ليالي بيشاور

ليالي بيشاور3%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235445 / تحميل: 3868
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

حربه حربي وسلمه سلمي ، ولكنّها أبت إلاّ إثارة الفتنة!!

وإنّ أعلام مؤرّخيكم الذين أرّخوا واقعة الجمل وكبار محدثيكم ذكروا أنّ رسول الله (ص) حذّرها أن تكون صاحبة الجمل الأحمر التي تنبحها كلاب حوأب ، وحين خرجت إلى البصرة مرّت بمنطقة تسمّى الحوأب فنبحتها الكلاب ، فسألت عن اسم المكان ، فقالوا : تسمّى الحوأب. فذكرت حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتحذيره لها ، فأرادت الرجوع ، ولكن طلحة والزبير وابناهما غرّوها وغيروا إرادتها وثبّتوها على عزمها الأول وهو الخروج والفتنة ، فتابعت طريقها حتى وصلت البصرة وألّبت الجيوش لقتال الإمام عليّعليه‌السلام وأجّجت نار الحرب وقتل بسببها آلاف المسلمين ، فهل تعذروها بعد هذا ، وتقبلون قولها بأنّها نسيت؟! فأيّ نسيان هذا بعد التذكر؟!(١) .

__________________

(١) لكي يسمع القارئ الكريم شكوى إمامه أمير المؤمنينعليه‌السلام ويعرف حقيقة واقعة الجمل ، اختطفت بعض النكات والجمل من نهج البلاغة وانقلها في هذا المجال :قال في الخطبة المرقّمة / ٢٢ ـ حين بلغه خبر الناكثين طلحة والزبير وأصحابهما ، ومطالبتهم بدم عثمان ـ «ألا وإنّ الشيطان قد ذمّر حزبه ، واستجلب جلبه ، ليعود الجور إلى أوطانه ، ويرجع الباطل إلى نصابه والله ما أنكروا عليّ منكرا ، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا ، وإنّهم ليطلبون دما هم سفكوه!!». الخ.

وقال عليه‌السلام في كلام له في الخطبة رقم ١٤٨ من نهج البلاغة ـ يصف طلحة والزبير ـ «كلّ واحد منهما يرجو الامر له ، ويعطفه عليه دون صاحبه ، لا يمنّان إلى الله بحبل ولا يمدّان إليه بسبب ، كلّ واحد منهما حامل ضبّ لصاحبه ، وعمّا قليل يكشف قناعه به!».

«والله لئن أصابوا الذي يريدون لينتزعنّ هذا نفس هذا!

وليأتينّ هذا على هذا! قد قامت الفئة الباغية ، فأين المحتسبون». وقال عليه‌السلام في

٨٦١

__________________

خطبة له من نهج البلاغة رقمها ١٧٢ ، في ذكر أصحاب الجمل «فخرجوا يجرّون حرمة رسول الله (ص) كما تجرّ الامة عند شرائها ، متوجّهين بها الى البصرة ، فحبسا نساءهما في بيوتهما وأبرزا حبيس رسول الله (ص) لهما ولغيرهما في جيش ما منهم رجل الاّ وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة ، طائعا غير مكره ، فقدموا على عاملي بها ـ بالبصرة ـ وخزّان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها ، فقتلوا طائفة صبرا ، وطائفة غدرا ، فو الله لو لم يصيبوا من المسلمين إلاّ رجلا واحدا متعمدين لقتله بلا جرم جرّه لحلّ لي قتل ذلك الجيش كلّه ، إذ حضروه فلم ينكروا ، ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد ، دع ما أنّهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة التي دخلوا بها عليهم!».

وقال عليه‌السلام في كلام له خاطب به أهل البصرة / نهج البلاغة الخطبة رقم ١٥٦ / قال عليه‌السلام «وأمّا فلانة ـ عائشة ـ فأدركها رأي النساء ، وضغن غلا في صدرها كمرجل القين ، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إليّ ، لم تفعل. ولها بعد حرمتها الأولى ، والحساب على الله تعالى».

والآن ، لكي يطمئنّ قلب القارئ الكريم إلى واقع الأمر ويعرف عائشة ونفسيّتها أكثر من ذي قبل ، فأترك القلم بيد ابن قتيبة وهو من أعلام أهل السنّة والمتوفّى سنة ٢٧٠ هجرية ، فإنه كتب في كتابه الإمامة والسياسة / ٤٨ ، ط مطبعة الأمّة بمصر / تحت عنوان : خلاف عائشة (رض) على عليّ قال [وذكروا أنّ عائشة لما أتاها أنّه بويع لعليّ ، وكانت خارجة عن المدينة ، فقيل لها قتل عثمان وبايع الناس عليا ، فقالت : ما كنت أبالي أن تقع السماء على الأرض ، قتل والله مظلوما! وأنا طالبة بدمه!!

فقال لها عبيد : إنّ أول من طعن عليه وأطمع الناس فيه لانت ولقد قلت : اقتلوا نعثلا فقد فجر!!

٨٦٢

__________________

فقالت : قد والله قلت وقال الناس ، وآخر قولي خير من أوله!

فقال عبيد : عذر والله ضعيف يا أمّ المؤمنين! ثم قال :

منك البداء ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الإما

م وقلت لنا أنّه قد فجر «كفر»

فهبنا أطعناك في قتله

وقاتله عندنا من أمر

قال : فلما أتى عائشة خبر أهل الشام أنّهم ردّوا بيعة عليّ وأبو أن يبايعوه ، أمرت فعمل لها هودج من حديد وجعل فيه موضع عينيها ، ثم خرجت ومعها الزبير وطلحة وعبد الله بن الزبير ومحمد بن طلحة.]

أقول : وذكر ابن قتيبة في صفحة ٥٢ تحت عنوان : كتاب أم سلمة إلى عائشة.

[قال : وذكروا أنّه لما تحدّث الناس بالمدينة بمسير عائشة مع طلحة والزبير ونصبهم الحرب لعليّ وتألّبهم الناس ، كتبت أمّ سلمة إلى عائشة : أما بعد فإنك سدة بين رسول الله وبين أمّته ، وحجابك مضروب على حرمته ، قد جمع القرآن الكريم ذيلك فلا تبذليه ، وسكّن عقيرتك فلا تضيّعيه ، الله من وراء هذه الأمة ، قد علم رسول الله مكانك ، لو أراد أن يعهد إليك ، وقد علمت أنّ عمود الدين لا يثيب بالنساء ان مال ، ولا يرأب بهنّ إن انصدع ، خمرات النساء غضّ الأبصار وضم الذيول ، ما كنت قائلة لرسول الله (ص) لو عارضك بأطراف الجبال والفلوات ، على قعود من الإبل من منهل الى منهل. إن بعين الله مهواك ، وعلى رسول الله (ص) تردين وقد هتكت حجابه الذي ضرب الله عليك عهيداه ، ولو اتيت الذي تريدين ثم قيل لي أدخلي الجنة ، لاستحييت أن ألقى الله هاتكة حجابا قد ضربه عليّ ، فاجعلي حجابك الذي ضرب عليك حصنك ، فابغيه منزلا. لك حتى تلقيه ، فإنّ أطوع ما تكونين إذا ما لزمته ، وأنصح ما تكونين إذا ما قعدت فيه ، ولو ذكّرتك كلاما قاله رسول الله (ص) لنهشتني نهش الحيّة والسلام.

٨٦٣

__________________

فكتبت إليها عائشة : ما أقبلني لوعظك ، وأعلمني بنصحك ، وليس مسيري على ما تظنّين ، ولنعم المطلع مطلع فرقت فيه بين فئتين متناجزتين ، فإن أقدر ففي غير حرج وإن أحرج فلا غنى بي عن الازدياد منه والسلام!!]

أقول : وذكر ابن ابن قتيبة في كتابه صفحة ٥٧ قال [ولما نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر ، أقبل عليهم سعيد بن العاصي على نجيب له ، فأشرف على الناس ومعه المغيرة بن شعبة ، فنزل وتوكّأ على قوس له سوداء ، فأتى عائشة فقال لها : أين تريدين يا أم المؤمنين؟ قالت : أريد البصرة ، قال : وما تصنعين بالبصرة؟ قالت : أطلب بدم عثمان! فقال : هؤلاء قتلة عثمان معك!!

ثم أقبل على مروان فقال له : وأين تريد أيضا؟ قال : البصرة.

قال : وما تصنع بها؟ قال : أطلب قتلة عثمان قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك ، إنّ هذين الرجلين ـ طلحة والزبير ـ قتلا عثمان وهما يريدان الأمر لأنفسهما ، فلمّا غلبا عليه قالا : نغسل الدم بالدم والحوبة بالتوبة!!

ثم قال المغيرة بن شعبة : أيها الناس إن كنتم إنّما خرجتم مع أمكم فارجعوا بها خيرا لكم ، وإن كنتم غضبتم لعثمان فرؤساؤكم قتلوا عثمان!! وان كنتم نقمتم على عليّ شيئا فبيّنوا ما نقمتم عليه.

انشدكم الله فتنتين في عام واحد!! فأبوا إلاّ أن يمضوا بالناس ، فلما انتهوا إلى ماء الحوأب في بعض الطريق ومعهم عائشة ، نبحها كلاب الحوأب ، فقالت لمحمد ابن طلحة : أي ماء هذا؟ قال : هذا ماء الحوأب. فقالت : ما أراني إلاّ راجعة! قال : ولم؟ قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول لنسائه : كأنّي بإحداكنّ قد نبحها كلاب الحوأب ، وإيّاك أن تكوني أنت يا حميراء!!

