ليالي بيشاور

ليالي بيشاور3%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252504 / تحميل: 4423
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

إنّ عليا وجعفرا ثقتي

عند ملمّ الزمان والنّوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما

أخي لأمي من بينهم وأبي

والله لا أخذل النبيّ ولا

يخذله من بني ذو حسب(١) ]

فهل من المعقول أنّ رجلا يأمر ولده بمتابعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ويأمره بنصرته وعدم خذلانه ، ثم هو يخالف ذاك الرسول ولا يؤمن به؟

شواهد أخرى على إيمان أبي طالبعليه‌السلام

ذكر كبار علمائكم وجميع المؤرخين من دون استثناء ، أنّ قريشا حين قاطعوا بني هاشم وحاصروهم محاصرة اقتصادية واجتماعية ، التجأ بنو هاشم بأبي طالب ، فأخذهم الى شعب له يعرف بشعب أبي طالب ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٦٥ ، ط إحياء الكتب العربية [وكان سيّد المحصورين في الشعب ورئيسهم وشيخهم أبو طالب بن عبد المطلب ، وهو الكافل والمحامي ، وقال في صفحة ٦٤ : وكان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله (ص)

__________________

(١) ديوان أبي طالب ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٤ / ٧٦ ، ط دار احياء التراث العربي.

(٢) نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٥٢ ، ط إحياء الكتب العربية من كتاب السيرة والمغازي لمحمد بن إسحاق بن يسار ، وقال : إنّه كتاب معتمد عند أصحاب الحديث والمؤرّخين. قال : إنّ أبا طالب رأى عليا يصلي. قال له : أي بني ما هذا الذي تصنع؟ قال : يا أبتاه ، آمنت بالله ورسوله وصدّقته قال له : أما انّه لا يدعوك إلاّ إلى خير ، فالزمه.

«المترجم»

٩٤١

البيات إذا عرف مضجعه ، يقيمه ليلا من منامه ويضجع ابنه عليّا مكانه.

فقال له عليّ ليلة : يا ابت ، إنّي مقتول؟ فقال له :

اصبرن يا بنيّ فالصبر أحجى

كل حيّ مصيره لشعوب

قدّر الله والبلاء شديد

لفداء الحبيب وبن الحبيب

لفداء الأغرّ ذي الحسب الثا

قب والباع والكريم النجيب

إن تصبك المنون فالنبل تبري

فمصيب منها ، وغير مصيب

كلّ حيّ وإن تملّى بعمر

آخذ من مذاقها بنصيب

فأجاب عليعليه‌السلام ، فقال له :

أتأمرني بالصّبر في نصر أحمد

ووالله ما قلت الذي قلت جازعا

ولكنّني أحببت أن ترى نصرتي

وتعلم أنّي لم أزل لك طائعا

سأسعى لوجه الله في نصر أحمد

نبيّ الهدى المحمود طفلا ويافعا]

بالله عليكم فكّروا وانصفوا! هل يضحّي أحد بابنه إلاّ في سبيل العقيدة؟

هل من المعقول أنّ أبا طالب يقدّم ابنه عليا فداء لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو غير مؤمن به وبرسالته السماوية؟!

وذكر كثير من المؤرخين والمحدّثين منهم : سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواصّ فقال : وقال ابن سعد حدثني الواقدي قال : [قال عليعليه‌السلام «لمّا توفي أبو طالب. أخبرت رسول الله (ص) فبكى بكاء شديدا ، ثم قال : اذهب فغسّله وكفّنه وواره ، غفر الله له ورحمه».

فقال له العباس : يا رسول الله إنّك لترجو له؟ فقال «أي والله! إنّي لأرجو له». وجعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج

٩٤٢

من بيته وقال علي يرثيه :

أبا طالب عصمة المستجير

وغيث المحول ونور الظلم

لقد هدّ فقدك أهل الحفاظ

فصلّى عليك وليّ النعم

ولقّاك ربّك رضوانه

فقد كنت للطّهر من خير عم

فأسألكم : أما قال الله سبحانه في كتابه :( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ ) (١) ؟.

فإذا مات أبو طالب مشركا كما تزعمون ، فكيف جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر له أياما لا يخرج من بيته؟!

والمشهور أنّ طلب الرحمة والمغفرة للمشرك حرام.

ثم كلّنا نعلم أنّ تجهيز الميّت أي تغسيله وتكفينه من سنن الإسلام ، فإذا لم يكن أبو طالب مسلما ، فكيف يأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا بتغسيله وتكفينه ومواراته؟

وهل من المعقول أنّ علياعليه‌السلام وهو سيد الموحدين وإمام المتقين وأمير المؤمنين ، يرثي مشركا بذاك الرثاء الذي هو جدير أن يرثى به الأنبياء والأوصياء ، ولا سيما وصفه : «بنور الظلم» ، وأنه «صلى عليه وليّ النعم وهو الله سبحانه وتعالى ، «ولقّاك ربّك رضوانه ..» وهل الله عزّ وجلّ يلقى رضوانه المشركين؟!

فهذه كلها دلائل ناصعة ، وبراهين ساطعة في إيمان أبي طالب.

الشيخ عبد السلام : إذا كان أبو طالب مؤمنا ، فلما ذا لم يعلن إيمانه مثل حمزة والعباس؟

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٤٨.

٩٤٣

قلت : إنّ إعلان حمزة إيمانه وإظهار إسلامه ، وكتمان أبي طالب إيمانه وإسلامه كان عن حكمة وتدبير ، فقد كان حمزة رجل الضّرب والحرب ، جسورا في اقتحام المعارك ، فلما أظهر إيمانه وأعلن اسلامه ، قويت شوكة المسلمين وكانوا مستضعفين ، فإسلام حمزة بعث فيهم الروح وقوّى معنوياتهم وشدّ عزائمهم. لكن أبا طالب كان رجل الحكمة والتدبير ، وكان هو آنذاك يتزعّم بني هاشم ، فكانوا تحت لوائه ، وحتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان تحت كفالته وحمايته ، وكانت قريش تراعي مقامه وشخصيّته لأنّهم يحسبونه منهم ، وعلى طريقتهم ودينهم ، فكانوا يتنازلون له ويواجهونه باللّين ، حتى أنّهم كانوا يطمعون فيه أن يسلّمهم محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقضوا عليه ويقتلوه(١) .

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٨١ و ٨٢ ، ط دار إحياء الكتب العربية : قالوا [وإنما لم يظهر أبو طالب الإسلام ويجاهر به ، لأنّه لو أظهره لم يتهيّأ له من نصر النبي (ص) ما تهيّا له ، وكان كواحد من المسلمين الذين اتّبعوه ، نحو أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما ممّن أسلم ، ولم يتمكن من نصرته والقيام دونه حينئذ ، وإنّما تمكّن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش وان أبطن الإسلام ، كما لو أنّ إنسانا كان يبطن التشيّع مثلا ، وهو في بلد من بلاد الكرّامية ـ أعداء للشيعة ـ وله في ذلك البلد وجاهة وقدم ، وهو يظهر مذهب الكرامية ، ويحفظ ناموسه بينهم بذلك وكان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة لا يزالون ينالون بالأذى والضرر من أهل ذلك البلد ورؤسائه ، فإنّه ما دام قادرا على إظهار مذهب أهل البلد ، يكون أشدّ تمكّنا من المدافعة والمحاماة عن أولئك النفر ، فلو أظهر ما يجوز من التشيّع ، وكاشف أهل البلد بذلك. صار حكمه حكم واحد من أولئك النفر ، ولحقه من الأذى والضرر ما يلحقهم ، ولم يتمكّن من الدفاع أحيانا عنهم كما كان أوّلا.] «المترجم»

٩٤٤

ولكن يا ترى هل تنازل أبو طالب أمام قريش في شيء مما طلبوا منه في ابن أخيه ، من طرده وترك نصرته و...؟!

