ليالي بيشاور

ليالي بيشاور3%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235961 / تحميل: 3905
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

مفهوم الوصاية وأهمّيتها

نعرف مفهوم الوصاية من الروايات والأحاديث التي ذكرناها فالمعنى هو الذي تداعى للنوّاب إذ قال : الخليفة هو الذي يقوم بتنفيذ وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا حاجة إلى آخر.

وصحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا كانوا يفهمون أنّ الوصي هو الذي يقوم مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لذلك قام بعض المتعصبين المعاندين من أهل السنّة بإنكار وصاية الإمام عليعليه‌السلام لأنّهم عرفوا بأنّ الإقرار بذلك يلازم الإقرار بخلافتهعليه‌السلام .

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١ / ١٣٩ و ١٤٠ / ط دار إحياء التراث العربي [أما الوصيّة فلا ريب عندنا أنّ علياعليه‌السلام كان وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا الى العناد.]

ثم نقل في صفحة ١٤٣ وما بعدها أبياتا وأراجيز في إثبات وصاية عليّعليه‌السلام ، منها : قول عبد الله بن عباس حبر الأمة :

[وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه إن قيل هل من منازل]

وقول خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين يخاطب عائشة ، منها :

[وصيّ رسول الله من دون أهله

وأنت على ما كان من ذاك شاهده]

وقول أبي الهيثم بن التيهان ، الصحابي الجليل :

[إنّ الوصي إمامنا ووليّنا

برح الخفاء وباحت الأسرار]

وأنا أكتفي بهذا المقدار ومن رام الإكثار فليراجع شرح النهج حتى

٧٤١

يجد الأراجيز والأشعار في هذا الإطار(١) .

__________________

(١) أيها القارئ الرشيد! أنظر إلى بعض ما نقله ابن أبي الحديد من الشعر والقول السديد في وصاية الإمام عليعليه‌السلام .

قال : ومما رويناه من الشعر المقول في صدر الإسلام المتضمّن كونه عليه‌السلام وصيّ رسول الله ، قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب : [

ومنّا عليّ ذاك صاحب خيبر

وصاحب بدر يوم سالت كتائبه

وصيّ النبي المصطفى وبن عمّه

فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه!]

وقال عبد الرحمن بن جعيل :

[لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة

على الدين ، معروف العفاف موفّقا

عليا وصيّ المصطفى وبن عمّه

وأوّل من صلّى ، أخا الدين والتقى]

وقال رجل من الأزد يوم الجمل :

[هذا علي وهو الوصيّ

آخاه يوم النّجوة النبيّ

وقال هذا بعدي الولي

وعاه واع ونسى الشقيّ]

وخرج يوم الجمل غلام من بني ضبّة من عسكر عائشة وهو يقول :

[نحن بني ضبّة اعداء عليّ

ذاك الذي يعرف قدما بالوصي

وفارس الخيل على عهد النبي

ما أنا عن فضل عليّ بالعمي الخ]

وقال حجر بن عديّ الكندي في يوم الجمل أيضا :

[يا ربّنا سلّم لنا عليّا

سلّم لنا المبارك المضيّا

المؤمن الموحّد التقيّا

لاخطل الرأى ولا غويّا

بل هاديا موفّقا مهديّا

واحفظه ربّي واحفظ النبيّا

فيه فقد كان له وليّا

ثم ارتضاه بعده وصيّا]

وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين في يوم الجمل :

[ليس بين الأنصار في جحمة الحر

ب وبين العداة إلاّ الطعان

٧٤٢

__________________

فاذعها تستجب فليس من الخز

رج والأوس يا عليّ جبان

يا وصيّ النبي قد أجلت الحر

ب الأعادي وسارت الأظعان الخ

وقال زحر بن قيس الجعفي يوم الجمل :

[أضربكم حتى تقرّوا لعلي

خير قريش كلّها بعد النبي (ص)

من زانه الله وسمّاه الوصيّ

إنّ الوليّ حافظ ظهر الولي]

وروى عن نصر بن مزاحم : ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قيس :

[أتانا الرسول رسول الوصيّ

عليّ المهذّب من هاشم

وزير النبي وذو صهره

وخير البريّة والعالم]

ومن قول جرير بن عبد الله البجلي يصف الإمام علي عليه‌السلام :

[وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه الحامي به يضرب المثل]

وقال النعمان بن عجلان الأنصاري :

[كيف التفرّق والوصيّ إمامنا

لا كيف إلاّ حيرة وتخاذلا

وذروا معاوية الغويّ وتابعوا

دين الوصيّ لتحمدوه آجلا]

وقال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب :

[يا عصبة الموت صبرا لا يهولكم

جيش ابن هند فإن الحقّ قد ظهرا

وأيقنوا أن من أضحى يخالفكم

أضحى شقيّا وأمسى نفسه خسرا

فيكم وصي رسول الله قائدكم

وصهره وكتاب الله قد نشرا]

وقال ابن أبي الحديد في نهاية ما نقله من الأشعار والأراجيز : [والأشعار التي تتضمّن هذه اللفظة ـ أي كلمة الوصي ـ كثيرة جدّا ، ولكنا ذكرنا منها هاهنا بعض ما قيل في هذين الحزبين ، فأمّا ما عداهما فإنّه يجلّ عن الحصر ، ويعظم عن الإحصاء والعد ، ولو لا خوف الملالة والإضجار ، لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقا كثيرة]. انتهى كلام ابن أبي الحديد.

«المترجم»

٧٤٣

الشيخ عبد السلام : إذا كانت هذه الأخبار صحيحة ، فلما ذا لا نجد في كتب التاريخ والحديث وصيّة رسول الله (ص) لعليّ كرّم الله وجهه وأنا أكتفي بهذا المقدار ومن رام الإكثار فليراجع شرح النهج حتى كما نقلوا وصيّة أبي بكر وعمر وقت موتهما رضي الله عنهما؟

قلت : روى أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليّعليه‌السلام ، نقلها علماء الشيعة وسجّلوها في كتبهم ، ولكنّي حيث التزمت من أول نقاش أن لا أنقل خبرا وحديثا إلاّ من كتب علمائكم وأعلامكم ، فأشير في هذا الموضوع أيضا وأجيب سؤالك من مصادركم الموثّقة وأسانيدكم المحقّقة.

فأقول : لكي يتّضح لكم الأمر وينكشف لكم الحق ، راجعوا الكتب الآتية :

١ ـ طبقات ابن سعد : ج ٢ / ٦١ و ٦٣.

٢ ـ كنز العمال : ج ٤ / ٥٤ وج ٦ / ١٥٥ و ٣٩٣ و ٤٠٣.

٣ ـ مسند أحمد بن حنبل : ج ٤ / ١٦٤.

٤ ـ مستدرك الحاكم : ج ٣ / ٥٩ و ١١١.

وسنن البيهقي ودلائله ، والاستيعاب والجامع الكبير للطبراني ، وتاريخ ابن مردويه ، وغير هؤلاء رووا عن النبي وصاياه لعلي بعبارات مختلفة وفي مناسبات عديدة ، خلاصتها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «يا علي أنت أخي ووزيري ، تقضي ديني وتنجز وعدي وتبري ذمّتي ، وأنت تغسّلني وتواريني في حفرتي».

إضافة إلى ما نقله علماء الحديث في هذا المجال ، فقد أجمعوا على أن الذي قام بتغسيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتكفينه وباشر دفنه فأنزله في قبره وواراه في لحده ، هو الإمام عليّعليه‌السلام .

٧٤٤

وذكر الحافظ عبد الرزاق في كتابه الجامع : أنّه كان على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسمائة ألف درهم ، فأدّاه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

الشيخ عبد السلام : قال الله سبحانه :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (١) وبناء عليها كان يلزم أن يوصي النبي عند الاحتضار حينما تيقّن بموته كما أوصى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

قلت : أولا : لم يكن مراد الآية الكريمة من( إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) أي : حال الاحتضار واللحظات الأخيرة من الحياة.

فإنّه في تلك الحالة قلّ من يكون في حالة استقرار نفسي وتمهيد روحي بحيث يتمكن من بيان وصاياه ، وإنّما المراد من الآية الكريمة ، أي : إذا ظهرت علامات الموت من الضعف والشيخوخة والمرض وما إلى ذلك فليبيّن وصاياه.

ثانيا : لقد ذكّرني كلامك بأمر فجيع ، إذا ذكرته هاج حزني وتألّم قلبي وذلك أنّ كلّنا نعلم أنّ رسول الله كثيرا ما كان يؤكّد على المسلمين في أن يوصوا ولا يتركوا الوصيّة بحيث إنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهلية».

ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أراد أن يكتب وصيّته في مرضه الذي توفي فيه ، وأراد أن يؤكّد كلّ ما كان طيلة أيام رسالته الشريفة يوصي بها علياعليه‌السلام في تنفيذ أمور تتضمن هداية الامة واستقامتها وعدم انحرافها وضلالتها ، فمنعوه من ذلك وحالوا بينه وبين كتابة وصيّته!!

