ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242784 / تحميل: 4188
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

قال الميانجي : في بعض الكتب : لما خرجوا من الكوفة كانوا خائفين من قبائل العرب ، لعل فيهم شيء من الحميّة والغيرة على إمامهم ، فيهيجوا ويخلّصوا العيال ويأخذوا الرؤوس. فلهذا عدلوا عن الطريق الأعظم والجادة الكبرى من الكوفة إلى الشام. فعلى هذا كانوا يقطعون مسيرة يومين بيوم ، ويسيرون جانب البر والقرى ، ويجدّون في السير خوفا من الطلب.

٤٣٤ ـ من أين بدأ المسير؟ :

لدينا رواية تذكر أن ركب الرؤوس والسبايا مرّ ب (القادسية) ، والقادسية تقع على بعد نحو ٨٠ كم جنوب الكوفة ، أي على غير طريقهم المتجه إلى الشمال ، فما معنى ذلك؟.

في (مقتل الحسين) المنسوب لأبي مخنف ، قال سهل :

فلما رأيت ذلك تجهزت وسرت مع القوم. فلما نزلوا القادسية أنشأت أم كلثومعليها‌السلام تقول : مات رجالي وأفنى الدهر ساداتي (شعر).

ويمكن تفسير ذلك بأن انطلاق ركب الرؤوس والسبايا كان عن طريق القادسية ليكونوا بعيدين عن الكوفة ، التي كانت تغلي كالمرجل بأهلها ، حنقا على يزيد وابن زياد. فأرادوا أن يموّهوا الطريق على الناس حتى لا يلحق بهم أحد ، ويحاول تخليصهم الرؤوس والسبايا. حتى إذا اجتمعوا في (القادسية) وهي في أول البرية ، اتجهوا شمالا بطريق صحراوي بعيدا عن الكوفة. ثم عبروا نهر الفرات من منطقة القناطر إلى قصر ابن هبيرة في شرقه. (انظر المخطط التفصيلي المرفق ـ الشكل ١٢)

٤٣٥ ـ وضع الرأس الشريف في صندوق :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٧٣ ط ٢ نجف)

ذكر عبد الملك بن هاشم في كتاب (السيرة) : الّذي أخبرنا القاضي الأسعد أبو البركات عبد القوي ابن أبي المعالي ابن الجبار السعدي في جمادى الأولى سنة ٦٠٩ ه‍ بالديار المصرية ، قراءة عليه ونحن نسمع ، قال : أنبأنا أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي في جمادى الأولى سنة ٥٥٥ ه‍ ، قال : أنبأنا إلى آخر السند المعتبر. قال :

لما أنفذ ابن زياد رأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد بن معاوية مع الأسارى ، موثقين

٣٦١

(الشكل ١٢)

٣٦٢

في الحبال ، منهم نساء وصبيان وصبيات من بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على أقتاب الجمال ، موثّقين مكشّفات الوجوه والرؤوس ، وكلما نزلوا منزلا أخرجوا الرأس من صندوق أعدّوه له ، فوضعوه على رمح ، وحرسوه طول الليل إلى وقت الرحيل. ثم يعيدوه إلى الصندوق ويرحلوا.

أول منزل خراب

٤٣٦ ـ خروج يد من الحائط تكتب بالدم :

(ينابيع المودة لسليمان القندوزي ، ج ٢ ص ١٧٧ ط ١)

فساروا على ساحل الفرات ، فنزلوا على أول منزل كان خرابا ، فوضعوا الرأس الشريف المبارك المكرم ، والسبايا مع الرأس الشريف. وإذ رأوا يدا خرجت من الحائط معها قلم تكتب بدم عبيط [أي طري جديد] شعرا :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

لقد قتلوا الحسين بحكم جور

وخالف أمرهم حكم الكتاب

فهربوا ثم رجعوا.

ثم رحلوا من ذلك المنزل ، وإذا هاتف يقول :

ماذا تقولون إن قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

وفي مخطوطة مصرع الحسين [مكتبة الأسد] قال أبو مخنف :

فساروا على جنب الفرات ، وجدّوا في السير. فأول منزل نزلوا به وضعوا الرأس بين أيديهم وجعلوا يشربون الخمر ، وإذ خرجت يد من الحائط فيها قلم يكتب بدم على الحائط هذه الأبيات :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

أترجوه وقد قتلوا نجيبا

وأكرم من مشى فوق التراب

قتلتم للحسين وما رعيتم

نبي الله في خير الشباب

٣٦٣

ألا هبّوا ننوح على حسين

وننصره بشيب أو شباب

ونكفر بالذي فعلوه فيهم

وقالوا : إنه فعل الصواب

غدا يصلوا الجحيم وقد أعدّت

لهم دون الخلائق بالعذاب

فويل للذي قتلوا حسينا

وشالوا رأسه فوق الحراب

فيا قلبي تعزّى عن حسين

والعن دونه الشمر الضبابي

وقل بمقال محزون كئيب

محبّ آل أحمد ذي الشباب :

ألا لعن الإله على يزيد

وعترته إلى يوم الحساب

قال : ففزعوا من ذلك فزعا شديدا ، وتركوا الخمر.

دير للنصارى

٤٣٧ ـ بيت شعر مكتوب في الدير من القديم :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٢)

فساروا إلى أن وصلوا إلى دير في الطريق ، فنزلوا ليقيلوا به [أي يناموا وسط النهار] ، فوجدوا أيضا مكتوبا على بعض جدرانه :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

فسألوا الراهب عن المكتوب ، ومن كتبه؟. فقال : إنه مكتوب ههنا من قبل أن يبعث نبيّكم بخمسمئة عام. ففزعوا من ذلك ورحلوا من ذلك المنزل.

وتركوا الطريق خوفا من قبائل العرب أن يخرجوا عليهم ويأخذوا الرأس منهم.وكلما وصلوا إلى قبيلة طلبوا منهم العلوفة [أي العلف] ، وقالوا : معنا رأس خارجي.

٤٣٨ ـ ما حصل في دير للنصارى في الطريق :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٦ ط نجف)

روى النّطنزي عن جماعة عن سليمان بن مهران الأعمش ، قال : بينما أنا في الطواف أيام الموسم ، إذا رجل يقول : اللهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تغفر. فسألته عن السبب؟. فقال : كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسينعليه‌السلام إلى يزيد على طريق الشام.

٣٦٤

(ستجد قصة هذا الرجل مفصّلة فيما بعد ، تحت عنوان : قصة أسلم).

فنزلنا أول مرحلة رحلنا من كربلا ، على دير للنصارى ، والرأس مركوز على رمح ، فوضعنا الطعام ونحن نأكل ، إذا بكفّ على حائط الدير تكتب عليه بقلم حديد سطرا بدم:

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

فجزعنا جزعا شديدا ، وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت ، فعاد أصحابي.

٤٣٩ ـ ما كتب على جدار كنيسة للروم من ثلاثمئة عام :

(المصدر السابق)

وعن مشايخ من بني سليم : أنهم غزوا الروم ، فدخلوا بعض كنائسهم ، فإذا مكتوب هذا البيت. فقالوا لهم : منذ متى مكتوب؟. قالوا : قبل أن يبعث نبيّكم بثلاثمئة عام.

وحدّث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه ، أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينية ، وعليها شيء مكتوب. فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت.

٤٤٠ ـ قلم من حديد يكتب سطرا بالدم :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢١٨ ط نجف)

عن (دلائل النبوة) عن أبي بكر البيهقي بالإسناد إلى أبي قبيل ، و (أمالي) أبي عبد الله النيسابوري أيضا : أنه لما قتل الحسينعليه‌السلام واجتزّ رأسه ، قعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ ويتحيّون بالرأس ، فخرج عليهم قلم من حديد من حائط ، فكتب سطرا بالدم :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب!

قال : فهربوا وتركوا الرأس ، ثم رجعوا.

وفي كتاب ابن بطة : أنهم وجدوا ذلك مكتوبا في كنيسة.

وقال أنس بن مالك : احتفر رجل من أهل نجران حفرة ، فوجد فيها لوحا من ذهب فيه مكتوب هذا البيت ، وبعده :

فقد قدموا عليه بحكم جور

فخالف حكمهم حكم الكتاب

ستلقى يا يزيد غدا عذابا

من الرحمن يالك من عذاب

٣٦٥

قصر بني مقاتل

٤٤١ ـ نزولهم في قصر بني مقاتل ، والحرّ على أشده :

(معالي السبطين للمازندراني ، ص ١٣٥)

قال الشيخ الدهدشتي البهبهاني في (الدمعة الساكبة) : في بعض الكتب القديمة عن الشيخ المفيد ، قال :

لما رحلوا بالسبايا والرؤوس إلى دمشق ، وعدل بهم الطريق إلى قصر بني مقاتل ، وكان ذلك اليوم يوما شديد الحر ، وكانت القربة التي معهم مزّقت وأريق ماؤها ، فاشتدّ بهم العطش ، وأمر ابن سعد عدة من قومه في طلب الماء ، وأمر بفسطاط فضرب على أربعين ذراعا ، فجلس هو وأصحابه ورموا بالسبايا والأطفال على وجه الأرض تصهرهم الشمس.

فأتت زينبعليها‌السلام إلى ظل جمل هناك ، وفي حضنها علي بن الحسينعليه‌السلام وقد أشرف على الهلاك من شدة العطش ، وبيدها مروحة تروّحه بها من الحر ، وهي تقول : يعزّ عليّ أن أراك بهذه الحال يابن أخي. ثم ذهبت سكينة إلى شجرة هناك ، وعملت لها وسادة من التراب ونامت عليها. فما كان إلا قليل وإذا القوم قد رحلوا وتركوها

القادسيّة

٤٤٢ ـ ما أنشدته أم كلثومعليها‌السلام عند وصولهم إلى القادسية :

(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ١١٠)

قال أبو مخنف : ثم إن ابن زياد دعا بشمر بن ذي الجوشن وخولي ، وضمّ إليهما ألفا وخمسمائة فارس ، وأمرهم أن يسيروا بالسبايا والرأس إلى الشام ، وأن يشهروهم في جميع البلدان.

قال سهل : فلما رأيت ذلك تجهزت وسرت مع القوم.

