ليالي بيشاور

ليالي بيشاور6%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235587 / تحميل: 3881
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

يوم أعطي من المخافة ضيما

والمنايا يرصدنني أن أحيدا

وفي كامل ابن الأثير ، عوضا عن (فلق) : (شفق) ، وفي تاريخ ابن عساكر (غبش) ، وفي الوفيات (غلس). والسّوام : طائر.

ومعنى البيتين : إذا كانت المنايا تحيط بي من كل جانب ، فألقي يدي إلى الضيم مخافة الموت ، فلن أكون بطلا يغير عند الصبح على الأعداء ، ولن أدعى يزيدا.

ترجمة محمّد بن الحنفية

كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يحب ابنه محمّد بن الحنفية حبا شديدا. وقد روي عنه أنه قال : من أحبني فليحبّ ابني محمدا. وقد ذكر علماء الرجال أن المحمّدين الثلاثة وهم : ابن الحنفية وابن أبي بكر وابن أبي حذيفة ، كانوا يساوقون في الدرجة.

ولقد كان محمّد بن الحنفية معذورا في تركه النصرة لأخيه وإمامه في كربلاء ، لأنه كان مبتلى بمرض شديد في ذلك الوقت. وما تضمنته الأخبار من حيث حسن نصيحته لأخيه والبكاء الشديد لأجله ، وحصول الغشية بعد الغشية له مرارا لأجل فراقه ، يكشف عن قوة إيمانه ، وعن سرّ ما قاله أمير المؤمنينعليه‌السلام في شأنه.

٤٧٢ ـ نساء بني عبد المطلب يجتمعن للنياحة ويطلبن من الحسينعليه‌السلام عدم السفر :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٨)

وأقبلت نساء بني عبد المطلب ، فاجتمعن للنياحة لمّا بلغهن أن الحسينعليه‌السلام يريد الشخوص من المدينة ، حتّى مشى فيهن الحسينعليه‌السلام ، فقال : أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ورسوله. قالت له نساء بني عبد المطلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء؟ فهو عندنا كيوم مات فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن ورقية وزينب وأم كلثوم!. جعلنا الله فداك من الموت ، يا حبيب الأبرار من أهل القبور.

٤٢١

٤٧٣ ـ أم سلمة ترجو الحسينعليه‌السلام عدم السفر ، وجوابه لها :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٥٢)

وقالت أم سلمة [إحدى زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] : لا تحزنّي بخروجك إلى العراق ، فإني سمعت جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «يقتل ولدي الحسين بأرض العراق ، في أرض يقال لها كربلا ، وعندي تربتك في قارورة دفعها إليّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال الحسينعليه‌السلام : يا أماه وأنا أعلم أني مقتول مذبوح ظلما وعدوانا. وقد شاءعزوجل أن يرى حرمي ورهطي مشرّدين ، وأطفالي مذبوحين مأسورين مقيّدين ، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا. قالت أم سلمة : وا عجبا فأنى تذهب وأنت مقتول؟. قالعليه‌السلام : يا أماه إن لم أذهب اليوم ذهبت غدا ، وإن لم أذهب في غد ذهبت بعد غد ، وما من الموت والله بدّ ، وإني لأعرف اليوم الّذي أقتل فيه ، والساعة التي أقتل فيها ، والحفرة التي أدفن فيها كما أعرفك ، وأنظر إليها كما أنظر إليك. وفي

(لواعج الأشجان) ص ٢٩ : وأعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي».وإن أحببت يا أماه أن أريك مضجعي ومكان أصحابي. فطلبت منه ذلك ، فأراها تربته وتربة أصحابه(١) . ثم أعطاها من تلك التربة ، وأمرها أن تحتفظ بها في قارورة ، فإذا رأتها تفور دما تيقنت قتلهعليه‌السلام وفي اليوم العاشر من المحرم بعد الظهر ، نظرت إلى القارورتين فإذا هما تفوران دما(٢) .

وفي (لواعج الأشجان) ص ٢٩ : ثم أشار إلى جهة كربلا ، فانخفضت الأرض حتّى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده. فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا ، وسلّمت أمرها إلى الله تعالى.

__________________

(١) مدينة المعاجز ، ص ٢٤٤.

(٢) الخرايج والجرايح للقطب الراوندي في باب معجزاته ؛ ومقتل العوالم ، ص ٤٧.

٤٢٢

ترجمة السيدة أم سلمة

(النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، ج ١ ص ١٥٦)

وفي سنة ٦١ ه‍ توفيت أم المؤمنين (أم سلمة) واسمها هند بنت سهيل بن المغيرة المخزومية ، زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهي بنت عم أبي جهل ، وبنت عم خالد بن الوليد. بنى بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سنة ثلاث من الهجرة ، وكانت قبله عند الرجل الصالح أبي سلمة بن عبد الأسد ، وهو أخو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الرضاعة. وكانت من أجمل النساء ، وطال عمرها ، وعاشت ٨٤ سنة. وقد عاصرت وفاة الحسينعليه‌السلام وحزنت عليه وبكته بكاء كثيرا. وهي آخر زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاة ، توفيت سنة ٦١ ه‍ ، وصلّى عليها سعيد بن زيد ، ودفنت بالبقيع.

٤٧٤ ـ منزلة أم سلمة :

(العيون العبرى لابراهيم الميانجي ، ص ٢١)

اسمها هند ، زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . كانت قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند أبي سلمة المخزومي. وحالها في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين والزهراء والحسنينعليهم‌السلام أشهر من أن يذكر. وهي أفضل أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد خديجةعليها‌السلام .

في (كفاية الأثر) عن شداد بن أوس : أنه بعد ما قاتل مع عليعليه‌السلام يوم الجمل أتى المدينة. قال : فدخلت على أم سلمة. قالت : من أين أقبلت؟. قلت : من البصرة. قالت : مع أي الفريقين كنت؟. قلت : يا أمّ المؤمنين إني توقّفت عن القتال إلى انتصاف النهار ، فألقى الله في قلبي أن أقاتل مع عليعليه‌السلام . قالت : نعم ما عملت ، لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من حارب عليا حاربني ، ومن حاربني حارب الله». قلت : فترين أن الحق مع عليعليه‌السلام ؟. قالت : أي والله ، عليّ مع الحق والحق معه. والله لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إن لأمتي فرقة وخلفة ، فجامعوها إذا اجتمعت ، فإذا افترقت فكونوا من النمط الأوسط ، ثم ارقبوا

٤٢٣

أهل بيتي ، فإن حاربوا فحاربوا ، وإن سالموا فسالموا ، وإن زالوا فزالوا معهم ، فإن الحق معهم حيث كانوا». قلت : فمن أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم؟. قالت :هم الأئمة بعده كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عدد نقباء بني إسرائيل : علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسينعليه‌السلام . أهل بيته هم المطهرون والأئمة المعصومون. قلت : أما والله هلك الناس إذ قالت :( كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (٣٢) [الروم : ٣٢].

ومن فضائل أم سلمة رضي الله عنها تسليم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليها تربة الشهداء في خبر القارورة المشهور.

ومنها : إيداع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندها الكتاب الّذي كتبه ، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار.

ومنها : إيداع أمير المؤمنينعليه‌السلام عندها الكتب. فعن الإمام الحسينعليه‌السلام أنه قال : إن الكتب كانت عند أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلما سار إلى العراق استودعها أم سلمة رضي الله عنها. فلما مضى كانت عند الحسنعليه‌السلام ، فلما مضى كانت عند الحسينعليه‌السلام .

ومنها : إيداع الحسينعليه‌السلام لدى المضي إلى العراق عندها كتب علم أمير المؤمنينعليه‌السلام وذخائر النبوة وخصائص الإمامة. فلما قتلعليه‌السلام ورجع علي بن الحسينعليه‌السلام دفعتها إليه.

٤٧٥ ـ وصية الحسينعليه‌السلام لأخيه محمّد بن الحنفية قبيل مغادرته المدينة ، وفيها يبيّن سبب خروجه وهو الإصلاح والأمر بالمعروف :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٨)

ثم دعا الحسينعليه‌السلام بدواة وبياض ، وكتب فيها هذه الوصية لأخيه محمّد :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمّد بن علي المعروف بابن الحنفية :

إن الحسين بن عليعليهما‌السلام يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق. وأن الجنة والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور.

إني لم أخرج أشرا(١) ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت أطلب

__________________

(١) أشر : كفرح لفظا ومعنى.

٤٢٤

الإصلاح في أمّة جدّي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمّد وسيرة أبي علي بن أبي طالب(١) . فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا صبرت حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين.

هذه وصيتي إليك يا أخي ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب.والسلام عليك وعلى من اتبع الهدى ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(٢) .

ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمه ، ودفعه إلى أخيه محمّد بن الحنفية.

ثم ودّعه وخرج في جوف الليل يريد مكة بجميع أهله ، وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان سنة ٦٠ ه‍ (لعله يقصد أن وصوله كان في هذا التاريخ).

يقول الدينوري في (الأخبار الطوال) ص ٢٢٨ :

لم يبق في المدينة عند رحيل الحسينعليه‌السلام بأهله غير محمّد بن الحنفية. أما ابن عباس فقد كان خرج إلى مكة قبل ذلك بأيام.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٤٢١ :

وعن سكينة بنت الحسينعليها‌السلام قالت : لما خرجنا من المدينة ما كان أحد أشدّ خوفا منا أهل البيت.