الشيخ عبد السلام : لا أظنّ أن يكون هذا الخبر صحيحا والعقل لا يقبله بل يأباه ، لأنّ المسلمين كانوا في طاعة رسول الله وذلك لأمر الله

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٨٠.

٧٤٥

سبحانه إذ يقول :( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (١) ، ولقوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٢) .

ولا ريب أنّ مخالفة كتاب الله عزّ وجلّ ومعاندة رسول الله كفر بالله سبحانه. وكان أصحابه على هذا الاعتقاد. فكيف يخالفونه ويعاندونه؟! فهذا الخبر ليس إلاّ كذبا وافتراء على الصحابة الكرام ، وأنا على يقين بأن الملحدين وضعوا هذا الخبر ونشروه حتى يصغّروا شأن النبي وينزلوا مقامه بأنّ محمدا ما كان مطاعا في أمته ، وأنّ نبيّا لا تطيعه أمته لجدير بأن لا يطيعه الآخرون!

خبر : إنّ الرجل ليهجر

قلت : هذا ظنّكم( وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (٣) .

والخبر الذي تقولون : بأنّه كذب وافتراء ، رواه أعلامكم وحتى أصحاب الصّحاح لا سيما البخاري ومسلم ، وهما عندكم على مكانة عظيمة من الاحتياط في نقل الأحاديث ، ولقد كانا يحتاطان أن لا يرويا حديثا يستند إليه الشيعة في طعن الصحابة ، وتضعيف خلافة الثلاثة الذين سبقوا علياعليه‌السلام .

فقد اتفق المحدّثون وأجمعوا على أنّ النبي قال لمن حضر عنده وهو في مرضه الذي توفّي فيه «ايتوني بورق ودوات لأكتب لكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي!!».

__________________

(١) سورة الحشر ، الآية ٧.

(٢) سورة النساء ، الآية ٥٩.

(٣) سورة النجم ، الآية ٢٨.

٧٤٦

فعارضه جماعة فقال أحدهم : إنّ الرجل ليهجر كفانا كتاب الله!! وعارضه آخرون فقالوا : دعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليوصي.

فكثر اللغط ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قوموا عني فإنه لا ينبغي النزاع عند نبي!» الشيخ عبد السلام : أكاد أن لا أصدّق هذا الخبر! من كان يتجرّأ من الصحابة أن يعارض رسول الله (ص) ويقابله بهذا الكلام؟!

وهم يتلون كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار حيث يقول تعالى :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) .

فلا أدري لما ذا خالفوا النبي (ص) وعارضوه أن يوصي ، علما أنّ أيّ مؤمن ومؤمنة لا يحق لهما أن يمنعا أحدا من الوصيّة ، وإنّ الوصية حقّ كلّ مسلم ومسلمة ، فكيف بالنبي (ص) الذي طاعته واجبة على الامة ، ومخالفته عناد كفر وإلحاد؟ فلذلك يصعب عليّ قبول هذا الخبر وتصديقه!

قلت : نعم إنّه خبر ثقيل على مسامع كل المؤمنين ، ومؤلم لقلوب كل المسلمين ، وإنّه يثير تعجب كل إنسان ويستغربه كل صاحب وجدان وإيمان!!

فإنّ العقل يأبى أن يقبله ويصعب على قلب أن يتحمّله. إذ كيف يرام لجماعة ، يدّعون بأنّهم أتباع نبي الله ، ثم يمنعوه من أن يوصي عند وفاته بشيء يكون سبب سعادتهم ، ويضمن لهم هدايتهم ويمنعهم عن الضلال والشقاء بعده أبدا؟! ولكن هذا ما حدث!!

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ١ ـ ٤.

٧٤٧

تأسّف ابن عباس

إنّه مؤسف لكلّ غيور ، فإنّ كل مسلم إذا سمع الخبر يتأسّف ويتألّم كما كان عبد الله بن عباس ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تذكّر ذاك اليوم يتأسف ويبكى.

ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٢ / ٥٤ و ٥٥ / ط دار احياء التراث العربي قال [وفي الصحيحين ، خرّجاه معا عن ابن عباس ، أنّه كان يقول : يوم الخميس وما يوم الخميس! ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى. فقلنا : يا ابن عباس ، ما يوم الخميس؟

قال : اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه ، فقال «ائتوني بكتاب أكتبه لكم ، لا تضلّوا بعدي أبدا». فتنازعوا ، فقال (ص) «إنّه لا ينبغي عندي تنازع». فقال قائل : ما شأنه؟ أهجر؟!(١) ].

__________________

(١) أظنّ أن أتباع عمر بن الخطاب ومحبّيه أرادوا أن يصلحوا عبارته فزادوا قبل كلمة «هجر» الهمزة الاستفهامية!

ولكن وهل يصلح العطّار ما أفسد الدهر؟!

فإنّ أكثر الروايات صريحة في أنّ عمر نسب الهجر إلى النبيّ (ص)!

ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فقالوا [هجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] صحيح البخاري : ج ٢ / ١٧٨ بحاشية السندي وج ٦ / ٩ / باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ورواه مسلم بنفس اللفظ في صحيحه : ج ١١ / ٨٩ ـ ٩٣ بشرح النووي ، وفي ج ٣ / ١٢٥٩ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس

فقالوا [إنّ رسول الله (ص) يهجر!!]

٧٤٨

الشيخ عبد السلام : هذه الرواية مبهمة ، لا تصرّح بأنّ النزاع لأيّ شيء حدث؟ ثم من هو القائل؟ : ما شأنه؟ أهجر؟

قلت : لإن كانت هذه الرواية مبهمة فإنّ هناك روايات صريحة على أنّ القائل هو عمر بن الخطاب ، وأنّه هو الذي منع بكلامه من أن يأتوا للنبي (ص) بالقرطاس والدواة ليوصي!

الشيخ عبد السلام : هذا بهتان عظيم! نعوذ بالله تعالى من هذا الكلام ، وأنا على يقين أنّ هذا البهتان على الخليفة عمر ما هو إلاّ من أقاويل الشيعة وأباطيلهم ، فأوصيك ان لا تعدها!

قلت : وأنا أوصيك يا شيخ : أن لا تفوه بكلمة من غير تفكّر ، فإنّ لسان المؤمن خلف قلبه وقلب المنافق خلف لسانه ، يعني ينبغي للمؤمن أن يفكّر قبل أن يتكلّم ، فإن المنافق يتكلم قبل أن يفكر في مقاله ومعنى كلامه ، ثم ينكشف له بطلانه وزيفه ، وكم رميتم الشيعة المؤمنين ، في هذه المناقشات ، ونسبتم كلامنا للأباطيل والأقاويل ، ثم انكشف للحاضرين أنّها ما كانت كذلك وانما كان كلامنا من مصادر ومنابع أهل

__________________

وأخرجه ابن سعد في الطبقات ج ٢ / ٣٧ عن سعيد عن ابن عباس. [فقالوا : إنما يهجر رسول الله (ص)!] وفي صفحة ٣٦ روى عن ابن عباس. [فقال بعض من كان عنده : إنّ نبي الله ليهجر!]

وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده ج ١ / ٢٢٢ عن سعيد عن ابن عباس

[فقالوا : ما شأنه يهجر!! قال سفيان : يعني هذى!!]

وأخرج أيضا في المسند ج ٣ / ٣٤٦ [أنّ النبي (ص) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده قال : فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها!!]

وأخرجه ابن سعد أيضا في الطبقات ج ٢ / ٣٦. «المترجم»

٧٤٩

السنّة وعلمائهم وأعلامهم!!

وسأثبت لكم أننا لسنا أهل افتراء وبهتان ولا أهل الأقاويل والبطلان ، وإنما ذاك غيرنا!!

ولكي يظهر لك الحق ويتضح الامر ، بأنّ القائل : أهجر؟ أو يهجر!

وأنّ المانعين من أن يكتب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصيّته ، هو عمر.

فراجع المصادر التي ساذكرها من علمائكم :

١ ـ صحيح البخاري : ج ٢ / ١١٨.

٢ ـ صحيح مسلم في آخر كتاب الوصيّة.

٣ ـ الحميدي في الجمع بين الصحيحين.

٤ ـ احمد بن حنبل في المسند : ج ١ / ٢٢٢.

٥ ـ والكرماني في شرح صحيح البخاري.

٦ ـ والنووي في شرح صحيح مسلم ، وغيرهم كابن حجر في صواعقه ، والقاضي أبو علي ، والقاضي روزبهان ، والقاضي عياض ، والغزالي ، وقطب الدين الشافعي ، والشهرستاني في الملل والنحل وابن الأثير ، والحافظ أبو نعيم ، وسبط ابن الجوزي. وجلّ علمائكم أو كلّ من كتب من أعلامكم عن وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم والخبر الأليم.

نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٢ / ٥٥ / ط دار إحياء التراث العربي بيروت قال : وفي الصحيحين أيضا خرّجاه معا عن ابن عباسرحمه‌الله تعالى ، قال [لما احتضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب ؛ قال النبي (ص) «هلمّ أكتب لكم كتابا

٧٥٠

لا تضلّون بعده». فقال عمر : إنّ رسول الله صلى الله عليه قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله!

