ليالي بيشاور

ليالي بيشاور1%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 234913 / تحميل: 3849
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

الشيخ عبد السلام : إذا أثبتّم بهذه الأدلّة أنّ آباء النبي (ص) من عبد الله إلى آدم كلهم كانوا مؤمنين بالله سبحانه فيتعيّن ذلك فيه ويكون من خصائصه ، فلا تشمل الأدلة والد عليّ (كرّم الله وجهه) ، فقد ثبت أنّ أبا طالب مات مشركا ولم يؤمن بالله سبحانه.

إيمان أبي طالبعليه‌السلام

قلت : نعم لقد اختلف المؤرخون في إيمان أبي طالبعليه‌السلام ، ولكن المحقق المنصف يعرف أنّ القول بكفر أبي طالب وشركه صادر من أعداء الإمام عليّعليه‌السلام ومناوئيه من الخوارج والنواصب ، أرادوا بذلك الحطّ من كرامة عليّعليه‌السلام ، وتنزيل مقامه المنيع ، وتقليل شأنه الرفيع.

ثم إن بعض الأعلام قد نقلوا هذا الخبر من غير تحقيق وتدبّر ، وتناقله آخرون من كتاب إلى كتاب بغير تعمّق وتفكّر ، حتى آل اليوم إليكم ، وأنتم تنقلونه وترسلونه إرسال المسلّمات ، ولو كنتم تتدبرون في الأخبار ، وتنقلون الروايات بعد التحقيق ، ما تفوّهتم بهذا الكلام ،

__________________

[خلقا وما خلق الوجود ، كلاهما

نوران من نور العليّ تفضّلا

في علمه المخزون مجتمعان لن

يتفرّقا أبدا ولن يتحوّلا

وتقلّبا في الساجدين وأودعا

في أطهر الأرحام ثم تنقّلا

حتى استقرّ النور نورا واحدا

في شيبة الحمد بن هاشم يجتلى

قسما لحكم ارتضاه فكان ذا

نعم الوصي وذاك أشرف مرسلا

فعليّ نفس محمد ووصيّه

وأمينه وسواه مأمون فلا]

«المترجم»

٩٠١

وما قلتم أنّ أبا طالبعليه‌السلام مات مشركا. إذ إنّ جمهور علماء الشيعة وأهل البيتعليهم‌السلام ، الذين جعلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلام الهداية وعدل القرآن الحكيم ، وكذلك كثير من أعلامكم مثل ابن أبي الحديد ، وجلال الدين السيوطي ، وابي القاسم البلخي ، والعلاّمة أبي جعفر الإسكافي ، وآخرين من أعلام المعتزلة ، والعلاّمة الهمداني الشافعي ، وابن الأثير ، وغيره ذهبوا إلى أنّ أبا طالبعليه‌السلام أسلم في حياته واعتنق الدين الحنيف ومات مؤمنا ، بل اعتقاد الشيعة في أبي طالبعليه‌السلام ، أنّه آمن بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أول الأمر ، وأمّا إيمانه بالله سبحانه كان فطريا ولم يكفر بالله طرفة عين ، وكما في الأخبار المرويّة عن أعلام العترة وأهل البيتعليهم‌السلام ، أنّه لم يعبد صنما قطّ ، وكان على دين إبراهيم الخليلعليه‌السلام وهو يعدّ من أوصيائه.

وأما قول أعلامكم ومؤرخيكم وعلمائكم المحققين منهم أنّه أسلم ، فقد قال ابن الأثير في كتاب جامع الأصول : وما أسلم من أعمام النبي غير حمزة والعبّاس وأبي طالب عند أهل البيتعليهم‌السلام .

ومن الواضح أنّ إجماع أهل البيتعليهم‌السلام مقبول عند المسلمين ولا يحق لمؤمن أن يردّه ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعلهم عدل القرآن ، وأرجع إليهم المسلمين في الأمور التي يختلفون فيها ، وجعل قولهم الفصل والحجّة والحق ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا». فجعل كلام الله وأهل البيت أمانا من التيه والضّلال.

وعلى القاعدة المشهورة [أهل البيت أدرى بما في البيت ، فهم أعلم بحال آبائهم وتاريخ حياة أسلافهم.]

