ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242387 / تحميل: 4170
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، بألسنتهم ولما يدخل الإيمان في قلوبهم ، فكانوا يتحيّنون الفرصة لإظهار بغضهم الدفين ، فلمّا اتيحت لهم الفرصة بوفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انقلبوا على أعقابهم ، وفعلوا ما فعلوا ظلما وعنادا.

وبعضهم للحسد والكبرياء ، لأنّهم كانوا أسنّ من الإمام عليّعليه‌السلام ، وهو يوم ذاك لم يبلغ الأربعين من العمر ، فثقل عليهم أن يخضعوا له ويطيعوا أمره!

لهذه الأسباب ونحوها تركوا خليفة نبيّهم وخذلوه وكادوا يقتلونه ، كما كاد بنو إسرائيل أن يقتلوا هارون!!

لذلك روى ابن قتيبة وهو من كبار علمائكم ، في كتابه الإمامة والسياسة ، صفحه ١٣ ـ ١٤ / ط مطبعة الامة بمصر تحت عنوان : «كيف كانت بيعة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه».

قال : وإنّ أبا بكر (رض) تفقّد قوما تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار عليّ ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها!

فقيل له : يا أبا حفص ، إنّ فيها فاطمة!

فقال : وإن!!

فخرجوا وبايعوا إلاّ عليّا فأخرجوا عليّا ، فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع.

فقال : إن أنا لم أفعل فمه؟!

٢٨١

قالوا : إذا والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك!!

قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله.

قال عمر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا!

وأبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك؟!!

فقال : لا اكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.

فلحق عليّ بقبر رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يصيح ويبكي وينادي :( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) .

ونقل أكثر المؤرّخين الموثّقين عندكم أنّ الإمام عليّاعليه‌السلام تلا هذه الآية عند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الحالة العصيبة ، وهي حكاية قول هارون عند أخيه موسى بن عمران حينما رجع من ميقات ربّه ، فشكى إليه قومه بني إسرائيل ، وكيف استضعفوه وصاروا ضدّه.

وإنّي أعتقد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم بأنّه سيجري من قومه على وصيه وخليفته من بعده ، ما جرى على هارون من أمّة موسى في غيبته ، ولذلك شبّه عليّاعليه‌السلام بهارون.

والإمام عليّعليه‌السلام لإثبات هذا المعنى خاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند قبره فقال له ما قاله هارون لأخيه موسى ، قوله تعالى :( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (٢) .

فلمّا وصل حديثنا إلى هذه النقطة ، سكت الحافظ وبهت

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٥٠.

(٢) سورة الأعراف ، الآية ١٥٠.

٢٨٢

الحاضرون ، وبدأ ينظر بعضهم إلى بعض ، في حالة من التفكّر والتعجّب.

فرفع النوّاب رأسه وقال : إذا كانت الخلافة حقّ الإمام عليّعليه‌السلام بعد النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) مباشرة من غير تأخّر وذلك بأمر الله تعالى كما تقولون ، فلما ذا لم يصرّح به رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أمام أصحابه والذين آمنوا به؟!

فلو كان النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول بالصراحة : يا قوم! إنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي فيكم وهو بعدي أميركم والحاكم عليكم ؛ فلم يكن حينئذ عذر للأمّة في تركه ومبايعة غيره ومتابعة الآخرين!

قلت :

أوّلا : المشهور بين أهل اللغة والأدب بأنّ : «الكناية أبلغ من التصريح» فتوجد في الكناية نكات دقيقة ولطائف رقيقة لا توجد في التصريح أبدا.

مثلا المعاني الجمّة التي تستخرج من كلمة «المنزلة» فيما نحن فيه من البحث حول حديث المنزلة ، تكون أعمّ وأشمل من كلمة «الخليفة» لأنّ الخلافة تكون جزءا وفرعا لمنزلة هارون من موسى.

ثانيا : توجد تصريحات من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خلافة الإمام عليّعليه‌السلام .

النوّاب : هل يمكن أن تبيّنوا لنا تلك التصريحات وأعتذر أنا من هذا السؤال ، لأنّ علماءنا يقولون لنا : لا يوجد حديث صريح من

٢٨٣

رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في خلافة عليّ كرّم الله وجهه ، وإنّما الشيعة يؤوّلون بعض الأحاديث النبوية الشريفة في خلافة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه!

قلت : إنّ الّذين قالوا لكم هذا الكلام ، إمّا هم جهّال في زيّ أهل العلم ، أو علماء يتجاهلون! لأنّ الأحاديث الصريحة في خلافة الإمام عليّعليه‌السلام وتعيينه دون غيره كثيرة ، وقد ذكرها علماؤكم الأعلام في الكتب المعتبرة ، وأنا الآن ابيّن لكم بعض ما يحضرني ، حسب ما يسمح به الوقت.

يوم الإنذار

أوّل مناسبة صرّح فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخلافة الإمام عليّعليه‌السلام في أوان رسالته والإسلام بعد لم ينتشر ، بل كان لا يزال في مهده ولم يخرج من مكّة المكرّمة ، لمّا نزلت الآية الكريمة :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) .

روى الإمام أحمد ، في مسنده ١ / ١١١ و ١٥٩ و ٣٣٣.

والثعلبي في تفسيره ، عند آية الإنذار.

والعلاّمة الكنجي الشافعي ، في «كفاية الطالب» أفرد لها الباب الحادي والخمسين.

والخطيب موفّق بن أحمد الخوارزمي ، في المناقب.

ومحمد بن جرير الطبري ، في تفسيره عند آية الإنذار ، وفي

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية : ٢١٤.

٢٨٤

تاريخه ٢ / ٢١٧ بطرق كثيرة.

وابن أبي الحديد ، في «شرح نهج البلاغة».

وابن الأثير ، في تاريخه ، الكامل ٢ / ٢٢.

والحافظ أبو نعيم ، في «حلية الأولياء».

والحميدي ، في «الجمع بين الصحيحين».

والبيهقي ، في «السنن والدلائل».

وأبو الفداء ، في تاريخه ١ / ١١٦.

والحلبي ، في السيرة ١ / ٣٨١.

والإمام النسائي ، في الخصائص ، حديث رقم ٦٥.

والحاكم ، في المستدرك ٣ / ١٣٢.

والشيخ سليمان الحنفي ، في الينابيع ، أفرد لها الباب الحادي والثلاثين.

وغيرهم من كبار علمائكم ومحدّثيكم ومفسّريكم ، رووا ـ مع اختلاف يسير في العبارات ـ :

إنّه لمّا نزلت الآية الشريفة :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني عبد المطّلب ، وكانوا أربعين رجلا ، منهم من يأكل الجذعة(١) ويشرب العسّ(٢) ، فصنع لهم مدّا من طعام ، فأكلوا حتّى شبعوا ، وبقي كما هو!

ثمّ دعا بعسّ ، فشربوا حتّى رووا ، وبقي كأنّه لم يشرب!

__________________

(١) الجذعة : الشاة الصغيرة السّن ومن الإبل ما كان سنها أربع سنين الى خمس.

وقيل : سميت بذلك لأنها تجذع مقدّم أسنانها أي : تسقطه.

(٢) العسّ : القدح الضخم يروي الثلاثة والأربعة.

٢٨٥

ثمّ خاطبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلا :

يا بني عبد المطّلب! إنّ الله بعثني للخلق كافّة وإليكم خاصة ، وقد رأيتم ما رأيتم ، وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان وثقيلتين في الميزان ، تملكون بهما العرب والعجم ، وتنقاد لكم الامم ، وتدخلون بهما الجنّة ، وتنجون بهما من النار ، وهما : شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله.

«فمن منكم يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به ويكن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي؟».

وفي بعض الأخبار : يكون أخي وصاحبي في الجنّة. وفي بعض الأخبار : يكون خليفتي في أهلي.

فلم يجبه أحد إلاّ عليّ بن أبي طالب ، وهو أصغر القوم.

فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجلس ، وكرّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقالته ثلاث مرّات ولم يجبه أحد ، إلاّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وفي المرّة الثالثة ، أخذ بيده وقال للقوم : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا.

هذا الخبر الهامّ الذي اتّفق على صحّته علماء الفريقين من الشيعة والسنّة.

