ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235998 / تحميل: 3910
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وفي رواية سماعة : « وقد تحلّ لصاحب سبعمائة ، وتحرم على صاحب خمسين درهماً » ( قلت )(١) له : كيف هذا؟ فقال : « إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير ، فلو قسّمها بينهم لم تكفه ، فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله ، وأمّا صاحب الخمسين فإنّه تحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب فيها ما يكفيه إن شاء الله »(٢) .

والقول الثاني للشيخ : أنّ الضابط : من يملك نصاباً من الأثمان أو قيمته فاضلاً عن مسكنه وخادمه(٣) ، وبه قال أبو حنيفة(٤) ، لقولهعليه‌السلام لمعاذ : ( أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتردّ في فقرائهم )(٥) .

وللمنافاة بين جواز أخذها ووجوب دفعها.

والجواب : أنّهعليه‌السلام لم يقصد بيان مصرف الزكاة ، وما قلنا بيان له فكان أولى ، ونمنع التنافي.

وقال أحمد : إذا ملك خمسين درهما لم يجز له أن يأخذ(٦) ، لقولهعليه‌السلام : ( من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه خدوش ) قيل : يا رسول الله ما الغنى؟ قال : ( خمسون درهماً )(٧) .

____________________

(١) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : قيل.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦١ - ٥٦٢ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٤٨ / ١٢٧.

(٣) الخلاف ٢ : ١٤٦ ، المسألة ١٨٣.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٤ ، اللباب ١ : ١٥٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٥ ، المغني ٢ : ٥٢٣ و ٧ : ٣١٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٣.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٣٠ ، صحيح مسلم ١ : ٥٠ / ١٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ - ١٠٥ / ١٥٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ / ٦٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ٣ - ٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٦ ، بتفاوت يسير في الجميع.

(٦) المغني ٢ : ٥٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٣.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٩ / ١٨٤٠ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٦ / ١٦٢٦ ، سنن النسائي ٥ : ٩٧ ، ومسند أحمد ١ : ٤٤١ بتفاوت في الجميع ، وانظر أيضاً : المغني ٢ : ٥٢٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٨.

٢٤١

وهو محمول على أنّه إذا كان تحصل به الكفاية على ما فسّره أهل البيتعليهم‌السلام .

وقال الحسن البصري وأبو عبيد : الغني : من يملك أربعين درهماً(١) ؛ لما روى أبو سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من سأل وله قيمة اُوقيَّة فقد ألحف(٢) )(٣) والاُوقيَّة : أربعون درهماً(٤) .

ولا دلالة فيه.

وفي رواية عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا تحلّ لمن كانت عنده أربعون درهماً يحول عليها الحول أن يأخذها ، وإن أخذها أخذها حراماً »(٥) .

ولا حجّة فيه أيضاً ؛ لأنّ حولان الحول عليها يدلّ على استغنائه عنها فيحرم عليه أخذها.

مسألة ١٦٤ : لو كان له بضاعة يتّجر بها أو ضيعة يستغلّها‌ ، فإن كفاه الغلّة له ولعياله ، أو الربح لم يجز له أن يأخذ الزكاة ، وإن لم يكفه جاز أن يأخذ من الزكاة ما يتمّ به كفايته ، ولم يكلّف الإِنفاق من البضاعة ولا من ثمن الضيعة ، لما فيه من التضرّر.

ولأنّ سماعة سأله عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال : « نعم إلّا أن تكون داره دار غلّة فيخرج له من غلّتها دراهم تكفيه وعياله ، فإن‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩ ، الأموال - لأبي عبيد - : ٥٥٠ - ٥٥١.

(٢) ألحف في المسألة : إذا ألحّ فيها ولزمها. النهاية لابن الأثير ٤ : ٢٣٧.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١١٦ - ١١٧ / ١٦٢٨ ، سنن النسائي ٥ : ٩٨ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٨ / ١ ، مسند أحمد ٣ : ٧ و ٩ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢٠ ، وانظر أيضاً : المغني ٢ : ٥٢٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

(٤) اُنظر : الصحاح ٦ : ٢٥٢٧.

(٥) التهذيب ٤ : ٥١ / ١٣١.

٢٤٢

لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة ، وإن كانت غلّتها تكفيهم فلا »(١) فقد نصّ على جواز الأخذ مع عدم الاكتفاء بالغلّة مع قطع النظر عن الثمن.

ولا فرق بين الدار والبضاعة والضيعة ؛ إذ المشترك - وهو المالية - هو الضابط دون خصوصيّات الأموال.

فروع :

أ - لو لم يكن محتاجاً حرمت عليه الصدقة وإن لم يملك شيئاً ، وإن كان محتاجاً حلّت له الصدقة وإن ملك نُصباً سواء في ذلك الأثمان وغيرها ، وبه قال مالك والشافعي(٢) ، لأنّ الحاجة هي : الفقر ، وضدّها : الغنى ، فمن كان محتاجاً فهو فقير ، ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرِّمة.

ب - لو ملك من العروض أو الحبوب أو السائمة أو العقار ما لا تحصل به الكفاية لم يكن غنياً وإن ملك نُصباً ، وبه قال الثوري والنخعي وابن المبارك وإسحاق وغيرهم(٣) .

ج - لو كانت له كفاية باكتساب أو صناعة أو مال غير زكوي لم تحلّ له الصدقة ، وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو عبيد وابن المنذر(٤) ، لقولهعليه‌السلام : ( لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب )(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٤٨ - ٤٩ / ١٢٧ و ١٠٧ - ١٠٨ / ٣٠٨ ، الكافي ٣ : ٥٦١ / ٤ ، والفقيه ٢ : ١٧ - ١٨ / ٥٧.

(٢) المغني ٢ : ٥٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٥ ، المجموع ٦ : ١٩٧.

(٣) المغني ٢ : ٥٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٨ ، المجموع ٦ : ١٩٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٥٢.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ / ١٦٣٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٩ / ٧ ، سنن النسائي =

٢٤٣

ولأنّه يملك ما يغنيه عن الصدقة فخرج عن الحاجة فلا يتناوله اسم الفقراء.

وقال أبو يوسف : إن دفع الزكاة إليه فهو قبيح ، وأرجو أن يجزئه(١) .

وقال أبو حنيفة ومحمد وزفر : يجوز دفع الزكاة إليه ؛ لأنّه ليس بغني(٢) ؛ لما مرّ من قولهعليه‌السلام : ( أعلمهم أنّ عليهم الصدقة )(٣) .

د - لو ملك نصاباً زكويّاً أو نُصباً تقصر عن مؤونته ومؤونة عياله حلّت له ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) ، لأنّه لم يملك ما يغنيه ، ولا يقدر على كسب ما يكفيه ، فجاز له الأخذ من الزكاة ، كما لو كان ما يملكه من غير الزكوي ، ولأنّ الفقر : الحاجة. وهي متحقّقة فيه.

وقال أصحاب الرأي : ليس له أن يأخذ ؛ لأنّه تجب عليه الزكاة فلا تجب له ؛ للخبر(٥) .

والغنى المانع من الأخذ ليس هو الغنى الموجب للدفع.

ه- لو كان له مال معدٌّ للإِنفاق ولم يكن مكتسباً ولا ذا صناعة اعتبرت الكفاية به حولاً كاملاً له ولعياله ومن يمونه ، لأنّ كلّ واحد منهم مقصود دفع حاجته ، فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد ؛ لأنّه لا يسمّى فقيراً بالعادة.

ويحتمل أن يمنع من الزكاة حتى يخرج ما معه بالإِنفاق.

والحقّ : الأول ؛ لما روي من جواز تناولها لمن ملك ثلاثمائة درهم أو‌

____________________

= ٥ : ٩٩ - ١٠٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٤ ، ومسند أحمد ٤ : ٢٢٤ و ٥ : ٣٦٢ ، وفي الجميع : ( لا حَظّ فيها لغني ).

(١ و ٢ ) المغني ٢ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٨.

(٣) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ١٦٣.

(٤) المجموع ٦ : ١٩٧ ، المغني ٢ : ٥٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

(٥) الهداية للمرغيناني ١ : ١١٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٦ ، المجموع ٦ : ١٩٧ ، المغني ٢ : ٥٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

٢٤٤

سبعمائة مع التكسب القاصر(١) ، فمع عدمه أولى.

و - لو جعلنا مناط المنع ملك النصاب وإن قصر عن الكفاية ، فلو كان له عائلة جاز أن يأخذ لعياله حتى يصير لكلّ واحد منهم ما يحرم معه الأخذ ؛ لأنّ الدفع إنّما هو إلى العيال وهذا نائب عنهم في الأخذ.

ز - لو كان للولد المعسر ، أو الزوجة الفقيرة ، أو الأب الفقير والد أو زوج أو ولد موسرون ، وكلٌّ منهم ينفق على من تجب عليه لم يجز دفع الزكاة إليهم ؛ لأنّ الكفاية حصلت لهم بما يصلهم من النفقة الواجبة ، فأشبهوا من له عقار يستغني باُجرته.

وإن لم ينفق أحد منهم وتعذّر ذلك جاز الدفع إليهم ، كما لو تعطّلت منفعة العقار.

مسألة ١٦٥ : ويعطى من ادّعى الفقر إذا لم يعلم كذبه‌ سواء كان قويّاً قادراً على التكسب أو لا ، ويقبل قوله من غير يمين سواء كان شيخاً ضعيفاً أو شاباً ضعيف البُنية أو زمناً أو كان سليماً قويّ البُنية جلداً ، وهو أحد وجهي الشافعية(٢) ؛ لأنّ رجلين أتيا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقسّم الصدقة ، فسألاه شيئاً منها ، فصعَّد بصره فيهما وصوَّبه(٣) ، وقال لهما : ( إن شئتما أعطيتكما ولا حظّ فيها لغني ولا ذي قوة مكتسب )(٤) ودفع إليهما ولم يحلّفهما.