فالغرابة والعجب منكم إذ تتركون قول أهل البيت الطيبينعليهم‌السلام ،

٩٠٢

وتتركون قول أمير المؤمنين وسيّد الصدّيقين والصادقين الذي شهد الله ورسوله بصدقه وتقواه ، ثم تأخذون كلام المغيرة بن شعبة الفاجر وتصدقون بني أميّة والخوارج والنواصب ، المخالفين والمناوئين للإمام عليّعليه‌السلام ، الذين دعاهم الحقد والحسد ، إلى جعل الأخبار والروايات الموضوعة ، للحطّ من كرامة الإمام عليّعليه‌السلام وتصغير شخصيّته العظيمة. وللأسف إنّكم تتمسّكون بتلك الأخبار الموضوعة من غير تدبّر وتحقيق ، وترسلونها إرسال المسلّمات ، وتؤكّدون على صحّتها بغير علم أتاكم.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٤ / ٦٥ ، ط إحياء التراث العربي [واختلف الناس في إيمان أبي طالب ، فقالت الإمامية وأكثر الزيديّة : ما مات إلاّ مسلما. وقال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك ، منهم الشيخ أبو القاسم البلخي ، وأبو جعفر الإسكافي ، وغيرهما.]

أقول : والمشهور عندنا أنّه ما تظاهر بالإسلام بل أخفى ذلك ليتمكّن من نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذبّ عنه ، فإنّ المشركين من أهل مكة وقريش ، كانوا يراعون ذمّته ويقفون عند حدّهم إذا نظروا إليه ، فكانوا يهابون ، ويعظّمون جانبه إذ كانوا يحسبونه منهم.

الشيخ عبد السلام : أما سمعتم الحديث المروي عن النبي (ص) في عمه أنه قال «إنّ أبا طالب في ضحضاح من نار».

قلت : هذا الحديث مثل كثير من الأحاديث المرويّة في كتبكم ، موضوع وكذب وافتراء على النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلا يخفى على المحقّق البصير ، والمنصف الخبير ، أنّ هذا الحديث وما شاكله مجعول وموضوع افتراه أعداء محمّد وآل محمّدعليهم‌السلام ، وذلك في عهد الأمويين

٩٠٣

وخاصّة معاوية بن أبي سفيان الذي خصّص أموالا طائلة لهذا الغرض الإلحادي. ولو عرفتم راوي هذا الخبر وفسقه وفجوره ، ما شككتم في كذبه وافترائه وعدم صحة أخباره.

فإنّ الراوي هو المغيرة بن شعبة ، من ألدّ أعداء الإمام عليّعليه‌السلام ، وهو الذي اتّهم بالزنا في البصرة وشهد عليه ثلاثة من الشهود عند عمر ، ولمّا أراد الرابع أداء الشهادة ، قاطعه عمر بجملة فأبى الرابع من أدائها ، فخلص المغيرة ، وأقام الحدّ على الشهود(١) .

__________________

(١) لقد نقل هذا الخبر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٢ / ٢٢٧ ط دار إحياء الكتب العربية ، قال [(الطعن السادس في عمر) أنّه عطّل حدّ الله في المغيرة بن شعبة ، لما شهد عليه بالزنا ولقّن الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة ، اتّباعا لهواه ، فلمّا فعل ذلك عاد إلى الشهود فحدّهم وضربهم.]

فبعد نقله الأقوال ، قال في صفحة ٢٣١ [أمّا المغيرة فلا شكّ عندي أنّه زنى بالمرأة ، ولكنّي لست أخطّئ عمر في درء الحدّ عنه ، وإنما أذكر أوّلا قصته من كتابي أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، وأبي الفرج الأصفهاني ، ليعلم أنّ الرجل زنى بها لا محالة ، ثم اعتذر لعمر في درء الحدّ عنه ، فروى ابن أبي الحديد القصة بالتفصيل ثم قال في صفحة ٢٣٩ : فهذه الأخبار كما تراها تدلّ متأمّلها على أنّ الرجل زنى بالمرأة لا محالة ، وكلّ كتب التواريخ والسّير تشهد بذلك.]

ثم نقل عن الأغاني خبرين آخرين ، قال أبو الفرج بعدهما وحكاه عنه ابن أبي الحديد في صفحة ٢٤١ [وإنّما أوردنا هذين الخبرين ليعلم السامع أنّ الخبر بزناه كان شائعا مشهورا مستفيضا بين الناس.]

أقول : هؤلاء الفسقة الفجرة ، المغيرة وأصحابه وأشباهه كانوا يضعون الأخبار ويفترون على الإمام عليّ عليه‌السلام وكلّ من ينسب إليه إرضاء لرغبات معاوية ، فيشترون مرضات المخلوق بسخط الخالق.

«المترجم»

٩٠٤

ثم نجد في رواته ، عبد الملك بن عمير ، وعبد العزيز الراوردي ، وسفيان الثوري ، الذين عدّهم علماؤكم المتخصصين بعلم الرجال في الجرح والتعديل ، مثل الذهبي في ميزان الاعتدال : ج ٢ / عدّهم من الضعفاء وردّ رواياتهم ، بل عدّ سفيان الثوري من المدلّسين الكذّابين.

فلا أدري كيف تعتمدون على رواية أولئك الكذّابين الوضّاعين؟!

