ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253978 / تحميل: 4431
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وعلى هذا يتعلّق بما يكسبه من بعدُ ، أم به وبما في يده من الربح الحاصل ، أم بهما وبرأس المال؟ فيه وجوه ثلاثة أشبهها عندهم : الثالث(١) .

وعلى رأيٍ لبعض الشافعيّة : إذا كان مأذوناً له في الضمان ، تعلّق بكسبه ، وإلّا لم يتعلّق إلّا بالذمّة(٢) .

مسألة ٤٨٩ : إذا قال السيّد لعبده : اضمن واقضه ممّا تكتسبه ، صحّ ضمانه ، وتعلّق المال بكسبه.

وكذا لو قال للمأذون له في التجارة : اضمن واقض من المال الذي في يدك ، قضى منه. وكذا إن عيّن مالاً وأمره بالقضاء منه.

وحيث قلنا : يؤدّي ممّا في يده لو كان عليه ديون ، فإنّ المضمون له يشارك الغرماء ؛ لأنّه دَيْنٌ لزم بإذن المولى ، فأشبه سائر الديون ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني لهم : أنّ الضمان لا يتعلّق بما في يده أصلاً ؛ لأنّه كالمرهون بحقوق الغرماء.

والثالث : أنّه يتعلّق بما فضل عن حقوقهم رعايةً للجانبين(٣) .

هذا إذا لم يحجر عليه الحاكم.

ويُحتمل عندي أنّ مال الضمان يُقدَّم على ديون الغرماء ؛ لأنّ مولاه عيّنه فيه.

أمّا لو حجر عليه الحاكم باستدعاء الغرماء ثمّ ضمن بإذن مولاه وجعل الضمان ممّا في يده ، لم يتعلّق الضمان بما في يده ؛ لتعلّق حقوق الغرماء به‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

٣٠١

بمقتضى حَجْر الحاكم عليه.

ولو عيّن السيّد مال الضمان من رقبته ، تعيّن ، كما لو ضمن الحُرّ على أن يؤدّي من مالٍ معيّن ، فإنّ مال الضمان يتعلّق بذلك المال المعيّن ، كذا هنا ؛ لأنّ الحقوق تتعلّق بأعيان الأموال كالرهن ، وأمّا تعلّق الضمان بعين ماله دون ذمّته فلا يصحّ ، وصحّ هذا في حقّ العبد ؛ لأنّ له ذمّةً.

ولو أذن للعبد في التجارة وفي الضمان ولم يعيّن المال من أين يؤدّى ، فقد قلنا : إنّ الأقوى تعلّقه بذمّة العبد. ويُحتمل بكسبه وبذمّة المولى.

وقال الشافعي : يتعلّق بما في يده من أموال التجارة ، فيقضيه منها على الوجه الذي يتعلّق بكسبه(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه إنّما أذن له في الضمان بالإطلاق ، فهو ينصرف إلى ذمّته أو كسبه أو ذمّة مولاه.

مسألة ٤٩٠ : المدبَّر وأُمّ الولد والمكاتَب المشروط كالقِنّ في الضمان لا يصحّ إلّا بإذن سيّده‌ ؛ لأنّه تبرّع بالتزام مالٍ ، فأشبه نذر الصدقة ، أو نقول : يصحّ ويتبع به بعد العتق على الخلاف الذي سبق كما قلناه في العبد القِنّ.

ولو ضمن بإذن سيّده ، صحّ ، كما لو أذن للعبد ، ولأنّ الحقّ للمكاتب أو للسيّد لا يخرج عنهما ، وقد اتّفقا على الضمان ، فلا مانع.

ويُحتمل أن لا يصحّ ؛ لأنّ فيه تفويتَ الحُرّيّة.

والوجه عندي : الصحّة إن استعقب ضمانه الرجوع ، كما لو أذن له المضمون عنه في الضمان ، ويكون الضمان مصلحةً لا مفسدة فيه ، كما لو كان المضمون عنه معسراً ، فإنّه لا يصحّ ، وكما لو تبرّع ؛ لأنّ للسيّد منعه من‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٥٠.

٣٠٢

التصرّف بغير الاكتساب.

وأمّا المكاتب المطلق فليس للسيّد منعه من الضمان مطلقاً كيف شاء ؛ لانقطاع تصرّفات المولى عنه.

ولو كان بعض العبد حُرّاً وبعضه رقّاً ولا مهايأة بينه وبين السيّد ، لم يكن له الضمان إلّا بإذنه ؛ لتعلّق حقّ السيّد برقبته وتصرّفه.

وكذا لو كان بينهما مهايأة وضمن في أيّام السيّد.

ولو ضمن في أيّام نفسه ، فالأقرب : الجواز.

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يخرج ضمان الـمُعتَق بعضُه على الخلاف في الاكتسابات النادرة هل يدخل في المهايأة أم لا؟(١) .

وضمان المكاتب - عند الشافعيّة - بغير إذن السيّد كضمان القِنّ ، وبالإذن مبنيّ على الخلاف في تبرّعاته(٢) .

مسألة ٤٩١ : إذا أذن السيّد لعبده في الضمان ، صحّ ، وانتقل المال إلى ذمّة العبد أو ذمّة السيّد أو مال العبد الذي في يده لمولاه على الخلاف.

فإن أدّى مال الضمان حالة الرقّ ، فحقّ الرجوع للسيّد ؛ لأنّ الأداء من مال السيّد ، سواء كان من رقبة العبد أو ممّا في يده أو من كسبه.

وإن أدّاه بعد عتقه ، فحقّ الرجوع للعبد ؛ لأنّه أدّاه من ماله.

ولو قلنا : إنّه إذا ضمن بإذن سيّده ، تعلّق الضمان بذمّة السيّد أو بكسب العبد ، فالأقرب : أنّ حقّ الرجوع للسيّد أيضاً.

وللشافعيّة وجهان فيما إذا أدّى بعد العتق :

أصحّهما : أنّ حقّ الرجوع للعبد.

والثاني : أنّه للسيّد ؛ لأنّ مال الضمان كالمستثنى عن اكتسابه ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

٣٠٣

فلا يستحقّها بالعتق(١) .

ولو ضمن العبد لسيّده عن أجنبيّ ، لم يصح ؛ لأنّه يؤدّيه من كسبِه ، وكسبُه لسيّده ، فهو كما لو ضمن المستحقّ لنفسه.

ولو ضمن لأجنبيّ عن سيّده ، فإن لم يأذن السيّد ، فهو كما لو ضمن عن أجنبيّ. وإن ضمن بإذنه ، صحّ.

ثمّ إن أدّى قبل العتق ، فلا رجوع له. وإن أدّى بعده ، ففي رجوعه على السيّد احتمال.

وللشافعيّة فيه وجهان مبنيّان على الوجهين فيما لو آجر(٢) عبده مدّة ثمّ أعتقه في ابتدائها أو(٣) في أثنائها هل يرجع بأُجرة المثل لبقيّة المدّة أو لا؟(٤) .

مسألة ٤٩٢ : يصحّ ضمان المرأة ، ولا نعلم فيه خلافاً‌ ، كما يصحّ ضمان الرجل ؛ لأنّ الضمان عقد يقصد به المال ، فيصحّ من المرأة ، كالبيع. ولأنّها حُرّة عاقلة مالكة لأمرها نافذة التصرّف في مالها تصحّ منها الاستدانة وغيرها من التصرّفات ، فيصحّ منها الضمان ، كالرجل.

ولا فرق في صحّة ضمانها بين أن تكون خليّةً من بَعْل أو تكون ذات بعل.

ولا تحتاج إلى إذن الزوج ، كما في سائر تصرّفاتها ، وبه قال أكثر أهل العلم من العامّة والخاصّة.

وقال مالك : إنّه لا بدّ من إذن الزوج(٥) . وليس بمعتمد.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

(٢) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « آجره ».

(٣) كذا قوله : « في ابتدائها أو ». والجملة لم ترد في المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

(٥) الوجيز ١ : ١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧.

٣٠٤

مسألة ٤٩٣ : المريض يصحّ ضمانه ، ولا نعلم فيه خلافاً‌ ، سواء كان مرض الموت أو لا ، لكن إن لم يكن مرض الموت وعُوفي من مرضه ، صحّ ضمانه مطلقاً.

وإن كان مرض الموت ، فإن تبرّع بالضمان ، نفذ من الثلث عند كلّ مَنْ أثبت تبرّعاته من الثلث. ومَنْ جَعَل منجّزاته من الأصل أمضاه هنا من الأصل.

وإن لم يتبرّع بالضمان ، بل ضمن بسؤال المضمون عنه ، كان حكمه حكم ما لو باع نسيئةً.

والوجه : أنّه إن علم تعذّر الرجوع لفقر المديون بحيث يعلم عدم وصول مالٍ إليه ، كان ماضياً من الثلث ، كما لو تبرّع ، وإلّا مضى من الأصل.