وأما العباس بن عبد المطلب ، فإنّه سبق إلى الاسلام وآمن بابن أخيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن بأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتم إيمانه أيضا ، فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أنّ العباس أراد أن يهاجر مع رسول الله (ص) إلى المدينة ، ولكن النبي (ص) أمره بالبقاء فيها وقال «بقاؤك في مكّة خير لي». فكان العباس يكتب إلى النبي (ص) أخبار مكة ويرسلها إليه ، حتى أخرجه المشركون كرها إلى بدر فكان من الأسرى ففدّى نفسه وأطلق ، ولما اقتضت الأمور وارتفعت الموانع ، أعلن إسلامه وأظهر إيمانه يوم فتح خيبر.

وقال الشيخ القندوزي في ينابيع المودّة / الباب السادس والخمسون / تحت عنوان ذكر إسلام العباسرضي‌الله‌عنه ـ وفي الباب عناوين كثيرة ـ : قال أهل العلم بالتاريخ : إنّ العباس أسلم قديما وكتم إسلامه ، وخرج مع المشركين يوم بدر فقال النبي (ص) «من لقي العباس فلا يقتله فإنه خرج مكرها». وهو يكتب أخبار المشركين من أهل مكة إلى النبي (ص) وكان المسلمون يؤمنون به وكان يحب الهجرة إلى المدينة ، لكن النبي (ص) كتب إليه «إنّ مقامك بمكة خير لك». ولمّا بشّر أبو رافع ـ رقّ النبي (ص) ـ بإسلام العباس ، أعتقه النبي (ص).

فيا ترى لو كان العباس يموت قبل إعلانه وإظهار إيمانه ، ما كان يتّهم بالشرك؟

فأبو طالب كذلك آمن بالنبي الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن الحكمة وحسن التدبير اقتضت أن لا يظهر ايمانه ، ليتمكّن من حماية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٩٤٥

ونصرته.

ولذلك ذكر المؤرّخون كلهم ، منهم ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ١٤ / ٧٠ قال [وفي الحديث المشهور : إنّ جبرائيلعليه‌السلام قال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة مات أبو طالب : «أخرج منها فقد مات ناصرك»(١) .]

الشيخ عبد السلام : هل اشتهر اسلام أبي طالب على عهد النبي (ص) وهل عرفه المسلمون؟

قلت : نعم اشتهر إيمان أبي طالب وإسلامه ، وكل المؤمنين والمسلمين كانوا يذكرون أبا طالب بالخير ويعظّمونه ويحترمونه.

الشيخ عبد السلام : كيف يمكن أن يكون أمره شائعا مشهورا في عهد رسول الله وبعد النبي (ص) بثلاثين سنة تقريبا ، يكذبون على رسول الله (ص) ويضعون ويجعلون حديثا عنه ، بخلاف ذلك الأمر الشائع ، بحيث يخفونه على المسلمين ويغيّرون الواقع والحقيقة!

قلت : ليس هذه أول قارورة كسرت في الإسلام ، فإنّ هناك حقائق كثيرة أنكروها وحتى أحكام كانت على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شائعة. يعمل بها المسلمون ويصدّقها المؤمنون ، غيّرها المبتدعون وبدّلها المبطلون ، حتى نسيها الجيل الذي أتى بعد ذلك العهد.

__________________

(١) ذكر سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص : ١٩ ، ط بيروت / قال [قال ابن سعد : حدثنا الواقدي قال : دعا أبو طالب قريشا عند موته ، فقال : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد ابن أخي وما اتبعتم أمره ، فاتّبعوه واعينوه فأرشدكم.]

أيها القارئ الكريم فكّر هل تخرج هذه الوصية إلاّ من مؤمن برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كامل للايمان! «المترجم»

٩٤٦

الشيخ عبد السلام : إذا كان كذلك فاذكر لنا نموذجا ، حتى نعرف!

قلت : الشواهد لقولي كثيرة ، ولكنّ الوقت لا يسمح أن اذكرها ، وإنّما أذكر نموذجا واحدا وهو حكم اتّفق عليه الجمهور ، ومستند إلى كتاب الله وسنّة رسوله وقد عمل به المسلمون والصحابة وكان شائعا بينهم ، إلاّ أن الخليفة الثاني حرّمه ومنع المسلمين من العمل به ، وهو الزواج المنقطع ، والنكاح الموقّت.

فقد ذكر المحدّثون والفقهاء وأصحاب التاريخ والسّير : أنّ الزواج الموقّت كان جاريا من عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعمل به المسلمون في عهد أبي بكر أيضا ، وكذلك معمول به في شطر من خلافة عمر ، ولكنّه رأى بعد ذلك تحريمه ، ومنع المسلمين من العمل به ، فصعد المنبر وأعلن فقال [متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما.]

فجاء حكم عمر ناسخا لحكم الله ورسوله إلى يومنا هذا ، بحيث نرى حتى بعض أهل العلم من العامّة يتهجّمون على الشيعة في كتبهم ويفترون عليهم بأنّهم أهل البدع والضلال ويستشهدون لصدق كلامهم ، بأنّ الشيعة يلتزمون بالزواج الموقّت ويجيزونه ويبيحونه.

فالافتراء على أبي طالبعليه‌السلام ، واتهامه بالكفر ، وقذفه بالشرك ، وتغيير واقعه في التاريخ ، وتبديل حقيقته بين كثير من الناس ، مثلكم أنتم وأمثالكم ، لم يكن بأعجب ولا أصعب ، من تغيير حكم الله وتبديل سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأمر الذي عمل به أكثر الصحابة وذكر الله في كتابه بالصراحة ، وإذا به ينقلب حراما بحكم عمر بن الخطاب ، ويعيّن لفعله عقابا وعذابا صارما.

والناس يقبلون منه التغيير ويمتنعون بحكمه من حكم الله

٩٤٧

سبحانه ، وحتى أنتم اليوم ملتزمون بحكم الخليفة وجعل حلال الله تعالى حراما.

الشيخ عبد السلام : أتريد أن تقول أنّ ألوف الملايين من المسلمين الذين جاءوا بعد عمر الفاروق كلهم عملوا على خلاف حكم الله سبحانه ورجّحوا كلام الخليفة على كلام الله وسنّة رسوله (ص)؟

والحال كل أهل العالم يعلمون بأننا نتمسّك بسنّة رسول الله (ص) ونعمل بها حتى أطلقوا علينا كلمة «أهل السنّة» وأطلقوا عليكم كلمة «الرافضة» لأنّكم رفضتم سنّة النبي (ص)(١) .

نحن أهل السنّة وأنتم الرافضة

قلت : ربّ مشهور لا أصل له ، أنتم تسمّون أهل مذهبكم ـ أهل السنّة ـ وتسمّون شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الرافضة ـ وليس الأمر كما تدّعي بأنّ أهل العالم أطلقوا كلمة ـ أهل السنّة ـ عليكم وكلمة ـ الرافضة ـ على الشيعة. فإنّ الأصل على عكس التسميتين ، فإنكم إذا فتحتم أعينكم وأبصرتم الحقائق بقلوبكم وعقولكم لعرفتم أنّ الشيعة هم في الحقيقة أتباع القرآن الكريم وسنّة سيد المرسلين ، وغيرهم هم الذين رفضوا العمل بالقرآن والتمسّك بالسنة الشريفة.

الشيخ عبد السلام قال ـ مستهزئا ـ : أحسنت. إذ سمّيت ألوف

__________________

(١) لا يخفى على المحقّق الخبير ، والمتتبّع البصير أنّ معاوية هو الذي أطلق اسم ـ أهل السنّة والجماعة ـ على العامّة ، وأطلق كلمة ـ الرافضة ـ على شيعة الإمام عليّعليه‌السلام وأتباعه ، فهو الآخر ، قد قلب الحقائق ، وبدّل واقع الأمور.

«المترجم»

٩٤٨

الملايين من المسلمين المتمسكين بكتاب الله وسنّة رسوله (ص) روافض ليت شعري ما هو دليلك على هذا الادّعاء؟!