الدلائل والشواهد على إيمان أبي طالبعليه‌السلام

أما الدلائل المثبتة لإيمان أبي طالبعليه‌السلام فكثيرة ، ولا ينكرها إلاّ من كان في قلبه مرض ، منها :

١ ـ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة». وأشار بسبّابته والوسطى منضمّتين مرفوعين ، نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٦٩ ، ط دار إحياء الكتب العربية ومن الواضح أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقصد بحديثه الشريف كلّ من يكفل يتيما ، فإنا نجد بعض الكافلين للأيتام لا يستحقون ذلك المقام وهو جوار سيد الأنام في الجنّة ، لأنهم إلى جنب كفالتهم لليتيم يعملون المعاصي الكبيرة ، والذنوب العظيمة ، التي يستحقون بها جهنّم لا محالة.

ولكنّه صلوات الله عليه قصد بحديثه الشريف جدّه عبد المطلب ، وعمّه أبا طالب ، الذين قاما بأمره ، وتكفّلاه ، وربّياه صغيرا ، حتى أنه صلوات الله عليه كان يعرف في مكة بيتيم أبي طالب ، بعد وفاة جده عبد المطلب ، فقد تكفّل أبو طالب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان في الثامنة من العمر ، وكان يفضّله على أولاده ويقيه بهم.

٢ ـ حديث مشهور بين الشيعة والسنّة رواه القاضي الشوكاني

٩٠٥

أيضا في الحديث القدسي ، أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «نزل عليّ جبرئيل فقال : إنّ الله يقرؤك السلام ويقول : إنّي حرّمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك(١) ».

__________________

(١) روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٦٧ ، ط دار إحياء الكتب العربية روى حديثا أسنده إلى أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام أنّه قال «قال رسول الله (ص) : قال لي جبرائيل : إنّ الله مشفّعك في ستة : بطن حملتك : آمنة بنت وهب ، وصلب أنزلك : عبد الله بن عبد المطلب ، وحجر كفلك : أبي طالب ، وبيت آواك :عبد المطلب ، وأخ كان لك في الجاهلية ـ قيل : يا رسول الله وما كان فعله؟ قال : كان سخيّا يطعم الطعام ، ويجود بالنوال ـ ، وثدي أرضعتك : حليمة السعديّة بنت أبي ذؤيب».

وروى في صفحة ٦٨ عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام قال «لو وضع إيمان أبي طالب في كفّة ميزان ، وإيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه. ثم قال : ألم تعلموا أنّ أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام كان يأمر أن يحجّ عن عبد الله ـ والد رسول الله (ص) ـ وعن أبيه أبي طالب في حياته ، ثم أوصى في وصيّته بالحج عنهم».

وقال في صفحة ٦٩ : وروي أنّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام سئل عن هذا ـ أي عن إيمان أبي طالب ـ فقال «وا عجبا! إنّ الله تعالى نهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر ، وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات». ـ أي إذا كان أبو طالب غير مؤمن لفرّق رسول الله بينه وبين زوجته فاطمة بنت أسد حينما أسلمت.

وقال في صفحة ٧٠ : وقد روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام أنّ رسول الله (ص) قال «إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الكفر ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك ، فآتاه الله أجره مرّتين».

قال : وفي الحديث المشهور «إنّ جبرئيل عليه‌السلام قال للنبي (ص) ليلة مات أبو طالب : أخرج منها ـ أي من مكة ـ فقد مات ناصرك».

٩٠٦

لأبي طالبعليه‌السلام حق على كل مسلم

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٨٣ و ٨٤ ، ط دار إحياء التراث العربي [ولم استجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب ، فإنّي أعلم أنّه لولاه لما قامت للإسلام دعامة ، وأعلم أنّ حقه واجب على كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فكتبت :

ولو لا أبو طالب وابنه

لما مثّل الدين شخصا فقاما

فذاك بمكة آوى وحامى

وهذا بيثرب جسّ الحماما

تكفّل عبد مناف بأمر

واودى فكان عليّ تماما

فقل في ثبير مضى بعد ما

قضى ما قضاه وأبقى شماما

فلله ذا فاتحا للهدى

ولله ذا للمعالي ختاما

وما ضرّ مجد أبي طالب

جهول لغا أو بصير تعامى

كما لا يضرّ إياه الصبا

ح من ظنّ ضوء النهار الظلاما]

__________________

أقول : والله لو كان واحد من هذه الأخبار يرد في إسلام أيّ رجل غير أبي طالبعليه‌السلام ، لتسلّمه علماء العامة ومحدّثوهم بالقبول ، وتلقّوا إسلامه وإيمانه أمرا مسلّما بلا شكّ ولا ريب ، ولكنّا ويا للأسف نجد هذه الشبهات تلقى حول إيمان أبي طالب واسلامه ، من بعض علماء العامّة ، ولعلّ السبب في ذلك لأنّه والد الإمام عليّعليه‌السلام ، ولأنّ عليّا ابنه سلام الله عليه!!