تصريحات اخرى في خلافة عليّعليه‌السلام

وهناك تصريحات اخرى من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن خلافة

٢٨٦

الإمام عليّعليه‌السلام ، ذكرها علماؤكم ومحدّثوكم الموثوقون لديكم في كتبهم المعتبرة ، منهم :

١ ـ الإمام أحمد في «المسند» والمير السيّد علي الهمداني الشافعي في كتابه «مودة القربى» في آخر المودّة الرابعة ، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، قال «يا عليّ! أنت تبرئ ذمّتي ، وأنت خليفتي على أمّتي».

٢ ـ الإمام أحمد في «المسند» بطرق شتّى ، وابن المغازلي الشافعي في المناقب ، والثعلبي في تفسيره ، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أنّه قال لعليّعليه‌السلام «أنت أخي ، ووصيّي ، وخليفتي ، وقاضي ديني».

٣ ـ العلاّمة الراغب الأصبهاني ، في كتابه محاضرات الأدباء ٢ / ٢١٣ ط. المطبعة الشرفية سنة ١٣٢٦ هجرية ، عن أنس بن مالك ، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أنّه قال «إنّ خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أترك بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، عليّ ابن أبي طالب».

٤ ـ المير السيّد علي الهمداني الشافعي في كتابه «مودّة القربى» في أوائل المودّة السادسة ، روى عن عمر بن الخطّاب ، قال : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لمّا آخى بين أصحابه قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) «هذا عليّ أخي في الدنيا والآخرة ، وخليفتي في أهلي ، ووصيّي في أمّتي ، ووارث علمي ، وقاضي ديني ، ماله منّي مالي منه ، نفعه نفعي ، وضرّه ضرّي ، من أحبّه فقد أحبّني ، ومن أبغضه فقد أبغضني».

٢٨٧

وفي رواية اخرى ـ في المودّة السادسة ـ قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) مشيرا لعليّعليه‌السلام «وهو خليفتي ووزيري».

٥ ـ العلاّمة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ، في كتابه «كفاية الطالب» في الباب الرابع والأربعين ، روى بسنده عن ابن عبّاس ، قال :

ستكون فتنة ، فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله تعالى وعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وهو يقول «هذا أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني ، وهو فاروق هذه الأمّة ، يفرق بين الحقّ والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو بابي الذي اوتى منه ، وهو خليفتي من بعدي».

قال العلاّمة الكنجي : هكذا أخرجه محدّث الشام في فضائل عليّعليه‌السلام ، في الجزء التاسع والأربعين بعد الثلاثمائة من كتابه بطرق شتّى.

٦ ـ أخرج البيهقي والخطيب الخوارزمي وابن المغازلي الشافعي في «المناقب» :

عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أنّه قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لعليّعليه‌السلام «إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي ، وأنت أولى بالمؤمنين بعدي».

٧ ـ الإمام النسائي ، وهو أحد أئمّة الحديث وصاحب أحد

٢٨٨

الصحاح الستّة عندكم ، أخرج في كتابه (الخصائص) في ضمن الحديث ٢٣ :

عن ابن عبّاس ، أنّ النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال لعليّعليه‌السلام «انت خليفتي في كلّ مؤمن من بعدي».

فالنبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يؤكّد في هذا الحديث أن عليّاعليه‌السلام خليفته من بعده ، أي : مباشرة وبلا فصل ، فلا اعتبار لادّعاء أيّ مدع خلافة النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) من الّذين نازعوا عليّاعليه‌السلام وغصبوا منصبه ومقامه(١) لوجود حرف : «من» في الحديث ، فهي إمّا أن تكون بيانية أو ابتدائية ، وعلى التقديرين يتعيّن عليّعليه‌السلام بعد النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بأنّه خليفته بلا فصل.

٨ ـ المير السيّد علي الهمداني : أخرج في كتابه «مودّة القربى» في الحديث الثاني من المودّة السادسة ، بسنده عن أنس ، رفعه عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال «إنّ الله اصطفاني على الأنبياء فاختارني واختار لي وصيّا ، واخترت ابن عمّي وصيّي ، يشدّ عضدي كما يشدّ عضد موسى بأخيه هارون ، وهو خليفتي ، ووزيري ، ولو كان بعدي نبيّا لكان عليّ نبيّا ، ولكن لا نبوّة بعدي».

__________________

(١) يفيدنا هذا الحديث الشريف : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل الرضا بخلافة الإمام عليّعليه‌السلام من بعده ، من علائم الإيمان ، والفرق بين الإسلام والإيمان واضح لقوله تعالى: ( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) سورة الحجرات ، الآية ١٤.

٢٨٩

٩ ـ أخرج الطبري في كتابه «الولاية» خطبة الغدير ، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول فيها «قد أمرني جبرئيل عن ربّي أن أقوم في هذا المشهد ، وأعلم كلّ أبيض وأسود : أنّ عليّ بن أبي طالب أخي ، ووصيّي ، وخليفتي ، والإمام بعدي».

ثمّ قال : معاشر الناس! فإنّ الله قد نصبه لكم وليّا وإماما ، وفرض طاعته على كلّ أحد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدّقه.

١٠ ـ أخرج أبو المؤيّد بن أحمد الخوارزمي في كتابه «فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام » الفضل ١٩ ، بإسناده عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أنّه قال [«لمّا وصلت في المعراج إلى سدرة المنتهى ، خاطبني الجليل قائلا : يا محمد! أيّ خلقي وجدته أطوع لك؟

فقلت : يا ربّ ، عليّ أطوع خلقك إليّ.

قال عزّ وجلّ : صدقت يا محمّد.

ثمّ قال : فهل اتّخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك ، ويعلّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون.

قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : قلت : يا ربّ اختر لي ، فإنّ خيرتك خيرتي.

قال : اخترت لك عليّاعليه‌السلام ، فاتّخذه لنفسك خليفة ووصيّا ، ونحلته علمي وحلمي ، وهو أمير المؤمنين حقّا ، لم ينلها أحد قبله ، وليست لأحد بعده(١) »].

__________________

(١) أقول : وقد وردت أخبار كثيرة في كتب العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشير فيها إلى فضائل ـ

٢٩٠

__________________

الإمام عليّعليه‌السلام ، ويصرّحصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه : الإمام ، والوصيّ ، والوليّ ، وأمير المؤمنين ؛ وهذه الألقاب والصفات ما جاءت إلاّ بمعنى الخلافة ، فغير صحيح أن يؤخّر الإمام ويقدّم المأموم ، أو يخلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير وصيّه

وإليك بعض تلك الأخبار :

١ ـ أخرج الشيخ سليمان الحنفي في كتابه : ينابيع المودّة ١ / ١٥٦ في الباب الرابع والأربعين ، قال :

وفي المناقب : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) «يا عليّ! أنت صاحب حوضي ، وصاحب لوائي ، وحبيب قلبي ، ووصيّي ، ووارث علمي ، وأنت مستودع مواريث الأنبياء من قبلي ، وأنت أمين الله في أرضه ، وحجّة الله على بريّته ، وأنت ركن الإيمان وعمود الإسلام ، وأنت مصباح الدجى ، ومنار الهدى ، والعلم المرفوع لأهل الدنيا».

يا علي! من اتّبعك نجا ، ومن تخلّف عنك هلك ، وأنت الطريق الواضح ، والصراط المستقيم ، وأنت قائد الغرّ المحجّلين ، ويعسوب المؤمنين ، وأنت مولى من أنا مولاه ، وأنا مولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، لا يحبّك إلاّ طاهر الولادة ، ولا يبغضك إلاّ خبيث الولادة ، وما عرجني ربّي عزّ وجلّ إلى السماء وكلّمني ربّي إلاّ قال : يا محمّد اقرأ عليّا منّي السلام ، وعرّفه أنّه إمام أوليائي ، ونور أهل طاعتي ؛ وهنيئا لك هذه الكرامة.

٢ ـ وأخرج ابن المغازلي الشافعي في كتابه (المناقب) والديلمي في كتابه (الفردوس) كما نقل عنهما الشيخ سليمان الحنفي في كتابه ينابيع المودّة ١ / ١١ ، الباب الأوّل ، عن سلمان ، قال : سمعت حبيبي محمّدا (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول : «كنت أنا وعليّ نورا بين يدي الله عزّ وجلّ ، يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق آدم أودع ذلك النور في صلبه ، فلم

٢٩١

__________________

يزل أنا وعليّ شيء واحد حتّى افترقنا في صلب عبد المطّلب. ففيّ النبوة وفي عليّ الإمامة».