فقال لها محمد بن طلحة : تقدّمي رحمك الله ودعي هذا القول!

وأتى عبد الله بن الزبير فحلف لها بالله لقد خلفتيه أوّل الليل!!

٨٦٤

__________________

أتاها ببيّنة زور من الأعراب فشهدوا بذلك!!

فزعموا أنّها أوّل شهادة زور شهد بها في الاسلام!!

أقول : هكذا عارضوا الحق بالباطل ، هؤلاء الضّلال الذين ضلّوا وأضلّوا ، فخالفوا كتاب الله عزّ وجلّ إذ يقول : ( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) البقرة : ٢٢٤.

فكيف إذا جعلوا الله سبحانه عرضة لأيمانهم ليشعلوا الفتنة ويشبّوا القتال بين المسلمين ، لينالوا أمانيهم الفاسدة؟!]

أقول : وذكر ابن قتيبة في صفحة ٦٣ و ٦٤ تحت عنوان تعبئة الفئتين : [.. ثم كتب عليّ إلى طلحة والزبير «أما بعد فقد علمتما أنّي لم أرد الناس حتى أرادوني ولم أبايعهم حتى بايعوني وزعمتما أنّي آويت قتلة عثمان ، فهؤلاء بنو عثمان فليدخلوا في طاعتي ثم يخاصموا إليّ قتلة أبيهم.

وما أنتما وعثمان ، إن كان قتل ظالما أو مظلوما!!

ولقد بايعتماني ، وأنتما بين خصلتين قبيحتين ، نكث بيعتكما وإخراجكما أمكما.

وكتب إلى عائشة : أما بعد فإنّك خرجت غاضبة لله ولرسوله ، تطلبين أمرا كان عنك موضوعا ، ما بال النساء والحرب والإصلاح بين الناس؟! تطلبين بدم عثمان!! ولعمري لمن عرّضك للبلاء وحملك على المعصية ، أعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان ، وما غضبت حتى أغضبت ، وما هجت حتى هيجت ، فاتقي الله وارجعي إلى بيتك».

فأجابه طلحة والزبير : إنك سرت مسيرا له ما بعده ولست راجعا وفي نفسك منه حاجة فامض لأمرك ، أما أنت فلست راضيا دون دخولنا في طاعتك ، ولسنا بداخلين فيها أبدا ، فاقض ما أنت قاض. وكتبت عائشة : جلّ الأمر عن العتاب والسلام.] فانصف أيها القارئ هل تعذر بالنسيان بعد هذا التذكير والتحذير؟! وهل لطلحة والزبير عذر في عصيانهما وخروجهم؟! «المترجم»

٨٦٥

ألم تكن هذه المخالفات منها للقرآن الحكيم وللنبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصمات عار في تاريخها؟!

هل أنّ خروجها على الإمام عليّعليه‌السلام ، وقتالها له كان حقا أم باطلا؟ فإذا كان باطلا فكل باطل وصمة عار لفاعله ، وإن تقولوا كان حقا ، ولستم بقائلين ، فكيف التوفيق بينه وبين الأحاديث الشريفة التي مرّت عن طرق محدثيكم وكبار علمائكم ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «من آذى عليا فقد آذاني». وقال «حربه حربي ، وسلمه سلمي ، ولا يبغضه إلاّ منافق». وما إلى ذلك.

بالله عليكم أنصفوا!! هل حرب عائشة وطلحة والزبير لعليّعليه‌السلام وقتالهم لهعليه‌السلام كان عن حبّهم لعليّ أم عن بغضهم لهعليه‌السلام ؟!

لم لا تنتقدوهم ولا تأخذون عليهم هذه الخطايا الكبرى والمعاصي العظمى؟! لما ذا تمرّون على هذه الحوادث مرور الجاهلين والغافلين ، ولكن تأخذون على الشيعة بأشدّ ما يكون ، لأنهم ينتقدون أعمال الصحابة ويميزون بين الحق والباطل فيمدحون أهل الحق ويفضحون أهل الباطل أيّا كانوا؟ والجدير بالذّكر أنّنا لا نروي في الصحابة وأفعالهم القبيحة إلاّ ما رواه محدثوكم وعلماؤكم ، فلما ذا لا تنقمون عليهم ولا ترفضون رواياتهم ولا تنفون كتبهم ولا تردّونها؟! بل هذه الكتب التي ننقل عنها كلها عندكم معتبرة ومقبولة وتطبع في البلاد السنيّة وعواصمهم ، مثل مصر وبغداد ولبنان وغيرها ، من باب المثال يقول العلاّمة المسعودي في كتابه مروج الذهب ج ٢ / ٧ ، وهو يتحدّث عن وقعة الجمل ، وهجوم أصحاب عائشة على أصحاب عثمان بن حنيف بعد المعاهدة كما ذكرنا فقال [فقتل منهم سبعون رجلا غير من جرح ،

٨٦٦

وخمسون من السبعين ضربت رقابهم صبرا من بعد الأسر ، وهؤلاء أول من قتلوا ظلما في الإسلام.]

هذا الخبر إذا نقله مؤرخوكم لا يحزّ في نفوسكم ولكن إذا نقله أحد الشيعة وقال إنّ هذا العمل كان ظلما قبيحا من عائشة وأصحابها ، تثور نفوسكم وتنفجر غيرتكم وتشتعل نيران التعصّب فيكم ، فترموننا بالكفر والضلالة وتبيحون لأتباعكم دماء الشيعة وأموالهم!!

الشيخ عبد السلام : لا يجوز عندنا التدخل في الحوادث التي جرت بين صحابة رسول الله (ص) ، فإنّا ننظر إليهم جميعا بعين الإكبار والاحترام ، فإنهم وإن اختلفوا بينهم ولكن الكل كانوا يدعون إلى الله ، ومن توجّه منهم إلى خطئه وانحراف مسيره عن الحق ، فقد تاب واستغفر مثل الزبير (رض) في البصرة ، وكذلك أم المؤمنين عائشة (رض) فإنها تبعت طلحة والزبير وأخذت بقولهما ، ولكنّها بعد ذلك عرفت بطلان كلامهما وأنهما أغرياها وحملاها معهما إلى البصرة ، فاستغفرت وتابت ، والله خير الغافرين ، وهو يقبل التوبة من عباده وهو أرحم الراحمين.

قلت : أولا : قولك : فإنّهم وإن اختلفوا بينهم ولكن الكلّ كانوا يدعون إلى الله. فهو مغالطة وكلام باطل ، لأنّ سبيل الله عزّ وجلّ واضح واحد وصراط الحق واحد كما قال تعالى :( وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١) .

وقال سبحانه :( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ١٥٣.

٨٦٧

اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (١) .

ثانيا

وأما قولك : بأنّ الزبير بعد ما توجّه إلى خطئه وانحرافه عن الحق تاب واستغفر. فأقول : نعم تاب ولكن لم يعمل بشرائط التوبة ، فقد كان الواجب عليه أن يسعى في ردّ ممن اغراهم فيهديهم إلى الحق الذي عرفه في جانب الامام عليعليه‌السلام ، وكان يلزم أن ينضمّ هو أيضا تحت راية الحق وجيش أمير المؤمنينعليه‌السلام ولا ينعزل عن الميدان والمجاهدة.

وأما عائشة فإنّ عصيانها وذنبها معلوم لكل الناس ، ولكنّ توبتها غير معلومة ، وهي كذلك ما عملت بشرائط التوبة بل ارتكبت بعد ذلك أيضا أشياء تكشف عن حقدها وبغضها لآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم انّ قولك : والله خير الغافرين وهو يقبل التوبة من عباده وهو أرحم الراحمين.

كل ذلك صحيح ومقبول ولكن حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ، فقد قال الله سبحانه :( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ) (٢)

وكلّنا نعلم أن عائشة كانت عالمة غير جاهلة وكانت في خروجها على الإمام وقتالها لعليعليه‌السلام عامدة غير ساهية ، وقد نصحتها أم سلمة قرينتها ، ونصحها الإمام عليعليه‌السلام ، وكثير من الصحابة ، أن لا تخرج من بيتها ولا تغترّ بطلحة والزبير ومروان وأمثالهم ، وقد حذّرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبلهم ، وأمرها الله عزّ وجلّ في كتابه بقوله :( وَقَرْنَ فِي

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ١٠٨.

(٢) سورة النساء ، الآية ١٧.

٨٦٨

بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ) (١) فما اعتنت بكل ذلك وخرجت وأحدثت ما أحدثت!! فكيف نحتّم بأنّ الله سبحانه قبل توبتها وهي عالمة عامدة في المعصية؟!

ثالثا : قولك : بأن طلحة والزبير أغرياها وحملاها إلى البصرة ، وأنّها عرفت بطلان كلامهما بعد ذلك الخ فإنّ قولك هذا يكشف بأنّ الحديث الذي تروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» كذب وافتراء على رسول الله وهو حديث موضوع مجعول ، لأنّ عائشة وآلاف من المسلمين اقتدوا بطلحة والزبير وهما من كبار الصحابة وما اهتدوا بل ضلّوا وخسروا أنفسهم ، خسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين!!!

النواب : سيدنا المكرّم! قلتم خلال كلامكم أنّ أم المؤمنين (رض) بعد توبتها من حرب الجمل أيضا ارتكبت أشياء تكشف عن حقدها وبغضها لآل النبي (ص) فلو سمحت ، بيّن لنا تلك الأشياء بشكل واضح حتى نعرف واقع الأمر.