والثاني للشافعي : أنّه يحلف إن كان قويّاً في بُنيته ظاهرة الاكتساب ؛ لأنّ‌

____________________

(١) اُنظر : المعتبر : ٢٧٨ ، والكافي ٣ : ٥٦٠ / ١.

(٢) الاُم ٢ : ٧٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٥١ - ١٥٢.

(٣) صوّبه : خفضه. النهاية لابن الأثير ٣ : ٥٧.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ / ١٦٣٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٩ / ٧ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ - ١٠٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٤ ، مسند أحمد ٤ : ٢٢٤ و ٥ : ٣٦٢ بتفاوت يسير.

٢٤٥

ظاهره يخالف ما قاله(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه مسلم ادّعى ممكناً ولم يظهر ما ينافي دعواه.

ولو عرف له مال وادّعى ذهابه ، قال الشيخ : يكلّف البيّنة ؛ لأنّه ادّعى خلاف الظاهر ، والأصل البقاء(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

والأقرب : أنّه لا يكلّف بيّنة تعويلاً على صحة اخبار المسلم. وكذا البحث في العبد لو ادّعى العتق أو الكتابة.

ولو ادّعى حاجة عياله ، فالوجه القبول من غير يمين ، لأنّه مسلم ادّعى أمراً ممكناً ولم يظهر ما ينافي دعواه.

ويحتمل الإِحلاف ؛ لإِمكان إقامة البيّنة على دعواه. وللشافعي كالوجهين(٤) .

مسألة ١٦٦ : العاملون عليها لهم نصيب من الزكاة‌ وهم السُّعاة في جباية الصدقات عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي(٥) ؛ لقوله تعالى( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ) (٦) .

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن قوله تعالى( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ) أكلّ هؤلاء يعطى؟ : « إنّ الإِمام يعطي هؤلاء جميعاً »(٧) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٥١ - ١٥٢.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٢.

(٤) المجموع ٦ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٢.

(٥) الاُم ٢ : ٧١ - ٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٨٨ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩ ، تفسير الرازي ١٦ : ١١٠.

(٦) التوبة : ٦٠.

(٧) الكافي ٣ : ٤٩٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ٤٩ / ١٢٨ ، الفقيه ٢ : ٢ - ٣ / ٤.

٢٤٦

وقال أبو حنيفة : يعطي عوضاً واُجرة لا زكاةً ، لأنّه لا يعطي إلّا مع العمل ، ولو فرّقها الإِمام أو المالك لم يكن له شي‌ء ، والزكاة تدفع استحقاقاً لا عوضاً ، ولأنّه يأخذها مع الغنى والصدقة لا تحلّ لغني(١) .

ولا يلزم من توقّف الإِعطاء على العمل سقوط الاستحقاق ، والمدفوع ليس عوضاً ، بل استحقاقاً مشروطاً بالعمل.

ونمنع عدم الدفع إلى الغني مطلقاً ؛ لأنّ العامل لا يأخذ باعتبار الفقر ، وابن السبيل يأخذ وإن كان غنيّاً في بلده فكذا هنا.

مسألة ١٦٧ : يجب على الإِمام أن يبعث ساعياً في كلّ عام لتحصيل الصدقات من أربابها‌ ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعثهم في كلّ عام ؛ فيجب اتّباعه ، ولأنّ تحصيل الزكاة غالباً إنّما يتمّ به ، وتحصيل الزكاة واجب فيجب ما لا يتمّ إلّا به.

إذا ثبت هذا فينبغي للإِمام أن يوصيه كما وصّى أمير المؤمنينعليه‌السلام عامله.

قال الصادقعليه‌السلام : « بعث أمير المؤمنينعليه‌السلام مصدّقاً من الكوفة إلى باديتها ، فقال له : يا عبد الله انطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له ، ولا تؤثرنّ دنياك على آخرتك ، وكن حافظاً لما ائتمنتك عليه راعياً لحقّ الله فيه حتى تأتي نادي بني فلان ، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ، ثم امض إليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فسلِّم عليهم ، وقُل : يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه ، فإن أنعم لك منعم منهم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلّا خيراً.

فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلّا بإذنه ، فإنّ أكثره له ، فقُل له : يا عبد الله‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٤٤ ، تحفة الفقهاء ١ : ٢٩٩.

٢٤٧

أتأذن لي في دخول مالك؟ فإن أذن لك فلا تدخل دخول متسلّط عليه ولا عنف به ، فاصدع المال صَدْعين ، ثم خيِّره أيّ الصدعين شاء ، فأيّهما اختار فلا تعرّض له ، ثم اصدع الباقي صدعين ، ثم خيّره فأيّهما اختار فلا تعرّض له فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ الله عزّ وجلّ في ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ الله منه ، فإن استقالك فأقله ، ثم اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أوّلاً حتى تأخذ حقّ الله في ماله ، فاذا قبضته فلا توكل به إلّا ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً غير معنف بشي‌ء منها ، ثم احدر ما اجتمع عندك من كلّ ناد إلينا نصيّره حيث أمر الله عزّ وجل.

فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها ، ولا يفرّق بينهما ، ولا يصرّنّ(١) لبنها فيضرّ ذلك بفصيلها ، ولا يجهد بها ركوباً ، وليعدل بينهن في ذلك ، وليوردهن كلّ ماء يمرّ به ، ولا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جوادِّ الطرق في الساعة التي فيها تريح(٢) وتغبق(٣) وليرفق بهنّ جهده حتى تأتينا بإذن الله سحاحاً(٤) سماناً غير متعبات ولا مجهدات ، فنقسمهنّ بإذن الله على كتاب الله وسُنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أولياء الله فإنّ ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك ، ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما ينظر الله عزّ وجلّ إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة لإِمامه إلّا كان معنا في الرفيق الأعلى ».

____________________

(١) الصرار - وزان كتاب - خرقة تشدّ على أطباء الناقة لئلّا يرتضعها فصيلها. وأطباء جمع طبي.

وهي لذات الخف والظلف كالثدي للمرأة. المصباح المنير : ٣٣٨ و ٣٦٩.

(٢) الإِراحة : ردّ الإِبل والغنم من العشي الى مُراحها حيث تأوي اليه ليلاً. لسان العرب ٢ : ٤٦٤ « روح ».

(٣) الغبوق : الشرب بالعشي. الصحاح ٤ : ١٥٣٥ « غبق ».

(٤) سحت الشاة : اسمنت. وغنم سحاح : أي سمان. الصحاح ١ : ٣٧٣ « سحح ».

٢٤٨

ثم بكى الصادقعليه‌السلام ، وقال لبريد بن معاوية : « يا بريد والله ما بقيت لله حرمة إلّا انتهكت، ولا عمل بكتاب الله ولا سنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا العالم ، ولا اُقيم في هذا الخلق حدّ منذ قبض الله أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولا عمل بشي‌ء من الحقّ إلى يوم الناس هذا ».

ثم قال : « أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ، ويميت الأحياء ، ويردّ الحق إلى أهله ، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأبشروا ثم أبشروا ، والله ما الحقّ إلّا في أيديكم »(١) .

مسألة ١٦٨ : إذا تولّى الرجل إخراج الزكاة بنفسه سقط حق العامل منها‌ ؛ لأنّه إنّما يأخذ بالعمل.

وكذا لو تولّى الإِمام أو الوالي من قبله قسمتها لم يستحق شيئاً ، لأنّه يأخذ رزقه من بيت المال ؛ لأنّه يتولّى اُمور المسلمين ، وهذا من جملة المصالح.

أمّا الساعي فإن رأى الإِمام أن يجعل له اُجرةً من بيت المال لم يستحق شيئاً من الصدقة ، وإن لم يجعل له شيئاً كان له نصيب من الزكاة.

ويتخيّر الإِمام بين أن يستأجره لمدّة معلومة باُجرة معلومة ، أو يعقد له جعالة ، فإذا عمل ما شرط عليه ، فإن كان أجر مثله أقلّ كان الفاضل من الثمن من الصدقة مردوداً على أهل السُّهمان ، وإن كان السهم أقلّ من اُجرته جاز للإِمام أن يعطيه الباقي من بيت المال ؛ لأنّه من المصالح ، وهو أحد قولي الشافعي(٢) .

ويجوز أن يعطيه من باقي الصدقة ويقسّم الفاضل عن اُجرته بين باقي المستحقين ؛ لأنّ الفاضل لمـّا ردّ عليهم كان الناقص عليهم ، وهو القول الثاني للشافعي(٣) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٦ - ٥٣٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ - ٩٧ / ٢٧٤.

(٢ و ٣ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩.

٢٤٩

وله ثالث : تخيير الإِمام بينهما(١) كما قلناه.

وله رابع : أنّه يأخذ من سهم المصالح إذا لم يفضل عن أهل السُّهمان فضل ، وإن فضل أخذ من الصدقة(٢) .

والوجه : أنّه لا يشترط تقدير الاُجرة أو السهم ؛ لأنّ له نصيباً بفرضه تعالى ، فلا يشترط في استعماله غيره.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله الحلبي ما يعطى المصدّق؟ قال : « ما يرى الإِمام ، ولا يقدَّر له شي‌ء »(٣) .