٣ ـ وأخرجه المير السيّد علي الهمداني ، في المودّة الثامنة من كتابه «مودّة القربى» قال : عثمان (رض) رفعه عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال «خلقت أنا وعليّ من نور واحد ـ إلى أن قال : ـ ففيّ النبوّة ، وفي عليّ الوصيّة».

٤ ـ وأخرج أيضا عن عليّ عليه‌السلام عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال : «يا علي! خلقني الله وخلقك من نوره ـ إلى أن قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : ـ ففيّ النبوّة والرسالة ، وفيك الوصيّة والإمامة».

٥ ـ وأخرج العلاّمة الكنجي الشافعي في كتابه : «كفاية الطالب» في الباب السادس والخمسين ، في تخصيص عليّ عليه‌السلام بكونه إمام الأولياء ، روى بسنده المتّصل عن أنس بن مالك ، قال : بعثني النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) إلى أبي برزة الأسلمي ، فقال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) له ـ وأنا أسمع ـ «يا أبا برزة! إنّ ربّ العالمين عهد إليّ عهدا في عليّ بن أبي طالب.

فقال : إنّه راية الهدى ، ومنار الإيمان ، وإمام أوليائي ، ونور جميع من أطاعني.

يا أبا برزة! عليّ بن أبي طالب أميني غدا في القيامة ، وصاحب رايتي في القيامة ، وأميني على مفاتيح خزائن رحمة ربّي عزّ وجلّ».

قال العلاّمة الكنجي : هذا حديث حسن ، أخرجه صاحب «حلية الأولياء» كما أخرجناه.

٦ ـ وأخرج العلاّمة الكنجي ، في الباب الرابع والخمسين ، بسنده المتّصل عن أنس ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) «يا أنس! اسكب لي وضوء يغنيني.

فتوضّأ ثمّ قام وصلّى ركعتين ، ثمّ قال : يا أنس! أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين ، وسيّد المرسلين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وخاتم الوصيّين.

٢٩٢

اعلموا أنّ الأخبار في هذا المضمار ، كثيرة في كتبكم المعتبرة ، وقد نقلت لكم بعض ما أحفظ منها ، كي يعلم الحافظ بأنّنا لا نرو إلاّ ما رواه علماؤكم الأعلام ، ولا نقول إلاّ الحقّ ، ولا نعتقد إلاّ بالحقيقة والواقع.

والجدير بالذكر أنّ بعض علمائكم المنصفين اعترفوا بخلافة عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام كما نعتقد نحن ، منهم : إبراهيم بن سيّار بن هانئ البصري ، المعروف بالنظّام(١) ، فإنّه يقول : نصّ النبيّ (صلّى الله عليه

__________________

قال أنس : قلت : اللهمّ اجعله رجلا من الأنصار ، وكتمته.

إذ جاء عليّ. فقال : من هذا يا أنس؟ قلت : عليّ بن أبي طالب.

فقام النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) مستبشرا فاعتنقه ، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، ويمسح عرق عليّ عليه‌السلام بوجهه.

قال عليّ عليه‌السلام : يا رسول الله! لقد رأيتك صنعت بي شيئا ما صنعت بي قبل!

قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : وما يمنعني وأنت تؤدّي عنّي ، وتسمعهم صوتي ، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟!».

قال العلاّمة الكنجي الشافعي : هذا حديث حسن عال ، أخرجه الحافظ أبو نعيم في «حلية الأولياء» قال : وأنشدت في المعنى :

عليّ أمير المؤمنين الذي به

هدى الله أهل الأرض من حيرة الكفر

أخو المصطفى الهادي الذي شدّ أزره

فكان له عونا على العسر واليسر

ومن نصر الإسلام حتّى توطّأت

قواعده عزّا فتوّج بالنصر

عليّ عليّ القدر عند مليكه

على رغم من عاداه قاصمة الظهر

نكتفي بهذا المقدار ، فإنّ فيه الهدى والاستبصار ، لمن أراد أن يعرف الحقّ من الأحاديث والأخبار. «المترجم».

(١) ترجم له الصفدى فى كتاب «الوافى بالوفيات» فى حرف الألف.

٢٩٣

[وآله] وسلّم) على أنّ الإمام هو عليّ وعيّنه ، وعرفت الصحابة ذلك ، ولكن كتمه عمر لأجل أبي بكر رضي الله عنهما.

ونحن لمّا لم ندرك عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم نحظ بصحبته ، يجب أن نراجع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة عند الفريقين في تعريف الأفضل والأعلم والأرجح عند الله ورسوله والأحبّ إليهما ، فهو أولى من غيره في خلافة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولا يخفى على أيّ عالم منصف غير معاند : أنّ الأخبار الصريحة في خلافة عليّعليه‌السلام وإمامته ، وفي وصايته وولايته ، وكذلك في أفضليّته وأعلميّته وأرجحيّته من سائر الصحابة ، والمسلمين ، كثيرة جدّا.

وهي مرويّة عن طرقكم وبأسانيدكم المعتبرة ، ومنقولة في كتبكم وتصانيف علمائكم الأعلام ، وهي كثيرة وكثيرة بحيث لم يرد معشارها في حقّ أيّ واحد من الصحابة الكرام.

وإنّ أكثر تلك الفضائل العلوية والمناقب الحيدرية تعدّ من خصائص الإمام عليّعليه‌السلام ، ولم يشاركه فيها أحد ، ولم يشابهه فيها أحد من الصحابة الأوفياء ، ولكنّه شاركهم في جميع فضائلهم ومناقبهم.

وقد ذكرنا لكم بعض الأخبار المرويّة عن طرقكم والمسجّلة في مسانيدكم ومصادركم في حقّ الإمام عليّعليه‌السلام ، ضمن حديثنا وحوارنا في الليالي السالفة والمجالس السابقة.

وإليكم نموذجا من حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقله علماؤكم الأعلام ، يصرّح نبيّ الإسلام فيها أنّ فضائل ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام كثيرة جدّا

٢٩٤

بحيث لا تعدّ ولا تحصى.

أخرج الموفّق ابن أحمد الخوارزمي في المناقب : ١٨ ، والعلاّمة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» الباب الثاني والستّين ، في تخصيص عليّعليه‌السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة ، جاء في الباب ، ص ١٢٣ ، بسنده عن ابن عبّاس ، قال :

قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : لو أنّ الغياض أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حسّاب ، والإنس كتّاب ، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب.

وأخرج السيّد علي الهمداني بسنده عن عمر بن الخطّاب ، رفعه ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : لو أنّ البحر مداد ، والرياض أقلام ، والإنس كتّاب ، والجنّ حسّاب ، ما أحصوا فضائلك يا أبا الحسن.

وأخرجه ابن الصبّاغ المالكي في «الفصول المهمة» بسنده عن ابن عبّاس ، وأخرجه سبط ابن الجوزي في «التذكرة»(١) .

__________________

(١) لقد ورد خبر آخر في عظم فضل الإمام عليّعليه‌السلام نذكره إتماما للفائدة :جاء في الرياض النضرة ٢ / ٢١٤ ، وفي ذخائر العقبى ـ للمحبّ الطبري ـ : ص ٦١ :عن عمر بن الخطّاب (رض) قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) :ما اكتسب مكتسب مثل فضل عليّ ، يهدي صاحبه إلى الهدى ، ويردّه عن الردى.

أخرجه الطبراني.

أقول : جاء في كتاب «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ١ / ٦٥ ، قال أحمد بن حنبل : ما روي وما ورد لأحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) من الفضائل ، ما روي وما ورد لعليّ رضي‌الله‌عنه !

وأخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٧ ، بسنده عن محمد بن منصور

٢٩٥

لذلك نحن نعتقد أنّ عليّاعليه‌السلام أحقّ من غيره بالخلافة.

الشيخ عبد السلام : نحن لا ننكر فضائل ومناقب مولانا عليّ كرم الله وجهه ، ولكن انحصار الفضائل فيه غير معقول ، لأنّ الخلفاء الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ أكرم أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، وهم في الرتبة والفضل متساوون.