وأطلق بعض العامّة احتسابَ ضمان المريض من الثلث ؛ لأنّه تبرّع بالتزام مالٍ لا يلزمه ولم يأخذ عنه عوضاً ، فأشبه الهبة(١) .

ونمنع التبرّع في المتنازع.

النظر الثالث : في المضمون عنه.

مسألة ٤٩٤ : المضمون عنه هو المديون ، وهو الأصيل.

ولا يشترط رضاه في صحّة الضمان بالإجماع ، كما يجوز أداء الدَّيْن عن الغير بغير إذنه ، فالتزامه في الذمّة أولى بالجواز. ولأنّه يصحّ الضمان عن الميّت بالإجماع. ولما تقدّم(٢) من امتناع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصلاة على الميّت حتى ضمنه أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، ومعلومٌ أنّه لا يتصوّر الرضا من‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٧٩ - ٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٧ - ٧٨.

(٢) في ص ٢٨١ ، ضمن المسألة ٤٧٣.

٣٠٥

الميّت.

مسألة ٤٩٥ : ولا يشترط حياة المضمون عنه ، بل يجوز الضمان عن الميّت‌ ، سواء خلّف الميّت وفاءً أو لا ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وأبو يوسف ومحمّد(١) - لما تقدّم(٢) من أحاديث العامّة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام و [ أبي ] قتادة لمّا ضمنا الدَّيْن عن الميّت ، وما رواه الخاصّة أيضاً.

ولأنّ كلّ مَنْ يصحّ الضمان عنه إذا كان له ضامن صحّ وإن لم يكن له ضامن كما لو خلّف وفاءً أو كان حيّاً.

وقال أبو حنيفة والثوري : لا يصحّ الضمان عن الميّت إذا لم يخلّف وفاءً بمال أو ضمان ضامن ؛ لأنّ الموت مع عدم الوفاء يُسقط المطالبة بالحقّ والملازمة عليه ، فوجب أن يمنع صحّة الضمان ، كالإبراء(٣) .

وهو باطل ؛ لأنّ الإبراء إسقاط للحقّ ، ولهذا لا يصحّ بعده إبراء ، وهنا بخلافه.

وساعدنا أبو حنيفة فيما إذا ضمن عنه في حياته ثمّ مات معسراً أنّه‌

____________________

(١) الأُمّ ٣ : ٢٢٩ - ٢٣٠ ، و ٧ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٤ ، المهذّب – للشيرازي - ١ : ٣٤٦ ، الوسيط ٣ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٨ ، المعونة ٢ : ١٢٣٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٧ ، المحلّى ٨ : ١١٢ ، المغني ٥ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٣.

(٢) في ص ٢٨١ و ٢٨٢ ، ضمن المسألة ٤٧٣.

(٣) بدائع الصنائع ٦ : ٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٧ ، الأُم ٧ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٤ ، الوسيط ٣ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، المحلّى ٨ : ١١٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٨ ، المعونة ٢ : ١٢٣٢ ، المغني ٥ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٣.

٣٠٦

لا يبطل الضمان(١) .

مسألة ٤٩٦ : ولا تشترط معرفة المضمون عنه ، فلو ضمن الضامن عمّن لا يعرفه ، صحّ ضمانه‌ ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي في أصحّ القولين(٢) - لما تقدّم(٣) من أنّ عليّاًعليه‌السلام وأبا قتادة ضمنا عمّن لا يعرفانه. ولأنّ الواجب أداء الحقّ ، فلا حاجة إلى معرفة مَنْ يؤدّى عنه ؛ لأنّه لا معاملة بينهما في ذلك. ولأنّه لا يشترط رضاه فلا تشترط معرفته ، وبه قال أحمد(٤) أيضاً.

والثاني للشافعي : أنّه تشترط معرفته ليعرف حاله ، وأنّه هل يستحقّ اصطناع المعروف إليه أو لا؟(٥) .

وليس بشي‌ء.

إذا عرفت هذا ، فهل تشترط معرفة ما يميّزه عن غيره؟ الأقرب : العدم ، بل لو قال : ضمنت لك الدَّيْن الذي(٦) لك على مَنْ كان من الناس ، جاز على إشكالٍ.

نعم ، لا بدّ من معرفة المضمون عنه بوصفٍ يميّزه عند الضامن بما يمكن القصد معه إلى الضمان عنه لو لم يقصد الضمان عن أيّ مَنْ كان.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، وراجع : بدائع الصنائع ٦ : (٦)

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٣ ، المغني ٥ : ٧١ - ٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٣) في ص ٢٨١ ، ضمن المسألة ٤٧٣.

(٤) المغني ٥ : ٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٥) نفس المصادر في الهامش (٢)

(٦) في « ج ، ر » زيادة : « كان ».

٣٠٧

تذنيب : لو تبرّع الضامن بالضمان ورضي المضمون له بضمانه ، صحّ الضمان وانعقد وبرئت ذمّة المضمون عنه.

ولو أنكر المضمون عنه الضمانَ ، لم يبطل ضمانه ، وبه قال الشافعي(١) .

النظر الرابع : في المضمون له.

مسألة ٤٩٧ : المضمون له هو مستحقّ الدَّيْن.

وهل تشترط معرفته عند الضامن؟ إشكال ينشأ : من عدم التعرّض له والبحث عنه في ضمان(٢) عليّعليه‌السلام وأبي قتادة ، ولأنّ الواجب أداء الحقّ ، فلا حاجة إلى ما سوى ذلك. ومن أنّه لا بدّ وأن يعرفه الضامن ليأمن الغرر ، فإنّ الناس يتفاوتون في المعاملة والاقتضاء والاستيفاء تشديداً وتسهيلاً ، وتختلف الأغراض في ذلك ، فالضمان مع إهماله غرر وضرر من غير ضرورة.

وللشافعيّة وجهان ، أصحّهما : الثاني عندهم(٣) .

ولا بأس به ؛ لحصول المعاملة بين الضامن وبينه بالضمان ، فافتقر إلى معرفته للحاجة.

وقال الشيخرحمه‌الله في الخلاف : لا تشترط معرفة الضامن المضمونَ له ولا المضمونَ عنه. واستدلّ بضمان عليّعليه‌السلام وأبي قتادة(٤) .

____________________

(١) لم نعثر على قوله بحدود المصادر المتوفّرة لدينا.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٨١ ، الهامش ( ٥ و ٦ ) و ٢٨٢ ، الهامش (١)

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، التنبيه : ١٠٦ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، منهاج الطالبين : ١٢٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٣١٣ ، المسألة ١.

٣٠٨

مسألة ٤٩٨ : يشترط رضا المضمون له في صحّة الضمان‌ ، وهو قول أكثر علمائنا(١) - وبه قال أبو حنيفة ومحمّد والشافعي في أحد القولين(٢) - لأنّه إثبات مالٍ لآدميّ ، وتجدّد سلطنة وولاية لم تكن ، فلا يثبت إلّا برضاه أو مَنْ ينوب عنه ، كالبيع والشراء ، ويبعد أن يتملّك الإنسان بتمليك الغير شيئاً من غير رضاه.

والقول الثاني للشافعي : إنّه لا يشترط رضاه(٣) ، وهو قول الشيخ(٤) رحمه‌الله ؛ لأنّ عليّاًعليه‌السلام وأبا قتادة ضمنا الدَّيْن عن الميّت(٥) والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يسأل عن رضا المضمون له.

ثمّ قال الشيخرحمه‌الله : ولو قيل : إنّ من شرطه رضا المضمون له ، كان أولى ؛ بدلالة أنّه إثبات حقٍّ في الذمّة ، فلا بدّ من اعتبار رضاه ، كسائر الحقوق.

ثمّ قال : والأوّل أليق بمذهبنا ؛ لأنّ الثاني قياس(٦) .

إذا عرفت هذا ، فقد قال أبو يوسف بالقول الثاني للشافعي أيضاً ؛ لأنّ‌

____________________

(١) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨٠ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٠٨ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٠١.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، المغني ٥ : ٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، المغني ٥ : ٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٣١٣ ، المسألة ٢

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٢٨١ ، الهامش ( ٥ و ٦ ) و ٢٨٢ ، الهامش (١)

(٦) الخلاف ٣ : ٣١٣ - ٣١٤ المسألة ٢

٣٠٩

الضمان محض التزامٍ ، وليس موضوعاً على قواعد المعاملات(١) .

تذنيب : أبو حنيفة وافقنا على اشتراط رضا المضمون له في الضمان‌ إلّا في مسألة واحدة استثناها ، وهي : أنّ المريض لو التمس من الورثة أن يضمنوا دَيْنه فأجابوا ، صحّ وإن لم يرض المضمون له(٢) .

