل ، على أوراق العار والفشل ، بقلم الخوف والوجل!

ولقد ألّف العلاّمة أبو العبّاس أحمد بن علي المقريزي الشافعي كتابه المشهور «النزاع والتخاصم بين بني اميّة وبني هاشم» وذكر فيه بعض أعمال بني اميّة القبيحة وجرائمهم الفظيعة ، فإنّهم لم يرحموا حيّا ولم يحترموا ميتا من شيعة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الموالين لعليّ بن أبي طالب أمير المؤمنينعليه‌السلام وأولاده الغرّ الميامين.

وهنا اسمحوا لي أن أذكر لكم ـ كنموذج على ذلك ـ مثالين من هذا الكتاب ، حتّى تطّلعوا على الجرائم البشعة لبني اميّة ، وتعرفوا حقيقة أمرهم ، كي لا تتعجّبوا من كلامي ولا تستغربوه ، وتعرفوا أنّ ما أقوله لكم إنّما هو عن دليل وبرهان!

شهادة زيد بن عليّعليه‌السلام

قال المقريزي وغيره من المؤرخين : لمّا هلك يزيد بن عبد الملك ، تولّى الحكم أخوه هشام ، فبدأ بالجور والعدوان على أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ، فكتب إلى عمّاله بالتضييق عليهم وسجنهم والفتك بهم ، وأمر عامله على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي ، أن يهدم دار الكميت شاعر أهل البيتعليهم‌السلام وأن يقطع لسانه ، لأنّه مدح آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

وكتب إلى عامله على المدينة خالد بن عبد الملك بن الحارث : أن يحبس بني هاشم فيها ويمنعهم من السفر! فنفّذ خالد أمر هشام ، وضيّق على الهاشميّين ، وأسمع زيد بن الإمام زين العابدينعليه‌السلام ما يكره ، فخرج زيد إلى الشام ليشكوا خالدا إلى هشام ، فأبى هشام أن يأذن له ، فأرسل إليه زيد رسالة يطلب الإذن بها له ، فكتب هشام في أسفلها :

٦١

ارجع إلى أرضك ، فقال زيد : والله لا أرجع. وأخيرا أذن له هشام وأمر خادما أن يتبعه ويحصي ما يقول. فسمعه يقول : والله ما أحبّ الدنيا أحد إلاّ ذلّ.

وأمر هشام جلساءه أن يتضايقوا في المجلس حتّى لا يقرب منه.

فلمّا دخل زيد لم يجد موضعا يجلس فيه ، فعلم أنّ ذلك قد فعل عمدا ، واستقبله هشام بالشتم والسباب ، بدل التكريم والترحاب!

وفي المقابل لم يسكت زيد عن الجواب ، وإنّما أسمع هشاما ما لم يحبّ أن يسمع ، فلم يتحمّل هشام وأمر بطرده ، دون أن يسمع شكواه ، فأخذ الغلمان بيده ليخرجوه ، فأنشد زيد :

شرّده الخوف وأزرى به

كذاك من يكره حرّ الجلاد

قد كان في الموت له راحة

والموت حتم في رقاب العباد

فخرج من مجلس هشام وتوجّه إلى الكوفة ، فحدّث الناس بظلم الخليفة وعمّاله ، فبايعه خلق كثير فيهم الأشراف والعلماء ، لأنّهم وجدوه أهلا للقيادة ، فهو سيّد هاشمي ، وفقيه تقيّ ، وشجاع باسل.

ولمّا رأى أعوانا ، نهض ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويدفع الظلم والضيم عن نفسه وعن المؤمنين ، فدارت المعركة بينه وبين يوسف الثقفي والي الكوفة وجيشه الجرّار. ولكن أصحاب زيد تركوا زيدا وحده قبل أن يخوض الحرب ويدخل في غمراتها ، ولم يبق معه إلاّ نفر قليل!! ورغم ذلك فقد دخل زيد الحرب وجاهد بشجاعة وبسالة هاشمية وهو يرتجز :

أذلّ الحياة وعزّ الممات

وكلا أراه طعاما وبيلا

فإن كان لا بدّ من واحد

فسيري إلى الموت سيرا جميلا

٦٢

فبينما هو يجاهد في سبيل الله ويحارب الأعداء ، إذ وقع سهم في جبهته ، فلمّا انتزعوه سقط شهيدا.