ولكنّكم تنحازون إلى جانب سيّدنا عليّرضي‌الله‌عنه ، وتنقلون كلّ الفضائل باسمه دون غيره ، ولا تذكرون فضائل الصحابة الآخرين!

وهذا العمل يحرف أفكار الحاضرين عن الواقع فيلتبس الأمر عليهم ، وهذا هو التعصّب!

فلكي ينكشف الحقّ للحاضرين ، ولا يلتبس الأمر عليهم ، اريد أن أذكر شيئا من فضائل ومناقب الخلفاء الراشدين.

قلت : نحن نتّبع العقل والعلم ، ونقبل الدليل والبرهان ، نحن

__________________

الطوسي ، قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) من الفضائل ما جاء لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأخرج ابن عبد البرّ في الاستيعاب ٢ / ٤٧٩ ط. حيدرآباد ١٣١٩ ه‍ ، قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي : لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل عليّ بن أبي طالب [ عليه‌السلام ].

وأخرجه الثعلبي في تفسير آية : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) .

وأخرجه الخطيب الموفّق بن أحمد الخوارزمي الحنفي في المناقب ، ص ٢٠.

والذهبي في «تلخيص المستدرك» المطبوع بهامش المستدرك ٣ / ١٠٧.

«المترجم»

٢٩٦

لانحصر الفضائل في الإمام عليّعليه‌السلام ، وإنّما نمحّضه في الفضائل ، ونجلّه عن الرذائل ، وذلك لنزول آية التطهير في شأنه.

وأمّا الانحياز إلى جانبه فليس منّا فحسب ، بل الله ورسوله انحازا إليه ، كما نجد الآيات القرآنية في حقّه والأحاديث النبويّة الصريحة في فضله.

وأمّا نسبة التعصّب إلينا فهو بهتان وافتراء ، فإنّ التعصّب معناه الالتزام بشيء مع الإصرار من غير دليل.

وأنا أشهد الله سبحانه بأنّي ما التزمت بشيء من امور ديني ، وما تمسّكت بولاية الإمام عليّعليه‌السلام والائمة الهادين من ولده ، إلاّ بدليل القرآن والسنّة والعقل السليم.

لذا أرجو من الحاضرين أن ينبّهوني إذا تكلّمت بشيء بغير دليل ، أو تحدّثت على خلاف المنطق والعقل ، فأكون لهم شاكرا.

وأمّا حديثكم في مناقب الراشدين فيكون مقبولا بشرط أن تروون الأخبار الصحيحة عند الفريقين ، فنتبرّك بها ، لأنّنا لا ننكر مناقب وفضائل الصحابة الطيّبين ، ولا شكّ أنّ لكلّ واحد من الأصحاب المؤمنين له فضائل ومناقب ، ولكن الغرض من هذا المجلس والحوار ، البحث عن أفضلهم وأحسنهم وأكثرهم منقبة عند الفريقين : الشيعة والسنّة.

فإنّ كلامنا يدور حول الأفضل لا الفاضل ، لأنّ الفضلاء كثيرون ، والأفضل واحد منهم بحكم العقل والنقل ، وهو أحقّ أن يتّبع ويطاع.

الشيخ عبد السّلام : إنّكم تغالطون في الموضوع ، لأنّ كتبكم لا تحتوي على أي خبر أو حديث في فضل الخلفاء الراشدين غير سيّدنا

٢٩٧

عليّ كرّم الله وجهه ، فكيف أنقل لهذا الجمع أخبارا مقبولة لديكم؟!

قلت : هذا الإشكال يرد عليكم ، لأنّه في أوّل ليلة حينما أردنا أن نبدأ بالبحث ، قال الحافظ محمد رشيد سلّمه الله : إنّ الاحتجاج والاستدلال يجب أن يكون بالآيات القرآنية والأخبار المرويّة المقبولة عند الفريقين ؛ وأنا قبلت الشرط ، لأنّه مقتضى العقل ، وعملت به في أثناء الحوار والحديث في المجالس السابقة.

والحاضرون يشهدون ، وأنتم تعلمون بأنّي كلّ ما احتججت به عليكم واستدللت به على صحّة كلامي ، إنّما كان من القرآن الحكيم وأحاديث النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المعتبرة والمقبولة عندكم.

وأنا إلى آخر حواري معكم ، وحتّى الوصول إلى النتيجة القطعية لا أنقض الشرط ، بل أعمل على وفقه إن شاء الله تعالى.

ومع ذلك كلّه فإنّي أتساهل معكم ، وأتنازل لكم ، وأقبل منكم الروايات المنقولة في كتبكم دون كتبنا ، شريطة أن لا تكون موضوعة ومجعولة ، وأن لا يأباها العقل السليم ، فنستمع إليها مع الحاضرين ، ثمّ نقضي فيها بالعدل والإنصاف ، لنرى هل الأخبار التي تقرأها وترويها لنا ، هل تفضّل وترجّح أحدا على سيّدنا ومولانا عليّ بن أبي طالب في العلم والجهاد والرتبة والمنزلة عند الله سبحانه وعند رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

الشيخ عبد السلام : إنّكم نقلتم أحاديث وأخبارا صحيحة وصريحة في خلافة سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه ، ولكنّكم غافلون أنّ عندنا أخبارا كثيرة في خلافة سيّدنا أبي بكر (رض).

قلت : مع أنّ كبار علمائكم أمثال : الذهبي والسيوطي وابن أبي

٢٩٨

الحديد وغيرهم أعلنوا بأنّ الامويّين والبكريّين وضعوا أحاديث كثيرة مجعولة في فضائل أبي بكر ، مع ذلك نحن نستمع إليك رجاء أن لا تكون رواياتك وأخبارك من تلك الموضوعات والمجعولات.

نقل حديث في فضل أبي بكر ، وردّه

الشيخ عبد السلام : لقد ورد في حديث معتبر عن عمر بن إبراهيم ابن خالد ، عن عيسى بن علي بن عبد الله بن عبّاس ، عن أبيه ، عن جدّه العبّاس ، أنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال : يا عمّ! إنّ الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ، فاسمعوا له وأطيعوا تفلحوا.

قلت : هذا حديث مردود ، ليس قابلا للبحث والنقاش.

الشيخ عبد السّلام : كيف يكون مردودا وهو مرويّ عن العبّاس عمّ النبيّ؟!

قلت : إنّه حديث مردود عند علمائكم أيضا ، فإنّ كبار علمائكم نسبوا بعض رواة هذا الحديث مثل : عمر بن إبراهيم إلى الكذب وجعل الأحاديث ، فلذا فإنّ رواياته ساقطة عن الاعتبار.

قال الذهبي في كتابه «ميزان الاعتدال» في ترجمة إبراهيم بن خالد ، وقال الخطيب البغدادي في «تاريخه» في ترجمة عمر بن إبراهيم : إنّه كذّاب ، ساقط عن الاعتبار.

الشيخ عبد السّلام : ما تقول في هذا الحديث الذي رواه الصحابي الثقة أبو هريرة (رض) : إنّ جبرئيل نزل على النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وقال : إنّ الله تعالى يبلغك السلام ويقول : إنّي راض

٢٩٩

عن أبي بكر ، فاسأله هل هو راض عنّي؟!!

قلت : يجب أن ندقّق في نقل الأخبار والأحاديث ، حتّى لا نواجه مخالفة العقلاء. وليكن الحديث الذي نقله ابن حجر في «الإصابة» وابن عبد البرّ في «الاستيعاب» نصب أعينكم ، وهو :

عن أبي هريرة ، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، قال : كثرت عليّ الكذّابة ، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار ، وكلّما حدثتم بحديث منّي فاعرضوه على كتاب الله.

وليكن نصب أعينكم الحديث الذي رواه الفخر الرازي في تفسيره ج ٣ ، آخر الصفحة ٣٧١ ، عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، قال : إذا روي لكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى ، فإن وافقه فاقبلوه ، وإلاّ فردّوه.

فإذا كان في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اناس يكذبون عليه ويجعلون الأحاديث عن لسانه الشريف ، فكيف بعد موته؟!

ومن جملة المزوّرين الجاعلين للحديث عن لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو هريرة ، الذي رويت عنه خلافة أبي بكر!