مسألة ١٦٩ : والمؤلَّفة قلوبهم لهم نصيب من الزكاة‌ بالنص والإِجماع ، وهم الذين يستمالون إلى الجهاد بالإِسهام وإن كانوا كفّاراً ، وحكمهم باقٍ عند علمائنا - وبه قال الحسن البصري والزهري وأحمد ، ونقله الجمهور عن الباقرعليه‌السلام (٤) - للآية(٥) ، فإنّه تعالى سمّى المؤلَّفة في الأصناف الذين سمّى الصدقة لهم.

وروى زياد بن الحارث الصدائي ، قال : أتيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبايعته ، قال : فأتاه رجل فقال : أعطني من الصدقة ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزَّأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك )(٦) .

ومن طريق الخاصة : رواية سماعة ، قال : سألته عن الزكاة لمن يصلح‌

____________________

(١ و٢ ) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥٦٣ / ١٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ / ٣١١.

(٤) المغني ٢ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٥) التوبة : ٦٠.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١١٧ / ١٦٣٠ ، سنن البيهقي ٤ : ١٧٤ و ٧ : ٦.

٢٥٠

أن يأخذها؟ قال : هي محلَّلة للّذين وصف الله في كتابه( لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) (١) الحديث(٢) .

وقال الشعبي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي : انقطع سهم المؤلّفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ الله تعالى أعزّ الإِسلام ، وأغناه عن أن يتألّف عليه رجال فلا يعطى مشرك تألّفاً بحال. وروي هذا عن عمر(٣) .

وهو مدفوع بالآية(٤) ، وبعمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن مات ، ولا يجوز ترك الكتاب والسنّة إلّا بنسخ ، والنسخ لا يثبت بعد موتهعليه‌السلام ، فلا يجوز ترك الكتاب والسنّة بمجرّد الآراء والتحكّم ، ولا بقول صحابي.

على أنّهم لا يعملون بقول الصحابي إذا عارض القياس فكيف إذا عارض الكتاب والسنّة!

قال الزهري : لا أعلم شيئاً نسخ حكم المؤلَّفة(٥) .

على أنّ ما ذكروه لا يعارض حكم الكتاب والسنّة ، فإنّ الاستغناء عنهم لا يوجب رفع حكمهم ، وإنّما يمنع عطيّتهم حال الغنى عنهم ، فإذا دعت الحاجة إلى إعطائهم اُعطوا ، كما أنّ باقي الأصناف إذا عدم منهم صنف في زمان سقط حكمه في ذلك الزمان ، فإذا وجد عاد حكمه.

قال الشيخ : يجوز للإِمام القائم مقام النبيعليه‌السلام أن يتألّف‌

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٠ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٤٨ / ١٢٧.

(٣) الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٤ ، التفريع ١ : ٢٩٨ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٥٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٥ ، المغني ٢ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٥.

(٤) التوبة : ٦٠.

(٥) المغني ٢ : ٥٢٦.

٢٥١

الكفّار ، ويعطيهم سهمهم الذي سمّاه الله تعالى ، ولا يجوز لغير الإِمام القائم مقامهعليه‌السلام ذلك ، وسهم المؤلَّفة مع سهم العامل ساقط اليوم(١) .

مسألة ١٧٠ : قال الشيخ : المؤلَّفة عندنا هم : الكفّار الذين يستمالون بشي‌ء من الصدقات إلى الإِسلام‌ يتألَّفون ليستعان بهم على قتال المشركين ، ولا يعرف أصحابنا مؤلَّفة أهل الإِسلام(٢) .

وقال المفيدرحمه‌الله : المؤلَّفة ضربان : مسلمون ومشركون(٣) ، وبه قال الشافعي(٤) .

وهو الأقوى عندي ، لوجود المقتضي وهو المصلحة الناشئة من الاجتماع والكثرة على القتال.

وقسَّم الشافعي المؤلَّفة قسمين : مشركون ومسلمون(٥) ، فالمشركون ضربان : أحدهما : من له نيّة حسنة في الإِسلام والمسلمين فيعطى من غير الصدقة ، بل من سهم المصالح لتقوى نيّتهم في الإِسلام فيميلون إليه فيسلمون.

لما روي أنّ صفوان بن اُميّة لَمـّا أعطاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتح مكة خرج معه إلى هوازن ، واستعار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منه ثلاثين درعاً ، وكانت أوّل الحرب على المسلمين ، فقال قائل : غلبت هوازن وقُتل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال صفوان : بفيك الحجر ، لَربٌّ من قريش أحب إلينا‌

____________________

(١ و ٢ ) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٩.

(٣) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٧٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ١٩٨ ، الوجيز ١ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٤.

(٥) رفعهما بناءً على تقدير مبتدأ محذوف.

٢٥٢

من ربّ من هوازن(١) .

ولَمـّا أعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله العطايا ، قال صفوان : ما لي ؛ فأومأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى وادٍ فيه إبل محمَّلة ، فقال : ( هذا لك ) فقال صفوان : هذا عطاء من لا يخشى الفقر(٢) .

الثاني : مشركون لم يظهر منهم ميل إلى الإِسلام ، ولا نيّة حسنة في المسلمين لكن يخاف منهم ، فإن أعطاهم كفّوا شرّهم وكفّ غيرهم معهم.

روى ابن عباس أنّ قوماً كانوا يأتون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن أعطاهم مدحوا الإِسلام وقالوا : هذا دين حسن ، وإن منعهم ذمّوا وعابوا(٣) .

فهذان الضربان هل يعطون بعد موت النبيعليه‌السلام ؟ قولان :

أحدهما : يعطون ، لأنّهعليه‌السلام أعطاهم ، ومعنى العطاء موجود.

والثاني : لا يعطون ؛ لأنّ مشركاً جاء إلى عمر يلتمس المال فلم يعطه ، وقال : من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر(٤) ، ولأنّه تعالى أظهر الإِسلام وقمع المشركين ، فلا حاجة بنا إلى ذلك.

فإن قلنا : يعطون ، فإنّهم يعطون من سهم المصالح لا من الزكاة ؛ لأنّها لا تصرف إلى المشركين.

وهو ممنوع ؛ للآية(٥) .

وأما المؤلَّفة من المسلمين فعلى أربعة أضرب :

ضرب أشراف مطاعون ، علم صدقهم في الإِسلام ، وحسن نيّتهم فيه ، إلّا أنّ لهم نظراء من المشركين إذا اُعطوا رغب نظراؤهم في الإِسلام‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨ - ١٩ نحوه.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٧ : ٣٢٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٣) عنه في الدرّ المنثور - للسيوطي - ٣ : ٢٥١ ، والمغني ٧ : ٣٢٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٤) ذكره ابنا قدامة في المغني ٧ : ٣١٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٥) التوبة : ٦٠. وقوله : ( وهو ممنوع ) جواب من المصنف عن الشافعي.

٢٥٣

فهؤلاء يعطون ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر(١) مع ثباتهم وحسن نيّتهم.

وضرب أشراف مطاعون في قومهم نيّاتهم ضعيفة في الإِسلام إذا اُعطوا رجي حسن نيّاتهم وثباتهم فإنّهم يعطون ؛ لأنّهعليه‌السلام أعطى أبا سفيان بن حرب مائة من الإِبل ، وأعطى صفوان بن اُمية مائة ، وأعطى الأقرع بن حابس مائة ، وأعطى عُيَيْنَة مائة ، وأعطى العباس بن مرداس أقلّ من مائة ، فاستعتب فتمّم المائة(٢) .

وهل يعطون بعد النبيعليه‌السلام ؟ قولان :

أحدهما : المنع - وبه قال أبو حنيفة(٣) - لظهور الإِسلام ، ولأنّ أحداً من الخلفاء لم يعط شيئاً من ذلك.

والثاني : يعطون ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام أعطى ، وأعطى أبو بكر عدي ابن حاتم - وقد قدم عليه بثلاثمائة جمل من إبل الصدقة - ثلاثين بعيراً(٤) .

وحينئذٍ هل يعطون من الصدقات من سهم المؤلَّفة ، للآية ، أو من سهم المصالح ، لأنّه منها؟ قولان.

الضرب الثالث : قوم من المسلمين أعراب أو عجم في طرف من أطراف المسلمين لهم قوة وطاقة بمن يليهم من المشركين ، فإذا جهّز الإمام إليهم جيشا لزمه مؤونة ثقيلة ، وإذا أعطى من يقربهم من أصحاب القوّة والطاقة أعانوهم ودفعوا المشركين.

____________________

(١) نقله أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١٧٩.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٣٧ / ١٠٦٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٧ ، أسد الغابة ٣ : ١١٢ - ١١٣.

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩ ، اللباب ١ : ١٥٣ ، الميزان للشعراني ٢ : ١٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٥.

(٤) سنن البيهقي ٧ : ١٩ - ٢٠ ، وذكره أيضاً ابنا قدامة في المغني ٧ : ٣٢٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

٢٥٤

والضرب الرابع : مسلمون من الأعراب أو غيرهم في طرف من أطراف الإِسلام بإزائهم قوم من أهل الصدقات لا يؤدّون الزكاة إلّا خوفاً من هؤلاء الأعراب ، فإن أعطاهم الإِمام جبوها وحملوها إليه ، وإن لم يعطهم لم يفعلوا ذلك ، واحتاج الإِمام إلى مؤونة ثقيلة في إنفاذ من يحصّلها ، فإنّه يعطيهم.

ومن أين يعطيهم؟ أربعة أقوال :

الأول : من سهم المؤلّفة من الصدقة ؛ لأنّهم يتألّفون على ذلك.

الثاني : من سهم الغزاة ؛ لأنّهم غزاة أو في معناهم.