فاختلف القوم واختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا إليه يكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول : القول ما قاله عمر ؛ فلما أكثروا اللغو والاختلاف عندهعليه‌السلام ، قال لهم «قوموا». فقاموا.

فكان ابن عباس يقول : إنّ الرّزيّة كلّ الرّزيّة : ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أن يكتب لكم ذلك الكتاب.]

ونقل سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / ٦٤ و ٦٥ / ط مؤسسة أهل البيت بيروت ، قال : وذكر أبو حامد الغزالي في كتاب «سر العالمين» [ولما مات رسول الله (ص) قال قبل وفاته بيسير «ايتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتابا لا تختلفوا فيه بعدي». فقال عمر :

دعوا الرجل فإنه يهجر!!]

إنّ هذه المخالفة والمعارضة من عمر لرسول الله (ص) ما كانت أوّل مرّة بل كانت مسبوقة بمثلها كما في صلح الحديبيّة وغيرها ولكن هذه المرة سبّبت اختلاف المسلمين وتنازعهم في محضر رسول الله (ص) ، وكان أوّل نزاع وتخاصم وقع بين المسلمين في حياة النبي (ص) ودام ذلك حتى اليوم ، فعمر بن الخطاب هو مسبّب هذه الاختلافات والضلالات التي أدّت بالمسلمين إلى القتال والحروب ، وسفك الدماء وإزهاق النفوس ، لأنه منع النبي (ص) من كتابة ذلك الكتاب الذي كان يتضمن اتحاد المسلمين وعدم ضلالتهم إلى يوم الدين!!

الشيخ عبد السلام : لا ننتظر من جنابكم هذا التجاسر على مقام

٧٥١

الخليفة الفاروق! وأنت صاحب الخلق البديع والأدب الرفيع فكيف لا تراعي الأخلاق والآداب؟!

قلت : بالله عليكم! اتركوا التعصّب! وتجرّدوا عن حب ذا وبغض ذاك! وأنصفوا! هل تجاسر الخليفة على سيد المرسلين وخاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومخالفته ومعارضته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونسبته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الهجر والهذيان أعظم أم تجاسري على الخليفة كما تزعمون؟! ولعمري ما كان تجاسري إلاّ كشف الواقع وبيان الحقيقة!

وليت شعري أنا لا أراعي الأخلاق والآداب أم عمر بن الخطاب؟ إذ سبّب النزاع والصياح ، وتخاصم الأصحاب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى رفعوا أصواتهم وازعجوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحيث أخرجهم وأبعدهم وغضب عليهم لأنّهم خالفوا الله سبحانه إذ يقول :

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) (١) .

الشيخ عبد السلام : لم يقصد الخليفة من كلمة الهجر معنى سيّئا وإنّما قصد أنّ النبي (ص) بشر مثلنا ، وكما نحن في مثل تلك الحالة نفقد مشاعرنا ، فرسول الله (ص) أيضا ربما في تلك الحالة كان كذلك! لأنّ الله تعالى يقول :( قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) (٢) فهو (ص) إذا مثلنا في جميع النواحي : في الغرائز والعواطف ، ويعرض عليه من العوارض الجسمية كضعف القوى والأعضاء كما يعرض على غيره من البشر ، وحالة الهجر والهذيان في حال المرض أيضا من عوارض

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ٢.

(٢) سورة الكهف ، الآية ١١٠.

٧٥٢

الجسد البشري ، فربما يعرض عليه كما يعرض على كل أفراد البشر!!

قلت : أوّلا : إنّي أتعجّب من انقلابك وأستغرب تبدّل حالك! إذ كنت قبل هذا تقول : لا ريب إنّ مخالفة كتاب الله كفر ومعاندة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلحاد ، والآن طفقت توجّه كلام معانديه وعمل مخالفيه! فما عدا ممّا بدا؟!

ثانيا : أتعجّب أيضا أنّك لا تتأثّر من كلام عمر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو سيد الأولين والآخرين. وتتغيّر هذا التغيّر الفظيع من كلامي على عمر ، وهو إنسان عادي غاية ما هنالك أنّه أحد صحابة رسول الله وكم له في الصحابة من نظير!!

والجدير بالذكر أنّه بعد تلك الصحبة الطويلة ما عرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حق معرفته وكان جاهلا بمقامه المنيع وشأنه الرفيع فنسب إليه [الهجر] وهذا رأي بعض أعلامكم مثل القاضي عياض الشافعي في كتاب الشفاء والكرماني في شرح صحيح البخاري والنووي في شرح صحيح مسلم فإنّهم يعتقدون أنّ من ينسب الهجر والهذيان الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد جهل معنى النبوّة والرسالة ، ولا يعرف قدر النبي وشأنه ، لأنّ الأنبياء العظام كلهم في زمان تبليغ رسالتهم وإرشادهم للناس يكونون معصومين عن الخطأ والزّلل ، لأنّهم يأخذون عن الله تعالى ومتّصلون بعالم الغيب والملكوت ، سواء أكانوا في حال الصحة أم المرض.

فيجب على كل فرد من الناس أن يطيعهم ويمتثل أوامرهم. فمن خالف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طلبه البياض والدواة ليكتب وصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخاصّة بمثل ذلك الكلام الشنيع : «إنّ رسول الله يهجر»! «إنّما هو يهجر»! «قد غلب عليه الوجع»! وما إلى ذلك من كلام فجيع وبيان فظيع ، إنما

٧٥٣

يدلّ على جهل قائله وعدم معرفته لمقام النبي وشخصيته العظيمة!

ثالثا : أطلب من جناب الشيخ أن يراجع كتب اللغة في تفسير كلمة : «يهجر» حتى يعرف مدى تجاسر قائلها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! فقد قال اللغويون : الهجر بالضم ـ الفحش ، وبالفتح ـ الخلط والهذيان ، وهو بعيد عن مقام النبوّة وقد عصم الله سبحانه رسوله عن ذلك بقوله عزّ وجلّ :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) لذلك أمر المسلمين بالاطاعة المحضة له من غير ترديد وإشكال ، فقال سبحانه :( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) .

وقال تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٣) .

فمن استشكل في كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تردّد في طاعته وامتثال أمره ، فقد خالف الله تعالى وأصبح من الخاسرين.

الشيخ عبد السلام : ولو فرضنا بأنّ عمرا قد أخطأ ، فهو خليفة رسول الله (ص) وكان يقصد بذلك حفظ الدين والشريعة ولكنّه اجتهد فأخطأ فيعفى عنه والله خير الغافرين.

قلت : أوّلا : حينما تكلم عمر بذلك الكلام الخاطئ لم يكن خليفة رسول الله ، بل شأنه شأن أحد الناس العاديين.

ثانيا : قد قلت : إنّه اجتهد فأخطأ! فلعمري هل الرأي أو الكلام

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ١ ـ ٤.

(٢) سورة الحشر ، الآية ٧.

(٣) سورة النساء ، الآية ٥٩.

٧٥٤

المخالف لنصّ القرآن ، اجتهاد؟ أم ذنب لا يغفر!

ثالثا : وقلت : إنّه كان يقصد حفظ الدين والشريعة.

فمن أين تقول هذا؟ والله من وراء القصد.

ثم هل إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أعرف بحفظ الشريعة أم عمر بن الخطاب؟ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان موكّلا من الله في ذلك وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حريصا على الدين وحفظ الشريعة أكثر من غيره ، ولأجل ذلك أراد أن يوصي ويكتب كتابا لا يضلّ المسلمون بعده أبدا.

ولكن عمر منع من ذلك وصار سببا لضلالة من ضلّ إلى يوم القيامة ، فاي عفو غفران يشمل هذا المجتهد الخاطئ!!

الشيخ عبد السلام : ربما الخليفة الفاروقرضي‌الله‌عنه كان يعرف الأوضاع الاجتماعية والظروف الراهنة ، وثبت عنده بأنّ الوصيّة وكتاب النبي صلى الله عليه وسلّم يحدث فتنة عظيمة من بعده (ص) ، فكان بمنعه ورفضه الكتاب والوصية ، ناصحا للنبي وناويا الخير للإسلام والمسلمين.

قلت : إنّ أستاذي المرحوم الشيخ محمد علي الفاضل القزويني وكان يحوي علم المعقول والمنقول ، كان ينصحني ويقول : توجيه الخطأ يولّد أخطاء أخرى ، فلو اعترف العاقل بخطئه لكان اسلم له وأجمل ، وقالوا قديما : الاعتراف بالخطإ فضيلة. وأنا أراك هويت في مهوى توجيه خطأ من تهوى فنسيت كلام الله تعالى حيث يقول :

( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) (١) .

الشيخ عبد السلام : تظهر نيّة الفاروق الحسنة من آخر كلامه حيث

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٣٦.

٧٥٥

قال : حسبنا كتاب الله!!