الشيخ عبد السلام : لا نتوقّع منك أن تردّ صحابيّا جليلا مثل أبي هريرة وتطعن فيه! وأنت عالم فاهم.

قلت : لا ترعبني بكلمة «الصحابي» لأنّ الصحابي أيّا كان إذا راعى حقّ صحبته للنبيّ بأن كان سامعا لقوله ، مطيعا لأمره ، فهو محترم مكرّم ، وصحبته تكون له شرفا وفخرا.

ولكن إذا كان يخالف أوامر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويعمل حسب رأيه وهواه ، ويكذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو ملعون ملعون ، وليست حصيلة

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

الرابع من كتابه مقتل الحسينعليه‌السلام .

وجلال الدين السيوطي في كتابه «رسالة الأزهار».

والحافظ أبو سعيد الخرگوشي في «شرف المصطفى».

والحافظ أبو الفتح النطنزي في الخصائص العلوية.

والحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين.

والحافظ أبو نعيم في ما نزل من القرآن في علي.

وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين / باب ١٢.

والحافظ أبو سعيد السجستاني في كتابه الولاية.

وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / ٢٠.

والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب الأول.

وغير هؤلاء الأعلام من علماء العامة ومؤرّخيهم ذكروا عن أبي سعيد الخدري أنه قال [أنّ حسان بن ثابت قام بعد ما فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خطابه يوم الغدير ، فقال : يا رسول الله! أتأذن لي أن أقول أبياتا؟]

فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قل على بركة الله تعالى».

فصعد على مرتفع من الأرض وارتجل بهذه الأبيات :

[يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ فاسمع بالرسول مناديا

وقال : فمن مولاكم ووليّكم؟

فقالوا : ولم يبدوا هناك التّعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولم تلف منّا في الولاية عاصيا

فقال له : قم يا علي فإنّني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

من كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق مواليا]

هناك دعا : اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا

٧٠١

فيتّضح ـ لكلّ منصف ـ من هذه الأبيات : أنّ الأصحاب والحاضرين في يوم الغدير فهموا من حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطابه وعمله أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصب علياعليه‌السلام إماما وخليفة على الناس ، وأن رسول الله لم يقصد من كلمة المولى سوى الولاية والأولوية والتصرّف في شئون العامّة. فلذا صرّح بذلك حسّان في شعره بمسمع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومراى :

فقال له [قم يا علي فانّني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا(١) ]

__________________

(١) نجد لغير حسان أيضا من الصحابة أبياتا تتضمّن هذا المعنى منهم الصحابي الجليل سيّد الخزرج قيس بن سعد الخزرجي الأنصاري ، كما ذكر أبيات شعره سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة خواص الأمة / ٢٠ / فقال : إنّ قيس أنشدها بين يدي عليّعليه‌السلام في صفين :

قلت لمّا بغى العدوّ علينا :

حسبنا ربّنا ونعم الوكيل

حسبنا ربنا الذي فتح البصر

ة بالأمس والحديث طويل

ويقول فيها :

وعلي إمامنا وإمام

لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي : من كنت مولا

ه فهذا مولاه خطب جليل

إنما قاله النبي على الأمة

حتم ما فيه قال وقيل

ومنهم عمرو بن العاص مع ما كان يحمله من البغضاء والعداء على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لكنه حينما تشاجر مع معاوية حول ولاية مصر وخراجه ردّ على كتاب معاوية بقصيدة معروفة بالجلجلية ، ولكي تعرف مصادرها من كتب العامّة راجع كتاب الغدير للعلامة الكبير والحبر الخيبر الأميني قدس‌سره : ج ٢ ص ١١٤ وما بعد. قال فيها :

[نصرناك من جهلنا يا ابن هند

على النبأ الأعظم الأفضل

وحيث رفعناك فوق الرءوس

نزلنا إلى أسفل الأسفل

٧٠٢

__________________

وكم قد سمعنا من المصطفى

وصايا مخصّصة في علي؟

وفي يوم «خمّ» رقى منبرا

يبلّغ والركب لم يرحل

وفي كفّه كفّه معلنا

ينادي بأمر العزيز العلي

ألست بكم منكم في النفوس

بأولى؟ فقالوا : بلى فافعل

فأنحله إمرة المؤمنين

من الله مستخلف المنحل

وقال : فمن كنت مولى له

فهذا له اليوم نعم الولي

فوال مواليه يا ذا الجلال

وعاد معادي أخ المرسل

ولا تنقضوا العهد من عترتي

فقاطعهم بي لم يوصل

وقال وليكم فاحفظوه

فمدخله فيكم مدخلي

فبخبخ شيخك لما رأى

عرى عقد حيدر لم تحلل]

إلى آخر قصيدته التي يقول فيها مخاطبا لمعاوية :

[فأنّك في إمرة المؤمنين

ودعوى الخلافة في معزل

ومالك فيها ولا ذرّة

ولا لجدّك بالأوّل

فإن كان بينكما نسبه

فأين الحسام من المنجل؟!

وأين الحصى من نجوم السما؟

وأين معاوية من علي؟!]

أيها القارئ الكريم فكر في معنى البيتين وأنصف!

[فأنحله إمرة المؤمنين

من الله مستخلف المنحل

وقال وليكم فاحفظوه

فمدخله فيكم مدخلي]

هكذا فهم عمرو بن العاص حديث النبي وخطابه في الغدير.

«المترجم»

٧٠٣

ولو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقصد غير ما قاله حسّان لأمر بتغير شعره ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّد شعر حسّان وقال له «لا تزال مؤيّدا بروح القدس». وفي بعض الأخبار «لقد نطق روح القدس على لسانك!». وهذا البيت يؤيّد ويصدّق ما رواه الطبري في كتابه الولاية من خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير فقال فيما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«اسمعوا وأطيعوا فإنّ الله مولاكم وعليّ إمامكم ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة.

معاشر الناس هذا أخي ووصيّي وواعي علمي وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربي».

الذين نقضوا العهد

على أيّ تقدير ، سواء تفسّرون حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما نفسره نحن الشيعة ، أو بتفسيركم أنتم بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من قوله : «من كنت مولاه فعلي مولاه» أي المحب والناصر ، فممّا لا شك فيه أنّ الأصحاب خالفوا علياعليه‌السلام بعد رسول الله في قضية الخلافة وخذلوه ولم ينصروه ، فنقضوا العهد الذي أخذه منهم نبيهم في الإمام عليعليه‌السلام ، وهذا ما لا ينكره أحد من أهل العلم والاطّلاع من الفريقين.

فعلى تقدير معنى المولى وتفسيره بالمحب والناصر ، وأنّ النبي يوم الغدير أمر أصحابه أن يحبوا عليا وينصروه. فهل هجومهم على باب داره وإتيانهم النار ، وتهديدهم بحرق الدّار ومن فيها ، وترويعهم أهل البيت الشريف ، وإيذاؤهم فاطمة وأبناءها ، وإخراجهم عليا من البيت

٧٠٤

كرها مصلتين سيوفهم عليه ، يهدّدونه بالقتل إن لم يبايع أبا بكر ، وضربهم حبيبة رسول الله وبضعته الزهراء حتى أسقطوا جنينها المحسن!!

فهل هذه الجرائم والجنايات التي ارتكبها كثير من الصحابة كان امتثالا لأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير؟! أم كان خلافا له وهل كل ما فعلوه من حين السقيفة وبعدها إلى وفاة السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، يوافق ما فسّرتموه من معنى المولى؟ أم انبعثت وكشفت عن البغضاء والشحناء؟!

وهل هذه الأعمال الوحشية ، كانت المودّة التي فرضها الله على المسلمين لقربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ومن أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فاطمة؟!

والله سبحانه يقول :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) .

وأمرهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصلة أقربائه وأمرهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصلوا أقرباءه ولا يقطعوهم كما جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم ، وذكره الحمويني أيضا عن عكرمة عن ابن عباس كما نقله عنهما الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب الثالث والأربعون.

ونقله عن حلية الأولياء ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٩ / ١٧٠ / الخبر الثاني عشر / ط دار إحياء التراث العربي :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتى ويسكن جنّة عدن التي غرسها ربّي ، فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي ، فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ورزقوا فهما

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية ٢٣.