__________________

(١) مقتل المقرم ، ص ١٥٦ نقلا عن مقتل العوالم ، ص ٥٤ ؛ وكذلك في مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤١. وفي المنتخب للطريحي زيادة (وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين).

(٢) غير خاف مغزى السبط المقدس من هذه الوصية ، فإنه أراد الهتاف بغايته الكريمة من نهضته المقدسة ، وتعريف الملأ نفسه ونفسيته ومبدأ أمره ومنتهاه ، ولم يبرح يواصل هذا بأمثاله إلى حين شهادته ، دحضا لما كان الأمويون يموّهون على الناس بأن الحسينعليه‌السلام خارج على خليفة وقته ، يريد شقّ العصا وتفريق الكلمة واستهواء الناس إلى نفسه ، لنهمة الحكم وشره الرئاسة ، تبريرا لأعمالهم القاسية في استئصال آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولم يزلعليه‌السلام مترسلا كذلك في جميع مواقفه هو وآله وصحبه حتّى دحروا تلك الأكذوبة ، ونالوا أمنيتهم في مسيرهم ومصير أمرهم.

٤٢٥

الطريق المؤدية من المدينة إلى مكة

قال الإمام الحسينعليه‌السلام وهو خارج من المدينة المنوّرة :

( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٢١) [القصص : ٢١]

وقالعليه‌السلام حين وافى مكة المكرمة :

( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) (٢٢) [القصص: ٢٢]

٤٢٦

خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة

[الأحد ٢٨ رجب سنة ٦٠ ه‍]

قال تعالى :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) [النساء : ١٠٠]

٤٧٦ ـ المنازل من المدينة إلى مكة :

(البلدان لليعقوبي)

نذكر فيما يلي المنازل التي يمرّ بها المسافر من المدينة إلى مكة. قال اليعقوبي :ومن المدينة إلى مكة عشر مراحل عامرة آهلة : فأولها [ذو الحليفة] ومنها يحرم الحاج إذا خرجوا من المدينة ، وهي على أربعة أميال من المدينة

(الميل : ٨ / ١ كم). ومنها إلى [الحفيرة] وهي منازل بني فهر من قريش. وإلى [ملل] وهي في هذا الوقت منازل قوم من ولد جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام . وإلى [السيّالة] وبها قوم من ولد الحسن بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام . وإلى [الرّوحاء] وهي منازل مزينة. وإلى [الرّويثة] وبها قوم من ولد عثمان بن عفان وغيرهم من العرب. وإلى [العرج]. وإلى [سقيا بني غفار] وهي منازل بني كنانة. وإلى [الأبواء] وهي منازل أسلم. وإلى [الجحفة] وبها قوم من بني سليم ، وغدير خم من الجحفة على ميلين عادل عن الطريق. وإلى [قديد] وبها منازل خزاعة. وإلى [عسفان]. وإلى [مرّ الظهران] وهيمنازل كنانة. وإلى [مكة المكرّمة] حرسها الله.

٤٧٧ ـ خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة ونزوله في مكة :

(تاريخ دمشق لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢٠٠)

وخرج الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن الزبير من ليلتهما إلى مكة. فقدما مكة ، فنزل الحسينعليه‌السلام دار العباس بن عبد المطلب ، ولزم ابن الزبير الحجر.

٤٧٨ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام قاله لعبد الله بن مطيع العدوي بعد أن حذّره من الاغترار بأهل الكوفة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)

فبينا الحسين كذلك بين مكة والمدينة في موضع يقال له [الشريفة] إذ استقبله عبد

٤٢٧

الله بن مطيع العدوي ، فقال له : أين تريد يا أبا عبد الله ، جعلني الله فداك؟. فقال :أما في وقتي هذا فإني أريد مكة ، فإذا صرت إليها استخرت الله في أمري بعد ذلك.فقال له عبد الله بن مطيع : خار الله لك يابن رسول الله فيما قد عزمت عليه ، غير أني أشير عليك بمشورة فاقبلها مني. فقال له الحسينعليه‌السلام : وما هي يابن مطيع؟.فقال : إذا أتيت مكة فاحذر أن يغرّك أهل الكوفة ، فإن فيها قتل أبوك وطعن أخوك بطعنة كادت أن تأتي على نفسه فيها ، فالزم الحرم فأنت سيد العرب في دهرك هذا.وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٤ ط نجف : «ولن يعدلوا بك أحدا ، ويأتيك الناس من كل جانب». فو الله لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك بهلاكك.

وفي (لواعج الأشجان) للسيد الأمين ، ص ٣٤ : لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي ، فوالله لئن هلكت لنسترقنّ بعدك.

وجاء في (مقتل الحسين) لأبي مخنف ص ١٦ : ثم إن الحسين توجه سائرا حتّى جاوز [الشريفة] فاستقبله عبد الله بن مطيع القرشي ، وقال له : جعلت فداك ، إني أنصحك ، إذا دخلت مكة فلا تبرحنّ منها ، فهي حرم الله والأمان للناس. فأقم فيها وتألّف أهلها ، وخذ البيعة على كل من دخلها من الناس ، وعدهم العدل وارفع الجور عنهم ، وأقم فيها خطباء تخطب وتذكّر على المنابر شرفك ، وتشرح فضلك ، ويخبرونهم بأن جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأباك علي بن أبي طالب ، وأنك أولى بهذا الأمر من غيرك. إياك أن تذكر الكوفة فإنها بلد مشؤوم قتل فيها أبوك ، ولا تبرح من حرم الله تعالى ، فإن معك أهل الحجاز واليمن كلها ، وسيقدم إليك الناس من الآفاق وينصرفون إلى أمصارهم ، وادعهم إلى بيعتك. فاقبل نصيحتي وسر مسددا ، فو الله إن قبلت لترشدن. فقال الحسينعليه‌السلام : جزاك الله عني كل خير ، فإني قابل نصيحتك.

٤٧٩ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام وهو خارج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)

وخرج الحسينعليه‌السلام في جوف الليل يريد مكة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث ليال مضين من شعبان سنة ٦٠ ه‍.

(كذا في مقتل الخوارزمي) ، أما في مقتل المقرّم ص ١٥٧ فجاء نقلا عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٩٠ ما نصه :

٤٢٨

«وخرج الحسين من المدينة متوجها نحو مكة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ودخل مكة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان». وهو الأصح كما ذكر العلامة الأمين في (لواعج الأشجان) في حاشية صفحة ٢٩.

فلزم الطريق الأعظم ، فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية :( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٢١) [القصص : ٢١]. فقال له ابن عمه مسلم بن عقيل : يابن رسول الله ، لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادة كما فعل عبد الله بن الزبير ، كان عندي خير رأي ، فإني أخاف أن يلحقنا الطلب. فقال له الحسينعليه‌السلام : لا والله يابن عم لا فارقت هذا الطريق أبدا ، أو أنظر إلى أبيات مكة ، ويقضي الله في ذلك ما يحب ويرضى.

يقول السيد جعفر الحلي :

خرج الحسين من المدينة خائفا

كخروج موسى خائفا يتكتمّ

وقد انجلى عن مكة وهو ابنها

وبه تشرّفت الحطيم وزمزم

٤٨٠ ـ الملائكة تعرض على الحسينعليه‌السلام المساعدة :

(اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٢٧)

ذكر المفيد في كتابه (مولد النبي) بإسناده إلى الإمام الصادقعليه‌السلام قال : لما سار أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام من مكة ليدخل المدينة ، لقيته أفواج من الملائكة المسوّمين والمردفين ، في أيديهم الحراب ، على نجب من نجب الجنة. فسلّموا عليه ، وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن اللهعزوجل أمدّ جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنا في مواطن كثيرة ، وإن الله أمدّك بنا. فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني. فقالوا : يا حجة الله ، إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع ، فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك؟.فقالعليه‌السلام : لا سبيل لهم عليّ ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.

٤٨١ ـ مسلمو الجن يعرضون على الحسينعليه‌السلام مساعدته ونصرته :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٩)

وأتته أفواج مسلمي الجن ، فقالوا : يا سيدنا نحن من شيعتك وأنصارك ، فمرنا بأمرك وما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدوّ لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك. فجزاهم الحسين خيرا وقال لهم : أو ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله :( أَيْنَما

٤٢٩

تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ ) [النساء : ٧٨]. وقال سبحانه :( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ ) (١٥٤) [آل عمران : ١٥٤]. وإذا أقمت مكاني فبماذا يبتلى هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون؟. ومنذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ وقد اختارها الله يوم دحي الأرض ، وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا ، تقبل أعمالهم وصلواتهم وتجاب دعاؤهم ، وتكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة. ولكن تحضرون يوم السبت وهو يوم عاشوراء ، الّذي في آخره أقتل ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي ، ويسار برأسي إلى يزيد.فقالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه ، لو لا أنّ أمرك طاعة ، وأنه لا يجوز مخالفتك ، لقتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك. فقال لهمعليه‌السلام : نحن والله أقدر عليهم منكم ، ولكن( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) [الأنفال : ٤٢].