وكان ذلك في اليوم الثامن من شهر صفر عام ١٢١ ه‍ ، وكان عمره الشريف اثنتين وأربعين سنة ؛ فرثاه الحسن الكناني بأبيات منها :

فلمّا تردّى بالحمائل وانتهى

يصول بأطراف القنا الذوابل

تبيّنت الأعداء أنّ سنانه

يطيل حنين الامّهات الثواكل

تبيّن فيه ميسم العزّ والتقى

وليدا يفدّى بين أيدي القوابل

فحمله ابنه يحيى بإعانة عدّة من أنصاره ، ودفنه في ساقية وردمها وأجرى عليها الماء لكي لا يعلم أحد مدفنه ولكن تسرّب الخبر إلى يوسف ابن عمر ، فأمر بنبش القبر وإخراج الجسد الطاهر ، ثمّ أمر بقطع رأسه الشريف فقطع وبعث به إلى الشام ، فلمّا وصل الرأس الشريف إلى الشام كتب هشام إلى واليه على الكوفة : أن مثّل ببدنه واصلبه في كناسة الكوفة.

ففعل والي الكوفة يوسف بن عمر ذلك ، وصلبه في ساحة من ساحات الكوفة حقدا وعدوانا ، وراح الشاعر الأموي يفتخر بهذه الجريمة البشعة ويقول في قصيدة جاء فيها :

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة

ولم أر مهديّا على الجذع يصلب!

فبقي أكثر من أربع سنين مصلوبا ، حتّى هلك هشام وتولّى بعده الوليد بن يزيد ، فكتب إلى عامله بالكوفة : أحرق زيدا بخشبته وأذر رماده.

ففعل وأذرى رماده على شاطئ الفرات!(١) .

__________________

(١) وأمّا الرأس الشريف ، فقد بعثه هشام من الشام إلى المدينة ونصب عند قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكان العامل عليها : محمد بن إبراهيم بن هشام المخزومي.

٦٣

شهادة يحيى بن زيد

وفعلوا نفس الصنيع بولده يحيى ، فإنّه قام ضدّ ظلم بني أميّة وجورهم ، والتاريخ يذكره بالتفصيل(١) واستشهد في ميدان القتال ،

__________________

فطلب منه الناس أن ينزّل الرأس الشريف فأبى ، فضجّت المدينة بالبكاء.

وكان الوالي يجمع أنصاره ، وهم السفلة والأراذل ، ويأمرهم بسب عليّ وبنيه وشيعته ، وبقي على ذلك سبعة أيّام!!

ثم سيّر الرأس الشريف إلى مصر ، فنصب بالجامع ، فسرقه أهل مصر ودفنوه بالقرب من جامع ابن طولون.

ويعتقد بعض المحقّقين أنّ المسجد المعروف اليوم بمسجد رأس الحسين عليه‌السلام بالقاهرة ، هو مدفن رأس حفيده : «زيد بن عليّ بن الحسين عليه‌السلام ».

وكانت كنيته : أبو الحسين. «المترجم».

(١) خرج يحيى من الكوفة ليلا بعد استشهاد أبيه ودفنه ، وقد وكّل الحاكم حريث الكلبي بتعقّبه والقبض عليه ، ولكن لم يتمكّن منه ، فوصل يحيى إلى الريّ ومنها إلى خراسان. فنزل في «سرخس» عند يزيد بن عمرو التيمي وبقي ستّة أشهر ثم خرج الى بلخ ونزل عند حريش بن عبد الرحمن الشيباني ، وبقي عنده حتّى هلك هشام وتولّى بعده الوليد بن يزيد ، وكتب يوسف بن عمر عامل الكوفة إلى نصر بن سيّار عامل خراسان : بأنّي استخبرت أنّ يحيى بن زيد أقام في بلخ عند حريش بن عبد الرحمن الشيباني ، فابعث إليه حتّى يسلّمك يحيى ، فكتب نصر لعامل بلخ : خذ حريش ولا تطلقه حتّى يسلّمك يحيى بن زيد.

فألقى عامل بلخ القبض على حريش وطلب منه ضيفه يحيى ، فأبى حريش تسليمه ، فأمر العامل بتعذيب حريش ، فضربوه ستّمائة جلدة ، وهو يأبى تسليم يحيى.

٦٤

__________________

وكان لحريش ولد يسمّى قريشا ، لمّا رأى ما نزل بأبيه من الضرب والتعذيب ، قام مع جماعة من أصحابه يفتش عن يحيى ، فلقيه في دار مع يزيد بن عمرو وهو صاحبه من الكوفة ، فجاءوا بهما إلى عامل بلخ وسلّمهما هو إلى نصر بن سيّار فسجنهما ، وكتب إلى يوسف بن عمر بالكوفة يخبره بذلك ، وكتب يوسف بالخبر إلى الوليد ابن يزيد بالشام ، فأمره الوليد أن يطلق يحيى وصاحبه من السجن ، وكتب يوسف ابن عمر الثقفي إلى نصر يخبره برأي الخليفة.

فطلب نصر بن سيّار ، يحيى بن زيد الشهيد وحذّره من الخروج. ثمّ أعطاه عشرة آلاف درهم وبغلتين ، له ولصاحبه ، وأمرهما أن يلتحقا بالوليد بن يزيد بالشام.