٧٠٥

وعلما ، فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي».

وكلهم قد عاهدوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مودّة أهل بيته ولكنهم نقضوا العهد ، وكأنّهم ما سمعوا ولم يقرءوا كتاب الله العزيز حيث يقول :( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (١) .

فاتركوا التعصب واتبعوا الحق تسعدوا!

الحافظ : لا نسمح لكم أن تنسبوا صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى نقض العهد والميثاق ، وهم المجاهدون في سبيل الله والصابرون في سوح القتال والمتحمّلون ضربات السيوف وطعنات الرماح!!

كيف تجيزون أنفسكم أن تنسبوا أولئك المؤمنين والمجاهدين إلى نقض العهد والميثاق؟!

إنّ تهجّمكم على الصحابة الكرام وتجرّأكم عليهم بنسبة ما لا يليق بهم سبب لتكفيركم عند أكثر أهل السنّة.

قلت : إن كان هذا الأمر سببا تكفيرنا ، فالصحابة كلهم كافرون! وعلماؤكم وأعلامكم أكثرهم كافرون! لأنّنا ننقل عنهم ، ولا نقول شيء بغير دليل ، وإنما دائما نذكر مصادر ما نقوله فيهم من كتبكم ومسانيدكم وهذا واضح للحاضرين في ما تحدثنا وناقشناه في المجالس السالفة.

ولكننا نمتاز بأننا نضع النقاط على الحروف ونلفت أنظار المسلمين إلى أعمال الصحابة وأفعالهم ، فنمدح محسنهم ونؤيّد حسناته ليرغب

__________________

(١) سورة الرعد ، الآية ٢٥.

٧٠٦

المؤمنون بالتأسّي والاقتداء بهم ، ويحبّونهم لحب الله وحبّ الخير والحق والاحسان.

ونقدح بالمسيء من الصحابة ونذمّهم لسيئاتهم ومنكراتهم وما عملوا من الباطل ، حتى يتبرّأ المؤمنون منهم ، ويستنكروا أفعالهم المنافية للإيمان والوجدان وللسنّة والقرآن!! لكي لا يرتكبوها ولا يكرّروها بحجّة الاقتداء بالصحابة ، فإنّ منهم الصالحين ومنهم الطالحين.

ملخص الكلام : نحن إنّما ننشر فضائل المحسنين وفضائح المسيئين من الصحابة ، من باب نشر المعروف وإنكار المنكر ، ولكي نعطي كل ذي حقّ حقّه.

فإن تنكرون علينا هذا الأمر وتكفّرونا من أجله ، فالأحرى أن تنكروا على صحابة الرسول وتكفّروهم حتى الشيخين! لأنهم كانوا ينتقدون بعضهم بعضا ويطعن بعضهم في بعض وكانوا يتساببون ويتقاتلون!! وإنّ أحداث السقيفة وهجوم القوم على دار فاطمةعليها‌السلام وأحداث قتل عثمان وحرب الجمل وصفّين أدلّ دليل على ذلك.

وأنتم إمّا تجهلون الحقائق أو تتجاهلون ، أو أنّ محبّتكم للصحابة وصلت إلى حدّ المثل الشائع :

«حبّ الشيء يعمي ويصم» ، لذلك حينما تسمع مني بأنّ الصحابة بعضهم نقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتغضب وتتعصّب للصحابة وتنكر الخبر!! ومقتضى الحال أن تطالبني بالدليل قبل أن تغضب وتتعصب.

الحافظ : الآن أطالبك بدليلك ، فات به إن كنت من الصادقين!

٧٠٧

أكثرهم نقضوا العهد

أولا : ثبت عند كل عالم ذي وجدان وصاحب ضمير ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير أخذ العهد والميثاق من أصحابه على حب عليّ ونصرته وموالاته وطاعته ، فيا ترى هل نصروه في أحداث السقيفة وما بعدها أم خذلوه؟ ونقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغدير وخالفوه؟!

ثانيا : قد صدر منهم في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقض العهد أيضا ، فإنهم بايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاهدوه على أن يقاتلوا دونه ولا يتركوه في المعركة ولا يولّوا الدّبر للأعداء ، بل يقابلوهم وجها لوجه حتى ينالوا إحدى الحسنيين. ولقد حذّرهم الله سبحانه من الفرار والهزيمة في القتال والجهاد فقال :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ* وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١) .

وقد ذكر كثير من محدثيكم ومؤرخيكم أنّ كثيرا من الأصحاب انهزموا وفرّوا يوم حنين ، وأجمعوا أنّ جلهم فروا يوم أحد وفي خيبر ومنهم الشيخان وعثمان :

أخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٥ / ٢٤ / طبع دار إحياء التراث العربي عن الواقدي قال [.. وكان ممن ولى : عمر وعثمان والحارث بن حاطب وثعلبة بن حاطب وسواد بن غزية وسعد

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ١٥ و ١٦.

٧٠٨

ابن عثمان وعقبة بن عثمان وخارجة بن عمر ولقيتهم أم أيمن تحثى في وجوههم التراب وتقول لبعضهم : هاك المغزل فاغزل به!!]

واحتجّ من قال بفرار عمر بما رواه الواقدي في كتاب المغازي في قصة الحديبية ، قال [قال عمر يومئذ : يا رسول الله ، ألم تكن حدّثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام وتأخذ مفتاح الكعبة وتعرّف مع المعرّفين وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحر؟!! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أقلت لكم في سفركم هذا؟». قال عمر : لا.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أما إنكم ستدخلونه وآخذ مفتاح الكعبة وأحلق رأسي ورءوسكم ببطن مكة وأعرّف مع المعرّفين ؛ ثم أقبلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عمر وقال : أنسيتم يوم احد( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ ) (١) وأنا أدعوكم في أخراكم!

أنسيتم يوم الأحزاب( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ) (٢) !».

أنسيتم يوم كذا! وجعلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكّرهم أمورا.

أنسيتم يوم كذا!

فقال المسلمون : صدق الله وصدق رسوله ، أنت يا رسول الله أعلم بالله منا.

فلمّا دخل عام القضيّة وحلق رأسه قال «هذا الذي كنت وعدتكم به». فلما كان يوم الفتح وأخذ مفتاح الكعبة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أدعوا إليّ عمر بن الخطاب ، فجاء فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا الذي كنت قلت لكم».

قالوا : فلو لم يكن فرّ يوم أحد لما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : أنسيتم يوم أحد

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٥٣.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية ١٠.

٧٠٩

( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ ) (١) (٢) ]

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٥٣.

(٢) قال الله سبحانه في سورة التوبة الآية ٢٥ :( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ) .

فيا ترى من هؤلاء الذين ولّوا مدبرين؟

أخرج البخاري في : ج ٣ / ٦٧ / طبع عيسى البابي الحلبي بمصر : عن أبي محمد مولى أبي قتادة قال [لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين ، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله ، فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني فضربت يده فقطعتها وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطّاب في الناس! فقلت له : ما شأن الناس؟ قال : أمر الله

وقال سبحانه وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا ) آل عمران / ١٥٥.

اتفق المفسرون أنّ الآية تشير إلى الفارّين يوم أحد وكان منهم عمر وعثمان.]

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٥ / ٢٠ / طبعة دار إحياء التراث العربي عن الواقدي قال : وبايعه يومئذ على الموت ثمانية : ثلاثة من المهاجرين ، وخمسة من الأنصار ، فأمّا المهاجرون فعليّ عليه‌السلام وطلحة والزبير ؛ وأمّا الأنصار فأبو دجانة والحارث بن الصمّة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت وسهل بن حنيف ، ولم يقتل منهم ذلك اليوم أحد ؛ وأمّا باقي المسلمين ففرّوا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوهم في أخراهم.]