«المترجم»

٩٠٧

أشعار أبي طالبعليه‌السلام في الإسلام

وأدلّ دليل على إيمان أبي طالبعليه‌السلام أشعاره الصريحة بتصديق النبي ودين الإسلام ، المطبوعة في ديوانه وفي كثير من كتب التاريخ والأدب ، وقد نقل بعضها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٧١ ـ ٨١ ، ط دار إحياء الكتاب العربي ، منها ميميّته المشهورة :

[يرجّون منا خطّة دون نيلها

ضراب وطعن بالوشيج المقوّم

يرجّون أن نسخى بقتل محمد

ولم تختضب سحر العوالي من الدّم

كذبتم وبيت الله حتى تفلّقوا

جماجم تلقى بالحطيم وزمزم

وتقطع أرحام وتنسى حليلة

حليلا ، ويغشى محرم بعد محرم

على ما مضى من مقتكم وعقوقكم

وغشيانكم في أمركم كلّ مأثم

وظلم نبيّ جاء يدعو إلى الهدى

وأمر أتى من عند ذي العرش قيّم(١) ]

__________________

(١) القصيدة ، مطلعها كما في الديوان :

(ألا من لهمّ أخر الليل معتم

طواني ، وأخرى النجم لمّا تفحّم)

«المترجم»

٩٠٨

وإليكم أيضا قصيدته اللاميّة الشهيرة والتي ذكرها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وذكرها كثير من الأعلام وهي مطبوعة في ديوانه أنقل إلى مسامعكم بعضها :

[أعوذ بربّ البيت من كلّ طاعن

علينا بسوء أو يلوح بباطل

ومن فاجر يغتابنا بمغيبة

ومن ملحق في الدين ما لم نحاول

كذبتم وبيت الله نبزي محمدا

ولمّا نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتى نصرّع دونه

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاّك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

لعمري لقد كلّفت وجدا بأحمد

وأحببته حبّ الحبيب المواصل

وجدت بنفسي دونه فحميته

ودافعت عنه بالذرى والكواهل

فلا زال للدنيا جمالا لأهلها

وشينا لمن عادى وزين المحافل

وأيّده ربّ العباد بنصره

وأظهر دينا حقه غير باطل]

ومن شعره المطبوع في ديوانه ونقله ابن أبي الحديد أيضا :

(يا شاهد الله عليّ فاشهد

أنّي على دين النبيّ أحمد)

(من ضلّ في الدين فإنّي مهتد)

بالله عليكم أنصفوا!! هل يجوز أن ينسب قائل هذه الأبيات والكلمات ، الى الكفر!!

والله إنّه من الظلم والجفاء أن تنسبوا أبا طالب إلى الكفر ، بعد أن يشهد الله سبحانه بأنّه ، على دين النبي أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الشيخ عبد السلام : أوّلا : هذه الأشعار ونسبتها إلى أبي طالب

٩٠٩

أخبار آحاد ، غير متواترة ، ولا اعتبار بخبر الواحد.

ثانيا : لم ينقل أحد بأنّ أبا طالب أقرّ بالإسلام وتفوّه بكلمة التوحيد : لا إله الاّ الله. بل قالوا : ما أقرّ إلى أن مات.

قلت : وا عجبا! إنكم جعلتم حجّية التواتر وخبر الواحد حسب ميلكم ، فتارة تتمسكون بخبر الواحد وتصرّون على حجّيته مثل الخبر الذي رواه أبو بكر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» قبلتم به مع تعارضه للآيات القرآنية!!

ثم إذا كان التواتر عندكم شرط صحة الخبر ، فكيف تستدلّون بحديث رواه المغيرة بن شعبة الفاسق الفاجر ، بأن أبا طالب في ضحضاح من النار ، وليس لهذا الحديث راو آخر(١) .

ولا يخفى على المحقّق البصير والمدقّق الخبير أنّ أخبار الآحاد حول إيمان أبي طالب والأشعار المنسوبة إليه لو جمعت لحصل منها التواتر المعنوي ـ أي حصل منها معنى واحد وهو إيمان أبي طالب ـ فانّ كثيرا من الأمور حصل فيها التواتر عن هذا الطريق ، مثل شجاعة الإمام عليّعليه‌السلام ، فإنّ أخبار الآحاد عن بطولته في الميادين وجهاده في ساحات القتال ، كشفت عن شجاعته وبسالته بالتواتر.