يوما على جمل ويوما على بغل

قلت : مما لا شك فيه أنّ عائشة كانت امرأة غير هادئة وغير رزينة فقد قامت بحركات لا يقبلها الدين القويم ولا العقل السليم ، وإن كل حركة من تلك الحركات تكفي في تسويد تاريخها بوصمات الذنب والمعصية ، منها واقعة الجمل ، وكلكم تقبلون أنها بعملها في البصرة خالفت الله ورسوله ، وهي أيضا قد اعترفت بخطئها ، ولكن تقولون

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.

٨٦٩

أنها تابت واستغفرت ، فإذا هي ندمت وتابت ، كان اللازم عليها أن توالي عليا وتوالي آل البيت النبوي ، ولكنها خرجت مرّة أخرى وكشفت عن ضميرها الممتلئ عداوة لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك يوم تشييع جنازة الامام الحسن بن عليعليه‌السلام سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنعت من دفنه عند جدّه كما روى ذلك كثير من مؤرخيكم وأعلامكم ، منهم العلاّمة سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ١٩٣ ، ط بيروت ، والعلاّمة ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١٦ / ١٤ ، عن المدائني عن أبي هريرة ، وابو الفرج المرواني الأصبهاني في مقاتل الطالبيين / ٧٤ ، وفي روضة الصفا لمحمد خاوند / ج ٢ ، قسم وفاة الحسن [عليه‌السلام ] ، وتاريخ ابن الأعثم الكوفي ، وفي روضة المناظر للعلاّمة ابن شحنة ، وأبو الفداء إسماعيل في كتابه المختصر في أخبار البشر ج ١ / ١٨٣ ط مصر ، والعلاّمة المسعودي صاحب مروج الذهب ، نقل في كتابه إثبات الوصية ١٣٦ : أنّ ابن عباس قال لها ـ أي لعائشة ـ : [أما كفاك أن يقال يوم الجمل حتى يقال يوم البغل ، يوما على جمل ويوما على بغل بارزة عن حجاب رسول الله (ص) تريدين إطفاء نور الله والله متمّ نوره ولو كره المشركون ـ إنّا لله وإنّا إليه راجعون.]

ونقل بعض المحدثين أنه قال لها :

تجمّلت تبغّلت ، وإن عشت تفيّلت

لك التسع من الثمن ، وفي الكلّ تصرّفت

وأراد الهاشميون أن يجرّدوا السلاح لأن بني أمية تسلّحوا أيضا ليمنعوا من دفن الحسن المجتبىعليه‌السلام عند جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر عائشة ، ولكنّ الحسينعليه‌السلام تدارك الموقف فقال «الله الله يا بني هاشم

٨٧٠

لا تضيّعوا وصيّة أخي واعدلوا به إلى البقيع ، والله لو لا عهد إليّ أن لا أهريق في أمره محجمة دم لدفنته عند جدّنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهما بلغ الأمر!». فدفنوه في البقيع(١) .

__________________

(١) ذكر كثير من المؤرخين منع عائشة لدفن الإمام الحسنعليه‌السلام بجوار جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم أبو الفرج الأصبهاني في كتابه [مقاتل الطالبيين] ٧٤ قال [فأمّا يحيى بن الحسن صاحب كتاب «النسب» فإنه روى أنّ عائشة ركبت ذلك اليوم بغلا.

واستنفرت بني أميّة مروان بن الحكم ومن كان هناك منهم ومن حشمهم] وهو قول القائل فيوما على بغل ويوما على جمل.

ومنهم ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٦ / ١٤ ، ط دار إحياء التراث العربي نقل عن المدائني عن أبي هريرة : [فلما رأت عائشة السلاح والرجال وخافت أن يعظم الشر بينهم وتسفك الدماء ـ هذا كله توجيه منه ـ قالت : البيت بيتي ولا آذن لأحد أن يدفن فيه!]

ومنهم العلاّمة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / ١٩٣ ، طبع بيروت وهذا نصّه : وقال ابن سعد عن الواقدي «لما احتضر الحسن قال : ادفنوني عند أبي يعني رسول الله» فأراد الحسين أن يدفنه في حجرة رسول الله (ص) ، فقامت بنو أميّة ومروان وسعيد بن العاص وكان واليا على المدينة فمنعوه!! قال ابن سعد : ومنهم أيضا عائشة وقالت : لا يدفن مع رسول الله (ص) أحد!!

ومنهم أبو الفداء في «المختصر في أخبار البشر» ج ١ / ١٨٣ طبع مصر قال [وكان الحسن قد أوصى أن يدفن عند جده رسول الله (ص) ، فقالت عائشة : البيت بيتي ولا آذن أن يدفن فيه.]

ومنهم اليعقوبي في تاريخه وهو من أعلام القرن الثالث الهجري قال : وقيل : إنّ عائشة ركبت بغلة شهباء وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد! فأتاها القاسم بن محمد ابن أبي بكر فقال لها : يا عمة ما غسّلنا رءوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء؟! فرجعت.]

٨٧١

فرحة عائشة لشهادة الإمام عليعليه‌السلام

وإذا كانت عائشة نادمة على خروجها وتابت من قتالها وحربها

__________________

ومنهم النيسابوري في روضة الواعظين / ١٤٣ ، ذكر أنّ ابن عباس خاطبها قائلا [وا سوأتاه يوما على بغل ويوما على جمل! تريدين أن تطفئي نور الله ، وتقابلين أولياءه؟!]

ولنا أن نتساءل : من أين جاء لها البيت الذي دفن فيه نبي الرحمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ أما روى أبوها أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ، ولا دارا ولا عقارا ، وبناء عليها منع سيدة النساء فاطمة إرثها وحقّها من أبيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو فرضنا أن عائشة ردّت رواية أبيها وكذّبته فكم حصّتها من الإرث؟ فقد قيل لها :

لك التسع من الثمن

وفي الكل تصرّفت؟!

لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات عن تسع زوجات وحصّة الزوجة من الإرث ثمن ٨ / ١ ما ترك الزوج من العمارات والأموال المنقولة فأمّا من الأرض فلا ترث ، وعائشة تصرّفت في الأرض خلافا لحكم الله فدفنت أباها في بيت رسول الله (ص) وسكتت عن دفن عمر أيضا.

ونصّ بعض المؤرخين كما في كتاب «الدرّة الثمينة في تاريخ المدينة» : / ٤٠٤ أنّ عائشة سمحت بدفن عبد الرحمن بن عوف في حجرة النبي (ص).

فلنا أن نتساءل : هل أنّ عبد الرحمن أولى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سبطه الأكبر الإمام الحسن الذي كان يقبّله في الملأ العام ويشمّه ويضمّه إلى صدره ويقول «الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا». ويقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «اللهم إنّي أحبه وأحب من يحبه؟».

فلا أدري لأي سبب تسمح عائشة لابن عوف أن يدفن عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبعد ريحانته وفلذة كبده عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! أكان ذلك استجابة منها لرغبة الأمويين!! أم للحقد الدفين؟

«المترجم»

٨٧٢

للامام عليعليه‌السلام ، فلما ذا أظهرت الفرح حين وصلها خبر شهادة أمير المؤمنينعليه‌السلام وسجدت شكرا لله تعالى؟!

كما أن أبا الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني ، روى في كتابه مقاتل الطالبيين / ٥٤ ـ ٥٥ / بإسناده إلى إسماعيل بن راشد وهو روى بالإسناد أيضا فقال : [لمّا أتى عائشة نعي عليّ أمير المؤمنين ـعليه‌السلام ـ تمثّلت :

فألقت عصاها واستقرّت بها النّوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر

ثم قالت : من قتله؟ فقيل : رجل من مراد ، فقالت :

فإن يك نائيا فلقد بغاه

غلام ليس في فيه التراب

فقالت لها زينب بنت أم سلمة : ألعليّ تقولين هذا؟!

فقالت : إذا نسيت فذكّروني!!]

ثم روى أبو الفرج بإسناده عن أبي البختري قال : [لمّا أن جاء عائشة قتل عليّعليه‌السلام سجدت!!(١) .]

أيها الحاضرون! وأيها العلماء! هل بعد هذا الخبر ، تصدّقون توبتها؟ أم تقبلون أنّها كانت خفيفة العقل ، وغير رزينة ولا متوازنة في سلوكها ومعاشرتها مع آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

__________________

(١) نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٩ / ١٩٨ ، ط دار إحياء التراث العربي عن الشيخ أبي يعقوب وقال فيه : انه لم يكن يتشيّع. قال : ماتت فاطمة ، فجاء نساء رسول الله (ص) كلهنّ الى بني هاشم في العزاء الاّ عائشة فانها لم تأت ، واظهرت مرضا ، ونقل الى عليّعليه‌السلام عنها كلام يدلّ على السرور!! «المترجم»

٨٧٣

تناقضات عائشة في عثمان

والغريب أنكم لا تنتقدون أم المؤمنين عائشة لموقفها السلبي تجاه عثمان ، ولا تأخذون عليها جملاتها وكلماتها الشنيعة في حقه حتى رمته بالكفر ، ولكن تصبّون جام غضبكم على الشيعة وترمونهم بالكفر والضلال إذا نسبوا عثمان إلى سوء التدبير والإجحاف ، أو نسبوه إلى إتلاف بيت المال وسوء التصرّف ، وهم ينقلون كلّ ذلك من كتب أعلامكم وروى أكثر محدثيكم وأكبر مؤرخيكم أنّ عائشة كانت تؤلّب الناس وتحرّضهم على قتل عثمان ، منهم المسعودي في كتابه أخبار الزمان ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / ٦٤ ، ط بيروت ، وأعلام المؤرخين : مثل ابن جرير وابن عساكر وابن الأثير وغيرهم ، ذكروا في أحداث قتل عثمان أن عائشة كانت تحرّض على قتله بالجملة المشهورة عنها : [اقتلوا نعثلا فقد كفر!]

وذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٦ / ٢١٥ ، ط إحياء التراث قال : قال كلّ من صنّف في السّير والأخبار : [انّ عائشة كانت من أشد الناس على عثمان ، حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله (ص) ، فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول الله (ص) لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنته! قالوا : أوّل من سمّى عثمان نعثلا ، عائشة ؛ والنعثل : الكثير شعر اللحية والجسد ، وكانت تقول : اقتلوا نعثلا ، قتل الله نعثلا!!]

قال : وروى المدائني في كتاب «الجمل» قال : لما قتل عثمان ، كانت عائشة بمكة وبلغ قتله إليها وهي بشراف ، قالت : [بعد النعثل وسحقا!!]

٨٧٤

ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٦ صفحة ٢١٦ قال : وقد روي من طرق مختلفة أنّ عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة ، قالت : [أبعده الله! ذلك بما قدّمت يداه وما الله بظلاّم للعبيد!!]

حينما تقرءون في التاريخ أنّ أم المؤمنين كانت تتفوّه وتتكلّم بهذه الجمّل على عثمان ، لا تحكمون بكفرها وضلالتها!! ولكن اذا سمعتم من شيعي يتكلّم بأقلّ من هذا في عثمان ، تكفرونه وتأمرون بقتله!!

والجدير بالذكر أن أقوال عائشة في شأن عثمان متناقضة ، فقد ذكر المؤرّخون أنّها لمّا سمعت بأنّ الناس بايعوا عليّا بعد عثمان ، غيّرت كلامها وأظهرت بغضها وحقدها لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام فقالت : [لوددت أنّ السماء انطبقت على الأرض إن تمّ هذا قتلوا ابن عفّان مظلوما!!]

بالله عليكم فكّروا في هذا التناقض البيّن ، والتضارب الفاحش في كلام عائشة! أما يدلّ هذا التناقض والتضارب على عدم استقامتها؟ بل هو دليل ظاهر على تلوّنها وميولها مع أهوائها وتلبيتها لأغراضها النفسيّة ، وإنّ النفس لأمّارة بالسوء!

الشيخ عبد السلام : نعم ذكر المؤرخون هذه التناقضات في سيرة أم المؤمنين (رض) ، وهم ذكروا أيضا أنها ندمت وتابت واستغفرت ، والله سبحانه وعد التائبين بقبول التوبة والجنة ، ولذا نحن نعتقد أنّها في أعلى درجات الجنان عند رسول الله (ص).

قلت : إنّ كلامك تكرار لمقالك السابق ، وأنا لا أكرّر كلامي وجوابي لك ، ولكن هل من المعقول أنّ الدماء التي سفكت في الجمل

٨٧٥

بسببها ، والأموال التي نهبت بأمرها ، والحرمات التي هتكت بنظرها تذهب أدراج الرياح ، ولا يحاكمها الله على أعمالها؟!

أين إذا قول الله سبحانه :( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (١) ؟!

صحيح أن الله عزّ وجلّ أرحم الراحمين ، ولكن في موضع العفو والرحمة ، وأشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقمة.

ولا يخفى أنّ من شروط قبول التوبة ، ردّ حقوق الناس وإرضائهم ، فإنّ الله تعالى ربما يعفو عن حقه ، ولكن لا يعفو عن حقوق الناس. وعائشة تابت بالقول واللسان ، لا بالفعل والجنان ، ولذلك ما كانت مطمئنّة من قبول توبتها وغفران الله سبحانه لها وهي أعرف بنفسها ، ولذا ذكر أكابر علمائكم مثل الحاكم في المستدرك ، وابن قتيبة في المعارف ، والعلاّمة الزرندي في الأعلام بسيرة النبي (ص) ، وكذلك ابن البيّع النيسابوري ، وغيرهم ذكروا أنّ عائشة أوصت إلى عبد الله بن الزبير وسائر محارمها فقالت : [ادفنوني مع أخواتي بالبقيع فإنّي قد أحدثت أمورا بعد النبي (ص)!]

أمّا قولكم بأنّها نسيت بعض أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن الإمام عليعليه‌السلام وفضله ومناقبه ، ونسيت تحذير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها من خروجها على أمير المؤمنين ومحاربتها لهعليه‌السلام ، وبعد ما وضعت الحرب أوزارها وانتهت المعركة بانتصار عليعليه‌السلام وجيشه وانكسار عائشة وجيشها ، تذكّرت أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما سمعته من فمه المبارك في ذلك فتابت واستغفرت!!

__________________

(١) سورة الزلزلة ، الآية ٧ و ٨.

٨٧٦

أم سلمة تذكّر عائشة

فقد روى كثير من أعلام محدثيكم وكبار علمائكم خلاف ذلك ، منهم :

ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٦ / ٢١٧ ، ط دار إحياء التراث العربي روى عن أبي مخنف ـ لوط بن يحيى الأزدي ـ قال : [جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان

فقالت أم سلمة : إنك كنت بالأمس تحرّضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول ، وما كان اسمه عندك إلاّ نعثلا ، وإنّك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أفأذكّرك؟

قالت : نعم ، قالت : أتذكرين يوم أقبلعليه‌السلام ونحن معه ؛ حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال ، خلا بعليّ يناجيه فأطال ، فأردت أن تهجمي عليهما ، فنهيتك فعصيتني ، فهجمت عليهما ، فما لبثت أن رجعت باكية ، فقلت : ما شأنك؟ فقلت : إنّي هجمت عليهما وهما يتناجيان فقلت لعليّ : ليس لي من رسول الله إلاّ يوم من تسعة أيّام ، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي!

فأقبل رسول الله (ص) عليّ وهو غضبان محمّر الوجه ، فقال : ارجعي وراءك! والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلاّ وهو خارج من الإيمان!

فرجعت نادمة ساقطة! قالت عائشة : نعم أذكر ذلك.]

ويتابع ابن أبي الحديد رواية أبي مخنف في تذكير أم سلمة لعائشة

٨٧٧

قالت : واذكّرك أيضا [كنت أنا وأنت مع رسول الله (ص) ، وأنت تغسلين رأسه ، وأنا أحيس له حيسا ، وكان الحيس يعجبه ، فرفع (ص) رأسه وقال : يا ليت شعري ، أيّتكنّ صاحبة الجمل الأذنب ، تنبحها كلاب الحوأب ، فتكون ناكبة عن الصراط؟! فرفعت يدي من الحيس ، فقلت : أعوذ بالله وبرسوله من ذلك. ثم ضرب (ص) على ظهرك وقال : ايّاك أن تكونيها!! إيّاك أن تكونيها يا حميراء! أمّا أنا فقد انذرتك!

قالت عائشة : نعم أذكر هذا.

قالت : وأذكّرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول الله (ص) في سفر له ، وكان عليّ يتعاهد نعلي رسول الله (ص) فيخصفها ، ويتعاهد أثوابه فيغسلها ، فنقبت له نعل ، فأخذها يومئذ يخصفها ، وقعد في ظلّ سمرة. وجاء أبوك ومعه عمر ، فاستأذنا عليه (ص) فقمنا إلى الحجاب ، ودخلا يحادثانه فيما أراد ، ثم قالا : يا رسول الله! إنّا لا ندري قدر ما تصحبنا ، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ، ليكون لنا بعدك مفزعا.

فقال (ص) لهما : أما إنّي قد أرى مكانه ، ولو فعلت لتفرّقتم عنه ، كما تفرّقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران.

فسكتا ثم خرجا ، فلمّا خرجنا إلى رسول الله (ص) ، قلت له ، وكنت أجرا عليه (ص) منّا : من كنت يا رسول الله ، مستخلفا عليهم؟

فقال (ص) : خاصف النعل ، فنظرنا فلم نر أحدا إلاّ عليّا ، فقلت : يا رسول الله ، ما أرى إلاّ عليّا. فقال (ص) : هو ذاك. فقالت عائشة : نعم أذكر ذلك.

٨٧٨

فقالت أم سلمة : فأيّ خروج تخرجين بعد هذا؟!

فقالت : إنّما أخرج للإصلاح بين الناس ، وأرجو فيه الأجر إن شاء الله.

فقالت : أنت ورأيك ، فانصرفت عائشة عنها.]

أقول : فاعلموا أيها الحاضرون! إنّ عائشة ما كانت ناسية مكانة الإمام عليّعليه‌السلام عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنزلته منه ، بل خرجت عالمة عامدة ، ناكرة للحق ، داعية للباطل ، عازمة على الحرب والفتنة. وهدفها وغرضها إفساد الأمر على أبي الحسن أمير المؤمنين (سلام الله عليه) ، وهي تعلم أنّه أحقّ الناس بالأمر وأولادهم بالخلافة للنصّ الأخير الذي ذكّرتها به أم سلمة (سلام الله عليها).

فإنّ حديث خاصف النعل الذي رواه كثير من أعلامكم بطرق عديدة صريح في تعيين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا للخلافة والإمامة.