قال ابن أبي الحديد : قلت قد اختلف في عمر بن الخطاب هل ثبت يومئذ أم لا؟ مع اتفاق الرواة كافّة على أنّ عثمان لم يثبت ، فالواقدي ذكر أنّه [أي عمر] لم يثبت الخ] وقال الفخر الرازي في مفاتيح الغيب : ج ٩ / ٥٢ : ومن المنهزمين [عمر ، إلا أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين ومنهم عثمان انهزم مع رجلين من الأنصار يقال

٧١٠

__________________

لهما : سعد وعقبة انهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا ، ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام]

وقال الآلوسي في تفسيره روح المعاني : ج ٤ / ٩٩ [فقد ذكر أبو القاسم البلخي أنّه لم يبق مع النبي (صلى الله عليه وسلّم) يوم أحد إلا ثلاثة عشر نفسا ، خمسة من المهاجرين : أبو بكر وعليّ وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص ، والباقون من الأنصار وأمّا سائر المنهزمين فقد اجتمعوا على الجبل ، وعمر بن الخطاب (رض) كان من هذا الصنف كما في خبر ابن جرير.]

وقال النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن : ج ٤ / ١١٢ ـ ١١٣ بهامش تفسير الطبري [الذي تدل عليه الأخبار في الجملة أنّ نفرا قليلا تولّوا ، وابعدوا فمنهم من دخل المدينة ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب ومن المنهزمين عمر.]

وقال السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور : ج ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ : قال [أي عمر] [لما كان يوم أحد هزمناهم ، ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى.]

ثم قال السيوطي : أخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال [كان الذين ولوا الدبر يومئذ : عثمان بن عفّان وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان من الأنصار من بني زريق.]

أقول : وأخرجه الطبري أيضا في تفسيره جامع البيان : ج ٤ / ٩٥ ـ ٩٦.

قال الزمخشري : استزلّهم ، طلب منهم الزلل ، ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم.

فمعناه ، الذين فرّوا يوم أحد إنما أطاعوا الشيطان إذ دعاهم إلى نفسه بالفرار من الجهاد في سبيل الله ، ففرّوا من الله سبحانه إلى حيث أمرهم الشيطان!!

وقال السيوطي في الدر المنثور : ج ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ : عن سعيد بن جبير [إن الذين تولّوا منكم ، يعني : انصرفوا عن القتال منهزمين يوم التقى الجمعان ، يوم أحد حين التقى جمع المسلمين وجمع المشركين ، فانهزم المسلمون عن النبي (صلّى الله عليه

٧١١

__________________

[وآله] وسلّم) وبقي في ثمانية عشر رجلا ، إنّما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ، يعني : تركوا المركز.]

أقول : وقد اشتهر بين المحدثين والمؤرخين فرار الشيخين في أحد ، فكما قرأت أقوالهم عن فرار عمر وعثمان هلمّ معي إلى ما نقلوه عن أبي بكر.

قال المتقي الهندي في كنز العمال : ج ٥ / ٢٧٤ : عن عائشة قالت : كان أبو بكر اذا ذكر أحد بكى ـ إلى أن قالت ـ ثم أنشأ ـ يحدّث ، قال [كنت أوّل من فاء يوم أحد.]. (الحديث).

أقول : الفيء الرجوع ، ومع الواضح أنه لا رجوع الاّ بعد الهزيمة والفرار.

قال في كنز العمال : أخرجه الطيالسي وابن سعد وابن السني والشاشي والبزّار والطبراني في الأوسط وابن حبّان والدارقطني في الإفراد وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر والضياء المقدسي ، انتهى.

أقول : ونقل كثير من أعلام السنة روايات في فرار أبي بكر وعمر يوم خيبر ، فقد أخرج علي بن أبي بكر الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٢٤ / عن ابن عباس أنه قال [بعث رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) إلى خيبر ، أحسبه قال : أبا بكر ، فرجع منهزما ومن معه ، فلما كان من الغد بعث عمر فرجع منهزما يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه الخ.]

وفي كنز العمال : ج ٦ / ٣٩٤ / أخرج بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال :

[فإنّ رسول الله (ص) بعث أبا بكر ـ يعني يوم خيبر ـ فسار بالناس ، فانهزم حتى رجع عليه وبعث عمر فانهزم بالناس ، حتى انتهى إليه الخ] قال في كنز العمال : أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وابن ماجه والبزار وابن جرير وصححه والطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل والضياء المقدسي.

٧١٢

__________________

وفي مستدرك الصحيحين : ج ٣ / ٣٨ [روى بسنده عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع الراية يوم خيبر إلى عمر فانطلق فرجع يجبّن أصحابه ويجبّنونه. قال هذا حديث صحيح على شرط مسلم.]

أقول : لقد أفتى كثير من العلماء وفقهاء الفريقين ، أنّ الفرار من الزحف ، من الذنوب الكبيرة التي لا كفّارة لها. كالشرك. مستندين إلى ما رواه المحدثون : «خمس ليس لهنّ كفّارة : الشرك بالله ، وقتل النفس بغير حق ـ إلى أن قال ـ والفرار من الزحف. أخرجه المناوي في فيض القدير : ج ٣ ص ٤٥٨ في شرح الجامع الصغير للسيوطي.

قال : أخرجه أحمد بن حنبل في المسند وأبو الشيخ في التوبيخ عن أبي هريرة (وقال في الشرح) ورواه عنه الديلمي.

أقول : أيها القارئ الكريم بالله عليك! أنصف!! أين هؤلاء الفارون من حيدرة الكرّار؟ الذي روى في حقه ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٤ ص ٢٥٠ ـ ٢٥١ / طبع دار إحياء التراث العربي قال : [وسمع ذلك اليوم ـ أي يوم أحد ـ صوت من قبل السماء لا يرى شخص الصارخ به ينادي مرارا :

لا سيف إلاّ ذو الفقار

ولا فتى إلاّ علي

فسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه ، فقال «هذا جبرائيل»].

وبعد نقله الخبر قال ابن أبي الحديد : وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدّثين وهو من الأخبار المشهورة ، ووقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق ، ورأيت بعضها خاليا عنه ، وسألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة رحمه‌الله عن هذا الخبر ، فقال : خبر صحيح ، فقلت : فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال : أو كلّ ما كان صحيحا ، تشتمل عليه كتب الصحاح؟ كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة!

٧١٣

هذا الخبر حينما ينقله ابن أبي الحديد وغيره فلا بأس عليه ، ولكن نحن الشيعة إذا نقلناه ، فأنتم علماء العامّة تتعصّبون وتتهجّمون علينا وتحرّكون الجهلة والعوام وتقولون بأنّ الرافضة يهينون الصحابة وينالون من الشيخين!! هذا لأنكم تسيئون بنا الظنون وعلى حدّ قول الشاعر :

وعين الرضا عن كل عيب كليله

ولكنّ عين السخط تبدي المساويا

ولذلك فلنا معكم موقف عسير في يوم القيامة إذا شكوناكم إلى الله العدل الحكيم ليحكم بيننا ويأخذ منكم حقّنا ويعاقبكم على ظلمكم إذ تفتون علينا بالكفر! وتؤيّدون الذين ظلموا ؛ ومن رضي بعمل قوم حشر معهم ،( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (١) .

الحافظ : نحن ما ظلمناكم ولا نؤيد الظالمين وهذا افتراء علينا.

قلت : الظلم الذي جرى علينا كثير ، ولو تغاضينا وعفونا عن بعضها فلا نعفو عن هجومهم على بيت أمّي فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وإيذائها وغصبهم حقها ، فإنّي من ذراريها ويحقّ لي أن أقيم الدعوى

__________________

أقول : وأما فتح خيبر على يد الإمام عليعليه‌السلام فهو «نار على علم» وليس له منكر في العالمين.

فأين هذا المجاهد الفاتح والصابر الناجح عن أولئك المنهزمين الجبناء.

[فإن يك بينهما نسبة

فأين الحسام من المنجل؟]

وأين الحصى من نجوم السماء؟ وأين أولئكم من علي عليه‌السلام ؟

(١) سورة الشعراء ، الآية ٢٢٧. «المترجم»

٧١٤

على من ظلمها وضربها وأسقط جنينها واغتصب فدكها!!

الحافظ : نحن ما كنّا في ذلك الزمان حتى نعرف الحقائق وهذه الدعاوى تحتاج إلى الإثبات.

قلت : نعم نحن ما كنّا في ذلك الزمان ، ولكن الروايات والأحاديث التي نقلها المؤرخون والمحدثون تكون بمثابة شهود القضية والواقعة ، لا سيما إذا كان الرواة والمؤرخون من أعلامكم.