ولكن يحيى توجّه مع صاحبه إلى سرخس ومنها إلى أبرشهر فطلبه عمرو بن زرارة والي أبرشهر وأعطاه ألف درهم نفقة الطريق وأخرجه إلى بيهق.

فلمّا وصل إلى بيهق التفّ حوله جماعة وعاهده سبعون رجلا على أن يقاتلوا معه من قاتل.

فاشترى يحيى لهم خيلا وسلاحا وخرج على عمرو بن زرارة ، فكتب عمرو إلى نصر يخبره بذلك ، وكتب نصر إلى عبد الله بن قيس عامل سرخس ، وإلى حسن ابن زيد عامل طوس ، يأمرهم أن يلتحقا مع جنودهما بعمرو بن زرارة عامله على أبرشهر ، ويقاتلا تحت لوائه.

فوصلا إلى أبرشهر ومعهما عشرة آلاف مقاتل. وفور وصولهم هجموا على يحيى وأصحابه. وثبت يحيى مع قلّة جنده ، ثبات الأبطال ، وأبدوا شجاعة وبسالة قلّ مثلها في التاريخ ، فنشبت حرب حامية ودارت معركة دامية حتّى قتل عمرو بن زرارة وانهزم جيشه. وتركوا غنائم كثيرة ليحيى وأصحابه ، فقويت شوكته وكثرت عدّته. وتوجّه إلى هراة ومنها إلى جوزجان في بلاد خراسان.

وامّا نصر بن سيّار فقد بعث سالم بن أحور مع ثمانية آلاف فارس شامي وغير شامي ، لقتال يحيى بن زيد.

٦٥

فقطعوا رأسه وبعثوه إلى الشام وصلبوا جسده الشريف ستّ سنين ـ وقد بكى عليه المؤالف والمخالف ـ حتّى مات الوليد ، ونهض أبو مسلم الخراساني واستولى على تلك البلاد فأمر فانزل جسد يحيى الشهيد ودفن في جرجان وقبره اليوم مزار يتوافد المؤمنون لزيارته.

بعد هذا الحديث الحزين تأثّر كلّ الحاضرين وتألّموا ، وبكى بعضهم على مصائب آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعنوا بني أميّة الظالمين.

سرّ وصيّة الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام

إنّ فاجعة قتل زيد وابنه يحيى وصلبهما ، واحدة من آلاف

__________________

فالتقى الجيشان في قرية «أرغوى» ودارت بينهما معركة ضارية ، دامت ثلاثة ايّام بلياليها ، وقتل جمع كثير من الفريقين ، وبينما كان يحيى يخوض غمار الحرب ويجاهد الاعداء إذ جاءه سهم وقع في جبهته ، ومضى شهيدا كأبيه زيد المظلومعليه‌السلام .

فقطعوا رأسه الشريف وبعثوه إلى نصر بن سيّار عامل خراسان ، وبعث هو به إلى الوليد بن يزيد في الشام ، وكان ذلك في سنة ١٢٥ ه‍.

وصلبوا جثمانه على بوّابه جوزجان وبقي مصلوبا إلى أن قام أبو مسلم الخراساني ضدّ بني أميّة وقوّض دولتهم ، فأمر بأن ينزلوا جسد يحيى ويدفنوه.

وأمر كذلك بأن يسمّوا كلّ من يولد ذلك العام في خراسان باسم يحيى ، ويوجد هذا اليوم قبران باسمه الشريف ، تقصدهما الوفود والزائرون ، ويتوسّلون به إلى الله تعالى في قضاء حوائجهم.

أحدهما في مدينة «كنبد كاووس» وهي تبعد عن جرجان ثلاثين كيلومترا.

وآخر في جوزجان في قرية تسمّى : «ميامي» وهي تبعد عن مدينة مشهد الإمام الرضا عليه‌السلام قرابة مائة كيلومتر. «المترجم».

٦٦

الفجائع التي أحدثتها أيدي بني أميّة ، بعد قتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

فيا ترى ما الذي كان يمنعهم ، إذا سنحت لهم الفرصة ، أن يصنعوا بجسد الإمام عليّعليه‌السلام الزكيّ الطاهر ، ما صنعوه بجسد حفيده المظلوم زيد بن الإمام زين العابدينعليه‌السلام ؟!

فقد جاء في كتاب منتخب التواريخ : انّ الحجّاج بن يوسف الثقفي نبش حواليّ الكوفة آلاف القبور ، يفتّش عن جثمان الإمام عليّعليه‌السلام !!

فلعلّه لهذا السبب وصّى بنيه أن يدفنوه ليلا لا نهارا ، وسرّا لا جهارا ، ويعفّوا موضع قبره ويخفوه على الناس. وكان كذلك حتى عهد هارون الرشيد.