لذلك نحن نعتقد بدليل هذا الحديث وعشرات الأحاديث الصحيحة من نوعه وبأدلّة ثابتة من الكتاب الحكيم ، بأنّ علياعليه‌السلام هو الإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله ، وهو خليفته بلا فصل ، ولكن مناوئيه وحاسديه غصبوا مقامه وأخّروه بدسائس سياسية ومؤامرة شيطانية وعينوا أبا بكر للخلافة من غير نصّ ولا إجماع ، فإنّ النزاع كان قائما في السقيفة من جراء ذاك الانتصاب ، وكلّنا نعلم بأنّ سيّد الخزرج سعد بن عبادة كان مخالفا لخلافة أبي بكر إلى آخر عمره وتبعه كثير من قومه. وكذلك الهاشميون كانوا مخالفين ، وبعد خلافة أبي بكر جاء عمر بن الخطاب بانتصاب وتعيين من أبي بكر ، فلا إجماع ولا شورى! وقد سبق أن بيّنّا مخالفة طلحة وجمع آخر من الصحابة

٨٧٩

لتعيين عمر وانتصابه للخلافة ، وأما عمر فقد أبدع طريقا آخر لتعيين خليفته ، إذ عيّن ستة نفرا من الصحابة فيهم عليّعليه‌السلام وعثمان ، وأمر أن يختاروا من بينهم أحدهم ، فاذا لم يتمّ الوفاق على أحد منهم خلال ثلاثة أيّام ، أصدر حكم إعدامهم وقتلهم!! وقد آل الأمر بمكيدة عمر إلى عثمان.

فنحن نعتقد أنّ هذه الطرق المتناقضة في تعيين الخلفاء الثلاثة ، قبل الإمام عليعليه‌السلام ، كلها طرق غير مشروعة ما سنّها الله ولا رسوله لأنّا لو فرضنا بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا تجتمع أمتي على خطأ» فلم يلحظ إجماع الأمّة في هذه الطرق الثلاثة ، ولكن خلافة الإمام عليعليه‌السلام امتازت بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنّة.

الشيخ عبد السلام : لا شك أنّ الإجماع حصل على خلافة أبي بكر بالتدريج ، ونحن نقبل بأن الإجماع ما حصل في السقيفة ولكن بعدها دخل الناس كلهم في طاعة أبي بكر (رض) وحتى الهاشميين بما فيهم عليّ والعباس بايعوا بعد وفاة فاطمة الزهراء (رضي الله عنها).

قلت : أوّلا فاطمة الزهراءعليها‌السلام وهي سيّدة نساء العالمين والمسلمين بإجماع الأمة ، ما بايعت لأبي بكر بل ماتت وهي ساخطة وناقمة عليه كما مرّ في المجالس السابقة ، كما وقد مرّ أيضا في المجالس السابقة بأن سيد الخزرج سعد بن عبادة ما بايع أبا بكر إلى أن قتل غيلة. وهذا يكفي لبطلان الإجماع الذي تدّعونه.

ثانيا : لقد أثبتنا في المجالس السالفة أنّ بيعة كثير من المسلمين في المدينة كانت بالجبر والإكراه لا عن الطوع والرضا ، وهذا خلاف شرط صحة الاجماع.

٨٨٠

ثم لو فرضنا تصحيح خلافة أبي بكر بالإجماع المزعوم ، فكيف تصححون خلافة عمر الذي عيّنه أبو بكر بوصية منه كتبها عثمان؟!

الشيخ عبد السلام : بديهي بأنّ قول أبي بكر في تعيين عمر بن الخطاب بالخلافة أيضا مستند إلى إجماع الأمة ، لأنهم اجمعوا على طاعته وقبول رأيه ، وكان من رأيه تعيين عمر للخلافة بعده.

قلت : أوّلا إن كان كذلك ، فلما ذا ما أطعتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تعيين خليفته ، وهو قد عيّن عليا وصرّح به مرّات وكرّات من يوم الإنذار إلى يوم الغدير وما بعده ، ولكنكم ترفضونه بحجّة أنّ اختيار الخليفة وانتخابه من حق الأمة وأنّ نصوص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ بن أبي طالب كانت ارشادية ، هذا مع أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان دائما يحذّر الناس من مخالفة أمره ومخالفة الامام عليعليه‌السلام ، حتى أننا نرى في بعض الأحاديث الشريفة المرويّة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتبكم ، يصرّح بأنّ مخالفة عليّ كفر ، وبغضه نفاق ، وطاعته إيمان.

ثانيا : بأي دليل عقليّ أو نقليّ تقولون بأنّ قول الفرد المنصوب بالاجماع ، لا سيما في تعيين خليفته ، يكون قوله لازما وماضيا على الناس! فإنّ هذا الأمر يخالف سيرة أهل العالم لا سيّما العقلاء منهم. ولكي تعرفوا ذلك فطالعوا الكتب المدوّنة في قوانين الدول والانتخابات.

ثالثا : إن كان كلامكم صحيحا ، فلما ذا لم يعمل عمر بن الخطاب على ما خطّه أبو بكر ، بل قام بإبداع طريقة جديدة تخالف مبنى وأساس خلافته وخلافة أبي بكر من قبله. فانّ الشورى الذي شكله عمر من ستة أفراد ، لا يشابه مجالس الشورى البشريّة ، ولا يشابه الانتخابات الجمهورية ، بل أقرب ما يكون إلى الاستبداد والديكتاتورية ،

٨٨١

وهنا شاط الشيخ عبد السلام ولاح الغضب في وجهه فصاح :

نحن لا نسمح لكم بهذا الكلام ، والمسّ من شخصيّة الفاروق ، إلاّ أن تأتوننا بدليل وبرهان.

قلت : ما ذكره المؤرخون في وصية عمر لأبي طلحة الأنصاري في تشكيل الشورى ورجحان الكفّة التي فيها عبد الرحمن بن عوف دليل ساطع وبرهان لامع على ما قلنا ، لأنّه كان يعرف أنّ عبد الرحمن بن عوف يميل الى عثمان وأنّ سعد بن أبي وقاص حاقد على أبي الحسن وحاسد له ، فلا يميل إلى جانبهعليه‌السلام ، فضمن عمر خلافة عثمان بهذه المكيدة والسياسة والكياسة وسمّاها شورى وما هي بشورى(١) !

__________________

(١) ذكر ابن أبي الحديد قصة الشورى في شرح النهج : ج ١ / ١٨٥ ـ ١٨٨ ط إحياء التراث ، قال [وصورة هذه الواقعة أنّ عمر لما طعنه أبو لؤلؤة ، وعلم أنّه ميت

قال : إنّ رسول الله مات وهو راض عن هذه الستة من قريش : عليّ ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم

ثم قال : ادعوا لي أبا طلحة الأنصاري! فدعوه له ، فقال : أنظر يا أبا طلحة ، إذا عدتم من حفرتي ، فكن في خمسين رجلا من الأنصار حاملي سيوفكم ، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله ، واجمعهم في بيت وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحدا منهم ، فإن اتّفق خمسة وابى واحد فاضرب عنقه ، وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب عنقيهما ، وان اتّفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن ، فارجع الى ما قد اتفقت عليه ، فإن أصرّت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقهم ، وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر ، فاضرب أعناق الستة ودع المسلمين يختارون لأنفسهم.]

أقول : إذا لم نسمّ هذا الأمر القاطع والحكم الصادر من الخليفة في شأن أصحاب الشورى ، بالهمجيّة والديكتاتورية ، فما ذا يسمّى؟! «المترجم»

٨٨٢

شورى أم ديكتاتورية!!

ولنا أن نعترض على حكم عمر وتفويضه الأمر النهائي إلى عبد الرحمن بن عوف ، ونتساءل : بأي ملاك وعلى أي استناد شرعي وعرفي وعقلي ونظري يكون رأي ابن عوف مقدّما على رأي الآخرين وأصوب؟ وكيف يكون رأي الثلاثة الذين فيهم ابن عوف نافذا ، والثلاثة الأخرى ان لم توافق فمصيرهم القتل والاعدام؟!

ومن دواعي التعجب والاستغراب ، تقديم رأي عبد الرحمن بن عوف على رأي أبي الحسن علي بن أبي طالبعليه‌السلام في مثل هذا الأمر ، مع روايتهم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «عليّ مع الحق والحق مع علي».

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «عليّ فاروق هذه الأمة يفرّق بين الحق والباطل».

وقد روى الحاكم في المستدرك ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ، والطبراني في الأوسط ، وابن عساكر في تاريخه ، والعلاّمة الكنجي في كفاية الطالب ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ، والحمويني في فرائد السمطين ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والسيوطي في الدرّ المنثور ، عن ابن عباس ، وسلمان ، وأبي ذر ، وحذيفة ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذاك فالزموا علي بن أبي طالب ، فإنّه أول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمة يفرّق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين(١) ».

__________________

(١) أيها القارئ الكريم لقد ورد هذا الحديث في كتب المحدثين ومسانيدهم المعتبرة ،

٨٨٣

__________________

وأذكر لك بعضها من العامّة وأعلام السنّة حتى تسكن بها نفسك ويطمئن قلبك ، منها :

الإصابة لابن حجر : ج ٧ / القسم الأول ص ١٦٧ قال : وأخرج أبو أحمد وابن مندة وغيرهما من طريق إسحاق بن بشر الأسدي عن خالد بن الحارث عن عوف عن الحسن عن أبي ليلى الغفارية قال : سمعت رسول الله (ص) يقول «ستكون من بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمة ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين».

وذكره ابن عبد البر أيضا في الاستيعاب : ج ٢ / ٦٥٧ ، وابن الأثير أيضا في أسد الغابة : ج ٥ / ٢٨٧.

وفي مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٠٢ قال : وعن أبي ذر وسلمان قالا : أخذ النبي (ص) بيد علي عليه‌السلام فقال «إنّ هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين».

ورواه الطبراني والبزار عن أبي ذر وحده ، وذكره المناوي أيضا في فيض القدير في الشرح : ج ٤ / ٣٥٨ ، والمتقي في كنز العمال : ج ٦ / ١٥٦ ، وقال : رواه الطبراني عن سلمان وأبي ذر معا والبيهقي وابن عدي عن حذيفة. وفي الرياض النضرة للمحب الطبري : ج ٢ / ١٥٥ قال : وعن أبي ذر قال : سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي عليه‌السلام «أنت الصديق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي تفرق بين الحق والباطل». (قال) : وفي رواية «وأنت يعسوب الدين». قال : خرّجهما الحاكم.