قلت : أراك تأثّرت من كلامي وقولي : بأننا نحن أهل السنة وأنتم الرافضة ، وأنتم منذ مئات السنين تدّعون هذا الأمر وتسمّون ألوف الملايين من شيعة آل محمد وأهل بيته الطاهرين طول التاريخ بالرافضة ، بل ترمونهم بالكفر والضلال ، بغير دليل ولا برهان ، بل ادّعاء محض وافتراء واضح البطلان.

ولكنّي كما أثبتّ في طول مناقشاتي في الليالي الماضية أنّي لا أتكلم بغير دليل ولا أستند في حديثي بالأقاويل والأباطيل ، فكذلك هذه الليلة

وأما دليلي على أنّنا نحن أتباع القرآن الحكيم وسنّة سيد المرسلين فهو حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أثبتناه في الليالي الماضية وذكرنا مصادره من كتبكم المعتبرة ، وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا».

وأنتم أعرضتم عن أهل البيت وتمسكتم بغيرهم بل تمسكتم أحيانا بأعدائهم ومخالفيهم ، وتركتم حكم الله الذي عمل به أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته ، وتمسكتم بحكم عمر الذي غيّر حكم الله وحرّم حلاله ، وكذلك أبو بكر خالف حكم الله سبحانه في عدم إعطاء خمس الغنائم لأهل البيتعليهم‌السلام في صريح قوله تعالى :( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) (١) وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته يعمل بهذه الآية الشريفة ، وقد أثبتنا ذلك في الليالي الماضية ونقلنا لكم أقوال أعلامكم بأنّ أبا بكر غيّر حكم الخمس وتبعه

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ٤١.

٩٤٩

عمر ، وأما عثمان فقد خصّه لقرباه عوض قربى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعطى الخمس لمروان وأبيه وأخيه وغيرهم من بني أمية الذين طردهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعنهم. وأنتم أيضا إلى اليوم تتبعون سنّة أبي بكر وهي على خلاف سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسنّته الشريفة.

هل اكتفيتم أم أزيدكم؟!

الشيخ عبد السلام : ما هو دليلكم من كتاب الله عزّ وجلّ على تشريع الزواج المؤقّت ، هل عندكم دليل صريح من القرآن الحكيم؟

دليلنا في تشريع الزواج المؤقّت

قلت : نعم دليلنا من القرآن الكريم في تشريع الزواج المؤقّت الآية الكريمة التي تصرّح وتقول :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) .

هذا هو صريح حكم الله جلّ وعلا وما نسخ بآية أخرى ، فيكون الحكم باقيا إلى آخر الدنيا ، فإنّ حلال محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

الشيخ عبد السلام : كيف عرفتم أنّ هذه الآية تشير إلى الزواج المؤقّت!

فإن الاستمتاع يحصل في الزواج الدائم وإيتاء الأجور وهو المهر واجب فيه وفرض أيضا.

قلت : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار. فلا بدّ في مثل هذه القضايا المشتبهة أن نراجع كتب التفسير ، وأنّ

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢٤.

٩٥٠

مفسّريكم مثل الطبري في تفسيره : ج ٥ والفخر الرازي في تفسيره : ج ٣ وغيرهما ذكروا في تفسير الآية الزواج المؤقّت وقالوا [بأنّ الآية نزلت في تشريع الزواج المؤقّت.]

إضافة إلى بيان مفسريكم في تفسير الآية الكريمة ، فإنكم تعلمون أنّ الله عزّ وجلّ في سورة النساء قد بيّن أنواع النكاح المشروع في الإسلام. فقال في النكاح الدائم :( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا* وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (١) .

وقال سبحانه في الآية ٢٤ :( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) في هذه الآية صرّح بتشريع الاستمتاع من النساء ، مقابل أجر فرض بينهما ، والاستمتاع هو زواج المتعة أو المؤقّت.

وشرّع نوعا ثالثا في النكاح وهو ملك اليمين ، فقال عزّ وجلّ :( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ ، فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ) (٢) .

فإذا كانت آية الاستمتاع أيضا تتضمّن الزواج والنكاح الدائم فيكون ذكر هذا الموضوع في سورة واحدة مكررا ، وهذا إلى اللغو أقرب ، وحاشا كلام الله العزيز من اللغو ، والله جلّ جلاله حكيم واللغو لا يصدر من الحكيم.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢ و ٣.

(٢) سورة النساء ، الآية ٢٥.

٩٥١

ثم إننا نجد الكلمات والتعابير في الآيتين مختلفة ، ففي الآية الأولى يقول سبحانه :( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ ) . وفي الآية الثانية يقول تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) . فبدّل النكاح بالاستمتاع والصداق بالأجور. كما أنّ المؤرخين قد ذكروا أنّ المسلمين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يتزوجون بزواج المتعة وهو الزواج المؤقت. فإذا كانت آية المتعة ـ على حدّ زعمكم ـ تشير إلى الزواج الدائم لا المؤقّت ، فما هي الآية التي عرف المسلمون منها وفهموا بها الزواج المؤقّت؟

وعلى استناد أيّة آية من كلام الله العزيز شرّع لهم الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زواج المتعة؟

روايات المتعة عن طريق أهل السنّة

أما الروايات الواردة ، والأخبار المرويّة في المتعة والزواج المؤقّت في كتبكم المعتبرة ، من علمائكم وأعلام أئمتكم ، فكثيرة لا يمكن رفضها ونقضها ، لأنّ بعضها جاءت في الصحاح ، فقد روى البخاري في صحيحه كتاب التفسير باب فمن تمتع بالعمرة الى الحج وأحمد في المسند ج ٤ / ٤٢٩ عن أبي رجاء عن عمران بن حصين أنّه قال [نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها على عهد رسول الله (ص) ، ولم ينزل قرآن بحرمتها ولم ينه عنها رسول الله (ص) حتى إذا مات ، قال رجل برأيه ما يشاء.]

وروى مسلم في صحيحه : ج ١ / ٥٣٥ ، باب نكاح المتعة / عن عطاء قال [قدم جابر بن عبد الله معتمرا ، فجئناه في منزله ، فسأله القوم

٩٥٢

عن أشياء ثم ذكروا المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وعلى عهد أبي بكر وعمر(١) .]

وروى مسلم في نفس الجزء ٤٦٧ ، في نفس الباب وفي كتاب الحج / باب التقصير في العمرة / مسندا عن أبي نضرة قال [كنت عند جابر بن عبد الله إذ أتاه آت فقال : انّ ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله (ص) ثم نهانا عنهما عمر.] ورواه أحمد في المسند : ج ١ / ٢٥ بطريق آخر باختلاف يسير في اللفظ(٢) .

وروى مسلم في صحيحه نفس الجزء / باب نكاح المتعة / بسنده عن أبي الزبير قال [سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر ، حتى نهى عمر عنه في شأن عمرو بن حريث(٣) .]

وفي صحاحكم ومسانيدكم توجد أخبار وروايات كثيرة جدا في هذا الباب لا مجال لذكرها ، وكلها تكشف عن عمل الصحابة بالمتعة على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وأوائل عهد عمر ، ثم نهاهم عمر

__________________

(١) ورواه أيضا أبو داود في صحيحه : ج ١٣ ، باب الصداق ، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده : ج ٣ / ٣٨٠ ، ونقله المتقي في كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٤.

(٢) ورواه أحمد أيضا في المسند : ج ٣ / ٣٢٥ و ٣٥٦ و ٣٦٣ باختصار ، ورواه أيضا البيهقي في سننه ج ٧ / ٢٠٦ ، ورواه الطحاوي باختصار في شرح معاني الآثار في كتاب مناسك الحج / ٤٠١ ، ورواه المتقي في كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٤ وقال :أخرجه ابن جرير.

(٣) ورواه البيهقي في سننه ج ٧ / باب ما يجوز أن يكون مهرا ، وذكره العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ١٠ / ٣٧١ ، ونقله المتقي في كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٤.

«المترجم»

٩٥٣

عنها وتوعّد من يستمتع بالرجم(١) .