الثالث : من سهم المصالح ؛ لأنّ هذا في مصالح المسلمين.

الرابع : من سهم المؤلّفة ، وسهم الغزاة من الصدقة.

واختلف أصحابه في هذا القول ، فقال بعضهم : إنّما أعطاهم من السهمين بناءً على جواز أخذ من اجتمع فيه سببان بهما ، وعلى المنع لا يعطون منهما.

وقال آخرون : يعطون من السهمين ، لأنّ معناهما واحد وهو أنّه يعطى منهما ، لحاجتنا إليهم وهم المؤلَّفة والغزاة ، بخلاف أن يكون فقيراً وغازياً ؛ لاختلاف السببين.

وقال آخرون : إنّه اراد أنّ بعضهم يعطى من سهم الغزاة وهم الذين يغزون منهم ، وبعضهم من سهم المؤلَّفة وهُم الذين اُلّفوا على استيفاء الزكاة(١) .

قال الشيخ : وهذا التفصيل لم يذكره أصحابنا ، غير أنّه لا يمتنع أن نقول : إنّ للإِمام أن يتألّف هؤلاء القوم ويعطيهم إن شاء من سهم المؤلَّفة ، وإن شاء من سهم المصالح ؛ لأنّ هذا من فرائض الإِمام ، وفعله حجّة ، وليس يتعلق علينا في ذلك حكم اليوم ، وفرضنا تجويز ذلك والشك فيه وعدم القطع‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ١٩٨ - ١٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٤ - ١٥٦.

٢٥٥

بأحد الأمرين(١) .

مسألة ١٧١ : والرقاب من جملة الأصناف المعدودة في القرآن‌ ، وأجمع المسلمون عليه ، واختلفوا في المراد.

فالمشهور عند علمائنا : أنّ المراد به صنفان : المكاتبون يعطون من الصدقة ؛ ليدفعوه في كتابتهم. والعبيد تحت الشدّة يشترون ويعتقون ؛ لقوله تعالى( وَفِي الرِّقابِ ) (٢) وهو شامل لهما ، فإنّ المراد إزالة رقّيته.

وشرطنا في الثاني الضُرّ والشدّة ؛ لما روي عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يجتمع عنده الزكاة يشتري بها نسمة ويعتقها ، فقال : « إذن يظلم قوماً آخرين حقوقهم - ثم قال - إلّا أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة فيشتريه ويعتقه »(٣) .

والجمهور رووا المكاتبين عن عليعليه‌السلام (٤) ، والعبد يشترى ابتداءً عن ابن عباس(٥) .

وروى علماؤنا ثالثاً وهو : أنّ من وجب عليه كفّارة في عتق في ظهار وشبهه ولم يجد ما يعتق جاز أن يعطى من الزكاة ما يشتري به رقبة ويعتقها في كفارته.

لرواية علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن العالمعليه‌السلام : «( وَفِي الرِّقابِ ) قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ أو الظهار أو الأيمان وليس عندهم ما يكفِّرون جعل الله لهم سهماً في الصدقات ليكفِّر عنهم »(٦) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٠.

(٢) التوبة ٦٠ :.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٧ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٠ / ٢٨٢.

(٤) المجموع ٦ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩٦٧.

(٥) المغني ٧ : ٣٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٥ ، المجموع ٦ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨ ، والدرّ المنثور للسيوطي ٣ : ٢٥٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٤٩ - ٥٠ / ١٢٩ ، وتفسير القمي ١ : ٢٩٩.

٢٥٦

قال الشيخ : والأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيراً فيشتري هو ويعتق عن نفسه(١) . وهو جيد.

ولو لم يوجد مستحق جاز شراء العبد من الزكاة وعتقه وإن لم يكن في ضُرّ وشدّة ، وعليه فقهاؤنا.

لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن رجل أخرج زكاة ماله فلم يجد لها موضعاً يدفعها إليه فنظر مملوكاً يباع فاشتراه بها فأعتقه فهل يجوز ذلك؟

قال : « نعم »(٢) .

وقال الشافعي : المراد بقوله تعالى :( وَفِي الرِّقابِ ) المكاتبون خاصة يعطيهم من الصدقة ليدفعوه في كتابتهم(٣) - ورووه عن عليعليه‌السلام ، وهو مذهب سعيد بن جبير والنخعي والليث بن سعد والثوري وأصحاب الرأي - لأنّ مقتضى الآية الدفع إليهم بدليل قوله( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) يريد الدفع إلى المجاهدين ، فكذا هنا(٤) .

وهو لا يمنع ما قلناه.

وقال مالك : المراد به أن يشتري العبيد من الصدقة ويبتدئ عتقهم - ورووه عن ابن عباس والحسن البصري ، وبه قال أحمد وإسحاق ، ولم يشرطوا الشدة - لقوله تعالى( وَفِي الرِّقابِ ) والرقبة إذا اُطلقت انصرفت إلى القنّ كقوله تعالى( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (٥) (٦) .

ونمنع الحصر.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٧ / ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٠ / ٢٨١.

(٣) في النُسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : ( كتابته ) وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

(٤) الاُم ٢ : ٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠٠ - ٢٠١ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨ ، المغني ٧ : ٣٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩.

(٥) النساء : ٩٢.

(٦) الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٤ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩٦٧ ، تفسير القرطبي =

٢٥٧

وأجاب الشافعيّة : بأنّ الزكاة يعود نفعها حينئذٍ إلى المعطي ويثبت له الولاء.

ونمنع اختصاص النفع بالمعطي وثبوت الولاء للمعتق على ما يأتي.

مسألة ١٧٢ : والغارمون لهم سهم من الصدقات‌ بالنص والإِجماع ، وهُم : المدينون في غير معصية ، ولا خلاف في صرف الصدقة إلى من هذا سبيله.

ولو استدان للمعصية لم يقض عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو علي بن أبي هريرة من الشافعية(١) - لأنّه دين استدانه للمعصية فلا يدفع إليه ، كما لو لم يثبت ، ولما فيه من الإِغراء بالمعصية ؛ إذ الفاسق إذا عرف أنّه يقضى عنه ما استدانه في معصية أصرَّ على ذلك ، فيمنع حسماً لمادّة الفساد.

ولقول الرضاعليه‌السلام : « يقضى ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عزّ وجلّ ، وإن كان أنفقه في معصية الله فلا شي‌ء له على الإِمام »(٢) .

وقال أبو إسحاق من الشافعية : يدفع إليه(٣) ؛ لأنّه لو كان قد أتلف ماله في المعاصي وافتقر دفع إليه من سهم الفقراء ، وكذلك إذا خرج في سفر معصية ، ثم أراد أن يرجع دفع إليه من سهم ابن السبيل.

والفرق : أنّ مُتلف ماله يعطى للحاجة في الحال ، وهنا يراعى الاستدانة في الدين وكان للمعصية ، فافترقا.

____________________

= ٨ : ١٨٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨ ، المغني ٧ : ٣٢١ و ٣٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٤ و ٦٩٥.

(١) قال النووي في المجموع ٦ : ٢٠٨ : فإن تاب فهل يعطى؟ أصحّهما : لا يعطى ، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٥٥ / ٥٢٠.

(٣) المجموع ٦ : ٢٠٨ ، وفيه بعد عنوان التوبة.

٢٥٨

فروع :

أ - لو لم يعلم فيما ذا أنفقه ، قال الشيخ : يمنع(١) ، لأنّ رجلاً من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمد سأل الرضاعليه‌السلام ، قلت : فهو لا يعلم فيما ذا أنفقه في طاعة أو معصية؟ قال : « يسعى في ماله فيردّه عليه وهو صاغر »(٢) .

ولأنّ الشرط - وهو الإِنفاق في الطاعة - غير معلوم.

وقال أكثر علمائنا : يعطى ؛ بناءً على أنّ ظاهر تصرفات المسلم إنّما هو على الوجه المشروع دون المحرَّم. ولأنّ تتبّع مصارف الأموال عسر فلا يقف دفع الزكاة على اعتباره. وفي سند الرواية ضعف(٣) .

ب - لو أنفقه في معصية وتاب احتمل جواز الدفع وعدمه.

وقال الشيخ : يدفع إليه من سهم الفقراء إن كان منهم لا من سهم الغارمين(٤) . وهو حسن.

ج - لو كان المدفوع كلّ الدين جاز للإِمام أن يدفعه إلى الغرماء ؛ لأنّه قد استحقّ عليه الدفع فناب عنه ، ولو كان لا يفي وأراد أن يتّجر به دفع إليه ؛ لما فيه من المصلحة.

مسألة ١٧٣ : الغارمون صنفان : أحدهما : من استدان في مصلحته ونفقته في غير معصية ، وعجز عن أدائه ، وكان فقيراً ، فإنّه يأخذ من سهم الغارمين إجماعاً ليؤدّي ذلك.

وإن كان غنيّاً لم يجز أن يعطى عندنا ، وهو أحد قولي الشافعي ، و(٥) لأنّه‌

____________________

(١) النهاية : ٣٠٦ ، وفيه : لم يجب عليه القضاء عنه. وحكى المحقق في المعتبر : ٢٨٠ عنه هكذا : لا يقضى عنه.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٥٥ / ٥٢٠.

(٣) منهم : ابن إدريس في السرائر : ١٦٢ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٨٠ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٢٥٤.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥١.

(٥) كذا في جميع النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، والظاهر زيادة حرف الواو.

٢٥٩

يأخذ لا لحاجتنا إليه ، فاعتبر فقره كالمكاتب وابن السبيل.

والثاني : يأخذ لعموم الآية(١) (٢) .