فلما نزلوا القادسية أنشأت أم كلثومعليها‌السلام تقول :

ماتت رجالي وأفنى الدهر ساداتي

وزادني حسرات بعد لوعات

صال اللئام علينا بعد ما علموا

أنّا بنات رسول الله بالهدايات

٣٦٦

يسيّرونا على الأقتاب عارية

كأننا فيهم بعض الغنيمات

يعزز عليك رسول الله ما صنعوا

بأهل بيتك يا خير البريّات

كفرتم برسول الله ويلكم

أهداكم من سلوك في الضلالات

شرقي الحصّاصة ـ قصر ابن هبيرة

٤٤٣ ـ مرور السبايا شرقي الحصّاصة وخارج الأنبار :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد)

قال أبو مخنف : وأخذوا الرأس وساروا على شرقي الجصّاصة [قرية من توابع الكوفة قرب قصر ابن هبيرة] وخارج الأنبار. وإذا بهاتف يهتف على يمين الطريق ، يسمع صوته ولا يرى شخصه ، وهو يقول :

ماذا تقولون إن قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد منقلبي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

(أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي)

سبيتمونا كسبي الروم ويحكم

هذا جزاء رسول الله عندكم!

ألم يقل أرفقوا في عترتي وصلوا

بالبرّ قرباي لا تؤذوا ذوي رحمي!

جرايا ـ مسكن

ثم مرّوا بجرايا ، ثم وصلوا مسكن قبل أن يعبروا تكريت.

وفي مخطوطة (مصرع الحسين) مكتبة الأسد ، ص ٣٨ :

قال أبو مخنف : وساروا خارج الأنبار ، وكتبوا إلى صاحب تكريت

تكريت

٤٤٤ ـ النصارى في تكريت يستنكرون قتل الحسين وأهلهعليهم‌السلام :

في (ينابيع المودة) للقندوزي ، ج ٢ ص ١٧٧ قال :

فلما وصلوا إلى (تكريت) نشرت الأعلام ، وخرج الناس بالفرح والسرور ، فقالت النصارى للجيش : إنا براء مما تصنعون أيها الظالمون ، فإنكم قتلتم ابن بنت نبيكم ، وجعلتم أهل بيته أسارى؟!.

٣٦٧

وفي (معالي السبطين) للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٣ قال :

فلما وصلوا إلى (تكريت) كتبوا إلى صاحبها بأن تلقّنا ، فإن معنا رأس الحسين.فلما قرأ الكتاب أمر البوقات فضربت ، والأعلام فنشرت ، والمدينة فزيّنت. ودعا الناس من كل جانب ومكان من جميع القبائل ، فخرج فتلقّاهم. وكان كل من سألهم يقولون: هذا رأس خارجي خرج على يزيد بأرض العراق ، في أرض يقال لها كربلاء ، فقتله عبيد الله بن زياد ، وأنفذ به إلى الشام.

فقال رجل نصراني : يا قوم ، إني كنت بالكوفة ، وقد ورد هذا الرأس ، وليس هو رأس خارجي ، بل هو رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة الزهراء ، وجده محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلما سمعت النصارى ذلك عمدوا إلى النواقيس فأخذوها ، وجمعوا الرهبان ، وأغلقوا البيع [جمع بيعة وهي الكنيسة] إعظاما له ، وقالوا : إلهنا وسيدنا ، إنا برئنا من قوم قتلوا ابن بنت نبيهم.

فبلغهم ذلك ، فلم يدخلوها ، ورحلوا عنها وأخذوا على البرية.

طريق البر

٤٤٥ ـ سلوك طريق البرية(المقتل المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٣)

قال أبو مخنف : ورحلوا من تكريت ، وأخذوا على طريق البر. ثم على (الأعمى) ، ثم على (دير عروة) ، ثم على (صليتا) ، ثم على (وادي النخلة) فنزلوا فيها وباتوا.

وادي النّخلة

٤٤٦ ـ بكاء الجن على الحسينعليه‌السلام في وادي النخلة :

(المصدر السابق ؛ وينابيع المودة ، ص ١٧٧)

قال أبو مخنف : فسمعوا نساء الجن يبكين على الحسينعليه‌السلام ويقلن شعرا :

مسح النبي جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش

وجده خير الجدود

قتلوه ظلما ويلهم

سكنوا به نار الخلود

٣٦٨

أرميناء

ثم رحلوا من وادي النخلة ، وأخذوا على (أرميناء) ، وساروا حتى وصلوا إلى (لينا) ، وكانت عامرة بالناس.

مرشاد

٤٤٧ ـ العجائب في مرشاد :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٨١ ط ٢ ؛ وينابيع المودة ، ج ٢ ص ١٧٧)

فلما وصلوا إلى بلدة يقال لها (مرشاد) خرج المشايخ والمخدّرات والشبان يتفرجون على السبي والرؤوس ، وهم مع ذلك يصلّون على محمّد وآله ، ويلعنون أعداءهم ؛ وهو من العجائب.

لينا ـ برساباد

٤٤٨ ـ ما حصل في لينا (أو برساباد):

(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٤)

وفي مخطوطة (مصرع الحسين) مكتبة الأسد ، ص ٣٩ :

قال أبو مخنف : ثم ارتحلوا على طريق (برساباد) وكانت مدينة عامرة غاصة بأهلها ، فخرجت المخدرات من خدورهن ، والكهول والشبان ، وجعلوا ينظرون إلى رأس الحسينعليه‌السلام ويصلون عليه وعلى جده وأبيه ، ويلعنون من قتله ، وهم يقولون : يا قتلة أولاد الأنبياء ، اخرجوا من بلدنا.

الكحيل ـ جهينة

قال أبو مخنف : فأخذوا على الكحيل (أو الأكحل) ، وأتوا جهينة (مرج جهينة) ، وكتبوا إلى صاحب الموصل ، أن تلقّانا فإن معنا رأس الحسين.

عسقلان

٤٤٩ ـ خبر زرير الخزاعي في عسقلان :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٦)

ذكرنا سابقا أن هذه (عسقلان) غير عسقلان فلسطين ، وقد ذكرها السيد محمّد

٣٦٩

مهدي الحائري في (معالي السبطين) قبل الموصل. وفيها حصلت هذه القصة الغريبة التي هي إحدى المحاولات لاستنقاذ الرؤوس والسبايا من أيدي المجرمين.

في (الدمعة الساكبة) قال : وساروا مجدّين إلى أن وصلوا إلى بلد يقال له (عسقلان) وأمير ذلك البلد يعقوب العسقلاني ، وكان في حرب الحسينعليه‌السلام .فلما وصل العسكر مع الرأس والنساء إليه ، أمر أن يزيّنوا ذلك البلد ، وأمر أصحاب الله وو الزهو أن يفرحوا ويلعبوا ، ويضربوا الطنبور والعود. وجلسوا في القصور باللهو وشرب الخمور.

فلما دخلوا وأدخلوا الرأس والنساء ، كان رجل تاجر اسمه زرير الخزاعي ، وكان واقفا ، فلما رأى الناس على ذلك ، سأل بعضهم : إن هذا الفرح والسرور ما سببه ، وما سبب تزيين الأسواق؟. فقالوا : كأنك غريب. قال : نعم. قالوا : كان في العراق رجل مع جماعة ، وهم يخالفون يزيد وما بايعوه ، فبعث إليهم عسكرا فقتلوهم ، وهذه رؤوسهم ونساؤهم. فسأل زرير : يا هذا ، هؤلاء كانوا مسلمين أم كفرة؟. فقيل له : إنهم كانوا سادات أهل الاسلام. فقال : ما كان سبب خروجهم على يزيد؟. قيل له : إن كبيرهم كان يقول : أنا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا بالخلافة أحق. فسأل : من كبيرهم ، ومن كان أبوه ، ومن كانت أمه؟. قيل : أما اسمه الحسين ، وأخوه الحسن ، وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبوه أمير المؤمنينعليه‌السلام . فلما سمع زرير ذلك اسودّت الدنيا في عينيه وضاقت الأرض عليه.

فجاء قريبا من السبايا ، فنظر إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام فبكى بكاء شديدا ، وأنّ أنّة عظيمة. فقال زين العابدينعليه‌السلام : ما لي أراك تبكي يا هذا؟. وجميع أهل البلد في فرح وسرور!. فقال : يا مولاي أنا رجل غريب ، قد وقعت في هذا البلد ، وسألت أهل هذا البلد عن فرحهم وسرورهم؟. فقالوا : باغ تباغى على يزيد ، فقتله وبعث برأسه ونسائه إلى الشام. فسألت عن اسمه؟ قالوا : هو الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام وجده محمّد المصطفى. فقلت : تبّا لكم فمن كان أحق منه بالخلافة؟. فقالعليه‌السلام : جزاك الله يا زرير خيرا فقد أرى فيك المعرفة ولنا المحبة. (قال) فقلت : يا سيدي هل لك حاجة ، لأني لك بشرط الخدمة.قالعليه‌السلام : قل للذي هو حامل لرأس الحسينعليه‌السلام أن يتقدم على النساء لتشتغل النظارة بالرأس عن النظر إلى النساء. قال : فمضيت من وقتي وأعطيت حامل الرأس

٣٧٠

خمسين مثقالا من الذهب والفضة حتى اعتزل وتقدّم به ، فاستراحت النساء من مدّ النظر إليهن ، وعاد الناس يتفرجون على الرؤوس. فأتيت إلى الإمام وقلت : سيدي بما ذا تأمرني بعد ذلك؟. قالعليه‌السلام : إن كان في رحلك ثياب زائدة ائتني بها. قال :فمضيت وأتيت لكل واحدة من النساء بثوب ، وأتيت لزين العابدينعليه‌السلام بعمامة.فعند ذلك قام الصياح والزعقات في السوق ، فتأملت ذلك وإذا هو الشمر اللعين ، فأخذتني الحمية فجئت إليه وشتمته ، ومسكت بلجام فرسه ، وقلت له : لعنك الله يا شمر ، رأس من هذا وضعته على الرمح؟. وهؤلاء السبايا الذين سبيتهم أولاد من؟.حتى أركبتهم الجمال بغير وطاء!. قطع الله يديك ورجليك وأعمى قلبك وعينيك.فغضب اللعين وصاح بأصحابه : اضربوه. فضربوه واجتمع عليه الناس بالحجارة حتى أثخنوه. ووقع مغشيا عليه فظنوا أنه قد قتل ومات ، وتركوه ملقى على قفاه لا يتحرك.