قلت : هذه الجملة تدلّ على عدم معرفة الخليفة لمقام النبوّة وعدم معرفته بحقيقة كتاب الله أيضا ، لأنّ القرآن كلام ذو وجوه وله بطون ، ولا بدّ من مفسّر(١) وموضّح يعرف الناسخ والمنسوخ والعام والخاص

__________________

(١) نقل الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب الخامس والستون / عن كتاب فصل الخطاب للعلاّمة محمد خواجه البخاري عن ابن عباس قال [وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلاّ له ظهر وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب علم الظاهر والباطن.]

ورواه العلامة الكنجي القرشي الشافعي في كتابه كفاية الطالب في الباب الرابع والسبعون عن ابن مسعود ، وقال رواه أبو نعيم في حلية الأولياء.

وروى الخواجه البخاري بعده عن ابن عباس أيضا قال [أتي عمر بن الخطاب بامرأة مجنونة حبلى قد زنت ، فأراد عمر بن الخطاب أن يرجمها ، فقال له عليّ : أما سمعت ما قال رسول الله (ص) : رفع القلم عن ثلاث ، عن المجنون حتى يبرأ ، وعن الغلام حتى يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ. فخلّى عنها ، ثم قال العلامة محمد خواجه البخاري : وفي عدة من المسائل رجع ـ أي عمر ـ إلى قول علي رضي الله عنه.

فقال عمر : عجزت النساء أن يلدن مثل علي ، ولو لا علي لهلك عمر ، ويقول أيضا : أعوذ بالله من معضلة ليس فيها علي] انتهى كلام البخاري.

وروى العلامة مير علي الهمداني الشافعي في كتابه مودّة القربى / المودّة السابعة عن أبي ذر عن رسول الله (ص) أنه قال «علي باب علمي ومبيّن لأمتي ما أرسلت به من بعدي ، حبه إيمان وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفة عبادة». قال : رواه أبو نعيم الحافظ بإسناده.

ونقل الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة تحت عنوان «هذه المناقب السبعون في فضائل أهل البيت» الحديث التاسع والعشرون عن أبي الدرداء

٧٥٦

والمطلق والمقيد والمجمل والمبيّن والمتشابه والمحكم منه ، وهذا لا يكون إلاّ من أفاض الله عليه من الحكمة وفتح في قلبه ينابيع علومه ، فلذا قال سبحانه :( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) .

فإذا كان القرآن وحده يكفي لما قال سبحانه :( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) . ولما قال تعالى :( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٣) .

ولقد عرّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمّته الراسخين في العلم وأولي الأمر الذين يرجع إليهم في تفسير القرآن وتوضيحه ، في حديثه الذي كرّره على مسامع أصحابه وقد وصل حدّ التواتر في النقل ، إذ قال حتى عند وفاته «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، إن تمسّكتم بهما نجوتم ـ لن تضلّوا أبدا(٤) ».

فرسول الله (ص) لا يقول لأمته : كفاكم كتاب الله وحسبكم. بل يضم إلى القرآن أهل بيته وعترته.

أيها الحاضرون! فكروا وأنصفوا أيّ القولين أحقّ أن يؤخذ به

__________________

رضي‌الله‌عنه قال [قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «علي باب علمي ومبين لأمتي ما ارسلت به من بعدي ، حبه إيمان ، وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفة ، ومودّته عبادة». رواه صاحب الفردوس.]

أقول : لا يخفى أنّ جملة «ما أرسلت به» تشمل القرآن والسنّة الشريفة وجميع أحكام الإسلام. «المترجم»

(١) سورة آل عمران ، الآية ٧.

(٢) سورة الحشر ، الآية ٧.

(٣) سورة النساء ، الآية ٨٣.

(٤) «نقلت لكم مصادره في البحوث الماضية».

٧٥٧

قول عمر : حسبنا كتاب الله. أم قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كتاب الله وعترتي؟

لا أظنّ أحدا يرجّح قول عمر على قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا كان كذلك ، فلما ذا أنتم تركتم قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذتم بقول عمر؟! فإذا كان كتاب الله وحده يكفينا ، فلما ذا يأمرنا الله تعالى ويقول :( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) والذّكر سواء أكان القرآن أم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأهل الذّكر هم عترة رسول الله وأهل بيته الطيبين.

وقد مرّ الكلام حول الموضوع في الليالي السالفة ، ونقلت لكم عن السيوطي وغيره من أعلامكم أنّهم رووا بأنّ أهل الذكر هم عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين جعلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدل القرآن ونظيره.

وأنقل لكم ـ الآن ـ مضمون كلام أحد أعلامكم وهو قطب الدين الشيرازي ، قال في كتابه كشف الغيوب [لا بدّ للناس من دليل ومرشد يرشدهم إلى الحق ويهديهم الى الصراط المستقيم ، ولذا أتعجّب من كلام الخليفة عمر (رض) : حسبنا كتاب الله! وبهذا الكلام رفض الهادي والمرشد فمثله كمن يقبل علم الطب وضرورته ولزومه للناس إلاّ أنّه يرفض الطبيب ويقول حسبنا علم الطّب وكتبه ولا نحتاج إلى طبيب!

من الواضح إن هذا الكلام مردود عند العقلاء ، لأنّ الطبيب وجوده لازم لتطبيق علم الطب كما يلزم علم الطب للناس. والعلم من غير عالم وعارف بمصطلحاته ورموزه ، يبقى معطّلا لا يمكن أن يستفاد منه ، فكما لا يمكن لآحاد البشر أن يعرفوا علم الطب ورموزه ، ولا بدّ من أطبّاء في كل مجتمع يعالجون المرضى بمعرفتهم لعلم الطب ورموز العلاج ، كذلك القرآن الكريم وعلومه لا يعقل بأنّ الناس كلهم

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٤٣.

٧٥٨

يعرفون علومه ورموزه ومصطلحاته ، فلا بدّ أن يرجعوا إلى العالم لعلومه ورموزه والمتخصّص بتفسيره وتأويله وقد قال سبحانه :( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) .

وقال عزّ وجلّ :( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٢) . فالكتاب المبين وحقيقته إنما يكون في قلوب أهل العلم ، كما قال سبحانه :( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (٣) .

ولهذا كان علي كرم الله وجهه يقول : أنا كتاب الله الناطق والقرآن كتاب الله الصامت]. انتهى مضمون وخلاصة مقال قطب الدين.

أقول : كلّ عاقل منصف ، وكلّ صاحب وجدان وإيمان ، يعرف أنّ عمر بن الخطاب ارتكب ظلما كبيرا بمنعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب لأمته كتابا لن يضلّوا بعده أبدا!!

وأما قولك أيها الشيخ : إنّ أبا بكر وعمرا أوصيا ولم يمنعهما أحد من الصحابة. فهو قول صحيح وهذا الأمر يثير تعجّبي واستغرابي.

كما يهيج حزني ويبعث الألم في قلبي ، فقد اتفق المؤرخون والمحدثون على إنّ أبا بكر أملا وصيته على عثمان ، وهو كتبها في محضر بعض أصحابه وعرف عمر بن الخطاب ذلك ولم يمنعه ، وما قال له : لا حاجة لنا بوصيتك وعهدك ، حسبنا كتاب الله!

ولكنّه منع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الوصية وكتابة عهده لأمته ، قائلا : [أنّه يهجر كفانا أو حسبنا كتاب الله!] وقد كان ابن عباس وهو حبر الأمّة كلّما يتذكّر ذلك اليوم يبكي ويقول : الرزيّة كل الرزية ما حال بين

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٧.

(٢) سورة النساء ، الآية ٨٣.

(٣) سورة العنكبوت ، الآية ٤٩.

٧٥٩

رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم / صحيح البخاري بحاشية السندي : ج ٤ / كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني وج ٤ / ٢٧١ / باب كراهية الخلاف.

نعم كان ابن عباس يتأسّف ويبكي ، ويحقّ لكل مسلم منصف أن يتأسّف ويبكي ، وأن يتألّم ويتأثر ويتغيّر ، ونحن على يقين أنّهم لو تركوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكتب وصيته ، لبيّن أمر الخلافة من بعده وعيّن خليفته مؤكّدا عليهم بأن يطيعوه ولا يخالفوه ، ولذكّرهم كلّ ما قاله في هذا الشأن وفي شأن وصيه وخليفته ووارثه من قبل. والذين منعوا من ذلك ، كانوا يطمعون في خلافته كما كانوا يعلمون أنه يريد أن يسجّل خلافة ابن عمه علي بن أبي طالب ، ويكتبه ويأخذ منهم العهد والبيعة له في آخر حياته ، كما أخذ عليهم ذلك في يوم الغدير ، لذلك خالفوه بكل وقاحة ومنعوه من ذلك بكل صلافة!

الشيخ عبد السلام : كيف تدّعي هذا ومن أين تبيّن لك أنّه صلى الله عليه وسلّم أراد أن يوصي في أمر الخلافة ويعيّن علي بن أبي طالب لهذا الأمر من بعده؟!