وهناك مصادر اخرى كثيرة ذكرت بعضها في تعليقاتنا السابقة ، وأكتفي بما ذكرت فإنّ فيها الكفاية لمن أراد الحق والهداية.

«المترجم»

٨٨٤

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث مشهور لعمار بن ياسر ـ ونقلته لكم بإسناده وذكرت مصادره من كتبكم في الليالي الماضية ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«يا عمار! إن سلك الناس كلّهم واديا وسلك عليّ وحده واديا ، فاتّبع عليا وخلّ عن الناس ، يا عمار! عليّ لا يردك عن هدى ، ولا يدلّك على ردى يا عمار! طاعة عليّ طاعتي ، وطاعتي طاعة الله».

مع هذا كله يقدّم عمر عبد الرحمن بن عوف على الإمام عليّعليه‌السلام ويقدّم رأيه على رأي أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وهذا من أفحش الظلم في حق الإمام أبي الحسنعليه‌السلام .

كل عاقل منصف ، له أدنى إلمام بأمور الدولة والسياسة ، يعرف سريرة عمر وغرضه من هذا الأمر ، وهو الإطاحة بعليّعليه‌السلام وخذلانه والسعي لتنزيل مقامه الشامخ ، ومكانه العليّ.

وكل من له اطّلاع وباع في كتب الرجال والأصحاب من قبيل الإصابة والاستيعاب ، وحلية الأولياء وأمثالها ، يعرف جيّدا أن علياعليه‌السلام لا يقاس بعبد الرحمن ، وأعلى من سائر أعضاء الشورى في الفضل والمناقب وفي المنزلة والمقام.

وأنتم أيها الحاضرون! راجعوا كتب الحديث والتواريخ والمناقب وطالعوها وأنصفوا وفكروا ثم احكموا في رأي عمر وتعيينه عبد الرحمن حكما في الشورى ، وترجيح رأيه على الآخرين بما فيهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام !

والله ما كانت الشورى العمريّة إلاّ مكيدة ولعبة سياسية ومؤامرة تحزّبيّة من مناوئي الإمام عليّعليه‌السلام ومخالفيه ، ليحرموه من حقّه ويبعدوه من مقامه للمرّة الثالثة!!

فالخلفاء «الراشدون عندكم» نالوا الخلافة وتوصّلوا إليها بأربعة

٨٨٥

طرق ، كل واحد منهم وصل إلى الخلافة بشكل خاص وطريقة تخصّه ، فلا ندري أي طريقة منها وأي شكل من الأشكال مراد الله سبحانه ومقتضي شريعته ودينه! فإن تعيّنوا شكلا واحدا ، فالأشكال الأخرى باطلة ، وإن تقولوا : كل هذه الطرق والأشكال صحيحة وشرعية ، نعرف أنكم لا تلتزمون لتعيين الخليفة والحاكم الشرعي ، بطريق ثابت وقانون معيّن معلوم.

وأنتم الحاضرون ولا سيما العلماء الكرام ، اذا تركتم التعصّب والانحياز الى مذهب أسلافكم ومعتقد آبائكم ، ونظرتم إلى الحوادث والقضايا بعين الإنصاف والعدالة ، وبنظر التحقيق والدّلالة ، لعرفتم أنّ الحق غير ما تلتزمون به وتعتقدونه.

الشيخ عبد السلام : نعم ولكن لو أمعنّا النظر وتعمّقنا في الموضوع على أساس بيانكم وغرار كلامكم ، فإنّ خلافة سيدنا علي بن أبي طالب تتزلزل أيضا ، لأنّ الناس الذين نصبوه للخلافة وبايعوه هم الذين بايعوا من قبله من الخلفاء الثلاثة الراشدين ، ولا فرق بينه وبينهم؟!.

خلافة الإمام عليعليه‌السلام منصوصة

قلت : هذا الإشكال يرد على من يعتقد بأن خلافة الإمام عليعليه‌السلام ومشروعيّتها لاجماع الناس في المدينة بعد مقتل عثمان على خلافة الإمام وبيعتهم له ، ولكنّا نعتقد بالدليل والبرهان أنّ خلافة الإمام عليعليه‌السلام منصوصة من الله سبحانه بالأحاديث المكرّرة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الخليفة الشرعي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة وإن

٨٨٦

غصبوا حقه وأزالوه عن مقامه طيلة سنين عديد. وحيث لم يجد أعوانا وأنصارا لإحقاق حقه ، أمسى جليس الدار صابرا محتسبا ، حتى أجمع الناس على بيعته بعد مقتل عثمان وألحّوا وأصرّوا عليه ، فقبل منهم البيعة وتعهّد ادارة أمور المسلمين.

وقد بيّنا في المجالس السابقة وذكرنا لكم النصوص المرويّة في كتبكم ومسانيدكم المعتبرة ، في تعيين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا خليفته على الأمّة ، وإن نسيتم حديثنا في موضوع الغدير وإمامة عليّعليه‌السلام وخلافته ، فراجعوا الصحف والمجلاّت التي نشرت حوارنا ومجالسنا السابقة ، فقد استدللنا وأثبتنا ولاية عليّعليه‌السلام وخلافته الشرعيّة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، وإضافة الى تواترها في كتب الشيعة فقد ذكرنا عشرات المصادر لها من كتب أعلامكم ومسانيد علمائكم ، فالأحاديث التي ذكرناها في إثبات ولاية الإمام عليعليه‌السلام وخلافته متفق عليها وصحيحة بإجماع الشيعة والسنة.

ولكن لا يوجد حتى حديث واحد متّفق على صحّته بين الفريقين في ولاية وخلافة الثلاثة قبل الإمام عليّعليه‌السلام ، أو في خلافة أحد الأمويين أو العباسيين.

الشيخ عبد السلام : لقد ورد عندنا عن رسول الله (ص) أنّه قال : «أبو بكر خليفتي في أمتي».

قلت : أولا هذا الحديث غير مقبول عندنا ولم يروه أحد من علماء الشيعة ، فصار غير متفق عليه.

ثانيا : لقد ذكرنا أقوال بعض أعلامكم في بطلان الأحاديث الموضوعة في فضل أبي بكر ومناقبه ، وإضافة على ما مضى أنقل لكم

٨٨٧

قول أحد كبار علمائكم ومشاهير أعلامكم ، وهو الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي صاحب كتاب القاموس في اللغة ، قال في كتابه «سفر السعادة» [إن ما ورد في فضائل أبي بكر ، فهي من المفتريات التي يشهد بديهة العقل بكذبها.]

خلافة عليّعليه‌السلام أقرب إلى الإجماع من خلافة غيره

ولا يخفى على من تدبّر في تاريخ الخلافة ، أنّ خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كانت أقرب الى الاجماع من خلافة الثلاثة قبله ، والذين استولوا على الخلافة بعده من الأمويين والعباسيين.

فقد بيّنا عدم تحقق الإجماع في الخلفاء الذين تولّوا الأمر قبل الإمام عليعليه‌السلام وكذلك الذين جاءوا بعده ، فلم يتحقق إجماع الأمة لأحدهم ، والتاريخ يشهد على ذلك ولكن تحقّق للإمام عليعليه‌السلام ما يقرب من الإجماع ، فإن الّذين بايعوه بعد مقتل عثمان كانوا عامة أهل المدينة إلاّ من شذّ ، وهم أقلّ من عدد الأصابع ، وإضافة على أهل المدينة ، فقد بايعه جمع كثير من أهالي الأمصار الذين كانوا ينوبون عن أهل بلادهم وقومهم ، وهم الذين أقبلوا من البصرة والكوفة ومن مصر وغيرها من بلاد الإسلام ونزلوا المدينة المنوّرة ، ليعزلوا عثمان عن الخلافة ، أو يصلحوه ويصلحوا شأنه ودولته. فلما قتل عثمان ، أجمعوا على بيعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ولا يخفى أنّ المجتمعين يومئذ في المدينة المنورة ، والذين أجمعوا على بيعة الإمام عليّعليه‌السلام ، كانوا زعماء القوم وأهل الحلّ والعقد في أمصارهم وشيوخ أهل بلدانهم.

٨٨٨

والجدير بالذكر ، أنّنا مع تحقّق هذا الأمر ـ الذي كان أقرب شيء إلى الاجماع ـ لم نجعله دليلا على خلافة الإمام عليعليه‌السلام .

وإنما الدليل الثابت عندنا والبرهان المثبت لخلافة مولانا وسيدنا الإمام عليّعليه‌السلام هو النصّ الإلهي في القرآن الحكيم وصريح حديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو مطابق لسيرة جميع الرسل والأنبياء الذين كانوا يعينون أوصياءهم وخلفاءهم بأمر الله سبحانه.

ثالثا : قلتم لا فرق بين أبي الحسن أمير المؤمنين وبين الخلفاء قبله.

فلا أدري هل تنطقون بهذا الكلام عن جهل أو تجاهل؟ لأنّ الأدلّة العقلية والنقليّة والشواهد التاريخيّة والحسيّة كلها قائمة على أنّ علياعليه‌السلام يمتاز عن الخلفاء بل عن كل البشر. فلا يقاس به أحد.