مسألة ٤٩٩ : نحن وأبو حنيفة والشافعي - في أحد القولين – لـمّا اشترطنا في صحّة الضمان رضا المضمون له تفرّع عندنا فرع‌ ، وهو : أنّه هل يُشترط قبول(٣) المضمون له ، أو لا ، بل يكفي في صحّة الضمان الرضا؟ إشكال ينشأ : من أنّه تملّك في مقابلة تمليك الضامن ، فيعتبر فيه القبول ، كسائر التمليكات والتملّكات. ومن أصالة عدم الاشتراط ، مع قيام الفرق بينه وبين سائر التملّكات ؛ فإنّ الضمان لا يُثبت ملكَ شي‌ء جديد ، وإنّما يتوثّق به الدَّيْن الذي كان مملوكاً.

ويُنتقض بالرهن ؛ فإنّه لا يفيد إلّا التوثيق ، ويُعتبر فيه القبول.

وللشافعيّة قولان - كالاحتمالين - لكنّ الأصحّ عندهم : الثاني(٤) .

والأقرب عندي : الأوّل ؛ لأنّه عقد ، فلا بدّ من القبول.

قال بعض الشافعيّة : يقرب هذا الخلاف من الخلاف في اشتراط القبول في الوكالة ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهم يُجدّد سلطنةً لم تكن ، فإن شرطنا القبول فليكن بينه وبين الضمان من التواصل ما بين الإيجاب والقبول في‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٧ ، فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥.

(٣) أي القبول لفظاً.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، منهاج الطالبين : ١٢٩.

٣١٠

سائر العقود. وإن لم نشترط ، فيجوز أن يتقدّم(١) (٢) .

وقد فرّع الجويني على عدم اشتراط رضا المضمون له ، فقال : إذا ضمن من غير رضاه ، نُظر إن ضمن بغير إذن المضمون عنه ، فالمضمون له بالخيار إن شاء طالَب الضامن ، وإن شاء تركه. وإن كان الضمان بإذنه ، فحيث قلنا : يرجع الضامن على المضمون عنه [ يُجبر ](٣) المضمون له على قبوله ؛ لأنّ ما يؤدّيه في حكم ملك المضمون عنه. وحيث قلنا : لا يرجع ، فهو كما لو قال لغيره : أدِّ دَيْني عنّي ، ولم يشترط الرجوع وقلنا : إنّه لا يرجع(٤) .

وهل يستحقّ المدين والحال هذه أن يمتنع من القبول؟ فيه وجهان بناءً على أنّ المؤدّى يقع فداءً أو موهوباً ممّن عليه الدَّيْن؟ إن قلنا بالثاني ، لم يكن له الامتناع ، وهو الأشهر عندهم(٥) .

وقد ظهر من هذا أنّ للشافعيّة في اشتراط معرفة المضمون له والمضمون عنه ثلاثة أقوال :

قال بعضهم : لا تشترط معرفتهما.

وقال آخَرون : تشترط معرفتهما.

وقال قوم : تشترط معرفة المضمون له دون المضمون عنه ؛ إذ لا معاملة معه(٦) .

____________________

(١) أي : يتقدّم الرضا على الضمان ، كما في المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « روضة الطالبين ». وبدلها في « العزيز شرح الوجيز » : « يتخيّر ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ - ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤.

(٦) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ - =

٣١١

وزاد الجويني قولاً رابعاً ، وهو : اشتراط معرفة المضمون عنه دون المضمون له(١) .

النظر الخامس : في الحقّ المضمون به.

مسألة ٥٠٠ : يشترط في الحقّ المضمون به أمران :

الأوّل : الماليّة ، فلا يصحّ ضمان ما ليس بمال. والضابط فيه أن يكون ممّا يصحّ تملّكه وبيعه ، وكما لا يصحّ بيع المحرَّمات والربويّات وغيرهما ممّا تقدّم ، كذا لا يصحّ ضمانها.

الثاني : الثبوت في الذمّة ، فلو ضمن دَيْناً لم يجب بَعْدُ وسيجب بقرضٍ أو بيعٍ أو شبههما ، لم يصح.

ولو قال لغيره : ما أعطيت فلاناً فهو علَيَّ ، لم يصح أيضاً عند علمائنا أجمع - وبه قال أحمد(٢) - لأنّ الضمان ضمّ ذمّةٍ إلى ذمّةٍ في التزام الدَّيْن ، فإذا لم يكن على المضمون عنه شي‌ء فلا ضمّ فيه ولا يكون ضماناً. ولأنّ الضمان شُرّع لوثيقة الحقّ ، فلا يسبق وجوب الحقّ كالشهادة.

وللشافعيّة هنا طريقان :

أحدهما : قال ابن سريج : المسألة على قولين :

القديم : أنّه يصحّ ضمان ما لم يثبت في الذمّة ولم يجب ؛ لأنّ الحاجة قد تمسّ إليه ، كما أنّه في القديم جوّز ضمان نفقة المستقبل. وبهذا قال أبو حنيفة ومالك.

والجديد : المنع ، وبه قال أحمد.

____________________

= ٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ - ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، المغني ٥ : ٧١ - ٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩.

٣١٢

والثاني : القطع بالمنع ، ويخالف ضمان النفقة ؛ لأنّ النفقة - على القديم - تجب بالعقد ، فضمانها ضمان ما وجب لا ما لا يجب(١) .

مسألة ٥٠١ : لو قال : ضمنت لك ما تبيعه من فلان ، فباع الشي‌ء بعد الشي‌ء ، لم يصح هذا الضمان عندنا‌ ، وهو أحد قولي الشافعي(٢) .

وفي القديم : يصحّ ، ويكون ضامناً للكلّ ؛ لأنّ « ما » من أدوات الشرط فتقتضي التعميم(٣) .

ولو قال : إذا بعت من فلان فأنا ضامن ، فإنّه يضمن الأوّل لا غير ؛ لأنّ « إذا » ليست من أدوات الشرط.

وقال أبو حنيفة : إذا قال لغيره : إذا بعت فلاناً شيئاً فهو عَلَيَّ ، فباعه شيئاً ثمّ باعه شيئاً آخَر ، لزم الضامن المال الأوّل خاصّةً. ولو قال : ما بعته اليوم فهو علَيَّ ، لزمه ما يبيعه اليوم. ولو قال : مَنْ باع فلاناً اليوم فهو عَلَيَّ ، فباعه رجل ، لا يلزم الضامن(٤) .

مسألة ٥٠٢ : إذا شرطنا معرفة المضمون له عند ثبوت الدَّيْن ، فهنا - أي في صورة ضمان ما لم يجب - أولى.

وإن لم نشترط ، فللشافعيّة وجهان(٥) .

وكذا معرفة المضمون عنه.

وإذا ضمن ما لم يجب ، فلا يطالب الضامن ما لم يلزم الدَّيْن على الأصيل ، فيطالب حينئذٍ عند مَنْ جوّزه ، وأمّا عندنا فلا.

قال مجوّزوه : إذا ضمن ما لم يجب ثمّ رجع عن الضمان ، فإن كان‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

(٤) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٦٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

٣١٣

بعد لزوم المال ، لم يكن له الرجوع.

وإن كان قبله ، فعن ابن سريج من الشافعيّة : أنّ له أن يرجع(١) .

وقال غيره من الشافعيّة : لا يرجع ؛ لأنّ وضع الضمان على اللزوم(٢) .

وعلى قولنا ببطلان ضمان ما لم يثبت لو قال : اقرض فلاناً كذا وعلَيَّ ضمانه ، فأقرضه ، قال بعض الشافعيّة : المذهب أنّه لا يجوز(٣) .

وقال ابن سريج : إنّه يجوز ؛ لأنّه ضمانٌ مقرون بالقبض(٤) .

مسألة ٥٠٣ : يصحّ ضمان النفقة الماضية للزوجة‌ ، سواء كانت نفقة الموسرين أو نفقة المعسرين ، وكذا ضمان الإدام ونفقة الخادم وسائر المؤن ؛ لأنّها تثبت في الذمّة واستقرّت بمضيّ الزمان.

وكذا يصحّ ضمان نفقة اليوم الحاضر ؛ لأنّها تجب بطلوع الفجر.

وأمّا النفقة المستقبلة - كنفقة الغد والشهر المستقبل والسنة المستقبلة - فإنّها غير واجبة في الذمّة ، فلا يصحّ ضمانها ؛ لأنّ النفقة عندنا إنّما تجب بالعقد والتمكين ، والتمكين في المستقبل لم يحصل ، فلم تجب النفقة إلّا مع حصوله ، فيكون ضمانها ضمان ما لم يجب ، وهو القول الجديد للشافعي.

وقال في القديم : يصحّ(٥) .

وهو مبنيّ على أنّ النفقة تجب بالعقد خاصّةً ، والأوّل مبنيّ على أنّها تجب بالعقد والتمكين.

وقال الجويني : إن قلنا بالقديم ، صحّ الضمان. وإن قلنا بالثاني ، فالأصحّ : البطلان(٦) .

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨ - ٤٧٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٩.

٣١٤

وفيه قولٌ آخَر مع تفريعنا على أنّ ضمان ما لم يجب باطل ؛ لأنّ سبب وجوب النفقة ناجز ، وهو النكاح(١) .