٤٨٢ ـ ديار علي والحسينعليهما‌السلام مقفرة :

(الإمام الحسين يوم عاشوراء طبع مؤسسة البلاغ ، ص ٥٨)

ها هي ديار علي والحسين والزهراءعليهم‌السلام قد أمسى عليها ليل الفراق ، وأحاطتها وحشة البعد والغربة. لقد نأى الحسينعليه‌السلام ، وأمست المدينة موحشة ، تبكي سيدها الراحل ، والقلوب يعتصرها الأسى ، والنفوس يفترسها الألم ، ويحوطها الخوف والوجل.

٤٣٠

على طريق الشهادة : من المدينة إلى مكة إلى كربلاء

٤٣١

الفصل الثالث عشر

في مكة المكرّمة

[الجمعة ٣ شعبان سنة ٦٠ ه‍]

٤٨٣ ـ من كلام للحسينعليه‌السلام لما وافى مكة المكرمة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٨٩)

وسارعليه‌السلام حتّى وافى مكة (يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان) فيكون مقامه في الطريق نحوا من خمسة أيام(١) . فلما نظر إلى جبالها من بعيد جعل يتلو هذه الآية :( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) (٢٢) [القصص :٢٢]. فنزل دار العباس بن عبد المطّلب(٢) . فأقام بمكة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وثماني ليال من ذي الحجة. حيث خرج إلى العراق يوم التروية ، وهو اليوم السابق ليوم عرفة.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط نجف :

وقال السدي : خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة وهو يقرأ :( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ ) [القصص : ٢١]. فلما دخل مكة ، فقال له عمرو بن سعيد : ما أقدمك؟. فقال : عائذا بالله وبهذا البيت.

٤٨٤ ـ هدف الهجرة :

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ٦٩)

هاجر الحسينعليه‌السلام من دار الهجرة ، واتجه شطر البيت الحرام قبلة المسلمين ، وكانت غايته هناك أن يجتمع بوجهاء الناس وزعماء الأمة وأهل الرأي ، الذين قدموا إلى مكة للحج.

(أقول) : إضافة إلى أن الكعبة المشرّفة هي أكثر الأماكن أمنا ، فلها حرمتها

__________________

(١) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٣٤.

(٢) مقتل المقرم ، ص ١٥٨ عن تاريخ ابن عساكر ، ج ٤ ص ٣٢٨.

٤٣٢

الخاصة ، إذ لا يجوز فيها قتال ولا اعتداء. يقول تعالى عن البيت الحرام :( فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٩٧) [آل عمران : ٩٧].

وترى جانبا صورة عن حرم الكعبة المشرفة وأقسامه المختلفة.

٤٨٥ ـ أهل مكة يستبشرون بقدوم الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٠ ط نجف)

قال أحمد بن أعثم الكوفي : ولما دخل الحسينعليه‌السلام مكة فرح به أهلها فرحا شديدا ، وجعلوا يختلفون إليه غدوة وعشية.

وكان قد نزل بأعلى مكة ، وضرب هناك فسطاطا ضخما ، ونزل عبد الله ابن الزبير داره ب (قيقعان)[وهو موقع غرب مكة عند الحجون]. ثم تحوّل الحسينعليه‌السلام إلى دار العباس ، حوّله إليها عبد الله بن عباس.

وكان أمير مكة من قبل يزيد يومئذ عمرو بن سعيد بن العاص. (وفي رواية ابن أعثم) «عمر بن سعد بن أبي وقاص» ، وهو اشتباه وتصحيف. فأقام الحسينعليه‌السلام مؤذّنا يؤذّن رافعا صوته ، فيصلي بالناس. وهاب عمرو بن سعيد أن يميل الحجّاج مع الحسينعليه‌السلام لما يرى من كثرة اختلاف الناس إليه من الآفاق ، فانحدر إلى المدينة ، وكتب بذلك إلى يزيد.

وفي (مقتل الحسين) المنسوب لأبي مخنف ، ص ١٧ : وقد كان عبد الله ابن الزبير سبقه إلى مكة ، ولزم الكعبة يصلي بالناس ويطوف البيت. وكان يأتي إلى الحسينعليه‌السلام ويجلس معه الجلسة الخفيفة.

ابن الزبير يمتعض من مجيء الحسينعليه‌السلام :

(المصدر السابق للخوارزمي)

وكان الحسينعليه‌السلام أثقل خلق الله على عبد الله بن الزبير ، لأنه كان يطمع أن يتابعه أهل مكة. فلما قدم الحسينعليه‌السلام اختلفوا إليه [أي ترددوا عليه] وصلّوا معه. ومع ذلك فقد كان ابن الزبير يختلف إليه بكرة وعشية ، ويصلي معه.

وأقام الحسينعليه‌السلام بمكة باقي شهر شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة.وبمكة يومئذ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب.

٤٣٣

(الشكل ٤) : مخطط الكعبة المشرّفة حرسها الله

٤٣٤

٤٨٦ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع عبد الله بن عمر في مكة بشأن البيعة ليزيد ، ونصيحة ابن عمر له :(المصدر السابق)

فأقبلا جميعا ، وقد عزما أن ينصرفا إلى المدينة ، حتّى دخلا على الحسينعليه‌السلام . فقال عبد الله بن عمر :

يا أبا عبد الله ، اتّق الله رحمك الله الّذي إليه معادك ، فقد عرفت عداوة هذا البيت لكم ، وظلمهم إياكم. وقد ولي الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية ، ولست آمن أن يميل الناس إليه ، لمكان هذه الصفراء والبيضاء ، فيقتلونك ويهلك فيك بشر كثير ، فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «حسين مقتول ، فلئن خذلوه ولم ينصروه ليخذلنّهم الله إلى يوم القيامة». وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس ، وتصبر كما صبرت لمعاوية من قبل ، فلعل الله أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين. فقال له الحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الرحمن ، أنا أبايع يزيد وأدخل في صلحه ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه وفي أبيه ما قاله؟!.

٤٨٧ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع عبد الله بن عباس ، وبيان فضلهعليه‌السلام وما فعله به الناس :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩١)

فقال ابن عباس : صدقت يا أبا عبد الله ، قد قال النبي : «ما لي وليزيد ، لا بارك الله في يزيد ، فإنه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فو الذي نفسي بيده لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم». ثم بكى ابن عباس وبكى معه الحسينعليه‌السلام ، ثم قال له : يابن عباس أتعلم أني ابن بنت رسول الله؟. فقال : الله م نعم ، لا نعرف في الدنيا أحدا هو ابن بنت رسول الله غيرك ، وأنّ نصرك لفرض على هذه الأمة كفريضة الصيام والزكاة ، التي لا تقبل إحداهما دون الأخرى. فقالعليه‌السلام : يابن عباس فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وطنه وداره ، وموضع قراره ومولده ، وحرم رسوله ، ومجاورة قبره ومسجده ، وموضع مهاجرته ، وتركوه خائفا مرعوبا لا يستقر في قرار ، ولا يأوي إلى وطن ، يريدون بذلك قتله وسفك دمه ، وهو لم يشرك بالله شيئا ولا اتخذ دون الله وليا ، ولم يتغيّر عما كان عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفاؤه من بعده. فقال ابن عباس : ما أقول فيهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله ، لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى( يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً (١٤٢)مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ ) (١٤٣) [النساء : ١٤٢ ـ ١٤٣] فعلى مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى.

٤٣٥

وأما أنت أبا عبد الله ، فإنك رأس الفخار : ابن رسول الله ، وابن وصيه ، وفرخ الزهراء نظيرة البتول ، فلا تظن يابن رسول الله بأن الله غافل عما يعمل الظالمون ، وأنا أشهد أن من رغب عن مجاورتك ومجاورة بنيك ، فما له في الآخرة من خلاق.

فقال الحسينعليه‌السلام : اللهم اشهد. فقال ابن عباس : جعلت فداك يابن رسول الله كأنك تنعى إليّ نفسك ، وتريد مني أن أنصرك ، فوالله الّذي لا إله إلا هو لو ضربت بين يديك بسيفي حتّى ينقطع ، وتنخلع يداي جميعا ، لما كنت أبلغ من حقك عشر العشير. وها أنا بين يديك فمرني بأمرك.

فقال ابن عمر : الله م عفوا ، ذرنا من هذا يابن عباس.

ترجمة عبد الله بن عباس

قال السيد إبراهيم الميانجي في (العيون العبرى) ص ٥٤ :

عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهو حبر الأمة وعالمها ، دعا له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفقه والحكمة والتأويل ، مقبول من الطرفين. وكان محبا لعليعليه‌السلام وتلميذه. حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنينعليه‌السلام أشهر من أن يخفى.

ولد في الشّعب قبل الهجرة بثلاث سنين ، ومات بالطائف سنة ٦٨ ه‍ في فتنة ابن الزبير ، وكان قد كفّ بصره في أواخر حياته وعمره سبعون سنة.