قلت : من الواضح أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيّن جميع أحكام الدين للمسلمين ، وما ترك صغيرة ولا كبيرة من الفرائض والسنن إلاّ بيّنها ، حتى قال تعالى في كتابه :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١) ، فكان من هذه الجهة مرتاح البال ، ولكن الذي كان يشغل باله هو موضوع خلافته وولي الأمر بعده ، لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف عداوة كثير من الناس لعلي بن أبي

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٣.

٧٦٠

طالب ، وكان يعلم حقدهم وحسدهم لهعليه‌السلام ، وكان يعرف طمع بعض الصحابة وحرصهم على خلافته في أمّته ، لذلك كان يتخوّف من مناوئي الإمام عليّ ومخالفيه ، أن لا يخضعوا لإمارته ولا يقبلوا خلافته ، فأراد أن يؤكّدها عليهم في آخر ساعات حياته ، إضافة إلى ما بيّنه في هذا الأمر طول حياته مرارا وتكرارا ، كما روى الغزالي في كتابه «سرّ العالمين» في المقالة الرابعة ، أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «ايتوني بدواة وبياض لأزيل عنكم إشكال الأمر ، وأذكر لكم من المستحق لها بعدي».

ثم كلنا نعلم أنّ الأمر الذي آل إلى اختلاف المسلمين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان سبب سفك الدّماء وإزهاق النفوس ، إنّما هو أمر الخلافة لا غير ، فيتبيّن أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يوضّح أمر الخلافة للمسلمين ويوصي بها لرجل منهم يستحقّها ، حتى يبايعوه ويخضعوا لإمارته وخلافته ولكي لا يؤول أمرهم إلى التخاصم والتنازع ، ولا يقعوا من بعده في هوة الاختلاف ومزلّة الانحراف.

ثم إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواطن كثيرة عين وصيّه وعرّفه للناس ، وقد نقلنا لكم بعض الأخبار والأحاديث في هذا الشأن ولا حاجة لتكرارها.

ولا ينكر أحد من المسلمين المنصفين بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيّن عليا وصيّا لنفسه وأودعه الوصايا التي أراد أن يكتبها حتى لا يضلوا من بعده أبدا ، ولكنهم منعوه ورفضوها بقولهم : إنه ليهجر. كفانا أو حسبنا كتاب الله!!

الشيخ عبد السلام : خبر تعيين النبي (ص) عليا وصيّا لنفسه غير متواتر فلا يصح الاستناد به.

قلت : هو خبر متواتر عن طريق العترة النبويّة الطاهرة والأمر ثابت من غير شك ولا ترديد.

٧٦١

وأمّا عن طرقكم ، فربما لم يكن لفظه متواترا ولكن معناه قد تواتر عن طرقكم في ألفاظ متفاوتة وجمل متعدّدة.

ثم إذا كان التواتر عندكم مهمّا إلى هذا الحد بحيث لو كان الخبر واصلا عن طريق موثوق وبسند حسن وقد صححه العلماء المتخصّصون ، ومع ذلك ترفضونه بحجّة أنه غير متواتر ، فأسألكم هل كان حديث : «لا نورّث ما تركناه صدقة» متواترا؟! لا بل هو خبر واحد رواه أبو بكر(١) ، وصدّقه عصابة كانت لهم منفعة ومصلحة في تصديقهم إيّاه!

ولكن في كل عصر ينكره ملايين المسلمين المؤمنين ويرفضه آلاف العلماء الصالحين.

وقد أنكره الإمام عليعليه‌السلام وهو باب علم الرسول ، ورفضته فاطمة الزهراءعليها‌السلام بضعة رسول الله الطاهرة المطهّرة التي عصمها الله من الزلل وطهّرها من الرجس والدنس بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة المستندة على كتاب الله الحكيم والمنطق القويم والعقل السليم.

ولو لم يورث الأنبياء فكيف قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لكل نبيّ وصيّ ووارث ، وأنّ عليا وصيّي ووارثي؟(٢) ».

واثبتنا أنّ المقصود وراثة المال والمقام. وحتى إذا كان المقصود

__________________

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٦ / ٢٢١ / ط دار إحياء التراث العربي / : المشهور أنّه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلاّ أبو بكر وحده.

وقال في صفحة ٢٢٧ : أكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الخبر إلاّ أبو بكر وحده ، ذكر ذلك أعظم المحدّثين حتى أنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد. «المترجم»

(٢) نقلت لكم مصادره في ما سبق.

٧٦٢

وراثة العلم فوارث علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحق بخلافته من فاقد علمه.

والجدير بالذكر أنّ أبا بكر وعمر في كثير من القضايا رجعا إلى الإمام عليعليه‌السلام وعملا برأيه وأخذا بقوله ، ولكن في هذه القضية بالذات خالفوه ولم يقبلوا حتى شهادته في فدك بأنها منحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمةعليها‌السلام ، فرفضوا شهادته وشتموه بقولهم [إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه ، مربّ لكل فتنة الخ.]

الحافظ : إن أبا بكر وعمر كانا في غنى عن عليّ وعلمه ولم يرجعا إليه في بعض الأحكام لجهلهما بالحكم بل كانا يحترمانه ويشاورانه.

قلت : إنّ قولك هذا منبعث عن حبك للشيخين وقد قالوا : حب الشيء يعمي ويصم.

وإن قولك رأي شخصي لم يقل به قائل ، بل هو مخالف لصريح ما نقله أعلامكم عن نفس أبي بكر وعمر.

وإليكم نماذج منها :

الحكم في امرأة ولدت لستة أشهر

نقل المحدثون منهم أحمد بن حنبل في مسنده والمحب الطبري في ذخائر العقبى وابن أبي الحديد في شرح النهج والشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة / الباب السادس والخمسون فصل [في ذكر كثرة علم علي ، قال : وروي أن عمررضي‌الله‌عنه أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر! فقال عليعليه‌السلام في كتاب الله «( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ

٧٦٣

ثَلاثُونَ شَهْراً ) (١) ثم قال :( وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ ) (٢) فالحمل ستة أشهر ، فتركها عمر ، وقال : لو لا علي لهلك عمر]. قال القندوزي : أخرجه أحمد والقلعي وابن السمّان.

ونقل القندوزي في الباب قبل هذا الخبر بقليل فقال :

[وأخرج أحمد [ابن حنبل] في المناقب : أنّ عمر بن الخطاب إذا أشكل عليه شيء أخذ عن علي رضي الله عنه.

ولو تصفّحنا كتب التاريخ والحديث لوجدنا كثيرا من هذه القضايا المشكلة التي كان يعجز عن حكمها الخلفاء فيرجعون فيها إلى عليعليه‌السلام ويأخذون بقوله ويعملون برأيه.

فيا أيها العلماء! وأيها الجمع! فكّروا : لما ذا رفضوا شهادة عليعليه‌السلام في أمر فدك ولم يقبلوا حكمه في قضيّة فاطمةعليها‌السلام وقالوا ما قالوا وافتروا عليه وشتموه!!

ثم إذا كان الحديث الذي رواه أبو بكر صحيحا وكان قد سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما ذا لم يحكم في سائر ممتلكات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحكم فدك ولم يضمّها إلى بيت المال لعامة المسلمين ، أو يجعلها صدقات ينتفع بها المساكين.

بل ترك حجرة فاطمةعليها‌السلام لها ، وترك حجرات زوجات الرسول لكل واحدة منهن حجرتها ، من باب الإرث(٣) .

__________________

(١) سورة الأحقاف ، الآية ١٥.

(٢) سورة لقمان ، الآية ١٤.

(٣) كما ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١٦ / ٢١٤ / ط دار إحياء التراث العربي :[إنّ أبا بكر قال فيما قال بعد خطبة فاطمةعليها‌السلام : أما بعد ، فقد دفعت آلة رسول الله (ص) ـ أي سيفه وأجهزته الخاصة ـ ودابته وحذاءه إلى علي بن أبي طالب ، وأمّا

٧٦٤

إضافة إلى هذا : إذا كان أبو بكر يؤمن بما يقول ويعتقد بالحديث الذي رواه : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة» وعلى هذا المبنى أخذوا فدك وأخرجوا عمّال فاطمة منها. فلما ذا ردّ فدك ـ بعد أيام ـ على فاطمة وكتب لها كتابا في ذلك إلاّ أنّ عمر أخذ منها الكتاب ومزّقه ، ومنعها من التصرّف في فدك؟!

الحافظ : هذا كلام جديد لم نسمع به من قبل! فمن أيّ مصدر وبأيّ دليل تقول : بأنّ أبا بكر (رض) ردّ فدك على فاطمة ثم منعها عمر في خلافة أبي بكر ومزّق كتابه؟!!

قلت : يبدو أنّ مشاغل الحافظ كثيرة بحيث لا يجد فرصة ليطالع كتب أعلام السنة من أهل مذهبه ونحلته ، وإلاّ لما كان هذا الخبر جديدا على مسامعه ، فقد روى هذا الخبر كثير من المؤرخين والمحدثين منهم علي بن برهان الدين الشافعي في السيرة الحلبية : ج ٣ / ٣٩١ وابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ / ٢٧٤ / ط دار إحياء التراث العربي /: قال : روى إبراهيم بن سعيد الثقفي عن إبراهيم بن ميمون ، قال : حدّثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن أبيه عن

__________________

ما سوى ذلك فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا أرضا ولا عقارا ولا دارا الخ.]