وفيه إشكال ؛ لأنّ سبب وجوب النفقة إمّا النكاح أو التمكين في النكاح ، فإن كان الأوّل ، فالنفقة واجبة ، فكيف قال : ولم تجب!؟ وإن كان الثاني ، فالسبب غير موجود.

مسألة ٥٠٤ : قد بيّنّا أنّ ضمان نفقة المدّة المستقبلة للزوجة باطل.

وعلى قول الشافعي بالجواز يُشترط أمران :

أحدهما : أن يقدّر المدّة ، فلو أطلق لم يصح فيما بعد الغد. وفي الغد وجهان أخذاً من الخلاف فيما إذا قال : آجرتك كلّ شهر بدرهم ، ولم يقدّر ، هل يصحّ في الشهر الأوّل؟ قولان.

الثاني : أن يكون المضمون نفقة المعسرين وإن كان المضمون عنه موسراً أو متوسّطاً ؛ لأنّه ربما يعسر ، فالزائد على نفقة المعسر غير ثابتٍ ؛ لأنّه يسقط بالعسر(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يجوز ضمان نفقة الموسرين والمتوسّطين ؛ لأنّ الظاهر استمرار حاله(٣) .

وأمّا نفقة القريب للمدّة المستقبلة فإنّها عندنا أولى بالبطلان ؛ لعدم وجوبها ، وبه قال الشافعي(٤) .

أمّا نفقة اليوم ، فالأقرب : جواز ضمانها ؛ لوجوبها بطلوع الفجر.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : أنّه لا يصحّ(٥) .

والفرق بينها وبين نفقة الزوجة : أنّ سبيل هذه النفقة سبيل البرّ والصلة ، لا سبيل الديون ، ولهذا تسقط بمضيّ الزمان وضيافة الغير ، ونفقة الزوجة نفقة معاوضة ، فسبيلها سبيل الديون.

____________________

(١ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٩.

٣١٥

مسألة ٥٠٥ : لا يشترط في المال اللزوم‌ ، بل مطلق الثبوت ، سواء كان مستقرّاً لازماً ، كثمن المبيع إذا كان في الذمّة ، أو متزلزلاً ، كضمان الثمن في مدّة الخيار ، فإنّه يصحّ ضمانه - وهو أصحّ وجهي الشافعي(١) - لأنّه ينتهي إلى اللزوم بنفسه ، فيحتاج فيه إلى التوثيق ، وأصل وضع البيع اللزوم.

والثاني : لا يصحّ ضمانه ؛ لأنّه ليس بلازم(٢) .

ويُمنع اشتراط اللزوم.

وهذا الخلاف بين قولي الشافعي إنّما هو فيما إذا كان الخيار للمشتري أو لهما ، أمّا إذا كان الخيار مختصّاً بالبائع ، فإنّه يصحّ ضمانه بلا خلافٍ ؛ لأنّ الدَّيْن لازم في حقّ مَنْ هو عليه(٣) .

وهو ممنوع.

وقال الجويني : تصحيح الضمان في بيع الخيار مبنيّ على أنّ الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع ، أمّا إذا منعه فهو ضمان ما لم يثبت بَعْدُ(٤) .

مسألة ٥٠٦ : الحقوق على أربعة أضرب :

[ الأوّل ] : حقٌّ لازم مستقرّ‌ ، كالثمن بعد قبض المبيع ، والأُجرة بعد انقضاء المدّة ، والمهر بعد الدخول ، وهذا يصحّ ضمانه إجماعاً.

الثاني : لازمٌ غير مستقرّ‌ ، كالثمن قبل القبض ، والمهر قبل الدخول ، والأُجرة قبل انقضاء المدّة ، فهذا يصحّ ضمانه أيضاً ؛ لأنّه لازمٌ في الحال وإن جاز أن يسقط ، كما يسقط المستقرّ بالقضاء والإبراء وبالردّ بالعيب وغير ذلك.

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٣.

٣١٦

وكذا(١) السَّلَم يصحّ ضمانه عندنا وعند الشافعي(٢) ؛ لأنّه دَيْنٌ لازمٌ ، فصحّ ضمانه ، كالقرض.

وقال أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين : إنّه لا يصحّ ضمانه ؛ لأنّه يؤدّي إلى استيفاء الـمُسْلَم فيه من غير المُسْلَم إليه ، فلا يجوز ، كالحوالة به(٣) .

والفرق أنّه في الحوالة يطالب ببدل الحقّ ، وفي الضمان يطالب بنفس الحقّ.

الثالث : ما ليس بلازمٍ ولا يؤول إلى اللزوم‌ ، كالكتابة عند بعض(٤) علمائنا.

الرابع : ما ليس بلازمٍ ولكن يؤول إلى اللزوم‌ ، كمال الجعالة.

مسألة ٥٠٧ : الأقرب عندي : أنّه يصحّ ضمان مال الكتابة‌ - وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في وجهٍ(٥) ، وخرّجه ابن سريج على ضمان ما لم يجب ووُجد سبب وجوبه(٦) . وقال بعضهم : إنّه مأخوذ من تجويز ضمان الجُعْل في الجعالة على إحدى الروايتين(٧) - لأنّه دَيْنٌ على المكاتب ، فصحّ ضمانه ، كسائر الديون عليه وعلى غيره.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « كذلك ».

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٩٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٤ ، المغني ٤ : ٣٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧٨.

(٣) المغني ٤ : ٣٧٧ ، و ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧٧ - ٣٧٨ ، و ٥ : ٨٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١.

(٤) الشيخ الطوسيرحمه‌الله في المبسوط ٢ : ٣٢٥.

(٥) المغني ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥.

٣١٧

والمشهور من مذهب الشافعي - وإليه مالَ الشيخ(١) رحمه‌الله وأحمد في الرواية الأُخرى - : أنّه لا يصحّ ؛ لأنّ مال الكتابة ليس بلازمٍ ولا يؤول إلى اللزوم ، فإنّ للمكاتَب أن يُعجّز نفسه ويمتنع من أدائه ، فإذا لم يلزم(٢) الأصيل فالضمين أولى(٣) .

ويُمنع عدم لزومه وأنّ للمكاتب تعجيز نفسه ، بل يجب عليه القيام في المال ؛ لأنّه قد صار دَيْناً عليه.

تذنيب : لو ضمن إنسان عن المكاتَب غير نجوم الكتابة‌ ، فإن كان الدَّيْن لأجنبيّ ، صحّ الضمان ، وإذا أدّى الضامن ، رجع على المكاتَب إن كان قد ضمن بإذنه.

وإن ضمنه لسيّده ، جاز أيضاً.

والشافعي بناه على أنّ ذلك الدَّيْن هل يسقط بعجزه؟ وهو على وجهين ، إن قلنا : نعم ، لم يصح ، كضمان النجوم ، وإلّا جاز(٤) .

مسألة ٥٠٨ : [ في ضمان ](٥) ما ليس بلازمٍ في الحال وله مصير إلى اللزوم ، والأصل في وضعه الجواز ، كمال الجعالة.

فنقول : إن ضمن قبل الشروع في العمل ، لم يصح الضمان ؛ لأنّه‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٣٦.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يلزمه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢ ، المغني ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢.

(٥) ما بين المعقوفين أثبتناه كما استُظهر في هامش الطبعة الحجريّة ، ولم يرد في النسخ الخطّيّة.

٣١٨

ضمان ما لم يجب ؛ إذ العقد غير لازم ، والمال الثابت بالعقد غير ثابت في الذمّة فكيف يلزم فرعه!؟

وإن ضمن بعد فراغ العمل واستحقاقه للمال ، صحّ ضمانه قطعاً ؛ لأنّه ضمان ما قد ثبت وجوبه.

وإن ضمن بعد الشروع في العمل وقبل إتمامه ، فالأقرب : جواز الضمان ؛ لوجود سبب الوجوب ، ولانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم ، كالثمن في مدّة الخيار ، وهو أحد قولي الشافعي.

وأصحّهما عنده : المنع ؛ لأنّ الموجِب للجُعْل هو العمل ؛ إذ به يتمّ الموجَب ، فكأنّه لا ثبوت له قبل العمل(١) .

وقال بعض الشافعيّة : يمكن بناء الوجهين على الوجهين في جواز رجوع المالك بعد الشروع في العمل ، فنقول : إن لم نجوّز الرجوع ، فقد لزم الجُعْل من قِبَله. وإن جوّزناه ، لم يصح ضمانه(٢) .

وأمّا مال المسابقة والمناضلة فمبنيّ على أنّ عقدهما جعالة أو إجارة ، فإن كان إجارةً ، صحّ الضمان. وإن كان جعالةً ، فهو كضمان الجُعْل.

وقال الشيخ(٣) رحمه‌الله وأحمد : يصحّ ضمان مال الجعالة والمسابقة ؛ لأنّه يؤول إلى اللزوم. ولقوله تعالى :( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (٤) ولأنّه يؤول إلى اللزوم إذا عمل العمل ، وإنّما الذي لا يلزم‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٦ ، و ٤ : ٤٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٣ ، المغني ٥ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٠ ، و ٥ : ١٥٦.