فلما كان الليل ومضى نصفه قام زرير مرة يحبو ومرة يتمرغل على ظهره وبطنه من كثرة الجراح ، حتى وصل إلى مسجد هناك يسمى بمشهد سليمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا هو بأناس رؤوسهم مكشوفة وأزياؤهم (وأزياقهم) مشققة ، وأعينهم باكية وقلوبهم محترقة. فقال زرير : ما لكم باكون والناس في هذا البلد فرحون مسرورون؟.فقالوا : أيها القادم علينا إن كنت منا فاجلس وشاركنا في المصيبة ، وإذا هم يبكون على الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام . فحكى زرير قصته وأراهم الطعن في بدنه ، فاشتغلوا بالبكاء ، وزادت مصيبتهم وعزاؤهم على أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الموصل

٤٥٠ ـ كرامة جديدة لرأس الحسينعليه‌السلام قرب الموصل :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٧)

وساروا إلى أن وصلوا قريبا من (موصل).

وفي (الناسخ) : كتب عمر بن سعد كتابا إلى والي موصل ، وفي خبر كتب شمر كتابا إلى الوالي ، أن تلقّنا وهيّئ لنا الزاد والعلوفة. فلما وصل الكتاب إلى والي موصل ، جمع الأكابر وعرض الكتاب عليهم واستشارهم ، فقالوا : حاشا أن نخلّيهم يدخلون علينا رأس الحسينعليه‌السلام . فكتب الوالي كتابا إلى شمر ، بأن أهل هذه البلدة من محبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وإذا دخلتم البلد أخاف أن تثور عليكم

٣٧١

الفتنة ، فالصواب أن تنزلوا قريبا من البلدة ، ونحن نبعث لكم الزاد والعلوفة. فقبل شمر نصيحته ، ونزلوا تحت جبل هناك قريبا من موصل على فرسخ منها ، وأنزلوا العيال والأطفال ، وأنزلوا رأس الحسينعليه‌السلام من الرمح ، ووضعوه على صخرة ، فقطرت قطرة من دم نحره الشريف على الصخرة ، فصارت تنبع ويغلي منها الدم كل سنة في يوم عاشوراء ، والناس مجتمعون إليها في كل سنة ، ويقيمون مراسم العزاء والمأتم على الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء. وبقيت هذه إلى أيام عبد الملك بن مروان ، فأمر بنقل الحجر ، فلم ير بعد ذلك منه أثر. ولكن بنوا على ذلك المقام قبة وسمّوها مشهد النقطة.

وفي (مقتل الحسين) المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٤ قال :

وأنفذوا إلى عامل موصل أن تلقّانا ، فإن معنا رأس الحسينعليه‌السلام فلما قرأ الكتاب أمر بأعلام فنشرت ، والمدينة فزيّنت. وتداعت الناس من كل جانب ومكان. وخرج الوالي فتلقّاهم على ستة أميال.

فقال بعض القوم : ما الخبر؟. فقالوا : رأس خارجي خرج بأرض العراق ، قتله عبيد الله بن زياد ، وبعث برأسه إلى يزيد. فقال رجل منهم : يا قوم ، هذا رأس الحسينعليه‌السلام !. فلما تحقّقوا ذلك اجتمعوا في أربعين ألف (وفي رواية : أربعة آلاف) فارس من الأوس والخزرج ، وتحالفوا أن يقتلوهم ويأخذوا منهم رأس الحسينعليه‌السلام ويدفنوه عندهم ، ليكون فخرا لهم إلى يوم القيامة.

فلما سمعوا ذلك لم يدخلوا البلد ، وأخذوا على (تل أعفر) ، ثم على جبل سنجار.

تل أعفر ـ سنجار

٤٥١ ـ في تل أعفر وسنجار :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٣)

قال أبو مخنف : فلم يدخل خولي الموصل وأخذوا به على طريق البرية ، على جبلة على (تل أعفر) ، ثم على (سنجار). وساروا على نصيبين على الحصن.وقد ذكرنا عند التعريف بسنجار أنها بلدة واقعة في السفح الجنوبي لجبل سنجار ، وفيها مزار للسيدة زينب الكبرىعليها‌السلام وهو يقوم على ربوة عالية في مدخل المدينة.

٣٧٢

والذي يريد التوجه من سنجار إلى (نصيبين) لا بدّ له أن يمرّ بمضيق في الجبل ليصير إلى الشمال ، مارا بوادي (الردّ) في طريقه إلى نصيبين.

(الشكل ١٣) :

مسير السبايا من تل عفر إلى نصيبين مرورا بسنجار

نصيبين

نصيبين بلدة تقع على الحدود السورية التركية ، محاذية للقامشلي. وقد حدثت فيها حوادث جليلة ، منها ما حصل مع راهب نصيبين. فلما أحس العسكر بهجوم مرتقب عليهم حاولوا دخول دير الراهب ليحتموا به ، وباتوا فيه. وإليك قصة ذلك.

٤٥٢ ـ مشهد النقطة في نصيبين(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٧٧)

قال السيد محمّد مهدي الحائري : ثم ساروا إلى أن وصلوا إلى (نصيبين) وهي مدينة قرب دجلة ، وتقع على أحد روافد نهر الخابور المتوجهة إلى الحسكة.

عن (كامل البهائي) : أمر منصور بن إلياس بتزيين البلدة ، فزيّنوها بأكثر من ألف مرآة. فلما دخلوا أراد الملعون الّذي كان معه رأس الحسينعليه‌السلام أن يدخل البلد ، فلم يطعه فرسه. فبدّله بفرس آخر فلم يطعه ، وهكذا فإذا بالرأس قد سقط إلى الأرض ، فأخذه إبراهيم الموصلي فتأمل فيه ، فوجده رأس الحسينعليه‌السلام ، فلامهم ووبخهم ، فقتله أهل الشام.

ثم جعلوا الرأس خارج البلد ، ولم يدخلوا به. ولعل مسقط الرأس الشريف صار مشهدا ومزارا.

٣٧٣

يقول السيد المقرّم في مقتله ، حاشية ص ٤٤٤ :

وفي كتاب (الإشارات إلى معرفة الزيارات) لأبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي [المتوفى سنة ٦١١ ه‍] ص ٦٦ قال :

في مدينة نصيبين مشهد النقطة ، يقال إنه من دم رأس الحسينعليه‌السلام . وفي سوق النشّابين مشهد الرأس ، فإنه علّق هناك لما عبروا بالسبي إلى الشام.

قال أبو مخنف : فنزلوا إلى نصيبين وشهروا الرأس والسبايا. فلما رأت زينبعليها‌السلام رأس أخيها بكت وأنشأت تقول :

ألم تشهرونا في البرية عنوة

ووالدنا أوحى إليه جليل

كفرتم برب العرش ثم نبيّه

كأن لم يجئكم في الزمان رسول

لحاكم إله العرش يا شرّ أمة

لكم في لظى يوم المعاد عويل

كفر نوبا ـ عين الورد

٤٥٣ ـ في كفر نوبا ثم رأس العين :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٣)

قال أبو مخنف : وأتوا به (كفر نوبا) ، وجازوا به إلى (عين الوردة) وهي رأس العين.

دعوات

٤٥٤ ـ في دعوات :(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٧٨)

قال أبو مخنف : وجعلوا يسيرون إلى عين الوردة ، وأتوا إلى قريب

(دعوات). وكتبوا إلى عاملها أن تلقّانا ، فإن معنا رأس الحسينعليه‌السلام . فلما قرأ الكتاب أمر بضرب البوقات ، وخرج يتلقّاهم. فشهروا الرأس ودخلوا من باب الأربعين ، فنصبوا رأس الحسينعليه‌السلام في الرحبة ، من زوال الشمس إلى العصر ، وأهلها طائفة يبكون ، وطائفة يضحكون وينادون : هذا رأس الخارجي ، خرج على يزيد بن معاوية.

قال : وتلك الرحبة التي نصب فيها رأس الحسينعليه‌السلام لا يجتاز فيها أحد وتقضى حاجته إلى يوم القيامة.

٣٧٤

وباتوا ثملين من الخمور إلى الصباح. فلما ارتحلوا بكى زين العابدينعليه‌السلام وأنشأ يقول:

ليت شعري هل عاقل في الدياجي

بات من فجعة الزمان يناجي

أنا نجل الإمام ما بال حقي

ضائع بين عصبة الأعلاج

٤٥٥ ـ قصة صاحب الدير(معالي السبطين ، ج ٢ ص ٨٢)

قال في (الدمعة الساكبة) : وفي بعض الكتب القديمة قد روي مرسلا عن بعض الثقات عن أبي سعيد الشامي ، قال : كنت يوما مع الكفرة اللئام الذين حملوا الرؤوس والسبايا إلى دمشق. فلما وصلوا إلى دير النصارى ، وقع بينهم [أي جاءهم خبر] أن نصر الخزاعي قد جمع عسكرا ، ويريد أن يهجم عليهم نصف الليل ، ويقتل الأبطال ويجدّل الشجعان ، ويأخذ الرؤوس والسبايا.

فقال رؤساء العسكر من عظم اضطرابهم : نلجأ الليلة إلى الدير ، ونجعله كهفا لنا ، لأن الدير كان محكما لا يقدر أن يتسلط عليه العدو. فوقف الشمر وأصحابه على باب الدير ، وصاح بأعلى صوته : يا أهل الدير. فجاءه القسيس الكبير. فلما رأى العسكر قال لهم : من أنتم وما تريدون؟. فقال الشمر : نحن من عسكر عبيد الله بن زياد ، ونحن سائرون إلى الشام. قال القسيس : لأي غرض؟. قال : كان شخص في العراق قد تباغى وخرج على يزيد بن معاوية وجمع العساكر ، فبعث عسكرا عظيما فقتلوهم ، وهذه رؤوسهم ، وهذه النسوة سبيهم. قال : فلما نظر القسيس إلى رأس الحسينعليه‌السلام وإذا بالنور ساطع منه إلى عنان السماء ، فوقع في قلبه هيبة منه.فقال القسيس : ديرنا ما يسعكم ، بل أدخلوا الرؤوس والسبايا إلى الدير ، وأحيطوا بالدير من خارج ، فإذا دهمكم عدوّ قاتلوه ، ولا تكونوا مضطربين على الرؤوس والسبايا. فاستحسنوا كلام القسيس ، وقالوا : هذا هو الرأي. فحطّوا رأس الحسينعليه‌السلام في صندوق ، وقفلوه وأدخلوه إلى الدير ، هو والنساء وزين العابدينعليه‌السلام وجعلوهم في مكان يليق بهم.