الثاني : من تحمّل حمالة لإِطفاء الفتنة ، وسكون ( نائرة )(٣) الحرب بين المتقاتلين وإصلاح ذات البين ، وهو قسمان :

أحدهما : أن يكون قد وقع بين طائفتين فتنة لقتل وجد بينهما فيتحمّل رجل ديته لإِصلاح ذات البين ، فهذا يدفع إليه من الصدقة ليؤدّي ذلك ، لقوله تعالى( وَالْغارِمِينَ ) (٤) .

ولا فرق بين أن يكون غنيّاً أو فقيراً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة لغني إلّا لخمس : غازٍ في سبيل الله ، أو عاملٍ عليها ، أو غارم )(٥) .

ولأنّه إنّما يقبل ضمانه وتحمّله إذا كان غنيّاً فيه حاجة إلى ذلك مع الغنى ، فإن أدّى ذلك من ماله لم يكن له أن يأخذ ؛ لأنّه قد سقط عنه الغرم.

وإن كان قد استدان وأدّاها جاز أن يعطى من الصدقة ، ويؤدّي الدين لبقاء الغرم والمطالبة.

الثاني : أن يكون سبب الفتنة إتلاف مال ولا يعلم مَن أتلفه ، وخشي من الفتنة ، فتحمّل ذلك المال حتى سكنت النائرة ، فإنّه يدفع إليه من سهم الغارمين ؛ لصدق اسم الغرم عليه ، وللحاجة إلى إصلاح ذات البين ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) الْأُم ٢ : ٧٢ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٥٠٨.

(٣) في « ن » : ثائرة بدل نائرة.

(٤) التوبة : ٦٠.

(٥) مصنّف عبد الرزاق ٤ : ١٠٩ / ١٧٥١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٩٠ / ١٨٤١ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٩ / ١٦٣٥ ، موطّأ مالك ١ : ٢٦٨ / ٢٩ ، ومسند أحمد ٣ : ٥٦.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

مفهوم الوصاية وأهمّيتها

نعرف مفهوم الوصاية من الروايات والأحاديث التي ذكرناها فالمعنى هو الذي تداعى للنوّاب إذ قال : الخليفة هو الذي يقوم بتنفيذ وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا حاجة إلى آخر.

وصحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا كانوا يفهمون أنّ الوصي هو الذي يقوم مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لذلك قام بعض المتعصبين المعاندين من أهل السنّة بإنكار وصاية الإمام عليعليه‌السلام لأنّهم عرفوا بأنّ الإقرار بذلك يلازم الإقرار بخلافتهعليه‌السلام .

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١ / ١٣٩ و ١٤٠ / ط دار إحياء التراث العربي [أما الوصيّة فلا ريب عندنا أنّ علياعليه‌السلام كان وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا الى العناد.]

ثم نقل في صفحة ١٤٣ وما بعدها أبياتا وأراجيز في إثبات وصاية عليّعليه‌السلام ، منها : قول عبد الله بن عباس حبر الأمة :

[وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه إن قيل هل من منازل]

وقول خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين يخاطب عائشة ، منها :

[وصيّ رسول الله من دون أهله

وأنت على ما كان من ذاك شاهده]

وقول أبي الهيثم بن التيهان ، الصحابي الجليل :

[إنّ الوصي إمامنا ووليّنا

برح الخفاء وباحت الأسرار]

وأنا أكتفي بهذا المقدار ومن رام الإكثار فليراجع شرح النهج حتى

٧٤١

يجد الأراجيز والأشعار في هذا الإطار(١) .

__________________

(١) أيها القارئ الرشيد! أنظر إلى بعض ما نقله ابن أبي الحديد من الشعر والقول السديد في وصاية الإمام عليعليه‌السلام .

قال : ومما رويناه من الشعر المقول في صدر الإسلام المتضمّن كونه عليه‌السلام وصيّ رسول الله ، قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب : [

ومنّا عليّ ذاك صاحب خيبر

وصاحب بدر يوم سالت كتائبه

وصيّ النبي المصطفى وبن عمّه

فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه!]

وقال عبد الرحمن بن جعيل :

[لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة

على الدين ، معروف العفاف موفّقا

عليا وصيّ المصطفى وبن عمّه

وأوّل من صلّى ، أخا الدين والتقى]

وقال رجل من الأزد يوم الجمل :

[هذا علي وهو الوصيّ

آخاه يوم النّجوة النبيّ

وقال هذا بعدي الولي

وعاه واع ونسى الشقيّ]

وخرج يوم الجمل غلام من بني ضبّة من عسكر عائشة وهو يقول :

[نحن بني ضبّة اعداء عليّ

ذاك الذي يعرف قدما بالوصي

وفارس الخيل على عهد النبي

ما أنا عن فضل عليّ بالعمي الخ]

وقال حجر بن عديّ الكندي في يوم الجمل أيضا :

[يا ربّنا سلّم لنا عليّا

سلّم لنا المبارك المضيّا

المؤمن الموحّد التقيّا

لاخطل الرأى ولا غويّا

بل هاديا موفّقا مهديّا

واحفظه ربّي واحفظ النبيّا

فيه فقد كان له وليّا

ثم ارتضاه بعده وصيّا]

وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين في يوم الجمل :

[ليس بين الأنصار في جحمة الحر

ب وبين العداة إلاّ الطعان

٧٤٢

__________________

فاذعها تستجب فليس من الخز

رج والأوس يا عليّ جبان

يا وصيّ النبي قد أجلت الحر

ب الأعادي وسارت الأظعان الخ

وقال زحر بن قيس الجعفي يوم الجمل :

[أضربكم حتى تقرّوا لعلي

خير قريش كلّها بعد النبي (ص)

من زانه الله وسمّاه الوصيّ

إنّ الوليّ حافظ ظهر الولي]

وروى عن نصر بن مزاحم : ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قيس :

[أتانا الرسول رسول الوصيّ

عليّ المهذّب من هاشم

وزير النبي وذو صهره

وخير البريّة والعالم]

ومن قول جرير بن عبد الله البجلي يصف الإمام علي عليه‌السلام :

[وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه الحامي به يضرب المثل]

وقال النعمان بن عجلان الأنصاري :

[كيف التفرّق والوصيّ إمامنا

لا كيف إلاّ حيرة وتخاذلا

وذروا معاوية الغويّ وتابعوا

دين الوصيّ لتحمدوه آجلا]

وقال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب :

[يا عصبة الموت صبرا لا يهولكم

جيش ابن هند فإن الحقّ قد ظهرا

وأيقنوا أن من أضحى يخالفكم

أضحى شقيّا وأمسى نفسه خسرا

فيكم وصي رسول الله قائدكم

وصهره وكتاب الله قد نشرا]

وقال ابن أبي الحديد في نهاية ما نقله من الأشعار والأراجيز : [والأشعار التي تتضمّن هذه اللفظة ـ أي كلمة الوصي ـ كثيرة جدّا ، ولكنا ذكرنا منها هاهنا بعض ما قيل في هذين الحزبين ، فأمّا ما عداهما فإنّه يجلّ عن الحصر ، ويعظم عن الإحصاء والعد ، ولو لا خوف الملالة والإضجار ، لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقا كثيرة]. انتهى كلام ابن أبي الحديد.

«المترجم»

٧٤٣

الشيخ عبد السلام : إذا كانت هذه الأخبار صحيحة ، فلما ذا لا نجد في كتب التاريخ والحديث وصيّة رسول الله (ص) لعليّ كرّم الله وجهه وأنا أكتفي بهذا المقدار ومن رام الإكثار فليراجع شرح النهج حتى كما نقلوا وصيّة أبي بكر وعمر وقت موتهما رضي الله عنهما؟

قلت : روى أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليّعليه‌السلام ، نقلها علماء الشيعة وسجّلوها في كتبهم ، ولكنّي حيث التزمت من أول نقاش أن لا أنقل خبرا وحديثا إلاّ من كتب علمائكم وأعلامكم ، فأشير في هذا الموضوع أيضا وأجيب سؤالك من مصادركم الموثّقة وأسانيدكم المحقّقة.

فأقول : لكي يتّضح لكم الأمر وينكشف لكم الحق ، راجعوا الكتب الآتية :

١ ـ طبقات ابن سعد : ج ٢ / ٦١ و ٦٣.

٢ ـ كنز العمال : ج ٤ / ٥٤ وج ٦ / ١٥٥ و ٣٩٣ و ٤٠٣.

٣ ـ مسند أحمد بن حنبل : ج ٤ / ١٦٤.

٤ ـ مستدرك الحاكم : ج ٣ / ٥٩ و ١١١.

وسنن البيهقي ودلائله ، والاستيعاب والجامع الكبير للطبراني ، وتاريخ ابن مردويه ، وغير هؤلاء رووا عن النبي وصاياه لعلي بعبارات مختلفة وفي مناسبات عديدة ، خلاصتها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «يا علي أنت أخي ووزيري ، تقضي ديني وتنجز وعدي وتبري ذمّتي ، وأنت تغسّلني وتواريني في حفرتي».

إضافة إلى ما نقله علماء الحديث في هذا المجال ، فقد أجمعوا على أن الذي قام بتغسيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتكفينه وباشر دفنه فأنزله في قبره وواراه في لحده ، هو الإمام عليّعليه‌السلام .

٧٤٤

وذكر الحافظ عبد الرزاق في كتابه الجامع : أنّه كان على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسمائة ألف درهم ، فأدّاه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

الشيخ عبد السلام : قال الله سبحانه :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (١) وبناء عليها كان يلزم أن يوصي النبي عند الاحتضار حينما تيقّن بموته كما أوصى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

قلت : أولا : لم يكن مراد الآية الكريمة من( إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) أي : حال الاحتضار واللحظات الأخيرة من الحياة.