(٣) الخلاف ٣ : ٣١٦ و ٣١٧ ، المسألتان ٧ و ٨ من كتاب الضمان ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢٥.

(٤) يوسف : ٧٢.

٣١٩

العملُ ، والمال يلزم لوجوده ، والضمان للمال دون العمل(١) .

وكلامه يشعر بجواز الضمان قبل الشروع في العمل.

مسألة ٥٠٩ : يصحّ ضمان أرش الجناية ، عند علمائنا‌ ، سواء كان من النقدين أو من الإبل وغيرها(٢) من الحيوانات - وبه قال أحمد(٣) - لأنّه ثابت مستقرّ في الذمّة ، فصحّ ضمانه ، كغيره من الحقوق الثابتة في الذمم ، وكغير الحيوانات من الأموال.

وقال أصحاب الشافعي : إذا لم نجوّز ضمان المجهول ففي ضمان إبل الدية وجهان ، ويقال قولان :

أحدهما : لا يصحّ ؛ لأنّه مجهول الصفة واللون.

والثاني : أنّه صحيح(٤) .

ونمنع بطلان ضمان المجهول.

سلّمنا ، لكن نمنع الجهالة ؛ فإنّ الإبل الواجبة في الذمّة عن النفس والأعضاء والجراحات معلومة العدد والسنّ ، وجهالة اللون وغيره من الصفات الباقية لا تضرّ ؛ لأنّ الذي يلزمه أدنى لون أو صفة أو غالب إبل البلد ، فتحصل معلومة. ولأنّ جَهْلَ ذلك لا يمنع وجوبه بالإتلاف فلم يمنع وجوبه بالالتزام. ولأنّ الضمان تلو الإبراء ، والإبراء عنها صحيح فكذا الضمان.

____________________

(١) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٠ ، المغني ٥ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « أو من غيرهما » بدل « وغيرها ».

(٣) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٠ ، المغني ٥ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٥.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

محمد بن أبي داود الحافظ عن علي بن أحمد العجلي عن عبّاد بن يعقوب عن أرطاط بن حبيب عن أبي خالد الواسطي عن زيد بن عليّ ابن الحسين عن أبيه الإمام الحسين الشهيد السبط عن أبيه الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن رسول الله (ص) قال «يا علي من آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فعليه لعنة الله».

وروى السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في كتابه رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي ص ٦٠ / الباب الرابع عن الجامع الكبير للطبراني وعن صحيح ابن حيان ـ وصحّحه الحاكم ـ كلهم عن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام عن رسول الله (ص) قال «من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله».

بعد هذه الأحاديث الشريفة والتفكّر في معانيها ، أنظروا إلى أحداث السقيفة وهجوم القوم على دار الإمام علي وفاطمة الزهراء عليهما السّلام وهتكهم حرمتهما ، وفكروا في تلك الأعمال الشنيعة والأفعال الفظيعة التي ارتكبها القوم حتى مرضت سيّدة نساء العالمين بسببها وتوفّيت على أثرها في أيام شبابها ، فماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر وعلى كلّ من آذاها!!

الحافظ : نعم سخطت فاطمة الزهراء بادئ الأمر ، ولكنها رضيت بعد ذلك لأنها علمت بأنّ الخليفة (رض) حكم بالحق ، فرضيت عن الشيخين (رض) وعن جميع الصحابة الكرام حين توفيت.

قلت : إنّكم تحبون أن تصلحوا بين سيدة النساء فاطمةعليها‌السلام وبين من ظلمها في عالم الخيال ، ولكن الواقع خلاف هذا الخيال والمقال ، فقد صرّح أعلامكم وكبار علمائكم مثل الشيخين مسلم والبخاري في

٨٠١

صحيحيهما فكتبا ورويا عن عائشة بنت أبي بكر : «... فهجرته فاطمة ولم تكلّمه في ذلك حتى ماتت. فدفنها علي ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر»(١) .

رواه العلاّمة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب ، في أواخر / الباب التاسع والتسعون.

وقال ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسية / ١٤ و ١٥ / طبع مطبعة الأمة بمصر [فقال عمر لأبي بكر (رض) انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد اغضبناها ، فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا عليا فكلماه ، فادخلهما عليها ، فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلى اح؟؟؟ ط ، فسلّما عليها فلم تردّ عليهما السّلام!!

فقالت : أرأيتكما إن حدّثتكما حديثا عن رسول الله (ص) ، تعرفانه وتفعلان به؟ قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله! ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟

قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم.

قالت : فإنّي أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي (ص) لأشكونّكما إليه.

فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا

__________________

(١) صحيح البخاري : ج ٢ / ١٨٦ ، ومسلم ج ٣ / ١٣٨٠ مع اختلاف في لفظ الحديث والمعنى واحد.

«المترجم»

٨٠٢

فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي ، حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول : والله لادعونّ الله عليك في كل صلاة أصلّيها!!(١) .]

وبعد استماع هذه الأخبار ، أرجوكم! استمعوا إلى روايات المحدثين التي تخبرنا عن مدى تعلق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بابنته فاطمة بحيث جعلها كنفسه وقال : من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، وإليكم بعض المصادر المعتبرة لديكم :

روى أحمد بن حنبل في المسند ، والحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة ، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في مودّة القربى ، وابن حجر في الصواعق نقلا عن الترمذي والحاكم عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال «فاطمة بضعة مني وهي نور عيني وثمرة فؤادي وروحي التي بين جنبيّ ، من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن أغضبها فقد أغضبني».

ونقل ابن حجر العسقلاني في الإصابة في ترجمة فاطمةعليها‌السلام ، عن صحيحي البخاري ومسلم أنّ رسول الله (ص) قال «فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويريبني ما أرابها».

وفي مطالب السئول لمحمد بن طلحة الشافعي ص ١٦ طبع دار الكتب التجارية / نقلا عن الترمذي بسنده عن ابن الزبير عن رسول الله (ص) قال «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها وينصبني ما ينصبها».

وفي محاضرات الأدباء للعلاّمة الراغب الأصبهاني ج ٢ / ٢١٤ عن رسول الله (ص) قال «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني».

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد ـ ولا يخفى سعة اطّلاعه في مثل هذه المواضيع ـ قال في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ٥٠ / طبع دار إحياء الكتب العربية / [والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر ، وأنها اوصت ألاّ يصلّيا عليها!!]

٨٠٣

وروى الحافظ أبو موسى بن المثنى البصري المتوفّى سنة ٢٥٢ ، في معجمه ، وابن حجر العسقلاني في الإصابة ج ٤ / ٣٧٥ ، وأبو يعلى الموصلي في سننه ، والطبراني في المعجم ، والحاكم النيسابوري في المستدرك ج ٣ / ١٥٤ ، والحافظ أبو نعيم في فضائل الصحابة ، وابن عساكر في تاريخه ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة / ٢٧٩ / طبع مؤسسة أهل البيت بيروت ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى / ٣٩ ، وابن حجر المكي في الصواعق / ١٠٥ ، وأبو العرفان الصبّان في إسعاف الراغبين / ١٧١ ، كلّهم رووا عن رسول الله (ص) أنه قال لابنته فاطمةعليها‌السلام «يا فاطمة إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك».

وروى محمد بن اسماعيل البخاري في الصحيح في باب / مناقب قرابة رسول الله (ص) ، عن مسور بن مخرمة عن رسول الله (ص) أنه قال «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني».

وفي التذكرة / ٢٧٩ روى سبط ابن الجوزي فقال : وقد أخرج مسلم عن المسور بن مخرمة أن رسول الله (ص) قال : فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها فمن أغضبها فقد أغضبني.

أيها الحاضرون! وخاصّة أنتم العلماء فكّروا! في ما يحصل من هذه الأخبار وانظروا في نتيجتها ، أليست صريحة في أنّ الله ورسوله يغضبان على من تغضب فاطمة عليه؟ وطائفة من الأخبار ـ التي نقلتها لكم عن صحاحكم ومسانيدكم المعتبرة ـ صريحة بأنّ فاطمةعليها‌السلام ماتت وهي ساخطة على جمع من الصحابة منهم أبو بكر وعمر. حتى أوصت أن لا يشيّعاها ولا يصليا عليها!!

فالنتيجة الحاصلة : أنّ الله ورسوله ساخطين على أبي بكر وعمر ،

٨٠٤

لأنّ فاطمةعليها‌السلام ماتت ساخطة عليهما!!

الشيخ عبد السلام : هذه الأخبار صحيحة ولكن رسول الله (ص) نطق بها حينما سمع أنّ عليا كرم الله وجهه يريد أن يتزوّج بابنة أبي جهل ، فغضب رسول الله (ص) وقال : من آذى فاطمة فقد آذاني ، ومن أغضبها فقد أغضبني ، ومن أغضبني فقد أغضب الله. وكان علي كرم الله وجهه هو الهدف والمقصود من هذه الأحاديث الشريفة!!