فدك وما يدور حولها

فدك وعوالي سبع قرى زراعيّة حوالي المدينة المنورة كانت تمتد من سفح الجبال إلى سيف البحر ومن العريش إلى دومة الجندل.

قال ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان في كتابه الآخر فتوح البلدان : ج ٦ / ٣٤٣.

وأحمد بن يحيى البلاذري في تاريخه.

وابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ / ٢١٠ / واللفظ للأخير : عن كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بسنده عن الزهري قال [بقيت بقيّة من أهل خيبر تحصّنوا ، فسألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحقن دماءهم ويسيّرهم ، ففعل ، فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك ، وكانت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة ، لأنّه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

قال أبو بكر : وروى محمد بن إسحاق أيضا ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، فبعثوا إلى

٧١٥

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصالحوه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق ، أو بعد ما أقام بالمدينة فقبل ذلك منهم ، وكانت فدك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خالصة له ، لأنّه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. قال : وقد روى أنّه صالحهم عليها كلها ، الله أعلم أيّ الامرين كان! انتهى كلام الجوهري.]

وما نقله الطبري في تاريخه قريب من كلام الجوهري بل كلام كل المؤرخين والمحدثين عن فدك يقارب كلام الجوهري.

فدك حق فاطمةعليها‌السلام

بعد ما رجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة المنوّرة نزل جبرئيل من عند الرب الجليل بالآية الكريمة :( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ) (١) .

فانشغل فكر النبي بذي القربى ، من هم؟ وما حقهم؟ فنزل جبرئيل ثانيا عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : إنّ الله سبحانه يأمرك أن تعطي فدكا لفاطمةعليها‌السلام فطلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمةعليها‌السلام وقال : إنّ الله تعالى أمرني أن أدفع إليك فدكا ، فمنحها وتصرّفت هي فيها وأخذت حاصلها فكانت تنفقها على المساكين.

الحافظ : هل هذا الحديث في تفسير الآية الكريمة موجود في كتب علمائنا أيضا؟ أم يخصّ تفاسيركم؟

قلت : لقد صرّح بهذا التفسير كبار مفسريكم وأعلامهم منهم :

__________________

(١) سورة الأسراء ، الآية ٢٦.

٧١٦

الثعلبي في تفسير كشف البيان ، وجلال الدين السيوطي في الدرّ المنثور : ج ٤ رواه عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المتوفى عام ٣٥٢ ، وأبو القاسم الحاكم الحسكاني والمتقي الهندي في كنز العمّال وابن كثير الدّمشقي الفقيه الشافعي في تاريخه والشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة / باب ٣٩ نقلا عن الثعلبي وعن جمع الفوائد وعيون الأخبار أنّه لما نزلت :( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة فأعطاها فدك الكبير.

فكانت فدك في يد فاطمةعليها‌السلام يعمل عليها عمّالها ، ويأتون إليها بحاصلها في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي كانت تتصرّف فيها كيفما شاءت ، تنفق على نفسها وعيالها أو تتصدق بها على الفقراء والمعوزين.

ولكن بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل أبو بكر جماعة فأخرجوا عمّال فاطمة من فدك وغصبوها وتصرّفوا فيها تصرّفا عدوانيا!

الحافظ : حاشا أبو بكر أن يتصرّف في ملك فاطمة تصرّفا عدوانيا ، وإنما كان سمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة». وقد استند إلى هذا الحديث الشريف وأخذ فدكا.

هل الأنبياء لا يورّثون؟

قلت : أولا : نحن نقول : بأنّ فدك كانت نحلة وهبة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمةعليها‌السلام وهي استلمتها وتصرّفت فيها فهيعليها‌السلام كانت متصرّفة في فدك حين أخذها أبو بكر. وما كانت إرثا.

٧١٧

ثانيا : الحديث الذي استند إليه أبو بكر مردود غير مقبول لأنه حديث موضوع لوجود اشكالات فيه.

الحافظ : ما هي إشكالاتكم؟ ولما ذا يكون مردودا؟

قلت : أولا : واضع الحديث عند ما وضع على لسانه بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» قد غفل عن آيات المواريث التي جاءت في القرآن الحكيم ، في توريث الأنبياء ، ولو كان يقول : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا لا أورّث لكان له مخلص من آيات توريث الأنبياء في القرآن فالصيغة الأولى : نحن معاشر الأنبياء لا نورث تعارض نصّ القرآن الحكيم ، فتكذيب أبي بكر وردّه أولى من نسبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ما يخالف كتاب الله عزّ وجلّ.

كما أنّ فاطمة الزهراءعليها‌السلام أيضا احتجّت على أبي بكر وردّته وردّت حديثه بالاستناد إلى القرآن الحكيم فإنه أقوى حجة وأدلّ دليل وأكبر برهان.

استدلال الزهراءعليها‌السلام وخطبتها

نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ / ٢١١ / طبع دار إحياء التراث العربي ، عن أبي بكر الجوهري بإسناده عن طرق مختلفة تنتهي إلى زينب الكبرى بنت فاطمة الزهراء وإلى الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيهعليه‌السلام وإلى الإمام الباقر بن جعفر ـ محمد بن علي ـ عليهما السّلام وإلى عبد الله بن الحسن المثنى ابن الامام الحسن السبطعليه‌السلام قالوا جميعا [لمّا بلغ فاطمةعليها‌السلام إجماع أبي بكر على منعها فدكا ، لاثت خمارها ، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ في ذيولها ،

٧١٨

ما تخرم مشيتها مشيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد الناس من المهاجرين والأنصار ، فضرب بينها وبينهم ريطة بيضاء ، ـ وقال بعضهم : قبطيّة ، وقالوا : قبطية بالكسر والضم ـ ثم أنت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم ، ثم قالت : ابتدئ بحمد من هو أولى بالحمد والطّول والمجد ، الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم.]

وذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها : فاتّقوا الله حقّ تقاته ، وأطيعوه فيما أمركم به ، فإنّما يخشى الله من عباده العلماء ، واحمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة.

ونحن وسيلته في خلقه ، ونحن خاصّته ومحل قدسه ، ونحن حجّته في غيبه ، ونحن ورثة أنبيائه.

ثم قالت : أنا فاطمة ابنة محمد ، أقول عودا على بدء ، وما أقول ذلك سرفا ولا شططا ، فاسمعوا باسماع واعية وقلوب راعية! ثم قالت :( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) (١) فان تعزوه ابي دون آبائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم ثم ذكرت كلاما طويلا تقول في آخره : ثم أنتم الآن تزعمون ان لا إرث لي!( أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) ؟(٢) إيها معاشر المسلمين! أبتزّ إرث أبي!

يا ابن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي!! لقد جئت شيئا فريّا!! إلى آخر خطبتها(٣) .

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ١٢٨.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٥٠.

(٣) أقول : وروى ابن أبي الحديد هذه الخطبة عن طريق عروة عن عائشة ، في شرح

٧١٩

وجاء في بعض الروايات كما في كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري وغيره ، أنها قالت في خطبتها :

[أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم!

إذ يقول الله جلّ ثناؤه :( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) (١) .

واختص من خبر يحيى وزكريّا إذ قال : ربّ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) (٢) .

وقال تبارك وتعالى :( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ

__________________

النهج ١٦ / ٢٥١ / طبع دار إحياء التراث العربي ، فقد روت عائشة خطبة فاطمة مشابهة لما مرّ وفيها قالت فاطمة. [.. حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ، ظهرت حسيكة النّفاق وشمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين واطلع الشيطان رأسه صارخا بكم ، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين ، ولقربه متلاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا ، وأحمشكم* فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل ، إنما زعمتم ذلك خوف الفتنة( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) فهيهات! وأنّى بكم وأنّى تؤفكون!! وكتاب الله بين أظهركم ، زواجره بيّنة وشواهده لائحة وأوامره واضحة ، أرغبة عنه تريدون ، أم لغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا!( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ثم لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها ، تسرّون حسوا في ارتغاء ، ونحن نصبر منكم على مثل حزّ المدى ، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ،( أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) .

يا ابن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئا فريّا! فدونكها مخطومة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون! إلى آخر الخبر.] «المترجم»

(١) سورة النمل ، الآية ١٦.

(٢) سورة مريم ، الآية ٦.

٧٢٠

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205