وصلى عليه محمّد بن الحنفية ، وضرب على قبره فسطاطا (انظر المعارف لابن قتيبة).وقال المسعودي في (مروج الذهب) : ذهب بصر ابن عباس لبكائه على علي بن أبي طالب والحسن والحسينعليه‌السلام ، وهو الّذي يقول :

إن يأخذ الله من عينيّ نورهما

ففي لساني وقلبي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير مدّخل

وفي فمي صارم كالسيف مشهور

وقال مسروق كما في (التنقيح) : كنت إذا رأيت عبد الله بن عباس قلت :أجمل الناس ؛ فإذا حدّث قلت : أعلم الناس ؛ فإذا تكلم قلت : أفصح الناس!.

وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، عن عليعليه‌السلام قال :

لله درّ ابن عباس ، فإنه ينظر من ستر رقيق.

٤٣٦

ترجمة عبد الله بن الزبير بن العوّام

كان يكنّى أبا بكر وأبا حبيب. ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا. طلب الخلافة لنفسه بالحجاز ، فسار إليه الحجّاج فحاصره بمكة خمسة أيام ، ثم أصابته رميّة فمات في البيت الحرام. وهو الكبش الّذي تنبّأ به أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه ستنتهك به حرمة البيت. وبعد أن قتل أمر بصلبه فصلب بمكة ، وكان ذلك سنة ٧٣ ه‍.

(انظر المعارف لابن قتيبة)

٤٨٨ ـ عداوة ابن الزبير لأهل البيتعليهم‌السلام :

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان الشيرازي ، ص ١٣٩)

عن سعيد بن جبير أن ابن عباس دخل على ابن الزبير ، فقال له ابن الزبير : إلام تؤنبّني وتعنّفني؟. فقال ابن عباس : إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

«بئس المسلم يشبع ويجوع جاره». وأنت ذلك الرجل. فقال ابن الزبير : والله إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة ، وتشاجرا.

فخرج ابن عباس من المدينة مكرها ، فأقام بالطائف حتّى مات.

وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٢٥١ :

وبقي عبد الله بن الزبير يجدّ في مناوأة محمّد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وبقية أهل البيتعليهم‌السلام ، حتّى حبسهما إذ لم يجيباه إلى البيعة.

وحين تلاسن مع عبد الله بن عباس بعد مقتل المختار ، قال ابن الزبير له : لقد علمت أنك ما زلت لي ولأهل بيتي مبغضا ، ولا زلت لكم يا بني هاشم منذ نشأت مبغضا ، ولقد كتمت بغضكم أربعين سنة. فقال ابن عباس له : فازدد في بغضنا ، فوالله ما نبالي أحببتنا أم أبغضتنا!.

ثم خرج ابن عباس ومحمد بن الحنفية وأصحابهما من مكة إلى الطائف. فلم يزل ابن عباس بالطائف حتّى أدركته الوفاة ، فصلى عليه محمّد بن الحنفية رضي الله عنه ودفنه هناك سنة ٦٨ ه‍ ، وهو ابن ٧٢ سنة.

٤٣٧

وبقي بعده محمّد في الطائف. وذكر القتيبي أن محمدا توفي أيضا بالطائف سنة ٨٢ ه‍ ، وهو ابن ٦٥ سنة.

٤٨٩ ـ محاورة الحسينعليه‌السلام مع عبد الله بن عمر ، وبيان أن الله سبحانه سينتقم من قتلته كما انتقم من بني إسرائيل :

(مقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٩٢)

ثم أقبل ابن عمر على الحسينعليه‌السلام وقال له : مهلا أبا عبد الله عما أزمعت عليه ، وارجع معنا إلى المدينة ، وادخل في صلح القوم ، ولا تغب عن وطنك وحرم جدك ، ولا تجعل لهؤلاء القوم الذين لا خلاق لهم ، على نفسك حجة وسبيلا. وإن أحببت أن لا تبايع فإنك متروك حتّى ترى رأيك ، فإن يزيد ابن معاوية عسى ألا يعيش إلا قليلا ، فيكفيك الله أمره. فقال الحسينعليه‌السلام : أفّ لهذا الكلام أبدا ما دامت السموات والأرض. أسألك بالله يا أبا عبد الرحمن أعندك أني على خطأ من أمري هذا؟. فإن كنت على خطأ فردّني عنه ، فإني أرجع وأسمع وأطيع. فقال ابن عمر :الله م لا ، ولم يكن الله تبارك وتعالى ليجعل ابن بنت رسوله على خطأ [يعترف له بالعصمة] ، وليس مثلك في طهارته وموضعه من الرسول ، أن يسلّم على يزيد بن معاوية باسم الخلافة. ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الجميل بالسيوف ، وترى من هذه الأمة ما لا تحب. فارجع معنا إلى المدينة ، وإن شئت أن لا تبايع فلا تبايع أبدا ، واقعد في منزلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : هيهات يابن عمر ، إن القوم لا يتركوني ، إن أصابوني وإن لم يصيبوني ، فإنهم يطلبوني أبدا حتّى أبايع وأنا كاره أو يقتلوني.

ألا تعلم أبا عبد الرحمن أن من هوان هذه الدنيا على الله أن يؤتى برأس يحيى ابن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، والرأس ينطق بالحجة عليهم ، فلم يضرّ ذلك يحيى بن زكريا بل ساد الشهداء ، فهو سيدهم يوم القيامة(١) .

وفي رواية ابن نما : «وإن رأسي يهدى إلى بغيّ من بغايا بني أمية».

ألا تعلم أبا عبد الرحمن أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى

__________________

(١) روى ابن شهراشوب في المناقب ، ج ٣ ص ٢٣٧ قصة مقتل يحيى بن زكريا ، وذكر قبلها : عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : «خرجنا مع الحسينعليه‌السلام ، فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلا وذكر يحيى بن زكريا».

٤٣٨

طلوع الشمس سبعين نبيا ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجّل الله عليهم ، ثم أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر ذي انتقام(١) . فاتّق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتي(٢) واذكرني في صلاتك ، فوالذي بعث جدي محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشيرا ونذيرا لو أن أباك عمر بن الخطاب أدرك زماني لنصرني كما نصر جدي ، ولقام من دوني كقيامه من دون جدي. يابن عمر فإن كان الخروج معي يصعب عليك ويثقل ، فأنت في أوسع العذر ، ولكن لا تتركنّ لي الدعاء في دبر كل صلاة ، واجلس عن القوم ، ولا تعجل بالبيعة لهم حتّى تعلم ما تؤول إليه الأمور.

وفي (المنتخب) للطريحي ، ص ٣٨٩ :

ثم قالعليه‌السلام : يا عبد الله ، اتّق الله ولا تدعنّ نصرتي ، ولا تركنن إلى الدنيا ، لأنها دار لا يدوم فيها نعيم ، ولا يبقى أحد من شرها سليم. متواترة محنها ، متكاثرة فتنها. أعظم الناس فيها بلاء الأنبياء ، ثم الأئمة الأمناء ، ثم المؤمنون ، ثم الأمثل فالأمثل.

٤٩٠ ـ وصية الحسينعليه‌السلام لابن عباس وذكره بخير ، وبيان إقامته في مكة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٣)

ثم أقبل الحسينعليه‌السلام على ابن عباس رضي الله عنه وقال له : وأنت يابن عباس ابن عم أبي ، ولم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك ، وكنت مع أبي تشير عليه بما فيه الرشاد والسداد. وقد كان أبي يستصحبك ويستنصحك ويستشيرك وتشير عليه بالصواب ، فامض إلى المدينة في حفظ الله ، ولا تخف عليّ شيئا من أخبارك ، فإني مستوطن هذا الحرم ومقيم به ، ما رأيت أهله يحبونني وينصرونني ، فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم ، واستعصمت بالكلمة التي قالها إبراهيم يوم ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل ، فكانت النار عليه بردا وسلاما.

__________________

(١) ذكر المقرم في مقتله ، ص ١٥٥ نقلا عن مثير ابن نما واللهوف : ان عبد الله بن عمر طلب من الحسين البقاء في (المدينة) فأبى ، وقال : إن من هوان الدنيا

(٢) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ١٧.

٤٣٩

فبكى ابن عباس وابن عمر ذلك الوقت بكاء شديدا ، وبكى الحسينعليه‌السلام معهما ، ثم ودّعهما. فصار ابن عباس وابن عمر إلى المدينة.

٤٩١ ـ عزل الوليد بن عتبة عن المدينة ، وضمّ مكة والمدينة بإمرة عمرو ابن سعيد بن العاص (الأشدق):

بعد أن بلغ يزيد تسامح الوليد بن عتبة مع الحسينعليه‌السلام وضعفه في التصرف في الأمور ، عزله عن المدينة وأقرّ عليها عمرو بن سعيد بن العاص المعروف (بالأشدق) والي مكة ، فأصبحت مكة والمدينة تحت إمرته ، فقدم المدينة في شهر رمضان سنة ٦٠ ه‍.

٤٩٢ ـ بشارات مشؤومة بقدوم الوالي الجديد إلى المدينة :

(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ٢ ص ٣)

قال : وذكروا أنه لما بويع يزيد بن معاوية ، خرج الحسينعليه‌السلام حتّى قدم مكة ، فأقام هو وابن الزبير.

قال : وقدم عمرو بن سعيد بن العاص في رمضان أميرا على المدينة وعلى الموسم ، وعزل الوليد بن عتبة. فلما استوى على المنبر رعف ، فقال أعرابي مستقبله : مه مه!. جاءنا والله بالدم. فتلقاه رجل بعمامته ، فقال : مه!. عمّ والله الناس. ثم قام يخطب ، فناوله آخر عصا لها شعبتان ، فقال الأعرابي : مه!. شعب والله أمر الناس. ثم نزل.