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٧٠ ، ط إحياء الكتب العربية :[وأما حديث الضّحضاح من النار ، فإنّما يرويه الناس كلّهم عن رجل واحد وهو المغيرة بن شعبة ، وبغضه لبني هاشم وعلى الخصوص لعليّ ٧ مشهور معلوم ، وقصته وفسقه أمر غير خاف.]

«المترجم»

٩١٠

إقرار أبي طالبعليه‌السلام بالتوحيد

وأما قولك : لم ينقل أحد أنّ أبا طالب أقرّ بالإسلام والتوحيد! فهو تحكّم وباطل ، فهو ادّعاء واه بغير أساس ودليل ، لأنّ الإقرار لا يكون موقوفا على صيغة معيّنة ، ولا منحصرا بتركيب واحد. بل يحصل بالنثر والشعر بأي شكل كان تركيبه إذا فهم منه الإقرار ، وكان صريحا وبليغا.

والآن أنشدكم الله أيها الحاضرون!! أيّ إقرار أصرح وأبلغ من هذا الكلام الذي قاله أبو طالب :

(يا شاهد الله عليّ فاشهد

أنّي على دين النبي أحمد)

وإضافة على هذا البيت وغيره من أشعاره الصريحة في إيمانه وإسلامه ، فقد روى الحافظ أبو نعيم ، والحافظ البيهقي [أنّ صناديد قريش مثل أبي جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، عادوا أبا طالب في مرضه الذي توفّى فيه ، وكان النبي (ص) حاضرا فقال لعمه أبي طالب «يا عم قل لا إله إلاّ الله ، حتى أشهد لك عند ربّي تبارك وتعالى». فقال أبو جهل وابن أبي أمية : يا أبا طالب أترجع عن ملّة عبد المطلب! وما زالوا به. حتى قال :

اعلموا أنّ أبا طالب على ملة عبد المطلب ولا يرجع عنها.

فسرّوا وفرحوا وخرجوا من عنده ، ثم اشتدّت عليه سكرة الموت وكان العباس أخوه جالسا عند رأسه ، فرأى شفتيه تتحركان ، فانصت له واستمع وإذا هو يقول : لا إله إلاّ الله. فتوجّه العباس إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها ـ ولم يذكر

٩١١

العباس كلمة التوحيد لأنه كان بعدُ كافراً ـ.

ولا يخفى أنّنا أثبتنا من قبل أنّ آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهم كانوا موحدين ومؤمنين بالله يعبدونه ولا يشركون به شيئا.

فلما قال أبو طالب في آخر ساعات حياته : اعلموا أنّ أبا طالب على ملّة عبد المطلب ، ولا شك أنّ عبد المطّلب كان على ملّة أبيه إبراهيم مؤمنا بالله موحّدا ، فكذلك أبو طالبعليه‌السلام .

مضافا إلى ذلك فقد تفوّه ونطق بكلمة التوحيد وسمعه أخوه العبّاس يقول : لا إله إلاّ الله.

فإيمان أبي طالب ثابت عند كل منصف بعيد عن اللجاج والعناد.

موقف أبي طالبعليه‌السلام من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إذا كان أبو طالبعليه‌السلام مشركا كما يزعم بعض الناس ، كان من المتوقّع أن يعارض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حين إعلانه النبوّة والرسالة ، إذ جاء إليه وقال : إنّ الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك يا عمّ؟

فلو كان أبو طالب غير مؤمن بكلامه وغير معتقد برسالته ، لكان من المفروض أن ينتصر لدين قريش ومعتقدات قومه ، فينهاه عن ذلك الكلام ويوبّخه ويؤنّبه ، بل يحبسه حتى يرجع عن كلامه أو يطرده ولا يؤويه ولا يحميه كآزر عم إبراهيم الخليلعليه‌السلام فحينما سمع من الخليل كلاما يخالف دينه ودين قومه ، هدّده وهجره ، وقد حكى الله سبحانه ذلك في كتابه الكريم سورة مريم / ٤٣ قال حكاية عن قول إبراهيمعليه‌السلام :( إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا قالَ

٩١٢

أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) (١)

ولكنّ أبا طالبعليه‌السلام حينما سمع ابن أخيه يقول : إنّ الله أنبأني واستنبأني ، وأمرني بإظهار أمري ، فما عندك يا عمّ؟

أيّده وأعلن نصرته له بقوله [أخرج يا ابن أخي! فإنّك الرفيع كعبا ، والمنيع حزبا ، والأعلى أبا ، والله لا يسلقك لسان إلاّ سلقته ألسن حداد ، واجتذبته سيوف حداد ، والله لنذلّلنّ لك العرب ذل البهم لحاضنها.