امتيازات الإمام عليّعليه‌السلام

كل من يطالع تاريخ حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام من حين ولادته في بطن الكعبة ، إلى ساعة استشهاده في سبيل الله في حال العبادة والصلاة في وسط المحراب في مسجد الكوفة ، وينظر بنظر التحقيق والتدقيق في جهاده ومواقفه ، وفي خطبه وكلماته ، وفي حركاته وسكناته ، وفي خوضه الحوادث وانزوائه ، لا يشك في أنّهعليه‌السلام كان شخصية متميزة وفريدة من نوادر التاريخ وأعظم نوابغ البشر ، لذلك نرى جميع المسلمين وأكثر أعلامكم وكبار علمائكم إلاّ من شذّ ـ وهم من الخوارج والنواصب من الأمويين والبكريين ـ قالوا : بأفضليته عمّن سواه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك استنادا إلى الحديث الشريف المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه أنقله لكم مضافا إلى ما رويته

٨٨٩

من كتب أعلامكم في الليالي الماضية في فضائله ومناقبهعليه‌السلام .

روى أحمد بن حنبل في مسنده ، والموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب ، والعلاّمة الهمداني في مودّة القربى ، والحافظ أبو بكر البيهقي في السنن وغيرهم عن طرق شتى وعبارات متفاوتة في الألفاظ والمعنى واحد ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «عليّ أعلمكم وأفضلكم وأقضاكم ، والرادّ عليه كالرادّ عليّ ، والرادّ عليّ كالرادّ على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله».

وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة / بعد ذكره أقوال المشاهير تحت عنوان (القول فيما يذهب إليه أصحابنا المعتزلة ، في الإمامة والتفضيل) قال [وأمّا نحن فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا البغداديون ، من تفضيلهعليه‌السلام . وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل؟ وهل المراد به الأكثر ثوابا أو الأجمع لمزايا الفضل والخصال الحميدة؟ وبيّنا أنّهعليه‌السلام أفضل على التفسيرين معا.]

وهنا ارتفع صوت المؤذّن لصلاة العشاء ، وبعد الفراغ من الصلاة ، شربنا الشاي وتناولنا الفاكهة ، ثم شرعنا في الحديث :

أصول الفضل والكمال

قلت : تعقيبا لكلام ابن أبي الحديد ، أطرح عليكم هذا السؤال : ما هي رءوس الفضل وأصول الكمال عندكم؟

الشيخ عبد السّلام : ـ بعد أن أطرق برأسه مليّا ، رفعه وقال ـ : هي كثيرة ولكن أهمها بعد الإيمان بالله وبرسوله ، النسب الطاهر وطيب المولد والمنبت ، والعلم والتقوى.

٨٩٠

قلت : أحسنت يا شيخ ، فلنبحث في هذه الأمور التي أشرت إليها ونحن نوافقكم على أنّ هذه الثلاثة من أمهات الفضائل والكمالات البشرية. ولا ننكر أنّ بعض الصحابة كانت فيهم خصائص وخصال حميدة ، ولكن من كان منهم جامعا لهذه الصفات الثلاثة التي أشرتم إليها بأنّها أمهات الفضائل وأصول الكمال ، فهو أفضلهم وأكملهم ، وبحكم العقل والعقلاء يكون أحق بالخلافة من سائر الصحابة.

طهارة نسب ومولد الإمام عليعليه‌السلام

أمّا في النسب والمولد فلا يشك أحد بأنّ الإمام عليّعليه‌السلام أشرف الصحابة في النسب ، وأفضلهم في المولد والمنبت ، لأنّه يساوي النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك(١) ، فأمّا النسب فواضح ، وأما المنبت فقد ذكر

__________________

(١) روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه «ينابيع المودة» الباب الثاني في شرف آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونقل روايات كثيرة في الموضوع وكلها من كتب العامّة منها ، قال [وفي الشفاء عن عائشة عنه (ص) قال : أتاني جبرئيل فقال : قلّبت مشارق الأرض ومغاربها ، فلم أر رجلا أفضل من محمد ، ولم أر ابن أب أفضل من بني هاشم] أخرجه في المناقب والمخلص المذهبي والمحاملي وغيرهم.

أقول : وقال الإمام علي عليه‌السلام في نهج البلاغة خطبة رقم ٩٤ : «حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى الى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخرجه من أفضل المعادن منبتا وأعزّ الأرومات مغرسا ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه ، وانتجب [ـ أو ـ انتخب] منها أمناءه عترته خير العتر ، وأسرته خير الأسر وشجرته خير الشّجر ، نبتت في حرم وبسقت في كرم ، لها فروع طوال وثمر لا ينال.» الخ.

وقال الشيخ صالح التميمي ( رحمه‌الله ) :

٨٩١

المؤرخون كلهم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاة جدّه عبد المطلب ، انتقل إلى بيت أبي طالب وكان عمره الشريف يومئذ ثمان سنين ، فتكفّله عمّه ورعاه أتمّ وأجمل رعاية.

فكما حارت العقول في شخصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحقيقته ، بهرت العقول أيضا في شخصيّة عليّ وحقيقته. حتى أنّ المتعصّبين من أعلامكم مثل علاء الدين القوشچي ، والجاحظ وهو يعدّ من النواصب ، وسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ، وغيرهم قالوا : [إنّنا حيارى ولا ندري كيف نفسّر كلام علي بن أبي طالب إذ يقول : «نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد».

__________________

[غاية المدح في علاك ابتداء

ليت شعري ما تصنع الشعراء

يا أخا المصطفى وخير ابن عم

وأمير إن عدّت الأمراء

معدن الناس كلها الأرض لكن

أنت من جوهر وهم حصباء]

وقال آخر :

(خير البريّة بعد أحمد حيدر

الناس أرض والوصيّ سماء)

ويقول آخر :

[حاشاك أن تسمو إليك سماء

أنت الفضاء وما سواك هباء

ومتى يحلّق نحوك العظماء؟

والسرّ أنت وغيرك الأسماء

أولست ساقي الحوض أنت وقاسم ال

جنّات والنيران كيف تشاء؟؟]

هذا غيض من فيض قريحة الشعراء وشعورهم في حقه عليه‌السلام ، ولكن ما لنا ولقول الشعراء البلغاء بعد أن نطق الخالق العزيز بمدحه وتفضيله وجعله نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آية المباهلة ، وأطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه ذلك كرّات ومرات وقال «علي كنفسي». ولا شك أنّ خير الكلام كلام الله ، وخير الحديث حديث أشرف الخلق محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . «المترجم»

٨٩٢

وقالعليه‌السلام أيضا في الخطبة الثانية من نهج البلاغة :

«لا يقاس بآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من هذه الأمة أحد ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس الدين وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة ، الآن إذ رجع الحق إلى أهله ، ونقل إلى منتقله(١) ».]

واعلموا أنّ اعتقاد كثير من كبار علماء السنّة وأعلامهم في الإمام عليعليه‌السلام هو كذلك.

فقد روى العلاّمة الهمداني في كتابه مودّة القربى / المودّة السابعة عن أبي وائل عن ابن عمر (رض) قال : كنّا إذا عددنا أصحاب النبي (ص) قلنا أبو بكر وعمر وعثمان. فقال [له] رجل : يا أبا عبد الرحمن ، فعلي ما هو؟ قال [علي من أهل البيت لا يقاس به أحد ، هو مع رسول الله (ص) في درجته.]

وروى العلاّمة الهمداني أيضا عن أحمد بن محمد الكرزي البغدادي قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن التفضيل فقال : أبو بكر وعمر وعثمان ، ثم سكت. فقلت : يا أبت أين علي بن أبي طالب؟ فقال [هو من أهل البيت ، لا يقاس به هؤلاء.]

أقول : والذي يدلّ على أنّ هؤلاء وغيرهم من الصحابة لا يقاسون به ، أنّهعليه‌السلام كرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلق في عالم الأنوار قبل أن يظهر في عالم الاكدار ، والفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض.

__________________

(١) فقد خطب هذه الخطبة بعد ما بويع بالخلافة.

٨٩٣

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّعليه‌السلام من نور واحد

روى جماعة من الأعلام والحفّاظ من علمائكم ، منهم أحمد بن حنبل في المسند ، والشيخ محمد بن طلحة العدوي القرشي في كتاب مطالب السئول ، والحافظ ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب / حديث رقم ١٣٠ / بسنده عن النبي (ص) قال «كنت أنا وعلي بن أبي طالب نورا بين يدي الله من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صلبه فلم يزل في نور واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ، ففيّ النبوّة وفي عليّ الخلافة».

وقد فتح العلاّمة الهمداني بابا في كتابه مودّة القربى بعنوان / المودّة الثامنة : «في أنّ رسول الله (ص) وعليا من نور واحد ، وأعطي عليّ من الخصال ما لم يعط أحد من العالمين».

فنقل أخبارا كثيرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطرق شتى ، منها ما رواه عن عثمان بن عفّان عن النبي (ص) قال «خلقت أنا وعليّ من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف عام ، فلما خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه ، فلم يزل شيئا واحدا حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ففيّ النبوّة وفي عليّ الوصيّة».

وروى أيضا عن عليّعليه‌السلام قال «قال رسول الله (ص) : يا عليّ! خلقني الله وخلقك من نوره ، فلما خلق آدمعليه‌السلام أودع ذلك النور في صلبه ، فلم نزل أنا وأنت شيئا واحدا ثم افترقنا في صلب عبد المطلب ، ففيّ النبوّة والرسالة ، وفيك الوصيّة والإمامة».