ترجمة عمرو بن سعيد (الأشدق)

قتله عبد الملك بن مروان بيده سنة ٧٠ ه‍. وذلك أنه بايع عبد الملك كرها ، فلما خرج عبد الملك إلى قتال الزبير خالفه عمرو إلى دمشق ، فغلب عليها وبايعه أهلها بالخلافة. وذكر الطبري أنه لما صعد المنبر خطب الناس فقال : إنه لم يقم أحد من قريش قبلي على هذا المنبر إلا زعم أن له جنة ونارا ، يدخل الجنة من أطاعه والنار من عصاه ، وإني أخبركم أن الجنة والنار بيد الله ، وأنه ليس إليّ من ذلك شيء ، وأن لكم عليّ حسن المواساة.

قال : فرجع عبد الملك وحاصره ، ثم خدعه وآمنه ، ثم غدر به فقتله. فيقال إنه ذبحه بيده. وكان عمرو أول من أسرّ البسملة في الصلاة مخالفة لابن الزبير ، لأنه كان يجهر بها (روى ذلك الشافعي وغيره بإسناد صحيح).

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

الكبير ، نقلوا في ذيل الآية الشريفة روايات بطرق شتى ، والمعنى واحد ، وهو أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى في عالم الرؤيا بني أمية ينزون على منبره نزو القرد ، فساءه ذلك ، فنزلت الآية ، فبنوا أمية هم الشجرة الملعونة في القرآن والمزيدة بالطغيان.

ولا شك أنّ رأسهم كان أبو سفيان ، ومن بعده معاوية ويزيد ومروان.

والآية الثانية ، الدالّة على لعن بني أمية ، قوله سبحانه وتعالى :( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ ) (١) .

ومن أكثر فسادا من معاوية حينما تولّى؟ ومن أقطع منه رحما لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! والتاريخ يشهد عليه بذلك ، وليس أحد من المؤرخين ينكر فساد معاوية في الدين وقطعه لأرحام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والآية الثالثة ،( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) (٢) .

وهل تنكرون إيذاء معاوية للإمام عليعليه‌السلام ، ولسبطي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسن والحسين ، ولخواص صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كعمّار بن ياسر وحجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي؟ ثم أما يكون إيذاء أمير المؤمنين وشبليه ريحانتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة الأخيار ، إيذاء لله ورسوله؟! فالآيات القرآنية التي تلعن الظالمين كلّها تشمل معاوية.

فقد قال عزّ وجلّ :( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ

__________________

(١) سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الآية : ٢٢ و ٢٣.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية ٥٧.

٩٢١

وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (١) .

وقال سبحانه :( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٢) .

وقال تعالى :( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٣) .

وهل أحد من أهل العلم والإنصاف ينكر ظلم معاوية؟!

معاوية قاتل المؤمنين

وقال سبحانه وتعالى :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) (٤) وكم قتل معاوية من المؤمنين الأبرار والصحابة الأخيار؟!

أما ثبت لكم بالروايات التي نقلتها من مصادركم أنه سبّب قتل الإمام الحسن سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن دسّ إليه السم بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث ، إذ بعث إليها مالا ، وأغراها بأن يزوجها ليزيد بن معاوية ، ففعلت ما أراد معاوية؟!

أما قتل معاوية حجر بن عدي صحابي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع سبعة نفر من أصحابه المؤمنين؟ وقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في الكامل [أنّ حجر كان من كبار صحابة النبي وفضلائهم ، وقتله معاوية مع سبعة نفر من أصحابه صبرا ، لأنهم امتنعوا من لعن عليّ بن أبي طالب والبراءة منه.]

__________________

(١) سورة غافر ، الآية ٥٢.

(٢) سورة هود ، الآية ١٨.

(٣) سورة الأعراف ، الآية ٤٤.

(٤) سورة النساء ، الآية ٩٣.

٩٢٢

وذكر ابن عساكر ، ويعقوب بن سفيان في تاريخه ، والبيهقي في الدلائل ، أنّ معاوية دفن عبد الرحمن بن حسّان العنزي حيّا ، وكان أحد السبعة الذين قتلوا مع حجر بن عدي.

أما كان قتل عمار بن ياسر صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد جنود معاوية وعماله في صفين؟ وقد أجمع المحدّثون والعلماء أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمّار «يا عمّار! تقتلك الفئة الباغية».

هل تنكرون حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم تنكرون قتله في صفين بأيدي عمال معاوية وجنوده؟!

أما سبّب معاوية قتل الصحابي الجليل مالك الأشتر بالسم غيلة؟

أما قتل أصحابه محمد بن أبي بكر عطشانا وأحرقوا جسده؟ ولمّا سمع معاوية بذلك فرح وأيّد عملهم.

أما كان يأمر عمّاله بقتل شيعة علي بن أبي طالب وأنصار أهل بيت النبوّة؟

أما كان يرسل الجيوش لإبادة المؤمنين واستئصالهم ونهب أموالهم؟

غارة بسر بن أرطاة

ومن أقبح أعمال معاوية ، وأشنع جرائمه ، بعثه بسر بن أرطاة الظالم السفّاك إلى المدينة ومكة والطائف ونجران وصنعاء واليمن ، وأمره بقتل الرجال وحتى الأطفال ، ونهب الأموال وهتك الأعراض النواميس. وقد نقل غارة بسر بن أرطاة على هذه البلاد كثير من المؤرخين منهم : أبو الفرج الأصبهاني ، والعلاّمة السمهودي في تاريخ المدينة ـ وفاء الوفي ـ ، وابن خلّكان ، وابن عساكر ، والطبري في

٩٢٣

تواريخهم ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ / ٣ ـ ١٨ ، ط دار إحياء التراث العربي ، قال في صفحة ٦ [دعا ـ معاوية ـ بسر بن أرطاة ـ وكان قاسي القلب فظّا سفّاكا للدماء ، لا رأفة عنده ولا رحمة ـ فأمره أن يأخذ طريق الحجاز والمدينة ومكة حتى ينتهي إلى اليمن ، وقال له : لا تنزل على بلد أهله على طاعة عليّ إلاّ بسطت عليهم لسانك ، حتى يروا أنهم لا نجاء لهم ، وأنّك محيط بهم ، ثم اكفف عنهم ، وادعهم إلى البيعة لي ، فمن أبى فاقتله ، واقتل شيعة عليّ حيث كانوا!!

فامتثل بسر أوامر معاوية وخرج وأغار في طريقه على بلاد كثيرة ، وقتل خلقا كثيرا حتى دخل بيت عبيد الله بن العباس ، وكان غائبا فأخذ ولديه وهما طفلان صغيران فذبحهما ، فكانت أمهما تبكي وتنشد :

ها! من أحسّ بابنيّ اللّذين هما

كالدّرتين تشظّى عنهما الصّدف

ها! من أحس بابنيّ اللذين هما

سمعي وقلبي ، فقلبي اليوم مختطف

ها! من أحسّ بابنيّ اللذين هما

مخّ العظام ، فمخّي اليوم مزدهف

نبئت بسرا وما صدّقت ما زعموا

من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا

أنحى على ودجي ابنيّ مرهفة

مشحوذة ، وكذاك الإثم يقترف]

٩٢٤

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ صفحة ١٧ : [وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا ، وحرّق قوما بالنار(١) .]

__________________

(١) ما كانت غارة بسر بن أرطاة الظالم السفّاك هي الوحيدة من نوعها ، بل يحدّث التاريخ عن أمثالها. وقعت بأمر معاوية ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ / ٨٥ ، ط دار إحياء التراث العربي : (غارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار) روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب «الغارات» عن أبي الكنود ، قال : حدثني سفيان بن عوف الغامديّ ، قال [دعاني معاوية ، فقال : إنّي باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة ، فالزم لي جانب الفرات ، حتى تمرّ بهيت فتقطعها ، فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم ؛ وإلاّ فامض حتى تغير على الأنبار ، فإن لم تجد بها جندا فامض حتى توغل في المدائن ؛ ثم أقبل إليّ واتّق أن تقرب الكوفة! واعلم أنّك إن أغرت على أهل الأنبار وأهل المدائن فكأنّك أغرت على الكوفة ؛ إنّ هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعّب قلوبهم ، وتفرح كلّ من له فينا هوى منهم ، وتدعوا إلينا كلّ من خاف الدوائر! فاقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك ، وأخرب كلّ ما مررت به من القرى ، واحرب الأموال ، فإنّ حرب الأموال شبيه بالقتل ، وهو أوجع للقلب!]

أقول : وامتثل سفيان عليه اللعنة أوامر معاوية وقتل من قتل ونهب ما نهب ، ورجع إلى الشام فاستقبله معاوية بالفرح والسرور ورحّب به وحباه أعظم حباء ، فقد نقل ابن أبي الحديد عن سفيان بن عوف ، في شرح نهج البلاغة : ج ٢ / ٨٧ قال [فو الله ما غزوت غزاة كانت أسلم ولا أقرّ للعيون ، ولا أسرّ للنفوس منها! وبلغني والله أنّها أرعبت الناس ، فلمّا عدت إلى معاوية ؛ حدثته الحديث على وجهه ، فقال : كنت عند ظنّي بك ، لا تنزل في بلد من بلداني إلاّ قضيت فيه مثل ما يقضى فيه أميره ، وإن أحببت توليته ولّيتك ، وليس لأحد من خلق الله عليك أمر دوني.]