أقول : لقد كان علي عليه‌السلام أحقّ الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى عند أبي بكر ، ولذلك دفع إليه الآلات والأجهزة الخاصة برسول الله ولم يدفعها إلى العباس بن عبد المطلب وهو عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتأمّل.

«المترجم»

٧٦٥

جدّه عن عليّعليه‌السلام قال «جاءت فاطمةعليها‌السلام إلى أبي بكر وقالت : إنّ أبي أعطاني فدك ، وعلي وأم أيمن يشهدان فقال : ما كنت لتقولي على أبيك إلاّ الحق قد أعطيتكها ، ودعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها. فخرجت فلقيت عمر ، فقال : من أين جئت يا فاطمة؟ قالت : جئت من عند أبي بكر. اخبرته أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني فدكا وأنّ عليا وأم أيمن يشهدان لي بذلك ، فأعطانيها وكتب لي بها. فأخذ عمر منها الكتاب. ثم رجع إلى أبي بكر ، فقال : أعطيت فاطمة فدكا وكتبت بها لها؟ قال : نعم ، فقال : إنّ عليا يجرّ إلى نفسه ، وأم أيمن امرأة ؛ وبصق في الكتاب فمحاه وخرقه!».

والعجب أنّ عمر الذي كان بهذه الشدّة في قضيّة فدك أيام خلافة أبي بكر ، لما وصلت أيّامه وصارت الخلافة في يده ردّ فدك على أولاد فاطمة وكذلك بعض الخلفاء من بعده!

الحافظ : إنّ هذا الخبر من أعجب الأخبار لتناقضه ، وإنّي حائر في تصديقه وردّه!

قلت : لا تتحيّر ولا تردّ الخبر بل راجع كتاب وفاء الوفاء في تاريخ مدينة المصطفى للعلامة السمهودي وهو من أعلامكم ، ومعجم البلدان لياقوت الحموي.

رويا : [أنّ أبا بكر أخذ فدك من فاطمة ، ولكنّ عمر في خلافته ردّها على العباس وعلي بن أبي طالب ، فإذا كانت فدك فيئا للمسلمين وقد أخذها أبو بكر حسب الحديث الذي سمعه من النبي (ص) ، فبأيّ سبب ردّها عمر وجعلها في يد علي والعباس دون سائر المسلمين؟!]

الشيخ عبد السلام : لعله جعلهما من قبله حتى يأخذا حاصلها

٧٦٦

ويصرفاه في مصالح المسلمين.

قلت : ولكنّ ظاهر بعض العبارات التاريخية أنهما ادّعيا عند عمر ميراثهما فأعطاهما فدكا وكانا يتصرّفان فيها تصرّف المالك في ملكه(١) .

الشيخ عبد السلام : لعلّ مراد المؤرخين من عمر هو عمر بن عبد العزيز!

ردّ عمر بن عبد العزيز فدك

فتبسّمت ضاحكا من قوله وقلت : عليعليه‌السلام والعباس ما كانا في خلافة عمر بن عبد العزيز ، وحكم عمر بن عبد العزيز وردّه فدكا على أولاد فاطمةعليها‌السلام خبر آخر وقد ذكره العلامة السمهودي أيضا ، وذكره

__________________

(١) روى ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١٦ / ٢٢٩ / ط دار إحياء التراث العربي : عن أبي بكر الجوهري قال [حدثنا أبو زيد ـ عمر بن شبّة ـ ثم عن عن بإسناده إلى مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : سمعت عمر وهو يقول للعباس وعلي ثم توفّي أبو بكر فقبضتها ـ يعني فدكا ـ فجئتما تطلبان ميراثكما! أما أنت يا عباس فتطلب ميراثك من ابن اخيك ، واما علي فيطلب ميراث زوجته من أبيها ...]

قال أبو زيد [قال أبو غسّان : فحدّثنا عبد الرزاق الصنعاني عن معمر بن شهاب عن مالك بنحوه وقال في آخره : فغلب علي عباسا عليها ، [وذلك لأنه لا يرث العم مع وجود فرد من الطبقة الأولى وهي بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبوفاة الصديقة الطاهرة يرثها زوجها وأولادها عليهم‌السلام ] ، فكانت بيد عليّ ثم كانت بيد الحسن ثم كانت بيد الحسين ، ثم علي بن الحسين ثم الحسن بن الحسن ثم زيد بن الحسن.]

ثم قال ابن أبي الحديد [وهذا الحديث يدلّ صريحا على أنّهما جاءا يطلبان الميراث لا الولاية الخ.] «المترجم»

٧٦٧

ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ / ٢١٦ قال [.. فلما ولي عمر ابن عبد العزيز الخلافة الأموية كانت أول ظلامة ردّها ، [أنه] دعا الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام وقيل بل دعا علي بن الحسينعليه‌السلام ، فردّها عليه ، وكانت بيد أولاد فاطمةعليها‌السلام مدّة ولاية عمر ابن عبد العزيز.]

فلمّا ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم ، فصارت في أيدي بني مروان يتداولونها ، حتى انتقلت الخلافة الأموية عنهم ، فلمّا ولي أبو العباس السفّاح ردّها على عبد الله بن الحسن بن الحسنعليه‌السلام ، ثم قبضها أبو جعفر المنصور لمّا حدث من بني الحسن ما حدث ، ثم ردّها المهدي ـ ابنه ـ على ولد فاطمةعليها‌السلام ، ثم قبضها موسى بن المهدي وهارون أخوه ، فلم تزل في أيديهم حتى ولي المأمون.

المأمون وردّه فدكا

نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ في صفحة ٢١٧ [قال أبو بكر ـ الجوهري ـ حدثني محمد بن زكريا قال : حدثني مهديّ بن سابق قال : جلس المأمون للمظالم ، فأوّل رقعة وقعت في يده نظر فيها وبكى ، وقال للذي على رأسه : ناد أين وكيل فاطمة؟ فقام شيخ عليه درّاعة وعمامة وخفّ تعزّى ، فتقدم فجعل يناظره في فدك والمأمون يحتجّ عليه وهو يحتجّ على المأمون ، ثم أمر أن يسجّل لهم بها ، فكتب السجلّ وقرئ عليه ، فأنفذه ، فقام دعبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أولها :

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

٧٦٨

ونقل ياقوت الحموي في معجم البلدان كتاب المأمون إلى واليه على المدينة في شأن فدك ، جاء فيه :

كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أعطى ابنته فاطمة رضي الله عنها فدكا وتصدّق عليها بها ، وأنّ ذلك كان أمرا ظاهرا معروفا عند آله عليهم الصلاة والسّلام.]

فدك كانت نحلة لفاطمةعليها‌السلام

لقد ثبت في موضعه أنّ فدكا كانت نحلة لفاطمة أنحلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولذا كان بعض الخلفاء يردونها على أولاد فاطمة وكان آخرون يغصبوها اقتداء بأبي بكر!!

الحافظ : إن كانت فدك ، نحلة أنحلها رسول الله فاطمة ، فلما ذا ادّعتها من باب الإرث ولم تدّعيها نحلة؟

قلت : لا شك أنها ادّعت فدكا بادئ الأمر من باب النحلة وأقامت شهودا على ذلك ، فلما ردّوا شهودها ادّعتها من باب الإرث.

الحافظ : هذا كلام جديد لم نسمع به من قبل ولعلك مشتبه!

قلت : إنّي على يقين فيما أقول ولست مشتبها ، ولم تنفرد الشيعة بهذا الخبر بل نقله كثير من أعلامكم منهم : علي بن برهان الدين في كتابه السيرة الحلبية ، والفخر الرازي في تفسير الكبير ، وياقوت الحموي في معجم البلدان ، وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج : ج ١٦ / ٢١٤ / ط دار إحياء التراث العربي : [يروي عن أبي بكر الجوهري ، قال : وروى هشام بن محمد ، عن أبيه قال : قالت فاطمة

٧٦٩

لأبي بكر : أنّ أمّ أيمن تشهد لي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاني فدكا ، فقال لها : يا ابنة رسول الله إنّ هذا المال لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلّم ، وإنّما كان مالا من أموال المسلمين(١) ، يحمل به الرجال ، وينفقه في سبيل الله ، فلما توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وليته كما كان يليه.

قالت : والله لا كلّمتك أبدا! قال : والله لا هجرتك أبدا! قالت : والله لأدعونّ الله عليك! قال : والله لأدعونّ الله لك.

فلما حضرتها الوفاة أوصت ألاّ يصلّي عليها ، فدفنت ليلا.]. الخ.

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في صفحة ٢٢٥ : لقائل أن يقول له [أيجوز للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يملّك ابنته أو غير ابنته من افناء الناس ضيعة مخصوصة أو عقارا مخصوصا من مال المسلمين ، لوحي أوحى الله تعالى إليه ، أو لاجتهاد رأيه ـ على قول من اجاز له ان يحكم بالاجتهاد ـ أو لا يجوز للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك؟

فإن قال : لا يجوز فقد قال ما لا يوافقه العقل ولا المسلمون عليه.