القسّيس يشهد نزول نساء الأنبياء لتعزية الحسينعليه‌السلام :

قال : ثم إن صاحب الدير أراد أن يرى الرأس الشريف ، وجعل ينظر حول البيت [أي الغرفة] الّذي فيه الصندوق ، وكان له رازونة [أي كوة] فحطّ رأسه فيها ، فرأى البيت يشرق نورا ، ورأى أن سقف البيت قد انشق ونزل من السماء تخت عظيم.

٣٧٥

وإذا بامرأة أحسن من الحور جالسة على التخت ، وإذا بشخص يصيح : أطرقوا ولا تنظروا. وإذا قد خرج من ذلك البيت نساء ، وإذا هنّ حواء وسارة وأم إسماعيل وأم يوسف وأم موسى ومريم وآسيةعليهم‌السلام ونساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال : فأخرجن الرأس من الصندوق ، وكل من تلك النساء ـ واحدة بعد واحدة ـ يقبّلن الرأس الشريف.

فاطمة الزهراءعليها‌السلام ترثي ابنها :

فلما وقعت النوبة لمولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام غشي عليها ، وغشي على صاحب الدير ، وعاد لا ينظر بالعين ، بل يسمع الكلام ، وإذا بقائلة تقول : السلام عليك يا قتيل الأم ، السلام عليك يا مظلوم الأم ، السلام عليك يا شهيد الأم ، لا يداخلك همّ ولا غم ، وإن الله تعالى سيفرّج عني وعنك. يا بنيّ من ذا الّذي فرّق بين رأسك وجسدك؟. يا بنيّ من ذا الّذي قتلك وظلمك؟. يا بنيّ من ذا الّذي سبى حريمك؟. يا بنيّ من ذا الّذي أيتم أطفالك؟. ثم إنها بكت بكاء شديدا.

صاحب الدير يكلّم الرأس الشريف والرأس يكلّمه :

فلما سمع الديراني (صاحب الدير) ذلك اندهش ووقع مغشيا عليه. فلما أفاق نزل إلى البيت وكسر الصندوق ، واستخرج الرأس وغسّله وحنّطه بالكافور والمسك والزعفران ، ووضعه في قبلته [أي مقابله] وهو يبكي ويقول :

يا رأس من رؤوس بني آدم ، ويا كريم ويا عظيم جميع من في العالم. أظنك من الذين مدحهم الله في التوراة والإنجيل ، وأنت الّذي أعطاك فضل التأويل ، لأن خواتين [جمع خاتون ، وهي السيدة الجليلة] السادات من بني آدم في الدنيا والآخرة يبكين عليك ويندبنك. أنا أريد أن أعرفك باسمك ونعتك.

فنطق الرأس بقدرة الله تعالى ، وقال : أنا المظلوم أنا المهموم أنا المغموم ، أنا الّذي بسيف العدوان والظلم قتلت ، أنا الّذي بحرب أهل البغي ظلمت ، أنا الّذي على غير جرم نهبت ، أنا الّذي من الماء منعت ، أنا الّذي عن الأهل والأوطان بعدت.

فقال صاحب الدير : بالله عليك أيها الرأس زدني. فقال : إن كنت تسأل عن حسبي ونسبي : أنا ابن محمّد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن العروة الوثقى. أنا شهيد.

٣٧٦

كربلا ، أنا قتيل كربلا ، أنا مظلوم كربلا ، أنا عطشان كربلا ، أنا ظمآن كربلا ، أنا وحيد كربلا ، أنا سليب كربلا ، أنا الّذي خذلني الكفرة بأرض كربلا.

القسيس وتلامذته يسلمون على يد الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

قال : فلما سمع صاحب الدير من رأس الحسينعليه‌السلام ذلك ، جمع تلامذته وحكى لهم الحكاية ، وكانوا سبعين رجلا ، فضجّوا بالبكاء والعويل ، ورموا العمائم عن رؤوسهم ، وشقّوا أزياقهم. وجاؤوا إلى سيدنا زين العابدينعليه‌السلام وقد قطّعوا الزنّار وكسروا الناقوس ، واجتنبوا فعل اليهود والنصارى ، وأسلموا على يديه ، وقالوا : يابن رسول الله مرنا أن نخرج إلى هؤلاء الكفار ونقاتلهم ، ونجلي صداء قلوبنا بهم ، ونأخذ بثأر سيدنا ومولانا الحسينعليه‌السلام . فقال لهم الإمامعليه‌السلام : لا تفعلوا ذلك ، فإنهم عن قريب ينتقم الله تعالى منهم ، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

توضيح :

وردت عدة قصص لرهبان وصوامع وأديرة في الطريق ؛ منها ما حصل في أول دير مروا به على شط الفرات ، ومنها ما حصل لراهب قنّسرين الّذي اطّلع من صومعته ثم كلّم الرأس وأسلم ، ومنها ما حصل في صومعة الراهب قبل وصولهم إلى دمشق بقليل ، وقد رويناها بعدة طرق وأشكال. ومنها الرواية الآنفة الذكر وقد وضعناها هنا مسترشدين بالفقرة التالية التي نصّت على أن أهل البيتعليهم‌السلام أقاموا في دير الراهب قبل أن يساقوا إلى حرّان.

٤٥٦ ـ ورود أهل البيتعليهم‌السلام إلى مدينة حرّان :(كتاب : ما جرى بعد

واقعة عاشوراء للحاج محمّد دانشيار شوشتري ، ص ١٠٨ باللغة الفارسية)

يقول صاحب كتاب (روضة الأحباب) وهو من علماء السنة الموثوقين(١) :

إن شخصا يهوديا اسمه يحيى الحرّاني كان يسكن على رأس تل قريب من مدينة حرّان. وسمع يوما أن أهل البيتعليهم‌السلام سيقوا من دير الراهب إلى حران ، وسمع

__________________

(١) جاء في الموسوعة الإسلامية البريطانية ـ حرف الجيم : كتب المؤرخ الفارسي عطاء الله ابن فضل الله الشيرازي النيسابوري [ت ٩١٧ ه‍] فيما بين عامي ٨٨٨ ـ ٩٠٠ ه‍ سيرة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآل بيته وصحابته عنوانها (روضة الأحباب في سير النبي والآل والأصحاب) مجلدان ، وأهداها لمير علي شير. ويمكن الرجوع في شأنه إلى حاجي خليفة في كتابه (كشف الظنون).

٣٧٧

كذلك أن جماعة مؤلفة من نساء وأطفال قد أسروا ، ودخلوا حرّان بصحبة رؤوس كثيرة مقطّعة. فخرج يحيى من بيته ونزل من أعلى التل ، وانتظر وصول القافلة بجوار الطريق. وعندما انجلت مقدمة القافلة رأى يحيى رؤوسا محمولة على الرماح ، ورأى أهل البيت يساقون وراء الرؤوس كما يساق الكفار بقوة وعنف. وفي تلك اللحظات وقعت عين يحيى على رأس ابن بنت المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان نور جماله يشع من بعيد. وعندما حدّق به شاهد شفتيه المباركتين تتحركان ، فاقترب من الرأس ليسمع ما ذا يقول ، فسمعه يقول :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )

وعندما سمع هذه الآية المباركة يتلوها الرأس المقطوع ، أخذته الدهشة والذعر والحيرة ، وبشكل عفوي اقترب من أحد الجنود وسأله عن صاحب الرأس؟.أجابه : هذا رأس الحسين بن عليعليه‌السلام . سأله عن اسم أمه؟. أجابه : إنها فاطمة بنت محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وسأله عن هوية الأسرى الذين معه؟. أجابه : هؤلاء الأطفال والنساء هم عائلته. عند ذلك وقع يحيى باكيا ، وقال : أحمد الله أنه انكشف لي أن في شريعة محمّد ، كل من يمشي في طريق الضلال تكون عقوبته النار الأبدية.وانطلاقا من هذا المبدأ فإننا نجد أن الأنبياء وأهلهم هم أكثر الناس تحمّلا لألوان الظلم والاضطهاد والألم والعذاب ، وإن هذه البلية العمياء والداهية الدهياء لهي برهان على هذه الحقيقة.

عندئذ نطق يحيى اليهودي بالشهادتين وأسلم لله. وطلب أن يقدّم لأهل البيت كل ما يملك من أدوات وأغراض ، فرفض العسكر ذلك ومنعوه ، لأنهم خافوا من سلطة يزيد. وبما أن يحيى كان محبا للحسينعليه‌السلام ، وبما أن المحبّين عادة لا ينظرون إلى الربح والخسارة ، فقد شهر سيفه وقاتل العسكر حتى نال الشهادة ، ودفن بجوار بوابة حرّان ، وسمّي منذ ذلك الحين (يحيى الشهيد) رضوان الله عليه.

الرّقّة

٤٥٧ ـ في الرقّة :

من المقطوع به مرور السباياعليهم‌السلام على (الرقة) ، وهي بلدة معروفة تقع على الجانب الأيسر لنهر الفرات عند التقائه برافد (البليخ). وفي جنوبها وجنوب النهر يقع جبل (صفّين) الّذي كانت عنده الموقعة المشهورة. ولم يذكر مرورهمعليه‌السلام على الرقة في أية رواية ، مع أن مرورهم بها حتمي.

٣٧٨

دوسر ـ بالس

٤٥٨ ـ مرور الرأس الشريف على دوسر ثم بالس :

(مخطوطة مصرع الحسين ـ مكتبة الأسد ، ص ٤٣)

قال أبو مخنف : وأتوا به (دوسر) ، وأخذوا به تخت (بالس) ونزلوا بها. وكتبوا إلى صاحب حلب

فأما دوسر فهي (قلعة جعبر) وتقع على الفرات بين الرقة وبالس.