٨٩٤

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٩ / ١٧١ ط دار إحياء التراث / الخبر الرابع عشر : «كنت أنا وعليّ نورا بين يدي الله عزّ وجلّ قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق آدم قسّم ذلك فيه وجعله جزءين ، فجزء أنا وجزء عليّ» قال ابن أبي الحديد : رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل عليّعليه‌السلام ، وذكره صاحب كتاب الفردوس ، وزاد فيه : «ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب ، فكان لي النبوّة ولعليّ الوصيّة».

وروى الحافظ القندوزي في كتابه ينابيع المودّة في الباب الأول روايات كثيرة في الموضوع عن جمع الفوائد ، ومناقب ابن المغازلي وعن الفردوس للديلمي وفرائد السمطين للحمويني ومناقب الخوارزمي نعم روى أبو المؤيّد الخوارزمي في الفصل الرابع من كتابه المناقب وأيضا في الفصل الرابع من كتابه مقتل الحسينعليه‌السلام روايات شتى في الموضوع.

وكذلك روى في الموضوع سبط ابن الجوزي في التذكرة / ٥٠ ط مؤسسة أهل البيت بيروت ، وابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة ، والعلاّمة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب / الباب ٨٧ نقل عن محدّث الشام ابن عساكر وعن محدّث العراق وعن معجم الطبراني بإسنادهم بطرق شتى وعنوانه (الباب السابع والثمانون : في أنّ عليا خلق من نور النبي (ص)) وحيث انّ الروايات في الموضوع منقولة بألفاظ شتى وكلمات مختلفة والمعنى واحد ، فأقول : ربما صدرت الروايات من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيان هذا الموضوع كرّات ومرّات عديدة لأهميّته.

٨٩٥

أجداد الإمام عليعليه‌السلام وآباؤه مؤمنون

ولقد ثبت أنّ أجداد الامام عليّعليه‌السلام كلهم كانوا مؤمنين ولم يشركوا بالله طرفة عين ، فانّ الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة التي حملته وتناقلته هي الأصلاب والأرحام التي حملت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد طهّرها الباري عزّ وجلّ من درن الشرك وأقذار الجاهليّة ، فهو عليّ ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ابن أدّ بن أدد بن اليسع بن الهميس بن بنت ، بن سلامان بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الله بن تارخ بن تاحور بن شاروع ابن أبرغو بن تالغ بن عابر بن شالح بن ارفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوه بن بارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشرعليهم‌السلام هؤلاء كلهم كانوا مؤمنين بالله تعالى ، يعبدونه ولا يشركون به شيئا.

الشيخ عبد السلام : ولكنّ القرآن الحكيم يصرّح بخلاف هذا الكلام ، فقد قال تعالى في سورة الأنعام آية ٧٤ :( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

آزر عم إبراهيمعليه‌السلام

قلت : كلام الشيخ واصل إليه من أسلافه ، وهم لمّا رأوا نسب شيوخهم وزعمائهم من الصحابة ينتهي إلى الكفر والشرك ، أرادوا دفع

٨٩٦

هذا النقص ورفع العيب عنهم ، فتفوّهوا بهذا الكلام وعابوا على خير الأنام ، وقالوا بأنّ آزر أبا إبراهيم الخليل كان يعبد الأصنام ، وكلكم تعلمون أنّ علماء الأنساب أجمعوا على أنّ والد إبراهيم الخليلعليه‌السلام كان تارخ ، وآزر كان عمه.

الشيخ عبد السلام ـ متعجبا ـ : إنّكم تقابلون القرآن الحكيم بكلام علماء الأنساب!! فإنّ الله سبحانه يصرّح بأنّ آزر أبا إبراهيم كان يعبد الأصنام ونحن نأخذ بظاهر القرآن ونترك قول من خالفه ، لأنّ الظاهر نصّ وخلافه اجتهاد.

قلت : نحن لا نجتهد في مقابل النصّ ، وإنّما نقابل النصّ بالنصّ ونستخرج المعنى المعقول المفهوم من النّصّين ، فإنّ القرآن في كثير من الأمور يفسّر بعضه بعضا. وما اشتبه علينا تفسيره فنرجع به إلى قول العترة الهادية الذين عيّنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك إذ قال «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي».

وهم قالوا بأنّ آزر كان عم إبراهيم الخليل ، فلما توفّي تارخ والد ابراهيم ، تزوّجت أمّه بآزر ، فكان إبراهيم يناديه بالأب ، وهو شيء شائع في العرف.

الشيخ عبد السلام : نحن لا نترك ظاهر الآية الشريفة :( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ) إلاّ أن تأتوا بآية من القرآن الحكيم تفسّر كلمة الأب بالعم ، وهذا لا يوجد في القرآن.

قلت : لا تنفي ذلك ، لأنّ علمك ناقص بمفاهيم القرآن الحكيم ، وما تجهله من هذا الكتاب العظيم أكثر مما تعلمه.

ولكي يتّضح لك أنّ كلمة الأب جاءت بمعنى العم في القرآن

٨٩٧

الحكيم ، فراجع سورة البقرة / الآية ١٣٣ في قوله تعالى :

( إِذْ قالَ (١) لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً ) .

الشاهد والدليل في الآية «اسماعيل» لأنه كان عم يعقوب واسحاق هو أبو يعقوب. ولكنّ أولاد يعقوب عدوّا إسماعيل أبا ليعقوب في عداد أبويه إبراهيم وإسحاق.

دليل آخر

وعندنا دليل آخر من القرآن الحكيم في أنّ آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهم كانوا مؤمنين بالله سبحانه يسجدون له وحده ويعبدونه إلها واحدا وهو قوله تعالى مخاطبا لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (٢) روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة / الباب الثاني / وغيره أيضا من علمائكم رووا عن ابن عباس حبر الأمّة وهو من تعلمون مقامه في المفسرين ، قال [اي تقلّبه (ص) من أصلاب الموحّدين ، نبيّ إلى نبيّ ، حتى أخرجه الله من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم.]

وروى العلاّمة القندوزي حديثا آخر في الباب ورواه أيضا جمع من علمائكم منهم الثعلبي في تفسيره ، عن رسول الله (ص) قال : «أهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح في السفينة وقذف بي في صلب إبراهيم ثم لم يزل الله ينقلني من

__________________

(١) أي : إذ قال يعقوب.

(٢) الشعراء ، الآية ٢١٩.

٨٩٨

الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة حتى أخرجني من بين أبوين لم يلتقيا على سفاح قطّ».

وفي رواية أخرى قال (ص) «لم يدنّسني بدنس الجاهلية».

وروى القندوزي أيضا في الباب الثاني قال : وفي كتاب أبكار الأفكار للشيخ صلاح الدين بن زين الدين الشهير بابن الصلاحقدس‌سره قال جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنهما) سألت رسول الله (ص) عن أول شيء خلقه الله تعالى ، قال (ص) «هو نور نبيك يا جابر». ـ والرواية مفصلة وطويلة لا مجال لذكرها كلها ، وجاء في آخرها ـ «وهكذا ينقل الله نوري من طيّب إلى طيب ، ومن طاهر إلى طاهر إلى أن أوصله إلى صلب أبي عبد الله بن عبد المطلب ، ومنه أوصله الله إلى رحم أمي آمنة ، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ، ومبعوثا إلى كافّة الناس أجمعين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجّلين ، هذا كان بدء خلقة نبيّك يا جابر.

ثم قال القندوزي : وفي شرح الكبريت الأحمر للشيخ عبد القادر روى الحديث المذكور عن جابر بن عبد الله أيضا إلى آخره».

فقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «وهكذا ينقل الله نوري من طيّب إلى طيب ، ومن طاهر إلى طاهر. دليل على أنهم كانوا مؤمنين بالله وموحّدين له.

فبرّأهم الله تعالى من الكفر والشرك ، إذ يقول الله سبحانه :( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (١) ».

وكذلك روى القندوزي في الباب الثاني من ينابيع المودّة عن ابن عباس عن النبي (ص) أنه قال «ما ولدني في سفاح الجاهلية شيء وما

__________________

(١) التوبة ، الآية ٢٨.

٨٩٩

ولدني إلاّ نكاح كنكاح الاسلام».

وفي نهج البلاغة / خطبة رقم ٩٤ يصف بها الأنبياء الكرام لا سيّما خاتمهم وسيدهم ، فقال : «.. فاستودعهم في أفضل مستودع وأقرّهم في خير مستقر. تناسختهم [تناسلتهم] كرائم الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخرجه من أفضل المعادن منبتا ، وأعزّ الأرومات مغرسا ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتخب منها أمناءه».

ولو أردنا جمع الأخبار والروايات الواردة عن طرقنا وطرقكم الخ مجلّدا ضخما ، ولكن في المنقول كفاية لمن أراد الهداية واتباع احق ، فإنّ الحق الذي يظهر من هذه الروايات والآيات يدلّ على أن آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجداده كانوا موحّدين لله سبحانه ومؤمنين به عزّ وجلّ ، ومنه يثبت هذا الأمر لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أيضا ، لأنهما صلوات الله عليهما وآلهما من شجرة واحدة ونور واحد ، كما تواتر عن طرق الشيعة ورواه أيضا كثير من أعلامكم وكبار علمائكم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتّى».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «خلقت أنا وعليّ من نور واحد». الخ ، وقد ذكر بعض مصادره من كتب أعلامكم.

فبحكم العقل ورأي العقلاء ، فإنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أحق من غيره بخلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه أقرب الناس إليه في المقام والمنزلة ، مع هذه المشابهات والمقارنات بينهما عليهما السّلام(١) .

__________________

(١) من المناسب نقل بعض الأبيات من قصيدة بليغة في الموضوع للمرحوم الشيخ علي الشفهيني الحلي من اعلام القرن السادس الهجري :

٩٠٠

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205