فإنّه في تلك الحالة قلّ من يكون في حالة استقرار نفسي وتمهيد روحي بحيث يتمكن من بيان وصاياه ، وإنّما المراد من الآية الكريمة ، أي : إذا ظهرت علامات الموت من الضعف والشيخوخة والمرض وما إلى ذلك فليبيّن وصاياه.

ثانيا : لقد ذكّرني كلامك بأمر فجيع ، إذا ذكرته هاج حزني وتألّم قلبي وذلك أنّ كلّنا نعلم أنّ رسول الله كثيرا ما كان يؤكّد على المسلمين في أن يوصوا ولا يتركوا الوصيّة بحيث إنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهلية».

ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أراد أن يكتب وصيّته في مرضه الذي توفي فيه ، وأراد أن يؤكّد كلّ ما كان طيلة أيام رسالته الشريفة يوصي بها علياعليه‌السلام في تنفيذ أمور تتضمن هداية الامة واستقامتها وعدم انحرافها وضلالتها ، فمنعوه من ذلك وحالوا بينه وبين كتابة وصيّته!!

الشيخ عبد السلام : لا أظنّ أن يكون هذا الخبر صحيحا والعقل لا يقبله بل يأباه ، لأنّ المسلمين كانوا في طاعة رسول الله وذلك لأمر الله

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٨٠.

٧٤٥

سبحانه إذ يقول :( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (١) ، ولقوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٢) .

ولا ريب أنّ مخالفة كتاب الله عزّ وجلّ ومعاندة رسول الله كفر بالله سبحانه. وكان أصحابه على هذا الاعتقاد. فكيف يخالفونه ويعاندونه؟! فهذا الخبر ليس إلاّ كذبا وافتراء على الصحابة الكرام ، وأنا على يقين بأن الملحدين وضعوا هذا الخبر ونشروه حتى يصغّروا شأن النبي وينزلوا مقامه بأنّ محمدا ما كان مطاعا في أمته ، وأنّ نبيّا لا تطيعه أمته لجدير بأن لا يطيعه الآخرون!

خبر : إنّ الرجل ليهجر

قلت : هذا ظنّكم( وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (٣) .

والخبر الذي تقولون : بأنّه كذب وافتراء ، رواه أعلامكم وحتى أصحاب الصّحاح لا سيما البخاري ومسلم ، وهما عندكم على مكانة عظيمة من الاحتياط في نقل الأحاديث ، ولقد كانا يحتاطان أن لا يرويا حديثا يستند إليه الشيعة في طعن الصحابة ، وتضعيف خلافة الثلاثة الذين سبقوا علياعليه‌السلام .

فقد اتفق المحدّثون وأجمعوا على أنّ النبي قال لمن حضر عنده وهو في مرضه الذي توفّي فيه «ايتوني بورق ودوات لأكتب لكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي!!».

__________________

(١) سورة الحشر ، الآية ٧.

(٢) سورة النساء ، الآية ٥٩.

(٣) سورة النجم ، الآية ٢٨.

٧٤٦

فعارضه جماعة فقال أحدهم : إنّ الرجل ليهجر كفانا كتاب الله!! وعارضه آخرون فقالوا : دعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليوصي.

فكثر اللغط ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قوموا عني فإنه لا ينبغي النزاع عند نبي!» الشيخ عبد السلام : أكاد أن لا أصدّق هذا الخبر! من كان يتجرّأ من الصحابة أن يعارض رسول الله (ص) ويقابله بهذا الكلام؟!

وهم يتلون كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار حيث يقول تعالى :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) .

فلا أدري لما ذا خالفوا النبي (ص) وعارضوه أن يوصي ، علما أنّ أيّ مؤمن ومؤمنة لا يحق لهما أن يمنعا أحدا من الوصيّة ، وإنّ الوصية حقّ كلّ مسلم ومسلمة ، فكيف بالنبي (ص) الذي طاعته واجبة على الامة ، ومخالفته عناد كفر وإلحاد؟ فلذلك يصعب عليّ قبول هذا الخبر وتصديقه!

قلت : نعم إنّه خبر ثقيل على مسامع كل المؤمنين ، ومؤلم لقلوب كل المسلمين ، وإنّه يثير تعجب كل إنسان ويستغربه كل صاحب وجدان وإيمان!!

فإنّ العقل يأبى أن يقبله ويصعب على قلب أن يتحمّله. إذ كيف يرام لجماعة ، يدّعون بأنّهم أتباع نبي الله ، ثم يمنعوه من أن يوصي عند وفاته بشيء يكون سبب سعادتهم ، ويضمن لهم هدايتهم ويمنعهم عن الضلال والشقاء بعده أبدا؟! ولكن هذا ما حدث!!

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ١ ـ ٤.

٧٤٧

تأسّف ابن عباس

إنّه مؤسف لكلّ غيور ، فإنّ كل مسلم إذا سمع الخبر يتأسّف ويتألّم كما كان عبد الله بن عباس ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تذكّر ذاك اليوم يتأسف ويبكى.

ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٢ / ٥٤ و ٥٥ / ط دار احياء التراث العربي قال [وفي الصحيحين ، خرّجاه معا عن ابن عباس ، أنّه كان يقول : يوم الخميس وما يوم الخميس! ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى. فقلنا : يا ابن عباس ، ما يوم الخميس؟

قال : اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه ، فقال «ائتوني بكتاب أكتبه لكم ، لا تضلّوا بعدي أبدا». فتنازعوا ، فقال (ص) «إنّه لا ينبغي عندي تنازع». فقال قائل : ما شأنه؟ أهجر؟!(١) ].

__________________

(١) أظنّ أن أتباع عمر بن الخطاب ومحبّيه أرادوا أن يصلحوا عبارته فزادوا قبل كلمة «هجر» الهمزة الاستفهامية!

ولكن وهل يصلح العطّار ما أفسد الدهر؟!

فإنّ أكثر الروايات صريحة في أنّ عمر نسب الهجر إلى النبيّ (ص)!

ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فقالوا [هجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] صحيح البخاري : ج ٢ / ١٧٨ بحاشية السندي وج ٦ / ٩ / باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ورواه مسلم بنفس اللفظ في صحيحه : ج ١١ / ٨٩ ـ ٩٣ بشرح النووي ، وفي ج ٣ / ١٢٥٩ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس

فقالوا [إنّ رسول الله (ص) يهجر!!]

٧٤٨

الشيخ عبد السلام : هذه الرواية مبهمة ، لا تصرّح بأنّ النزاع لأيّ شيء حدث؟ ثم من هو القائل؟ : ما شأنه؟ أهجر؟

قلت : لإن كانت هذه الرواية مبهمة فإنّ هناك روايات صريحة على أنّ القائل هو عمر بن الخطاب ، وأنّه هو الذي منع بكلامه من أن يأتوا للنبي (ص) بالقرطاس والدواة ليوصي!

الشيخ عبد السلام : هذا بهتان عظيم! نعوذ بالله تعالى من هذا الكلام ، وأنا على يقين أنّ هذا البهتان على الخليفة عمر ما هو إلاّ من أقاويل الشيعة وأباطيلهم ، فأوصيك ان لا تعدها!

قلت : وأنا أوصيك يا شيخ : أن لا تفوه بكلمة من غير تفكّر ، فإنّ لسان المؤمن خلف قلبه وقلب المنافق خلف لسانه ، يعني ينبغي للمؤمن أن يفكّر قبل أن يتكلّم ، فإن المنافق يتكلم قبل أن يفكر في مقاله ومعنى كلامه ، ثم ينكشف له بطلانه وزيفه ، وكم رميتم الشيعة المؤمنين ، في هذه المناقشات ، ونسبتم كلامنا للأباطيل والأقاويل ، ثم انكشف للحاضرين أنّها ما كانت كذلك وانما كان كلامنا من مصادر ومنابع أهل

__________________

وأخرجه ابن سعد في الطبقات ج ٢ / ٣٧ عن سعيد عن ابن عباس. [فقالوا : إنما يهجر رسول الله (ص)!] وفي صفحة ٣٦ روى عن ابن عباس. [فقال بعض من كان عنده : إنّ نبي الله ليهجر!]

وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده ج ١ / ٢٢٢ عن سعيد عن ابن عباس

[فقالوا : ما شأنه يهجر!! قال سفيان : يعني هذى!!]

وأخرج أيضا في المسند ج ٣ / ٣٤٦ [أنّ النبي (ص) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده قال : فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها!!]

وأخرجه ابن سعد أيضا في الطبقات ج ٢ / ٣٦. «المترجم»

٧٤٩

السنّة وعلمائهم وأعلامهم!!

وسأثبت لكم أننا لسنا أهل افتراء وبهتان ولا أهل الأقاويل والبطلان ، وإنما ذاك غيرنا!!

ولكي يظهر لك الحق ويتضح الامر ، بأنّ القائل : أهجر؟ أو يهجر!

وأنّ المانعين من أن يكتب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصيّته ، هو عمر.

فراجع المصادر التي ساذكرها من علمائكم :

١ ـ صحيح البخاري : ج ٢ / ١١٨.

٢ ـ صحيح مسلم في آخر كتاب الوصيّة.

٣ ـ الحميدي في الجمع بين الصحيحين.

٤ ـ احمد بن حنبل في المسند : ج ١ / ٢٢٢.

٥ ـ والكرماني في شرح صحيح البخاري.