فانظر أيها القارئ الكريم إلى الجملة الأخيرة ؛ كيف يسلّط معاوية الطاغي هذا الظالم الباغي على خلق الله ويبسط يده ليفعل ما يشاء بلا مانع ولا رادع ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

٩٢٥

وهل أنتم بعد في شكّ وترديد في كفر معاوية ويزيد؟! وهل تتورّعون بعد عن لعنهما ولعن من رضي بأفعالهما؟

معاوية يأمر بلعن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام !!

من الدلائل الواضحة على كفر معاوية وأصحابه ، أمره بسبب الإمام عليعليه‌السلام ولعنه على منابر المسلمين ، وإجباره الناس بهذا الذنب العظيم ، فسنّ هذا المنكر في قنوت الصلوات وخطب الجمعات.

وهذا أمر ثابت على معاوية ، سجّله التاريخ وذكره المؤرّخون من

__________________

غارة الضحّاك بن قيس الفهريّ

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٢ / ١١٦ ، ط إحياء التراث العربي ، قال إبراهيم بن هلال الثقفي [فعند ذلك دعا معاوية الضحّاك بن قيس الفهريّ وقال له :سر حتى تمرّ بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت ، فمن وجدته من الأعراب في طاعة عليّ فأغر عليه ، وإن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليها ، وإذا اصبحت في بلدة فامس في اخرى

فأقبل الضّحّاك ، فنهب الأموال وقتل من لقي من الأعراب ، حتى مرّة بالثعلبيّة ، فأغار على الحاجّ ، فأخذ امتعتهم ، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الهذلي ، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله (ص) ، فقتله في طريق الحاجّ عند القطقطانه وقتل معه ناسا من أصحابه.]

اقول : هكذا سلب معاوية وأعوانه وعامله ، الأمن والأمان من المؤمنين ، فشهروا السلاح وقطعوا الطريق وحاربوا المسلمين ، فأراقوا دماءهم ونهبوا أموالهم ، وسعوا في الأرض فسادا ، فلعنة الله عليهم وعلى جميع الظالمين والمفسدين ولعن الله كل من رضي بأفعالهم ، إلى قيام يوم الدين.

«المترجم»

٩٢٦

الشيعة والسنّة وحتى غير المسلمين ، حتى أنّه قتل بعض المؤمنين الذين امتنعوا وأبوا ذلك ، مثل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

وقد ثبت أيضا عند جميع علماء الإسلام بالتواتر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «من سبّ عليا فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله».

رواه جمع غفير من أعلامكم منهم : أحمد بن حنبل في المسند والنّسائي في الخصائص والثعلبي في تفسيره ، والفخر الرازي في تفسيره ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة ، والشيخ القندوزي الحنفي في الينابيع ، والعلاّمة الهمداني في مودّة القربى ، والحافظ الديلمي في الفردوس ، والشيخ مسلم بن حجاج في صحيحه ، والعلاّمة محمد بن طلحة في مطالب السئول والعلاّمة ابن الصبّاغ المالكي في الفصول ، والحاكم في المستدرك ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، وشيخ الإسلام الحمويني في الفرائد ، والفقيه الشافعي ابن المغازلي في المناقب ، والمحب الطبري في الذخائر ، وابن حجر في الصواعق ، وغيرهم من كبار علمائكم.

والخبر الذي رواه أيضا كثير من أعلامكم ومحدثيكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «من أذى عليّا فقد آذاني ومن آذاني فعليه لعنة الله».

وابن حجر روى خبرا أعمّ وأشمل / في الصواعق / ١٤٣ طبع الميمنية بمصر / باب التحذير من بغضهم وسبهم / قال : وصحّ أنه صلى الله عليه وسلم قال «يا بني عبد المطلب! إنّي سألت الله لكم ثلاثا : أن يثبّت قائمكم ، وأن يهدي ضالّكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، وسألت الله أن

٩٢٧

يجعلكم كرماء نجباء رحماء ، فلو أنّ رجلا صفن ـ وهو صف القدمين ـ بين الركن والمقام فصلّى وصام ثم لقى الله وهو يبغض آل بيت محمّد (ص) دخل النار».

وورد «من سبّ أهل بيتي فإنما يرتدّ عن الله والإسلام ، ومن آذاني في عترتي فعليه لعنة الله ومن آذاني في عترتي فقد آذى الله ، إنّ الله حرّم الجنة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبّهم».

وروى أحمد بن حنبل في المسند وروى غيره من أعلامكم أيضا عن النبي أنه قال «من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديّا أو نصرانيا».

وقد ذكر ابن الأثير في الكامل وغيره من المؤرخين أنّ معاوية كان في قنوت الصلاة يلعن سيدنا عليا والحسن والحسين وابن عباس ومالك الأشتر.

فما تقولون بعد هذه الأخبار والأحاديث المرويّة في كتب محدثيكم وأعلامكم ، ولا ينكرها أحد من أهل العلم؟!

وأنتم تعلمون أنّ من ضروريّات الإسلام المتّفق عليه ، أنّ من لعن أو سبّ الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو كافر نجس يجب قتله.

فمعاوية ومن حذى حذوه كافر نجس ملعون.

الشيخ عبد السلام : المتّفق عليه ، كفر من سبّ الله ورسوله ، ومعاوية ما سبّ الله ورسوله ، وإنّما سب ولعن عليا كرّم الله وجهه.

قلت : أيها الشيخ ما هذا اللّفّ والدوران! ولما ذا تغالط في الكلام والبيان؟ فلا تنس قول الله العزيز في القرآن :( وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١) .

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٤٢.

٩٢٨

أترفض الحديث الذي نقلته الآن من كتب أعلامكم وأئمتكم ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «من سبّ عليا فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله؟!».

ارجو أن لا تنس حديثنا في الليالي الماضية ، والمصادر الجمّة التي ذكرتها لكم من الأحاديث النبويّة الشريفة التي صدرت عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الموضوع ، والظاهر أنّك صرت مصداق المثل المعروف : «كلام الليل يمحوه النار».

النوّاب : نرجوكم أن تزيدونا بالأحاديث النبوية في هذا الباب ، فإنّ أحسن الحديث حديث رسول الله (ص).

قلت : لا أدري هل نقلت لكم رواية ابن عباس في هذا الباب ، أم لا؟ فقد روى العلاّمة الكنجي فقيه الحرمين ، ومفتي العراقين ، محدّث الشام وصدر الحفّاظ أبو عبد الله محمد بن يوسف القرشي ، الشهير بالعلاّمة الكنجي الشافعي ، صاحب كتاب كفاية الطالب نقل في / الباب العاشر / بسنده المتصل بيعقوب بن جعفر بن سليمان قال : حدثنا أبي عن أبيه ، قال [كنت مع أبي ، عبد الله بن العباس ، وسعيد ابن جبير يقوده ، فمرّ على صفة زمزم ، فإذا قوم من أهل الشام يشتمون علياعليه‌السلام ، فقال لسعيد : ردّني إليهم ، فوقف عليهم فقال : أيّكم السابّ لله عزّ وجلّ؟ فقالوا : سبحان الله ما فينا أحد سبّ الله ، قال : أيّكم الساب رسول الله (ص)؟! قالوا : ما فينا أحد سبّ رسول الله (ص). قال : فأيّكم الساب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ فقالوا : أمّا هذا فقد كان. قال : فأشهد على رسول الله (ص) سمعته أذناي ووعاه قلبي ، يقول لعليّ بن أبي طالب : من سبّك فقد سبّني ، ومن سبّني فقد

٩٢٩

سبّ الله ، ومن سبّ الله أكبّه الله على منخريه في النار(١) .]

لا يبغض عليا إلاّ كافر أو منافق

روى جمع غفير من أعلامكم وعلمائكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لا يحب عليا إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق». خرّجه كثير من محدّثيكم وعلمائكم الكبار منهم :

جلال الدين السيوطي في الدرّ المنثور ، والثعلبي في تفسيره ، والعلاّمة الهمداني في مودّة القربى ، وأحمد بن حنبل في المسند ، وابن حجر في الصواعق ، والخوارزمي في المناقب ، والعلاّمة ابن المغازلي في المناقب ، والحافظ القندوزي في الينابيع ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والطبراني في الأوسط ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى ، والنسائي في الخصائص ، والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، ومحمد بن طلحة في مطالب السّئول ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة ، وغير هؤلاء جمع غفير خرّجوا هذا الحديث باسنادهم وبطرق شتى حتى كاد أن يصل حدّ التواتر ، ومن الواضح أنّ مصير الكافر والمنافق إلى النار

__________________

(١) رواه جماعة من الأعلام وعلماء العامّة باسنادهم عن ابن عباس منهم العلامة الحافظ الفقيه ابن المغازلي في كتابه مناقب الإمام علي حديث رقم / ٤٤٧ ، وأخرجه المحب الطبري في الرياض النضرة : ج ٢ / ١٦٦ ، من طريق الملاّ في سيرته ، وهكذا أخرجه الموفق الخوارزمي في المناقب : ص ٨١ ، والعلامة الزرندي في نظم درر السمطين : ١٠٥.