وأما بالس [وتدعى اليوم مسكنة] ففيها مشهد الطرح ، وبها مشهد الحجر الّذي وضع عليه رأس الحسينعليه‌السلام عند مرور السبايا بها (انظر التعريف ببالس سابقا).

حلب ـ جبل الجوشن

٤٥٩ ـ وصول الرؤوس والسبايا إلى حلب :

(تاريخ مشهد الإمام الحسين في حلب للسيد حسين يوسف مكي ، ص ١١ و ١٢)

وأما (حلب) فلم تكن مركزا في ذلك الوقت ، وإنما كانت تابعة

ل (قنّسرين) التي تقع إلى الجنوب الغربي من حلب على بعد ٢٥ كم. وقد كان مبيت (الرؤوس) عند وصولها إلى حلب على جبل يقع غرب حلب ، هو جبل الجوشن ، سمّي بهذا الاسم نسبة لشمر بن ذي الجوشن الّذي تولى ذبح الحسينعليه‌السلام واقتياد الرؤوس والسبايا والتشهير بهم في البلاد. وذلك ليبقى هذا الاسم معلنا بفسق الشمر وفجوره وفظاعة أعماله إلى يوم القيامة.

وأما (السبايا) فقد نزلوا على بعد مائتي متر جنوب مكان الرؤوس. وبقي في هذين المكانين قبل الارتحال أثران هامان ، الأول : نقطة من دم الحسينعليه‌السلام سقطت من الرأس الشريف على الحجر الّذي وضع عليه ، بني عليها

[مشهد الحسينعليه‌السلام ]. والثاني : قبر السقط (محسن) الّذي أسقطته إحدى زوجات الحسينعليه‌السلام أثناء مبيت السبايا ، وقد بني عليه [مشهد السقطعليه‌السلام ].

وقد شاء الله تعالى أن يظهر أمر هذين الأثرين للوجود ، وأن تكون لتلك الكرامات التي بانت لهذين المشهدين ، الأثر في نفس سيف الدولة الحمداني ، مما دعاه إلى تشييد مشهد لكل منهما سنة ٣٥١ ه‍».

٣٧٩

٤٦٠ ـ في جبل الجوشن(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ٧٩)

في (القمقام) عن ياقوت الحموي في (معجم البلدان) : أن في قرب حلب جبلا اسمه (جوشن) ، وهو جبل مطلّ على حلب في غربيّها وفيه مقابر ومشاهد للشيعة ، منها مقبرة ابن شهر اشوب صاحب المناقب. وكان في ذلك الجبل معدن الصفر ، ومنه يحمل النحاس الأحمر.

وفي قبلي الجبل مشهد يسمى (بمشهد السقط) لأنه لما عبروا بسبي الحسينعليه‌السلام ونسائه ، كانت زوجة الحسينعليه‌السلام حاملا بولد اسمه (محسن) وأسقطت هناك. والعيال طلبوا من الصنّاع في ذلك الجبل خبزا وماء وبعض الحوائج ، فشتموهم ومنعوهم ، فدعون عليهم. ومن ذلك اليوم فقد ذلك المعدن ، ومن عمل فيه لا يربح. فدفن السقط هناك ، وسمي بمشهد السقطعليه‌السلام . وأهل حلب يعبّرون عنه بالشيخ محسّن ، بفتح الحاء وتشديد السين المكسورة.

وقد تكلمنا سابقا عند التعريف بمشهد الحسين ومشهد السقط بشكل مستفيض حول تاريخ هذين المشهدين الكريمين ، وكيف تهدّم مشهد الحسينعليه‌السلام في هذا القرن ، ثم أعاد بناءه المجدد الأكبر العلامة السيد حسين يوسف مكي العاملي طيّب الله ثراه ، سنة ١٩٦٠ م.

قنّسرين

قنّسرين : تعرف بإسكي حلب ، وكانت مركز جند هام ، وتقع على طريق القوافل بين حلب وأنطاكية (منجد الأعلام ـ حرف القاف).

٤٦١ ـ البغاة في قنّسرين :(مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف ، ص ١١٦)

قال أبو مخنف : وأتوا (قنّسرين) وكانت عامرة بأهلها. فلما بلغهم ذلك أغلقوا الأبواب ، وجعلوا يلعنونهم ويرمونهم بالحجارة ، ويقولون : يا فجرة ، يا قتلة أولاد الأنبياء ، والله لا دخلتم بلدنا ، ولو قتلنا عن آخرنا. فرحلوا عنهم.

قال : فبكت أم كلثوم ، وأنشأت تقول :

كم تنصبون لنا الأقتاب عارية

كأننا من بنات الروم في البلد

أليس جدي رسول الله ويلكم

هو الّذي دلّكم قصدا إلى الرّشد

يا أمة السوء لا سقيا لربعكم

إلا العذاب الّذي أخنى على لبد

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

مفهوم الوصاية وأهمّيتها

نعرف مفهوم الوصاية من الروايات والأحاديث التي ذكرناها فالمعنى هو الذي تداعى للنوّاب إذ قال : الخليفة هو الذي يقوم بتنفيذ وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا حاجة إلى آخر.

وصحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا كانوا يفهمون أنّ الوصي هو الذي يقوم مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لذلك قام بعض المتعصبين المعاندين من أهل السنّة بإنكار وصاية الإمام عليعليه‌السلام لأنّهم عرفوا بأنّ الإقرار بذلك يلازم الإقرار بخلافتهعليه‌السلام .

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١ / ١٣٩ و ١٤٠ / ط دار إحياء التراث العربي [أما الوصيّة فلا ريب عندنا أنّ علياعليه‌السلام كان وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا الى العناد.]

ثم نقل في صفحة ١٤٣ وما بعدها أبياتا وأراجيز في إثبات وصاية عليّعليه‌السلام ، منها : قول عبد الله بن عباس حبر الأمة :

[وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه إن قيل هل من منازل]

وقول خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين يخاطب عائشة ، منها :

[وصيّ رسول الله من دون أهله

وأنت على ما كان من ذاك شاهده]

وقول أبي الهيثم بن التيهان ، الصحابي الجليل :

[إنّ الوصي إمامنا ووليّنا

برح الخفاء وباحت الأسرار]

وأنا أكتفي بهذا المقدار ومن رام الإكثار فليراجع شرح النهج حتى

٧٤١

يجد الأراجيز والأشعار في هذا الإطار(١) .

__________________

(١) أيها القارئ الرشيد! أنظر إلى بعض ما نقله ابن أبي الحديد من الشعر والقول السديد في وصاية الإمام عليعليه‌السلام .

قال : ومما رويناه من الشعر المقول في صدر الإسلام المتضمّن كونه عليه‌السلام وصيّ رسول الله ، قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب : [

ومنّا عليّ ذاك صاحب خيبر

وصاحب بدر يوم سالت كتائبه

وصيّ النبي المصطفى وبن عمّه

فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه!]

وقال عبد الرحمن بن جعيل :

[لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة

على الدين ، معروف العفاف موفّقا

عليا وصيّ المصطفى وبن عمّه

وأوّل من صلّى ، أخا الدين والتقى]

وقال رجل من الأزد يوم الجمل :

[هذا علي وهو الوصيّ

آخاه يوم النّجوة النبيّ

وقال هذا بعدي الولي

وعاه واع ونسى الشقيّ]

وخرج يوم الجمل غلام من بني ضبّة من عسكر عائشة وهو يقول :

[نحن بني ضبّة اعداء عليّ

ذاك الذي يعرف قدما بالوصي

وفارس الخيل على عهد النبي

ما أنا عن فضل عليّ بالعمي الخ]

وقال حجر بن عديّ الكندي في يوم الجمل أيضا :

[يا ربّنا سلّم لنا عليّا

سلّم لنا المبارك المضيّا

المؤمن الموحّد التقيّا

لاخطل الرأى ولا غويّا

بل هاديا موفّقا مهديّا

واحفظه ربّي واحفظ النبيّا

فيه فقد كان له وليّا

ثم ارتضاه بعده وصيّا]

وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين في يوم الجمل :

[ليس بين الأنصار في جحمة الحر

ب وبين العداة إلاّ الطعان

٧٤٢

__________________

فاذعها تستجب فليس من الخز

رج والأوس يا عليّ جبان

يا وصيّ النبي قد أجلت الحر

ب الأعادي وسارت الأظعان الخ

وقال زحر بن قيس الجعفي يوم الجمل :

[أضربكم حتى تقرّوا لعلي

خير قريش كلّها بعد النبي (ص)

من زانه الله وسمّاه الوصيّ

إنّ الوليّ حافظ ظهر الولي]

وروى عن نصر بن مزاحم : ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قيس :

[أتانا الرسول رسول الوصيّ

عليّ المهذّب من هاشم

وزير النبي وذو صهره

وخير البريّة والعالم]

ومن قول جرير بن عبد الله البجلي يصف الإمام علي عليه‌السلام :

[وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه الحامي به يضرب المثل]

وقال النعمان بن عجلان الأنصاري :

[كيف التفرّق والوصيّ إمامنا

لا كيف إلاّ حيرة وتخاذلا

وذروا معاوية الغويّ وتابعوا

دين الوصيّ لتحمدوه آجلا]

وقال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب :

[يا عصبة الموت صبرا لا يهولكم

جيش ابن هند فإن الحقّ قد ظهرا

وأيقنوا أن من أضحى يخالفكم

أضحى شقيّا وأمسى نفسه خسرا

فيكم وصي رسول الله قائدكم

وصهره وكتاب الله قد نشرا]

وقال ابن أبي الحديد في نهاية ما نقله من الأشعار والأراجيز : [والأشعار التي تتضمّن هذه اللفظة ـ أي كلمة الوصي ـ كثيرة جدّا ، ولكنا ذكرنا منها هاهنا بعض ما قيل في هذين الحزبين ، فأمّا ما عداهما فإنّه يجلّ عن الحصر ، ويعظم عن الإحصاء والعد ، ولو لا خوف الملالة والإضجار ، لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقا كثيرة]. انتهى كلام ابن أبي الحديد.