خطبة عليعليه‌السلام ابنة أبي جهل كذب وافتراء

قلت : يمتاز الإنسان عن سائر أنواع الحيوان بلبّه وعقله.

فإذا سمع خبرا فهو لا يقبله إلاّ بعد ما يمضغه بفكره ويهضمه عقله ولبه ، فإذا كان معقولا قبله ، وإذا كان غير معقول ردّه ، ولذا قال تعالى في كتابه الكريم :( فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (١) .

هذا الخبر وهو خطبة عليعليه‌السلام ابنة أبي جهل ، وغضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك ، نقله بعض أسلافكم في كتبهم وأنتم على عادتكم تلقيتم الخبر وحسبتموه من المسلّمات من غير أن تفكّروا في سلبيات هذا الخبر وتزنوه بعقولكم حتى تجدوه مردودا غير معقول ولا مقبول عند ذوي الألباب ، وذلك لجهات منها :

أوّلا : أجمع علماؤكم وأعلام مفسريكم أنّ علياعليه‌السلام داخل في من شملتهم آية التطهير ، فهو بعيد وبريء من كل رجس ورذيلة.

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ١٧ ـ ١٨.

٨٠٥

ثانيا : أنّ الله سبحانه جعله في آية المباهلة نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما نقلت لكم أخبارها في الليلة الماضية.

ثالثا : كان عليعليه‌السلام باب علم الرسول كما أعلن ذلك هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد نقلت لكم أخباره من مصادركم.

فكانعليه‌السلام أعلم الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن وأحكامه وبالإسلام وفرائضه ، وكانعليه‌السلام أحوط الناس في العمل بالقرآن وأجهدهم في كسب مرضاة الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف يعقل أن يقدم على عمل يؤذي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ والله سبحانه يقول :( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ ) (١) .

ثم كيف قبلت عقولكم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو صاحب الخلق العظيم يغضب على أفضل عباد الله بعده والذي يحب الله تبارك وتعالى كما عرّفه حين أعطاه الراية في خيبر ، فيغضب عليه لا لشيء سوى أنّه أراد أن يرتكب أمرا مباحا ، أباحه الله سبحانه في كتابه لكل المسلمين من غير استثناء فقال :( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) (٢) ؟.

وعلى فرض أنّ علياعليه‌السلام خطب ابنة أبي جهل ، هل كان يحرم عليه ذلك أم يجوز؟! فكيف تقبل عقولكم أن يغضب سيد المرسلين وصاحب الخلق العظيم على سيد كريم مثل ابن عمه أمير المؤمنين لهذا الأمر المباح المشروع الذي سنّه الله تعالى وعمل به هو أيضاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فالنبي صلوات الله وسلامه عليه أجلّ وأكرم من ذلك ، ونفسه

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٥٣.

(٢) سورة النساء ، الآية ٣.

٨٠٦

القدسيّة أزكى وأعظم من أن تتأثّر بهكذا أمور. لذا فكلّ إنسان مؤمن وعاقل ، يعرف كذب هذا الخبر وأنه افتراء على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا الخبر يحطّ من شخصيته وكرامته ، صلوات الله عليه قبل أن يحطّ من شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام وكرامته.

لذلك أقول : لا شكّ ولا ريب أنّ هذا الخبر وضعه بنو أمية لأنهم أعداء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعداء عليّعليه‌السلام . وهذا ليس هو رأينا فحسب بل هو رأي بعض أعلامكم أيضا.

فقد نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٤ / ٦٣ / طبع دار أحياء الكتب العربية / تحت عنوان [فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم عليعليه‌السلام ] قال [وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافيرحمه‌الله تعالى أنّ معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّعليه‌السلام ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ؛ فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير ـ وبعد ما نقل نماذج من أحاديث كل واحد منهم قال ـ : وأمّا أبو هريرة ، فروي عنه الحديث الذي معناه أنّ علياعليه‌السلام خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأسخطه ، فخطب على المنبر ، وقال : «لاها الله! لا تجتمع ابنة وليّ الله وابنة عدو الله أبي جهل! إنّ فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ، فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي ، وليفعل ما يريد» ، أو كلاما هذا معناه ، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي.

ثم قال ابن أبي الحديد : هذا الحديث أيضا مخرج في صحيحي مسلم والبخاري عن المسور بن مخرمة الزهري وقد ذكره المرتضى في

٨٠٧

كتابه المسمّى «تنزيه الأنبياء والأئمة» وذكر أنّه رواية حسين الكرابيسي ، وأنّه مشهور بالانحراف عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وعداوتهم والمناصبة لهم ، فلا تقبل روايته]. انتهى كلام ابن أبي الحديد.

إضافة على ما نقلته في الموضوع أقول : الأخبار التي تصرّح بأنّ إيذاء فاطمةعليها‌السلام يكون إيذاء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تختصّ بخبر خطبة عليعليه‌السلام ابنة أبي جهل! بل كما ورد في مصادركم وكتبكم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في موارد كثيرة وبمناسبات عديدة صرّح بهذا المعنى بعبارات مختلفة.

كما نقلنا بعضها. أنقل إليكم الآن خبرا ما نقلته من قبل :

روى أحمد بن حنبل في مسنده ، والخواجة پارسا البخاري في كتابه فصل الخطاب ، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في المودة الثالث عشر من كتابه مودّة القربى ، عن سلمان الفارسي عن رسول الله (ص) قال «حبّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن ، أيسر تلك المواطن الموت والقبر والميزان والصراط والحساب ، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ومن رضيت عنهرضي‌الله‌عنه ومن غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبت عليه ومن غضبت عليه غضب الله عليه ، ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها عليا وويل لمن يظلم ذريّتهما وشيعتهما».

فليت شعري! ما هو تحليلكم للخبر الذي نقله جلّ أعلامكم وأصحاب الصّحاح حتى البخاري ومسلم بأنّ فاطمةعليها‌السلام ماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر؟!

الحافظ : هذه الأخبار صحيحة ، بل يوجد أكثر تفصيلا وأشمل منها في مصادرنا ، وأنا بفضل كلامكم عرفت زيف حديث الكرابيسي في خطبة علي كرم الله وجهه ابنة أبي جهل ، وقد كان في قلبي شيء

٨٠٨

على الإمام علي بسبب هذا الخبر ، فزال والحمد لله ، وأنا أشكركم كثيرا على توجيهاتكم وتحليلكم للموضوع.

ولكن بقي أمر يختلج في قلبي ، وهو أنّ هذه الأخبار والأحاديث المصرّحة بأنّ إيذاء فاطمة إيذاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّ من أغضبها فقد أغضب رسول الله (ص). مقبولة ومحمولة فيما إذا كان غضبها لأمر ديني لا دنيوي ، وأنتم تقولون : أنها غضبت على أبي بكر وعمر من أجل فدك ، إذ أنّها ادّعت تملّكها فردّاها ولم يقبلا منها ، فكان سخطها لأمر شخصي وهذا أمر طبيعي فكلّ إنسان إذا أراد شيئا ولم يصل إليه فيتأثّر نفسيّا ، وكان سخط فاطمة من هذا القبيل ، وهي بعد ما عادت المياه إلى مجاريها وسكنت الفورة ، رضيت بحكم الخليفة وسكتت ، ولذلك لمّا بويع علي كرم الله وجهه بالخلافة وتمكّن من استرداد فدك ، لم يحرّك ساكنا ولم يغيّر حكم أبي بكر وما استردّ فدك وإنما تركه على ما كان في عهد الخلفاء الراشدين قبله ، وهذا دليل على أنّه كان راضيا بحكم أبي بكر لأنّه كان حقا.

قلت : لقد طال مجلسنا وأخشى من أن يتعب الحاضرون ويملّوا ، فلو توافقون على تأجيل حديثنا إلى غد وفي الليلة الآتية إن شاء الله نستمر في الموضوع.

ـ فأجابوا جميعا : إنّنا ما تعبنا ولا مللنا بل كلنا بشوق إلى استماع حديثكم حتى نعرف نتيجة البحث ويظهر لنا الحق ـ.

قلت : ما دمتم كذلك وتحبون ظهور النتيجة وانكشاف الحقيقة فأقول.