اكتشاف قبر الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام

خرج الرشيد يوما للقنص والصيد إلى وادي النجف في ظهر الكوفة ، وكانت هناك آجام أصبحت أوكارا للحيوانات.

قال عبد الله بن حازم : فلمّا صرنا إلى ناحية الغريّ ، رأينا ظبية فأرسلنا إليها الصقور والكلاب ، فحاولتها ساعة ثمّ لجأت الظبية إلى أكمة فاستجارت بها ، وتراجعت الصقور والكلاب ، فتعجّب الرشيد من ذلك!

ثمّ إنّ الظباء هبطت من الأكمة ، فتعقّبتها الصقور والكلاب ، فرجعت الظباء إلى الأكمة ، فتراجعت عنها الصقور والكلاب ، ففعلت ذلك ثلاثا.

٦٧

فقال هارون : اركضوا إلى هذه الأنحاء والنواحي فمن لقيتموه ائتوني به ، فأتيناه بشيخ من بني أسد.

فقال له هارون : ما هذه الأكمة؟

قال الشيخ : إن جعلت لي الأمان أخبرتك!

فقال : لك عهد الله وميثاقه أن لا أهيجك ولا أؤذيك.

قال الشيخ : جئت مع أبي إلى هنا فزرنا وصلّينا فسألت أبي عن هذا المكان.

فقال : عند ما تشرّفت بزيارة هذه البقعة مع الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام قال : هذا قبر جدنا علي بن أبي طالبعليه‌السلام وسيظهره الله تعالى قريبا.

فنزل هارون ودعا بماء فتوضّأ وصلّى عند الأكمة وتمرّغ عليها وجعل يبكي. وبعده أمر ببناء قبّة على القبر! ومنذ ذلك اليوم لم يزل البناء في تطوّر ، وهو اليوم صرح بديع لا يوصف.

الحافظ : أظنّ إنّ قبر مولانا عليّ بن أبي طالب ، لم يكن في النجف ، ولا في الموضع الذي ينسب إليه ، لأنّ العلماء اختلفوا فيه ، فمنهم من يقول : دفن في قصر الإمارة. ومن قائل : إنّه في جامع الكوفة. وقول : إنّه في باب كندة. وقيل : إنّه دفن في رحبة الكوفة. وهناك من يقول : حمل إلى المدينة ودفن في البقيع. وبالقرب من كابل في أفغانستان أيضا قبر ينسب إليه!

ويقال : إنّ جسد مولانا عليّ (كرّم الله وجهه) ، وضع في صندوق وحمل على بعير ساروا به نحو الحجاز ، فاعترضهم عدد من قطّاع الطريق وظنّوا أنّ فيه أموالا فسرقوه ، ولمّا فتحوا الصندوق وجدوا فيه جثمان عليّ بن أبي طالب ، فذهبوا به إلى ذلك المكان من

٦٨

أفغانستان ، فدفنوه ، والناس عموما يحترمون ذلك القبر ويزورونه!

قلت : هذا الخبر مضحك جدّا ، فربّ مشهور لا أصل له ، وهو للاسطورة أقرب.

وأمّا الاختلاف في موضع قبر الإمام عليّعليه‌السلام فقد جاء على أثر وصيّته بإخفاء قبره الشريف ، وإنّما لم أشرح لكم الموضوع بالتفصيل رعاية للوقت.

فقد روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : إنّ أمير المؤمنين أوصى ابنه الحسن وقال له ما مضمونه : بنيّ إذا دفنتني في النجف ورجعت إلى الكوفة ، فاصنع في أربعة مواضع أربعة قبور : ١ ـ مسجد الكوفة ٢ ـ الرحبة ٣ ـ الغريّ ٤ ـ دار جعدة بن هبيرة.

وإنّ هذا الاختلاف الذي تذكره ، إنّما يكون بين علمائكم ، لأنّهم أخذوا كلام هذا وذاك ، ولم يأخذوا بكلام العترة النبوية حتّى في تعيين موضع قبر أبيهم ، سيّد العترة ، الإمام عليّعليه‌السلام !!

وأمّا إجماع علماء الشيعة فهو على أنّ قبر الإمام عليّعليه‌السلام في النجف الأشرف ، وفي الموضع المنسوب إليه ، وهم أخذوا هذا الخبر الصحيح من أهل بيته «وأهل البيت أدرى بما في البيت» ومن الواضح أنّ أولاد عليّعليه‌السلام الّذين قاموا بدفنه أعلم من غيرهم بموضع قبره ، والعادة في مثل هذه الاختلافات أن يرجعوا إلى الأبناء في تعيين قبر أبيهم. ولكن قاتل الله العناد!!