«المترجم»

٧٤٣

الشيخ عبد السلام : إذا كانت هذه الأخبار صحيحة ، فلما ذا لا نجد في كتب التاريخ والحديث وصيّة رسول الله (ص) لعليّ كرّم الله وجهه وأنا أكتفي بهذا المقدار ومن رام الإكثار فليراجع شرح النهج حتى كما نقلوا وصيّة أبي بكر وعمر وقت موتهما رضي الله عنهما؟

قلت : روى أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليّعليه‌السلام ، نقلها علماء الشيعة وسجّلوها في كتبهم ، ولكنّي حيث التزمت من أول نقاش أن لا أنقل خبرا وحديثا إلاّ من كتب علمائكم وأعلامكم ، فأشير في هذا الموضوع أيضا وأجيب سؤالك من مصادركم الموثّقة وأسانيدكم المحقّقة.

فأقول : لكي يتّضح لكم الأمر وينكشف لكم الحق ، راجعوا الكتب الآتية :

١ ـ طبقات ابن سعد : ج ٢ / ٦١ و ٦٣.

٢ ـ كنز العمال : ج ٤ / ٥٤ وج ٦ / ١٥٥ و ٣٩٣ و ٤٠٣.

٣ ـ مسند أحمد بن حنبل : ج ٤ / ١٦٤.

٤ ـ مستدرك الحاكم : ج ٣ / ٥٩ و ١١١.

وسنن البيهقي ودلائله ، والاستيعاب والجامع الكبير للطبراني ، وتاريخ ابن مردويه ، وغير هؤلاء رووا عن النبي وصاياه لعلي بعبارات مختلفة وفي مناسبات عديدة ، خلاصتها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «يا علي أنت أخي ووزيري ، تقضي ديني وتنجز وعدي وتبري ذمّتي ، وأنت تغسّلني وتواريني في حفرتي».

إضافة إلى ما نقله علماء الحديث في هذا المجال ، فقد أجمعوا على أن الذي قام بتغسيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتكفينه وباشر دفنه فأنزله في قبره وواراه في لحده ، هو الإمام عليّعليه‌السلام .

٧٤٤

وذكر الحافظ عبد الرزاق في كتابه الجامع : أنّه كان على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسمائة ألف درهم ، فأدّاه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

الشيخ عبد السلام : قال الله سبحانه :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (١) وبناء عليها كان يلزم أن يوصي النبي عند الاحتضار حينما تيقّن بموته كما أوصى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

قلت : أولا : لم يكن مراد الآية الكريمة من( إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) أي : حال الاحتضار واللحظات الأخيرة من الحياة.

فإنّه في تلك الحالة قلّ من يكون في حالة استقرار نفسي وتمهيد روحي بحيث يتمكن من بيان وصاياه ، وإنّما المراد من الآية الكريمة ، أي : إذا ظهرت علامات الموت من الضعف والشيخوخة والمرض وما إلى ذلك فليبيّن وصاياه.

ثانيا : لقد ذكّرني كلامك بأمر فجيع ، إذا ذكرته هاج حزني وتألّم قلبي وذلك أنّ كلّنا نعلم أنّ رسول الله كثيرا ما كان يؤكّد على المسلمين في أن يوصوا ولا يتركوا الوصيّة بحيث إنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهلية».

ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أراد أن يكتب وصيّته في مرضه الذي توفي فيه ، وأراد أن يؤكّد كلّ ما كان طيلة أيام رسالته الشريفة يوصي بها علياعليه‌السلام في تنفيذ أمور تتضمن هداية الامة واستقامتها وعدم انحرافها وضلالتها ، فمنعوه من ذلك وحالوا بينه وبين كتابة وصيّته!!

الشيخ عبد السلام : لا أظنّ أن يكون هذا الخبر صحيحا والعقل لا يقبله بل يأباه ، لأنّ المسلمين كانوا في طاعة رسول الله وذلك لأمر الله

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٨٠.

٧٤٥

سبحانه إذ يقول :( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (١) ، ولقوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٢) .

ولا ريب أنّ مخالفة كتاب الله عزّ وجلّ ومعاندة رسول الله كفر بالله سبحانه. وكان أصحابه على هذا الاعتقاد. فكيف يخالفونه ويعاندونه؟! فهذا الخبر ليس إلاّ كذبا وافتراء على الصحابة الكرام ، وأنا على يقين بأن الملحدين وضعوا هذا الخبر ونشروه حتى يصغّروا شأن النبي وينزلوا مقامه بأنّ محمدا ما كان مطاعا في أمته ، وأنّ نبيّا لا تطيعه أمته لجدير بأن لا يطيعه الآخرون!

خبر : إنّ الرجل ليهجر

قلت : هذا ظنّكم( وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (٣) .

والخبر الذي تقولون : بأنّه كذب وافتراء ، رواه أعلامكم وحتى أصحاب الصّحاح لا سيما البخاري ومسلم ، وهما عندكم على مكانة عظيمة من الاحتياط في نقل الأحاديث ، ولقد كانا يحتاطان أن لا يرويا حديثا يستند إليه الشيعة في طعن الصحابة ، وتضعيف خلافة الثلاثة الذين سبقوا علياعليه‌السلام .

فقد اتفق المحدّثون وأجمعوا على أنّ النبي قال لمن حضر عنده وهو في مرضه الذي توفّي فيه «ايتوني بورق ودوات لأكتب لكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي!!».

__________________

(١) سورة الحشر ، الآية ٧.

(٢) سورة النساء ، الآية ٥٩.

(٣) سورة النجم ، الآية ٢٨.

٧٤٦

فعارضه جماعة فقال أحدهم : إنّ الرجل ليهجر كفانا كتاب الله!! وعارضه آخرون فقالوا : دعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليوصي.

فكثر اللغط ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قوموا عني فإنه لا ينبغي النزاع عند نبي!» الشيخ عبد السلام : أكاد أن لا أصدّق هذا الخبر! من كان يتجرّأ من الصحابة أن يعارض رسول الله (ص) ويقابله بهذا الكلام؟!

وهم يتلون كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار حيث يقول تعالى :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) .

فلا أدري لما ذا خالفوا النبي (ص) وعارضوه أن يوصي ، علما أنّ أيّ مؤمن ومؤمنة لا يحق لهما أن يمنعا أحدا من الوصيّة ، وإنّ الوصية حقّ كلّ مسلم ومسلمة ، فكيف بالنبي (ص) الذي طاعته واجبة على الامة ، ومخالفته عناد كفر وإلحاد؟ فلذلك يصعب عليّ قبول هذا الخبر وتصديقه!

قلت : نعم إنّه خبر ثقيل على مسامع كل المؤمنين ، ومؤلم لقلوب كل المسلمين ، وإنّه يثير تعجب كل إنسان ويستغربه كل صاحب وجدان وإيمان!!

فإنّ العقل يأبى أن يقبله ويصعب على قلب أن يتحمّله. إذ كيف يرام لجماعة ، يدّعون بأنّهم أتباع نبي الله ، ثم يمنعوه من أن يوصي عند وفاته بشيء يكون سبب سعادتهم ، ويضمن لهم هدايتهم ويمنعهم عن الضلال والشقاء بعده أبدا؟! ولكن هذا ما حدث!!

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ١ ـ ٤.

٧٤٧

تأسّف ابن عباس

إنّه مؤسف لكلّ غيور ، فإنّ كل مسلم إذا سمع الخبر يتأسّف ويتألّم كما كان عبد الله بن عباس ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تذكّر ذاك اليوم يتأسف ويبكى.

ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٢ / ٥٤ و ٥٥ / ط دار احياء التراث العربي قال [وفي الصحيحين ، خرّجاه معا عن ابن عباس ، أنّه كان يقول : يوم الخميس وما يوم الخميس! ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى. فقلنا : يا ابن عباس ، ما يوم الخميس؟

قال : اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه ، فقال «ائتوني بكتاب أكتبه لكم ، لا تضلّوا بعدي أبدا». فتنازعوا ، فقال (ص) «إنّه لا ينبغي عندي تنازع». فقال قائل : ما شأنه؟ أهجر؟!(١) ].

__________________

(١) أظنّ أن أتباع عمر بن الخطاب ومحبّيه أرادوا أن يصلحوا عبارته فزادوا قبل كلمة «هجر» الهمزة الاستفهامية!

ولكن وهل يصلح العطّار ما أفسد الدهر؟!

فإنّ أكثر الروايات صريحة في أنّ عمر نسب الهجر إلى النبيّ (ص)!

ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فقالوا [هجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] صحيح البخاري : ج ٢ / ١٧٨ بحاشية السندي وج ٦ / ٩ / باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ورواه مسلم بنفس اللفظ في صحيحه : ج ١١ / ٨٩ ـ ٩٣ بشرح النووي ، وفي ج ٣ / ١٢٥٩ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس

فقالوا [إنّ رسول الله (ص) يهجر!!]

٧٤٨

الشيخ عبد السلام : هذه الرواية مبهمة ، لا تصرّح بأنّ النزاع لأيّ شيء حدث؟ ثم من هو القائل؟ : ما شأنه؟ أهجر؟

قلت : لإن كانت هذه الرواية مبهمة فإنّ هناك روايات صريحة على أنّ القائل هو عمر بن الخطاب ، وأنّه هو الذي منع بكلامه من أن يأتوا للنبي (ص) بالقرطاس والدواة ليوصي!

الشيخ عبد السلام : هذا بهتان عظيم! نعوذ بالله تعالى من هذا الكلام ، وأنا على يقين أنّ هذا البهتان على الخليفة عمر ما هو إلاّ من أقاويل الشيعة وأباطيلهم ، فأوصيك ان لا تعدها!

قلت : وأنا أوصيك يا شيخ : أن لا تفوه بكلمة من غير تفكّر ، فإنّ لسان المؤمن خلف قلبه وقلب المنافق خلف لسانه ، يعني ينبغي للمؤمن أن يفكّر قبل أن يتكلّم ، فإن المنافق يتكلم قبل أن يفكر في مقاله ومعنى كلامه ، ثم ينكشف له بطلانه وزيفه ، وكم رميتم الشيعة المؤمنين ، في هذه المناقشات ، ونسبتم كلامنا للأباطيل والأقاويل ، ثم انكشف للحاضرين أنّها ما كانت كذلك وانما كان كلامنا من مصادر ومنابع أهل

__________________

وأخرجه ابن سعد في الطبقات ج ٢ / ٣٧ عن سعيد عن ابن عباس. [فقالوا : إنما يهجر رسول الله (ص)!] وفي صفحة ٣٦ روى عن ابن عباس. [فقال بعض من كان عنده : إنّ نبي الله ليهجر!]

وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده ج ١ / ٢٢٢ عن سعيد عن ابن عباس

[فقالوا : ما شأنه يهجر!! قال سفيان : يعني هذى!!]

وأخرج أيضا في المسند ج ٣ / ٣٤٦ [أنّ النبي (ص) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده قال : فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها!!]

وأخرجه ابن سعد أيضا في الطبقات ج ٢ / ٣٦. «المترجم»

٧٤٩

السنّة وعلمائهم وأعلامهم!!

وسأثبت لكم أننا لسنا أهل افتراء وبهتان ولا أهل الأقاويل والبطلان ، وإنما ذاك غيرنا!!

ولكي يظهر لك الحق ويتضح الامر ، بأنّ القائل : أهجر؟ أو يهجر!

وأنّ المانعين من أن يكتب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصيّته ، هو عمر.

فراجع المصادر التي ساذكرها من علمائكم :

١ ـ صحيح البخاري : ج ٢ / ١١٨.

٢ ـ صحيح مسلم في آخر كتاب الوصيّة.

٣ ـ الحميدي في الجمع بين الصحيحين.

٤ ـ احمد بن حنبل في المسند : ج ١ / ٢٢٢.

٥ ـ والكرماني في شرح صحيح البخاري.

٦ ـ والنووي في شرح صحيح مسلم ، وغيرهم كابن حجر في صواعقه ، والقاضي أبو علي ، والقاضي روزبهان ، والقاضي عياض ، والغزالي ، وقطب الدين الشافعي ، والشهرستاني في الملل والنحل وابن الأثير ، والحافظ أبو نعيم ، وسبط ابن الجوزي. وجلّ علمائكم أو كلّ من كتب من أعلامكم عن وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم والخبر الأليم.

نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٢ / ٥٥ / ط دار إحياء التراث العربي بيروت قال : وفي الصحيحين أيضا خرّجاه معا عن ابن عباسرحمه‌الله تعالى ، قال [لما احتضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب ؛ قال النبي (ص) «هلمّ أكتب لكم كتابا

٧٥٠

لا تضلّون بعده». فقال عمر : إنّ رسول الله صلى الله عليه قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله!

فاختلف القوم واختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا إليه يكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول : القول ما قاله عمر ؛ فلما أكثروا اللغو والاختلاف عندهعليه‌السلام ، قال لهم «قوموا». فقاموا.

فكان ابن عباس يقول : إنّ الرّزيّة كلّ الرّزيّة : ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أن يكتب لكم ذلك الكتاب.]

ونقل سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / ٦٤ و ٦٥ / ط مؤسسة أهل البيت بيروت ، قال : وذكر أبو حامد الغزالي في كتاب «سر العالمين» [ولما مات رسول الله (ص) قال قبل وفاته بيسير «ايتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتابا لا تختلفوا فيه بعدي». فقال عمر :

دعوا الرجل فإنه يهجر!!]

إنّ هذه المخالفة والمعارضة من عمر لرسول الله (ص) ما كانت أوّل مرّة بل كانت مسبوقة بمثلها كما في صلح الحديبيّة وغيرها ولكن هذه المرة سبّبت اختلاف المسلمين وتنازعهم في محضر رسول الله (ص) ، وكان أوّل نزاع وتخاصم وقع بين المسلمين في حياة النبي (ص) ودام ذلك حتى اليوم ، فعمر بن الخطاب هو مسبّب هذه الاختلافات والضلالات التي أدّت بالمسلمين إلى القتال والحروب ، وسفك الدماء وإزهاق النفوس ، لأنه منع النبي (ص) من كتابة ذلك الكتاب الذي كان يتضمن اتحاد المسلمين وعدم ضلالتهم إلى يوم الدين!!

الشيخ عبد السلام : لا ننتظر من جنابكم هذا التجاسر على مقام

٧٥١

الخليفة الفاروق! وأنت صاحب الخلق البديع والأدب الرفيع فكيف لا تراعي الأخلاق والآداب؟!

قلت : بالله عليكم! اتركوا التعصّب! وتجرّدوا عن حب ذا وبغض ذاك! وأنصفوا! هل تجاسر الخليفة على سيد المرسلين وخاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومخالفته ومعارضته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونسبته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الهجر والهذيان أعظم أم تجاسري على الخليفة كما تزعمون؟! ولعمري ما كان تجاسري إلاّ كشف الواقع وبيان الحقيقة!

وليت شعري أنا لا أراعي الأخلاق والآداب أم عمر بن الخطاب؟ إذ سبّب النزاع والصياح ، وتخاصم الأصحاب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى رفعوا أصواتهم وازعجوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحيث أخرجهم وأبعدهم وغضب عليهم لأنّهم خالفوا الله سبحانه إذ يقول :

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) (١) .

الشيخ عبد السلام : لم يقصد الخليفة من كلمة الهجر معنى سيّئا وإنّما قصد أنّ النبي (ص) بشر مثلنا ، وكما نحن في مثل تلك الحالة نفقد مشاعرنا ، فرسول الله (ص) أيضا ربما في تلك الحالة كان كذلك! لأنّ الله تعالى يقول :( قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) (٢) فهو (ص) إذا مثلنا في جميع النواحي : في الغرائز والعواطف ، ويعرض عليه من العوارض الجسمية كضعف القوى والأعضاء كما يعرض على غيره من البشر ، وحالة الهجر والهذيان في حال المرض أيضا من عوارض

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ٢.

(٢) سورة الكهف ، الآية ١١٠.

٧٥٢

الجسد البشري ، فربما يعرض عليه كما يعرض على كل أفراد البشر!!

قلت : أوّلا : إنّي أتعجّب من انقلابك وأستغرب تبدّل حالك! إذ كنت قبل هذا تقول : لا ريب إنّ مخالفة كتاب الله كفر ومعاندة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلحاد ، والآن طفقت توجّه كلام معانديه وعمل مخالفيه! فما عدا ممّا بدا؟!

ثانيا : أتعجّب أيضا أنّك لا تتأثّر من كلام عمر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو سيد الأولين والآخرين. وتتغيّر هذا التغيّر الفظيع من كلامي على عمر ، وهو إنسان عادي غاية ما هنالك أنّه أحد صحابة رسول الله وكم له في الصحابة من نظير!!

والجدير بالذكر أنّه بعد تلك الصحبة الطويلة ما عرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حق معرفته وكان جاهلا بمقامه المنيع وشأنه الرفيع فنسب إليه [الهجر] وهذا رأي بعض أعلامكم مثل القاضي عياض الشافعي في كتاب الشفاء والكرماني في شرح صحيح البخاري والنووي في شرح صحيح مسلم فإنّهم يعتقدون أنّ من ينسب الهجر والهذيان الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد جهل معنى النبوّة والرسالة ، ولا يعرف قدر النبي وشأنه ، لأنّ الأنبياء العظام كلهم في زمان تبليغ رسالتهم وإرشادهم للناس يكونون معصومين عن الخطأ والزّلل ، لأنّهم يأخذون عن الله تعالى ومتّصلون بعالم الغيب والملكوت ، سواء أكانوا في حال الصحة أم المرض.

فيجب على كل فرد من الناس أن يطيعهم ويمتثل أوامرهم. فمن خالف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طلبه البياض والدواة ليكتب وصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخاصّة بمثل ذلك الكلام الشنيع : «إنّ رسول الله يهجر»! «إنّما هو يهجر»! «قد غلب عليه الوجع»! وما إلى ذلك من كلام فجيع وبيان فظيع ، إنما

٧٥٣

يدلّ على جهل قائله وعدم معرفته لمقام النبي وشخصيته العظيمة!

ثالثا : أطلب من جناب الشيخ أن يراجع كتب اللغة في تفسير كلمة : «يهجر» حتى يعرف مدى تجاسر قائلها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! فقد قال اللغويون : الهجر بالضم ـ الفحش ، وبالفتح ـ الخلط والهذيان ، وهو بعيد عن مقام النبوّة وقد عصم الله سبحانه رسوله عن ذلك بقوله عزّ وجلّ :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) لذلك أمر المسلمين بالاطاعة المحضة له من غير ترديد وإشكال ، فقال سبحانه :( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) .

وقال تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٣) .

فمن استشكل في كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تردّد في طاعته وامتثال أمره ، فقد خالف الله تعالى وأصبح من الخاسرين.

الشيخ عبد السلام : ولو فرضنا بأنّ عمرا قد أخطأ ، فهو خليفة رسول الله (ص) وكان يقصد بذلك حفظ الدين والشريعة ولكنّه اجتهد فأخطأ فيعفى عنه والله خير الغافرين.

قلت : أوّلا : حينما تكلم عمر بذلك الكلام الخاطئ لم يكن خليفة رسول الله ، بل شأنه شأن أحد الناس العاديين.

ثانيا : قد قلت : إنّه اجتهد فأخطأ! فلعمري هل الرأي أو الكلام

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ١ ـ ٤.

(٢) سورة الحشر ، الآية ٧.

(٣) سورة النساء ، الآية ٥٩.

٧٥٤

المخالف لنصّ القرآن ، اجتهاد؟ أم ذنب لا يغفر!

ثالثا : وقلت : إنّه كان يقصد حفظ الدين والشريعة.

فمن أين تقول هذا؟ والله من وراء القصد.

ثم هل إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أعرف بحفظ الشريعة أم عمر بن الخطاب؟ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان موكّلا من الله في ذلك وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حريصا على الدين وحفظ الشريعة أكثر من غيره ، ولأجل ذلك أراد أن يوصي ويكتب كتابا لا يضلّ المسلمون بعده أبدا.

ولكن عمر منع من ذلك وصار سببا لضلالة من ضلّ إلى يوم القيامة ، فاي عفو غفران يشمل هذا المجتهد الخاطئ!!

الشيخ عبد السلام : ربما الخليفة الفاروقرضي‌الله‌عنه كان يعرف الأوضاع الاجتماعية والظروف الراهنة ، وثبت عنده بأنّ الوصيّة وكتاب النبي صلى الله عليه وسلّم يحدث فتنة عظيمة من بعده (ص) ، فكان بمنعه ورفضه الكتاب والوصية ، ناصحا للنبي وناويا الخير للإسلام والمسلمين.