أولا : الموضوع في الأحاديث النبوية صريحة ومطلقة فتشمل الأمور

٨٠٩

الدنيوية وغيرها ، فلا أدري من اين جاء الحافظ حفظه الله بهذا التّقييد؟

ثانيا : كل علماء المسلمين من الشيعة وأهل السنّة قد أجمعوا على أنّ فاطمة الزهراءعليها‌السلام كانت امرأة مثاليّة ، وكانت في أعلى مرتبة من مراتب الإيمان بحيث أنزل الله تعالى في شأنها آيات من الذكر الحكيم وشملتها آية التطهير وآية المباهلة وسورة الدّهر ، وقد مدحها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرّفها بأنّها سيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء أهل الجنة ، وأنّها امتلأت إيمانا ، ومثلها لا تسخط لأجل أمر دنيوي وماديّ ، بذلك السخط الذي لا يزول إلى آخر حياتها. وهي تعلم بأنّ كظم الغيظ والعفو عن الخاطئين من علائم الإيمان والمؤمن ليس بحقود ، إلاّ أن يكون السخط من أجل الله تعالى ، فإنّ المؤمن حبّه وبغضه في الله ولله سبحانه وتعالى ، فكيف بفاطمة وهي سيدة نساء المؤمنين ـ كما في الحديث الشريف ـ وقد طهّرها الله عزّ وجلّ من الأرجاس والرذيلة والصفات الذميمة ولقّبها أبوها بالطاهرة المطهّرة ، وهي ماتت ساخطة على أبي بكر وعمر ، كما هو إجماع أهل الصحاح والمحدثين؟ فما كان سخطها إلا لأمر دينيّ لا دنيوي ، وإنّها غضبت عليهما لأنّهما غيّرا دين الله وخالفا كتاب الله كما احتجّت عليهما في خطبتها التي مرّ ذكرها بالآيات القرآنية.

وأما قولك أيها الحافظ : إنّ فاطمة رضيت فسكتت ؛ لا والله ما رضيت ، ولكن حين رأت القوم خصومتها لا يلتفتون إلى كلامها ولا يسمعون دلائلها وهم مصرّون على باطلهم وظلمهم فسكتت ، وما كان لها إلاّ أن تسكت ، ولكنّها أبدت سخطها عليهم ، بأن أوصت إلى زوجها الإمام عليعليه‌السلام أن لا يحضر جنازتها وتشييعها أحد ممّن آذاها

٨١٠

وظلمها ، ولا يدع أحدهم يصلّي عليها.

وأما قولك ـ أيها الحافظ ـ : بأن علياعليه‌السلام حيث لم يردّ فدكا إلى أولاد فاطمة. فقد أمضى حكم الخليفة ، فهو خطأ ، لأنهعليه‌السلام ما تمكّن أن يغيّر ما ابتدعه الخلفاء قبله ، فكانعليه‌السلام مغلوبا على أمره من طرف المخالفين والمناوئين وهم الناكثين والقاسطين فكانوا له بالمرصاد حتى يأخذوا عليه نقطة خلاف فيكبّروها ضده ويجعلوا من تلك النقطة منطلقا إلى تضعيف حكومته الحقّة ، كما ظهر ذلك في بعض القضايا مثل تغيير مكان المنبر ، حيث إنّ الخلفاء قبله غيّروا مكان منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونقلوه إلى مكان آخر في المسجد ، فلما جاء الإمام عليعليه‌السلام وتسلّم أمر الخلافة أراد أن يرجع المنبر إلى مكانه الذي كان على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضجّ المخالفون له وأحدثوا بلبلة حتى منعوه.

وكذلك مثال آخر ، أرادعليه‌السلام أن يمنع الناس من إقامة صلاة التراويح جماعة ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منع أن تقام النوافل جماعة ، وإنما تختصّ صلاة الجماعة بالفرائض اليومية وغيرها من الفرائض ، وإذا بالمناوئين ضجّوا واجتمعوا يهتفون وا سنّة عمراه!!

وصلاة التراويح ـ كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد القاري ـ ابتدعها عمر بن الخطاب ، وقد عيّن أبيّ ابن كعب إماما لأهل المسجد في ليالي رمضان المبارك ليصلي بهم النوافل جماعة ، فلما دخل المسجد وراى الناس امتثلوا أمره ، فقال : نعمة البدعة هذه!!

فتركهم علي وشأنهم ، لما رأى المنافقين اتخذوا هذا الأمر مستمسكا ضدّه لخلق الفتن.

٨١١

وكذلك في الكوفة لمّا أراد أن يمنعهم من إقامة صلاة التراويح جماعة ، فهتفوا ضدّه ، فتركهم!!

فما تمكّن عليّعليه‌السلام في أيّام خلافته أن يغيّر هذه الأمور البسيطة التي لا تنفعهم ، فكيف كان يمكن له أن يستردّ فدكا وقد انضمّت إلى بيت المال؟!

ولكي تعرفوا أنّ علياعليه‌السلام ما أمضى حكم أبي بكر بل وكّل وفوّض حكم فدك ومحاكمة فاطمة وخصمائها إلى الله الحكم العدل. فراجعوا نهج البلاغة / كتابه إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وكان عامله على البصرة وهو الكتاب رقم ٤٥.

يقول فيه الإمامعليه‌السلام بالمناسبة : «... فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادّخرت من غنائمها وفرا ، ولا حزت من أرضها شبرا ، بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء ، فشحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله ...».

فهذا كلام الإمام عليعليه‌السلام يقول : «ونعم الحكم الله» ومعناه : أنني سوف أطالبهم حقي يوم الحساب يوم لا تظلم نفس شيئا والحكم يومئذ لله.

وأما سيدتنا فاطمةعليها‌السلام فقد قالت لأبي بكر وعمر «فإنّي أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني فما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأشكونّكما إليه». ـ وقد مرّ تفصيل الكلام من رواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ـ.

وكما نقل بعض المؤرخين كانت في أواخر أيام حياتها تخرج إلى قبر أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهناك تشكو اهتضامها وتقول : أبتاه أمسينا

٨١٢

بعدك من المستضعفين ، وأصبحت الناس عنّا معرضين!! ثم تأخذ تراب القبر فتشمه وتنشد :

ما ذا على من شمّ تربة أحمد

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صبّت عليّ مصائب لو أنّها

صبّت على الأيام صرن لياليا

فماتت مقهورة مظلومة ، في ربيع العمر وعنفوان الشباب ، وأوصت إلى عليّعليه‌السلام أن يغسّلها ويجهّزها ليلا ، ويدفنها ليلا إذا هدأت الأصوات ونامت العيون ، وأوصت أن لا يشهد جنازتها أحد ممن ظلمها وآذاها.

وامتثل الإمام عليعليه‌السلام أمرها وعمل بوصيّتها.

ولما وضعها في لحدها وأهال عليها التراب ، هاج به الحزن فتوجّه إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول «السلام عليك يا رسول الله عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللّحاق بك إلى أن يقول :

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فلقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرّهينة! أمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد ، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم ، وستنبّئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها ، فأحفها السّؤال ، واستخبرها الحال ، هذا ولم يطل العهد ، ولم يخل منك الذكر ، والسلام عليكما سلام مودّع ، لا قال ولا سئم». الخ.

كنت في أواخر حديثي هذا مستعبرا باكيا ، وكذلك أكثر أهل المجلس بل كلّهم ، وكان الحافظ حفظه الله منكّسا رأسه إلى الأرض ودموعه تجري ويستغفر الله ويردّد الآية الكريمة :( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) (١)

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٥٦.

٨١٣

وبعد ذلك المجلس ما تكلّم الحافظ أبدا وإنّما حضر المجالس التالية مستمعا لا مناقشا ، فكأنّه أنصف واقتنع ، وكان ظاهر أمره في آخر ليلة حينما وادعني وفارقني ، أنّه تشيّع ـ وإن لم يبد ذلك لمرافقيه وأصحابه ـ.

وبعد دقائق ولحظات وإذا بصوت المؤذّن يعلن طلوع الفجر ويؤذّن لصلاة الصبح فافترق الجمع وفارقناهم.

٨١٤

المجلس التاسع

ليلة السبت ـ الثاني من شعبان المعظّم

في أوان المغرب جاءني عدد من الإخوان السنة الذين كانوا يلتزمون بالحضور في مجالس البحث والحوار من أول ليلة ، وكانوا يستمعون الى المواضيع المطروحة بكل لهفة ودقّة وربما طلبوا منّي توضيح بعض المواضيع ، وكنت أحسّ وألمس منهم اهتماما بالغا ، فجاءوا قبل انعقاد المجلس التاسع ، وهم : النوّاب عبد القيوم خان ، وغلام امامين ، والمولى عبد الأحد ، وغلام حيدر خان ، والسيد أحمد علي شاه

فاستقبلتهم وجلست معهم. فقالوا : أيها السيد المعظّم! اعلم بأنّنا في كل المجالس والمحاورات عرفنا الحق فيكم ومعكم ، وخاصّة في الليلة الماضية قد انكشفت لنا حقائق كثيرة كانت مكتومة ، وكنّا نجهلها ، وقد عرفناها بفضل بيانكم واتّضحت لنا من خلال حديثكم المستدل ومنطقكم القوي المدعم بالأحاديث والروايات الصحيحة المروية عن طريق أعلام السنة وعلمائهم في المسانيد والصّحاح ، ونحن نطلب الحق ونريد أن نتدين بدين الله ونلتزم بما جاء به المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند

٨١٥

الله سبحانه ، فلسنا نتعصّب للخلفاء ولا لأئمة السنة والجماعة ولسنا معاندين ، بل نحن بعيدون عن اللّجاج والتّعصّب والعناد. والآن حيث انكشف لنا الواقع ، وعرفنا الحق ، نريد أن نعلن هذه الليلة في المجلس وفي حضور الملأ ، تشيعنا ومتابعتنا لمذهب آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

واعلم أنّ هناك كثيرا من الناس على مختلف الطبقات ممّن يتابعون هذه المناقشات في الصحف والمجلاّت ، أيضا قد عرفوا الحق ولكنهم يخفون ذلك خوفا من ردّ فعل قومهم ، وإساءة أقربائهم لهم ، ويخشون مقاطعة المجتمع الذي يعيشون فيه ، فإذا نحن بدأنا بإعلان تشيعنا وفتحنا الباب فهم يدخلون أيضا ويعلنون تشيعهم.