ثم أنشأ قائلا :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسّد في التراب دفينا

فانفذ لأمرك ما عليك مخافة

وأبشر وقرّ بذاك منه عيونا

ودعوتني وزعمت أنّك ناصحي

ولقد صدقت وكنت قبل أمينا

وعرضت دينا قد علمت بأنّه

من خير أديان البريّة دينا

لو لا الملامة أو حذاري سبّه

لوجدتني سمحا بذاك مبينا]

ذكر هذا الشعر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٥٥ ط إحياء الكتب العربية ، ونقله سبط ابن الجوزي في التذكرة : ١٨ ، ط بيروت ، وتجده في ديوان أبي طالب أيضا.

ولو راجعتم ديوانه ، وما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، لوجدتم أشعارا أخرى صريحة في تصديق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي إعلان نصرته والذبّ عنه.

فأنصفوا أيها الحاضرون ، وخاصّة أنتم أيها العلماء! هل يجوز لكم أن تنسبوا قائل هذه الكلمات إلى الكفر والشرك؟!

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٤٦.

٩١٣

أم إنّها تنبئ عن إيمان واسلام قائلها وأنّه مؤمن حقيقي ومسلم ملتزم ومتمسّك بما جاء به محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

كما اعترف بذلك بعض أعلامكم ، فقد نقل الشيخ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة / الباب الثاني والخمسون نقل من رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ [وحامي النبي ، ومعينه ، ومحبّه ، أشدّ حبّا ، وكفيله ، ومربّيه ، والمقرّ بنبوّته ، والمعترف برسالته ؛ والمنشد في مناقبه أبياتا كثيرة ، وشيخ قريش : أبو طالب.]

لقائل أن يقول : إذا كانت هذه التصريحات من أبي طالب في تصديق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأييده ونصرته والدفاع عنه ، فكيف نجد أكثر المؤرخين وأصحاب السّير ذهبوا إلى كفره أو التوقف في إيمانه؟!

والجواب : إنّ الدعايات الأمويّة ـ خاصّه في زمان معاويّة ـ لعبت دورا هامّا في مثل هذه الأمور ، فمن سنحت له الفرصة أن يأمر بسب أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ويأمر بلعنه ولعن ولديه الحسن والحسين سبطي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وريحانتيه وحبيبيه ويشتمهم على رءوس الأشهاد وعلى منابر الإسلام والمسلمين ، حتى صارت هذه المنكرات عادة جارية حتى في قنوت الصلوات وخطب الجمعات ، فمن اتيحت له هكذا فرصة وقام بقلب الحقائق وتغيير الوقائع وتبديل الحق بالباطل وبالعكس ، فهل يأبى إنكار إيمان أبي طالبعليه‌السلام وبث الدعايات في أنّه مات كافرا ، أم يعجز من ذلك ويصعب عليه؟!

والأعجب أنّ معاوية وأباه وكذلك ابنه يزيد رءوس الكفر

٩١٤

والنفاق ، مع كثرة الدلائل المذكورة في تاريخهم الدالّة على كفرهم وإلحادهم وعدم إيمانهم ، يظهرون للمسلمين بظاهر الإيمان بل يعدّ معاوية وابنه من أمراء المؤمنين إلى يومنا هذا ، فهؤلاء مع سوابقهم في محاربة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومعاندتهم للدين ، ودخولهم في الإسلام كرها بعد عام الفتح ، ثم نفاقهم وشقاقهم بين المسلمين وقتالهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وتحرّكاتهم العدوانية وأعمالهم الشيطانية على الإسلام ، والقيام بالأعمال الوحشيّة ، والتهجّمات البشعة على بلاد المسلمين والناس الآمنين ، ونهب أموالهم ، وقتل رجالهم ، وهتك أعراضهم مثل هجوم بسر بن أرطاة على الطائف واليمن والأنبار وغيرها ، وهجوم الأعور بني مرّة مسلم بن عقبة بجيش الشام على مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في واقعة الحرّة ، ونقض معاوية عهده مع الامام الحسنعليه‌السلام وقتله بالسم ، وكذلك قتله حجر بن عدي وأصحابه ، وغيره من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقتل يزيد حسيناعليه‌السلام وسبي أهله وحريمه ، وغير ذلك من الأعمال العدوانية والكفر والالحاد المشهود منهم والمشهور عنهم في التاريخ ، كل هذا وتحسبونهم من أمراء المؤمنين! لعنهم الله!!

ولكن أبا طالب مع تلك المواقف المشرفة ، والسوابق المشرقة التي هي اظهر من الشمس ، تقولون ما آمن ومات مشركا!! أما يكون هذا وذاك من تأثير الدعايات الامويّة؟!

معاوية خال المؤمنين!!