__________________

(١) تأكيدا لكلام المؤلّف أنقل للقارىء الكريم بعض الروايات التي عثرت عليها في كتب علماء العامّة فقد روى أحمد في المسند : ج ٢ / ٩٥ ، بسنده عن سالم قال [كان عبد الله بن عمر يفتي بالذي أنزل الله عزّ وجلّ من الرخصة بالتمتع ، وسنّ رسول الله (ص) فيه ، فيقول ناس لابن عمر : كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك! فيقول له عبد الله : ويلكم ألا تتقون الله! (إلى أن قال) فلم تحرّمون ذلك وقد أحلّه الله وعمل به رسول الله (ص)! أفرسول الله (ص) أحقّ أن تتبّعوا سنّته أم سنّة عمر!!]

أقول : وهذه الرواية صريحة بأنّ القوم رفضوا سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتمسّكوا بسنّة عمر ، فهم الرافضة ، والشيعة هم أهل السنة.

ورعاية للاختصار أذكر لكم المصادر في الموضوع من غير نقل الروايات واذا احببتم فراجعوا :

صحيح البخاري / كتاب التفسير / باب فمن تمتّع بالعمرة الى الحج وكتاب النكاح وكتاب التوحيد / باب قول الله :( هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ ) .

صحيح مسلم / كتاب الحج / باب جواز التمتع وباب التقصير في العمرة ، وفي كتاب النكاح / باب نكاح المتعة.

صحيح ابن ماجة صفحة ٢٢٠ باب التمتع بالعمرة الى الحج.

صحيح الترمذي : ج ١ / باب ما جاء في التمتع.

صحيح النسائي : ج ٢ في القرآن.

مسند أحمد بن حنبل : ج ٣ / ٣٢٥ و ٣٥٦ و ٣٦٣ و ٣٨٠ وفي ج ٤ / ٤٢٩ و ٤٣٤ و ٤٣٦ و ٤٣٨ و ٤٣٩ وفي ج ١ / ٥٢.

مسند أبي داود الطيالسي : ج ٨ / ٢٤٠ ، وفي ج ٧ / ٢١٧ ، روى بسنده عن مسلم القرشي قال [دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء. فقالت : فعلناها على عهد النبي (ص).] وفي ج ٨ / ٢٤٧.

٩٥٤

__________________

سنن البيهقي : ج ٥ / ٢١ وج ٧ / باب نكاح المتعة / روى فيه بسنده بطريقين عن عمر قال [متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، احداهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة ، والأخرى متعة الحج ، افصلوا حجّكم عن عمرتكم فإنّه أتمّ لحجّكم وأتمّ لعمرتكم.] ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار / كتاب مناسك الحج : ص ٤٠١ ، وذكره المتقي في الكنز : ج ٨ / ٢٩٤ بطريقين وقال : أخرجهما ابن جرير ، ورواه جمع آخر من الأعلام.

سنن البيهقي : ج ٥ / ١٦ وروى في صفحة ٢١ عن ابن عمر بطريقين أنّه كان يفتي بالمتعة فقيل له [أتخالف أباك وقد نهى عنها؟ قال لهم ابن عمر : ويلكم ألا تتقون الله فلم يحرّمون ذلك وقد أحلّه الله وعمل به رسول الله (ص) ، أفرسول الله (ص) أحقّ أن تتبّعوا سنّته أم سنّة عمر!] وفي الرواية الثانية قال [أفكتاب الله عزّ وجلّ أحقّ أن يتبع أم عمر!]

سنن الدارمي : ج ٢ / ٣٥ روى بسنده عن محمد بن عبد الله بن نوفل قال [سمعت عام حجّ معاوية يسأل سعد بن مالك كيف تقول بالتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : حسنة جميلة. فقال : قد كان عمر ينهى عنها ، فأنت خير من عمر! قال : عمر خير مني وقد فعل ذلك النبي (ص) وهو خير من عمر.]

ومن المصادر في الموضوع : شرح معاني الآثار للطحاوي في كتاب مناسك الحج ص ٣٧٣ و ٣٧٤ و ٤٠١ وفي كتاب النكاح / باب نكاح المتعة روى بسنده عن سعيد ابن جبير مضمون الرواية الآتية في مسند أحمد.

وفي مسند أحمد : ج ٤ / ٣ روى بسنده عن أبي إسحاق بن يسار قال : إنّا لبمكّة إذ خرج علينا عبد الله بن الزبير فنهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج وأنكر أن يكون الناس صنعوا ذلك مع رسول الله (ص). فبلغ ذلك عبد الله بن عباس فقال [وما علم ابن

٩٥٥

__________________

الزبير بهذا ، فليرجع إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فليسألها فإن لم يكن الزبير رجع إليها حلالا وحلّت. فبلغ ذلك أسماء ، فقالت : يغفر الله لابن عباس والله لقد أفحش ، قد والله صدق ابن عباس لقد حلّوا وأحللنا وأصابوا النساء.]

كتاب الموطّأ لمالك بن أنس إمام المذهب المالكي / في قسم الحج / باب ما جاء في التمتع.

ومسند محمد بن إدريس الشافعي إمام المذهب الشافعي : ص ٩٤ و ٢١٦.

كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٣ روى عن ابن عمر قال [قال عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج.] وفي صفحة ٢٩٤ عن أبي قلابة وقال فيه [أنا أنهى عنهما وأضرب فيهما.] (قال) أخرجه ابن جرير وابن عساكر.

الإصابة لابن حجر العسقلاني : ج ٣ / القسم ١ / ١١٤ و ١٣٣ وفي ج ٨ / القسم ١ / ١١٣.

حلية الأولياء لأبي نعيم الحافظ : ج ٥ / ٢٠٥.

التفسير الكبير للفخر الرازي / في تفسير قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ ) الخ قال : وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال «لو لا أنّ عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلاّ شقيّ».

الطحاوي في شرح معاني الآثار ، في كتاب النكاح / باب نكاح المتعة ، روى بسنده عن عطاء عن ابن عباس قال [ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها هذه الامة ولو لا نهي عمر بن الخطاب عنها ما زنى الا شقي.]

ورواه السيوطي أيضا في تفسير الدرّ المنثور في تفسير الآية الكريمة ، عن عطاء عن ابن عباس.

أقول [هذه الروايات بعض ما عثرت عليه في مصادر العامّة المعتبرة لديهم ولا يمكن ردّها لأنّ أكثرها جاءت في الصحاح ، وهي صريحة بأنّ عمر نهى عن متعة الحج ومتعة النساء ، وهو يعلم علم اليقين بأنّ الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرّعاها ، فغيّر وبدّل دين

٩٥٦

إضافة على ما نقلت لكم ، فإنّ مفسريكم قد نقلوا روايات حاصلها أنّ جماعة من الصحابة منهم أبيّ بن كعب وابن عباس وعبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير والسدّي وغيرهم ، كانوا يقرءون الآية هكذا : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى.

رواها جار الله الزمخشري في الكشّاف عن ابن عباس ، ومحمد ابن جرير الطبري في تفسيره والفخر الرازي في تفسير مفاتيح الغيب ، والثعلبي في تفسيره ، ونقل العلاّمة النووي في شرح صحيح مسلم في باب نكاح المتعة عن القاضي عياض عن المازري أنه روى عن عبد الله بن مسعود : فما أسمعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى.

ويروي الفخر الرازي عن أبيّ بن كعب وعن ابن عباس مثله ثم قال : والأمّة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة فكان ذلك إجماعا على صحّة ما ذكرنا.

ويقول بعده بورقة : فإنّ تلك القراءة لا تدلّ إلاّ على أنّ المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه.

__________________

الله وحكمه ، وقد قال تعالى :( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) المائدة : ٤٤.

وجاء في الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه : ج ٩ / ٢٢٩ وج ٦ / ٣٤٤ وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ٤ / ٢٣٧ كلاهما عن ابن عمر عن النبي (ص) قال «من قال في ديننا برأيه فاقتلوه». وتوجد روايات أخرى بهذا المعنى في أكثر الصحاح والمسانيد فتدبّر وخذ النتيجة.] «المترجم»

٩٥٧

الشيخ عبد السلام : نعم نتّفق معكم بأنّ المتعة كانت في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربّما نسخها ، فما دليلكم على عدم نسخها؟

قلت : أوّلا كلامكم في النسخ ادّعاء محض ، ولا بدّ للمدّعي من إقامة الدليل لإثبات ادّعائه ، فنحن نطالبكم بالدليل.