وإنّ العترة الهادية وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، اتّفقوا وأجمعوا على أنّ قبر جدّهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إن هو إلاّ في النجف وفي الموضع الذي اشتهر به ، وحرّضوا المسلمين ليزوروا قبر أبي الحسن عليّ بن

٦٩

أبي طالبعليه‌السلام في ذلك الموضع.

ذكر سبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواصّ» ص ١٦٣(١) : إختلاف الأقوال في قبر الإمام عليّعليه‌السلام ـ إلى أن قال : ـ والسادس : إنّه على النجف في المكان المشهور الذي يزار فيه اليوم ، وهو الظاهر ، وقد استفاض ذلك.

وعلى هذا القول كثير من علمائكم ، كأمثال خطيب خوارزم في المناقب ، وخطيب بغداد في تاريخه ، ومحمد بن طلحة في «مطالب السئول» وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، والفيروزآبادي في القاموس ـ في كلمة : النجف ـ وغيرهم.

أبناء إبراهيم المجاب

صار حوارنا مصداقا للمثل : «الكلام يجر الكلام» وأعود الآن لأتحدّث عن نسبي :

توفّي السيّد إبراهيم المجاب بن السيد محمد العابد في كربلاء المقدّسة ، ودفن عند قبر جدّه سيّد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام ، ومرقده اليوم مزار المؤمنين. وخلّف ثلاثة أولادا وهم : السيد أحمد ، والسيد محمود ، والسيد علي. فهاجروا الى بلاد إيران ليوجهوا الناس الى الله تعالى ويعلموهم أحكام الدين ويسلكوا بهم سبيل أهل البيت الطاهرينعليه‌السلام فأما السيد أحمد أقام في منطقة (قصر ابن هبيرة) وبقي فيها مع أولاده وخدموا الدين والمجتمع.

وأمّا السيّدان محمد وعلي ، فقد توجّها إلى كرمان.

__________________

(١) تذكرة الخواص ، الباب السابع : في وفاته ، ص ١٦٣.

٧٠

أمّا السيّد علي فسكن مدينة سيرجان وهي تبعد عن كرمان أكثر من مائة كيلومتر ، واشتغل هو وأولاده وأحفاده بتبليغ الدين وإرشاد المسلمين وأمّا السيّد محمد ـ الملقّب بالحائري ـ فقد وصل كرمان وبقي فيها ، وخلّف ثلاثة أولاد ، وهم : أبو علي الحسن ، ومحمد حسين الشيتي ، وأحمد.

أمّا محمد حسين وأحمد ، فقد رجعا إلى كربلاء وسكنا في جوار جدّهم الحسين الشهيدعليه‌السلام ، حتّى توفّيا ، وتوجد إلى يومنا هذا في العراق ، قبائل كبيرة من السادة الشرفاء ينتمون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريقهما ، مثل : آل شيته ، وآل فخّار وهم من نسل السيّد محمد الشيتي.

أمّا آل نصر الله وآل طعمه ، فهم من نسل السيّد أحمد ، وهم اليوم سدنة الروضة الحسينية المقدّسة في كربلاء.

وأمّا السيد أبو علي الحسن ، فقد هاجر مع أولاده من كرمان إلى شيراز وكان سكّانها آنذاك من العامّة ، بل كثير منهم كانوا يبغضون آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل المدينة مع أهله وأولاده بأزياء عربية وأقاموا بالقرب من الخندق المحيط بالبلد فأقاموا بيوتا عربية وسكنوا فيها.

واتّصلوا بالشيعة الساكنين في محلة (سردزك) وهم قليلون مستضعفون يعيشون في تقيّة. فبدأ السيّد أبو علي وأولاده بنشر تعاليم آبائهم الطيّبين وتبليغ مذهبهم الحقّ ، في خفاء وحذر.

وبعد وفاة السيّد أبي علي قام ابنه الأكبر السيّد أحمد أبو الطيّب بالتبليغ ونشر عقائد الشيعة وتعاليمهم ، واهتمّ بذلك اهتماما بالغا ، حتّى أنّ كثيرا من أهل شيراز اتّبعوه وتشيّعوا ، وأخذ عددهم يزداد يوما بعد يوم ، فلمّا رأى السيّد أبو الطيّب إقبال الناس عليه ، أعلن نسبه

٧١

ومذهبه ، فازداد إقبال الناس عليهم والتفافهم حول السادة الكرام ، فنصبوا منبر الإرشاد الإسلامي والتوجيه الديني في شيراز باسم السادة المجابية ، وهم المنسوبون إلى السيّد إبراهيم المجاب ، والسادة العابدية وهم المنسوبون إلى إخوان السيّد المجاب ، فإنّ أباهم جميعا هو السيّد محمد العابد.