٦ ـ والنووي في شرح صحيح مسلم ، وغيرهم كابن حجر في صواعقه ، والقاضي أبو علي ، والقاضي روزبهان ، والقاضي عياض ، والغزالي ، وقطب الدين الشافعي ، والشهرستاني في الملل والنحل وابن الأثير ، والحافظ أبو نعيم ، وسبط ابن الجوزي. وجلّ علمائكم أو كلّ من كتب من أعلامكم عن وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم والخبر الأليم.

نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٢ / ٥٥ / ط دار إحياء التراث العربي بيروت قال : وفي الصحيحين أيضا خرّجاه معا عن ابن عباسرحمه‌الله تعالى ، قال [لما احتضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب ؛ قال النبي (ص) «هلمّ أكتب لكم كتابا

٧٥٠

لا تضلّون بعده». فقال عمر : إنّ رسول الله صلى الله عليه قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله!

فاختلف القوم واختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا إليه يكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول : القول ما قاله عمر ؛ فلما أكثروا اللغو والاختلاف عندهعليه‌السلام ، قال لهم «قوموا». فقاموا.

فكان ابن عباس يقول : إنّ الرّزيّة كلّ الرّزيّة : ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أن يكتب لكم ذلك الكتاب.]

ونقل سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / ٦٤ و ٦٥ / ط مؤسسة أهل البيت بيروت ، قال : وذكر أبو حامد الغزالي في كتاب «سر العالمين» [ولما مات رسول الله (ص) قال قبل وفاته بيسير «ايتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتابا لا تختلفوا فيه بعدي». فقال عمر :

دعوا الرجل فإنه يهجر!!]

إنّ هذه المخالفة والمعارضة من عمر لرسول الله (ص) ما كانت أوّل مرّة بل كانت مسبوقة بمثلها كما في صلح الحديبيّة وغيرها ولكن هذه المرة سبّبت اختلاف المسلمين وتنازعهم في محضر رسول الله (ص) ، وكان أوّل نزاع وتخاصم وقع بين المسلمين في حياة النبي (ص) ودام ذلك حتى اليوم ، فعمر بن الخطاب هو مسبّب هذه الاختلافات والضلالات التي أدّت بالمسلمين إلى القتال والحروب ، وسفك الدماء وإزهاق النفوس ، لأنه منع النبي (ص) من كتابة ذلك الكتاب الذي كان يتضمن اتحاد المسلمين وعدم ضلالتهم إلى يوم الدين!!

الشيخ عبد السلام : لا ننتظر من جنابكم هذا التجاسر على مقام

٧٥١

الخليفة الفاروق! وأنت صاحب الخلق البديع والأدب الرفيع فكيف لا تراعي الأخلاق والآداب؟!

قلت : بالله عليكم! اتركوا التعصّب! وتجرّدوا عن حب ذا وبغض ذاك! وأنصفوا! هل تجاسر الخليفة على سيد المرسلين وخاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومخالفته ومعارضته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونسبته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الهجر والهذيان أعظم أم تجاسري على الخليفة كما تزعمون؟! ولعمري ما كان تجاسري إلاّ كشف الواقع وبيان الحقيقة!

وليت شعري أنا لا أراعي الأخلاق والآداب أم عمر بن الخطاب؟ إذ سبّب النزاع والصياح ، وتخاصم الأصحاب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى رفعوا أصواتهم وازعجوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحيث أخرجهم وأبعدهم وغضب عليهم لأنّهم خالفوا الله سبحانه إذ يقول :

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) (١) .

الشيخ عبد السلام : لم يقصد الخليفة من كلمة الهجر معنى سيّئا وإنّما قصد أنّ النبي (ص) بشر مثلنا ، وكما نحن في مثل تلك الحالة نفقد مشاعرنا ، فرسول الله (ص) أيضا ربما في تلك الحالة كان كذلك! لأنّ الله تعالى يقول :( قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) (٢) فهو (ص) إذا مثلنا في جميع النواحي : في الغرائز والعواطف ، ويعرض عليه من العوارض الجسمية كضعف القوى والأعضاء كما يعرض على غيره من البشر ، وحالة الهجر والهذيان في حال المرض أيضا من عوارض

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ٢.

(٢) سورة الكهف ، الآية ١١٠.

٧٥٢

الجسد البشري ، فربما يعرض عليه كما يعرض على كل أفراد البشر!!

قلت : أوّلا : إنّي أتعجّب من انقلابك وأستغرب تبدّل حالك! إذ كنت قبل هذا تقول : لا ريب إنّ مخالفة كتاب الله كفر ومعاندة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلحاد ، والآن طفقت توجّه كلام معانديه وعمل مخالفيه! فما عدا ممّا بدا؟!

ثانيا : أتعجّب أيضا أنّك لا تتأثّر من كلام عمر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو سيد الأولين والآخرين. وتتغيّر هذا التغيّر الفظيع من كلامي على عمر ، وهو إنسان عادي غاية ما هنالك أنّه أحد صحابة رسول الله وكم له في الصحابة من نظير!!

والجدير بالذكر أنّه بعد تلك الصحبة الطويلة ما عرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حق معرفته وكان جاهلا بمقامه المنيع وشأنه الرفيع فنسب إليه [الهجر] وهذا رأي بعض أعلامكم مثل القاضي عياض الشافعي في كتاب الشفاء والكرماني في شرح صحيح البخاري والنووي في شرح صحيح مسلم فإنّهم يعتقدون أنّ من ينسب الهجر والهذيان الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد جهل معنى النبوّة والرسالة ، ولا يعرف قدر النبي وشأنه ، لأنّ الأنبياء العظام كلهم في زمان تبليغ رسالتهم وإرشادهم للناس يكونون معصومين عن الخطأ والزّلل ، لأنّهم يأخذون عن الله تعالى ومتّصلون بعالم الغيب والملكوت ، سواء أكانوا في حال الصحة أم المرض.

فيجب على كل فرد من الناس أن يطيعهم ويمتثل أوامرهم. فمن خالف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طلبه البياض والدواة ليكتب وصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخاصّة بمثل ذلك الكلام الشنيع : «إنّ رسول الله يهجر»! «إنّما هو يهجر»! «قد غلب عليه الوجع»! وما إلى ذلك من كلام فجيع وبيان فظيع ، إنما

٧٥٣

يدلّ على جهل قائله وعدم معرفته لمقام النبي وشخصيته العظيمة!

ثالثا : أطلب من جناب الشيخ أن يراجع كتب اللغة في تفسير كلمة : «يهجر» حتى يعرف مدى تجاسر قائلها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! فقد قال اللغويون : الهجر بالضم ـ الفحش ، وبالفتح ـ الخلط والهذيان ، وهو بعيد عن مقام النبوّة وقد عصم الله سبحانه رسوله عن ذلك بقوله عزّ وجلّ :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) لذلك أمر المسلمين بالاطاعة المحضة له من غير ترديد وإشكال ، فقال سبحانه :( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) .

وقال تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٣) .

فمن استشكل في كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تردّد في طاعته وامتثال أمره ، فقد خالف الله تعالى وأصبح من الخاسرين.

الشيخ عبد السلام : ولو فرضنا بأنّ عمرا قد أخطأ ، فهو خليفة رسول الله (ص) وكان يقصد بذلك حفظ الدين والشريعة ولكنّه اجتهد فأخطأ فيعفى عنه والله خير الغافرين.

قلت : أوّلا : حينما تكلم عمر بذلك الكلام الخاطئ لم يكن خليفة رسول الله ، بل شأنه شأن أحد الناس العاديين.

ثانيا : قد قلت : إنّه اجتهد فأخطأ! فلعمري هل الرأي أو الكلام

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ١ ـ ٤.

(٢) سورة الحشر ، الآية ٧.

(٣) سورة النساء ، الآية ٥٩.

٧٥٤

المخالف لنصّ القرآن ، اجتهاد؟ أم ذنب لا يغفر!

ثالثا : وقلت : إنّه كان يقصد حفظ الدين والشريعة.

فمن أين تقول هذا؟ والله من وراء القصد.

ثم هل إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أعرف بحفظ الشريعة أم عمر بن الخطاب؟ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان موكّلا من الله في ذلك وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حريصا على الدين وحفظ الشريعة أكثر من غيره ، ولأجل ذلك أراد أن يوصي ويكتب كتابا لا يضلّ المسلمون بعده أبدا.

ولكن عمر منع من ذلك وصار سببا لضلالة من ضلّ إلى يوم القيامة ، فاي عفو غفران يشمل هذا المجتهد الخاطئ!!

الشيخ عبد السلام : ربما الخليفة الفاروقرضي‌الله‌عنه كان يعرف الأوضاع الاجتماعية والظروف الراهنة ، وثبت عنده بأنّ الوصيّة وكتاب النبي صلى الله عليه وسلّم يحدث فتنة عظيمة من بعده (ص) ، فكان بمنعه ورفضه الكتاب والوصية ، ناصحا للنبي وناويا الخير للإسلام والمسلمين.

قلت : إنّ أستاذي المرحوم الشيخ محمد علي الفاضل القزويني وكان يحوي علم المعقول والمنقول ، كان ينصحني ويقول : توجيه الخطأ يولّد أخطاء أخرى ، فلو اعترف العاقل بخطئه لكان اسلم له وأجمل ، وقالوا قديما : الاعتراف بالخطإ فضيلة. وأنا أراك هويت في مهوى توجيه خطأ من تهوى فنسيت كلام الله تعالى حيث يقول :

( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) (١) .

الشيخ عبد السلام : تظهر نيّة الفاروق الحسنة من آخر كلامه حيث

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٣٦.