ولكن مماشاة لكم وتلبية لطلبكم أقول : دليلنا على عدم نسخها في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الروايات التي ذكرناها ولا سيما قول عمر : (متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما.) في بعضها [وأنا أنهى عنهما.]

كما أن عمل الأصحاب وسيرتهم في خلافة أبي بكر على ذلك أيضا(١) .

الشيخ عبد السلام : ولكن نستفيد من القرآن نسخ المتعة إذ يقول سبحانه :( إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (٢) .

فقد ذكر سبحانه في هذه الآية الكريمة سببين للحلّيّة وهما الزوجيّة وملك اليمين ، ونسخ المتعة لأنّها ليست تزويجا ، فلا إرث بينهما ولا نفقة ولا طلاق ولا عدّة ، وهذه كلها من لوازم الزوجيّة.

__________________

(١) قال ابن حجر العسقلاني في «الإصابة» ج ٣ / القسم ١ / ١١٤ : وقال ابن حزم في «المحلّى» : ثبت على تحليل المتعة بعد النبي (ص) من الصحابة ، ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة ومغيرة ابنا أميّة بن خلف. (قال ابن حجر) وذكر آخرين. (انتهى).

أقول : الصحيح أنهم ثبتوا على تحليل المتعة بعد عمر لأنه هو الذي حرّمها.

وهؤلاء خالفوا عمر وثبتوا على حكم الله ورسوله (ص).

«المترجم»

(٢) سورة المؤمنون ، الآية ٦.

٩٥٨

حكم المتعة غير منسوخ في القرآن

قلت : لا تدلّ هذه الآية على نسخ حكم المتعة ، بل هي في حدّ الزوجيّة ثم هذه الآية في سورة : [المؤمنون] وهي مكّيّة وتشريع المتعة في سورة النساء ، وهي مدنيّة ، فكيف الناسخ نزل قبل المنسوخ؟!

وأما قولك : بأنّ المتعة ليس فيها لوازم الزوجيّة من الإرث والنفقة والطلاق والعدّة.

فأقول : كلامك يدلّ على عدم اطلاعك لفقهنا وعدم مطالعتك لكتب علمائنا ، فإنّهم أثبتوا أنّ جميع آثار الزوجيّة تترتّب على المتعة ، إلاّ ما خرج بالدليل ، ولا يخفى أنّ الله سبحانه أسقط بعض شروط الزوجيّة ولوازمها ، لغرض التسهيل والتخفيف في هذا النوع من النكاح والتزويج.

ثم اعلم إنّ الإرث والنفقة ليسا من اللوازم الثابتة للزوجيّة فقد أفتى فقهاء الإسلام من الشيعة والسنّة : أنّ الزوجة الكتابيّة والناشزة والتي قتلت زوجها ، لا ترث منه ولا تستحق النفقة. مع العلم أنّ الزوجيّة باقية ، اذ لا يجوز لها أن تتزوّج برجل آخر ، وتجب عليها عدّة الوفاة ـ أربعة أشهر وعشرة أيّام ـ إذا توفّى الزوج.

وأما الطلاق في المتعة ، فإنّ حكم الطلاق بانقضاء الأجل المسمّى والمدّة المعيّنة ، أو بأن يهب الرجل ما تبقّى من المدّة ويتنازل عن حقه ، ويجب عليها العدّة وأقلّها خمسة وأربعين يوما ، والمشهور أن ترى المرأة طهرين ، أمّا إذا مات الرجل قبل انقضاء الأجل المسمّى وقبل أن يهبها ما تبقى من المدّة ، فيجب على المرأة أن تعتدّ عدة الوفاة ـ أربعة أشهر وعشرة أيّام ـ وهي عدّة المتوفّى عنها زوجها.

٩٥٩

الشيخ عبد السلام : لقد روى بعض علمائنا روايات تصرّح بأنّ النبي (ص) نسخ حكم المتعة ، فبعضها تشير بأنّ النبي (ص) نسخها عند ما فتح خيبر ، وبعضها تقول نسخها يوم فتح مكة ، وبعضها تقول في حجّة الوداع وبعضها في تبوك وبعضها في عمرة القضاء.

قلت : أوّلا : ـ هذا الاختلاف الفاحش دليل قويّ على وضع تلك الأخبار وكذبها. ومن الواضح أنّ غرض الواضعين والجاعلين تبرئة عمر وتنزيهه.

ثانيا : ـ لو قايسنا هذه الأخبار مع الروايات التي نقلناها من صحاحكم ومسانيدكم ومصادر أعلامكم ، وجدناها واهية ضعيفة بحيث لا تعدّ شيئا.

ثالثا : ـ كلام عمر كما نقلناه من كتبكم المعتبرة [متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أحرّمهما ، وما قال : كانتا ونسختا ، بل قال : أنا أحرّمهما.] فلو كانت آية ناسخة لاستند بها ولو كان حديث ناسخ من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاستدل به. ولكنّه أسند التحريم الى نفسه.

ونحن نجد في مصادركم وصحاحكم روايات صريحة بعدم نسخ المتعة وقد نقلنا بعضها لكم ، فإنّ في القائلين بعدم النسخ نجد بعض الصحابة الكبار مثل عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي ذر وعمران بن حصين وغيرهم. وتبعهم كبار علمائكم وقالوا بعدم نسخ حكم المتعة ، منهم جار الله الزمخشري في الكشّاف فإنّه بعد ما ينقل رواية ابن عبّاس يقول [آية المتعة من محكمات القرآن وما نسخت.]

ومنهم مالك بن أنس فإنّه أفتى بجواز المتعة وعدم نسخها ، كما

٩٦٠

نقل عنه سعد الدين التفتازاني في كتابه شرح المقاصد ، والعلاّمة برهان الدين الحنفي في كتابه الهداية ، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري وغيرهم نقلوا أنه قال في موضع من كتابه [هو جائز لأنّه كان مباحا مشروعا واشتهر عن ابن عباس حلّيّتها وتبعه على ذلك أكثر أهل اليمن وأهل مكة من أصحابه. وقال في موضع آخر :

هو جائز لأنّه كان مباحا فيبقى إلى أن يظهر ناسخه.]

فنعرف من كلام مالك بأنّه إلى زمانه ـ عام ١٧٩ من الهجرة ـ ما كانت روايات النسخ ، وإنّما وضعها الكاذبون الجاعلون بعد هذا الزمن وهي من وضع وجعل المتأخّرين.

والذين قالوا بتحريم المتعة استندوا على كلام عمر وما استدلّوا بغير قوله [وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما.] وهو دليل باطل ، لأنّه ليس من حق عمر ، التشريع فإنّ الشارع هو الله العزيز الحكيم ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبيّن لأمّته ما أوحي إليه من ربّه ، من أحكام الدين والشريعة.

الشيخ عبد السلام : نعم ليس من حق عمر (رض) ولا من حق غيره ، التشريع ولكن قول عمر الفاروق سند قويّ ودليل محكم لنا في كشف الحق ، فإنّه لا يحكم بشيء إلاّ على استناد ما سمعه من النبي (ص) ، والعتب على المسلمين الحاضرين في مجلس الخليفة (رض) إذ لم يسألوه عن دليل التحريم ، وإنّما قبلوا منه بغير اعتراض ، لما يعرفون فيه من الصدق والصلاح ، فلذلك صار قوله لنا دليلا محكما وسندا مقبولا.

قلت : هذه كلها مغالطات وتوجيهات ، وقد قيل حبّ الشيء يعمي ويصم ، وأنتم من فرط حبكم لعمر ، تسعون في توجيه أعماله

٩٦١

المخالفة لصميم الإسلام ونصّ القرآن ، وتفسّرون كلامه على خلاف ظاهره ، لأنّه يصرّح [أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما.]