الشيخ عبد السلام : لا يجوز هذه التعابير السيّئة على معاوية

٩١٥

ويزيد ، ولا يجوز لعنهما فإنهما من كبار خلفاء النبي (ص) ، ولا سيما معاوية (رض) فانّه خال المؤمنين وكاتب الوحي ، ولم يقتل الحسن بن علي (رض) ، بل قتلته زوجته جعدة بنت الأشعث.

قلت : من أين جاءه هذا اللقب؟ وكيف صار معاوية خال المؤمنين؟!

الشيخ عبد السلام : لأن أم حبيبة ـ زوجة رسول الله (ص) ـ هي بنت أبي سفيان وأخت معاوية ، تكون أم المؤمنين فيكون أخوها معاوية خال المؤمنين!

قلت : هل أم المؤمنين عائشة ، عندكم مقامها أعلا أم أخت معاوية أمّ حبيبة؟

الشيخ عبد السلام : زوجات رسول الله (ص) وإن كنّ كلهنّ أمهات المؤمنين كما هو تعبير القرآن الحكيم ، إلاّ أنّ عائشة تمتاز عن قريناتها وهي أفضلهن وأعلاهن مقاما(١) .

__________________

(١) هذا مخالف للنص الصريح المروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتبكم فأفضل نسائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخيرهن خديجةعليها‌السلام ، وبرواية عائشة نفسها حيث تقول : «كان النبي يكثر ذكرها» فربما قلت له : كأنما لم يكن في الدنيا امرأة إلاّ خديجة ، فيقول : كلا والله ، ما أبدلني الله خيرا منها إنها كانت وكانت : آمنت إذ كفر الناس ، وصدّقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء». (راجع تفصيل الخبر في رواياته عند البخاري في صحيحه ج ١٦ ص ٢٢٧ ـ ٢٨٢ بشرح العيني ، وعند أحمد في المسند ، وعند الطبراني من رواية ابن أبي نجيح).

كما روى الإمام علي عليه‌السلام عن النبي صلّى الله عليه [وآله] أنه قال «خير نسائها مريم ، وخير نسائها خديجة.» يعني في دنيا الأولى وفي دنيا الثانية. (راجع عمدة القاري شرح صحيح البخاري : ج ١٦ في فضائل خديجة). «المترجم»

٩١٦

لم لا يلقّب محمد بن أبي بكر بخال المؤمنين؟

قلت : إذا كان معاوية خال المؤمنين لأنّه أخ لإحدى زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجميع أخوات زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خالات المؤمنين ، وجميع إخوان زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكونون أخوال المؤمنين ، فلما ذا لقّبتم معاوية وحده بخال المؤمنين ولم تلقّبوا محمد بن أبي بكر وغيره بهذا اللقب؟!

ثم إذا كانت أخوّة معاوية لزوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعدّ فضيلة وشرفا فأبوّة حيي بن أخطب اليهودي لصفيّة زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب أن تعدّ له فضيلة وشرف أيضا!!

وإنما انفرد معاوية بهذا اللقب ، لأنّه تزعم المنافقين والنواصب وقاد جيوش الضلال لحرب أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وسنّ لعنه وسبّه على منابر المسلمين!

معاوية : قاتل الإمام الحسنعليه‌السلام

وأما قتله للإمام الحسن سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو وإن لم يكن فيه مباشرا ، ولكنه كان هو السبب والمحرّض في ذلك ، فقد نقل أكثر المؤرخين والمحدّثين منهم ابن عبد البرّ في الاستيعاب ، والمسعودي في إثبات الوصيّة ، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين روى بسنده عن المغيرة قال [أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث أنّي مزوّجك بيزيد ابني ، على أن تسمي الحسن بن علي ، وبعث إليها بمائة ألف درهم ، فقبلت وسمّت

٩١٧

الحسنعليه‌السلام (١) .

وذكر كثير من المؤرّخين والمحدثين منهم ابن عبد البر في الاستيعاب ، وابن جرير الطبري في تاريخه قالوا [لما جاء معاوية نبأ وفاة الحسن بن عليّعليه‌السلام كبّر سرورا ، وكبّر من كان حوله وأظهروا الفرح!]

فيا شيخ عبد السلام! بميولكم وأهوائكم تجعلون هكذا مجرم خال المؤمنين! ولا تلقّبون محمد بن أبي بكر بهذا اللقب ، لأنّه كان ربيب عليّعليه‌السلام ومن حوارييه وأصحابه الصامدين وشيعته المؤمنين ، ولأنّه قال في أهل البيتعليهم‌السلام :

[يا بني الزهراء أنتم عدّتي

وبكم في الحشر ميزاني رجح

وإذا صحّ ولائي لكم

لا أبالي أيّ كلب قد نبح]

__________________

(١) لقد ثبت أنّ معاوية كان السبب في قتل الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام فقد نقل سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / تحت عنوان : سبب موتهعليه‌السلام [قال علماء السير سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث ، وقال السدّي : دس إليها يزيد بن معاوية أن سمي الحسن وأتزوجك ، فسمته وقال الشعبي : إنّما دسّ إليها معاوية فقال : سمّي الحسن وأزوّجك يزيدا وقال ابن سعد في الطبقات : سمه معاوية مرارا]. «انتهى كلام سبط بن الجوزي».

وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة / آخر الباب العاشر : وفي رواية ـ قال «للحسين ـ : إنّي يا أخي سقيت السم ثلاث مرّات ، لم أسقه مثل هذه المرة ، فقال : من سقاك؟ قال : ما سؤالك عن هذا؟ أتريد أن تقاتلهم؟ أكل أمرهم إلى الله».

قال ابن حجر : وفي رواية : «لقد سقيت السمّ مرارا ما سقيته مثل هذه المرة».

أقول : ثبت أن الحسن السبط عليه‌السلام قتل مسموما ، فلعنة الله على المسبّب والمباشر والراضي بذلك إلى يوم الدين. «المترجم»

٩١٨

فهو ابن أبي بكر وأخو عائشة أم المؤمنين ، ولا شك أنّ أبا بكر عندكم أفضل من أبي سفيان وعائشة أعلى مقاما وأجلى رتبة من أم حبيبة ، ومع ذلك لا تطلقون على محمد لقب خال المؤمنين ، بل بعض العامة يلعنونه ويتبرّءون منه.

ولما دخل عمرو بن العاص ومعاوية بن خديج مصر فاتحين ، حاصروا محمدا ومنعوا عنه الماء ولما استولوا عليه قتلوه عطشانا ، ثم جعلوا جنازته في بطن حمار ميّت وحرّقوه ، وأخبروا معاوية بذلك ، فأظهر الفرح والسرور وأمر أصحابه أيضا بإظهار الفرح.

والعجب أنكم عند ما تسمعون أو تقرءون هذه الأخبار الفجيعة ، والقضايا الفظيعة ، لا تتألّمون ولا تتأثّرون لما فعل أولئك المجرمون الملعونون بمحمد بن أبي بكر ، ولكن لا تطيقون أن تسمعوا لعن معاوية المجرم وحزبه الظالمين ، فتدافعون عنه وتقولون لا يجوز لعنه ، بل يجب احترامه لأنه خال المؤمنين!!

فلما ذا هذا التناقض في الرأي والعقيدة!

أما يكشف هذا عن التعصّب والعناد ، وعن التطرّف واللجاج!!

هل كان معاوية كاتبا للوحي؟

من الثابت الذي لا نقاش فيه أنّ معاوية أسلم بعد الفتح في العام العاشر الهجري ، وقد كان إلى ذلك الزمان جلّ القرآن الحكيم ـ القريب للكلّ ـ نازلا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكما ذكر المؤرّخون : أنّ فتح مكة كان في العام الثامن الهجري وفيه أسلم أبو سفيان إلاّ أنّ معاوية اختفى وأرسل إلى أبيه كتابا يعاتبه ويؤنّبه فيه على إسلامه ، ولمّا

٩١٩

انتشر الإسلام في كل الجزيرة العربية وحتى في خارجها اضطر معاوية أن يسلم ، وبعد إسلامه كان مهانا بين المسلمين ، ينظرون إليه نظرا شزرا ، فتوسّط العباس بن عبد المطلب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يفوّض إليه أمرا حتى يحترمه المسلمون ويتركوا تحقيره وتوهينه.

فعيّنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كاتبا لمراسلاته ، وبه لبّى طلب عمه العباس(١) .

دليل كفر معاوية وجواز لعنه

وأما دلائل كفر معاوية وعدم إيمانه وجواز لعنه ، فهي كثيرة ، ولو أردنا نقلها جميعا لاقتضى تأليف كتاب مستقل ، ولكن أنقل لكم بعضها من الكتاب والسنّة ، ومن سيرته وسلوكه ضدّ الإسلام والمسلمين. منها قوله تعالى :( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً ) (٢) .

فقد ذكر أعلام مفسريكم مثل العلامة الثعلبي ، والحافظ العلاّمة جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ، والفخر الرازي في تفسيره

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ٣٣٨ ، ط إحياء التراث العربي :[وكان ـ معاوية ـ أحد كتّاب رسول الله (ص) ، واختلف في كتابته له كيف كانت ، فالذي عليه المحققون من أهل السيرة أنّ الوحي كان يكتبه عليّعليه‌السلام وزيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وأنّ حنظلة بن الربيع التيميّ ومعاوية كانا يكتبان له إلى الملوك ولرؤساء القبائل.] «المترجم»

(٢) سورة الإسراء ، الآية ٦٠.

٩٢٠

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205