فتحرّك الخطباء والمبلّغون من هؤلاء السادة وسافروا إلى انحاء ايران لينشروا عقائد العترة الهادية وتعاليمهم باسم ـ المذهب الشيعي ـ فانتشر المذهب الحقّ في أكثر البلاد الايرانية ، حتّى قامت دولة آل بويه وهم شيعة ، وجاء بعدهم غازان خان محمود ، والسلطان محمد خدابنده ، وهم من المغول ولكن تشيّعا وخدما مذهب الشيعة وأتباعه ، ثمّ قامت الدولة الصفوية وكان عصرهم أفضل العصور للشيعة في إيران ، إذ أعلنوا التشيّع هو المذهب الرسمي في إيران ، ولا يزال كذلك.

هجرتنا إلى طهران

في أواخر أيّام الملك فتح علي القاجاري ، تشرّف جدّنا السيّد حسن الواعظ الشيرازي ـ طاب ثراه ـ بزيارة مرقد الإمام الرضا عليّ بن موسىعليه‌السلام ، وعند رجوعه من خراسان وصل طهران العاصمة فاستقبله أهلها والعلماء ، وتوافدوا إلى منزله يزورونه ويرحّبون بقدومه ، وجاء وفد من قبل جلالة الملك وبلّغوه تحيّة جلالته ورغبته في أن يجعل السيّد محلّ إقامته في العاصمة ، فلبّى جدّنا دعوة الملك وأجابه بالقبول.

٧٢

وكانت المساجد آنذاك في طهران ، تختص بصلوات الجماعة وبيان المسائل الشرعية ، ولم تنعقد فيها مجالس الخطابة ـ المتداولة في زماننا ـ وكانت التكايا والحسينيات تختصّ بعرض التمثيليات عن وقائع عاشوراء الدامية وإقامة العزاء والشعائر الحسينية.

وكانت «تكية الدولة» من أهمّ التكايا والحسينيات ، فطلب جدّنا من الملك أن ينصب منبرا للخطابة والتبليغ والإرشاد ـ على النحو المتعارف في زماننا ـ في كلّ حسينية وتكية.

فأيّد الملك ذلك وبدأ بتكية الدولة ، ودعا فضيلته ليخطب ويفيد الناس فصعد جدّنا المنبر في تكية الدولة فوعظ وبلّغ وأرشد الناس إلى حقائق الدين وتعاليم المذهب ، وبعد ذلك رثى سيّد الشهداء الحسينعليه‌السلام وأبكى الحاضرين.

فاستقبل الناس طريقته بحضورهم المتكاثف ، واستمر مجلسه ليالي كثيرة في ذلك المكان ، وبعده دعي إلى تكية اخرى ، وهكذا كان جدّنا مؤسّس مجالس الوعظ والخطابة ، وأوّل من وضع منبر التوجيه الديني والإرشاد المذهبي في طهران.

ثمّ لمّا رأى جدّنا السيّد حسن الواعظ ، استقبال الناس لمجالسه وحديثه ، أرسل كتابا إلى والده السيّد إسماعيل ، أحد مجتهدي شيراز ، وطلب منه أن يبعث بعض أولاده إلى طهران ، وكان له أربعون ولدا ، فانتخب منهم :

١ ـ السيّد رضا ، وكان فقيها مجتهدا ٢ ـ السيّد جعفر ٣ ـ السيّد عباس ٤ ـ السيّد جواد ٥ ـ السيّد مهدي ٦ ـ السيّد مسلم ٧ ـ السيّد كاظم ٨ ـ السيّد فتح الله.

٧٣

وأمرهم أن يهاجروا إلى طهران ليعينوا أخاهم السيّد حسن في إدارة مجالس الوعظ والإرشاد ، ويطيعوه لأنّه كان أكبرهم وأفضلهم.

فأقام هؤلاء السادة في طهران واشتهروا فيها وفي المدن المجاورة لها ، بحسن أخلاقهم وإيمانهم وبعذوبة بيانهم وحلاوة كلامهم.

فطلب أهالي قزوين من السيد حسن أن يبعث إليهم بعض إخوته ، ليقيموا هناك ليرشدوهم ويعلموهم الدين.

فبعث إليهم السيّد مهدي والسيّد مسلم والسيّد كاظم ، فسكنوا قزوين وقاموا فيها بأمر التبليغ والتوجيه الديني ، وخلّفوا أولادا يعرفون بالسادة المجابية ، وعددهم اليوم كثير في قزوين.

وأمّا السيّد حسن مع بقيّة إخوانه فقد سكنوا طهران وعقدوا فيها مجالس كثيرة للتوجيه والإرشاد ، فخدموا الدين وأهله خدمة جليلة عن طريق المحراب والمنبر.