وأنتم تقولون : بأنّه لا يحكم بشيء إلاّ على استناد ما سمعه من النبي ؛ وتلقون العتب على المسلمين الحاضرين في مجلسه إذ لم يسألوه عن دليل التحريم ، والرجل ليس له دليل إلاّ أنّ رأيه قد قطع بذلك.

وأما قولك : بأن الحاضرين قبلوا منه بغير اعتراض ؛ فهو مخالف لما رواه أعلامكم ، بأنّ ابنه عبد الله كان يفتي على خلاف رأي أبيه وكذلك جمع من الصحابة والتابعين كما ذكرنا لكم.

وأما قولك : بأنّ قول عمر دليل محكم وسند مقبول لديكم.

ليت شعري بأيّ نصّ شرعي من الكتاب أو السنّة أصبح قول عمر دليلا محكما وسندا مقبولا؟!

هذا الذي ليس فيه نصّ من الكتاب أو السنّة ، تجعلوه لأنفسكم حجّة وتلتزمون به وتتمسكون به أشدّ التزام وتمسّك ، وتعرضون عن الخبر الذي وصل حد التواتر وهو حديث الثقلين ، فلا تعملون بقول العترة ولا تتمسكون بهم ، علما أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال : «ما إن تمسّكتم بهما ـ أي بالقرآن والعترة ـ لن تضلوا بعدي أبدا» فقد جعلهماصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمانا من التيه والضلال.

هل يجوز للمجتهد أن يخالف النصّ؟

الشيخ عبد السلام : إنكم تعلمون أنّ جماعة من علمائنا المحققين قالوا : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يضع الأحكام باجتهاد رأيه ، فلذلك يجوز لمجتهد آخر أن ينقض حكمه إذا توصّل رأيه إلى خلاف قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٩٦٢

ولذلك نقضه عمر وقال [أنا أحرّمهما.]

قلت : ما كنت أتوقع منك هذا الكلام يا شيخ عبد السلام! فإنّك لتصحيح غلطة ارتكبت غلطات ، بالله عليكم هل يصح الاجتهاد مقابل النصّ؟ وهل يجوز لإنسان أن يخالف القرآن ويخالف حكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزعم الاجتهاد؟! أما يكون كلام الشيخ غلوا في حق عمر وإجحافا في حق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ إذ يساوي رأي عمر برأي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل يرجّحه على رأي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! وكلام الشيخ خلاف صريح لصريح القرآن الحكيم لقوله تعالى :( قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَ ) (١) .

فإذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز له أن يبدّل حكما من الأحكام ، فكيف تجيزون لعمر؟! وعلى فرض اجتهاده فلا يجوز لمجتهد أن يخالف النصّ المسلّم(٢) .

والقائلون بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يضع الأحكام باجتهاده وبرأيه ، كلامهم باطل وليس على أساس عقلي وعلمي بل هو مخالف لصريح

__________________

(١) سورة يونس ، الآية ١٥.

(٢) الاجتهاد عبارة عن الحصول على قدرة علميّة لفهم الأحكام الشرعيّة واستنباطها من كلام الله العزيز الحكيم وسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحديثه.

فيلزم أن يكون رأي المجتهد في بيان الحكم الشرعي مستندا بالكتاب الحكيم أو سنّة النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا مناقضا لهما ، فلا يحق للمجتهد أن يفتي مخالفا لهما معتمدا على رأيه.

«المترجم»

٩٦٣

القرآن الحكيم أيضا لقوله عزّ وجلّ :( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) .

وقوله تعالى :( قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَ ) (٢) .

وكلامكم يخالف صريح كلام الله العزيز.

الشيخ عبد السلام : لا شك أنّ الخليفة (رض) حكم بصلاح المسلمين ، وحرّم المتعة لأنّه كما جاء في كتاب الإصابة للعسقلاني ج ٣ / القسم ١ / ١١٤ عن عمر بن شبّة قال [واستمتع سلمة بن أميّة من سلمى مولاة حكيم بن أميّة بن الأوقص الأسلمي ، فولدت له ، فجحد ولدها ، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة.]

فحرّم عمر (رض) المتعة حتى لا يشيع هذا الأمر ولا يتكرّر ، وكلّنا نعلم أنّ الأولاد الذين جحدهم آباؤهم ، ينكرهم المجتمع أيضا ، فيسبّبون فسادا كبيرا ، من أجل ذلك ولكي لا يكثر الفساد ، نهى عمر عن المتعة.

قلت : ولكن هذا حاصل حتى في النكاح الدائم أيضا ، فكم من رجل جحد ولده وأنكر ما ولدته زوجته ، فهلاّ نهى عمر عن النكاح الدائم أيضا؟!

أفهل تكليف الخليفة ومسئوليته في قبال عمل سلمة بن أميّة وإنكاره ولده ، أن يحرّم حلال الله ويغيّر حكمه ويبدّل دينه؟! أم كان المفروض أن يعظ سلمة ويأمره بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن يقابله بالحكمة والموعظة الحسنة ، فيوقظ وجدانه ويقوّي إيمانه فيشعره

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ٣ و ٤.

(٢) سورة الاحقاف ، الآية ٩.

٩٦٤

بالمسئوليّة ، ثم يحكم بإلحاق الولد بسلمة بن أميّة لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش» ، وما كان لسلمة أن ينكر العقد ، لأنّه كما نقرأ في الكتب أنّهم كانوا يشهدون العدول على العقد في المتعة ، فقد روى في كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٤ عن سليمان بن يسار عن أم عبد الله ابنة أبي خيثمة [أنّ رجلا قدم من الشام فنزل عليها ، فقال : إنّ العزوبة قد اشتدّت عليّ فابغيني امرأة أتمتّع معها. قالت : فدللته على امرأة فشارطها ، وأشهدوا على ذلك عدولا ، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث ، ثم إنه خرج ، فأخبر بذلك عمر بن الخطّاب فأرسل إليّ فسألني : أحقّ ما حدّثت؟ قلت : نعم. قال : فإذا قدم فآذنيني به. فلما قدم ، أخبرته فأرسل إليه ، فقال : ما حملك على الذي فعلته؟ قال : فعلته مع رسول الله (ص) ثم لم ينهنا عنه حتى قبضه الله ، ثم مع أبي بكر فلم ينه عنه حتى قبضه الله. ثم معك فلم تحدث لنا فيه نهيا. فقال عمر : أما والذي نفسي بيده : لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك ، بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح.] وأخرجه ابن جرير أيضا.

وأما قولك : إنّ الخليفة حكم بصلاح المسلمين.

فإنّ الله ورسوله أعرف بصلاح الخلائق ، والخالق أعلم بمصالح مخلوقه ولا شكّ أنّ الله سبحانه وتعالى شرّع المتعة والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنّها لحكمة حكيمة ومصلحة عظيمة للمؤمنين ولكن عمر نقضها.

وقد جاء في الخبر كما في شرح معاني الآثار للطحاوي / كتاب النكاح / باب نكاح المتعة / روى بسنده عن عطاء عن ابن عباس ، قال [ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم الله بها هذه الأمّة ، ولو لا نهي عمر بن الخطاب عنها ما زنى إلاّ شقي.]

٩٦٥

وروى الثعلبي والطبري في تفسيريهما وأحمد في المسند في تفسير آية المتعة [عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال «لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي».]

فتحريم عمر للزواج المؤقّت ، زاد في الفحشاء ولم يقلّل الفساد ، وإنّ اثر نهيه المتعة كان بعكس ما تقولون ، وبخلاف ما تزعمون.