«المترجم»

٩٣٠

والسعير. وانقل لكم بالمناسبة ما رواه العلامة الكنجي الشافعي في آخر الباب الثالث من كتابه كفاية الطالب : بسنده المتصل بموسى بن طريف عن عباية عن علي بن أبي طالب قال «أنا قسيم النار يوم القيامة ، أقول : خذي ذا وذري ذا». هكذا رواه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في تاريخه ، ورواه غيره مرفوعا إلى النبي (ص).

ثم قال العلاّمة الكنجي : فإن قيل هذا سند ضعيف ، قلت : قال محمد بن منصور الطوسي كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أنّ عليا قال «أنا قسيم النار». فقال أحمد [وما تنكرون من هذا الحديث! أليس روينا أنّ النبي (ص) قال لعلي : لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق؟ قلنا بلى ، قال : فأين المؤمن؟ قلنا في الجنة ، قال : فأين المنافق؟ قلنا في النار.

قال : فعلي قسيم النار] هكذا ذكره في طبقات أحمدرحمه‌الله .

وقال الله سبحانه :( إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ) (١) .

فمعاوية وأصحابه وأنصاره من أهل جهنم لا محالة ، بل هم في الدرك الأسفل من النار.

الشيخ عبد السلام : نحن لا ننكر هذه الأخبار والأحاديث الواردة في حق سيدنا عليّ كرّم الله وجهه ، ولكنّ الصحابة مستثنون لأنّ الله سبحانه غفر لهم وأعدّ لهم جنات النعيم كما وعدهم في آيات من الذكر الحكيم. ولا ينكر أن معاوية (رض) كان من الصحابة المقرّبين لرسول الله (ص). فيجب احترامه لصحبته للنبي (ص) ولقربه منه.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٤٥.

٩٣١

الصحابة ، أخيار وأشرار

قلت : لقد ناقشنا الموضوع في الليالي الماضية ، واثبتنا أنّ كثيرا ممن أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحظى بصحبته ما كان أهلا لذلك ، ولم يكتسب منه الدّين والأخلاق الحميدة التي جاء بها ، وأمر أصحابه أن يتخلّقوا بها ، فبقوا على جهالتهم وسيّئات أخلاقهم فعصوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاتبهم الله سبحانه في غير موضع من كتابه الحكيم. ولكي تعرفوا انّ المصاحبة والصحبة مع الأخيار والأبرار ومع الأنبياء والمرسلين ، لا تكون منقبة ولا شرفا وإنما الفضل والشرف في حسن الصحبة ، نرجع الى القرآن الكريم لنعرف تعبيره وتعريفه لهذه الكلمة ونعم الحكم الله سبحانه. قال :( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى ) (١) .

وقال :( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ) (٢) .

وقال :( فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) (٣) .

وفي الآية ٣٨( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ ) الخ.

وقال تعالى :( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ) (٤) .

وقال :( كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ٢.

(٢) سورة سبأ ، الآية ٤٦.

(٣) سورة الكهف ، الآية ٣٤.

(٤) سورة الأعراف ، الآية ١٨٤.

٩٣٢

يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى ) (١) .

وقال تعالى في سورة يوسف (الصدّيق) حكاية عنهعليه‌السلام :( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (٢) .

فنكتشف من هذه الآيات الكريمة ونعرف بأنّ الصاحب يطلق على المؤمن والكافر ، فلا خصوصيّة في الصحبة.

ومن البديهي أن الآيات الشريفة التي نزلت في مدح صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تعمّهم بل تخصّ أخيارهم ، كما أنّ الآيات التي نزلت في ذمّهم وعتابهم أيضا تخص أشرارهم ولا تشمل الأبرار منهم.

ولا ينكر أنّ ممن كان حول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الصحابة الذين يجالسونه ويعاشرونه كانوا منافقين ، كما نعتقد أنّ بعض أصحابه الأبرار الميامين الأخيار كانوا في أعلى مراتب الإيمان واليقين بحيث ما كان مثلهم في أصحاب الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم أجمعين وكلكم تعلمون أنّ عبد الله بن أبيّ ، وأبا سفيان ، والحكم بن العاص ، وأبا هريرة ، وثعلبة ، ويزيد بن أبي سفيان ، والوليد بن عقبة ، وحبيب بن مسلمة ، ومسرة بن جندب ، وعمرو بن العاص ، وبسر بن أرطاة ، والمغيرة بن شعبة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وذي الثدية ، رأس الخوارج وأمثالهم كانوا يجالسون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويصحبونه في السفر والحضر وفي المسجد والمنزل ويتظاهرون بالإسلام ، ولكنّهم كم أشعلوا نار الفتنة والشقاق وساروا في طريق الخلاف والنفاق ، حتى طرد رسول الله

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية ٧١.

(٢) سورة يوسف ، الآية ٣٩.

٩٣٣

بعضهم ، ولعن آخرين ، وقاطع جماعة منهم ، وفضح بعضهم وشهرهم على رءوس الاشهاد؟! وممّن لعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاوية وأباه وأخاه.

وكم من الصحابة ارتدّوا بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصبحوا مصداق الآية الكريمة :( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) ؟.

مضافا الى الآيات القرآنية ، توجد روايات رواها علماؤكم وأئمتكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تؤيّد ما نقول. فقد روى البخاري في صحيحه خبرين عن سهل بن سعد ، وآخر عن عبد الله بن مسعود باختلاف يسير في الالفاظ ، والمعنى واحد ، أنّ رسول الله قال «أنا فرطكم على الحوض ، ليرفعنّ إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي ربّ أصحابي! فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك!!».

وروى أحمد بن حنبل في المسند ، والطبراني في الكبير ، وأبو النصر في الإبانة ، بإسنادهم عن ابن عباس عن النبي (ص) قال «أنا آخذ بحجزكم ، أقول : اتقوا النار ، واتقوا الحدود ، فإذا متّ تركتم وأنا فرطكم على الحوض فمن ورد فقد أفلح ، فيؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أمّتي! فيقول : إنهم لم يزالوا بعدك يرتدّون على أعقابهم». (وفي رواية الطبراني في الكبير) فيقال «إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، مرتدّين على أعقابهم».

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٤٤.

٩٣٤

فمما يثير العجب ويبعث الأسف في النفس ، أنّ معاوية وابنه يزيد مع كثرة الدلائل والشواهد على كفرهما وإنكارهما للدين والوحي(١) ، تعدّونهما مؤمنين ، بل تلقبونهما بأمير المؤمنين ، أي

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٥ / ١٢٩ ، ط إحياء التراث العربي تحت عنوان : (أخبار متفرقة عن معاوية).

وقد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية ، ولم يقتصروا على تفسيقه ، وقالوا عنه أنّه كان ملحدا لا يعتقد النبوّة ، وقد نقلوا عنه في فلتات كلام وسقطات ألفاظه ما يدلّ على ذلك. وروى الزبير بن بكّار في «الموفقيات» ـ وهو غير متّهم على معاوية ، ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة ، لما هو معلوم من حاله من مجانبة عليّ ٧ ، والانحراف عنه ـ : قال المطرف بن المغيرة بن شعبة : دخلت مع أبي على معاوية ، وكان أبي يأتيه فيتحدّث معه ، ثم ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله ، ويعجب بما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة ، فأمسك عن العشاء ، ورأيته مغتمّا فانتظرته ساعة ، وظننت أنّه لأمر حدث فينا ، فقلت : ما لي أراك مغتمّا منذ الليلة؟ فقال : يا بنيّ ، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم ، قلت : وما ذاك؟ قال : قلت له ـ أي لمعاوية ـ وقد خلوت به : إنّك قد بلغت سنّا يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلا ، وبسطت خيرا ، فإنّك قد كبرت ؛ ولو نظرت إلى إخوانك من بني هاشم ، فوصلت أرحامهم ، فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه ، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه ؛ فقال : هيهات هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه؟! ملك أخو تيم فعدل ، وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ؛ إلاّ أن يقول قائل : أبو بكر ؛ ثم ملك أخو عديّ ، فاجتهد وشمّر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ؛ إلاّ أن يقول قائل :عمر. وإنّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرّات : «اشهد أنّ محمدا رسول الله» فأيّ عمل يبقى؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك؟! لا والله إلاّ دفنا دفنا!!]

ثم قال ابن أبي الحديد بعد نقله للخبر [وأما أفعال المجانبة للعدالة الظاهرة ، من لبسه الحرير ، وشربه في آنية الذهب والفضّة ؛ حتى أنكر عليه ذلك أبو الدرداء ،

٩٣٥

__________________

فقال له : إنّي سمعت رسول الله يقول «إنّ الشارب فيهما ليجرجر في جوفه نار جهنم». فقال معاوية : أمّا أنا فلا أرى بذلك بأسا.

فقال أبو الدرداء : من عذيري من معاوية! أنا أخبره عن الرسول (ص) وهو يخبرني عن رأيه! لا أساكنك بأرض أبدا.]