وبعد أن توفّي جدّنا السيّد حسن ـقدس‌سره ـ سنة ١٢٩١ ه‍ ، تعيّنت نقابة السادة المجابية والعابدية في ولده الأكبر ، السيّد قاسم ، بحر العلوم ، وهو والد والدي ، وكان عدد رجال هذا البيت الشريف يبلغ ألفا آنذاك ، وكانت مؤهّلات وشرائط الرئاسة مجتمعة في السيّد قاسم ، من الزهد والورع والعلم والحلم وحسن الخلق ، فكان يحوي العلوم العقلية والنقلية ، وعلم الأصول والفروع ، واشتهر في زمانه بالعلم وحسن التدبير والإدارة.

وتوفّي في سنة ١٣٠٨ ه‍ ونقل جثمانه إلى العراق وشيّع في مدينة كربلاء المقدّسة بكلّ عزّ واحترام ، ودفن عند مرقد جدّه الإمام الشهيد الحسين بن عليعليه‌السلام ، بجنب قبر والده السيّد حسن الواعظ ـ طاب ثراه ـ.

٧٤

وبعده انتقلت نقابة السادة العابدية والمجابية ، إلى والدي ، وهو اليوم من حماة الشيعة وأنصار الشريعة ، وحيد عصره ، وفريد دهره ، السيّد علي أكبر ، دامت بركاته.

وقد نال من الملك ناصر الدين شاه القاجاري ، لقب «أشرف الواعظين» ويبلغ عمره اليوم ثمانين سنة ، صرف جلّه في خدمة الدين وإثبات أصوله ونشر فروعه ، وقد قام بتوجيه الغافلين وإرشاد الجاهلين ، وخاصة في الآونة الأخيرة ، إذ مرّت بالأمّة عواصف إلحادية وحوادث خطيرة جاءت من قبل الأجانب المستعمرين وأعداء الإسلام والمسلمين ، فجرفت الكثير من العوامّ والجاهلين ، فنهض والدي وأمثاله من العلماء الكرام ، ووقفوا في وجوه الأعداء اللئام ، حتّى كشفوا عن الحقّ اللثام ، وشقّوا أمواج الفتن والظلام ، بنور العلم وضوء الكلام.

فدحضوا الباطل ، وأنقذوا العوامّ من الشكوك والأوهام ، فقدّر مواقف والدي وخدماته ، علماء عصره ومراجع الدين في زمانه ، أمثال :

١ ـ آية الله العظمى ، مجدّد مذهب سيّد البشر في القرن الثالث عشر ، السيّد ميرزا محمد حسن الشيرازي ـ طاب ثراه ـ.

٢ ـ آية الله العظمى ميرزا حبيب الله الرشتي.

٣ ـ الآية العظمى الشيخ زين العابدين المازندراني.

٤ ـ آية الله ميرزا حسين بن ميرزا خليل الطهراني.

٥ ـ المجتهد الأكبر آية الله السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي.

٦ ـ آية الله العظمى الشيخ فتح الله ، شيخ الشريعة الأصفهاني.

٧٥

٧ ـ آية الله العظمى السيّد إسماعيل الصدر.

٨ ـ آية الله العظمى الميرزا محمد تقي الشيرازي ، قائد ثورة العشرين ضدّ الاحتلال البريطاني للعراق.

فهؤلاء المجتهدون الكرام والعلماء الأعلام ـ قدّس الله أسرارهم ـ كانوا يحترمون والدي كثيرا ويحبّونه ويكرمونه غاية الإكرام والاحترام.

وأمّا في هذا الزمان ، فإنّ زعيم الشيعة سيّد الفقهاء والمجتهدين ، وحيد دهره ، ونابغة عصره ، سماحة السيّد أبو الحسن الأصفهاني متّع الله المسلمين بطول بقائه ، وهو الآن في النجف الأشرف يرفع لواء الدين وراية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويهتمّ بنشر علوم سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ أقطار العالم ، وقد دخل بواسطته جماعات كثيرة من أصحاب الملل والنحل في الإسلام واعتنقوا مذهب التشيّع.

وفي إيران ، زعيمنا آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري مدّ ظله العالي ، مؤسّس الحوزة العلمية في قمّ المقدّسة ، وهو ملاذ الشيعة ، وحامي الشريعة في إيران.

وإنّ هذين العالمين الكبيرين يحترمان والدي ويكرمانه كثيرا ، ويقدّران جهوده الجبّارة في سبيل إحياء الدين وردّ شبهات المضلّين.

وإنّ سماحة الشيخ الحائري يخاطب والدي ب «سيف الإسلام» لأنّ بيانه وكلامه مفعم بالأدلّة العقلية القاطعة ، والبراهين الساطعة ، فلسانه في الدفاع عن الدين الحنيف ، والذبّ عن مذهب التشيع الشريف ، أكثر أثرا من السيف.