ولنترك هذا البحث الذي جاء استطرادا ، لأنّ البحث كان حول إيمان أبي طالبعليه‌السلام فقلنا : إنّه كان مؤمنا ومات مؤمنا إلاّ أنّ أعداء الإمام عليعليه‌السلام أرادوا تنقيصه والحطّ من كرامته وشخصيته ، فوصموا أباه ـ شيخ بني هاشم وكافل النبي وحاميهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بوصمة الكفر والشرك ، وأشاعوه بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوضع حديث افتروه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو (حديث الضحضاح) فخبر عدم إيمان أبي طالبعليه‌السلام إن هو إلاّ من أكاذيب بني أمية وأباطيلهم ، وشيوع الخبر جاء بتبليغ منهم بحيث غطّى على خبر إيمانه ، فقلّبوا الحقيقة وغيّروا الواقع حتى التبس الحق على المسلمين.

فلمّا وصل حديثنا إلى هذا المكان ، استبعد الشيخ عبد السلام ذلك ، وقال : لا يمكن لأحد أن يقلب الحقيقة ويغيّر الواقع الذي كان شائعا في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيبدّله بحيث يلتبس الأمر على المسلمين ، فينكروا الحقيقة ويقولوا بغير الواقع.

فقلنا : إنّ هذه ليست بأول قارورة كسرت في الإسلام.

فطلب مثالا ليكون مصداقا آخر وشاهدا على كلامنا ، فمثّلنا له بتحريم عمر متعة الحج ومتعة النساء ، فصرّح قائلا [متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما] والشاهد تمسكهم بقول

٩٦٦

عمر وتركهم سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فثبت بأنّ الحكومة والقوّة تلعب دورا هامّا في إخفاء الواقع ونشر الأكاذيب ولبس الحق ، وإشاعة الباطل باسم الحق ، ولا يخفى في هذه الأمور دور الدعايات والأحاديث الزائفة المجعولة بواسطة رجال ممن عرفوا بصحبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم فلا أطيل الكلام في الموضوع أكثر من هذا ، ومن أراد من الحاضرين أن يتعمّق أكثر ويحقّق في الموضوع ويبحث فيه أكثر مما قلنا فليراجع الكتب المعتبرة عند العامّة من أعلامهم ، مثل السيوطي ، وأبي القاسم البلخي ، ومحمد بن إسحاق ، وابن سعد الكاتب ، وابن قتيبة ، والواقدي ، والشوكاني ، والتلمساني ، والقرطبي ، والبرزنجي والشعراني ، والسبحمي ، وأبي جعفر الإسكافي ، وغيرهم من علماء العامّة الذين اعترفوا في كتبهم بإيمان أبي طالبعليه‌السلام . وقد كتب بعضهم رسالة مستقلة في الموضوع.

الكعبة مولد الإمام عليّعليه‌السلام

وأما الفضيلة الأخرى التي امتاز بها الإمام عليّعليه‌السلام وتعدّ من فضائله الخاصة به ، إذ لم يحدث مثله لأحد قبله ولا بعده ، ألا وهو مولده في وسط بيت الله الحرام في الكعبة المشرّفة ، وقد حدث ذلك بإرادة الله سبحانه وبدعوة منه لفاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنينعليه‌السلام إذ انشقّ لها ركن البيت لما استجارت به تطلب من الله تعالى أن يسهّل عليها الولادة ، فدخلت في الكعبة وعاد الركن فالتأم والتصق. إنّما حدث ذلك لكي لا يقول أحد أنّ ولادة علي بن أبي طالب داخل الكعبة كانت عن صدفة وليس فيها كرامة لهعليه‌السلام .

٩٦٧

وكما في بعض الأخبار المرويّة أنّ فاطمة بنت أسد بقيت في الكعبة ثلاثة أيّام ضيفة على ربّها ، فصار الناس يتحدّثون في المجالس والنوادي عن هذا الحادث الخارق والأمر الغريب ، وفي اليوم الثالث عند اجتماع الناس وتزاحمهم في المسجد الحرام ، وإذا بالركن ينشق ثانيا ، وتخرج فاطمة بنت أسد وعلى يديها ولدها الكريم عليّعليه‌السلام ، ويعدّ علماء الإسلام شيعة وسنّة هذه الفضيلة من خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد قال الحاكم في المستدرك ، والعلاّمة ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة / الفصل الأول ص ١٤ :

ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالا له وإعلاء لمرتبته وإظهارا لتكريمه(١) .]

__________________

(١) روى العلاّمة أبو عبد الله محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / الباب السابع في مولدهعليه‌السلام / وهو في الفصل الثالث بعد الأبواب المائة التي ذكرها في مناقب الإمام عليعليه‌السلام .

روى بسنده المتصل بمسلم بن خالد المكّي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال [سألت رسول الله عن ميلاد علي بن أبي طالب ، فقال : لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح عليه‌السلام . إنّ الله تبارك وتعالى خلق عليا من نوري وخلقني من نوره وكلانا من نور واحد ، ثم إنّ الله عزّ وجلّ نقلنا من صلب آدم عليه‌السلام في اصلاب طاهرة إلى أرحام زكيّة ، فما نقلت من صلب إلاّ وعلي معي فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة ، واستودع عليا خير رحم وهي فاطمة بنت أسد.

قال عليه‌السلام : وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان ، قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة ، فبعث الله إليه أبا طالب فلما أبصره المبرم قام إليه وقبّل رأسه وأجلسه بين يديه ، ثم قال له : من أنت؟ فقال :

٩٦٨

__________________

رجل من تهامة. فقال : من أيّ تهامة؟ فقال : من بني هاشم ، فوثب العابد فقبّل رأسه ثانية ثم قال : يا هذا إنّ العليّ الأعلى ألهمني إلهاما ، قال أبو طالب : وما هو؟ قال : ولد يولد من ظهرك وهو وليّ الله عزّ وجلّ.

فلما كانت الليلة التي ولد فيها عليّ ، أشرقت الأرض فخرج أبو طالب وهو يقول : أيها الناس ولد في الكعبة وليّ الله عزّ وجلّ. فلمّا أصبح دخل الكعبة وهو يقول :

يا ربّ هذا الغسق الدجيّ

والقمر المنبلج المضيّ

بيّن لنا من أمرك الخفيّ

ما ذا ترى في اسم ذا الصبيّ؟

قال : فسمع صوت هاتف يقول :

يا أهل بيت المصطفى النبيّ

خصصتم بالولد الزكيّ

إنّ اسمه من شامخ العليّ

عليّ اشتقّ من العليّ]

قال العلامة الكنجي : تفرّد به مسلم بن خالد المكيّ الزنجيّ وهو شيخ الشافعي ـ إمام المذهب ـ وتفرّد به عن الزنجي عبد العزيز بن عبد الصمد وهو معروف عندنا ، والزنجي لقب لمسلم وسمي بذلك لحسنه وحمرة وجهه وجماله. انتهى.

وقال بعد هذا الخبر أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود النجّار بقراءتي عليه ببغداد ، قلت له : قرأت على الصفّار بنيسابور : أخبرتني عمتي عائشة ، أخبرنا ابن الشيرازي ، أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري قال [ولد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بمكة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه ، إكراما له بذلك وإجلالا لمحلّه في التعظيم.]

أقول : إنّ خبر مولد عليّ عليه‌السلام في وسط الكعبة مشهور ، وقد نقله كثير من الأعلام وعلماء العامّة وذكره شعراؤهم ونقلت عنهم بعضها سابقا في تعليقاتي على هذا الكتاب. «المترجم»

٩٦٩

اسم «عليّعليه‌السلام » نزل من عند الله تعالى

والفضيلة الأخرى التي امتاز بها الإمام عليّعليه‌السلام على سائر الصحابة إنّ اسمه الشريف جاء له من عند الله تبارك وتعالى من عالم الغيب.

الشيخ عبد السلام : إنّ هذا الكلام غريب جدّا ، أفهل كان أبو طالب نبيّا يوحى إليه ، حتى نقول بأنّ اسم ابنه نزل أو جاء من عند الله؟! إن هذا إلاّ من أقاويل الشيعة يختلقونها من فرط حبهم لسيدنا عليّ كرّم الله وجهه ، وليس لهذا الاسم ربط بعالم الغيب ، بل اختاره أبو طالب لولده.