فهذا الخبر يقدح في عدالته ، كما يقدح أيضا في عقيدته ، لأنّ من قال في مقابل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمّا أنا فلا أرى بأسا فيما حرّمه رسول الله» فليس بصحيح العقيدة. ومن المعلوم أيضا من حالة استئثاره بمال الفيء ، وضربه من لا حدّ عليه ، وإسقاط الحدّ عمّن يستحقّ إقامة الحدّ عليه ، وحكمهم برأيه في الرعيّة وفي دين الله ، واستلحاقه زيادا ؛ وهو يعلم قول رسول الله (ص) : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، وقتله حجر بن عديّ وأصحابه ولم يجب عليهم القتل ، ومهانته لأبي ذرّ الغفاري وجبّه وشتمه وإشخاصه إلى المدينة على قتب بغير وطاء لإنكاره عليه ، ولعنه عليّا وحسنا وحسينا وعبد الله بن عباس على منابر الإسلام ، وعهده بالخلافة إلى ابنه يزيد ، مع ظهور فسقه وشربه المسكر جهارا ولعبه بالنّرد ونومه بين القيان المغنيّات واصطباحه معهنّ ولعبه بالطنبور بينهنّ ، وتطريقه بني أمية للوثوب على مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلافته ، حتى أفضت إلى يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد ، المفتضحين الفاسقين : صاحب حبابة وسلاّمة ، والآخر رامي المصحف بالسهام وصاحب الأشعار في الزندقة والإلحاد. «انتهى كلام ابن أبي الحديد».

أقول : وذكر سبط ابن الجوزي في التذكرة تحت عنوان (فصل في يزيد بن معاوية) قال [ذكر علماء السير عن الحسن البصري أنه قال : قد كانت في معاوية هنات لو لقي أهل الأرض ببعضها لكفاهم : وثوبه على هذا الأمر ، واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين ، وادّعاؤه زيادا ، وقتله حجر بن عديّ وأصحابه ، وبتوليته مثل يزيد على الناس. قال : وذكر جدي أبو الفرج في كتاب (الردّ على المتعصّب العنيد المانع

٩٣٦

تحسبون خلافتهما شرعية ، وتدافعون عنهما باليد واللسان ، بل بالمال والنفس وإن كان بعض أعلامكم وافقونا في كفر معاوية وابنه وكتبوا في ذلك مثل ابن الجوزي وقد ألّف كتاب «الرد على المتعصّب العنيد المانع من ذم يزيد».

__________________

من ذم يزيد) وقال : سألني سائل فقال : ما تقول في يزيد بن معاوية؟ فقلت له : يكفيه ما به فقال : أتجوّز لعنه؟ فقلت : قد أجاز العلماء الورعون ، منهم أحمد بن حنبل ، فإنّه ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة.]

وفي التذكرة قال : قال أحمد في المسند : حدثنا أنس بن عياض حدثني يزيد ابن حفصة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن عطاء بن يسار عن السائب ابن خلاّد [أنّ رسول الله (ص) قال «من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا».]

أقول : ورواه غير أحمد كثير من الأعلام وعلماء العامّة : ولا منكر بين المؤرخين أنّ معاوية أخاف أهل المدينة حين بعث إليه بسر بن أرطاة الظالم السفّاح ، فقتل منهم خلقا كثيرا ، وكذلك أخافهم يزيد بن معاوية ، حين بعث إليهم مسلم بن عقبة الظالم القاسي القلب ، فأباح المدينة ثلاثا فقتل خلقا كثيرا من أبناء المهاجرين والأنصار.

وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة [وذكر المدائنيّ عن أبي قرة قال : قال هشام بن حسان ولدت ألف امرأة بعد الحرّة من غير زوج.

وغير المدائنيّ يقول : عشرة آلاف امرأة.]

أقول : ولا مجال لذكر كل الدلائل والشواهد على كفر معاوية ويزيد ، لأنه يتطلب وضع كتاب مستقل ، لذا اكتفينا بذكر قليل من كثير.

«المترجم»

٩٣٧

والسيد محمد بن عقيل وقد ألّف كتاب «النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية» طبع في مطبعة النجاح ببغداد سنة ١٣٦٧ هجرية. ولكن تصرّون إصرارا باطلا ، في عدم إيمان أبي طالبعليه‌السلام وهو من السابقين في الإيمان والذّب عن الإسلام والدّفاع عن نبيّه صلوات الله عليه وآله.

وهذا لا يكون إلاّ من تأثير بني أمية والنواصب والخوارج فيكم.

ولا أدري متى تزيلون عن دينكم ومذهبكم شبهات أعداء آل محمّد وتأثيرات بني أمية؟! ومتى تحرّرون مذهبكم ودينكم من التعصّبات والتقيّدات المتّخذة من الآباء والأسلاف؟!

لقد حان الوقت أن تفتحوا أبصاركم وتنبشوا التاريخ وكتب السير والحوادث وتفتشوا عن الحقائق المستندة بالأدلة والبراهين العقليّة والنقلية من الكتاب الحكيم والسّنة الشريفة ، فتتمسّكوا بالحق المبين وتلتزموا بشريعة سيد المرسلين.

أما آن لكم أن تتركوا أقاويل بني أمية ودعاياتهم وأكاذيبهم ، وترجعوا إلى آل محمّد وعترته ، وتأخذوا دينكم وأحكامه ومعالمه من أهل بيتهعليهم‌السلام ؟!

أما جعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل البيت عدل القرآن بقوله : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي» وجعلهم مرجعا للمسلمين فيما يختلفون فيه؟!

وأجمع آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته على أنّ أبا طالبعليه‌السلام كان من المؤمنين وارتحل من الدنيا بكمال الدين والإيمان.

٩٣٨

دلائل أخرى على إيمان أبي طالبعليه‌السلام

وهذا أصبغ بن نباتة من الرواة الثقات حتى عند علمائكم يروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال «والله ما عبد أبي ، ولا جدّي عبد المطّلب ، ولا هاشم ، ولا عبد مناف ، صنما قطّ».

فهل من الإنصاف أن تتركوا قول أهل بيت النبوّة والعترة الطاهرة ، وتأخذوا بكلام أعدائهم مثل المغيرة بن شعبة الفاجر؟!

أوهل من الإنصاف أن تؤولوا أشعار أبي طالب في الإسلام وفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتصديقه لهما ، وإعلانه الإيمان بهما بكل صراحة ، فلا تقبلوا كل ذلك ، لحديث رواه كاذب فاسق فاجر ، عدوّ الإمام عليّ وعدوّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

وأضف على ما نقله المؤرّخون من أشعار صريحة في إيمان أبي طالب ، خطبته الغرّاء البليغة التي خطبها في خطبة أم المؤمنين خديجة الكبرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكرها عامّة المؤرّخين.

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٧٠ ، ط دار إحياء الكتب العربية : وخطبة النكاح مشهورة ، خطبها أبو طالب عند نكاح محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خديجة ، وهي قوله : «الحمد لله الذي جعلنا من ذرّيّة إبراهيم ، وزرع إسماعيل ، وجعل لنا بلدا حراما وبيتا محجوجا ، وجعلنا الحكّام على الناس ثم أنّ محمد بن عبد الله أخي ، من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برّا وفضلا ، وحزما وعقلا ، ورأيا ونبلا ، وإن كان في المال قل ، فإنّما المال ظلّ زائل ، وعارية مسترجعة ، وله في خديجة بنت خويلد رغبة ، ولها فيه مثل ذلك ، وما أحببتم من

٩٣٩

الصّداق فعليّ ، وله والله بعد نبأ شائع وخطب جليل».

بالله عليكم انصفوا ، لو وضعت هذه الخطبة أمام أيّ إنسان عالم غير منحاز إلى فئة ، ألا يصدّق بأنّ قائلها إنسان مؤمن عالم حكيم سحق الماديّات وتوجّه إلى المعنويّات. والجملة الأخيرة جديرة بالتفكّر والتدبّر ، أفتراه يعلم نبأه الشائع وخطبه الجليل ، ولا يؤمن به؟!

ولو كانت هذه الخطبة البليغة صادرة من أيّ إنسان آخر ، مثلا من أبي قحافة أو الخطّاب ، أما كنتم تستدلّون بها على إيمانه؟

ونقل العلاّمة القندوزي في ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر / عن موفق بن أحمد ـ الخوارزمي ـ بسنده عن محمد بن كعب قال [رأى أبو طالب النبي (ص) يتفل في فم عليّ أي يدخل لعاب فمه في فم عليّ فقال : ما هذا يا ابن أخي؟ فقال : إيمان وحكمة.

فقال أبو طالب لعليّ : يا بني! انصر ابن عمك ووازره.]

أما يدلّ هذا الخبر على إيمان أبي طالب؟ فإنّه لو لم يكن مؤمنا بالنبي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمنعه وزجره ، ولكنّه أمر عليا بنصرته ومؤازرته.

إسلام جعفر بأمر أبيه

وكذلك ذكر علماؤكم ومحدثوكم أنّ أبا طالب أمر ابنه جعفرا أن يقف بجانب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويؤمن به وينصره ، وذكر بعضهم أنّ أبا طالب دخل المسجد الحرام ومعه ابنه جعفر ، فرأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقفا يصلي وعليّ على يمينه يصلي معه ، فقال أبو طالب لجعفر [صل جناح ابن عمك! فتقدّم جعفر فوقف على يسار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي معه ويقلّده في الركوع والسجود ، فأنشد أبو طالب قائلا :

٩٤٠

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205