واليوم بنو أعمامي ورجال شجرتنا المباركة موجودون في أكثر

٧٦

مدن إيران ، وبالأخصّ في طهران ونواحيها ، وشيراز وحواليها ، وقزوين وضواحيها ، وهم يعرفون بالسادة العابدية والمجابية والشيرازية ، ولم يزالوا يخدمون الدين وأهله ، بسلوكهم النزيه ، وبالإرشاد والتوجيه.

هذا ملخّص تاريخ هذه السلالة الكريمة ، في جواب سؤالكم : لما ذا هاجرنا إلى إيران؟ وقد تبيّن لكم من خلال الجواب أنّ هدف المهاجرين الأوّلين من هذه السلالة ، زيارة الإمام عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام ولمّا منعتهم السلطات ، قاموا يفضحون أعمال الحكّام والولاة ، ويعلنون جور الخلفاء الجفاة ، وينشرون الوعي بين الأمّة ، ويوجّهون الناس إلى الحقائق الدينية والأحكام الإلهية التي طالما سعى الخلفاء وأعوانهم في تغييرها. فكانوا كما قال تعالى :( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً ) (١) .

لمّا تلونا هذه الآية الكريمة ، نظر السيّد عبد الحيّ إلى ساعته فقال : لقد مضى كثير من الليل ، فلو تسمحون أن نؤجّل الكلام إلى الليلة الآتية ، فنأتيكم إن شاء الله تعالى من أوّل الليل ونواصل الحديث.

فابتسمت وأبديت موافقتي ، فانصرفوا وشيّعتهم إلى باب الدار.

__________________

(١) سورة الاحزاب ، الآية ٣٩.

٧٧
٧٨

المجلس الثاني

ليلة السبت ٢٤ / رجب / ١٢٤٥ ه

بعد ما انتهيت من صلاة العشاء ، حضر أصحاب البحث والحوار وكانوا أكثر عددا من الليلة الماضية ، فاستقبلتهم ورحّبت بهم ، وبعد أن استقرّوا في أماكنهم وشربوا الشاي ، افتتح الحافظ كلامه قائلا :

أقول حقيقة لا تملّقا : لقد استفدنا في الليلة السابقة من بيانكم الشيّق وكلامكم العذب ، وبعد ما انصرفنا من هنا كنّا نتحدّث في الطريق عن شخصيّتكم وأخلاقكم ، وعن علمكم الغزير واطّلاعكم الكثير ، وقد انجذبنا لصورتك الجميلة وسيرتك النبيلة ، وهما قلّ أن يجتمعا في شخص واحد ، فأشهد أنّك ابن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) حقّا.

وإنّي راجعت المكتبة في هذا اليوم ، وتصفّحت بعض كتب الأنساب حول بني هاشم والسادة الشرفاء ، فوجدت كلامكم في الليلة الماضية حول نسبكم الشريف مطابقا لما في تلك الكتب ، واغتبطت بهذا النسب العالي لسماحتكم.

٧٩

ولكن استغربت وتعجّبت من شيء واحد ، وهو : أنّ شخصا شريفا صحيح النسب كجنابكم مع حسن الصورة والسيرة ، كيف تأثّرتم بالعادات الواهية والعقائد العاميّة ، وتركتم طريقة أجدادكم الكرام واتّبعتم سياسة الإيرانيّين المجوس ، وتمسّكتم بمذهبهم وتقاليدهم؟!

قلت :

أوّلا : أشكرك على أوّل كلامك حول نسبي وحسن ظنّك بي.

ولكنّك : اضطربت بعد ذلك في الكلام ، وخلطت الحلال بالحرام ، سردت جملا مبهمة ما عرفت قصدك منها والمرام ، وإنّ كلامك هذا عندي أقاويل وأوهام.

فالرجاء وضّح لي مرادك من : «العادات الواهية والعقائد العاميّة».

وما المقصود من : «طريقة أجدادي الكرام»؟!

وما هي : «سياسة الإيرانيّين التي اتّبعتها»؟!

وما المراد من : «مذهبهم وتقاليدهم التي تمسّكت بها»؟!

الحافظ : أقصد بالعادات الواهية والعقائد العاميّة : البدع المضلّة والتقاليد المخلّة ، التي أدخلها اليهود في الإسلام.

قلت : هل يمكن أن توضّح لي أكثر حتّى أعرف ما هذه البدع التي تأثّرت أنا بها؟!

الحافظ : إنّك تعلم جيّدا والتاريخ يشهد ، أنّ بعد موت كلّ نبيّ صاحب كتاب ، اجتمع أعداؤه وحرّفوا كتابه ، مثل : التوراة والإنجيل فحذفوا وزادوا ، وغيّروا وبدلوا ، حتّى سقط دينهم وكتابهم عن الاعتبار.

٨٠