قلت : إنّ أستاذي المرحوم الشيخ محمد علي الفاضل القزويني وكان يحوي علم المعقول والمنقول ، كان ينصحني ويقول : توجيه الخطأ يولّد أخطاء أخرى ، فلو اعترف العاقل بخطئه لكان اسلم له وأجمل ، وقالوا قديما : الاعتراف بالخطإ فضيلة. وأنا أراك هويت في مهوى توجيه خطأ من تهوى فنسيت كلام الله تعالى حيث يقول :

( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) (١) .

الشيخ عبد السلام : تظهر نيّة الفاروق الحسنة من آخر كلامه حيث

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٣٦.

٧٥٥

قال : حسبنا كتاب الله!!

قلت : هذه الجملة تدلّ على عدم معرفة الخليفة لمقام النبوّة وعدم معرفته بحقيقة كتاب الله أيضا ، لأنّ القرآن كلام ذو وجوه وله بطون ، ولا بدّ من مفسّر(١) وموضّح يعرف الناسخ والمنسوخ والعام والخاص

__________________

(١) نقل الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب الخامس والستون / عن كتاب فصل الخطاب للعلاّمة محمد خواجه البخاري عن ابن عباس قال [وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلاّ له ظهر وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب علم الظاهر والباطن.]

ورواه العلامة الكنجي القرشي الشافعي في كتابه كفاية الطالب في الباب الرابع والسبعون عن ابن مسعود ، وقال رواه أبو نعيم في حلية الأولياء.

وروى الخواجه البخاري بعده عن ابن عباس أيضا قال [أتي عمر بن الخطاب بامرأة مجنونة حبلى قد زنت ، فأراد عمر بن الخطاب أن يرجمها ، فقال له عليّ : أما سمعت ما قال رسول الله (ص) : رفع القلم عن ثلاث ، عن المجنون حتى يبرأ ، وعن الغلام حتى يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ. فخلّى عنها ، ثم قال العلامة محمد خواجه البخاري : وفي عدة من المسائل رجع ـ أي عمر ـ إلى قول علي رضي الله عنه.

فقال عمر : عجزت النساء أن يلدن مثل علي ، ولو لا علي لهلك عمر ، ويقول أيضا : أعوذ بالله من معضلة ليس فيها علي] انتهى كلام البخاري.

وروى العلامة مير علي الهمداني الشافعي في كتابه مودّة القربى / المودّة السابعة عن أبي ذر عن رسول الله (ص) أنه قال «علي باب علمي ومبيّن لأمتي ما أرسلت به من بعدي ، حبه إيمان وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفة عبادة». قال : رواه أبو نعيم الحافظ بإسناده.

ونقل الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة تحت عنوان «هذه المناقب السبعون في فضائل أهل البيت» الحديث التاسع والعشرون عن أبي الدرداء

٧٥٦

والمطلق والمقيد والمجمل والمبيّن والمتشابه والمحكم منه ، وهذا لا يكون إلاّ من أفاض الله عليه من الحكمة وفتح في قلبه ينابيع علومه ، فلذا قال سبحانه :( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) .

فإذا كان القرآن وحده يكفي لما قال سبحانه :( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) . ولما قال تعالى :( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٣) .

ولقد عرّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمّته الراسخين في العلم وأولي الأمر الذين يرجع إليهم في تفسير القرآن وتوضيحه ، في حديثه الذي كرّره على مسامع أصحابه وقد وصل حدّ التواتر في النقل ، إذ قال حتى عند وفاته «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، إن تمسّكتم بهما نجوتم ـ لن تضلّوا أبدا(٤) ».

فرسول الله (ص) لا يقول لأمته : كفاكم كتاب الله وحسبكم. بل يضم إلى القرآن أهل بيته وعترته.

أيها الحاضرون! فكروا وأنصفوا أيّ القولين أحقّ أن يؤخذ به

__________________

رضي‌الله‌عنه قال [قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «علي باب علمي ومبين لأمتي ما ارسلت به من بعدي ، حبه إيمان ، وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفة ، ومودّته عبادة». رواه صاحب الفردوس.]

أقول : لا يخفى أنّ جملة «ما أرسلت به» تشمل القرآن والسنّة الشريفة وجميع أحكام الإسلام. «المترجم»

(١) سورة آل عمران ، الآية ٧.

(٢) سورة الحشر ، الآية ٧.

(٣) سورة النساء ، الآية ٨٣.

(٤) «نقلت لكم مصادره في البحوث الماضية».

٧٥٧

قول عمر : حسبنا كتاب الله. أم قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كتاب الله وعترتي؟

لا أظنّ أحدا يرجّح قول عمر على قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا كان كذلك ، فلما ذا أنتم تركتم قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذتم بقول عمر؟! فإذا كان كتاب الله وحده يكفينا ، فلما ذا يأمرنا الله تعالى ويقول :( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) والذّكر سواء أكان القرآن أم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأهل الذّكر هم عترة رسول الله وأهل بيته الطيبين.

وقد مرّ الكلام حول الموضوع في الليالي السالفة ، ونقلت لكم عن السيوطي وغيره من أعلامكم أنّهم رووا بأنّ أهل الذكر هم عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين جعلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدل القرآن ونظيره.

وأنقل لكم ـ الآن ـ مضمون كلام أحد أعلامكم وهو قطب الدين الشيرازي ، قال في كتابه كشف الغيوب [لا بدّ للناس من دليل ومرشد يرشدهم إلى الحق ويهديهم الى الصراط المستقيم ، ولذا أتعجّب من كلام الخليفة عمر (رض) : حسبنا كتاب الله! وبهذا الكلام رفض الهادي والمرشد فمثله كمن يقبل علم الطب وضرورته ولزومه للناس إلاّ أنّه يرفض الطبيب ويقول حسبنا علم الطّب وكتبه ولا نحتاج إلى طبيب!

من الواضح إن هذا الكلام مردود عند العقلاء ، لأنّ الطبيب وجوده لازم لتطبيق علم الطب كما يلزم علم الطب للناس. والعلم من غير عالم وعارف بمصطلحاته ورموزه ، يبقى معطّلا لا يمكن أن يستفاد منه ، فكما لا يمكن لآحاد البشر أن يعرفوا علم الطب ورموزه ، ولا بدّ من أطبّاء في كل مجتمع يعالجون المرضى بمعرفتهم لعلم الطب ورموز العلاج ، كذلك القرآن الكريم وعلومه لا يعقل بأنّ الناس كلهم

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٤٣.

٧٥٨

يعرفون علومه ورموزه ومصطلحاته ، فلا بدّ أن يرجعوا إلى العالم لعلومه ورموزه والمتخصّص بتفسيره وتأويله وقد قال سبحانه :( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) .

وقال عزّ وجلّ :( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٢) . فالكتاب المبين وحقيقته إنما يكون في قلوب أهل العلم ، كما قال سبحانه :( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (٣) .

ولهذا كان علي كرم الله وجهه يقول : أنا كتاب الله الناطق والقرآن كتاب الله الصامت]. انتهى مضمون وخلاصة مقال قطب الدين.

أقول : كلّ عاقل منصف ، وكلّ صاحب وجدان وإيمان ، يعرف أنّ عمر بن الخطاب ارتكب ظلما كبيرا بمنعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب لأمته كتابا لن يضلّوا بعده أبدا!!

وأما قولك أيها الشيخ : إنّ أبا بكر وعمرا أوصيا ولم يمنعهما أحد من الصحابة. فهو قول صحيح وهذا الأمر يثير تعجّبي واستغرابي.

كما يهيج حزني ويبعث الألم في قلبي ، فقد اتفق المؤرخون والمحدثون على إنّ أبا بكر أملا وصيته على عثمان ، وهو كتبها في محضر بعض أصحابه وعرف عمر بن الخطاب ذلك ولم يمنعه ، وما قال له : لا حاجة لنا بوصيتك وعهدك ، حسبنا كتاب الله!

ولكنّه منع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الوصية وكتابة عهده لأمته ، قائلا : [أنّه يهجر كفانا أو حسبنا كتاب الله!] وقد كان ابن عباس وهو حبر الأمّة كلّما يتذكّر ذلك اليوم يبكي ويقول : الرزيّة كل الرزية ما حال بين

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٧.

(٢) سورة النساء ، الآية ٨٣.

(٣) سورة العنكبوت ، الآية ٤٩.

٧٥٩

رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم / صحيح البخاري بحاشية السندي : ج ٤ / كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني وج ٤ / ٢٧١ / باب كراهية الخلاف.

نعم كان ابن عباس يتأسّف ويبكي ، ويحقّ لكل مسلم منصف أن يتأسّف ويبكي ، وأن يتألّم ويتأثر ويتغيّر ، ونحن على يقين أنّهم لو تركوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكتب وصيته ، لبيّن أمر الخلافة من بعده وعيّن خليفته مؤكّدا عليهم بأن يطيعوه ولا يخالفوه ، ولذكّرهم كلّ ما قاله في هذا الشأن وفي شأن وصيه وخليفته ووارثه من قبل. والذين منعوا من ذلك ، كانوا يطمعون في خلافته كما كانوا يعلمون أنه يريد أن يسجّل خلافة ابن عمه علي بن أبي طالب ، ويكتبه ويأخذ منهم العهد والبيعة له في آخر حياته ، كما أخذ عليهم ذلك في يوم الغدير ، لذلك خالفوه بكل وقاحة ومنعوه من ذلك بكل صلافة!

الشيخ عبد السلام : كيف تدّعي هذا ومن أين تبيّن لك أنّه صلى الله عليه وسلّم أراد أن يوصي في أمر الخلافة ويعيّن علي بن أبي طالب لهذا الأمر من بعده؟!

قلت : من الواضح أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيّن جميع أحكام الدين للمسلمين ، وما ترك صغيرة ولا كبيرة من الفرائض والسنن إلاّ بيّنها ، حتى قال تعالى في كتابه :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١) ، فكان من هذه الجهة مرتاح البال ، ولكن الذي كان يشغل باله هو موضوع خلافته وولي الأمر بعده ، لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف عداوة كثير من الناس لعلي بن أبي

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٣.

٧٦٠

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205