وإن قال : يجوز ذلك ، قيل : فإنّ المرأة ما اقتصرت على الدعوى بل قالت : أمّ أيمن تشهد لي ، فكان ينبغي أن يقول لها أبو بكر في الجواب : شهادة أم أيمن وحدها غير مقبولة.

ولم يتضمّن هذا الخبر ذلك.

بل قال لها لمّا ادّعت وذكرت من يشهد لها : هذا مال من مال الله. لم يكن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .]

وهذا ليس بجواب صحيح.

«المترجم»

٧٧٠

توجيه العامّة عمل أبي بكر

الحافظ : نحن نعلم أن أبا بكر أسخط فاطمة رضي الله عنها ، وماتت بنت رسول الله (ص) وهي واجدة عليه ، ولكن أبا بكر بريء ، لأنّه عمل بحكم الله وطالبها بالشهود لإثبات حقها ، وأنت جدّ خبير بأنه يجب في هذه القضايا أن يشهد رجلان أو رجل وامرأتان ، وهذا حكم عام وفاطمة جاءت برجل وامرأة وما اكملت الشهود ، ولذا لم يصدر أبو بكر الحكم لها ، فغضبت!!

قلت : فلنختم مجلسنا وندع الجواب إلى الليلة القابلة فإنّ الحاضرين تعبوا ، وأخاف أن يطول الكلام فيملّوا.

النواب : كلنا شوق وشغف لنعرف حقيقة الأمر ، فإنّ موضوع فدك مهمّ جدا وحساس ، وإذا أنتم ما تعبتم ، فنحن راغبون إلى الاستماع لكلامكم وجوابكم.

قلت : أنا لا أتعب من هذه المجالس والمناقشات الدينية أبدا ، بل مستعد أن أبقى معكم حتى الصباح.

وأما الجواب : فقد قال الحافظ : بأن أبا بكر عمل بحكم الله وطالب فاطمة بالشهود لإثبات حقها!

قلت : لقد كانت فاطمةعليها‌السلام متصرّفة في فدك ، وكانت في يدها ، فبأي شرع وقانون يطالب ذو اليد بإقامة الشهود على إثبات حقه فيما يكون تحت تصرّفه وفي يده؟! فإنّ الأصل المجمع عليه في قانون القضاء الإسلامي أنّ ذا اليد هو المالك فإذا ادّعى أحد على ما في يده فعلى

٧٧١

المدّعي إقامة الشهود والبيّنة ، وليس على المنكر إلاّ اليمين ، فأبو بكر كان مدّعيا لفدك التي كانت في يد فاطمةعليها‌السلام وتحت تصرّفها ، فحينئذ كان عليه أن يأتي بالبيّنة لإثبات ما يدّعي ، وليس له أن يطالب السيدة الزهراءعليها‌السلام بالشهود والبيّنة.

ولكن اذا كان خصمي حاكمي فكيف أصنع؟!

فأبو بكر خالف حكم الله سبحانه وسحق القانون وقلب أصول القضاء!!

وأما قول الحافظ : بأنّ الحق يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ، وهذا حكم عام.

فأقول : ما من عامّ إلاّ وقد خصّ.

الحافظ : هذه القاعدة لا تجري في القضاء ، فإن قوانين القضاء تجري على الأغنياء والفقراء وعلى الفسّاق والأولياء ، على حدّ سواء ، ولا يستثنى حتى الأنبياء.

قلت : إنّ هذا الكلام يخالف سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرته المسجّلة في صحاحكم ، والثابتة في مسانيدكم.

خزيمة ذو الشهادتين

ذكر ابن أبي الحديد ترجمة ذي الشهادتين في شرح النهج : ج ١٠ / ١٠٨ و ١٠٩ / ط دار إحياء التراث العربي : [قال : هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري من بني خطمة من الأوس ، جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادته كشهادة رجلين ، لقصّة مشهورة الخ.

٧٧٢

والقصة كما ذكرها الأعلام في ترجمته وفي كتب الحديث وأنا أنقلها من كتاب أسد الغابة لابن الأثير قال : روى عنه ابنه عمارة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم اشترى فرسا من سواء بن قيس المحاربي ، فجحده سواء! فشهد خزيمة بن ثابت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له رسول الله : ما حملك على الشهادة ، ولم تكن حاضرا معنا؟

قال : صدّقتك بما جئت به ، وعلمت أنّك لا تقول إلاّ حقا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من شهد له خزيمة أو عليه فهو حسبه.]

فما ظنك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو كان علي يشهد عنده في قضية هل كان يصدّقه أم يرده؟! وهو القائل في حقه : «علي مع الحق والحق مع علي يدور الحقّ حيث ما دار علي» فكما أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصّص شهادة خزيمة وأحلّه محل شاهدين وصارت شهادته بشهادتين ، كذلك أصحاب آية التطهير الذين عصمهم الله تعالى وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. فقولهم لا يردّ ، فإنّ الرادّ عليهم كالرادّ على الله سبحانه ، وقد أثبتنا فيما سبق أنّ علياعليه‌السلام شهد لها بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنحلها فدكا ، ولكنهم ردّوا شهادته بحجة أنّ عليا يجر إلى نفسه ، فكذّبوه وصدّقه الله في كتابه الحكيم بقوله :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (١) .

الحافظ : من أين تقول هذه الآية نزلت في شأن عليّ كرم الله وجهه؟

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ١١٩.

٧٧٣

من هم الصادقون؟

قلت : أجمع علماء الشيعة استنادا على الروايات الواصلة عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام والعترة الهادية ، بأنّ الصادقين هم خاتم النبيين وعلي أمير المؤمنين والعترة الطاهرة ، وقد وافقنا كثير من أعلامكم وذهبوا إلى هذا الرأي ، منهم : الثعلبي في تفسيره كشف البيان وجلال الدين السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور ، عن ابن عباس ، والحافظ أبو سعد عبد الملك بن محمد الخركوشي في كتاب شرف المصطفى عن الأصمعي. والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال «الصادقون أنا وعلي».

وقال القندوزي في ينابيع المودة / الباب التاسع والثلاثون [أخرج موفق بن أحمد الخوارزمي عن أبي صالح عن ابن عباس (رض) قال : الصادقون في هذه الآية محمد (ص) وأهل بيته] أيضا أبو نعيم الحافظ والحمويني أخرجاه عن ابن عباس بلفظه ، انتهى.

وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين والعلاّمة الكنجي في كفاية الطالب / الباب ٦٢ / وابن عساكر في تاريخه رووا بإسنادهم عن النبي (ص) قال «كونوا مع الصادقين أي مع علي بن أبي طالب».

وهناك آيات أخرى أنقلها إليكم بالمناسبة :

١ ـ( وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (١) روى جماعة من أعلامكم عن مجاهد عن ابن عباس قال [الذي جاء بالصدق محمد (ص) ، والذي صدّق به علي بن أبي طالبعليه‌السلام .]

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ٣٣.

٧٧٤

منهم جلال الدين السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور ، والحافظ ابن مردويه في المناقب ، والحافظ أبو نعيم في الحلية ، والعلاّمة الكنجي في كفاية الطالب / باب ٦٢ ، وابن عساكر في تاريخه يروي عن فئة من المفسرين.

٢ ـ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) (١) .

روى أحمد بن حنبل في المسند والحافظ أبو نعيم في كتابه : «ما نزل من القرآن في عليعليه‌السلام » عن ابن عباس أنّها نزلت في شأن علي ابن أبي طالبعليه‌السلام فهو من الصدّيقين.

٣ ـ( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ) (٢) .

وقد صرّحت الأحاديث المرويّة عن طرقكم والتي نقلها أعلامكم في كتبهم ومسانيدهم : بأنّ علياعليه‌السلام أفضل الصديقين ، ولكي تعرفوا حقيقة مقالنا راجعوا مناقب ابن المغازلي الحديث ٢٩٣ و ٢٩٤ ، والتفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير قوله تعالى :( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ ) (٣) .

والدرّ المنثور للسيوطي في تفسير قوله تعالى :( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً ) (٤) في سورة ياسين وقال : أخرجه أبو داود وأبو نعيم وابن عساكر والديلمي عن أبي ليلى وفيض القدير للمناوي : ج ٤ / ٢٣٨ في

__________________

(١) سورة الحديد ، الآية ١٩.

(٢) سورة النساء ، الآية ٦٩.

(٣) سورة غافر ، الآية ٢٨.

(٤) سورة يس ، الآية ١٣.

٧٧٥

المتن وقال في الشرح ـ بعد لفظة وابن عساكر عن أبي ليلى ـ : وابن مردويه والديلمي من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أبي ليلى ، وذخائر العقبى : ص ٥٦ والرياض النضرة : ج ٢ / ١٥٣ للمحب الطبري ، وقال فيهما رواه أحمد بن حنبل في كتاب المناقب.