٧٥٥

قال : حسبنا كتاب الله!!

قلت : هذه الجملة تدلّ على عدم معرفة الخليفة لمقام النبوّة وعدم معرفته بحقيقة كتاب الله أيضا ، لأنّ القرآن كلام ذو وجوه وله بطون ، ولا بدّ من مفسّر(١) وموضّح يعرف الناسخ والمنسوخ والعام والخاص

__________________

(١) نقل الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب الخامس والستون / عن كتاب فصل الخطاب للعلاّمة محمد خواجه البخاري عن ابن عباس قال [وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلاّ له ظهر وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب علم الظاهر والباطن.]

ورواه العلامة الكنجي القرشي الشافعي في كتابه كفاية الطالب في الباب الرابع والسبعون عن ابن مسعود ، وقال رواه أبو نعيم في حلية الأولياء.

وروى الخواجه البخاري بعده عن ابن عباس أيضا قال [أتي عمر بن الخطاب بامرأة مجنونة حبلى قد زنت ، فأراد عمر بن الخطاب أن يرجمها ، فقال له عليّ : أما سمعت ما قال رسول الله (ص) : رفع القلم عن ثلاث ، عن المجنون حتى يبرأ ، وعن الغلام حتى يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ. فخلّى عنها ، ثم قال العلامة محمد خواجه البخاري : وفي عدة من المسائل رجع ـ أي عمر ـ إلى قول علي رضي الله عنه.

فقال عمر : عجزت النساء أن يلدن مثل علي ، ولو لا علي لهلك عمر ، ويقول أيضا : أعوذ بالله من معضلة ليس فيها علي] انتهى كلام البخاري.

وروى العلامة مير علي الهمداني الشافعي في كتابه مودّة القربى / المودّة السابعة عن أبي ذر عن رسول الله (ص) أنه قال «علي باب علمي ومبيّن لأمتي ما أرسلت به من بعدي ، حبه إيمان وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفة عبادة». قال : رواه أبو نعيم الحافظ بإسناده.

ونقل الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة تحت عنوان «هذه المناقب السبعون في فضائل أهل البيت» الحديث التاسع والعشرون عن أبي الدرداء

٧٥٦

والمطلق والمقيد والمجمل والمبيّن والمتشابه والمحكم منه ، وهذا لا يكون إلاّ من أفاض الله عليه من الحكمة وفتح في قلبه ينابيع علومه ، فلذا قال سبحانه :( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) .

فإذا كان القرآن وحده يكفي لما قال سبحانه :( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) . ولما قال تعالى :( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٣) .

ولقد عرّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمّته الراسخين في العلم وأولي الأمر الذين يرجع إليهم في تفسير القرآن وتوضيحه ، في حديثه الذي كرّره على مسامع أصحابه وقد وصل حدّ التواتر في النقل ، إذ قال حتى عند وفاته «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، إن تمسّكتم بهما نجوتم ـ لن تضلّوا أبدا(٤) ».

فرسول الله (ص) لا يقول لأمته : كفاكم كتاب الله وحسبكم. بل يضم إلى القرآن أهل بيته وعترته.

أيها الحاضرون! فكروا وأنصفوا أيّ القولين أحقّ أن يؤخذ به

__________________

رضي‌الله‌عنه قال [قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «علي باب علمي ومبين لأمتي ما ارسلت به من بعدي ، حبه إيمان ، وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفة ، ومودّته عبادة». رواه صاحب الفردوس.]

أقول : لا يخفى أنّ جملة «ما أرسلت به» تشمل القرآن والسنّة الشريفة وجميع أحكام الإسلام. «المترجم»

(١) سورة آل عمران ، الآية ٧.

(٢) سورة الحشر ، الآية ٧.

(٣) سورة النساء ، الآية ٨٣.

(٤) «نقلت لكم مصادره في البحوث الماضية».

٧٥٧

قول عمر : حسبنا كتاب الله. أم قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كتاب الله وعترتي؟

لا أظنّ أحدا يرجّح قول عمر على قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا كان كذلك ، فلما ذا أنتم تركتم قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذتم بقول عمر؟! فإذا كان كتاب الله وحده يكفينا ، فلما ذا يأمرنا الله تعالى ويقول :( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) والذّكر سواء أكان القرآن أم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأهل الذّكر هم عترة رسول الله وأهل بيته الطيبين.

وقد مرّ الكلام حول الموضوع في الليالي السالفة ، ونقلت لكم عن السيوطي وغيره من أعلامكم أنّهم رووا بأنّ أهل الذكر هم عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين جعلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدل القرآن ونظيره.

وأنقل لكم ـ الآن ـ مضمون كلام أحد أعلامكم وهو قطب الدين الشيرازي ، قال في كتابه كشف الغيوب [لا بدّ للناس من دليل ومرشد يرشدهم إلى الحق ويهديهم الى الصراط المستقيم ، ولذا أتعجّب من كلام الخليفة عمر (رض) : حسبنا كتاب الله! وبهذا الكلام رفض الهادي والمرشد فمثله كمن يقبل علم الطب وضرورته ولزومه للناس إلاّ أنّه يرفض الطبيب ويقول حسبنا علم الطّب وكتبه ولا نحتاج إلى طبيب!

من الواضح إن هذا الكلام مردود عند العقلاء ، لأنّ الطبيب وجوده لازم لتطبيق علم الطب كما يلزم علم الطب للناس. والعلم من غير عالم وعارف بمصطلحاته ورموزه ، يبقى معطّلا لا يمكن أن يستفاد منه ، فكما لا يمكن لآحاد البشر أن يعرفوا علم الطب ورموزه ، ولا بدّ من أطبّاء في كل مجتمع يعالجون المرضى بمعرفتهم لعلم الطب ورموز العلاج ، كذلك القرآن الكريم وعلومه لا يعقل بأنّ الناس كلهم

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٤٣.

٧٥٨

يعرفون علومه ورموزه ومصطلحاته ، فلا بدّ أن يرجعوا إلى العالم لعلومه ورموزه والمتخصّص بتفسيره وتأويله وقد قال سبحانه :( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) .

وقال عزّ وجلّ :( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٢) . فالكتاب المبين وحقيقته إنما يكون في قلوب أهل العلم ، كما قال سبحانه :( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (٣) .

ولهذا كان علي كرم الله وجهه يقول : أنا كتاب الله الناطق والقرآن كتاب الله الصامت]. انتهى مضمون وخلاصة مقال قطب الدين.

أقول : كلّ عاقل منصف ، وكلّ صاحب وجدان وإيمان ، يعرف أنّ عمر بن الخطاب ارتكب ظلما كبيرا بمنعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب لأمته كتابا لن يضلّوا بعده أبدا!!

وأما قولك أيها الشيخ : إنّ أبا بكر وعمرا أوصيا ولم يمنعهما أحد من الصحابة. فهو قول صحيح وهذا الأمر يثير تعجّبي واستغرابي.

كما يهيج حزني ويبعث الألم في قلبي ، فقد اتفق المؤرخون والمحدثون على إنّ أبا بكر أملا وصيته على عثمان ، وهو كتبها في محضر بعض أصحابه وعرف عمر بن الخطاب ذلك ولم يمنعه ، وما قال له : لا حاجة لنا بوصيتك وعهدك ، حسبنا كتاب الله!

ولكنّه منع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الوصية وكتابة عهده لأمته ، قائلا : [أنّه يهجر كفانا أو حسبنا كتاب الله!] وقد كان ابن عباس وهو حبر الأمّة كلّما يتذكّر ذلك اليوم يبكي ويقول : الرزيّة كل الرزية ما حال بين

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٧.

(٢) سورة النساء ، الآية ٨٣.

(٣) سورة العنكبوت ، الآية ٤٩.

٧٥٩

رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم / صحيح البخاري بحاشية السندي : ج ٤ / كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني وج ٤ / ٢٧١ / باب كراهية الخلاف.

نعم كان ابن عباس يتأسّف ويبكي ، ويحقّ لكل مسلم منصف أن يتأسّف ويبكي ، وأن يتألّم ويتأثر ويتغيّر ، ونحن على يقين أنّهم لو تركوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكتب وصيته ، لبيّن أمر الخلافة من بعده وعيّن خليفته مؤكّدا عليهم بأن يطيعوه ولا يخالفوه ، ولذكّرهم كلّ ما قاله في هذا الشأن وفي شأن وصيه وخليفته ووارثه من قبل. والذين منعوا من ذلك ، كانوا يطمعون في خلافته كما كانوا يعلمون أنه يريد أن يسجّل خلافة ابن عمه علي بن أبي طالب ، ويكتبه ويأخذ منهم العهد والبيعة له في آخر حياته ، كما أخذ عليهم ذلك في يوم الغدير ، لذلك خالفوه بكل وقاحة ومنعوه من ذلك بكل صلافة!

الشيخ عبد السلام : كيف تدّعي هذا ومن أين تبيّن لك أنّه صلى الله عليه وسلّم أراد أن يوصي في أمر الخلافة ويعيّن علي بن أبي طالب لهذا الأمر من بعده؟!

قلت : من الواضح أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيّن جميع أحكام الدين للمسلمين ، وما ترك صغيرة ولا كبيرة من الفرائض والسنن إلاّ بيّنها ، حتى قال تعالى في كتابه :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١) ، فكان من هذه الجهة مرتاح البال ، ولكن الذي كان يشغل باله هو موضوع خلافته وولي الأمر بعده ، لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف عداوة كثير من الناس لعلي بن أبي

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٣.

٧٦٠

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205