قلت : أرجوكم رجاء مؤكّدا أن لا تعجلوا في الأمر ، ولا تعلنوا تشيعكم هذه الليلة ، اصبروا إلى نهاية المطاف حتى نعرف آخر ما يخرج به علماء السنّة والجماعة من هذه الأبحاث والمناقشات ، فربما يعلنون هم أيضا تشيعهم ، فليكونوا هم البادون وأنتم التابعون ، وهذا أجمل وأفضل ، فوافقوا جميعا على هذا الرأي.

وبعد ما فرغنا من صلاتي المغرب والعشاء ، اجتمع القوم وبعد التحيّات والتشريفات ، بدأ الشيخ عبد السلام يتكلّم عن الجماعة ليمثل أهل مذهبه.

فقال : لقد استفدنا من أحاديثكم في المجالس السالفة ، فوائد جمّة ، وأقول بكل صراحة : إنّ حديثكم يلين قلوب الأعداء ، فكيف بنا نحن الأحبّاء ، حيث اجتمعنا للتفاهم وحلّ القضايا الخلافية بمناقشات أخويّة ومناظرات ودّية؟ ولكن لمست وأحسست من جنابكم الانحياز إلى أهل مذهبكم ، بحيث أراكم تدافعون حتى عن قبائح

٨١٦

عاداتهم وشنايع أقوالهم!

قلت : أنا لا أقبل منك هذا الكلام يا شيخ عبد السلام! لأنّي منذ عرفت نفسي وميّزت بين الخير والشر ، خضعت للحق ، ودعوت للخير ، ودافعت عن المظلوم ، لأنّ جدّي أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام أوصى إلى أولاده وخاصّة إلى الحسنين عليهما السّلام فقال : قولا بالحق ، واعملا للآخرة ، وكونا للظالم خصما ، وللمظلوم عونا.

فإذا رأيتني أبيّن مساوئ من خالفنا ، وأدافع عن من وافقنا ، فلا عن انحياز أو متابعة للهوى ، وإنّما الحق والخير عندي هو المعيار والمقياس ، واعلم أن كل حديثي وكلامي في هذه المناقشات كان مقرونا بالأدلة النقليّة والبراهين العقليّة.

وأمّا كلامك عن قبائح عادات الشيعة وأقوالهم الشنيعة فبيّنها لنا ، فإن كان بيانك حقا قبلناه ، وإلاّ كشفنا لكم الواقع ، فلربما اشتبه عليكم الأمر.

الشيعة وعائشة!!

الشيخ عبد السلام : إنّ من أقبح أقوال الشيعة قذفهم أم المؤمنين عائشة (رض) ونسبتهم الفحش إليها وسبّها ولعنها! ومن أشنع عاداتهم عداؤهم لها واعتقادهم بخبثها ، وهي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وزوجته ، فانتسابها الى الخبث يلازم ـ والعياذ بالله ـ خبث النبي (ص) لقوله سبحانه :( الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ ) (١) .

__________________

(١) سورة النور ، الآية ٢٦.

٨١٧

قلت : أوّلا : قولك بأن الشيعة يقذفون عائشة وينسبونها إلى الفحشاء فهو كذب على الشيعة وافتراء ، وأقسم بالله حتى عوام الشيعة لا يقولون ذلك ولا يعتقدون به ، وإنّ النواصب والخوارج افتروا علينا هذا ليحرّكوا عوام أهل السنّة وجهالهم على شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومع الأسف فإنّ بعض علماء العامّة صدّقوهم بغير دليل ولا تحقيق ، وأحدهم جناب الشيخ عبد السلام سلّمه الله!

فأقول : أيها الشيخ! كيف تقول علينا هذا بالضرس القاطع؟! هل رأيته في كتاب أحد علمائنا؟ أم سمعته من لسان أحد الشيعة ، ولو من عامتهم؟!

وأنا أرجوك أيها الشيخ أن تراجع تفاسير الشيعة في موضوع الإفك في ذيل الآيات ١٠ ـ ٢٠ من سورة النور لتعرف دفاع الشيعة عن عائشة وإنّ الآفكين هم المنافقون.

أما نحن الشيعة فنعتقد أنّ كل من يقذف أيّ واحدة من زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سيما حفصة وعائشة. فهو ملحد كافر ملعون مهدور الدم ، لأنّ ذلك مخالف لصريح القرآن وإهانة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكذلك نعتقد بأنّ القذف ونسبة الفحشاء إلى أي مسلم ومسلمة حرام وموجب للحد ـ إلاّ إذا شهد أربعة شهداء عدول ـ.

وأما اعتقاد الشيعة بخبث عائشة وشقاوتها ، فبدليل أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال كما ورد في مسانيدكم «إنه لا يحب عليا إلاّ مؤمن سعيد الجد طيّب الولادة ، ولا يبغضه إلاّ منافق شقي الجد خبيث الولادة».

ولا يخفى على أحد أنّ عائشة كانت من أشد المبغضين لعليعليه‌السلام

٨١٨

إلى درجة أنّها خرجت لقتاله ، وأشعلت نار الفتنة والحرب في البصرة عليه وهو إمام زمانها حينذاك!!

ثم اعلم أنّ الاعتقاد بخبث الزوجة لا يلازم خبث الزوج وكذلك بالعكس ، فكم من نساء صالحات أزواجهن غير صالحين؟ وكم من رجال صالحين زوجاتهم خبيثات غير صالحات؟ وهذا صريح قول الله سبحانه وتعالى في سورة التحريم ١٠ و ١١ حيث يقول :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ* وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

فلا تلازم بين الزوجين في الطيب والخباثة وفي السعادة والشقاء ؛ وفي القيامة أيضا كلّ يحاسب ويكافأ بأعماله ، فإن كانت المرأة صالحة مؤمنة يؤمر بها الى الجنة ، وإن كان زوجها فرعون لعنه الله ، وإن كانت المرأة طالحة عاصية فيؤمر بها إلى الجحيم وإن كان زوجها أحد أنبياء الله المرسلين.

وأما تفسير الآية الكريمة :( الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ ) (١) فقد ورد في روايات أهل البيتعليهم‌السلام أنّ هذه المجملات تفسير وتوضيح لما قبلها وهو قوله تعالى :( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ

__________________

(١) سورة النور ، الآية ٢٦.

٨١٩

مُشْرِكٌ ) (١) معنى ذلك أنّ الخبيثات يلقن للخبيثين والخبيثين يلقن بهنّ ، وأمّا الطيبون فيليقون للطيّبات وبالعكس ، كما أنّ الزانية أو المشركة لا تليق إلاّ لزان أو مشرك.

بعض عائشة لآل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ونحن حين ننتقد عائشة ونعاديها ، لا لأنها بنت أبي بكر ، بل لسوء تصرّفاتها وسوء معاملتها مع آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولأنّها كانت تبغض علياعليه‌السلام وتعمل ضدّه وتثير المسلمين عليه ، وإلاّ فإنّا [نحبّ محمّد بن أبي بكر ـ أخيها ـ لانه نصر الحق وتابع الإمام عليعليه‌السلام ].

أمّا عائشة فما حافظت على مكانتها بل سوّدت تاريخها بأعمالها المخالفة لكتاب الله وحديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما أطاعت زوجها ولا أطاعت ربها!!

الشيخ عبد السلام : لا يليق هذا الكلام بكم وأنت سيد شريف وعالم نبيل ، فكيف تعبّر عن أم المؤمنين بهذا التعبير ، بأنها سوّدت تاريخها؟!

قلت : كل زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندنا في مكانة متساوية ، ـ باستثناء أم المؤمنين خديجة الكبرىعليها‌السلام فإن النبي كان يفضّلها عليهن ـ ، فإنّ أم سلمة وسودة وعائشة وحفصة وميمونة وسائر زوجاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهنّ أمهات المؤمنين ، ولكن المؤرخين لا سيما أعلامكم فتحوا لعائشة صفحات خاصّة ، تروي مداخلتها في الفتن ، ومشاركتها مع

__________________

(١) سورة النور ، الآية ٣.

٨٢٠

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205