هؤلاء كلهم رووا بإسنادهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «الصدّيقون ثلاثة : حبيب النجّار مؤمن آل يس وحزقيل مؤمن آل فرعون وعليّ بن أبي طالب ، وهو أفضلهم».

ورواه ابن حجر في الصواعق المحرقة في ضمن الأربعين حديثا في فضائلهعليه‌السلام ـ الحديث الحادي والثلاثون ـ ونقله القندوزي في ينابيع المودّة / الباب الثاني والأربعون قال : الإمام أحمد في مسنده وأبو نعيم وابن المغازلي وموفق الخوارزمي أخرجوا بالإسناد عن أبي ليلى وعن أبي أيوب الأنصاري (رض) قالا «قال رسول الله (ص) : الصدّيقون ثلاثة : حبيب النجّار وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم».

ورواه العلاّمة الكنجي إمام الحرمين في كتابه كفاية الطالب الباب الرابع والعشرون بسنده المتصل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال «قال رسول الله (ص) : سبّاق الأمم ثلاثة لم يشركوا بالله طرفة عين : على بن أبي طالب وصاحب ياسين ومؤمن آل فرعون فهم الصدّيقون ، حبيب النجار مؤمن آل ياسين وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم». ثم قال : هذا سند اعتمد عليه

٧٧٦

الدارقطني واحتجّ به(١) .

__________________

(١) أقول إضافة على ما نقله المؤلف في أنّ علياعليه‌السلام أفضل الصديقين ، وجدت روايات كثيرة في مصادر العامة عن طرق عديدة ، تذكر أنّ علياعليه‌السلام هو الصدّيق الأكبر ، منها :

خصائص النسائي / ٣ / ط مطبعة التقدم بالقاهرة وتاريخ الطبري ج ٢ / ٥٦ ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ج ٢ / ١٥٥ و ١٥٨ ، كلهم رووا باسنادهم عن الإمام علي ٧ أنّه قال «أنا عبد الله وأخو رسول الله (ص) وأنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كاذب ، آمنت قبل الناس سبع سنين».

وفي الإصابة ج ٧ القسم ١ ص ١٦٧ قال ابن حجر : وأخرج أبو أحمد وابن مندة وغيرهما من طريق إسحاق بن بشر الأسدي عن خالد بن الحارث عن عوف عن الحسن عن أبي ليلى الغفارية قال : سمعت رسول الله (ص) يقول «سيكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنّه أوّل من آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمة ، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين».

أقول : ذكره أيضا ابن عبد البرّ في استيعابه ج ٢ / ٦٥٧ وذكره ابن الأثير الجزري في أسد الغابة ج ٥ / ٢٨٧ ، وروى المحب الطبري في الرياض النضرة ج ٢ / ١٥٥ قال : وعن أبي ذر قال : سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي عليه‌السلام «أنت الصدّيق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي يفرّق بين الحق والباطل». قال : وفي رواية وأنت يعسوب الدين ، ثم قال : خرّجهما الحاكمي.

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ / ١٠٢ قال : وعن أبي ذر وسلمان قالا : أخذ النبي (ص) بيد علي عليه‌السلام فقال «إنّ هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصدّيق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة ، يفرّق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظالمين ، قال : رواه الطبراني والبزّار عن أبي ذر وحده».

أقول : وذكره المناوي في فيض القدير ج ٤ / ص ٣٥٨ في الشرح وقال : رواه

٧٧٧

انظروا إلى هذه الأحاديث والأخبار المروية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتبكم ومسانيدكم واتقوا الله بترك التّعصب والعناد ، ومزّقوا الغشاوة التي ضربها أسلافكم على قلوبكم وعقولكم ، واكسروا الأقفال التي جعلوها على أفهامكم وبصائركم ، وحرّروا أنفسكم من

__________________

الطبراني والبزّار عن أبي ذر وسلمان ، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال ج ٦ ص ١٥٦ وقال : رواه الطبراني عن سلمان وأبي ذر معا ، والبيهقي وابن عدي عن حذيفة.

وفي كنز العمال ج ٦ / ٤٠٥ عن سليمان بن عبد الله عن معاذة العدوية قالت : سمعت عليا عليه‌السلام وهو يخطب على منبر البصرة يقول «أنا الصدّيق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم». قال : أخرجه محمد بن أيّوب الرازي في جزئه ، والعقيلي.

أقول : ونقله الذهبي أيضا في ميزان الاعتدال ج ١ ص ٤١٧ مختصرا عن كتاب العقيلي عن معاذة العدوية.

ونقله المحب الطبري في الرياض النضرة ج ٢ / ١٥٧ وقال : خرّجه ابن قتيبة في المعارف.

وفي كنز العمال أيضا ج ٦ / ٤٠٦ قال : عن علي عليه‌السلام قال «قال رسول الله (ص) : يا علي ليس في القيامة راكب غيرنا ونحن أربعة ، فقام رجل من الأنصار فقال : فداك أبي وأمي فمن هم؟ قال : أنا على البراق ، وأخي صالح على ناقته التي عقرت ، وعمي حمزة على ناقتي العضباء ، وأخي عليّ على ناقة من نوق الجنة بيده لواء الحمد ينادي لا إله إلاّ الله محمد رسول الله. فيقول الآدميّون ما هذا إلاّ ملك مقرّب أو نبي مرسل أو حامل عرش!! فيجيبهم ملك من بطنان العرش : يا معشر الآدميين! ليس هذا ملكا مقرّبا ولا نبيّا مرسلا ولا حامل عرش ، هذا الصدّيق الأكبر علي بن أبي طالب».

«المترجم»

٧٧٨

قيود وأغلال التقليد من آباءكم وأجدادكم ، ثم فكروا واعقلوا بقلوب متفتحة ، وبعقول متنوّرة ، وانظروا هل يحقّ أن تلقّبوا أحدا غير علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالصدّيق؟!

ليت شعري بأيّ دليل من القرآن الحكيم لقّبتم أبا بكر بالصدّيق ، بعد أن كذّب أفضل الصديقين وردّ شهادة الصدّيق الأكبر في حق الصدّيقة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام ؟!

وبأيّ دليل لقّبتم الذي مالأ أبا بكر وسانده على غصب حق الزهراءعليها‌السلام ، وأطلقتم عليه لقب الفاروق؟!

( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) (١) .

عليعليه‌السلام مدار الحق والقرآن معه

أما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي مع الحق والحق معه ، وعليّ مع القرآن والقرآن معه؟».

هل من المعقول أنّ من كان مع الحق ومع القرآن وهما لا يفارقانه ، يكون كاذبا؟! أو يشهد باطلا؟!

النوّاب : إنّني كثيرا أجالس علماءنا وأستمع حديثهم ، ولا أغيب عن خطب الجمعة أبدا ، ولكنّي ما سمعت منهم هذين الحديثين ، فهل نقلهما علماؤنا الأعلام ومحدّثونا الكرام في كتبهم؟

قلت : نعم نقلها كثير من أعلامكم ، وقد أعلنت تكرارا بأنّي لا أنقل لكم حديثا انفرد بنقله علماء الشيعة ، بل كلّ ما أذكره في هذه

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ٢٣.

٧٧٩

المناقشات منقول من مصادر علمائكم وكتب أعلامكم ، حتى يصدق عليه اسم الاحتجاج ويكون أوقع في نفوسكم وأرضى لقلوبكم وألزم لكم. وأذكر لك بعض المصادر المقبولة لديكم حول الحديثين الشريفين ، وهي كثيرة منها :

في تاريخ بغداد : ج ٤ / ٣٢١ ذكر الخطيب البغدادي ، والحافظ ابن مردويه في المناقب ، والديلمي في الفردوس ، والمتقي الهندي في كنز العمال : ج ٦ / ١٥٣ ، والحاكم النيسابوري في المستدرك : ج ٣ / ١٢٤ ، واحمد بن حنبل في المسند ، والطبراني في الأوسط والخطيب الخوارزمي في المناقب ، والفخر الرازي في تفسيره : ج ١ / ١١١ ، وابن حجر المكي في الجامع الصغير : ج ٢ / ٧٤ و ٧٥ و ١٤٠ ، وفي الصواعق المحرقة / الفصل الثاني / من الباب التاسع / الحديث الحادي والعشرين من الأربعين حديثا التي نقلها في فضل الإمام عليعليه‌السلام ، ونقل الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في ينابيع المودّة / الباب ٦٥ / ١٨٥ / ط إسلامبول نقل عن الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي ، ونقل أيضا في الباب العشرين عن جمع الفوائد والأوسط والصغير للطبراني ، ونقل عن الحمويني في الفرائد وعن ربيع الأبرار للزمخشري عن ابن عباس وعن أم سلمة.

والسيوطي في تاريخ الخلفاء / ١١٦ والمناوي في فيض القدير : ج ٤ / ٣٥٦ عن ابن عباس أو أم سلمة.

وفي مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٣٤ ، وج ٧ / ٢٣٦ ، والشبلنجي في نور الأبصار : ص / ٧٢ رووا عن أم سلمة ، وبعضهم عن ابن عباس عن رسول الله (ص) أنّه قال : «علي مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان

٧٨٠

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205