قلت : ليس كلامي بغريب ، وإنّما استغربته لأنّك لا تعتقد بولاية الإمام عليعليه‌السلام . فإنّك تظنّ أنّ هذا الاسم جعل على الإمام عليعليه‌السلام حين ولادته ، وليس كذلك ، فإنّ الله تعالى قد ذكر في جميع الكتب السماويّة اسمي محمد وعلي عليهما الصلاة والسلام بصفة النبوّة والإمامة ، وإنّ هذين الاسمين المباركين كتبهما الله عزّ وجلّ وجعلهما على السماوات والأرضين وعلى أبواب الجنة وعلى العرش العظيم ، قبل أن يخلق آدم أبو البشر بآلاف السنين ، فلا يختصّ بزمن أبي طالبعليه‌السلام .

الشيخ عبد السلام : أليس هذا الكلام غلوّا في حق عليّ كرّم الله وجهه؟ فقد قارنتموه بسيد المرسلين (ص) وذكرتم اسمه مع اسم النبي (ص) مكتوبا في عالم الملكوت وحتى على العرش العظيم. نعم اسم رسول الله (ص) كوجوده ونفسه فوق كل شيء ، وليس له قرين ،

٩٧٠

ولكنكم بالتمسّك بخبر ضعيف ، غير معتبر تحتجّون علينا ، بل وتجعلونه سندا مقبولا ودليلا معقولا لفتوى فقهائكم فيفتون بوجوب ذكر عليّ بعد اسم النبي (ص) في الأذان.

فتبسّمت ضاحكا من قوله. وقلت : لا يا أخي إنّني غير مغال في حق أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغرّ المحجّلين ، ابن عم الرسول وزوج البتول وسيف الله المسلول اسد الله الغالب مظهر العجائب والغرائب وصاحب الفضائل والمناقب الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.

نحن ما قرنّا اسمه مع اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا نحن سجلنا اسمه مع اسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السماوات والعرش العظيم ، بل الله عزّ وجلّ هو قرن اسم وليّه علي بن أبي طالب مع اسمه واسم نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكتب اسمه مقارنا لاسمه العزيز واسم حبيبه على أبواب الجنان كما ورد في روايات أعلامكم وعلمائكم بأسنادهم لا باسناد ضعيفة كما زعمت ، وقد أثبتوا تلك الروايات ونقلوها في مصادركم المعتبرة لدى كبار علمائكم وأعلام محدثيكم الذين لو ضعّفتهم فقد ضعّفت مذهبك ، فليس لك ولا لأيّ واحد منكم إلاّ الخضوع لمقامهم والتسليم لآرائهم وقبول ما رووا في مسانيدهم وتصانيفهم.

الشيخ عبد السلام : لو تتفضل بذكر بعض تلك الروايات التي نقلها كبار علمائنا وأعلام محدثينا.

قلت : روى الطبري في تفسيره وابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام عليعليه‌السلام ، وروى العلاّمة الكنجي القرشي الشافعي في كفاية الطالب / باب ٦٢ ، والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ، والعلامة

٩٧١

القندوزي في الينابيع / باب ٥٦ حديث ٥٢ نقلا من ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ، رووا بأسانيدهم إلى أبي هريرة ـ مع اختلاف يسير في الألفاظ واتحاد المعنى ـ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «مكتوب على ساق العرش ، لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، ومحمد عبدي ورسولي ، أيّدته بعليّ بن أبي طالب».

وروى جلال الدين السيوطي في الخصائص الكبرى : ج ١ / ١٠ ، وفي الدرّ المنثور في أوائل سورة الإسراء ، نقلا عن ابن عساكر وابن عدي أنّهما رويا عن أنس بن مالك عن النبي (ص) قال «ليلة أسري بي إلى السماء رأيت مكتوبا على ساق العرش : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أيّدته بعليّ».

وروى القندوزي في الينابيع / باب ٥٦ ، نقلا عن ذخائر العقبى للطبري عن أبي الحمراء عن النبي (ص) قال «ليلة أسري بي إلى السماء ، نظرت إلى الساق الأيمن من العرش فرأيت مكتوبا محمد رسول الله ، أيّدته بعليّ ونصرته به». وقال : أخرجه الملاّ في سيرته.

وروى القندوزي أيضا في الباب نقلا عن كتاب «المناقب السبعون» الحديث التاسع عشر / عن جابر بن عبد الله قال «قال رسول الله (ص) : مكتوب على باب الجنّة قبل أن يخلق الله السموات والأرض بألفي عام ، محمد رسول الله ، وعلي أخوه». قال رواه ابن المغازلي.

أقول : ورواه أحمد في المناقب ، والعلاّمة الهمداني في كتابه مودّة القربى / المودّة السادسة ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، وابن شيرويه في الفردوس ، كلهم عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، كما مرّ.

٩٧٢

وتذكرت حديثا جميلا مناسبا لموضوع الحوار ، أخرجه العلاّمة الهمداني الشافعي في مودّة القربى / المودة الثامنة / عن عليّعليه‌السلام أنّه قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّي رأيت اسمك مقرونا باسمي في أربعة مواطن :

١ ـ فلمّا بلغت البيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرة بها ، لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، أيّدته بعليّ وزيره.

٢ ـ ولمّا انتهيت إلى سدرة المنتهى ، وجدت عليها ، إنّي أنا الله لا إله إلا انا وحدي ، محمد صفوتي من خلقي ، أيّدته بعليّ وزيره ونصرته به.

٣ ـ ولما انتهيت الى عرش رب العالمين فوجدت مكتوبا على قوائمه ، إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا ، محمد حبيبي من خلقي ، أيّدته بعليّ وزيره ونصرته به.

٤ ـ فلمّا وصلت الجنة وجدت مكتوبا على باب الجنة لا إله إلاّ أنا ، ومحمد حبيبي من خلقي ، أيّدته بعليّ وزيره ونصرته به».

وروى الثعلبي في تفسيره ـ كشف البيان ـ ، والطبري في تفسيره في تفسير الآية ٦٢ من سورة الأنفال :( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) عن أبي هريرة وعن ابن عباس أنّها نزلت في عليّ. ثم رووا عن النبي (ص) «رأيت مكتوبا على العرش : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، محمد عبدي ورسولي أيّدته ونصرته بعلي بن أبي طالب».

أخرجه القندوزي أيضا في الينابيع الباب الثالث والعشرون عن أبي نعيم الحافظ عن أبي هريرة ، وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس حبر الأمّة ، قال القندوزي : وروى عن أنس بن مالك نحوه ، ثم

٩٧٣

نقل عن كتاب الشفاء : روى ابن قانع القاضي عن أبي الحمراء قال : قال رسول الله (ص) «لما أسري بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أيّدته بعليّ».

وروى ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب / حديث رقم ٨٩ بسنده عن ابن عباس قال «سئل النبي (ص) عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه. قال : سأله بحق محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ ، فتاب عليه(١) ».

وأخرجه عنه القندوزي في الينابيع / الباب الرابع والعشرون.

أكتفي بهذا المقدار من الروايات والأخبار وأظن أنّ الشيخ استوفى جوابه : بأنّ الله تعالى قرن اسم وليه علي بن أبي طالب باسمه واسم حبيبه ونبيّه ، لا نحن ، والخبر ليس بضعيف ولا عن طريق واحد بل وصل إلينا من طرق شتّى ، ونقله علماء المسلمين من السنّة والشيعة.

وأما كلامك يا شيخ : بأنه هل كان أبو طالب نبيا يوحى إليه؟

فأقول : الوحي لا يلازم النبوّة ، فقد أوحى الله تعالى إلى أم موسى وما كانت في مقام النبوّة ، والله سبحانه يصرّح في ذلك بقوله عزّ وجلّ :( وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ ، فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (٢) .

__________________

(١) وكذلك أخرجه عن ابن المغازلي صاحب تفسير اللوامع : ج ١ / ٢١٩.

وأخرجه السيوطي في الدرّ المنثور : ج ١ / ٦٠ وقال : أخرجه ابن النجّار. «المترجم»

(٢) سورة القصص ، الآية ٧.

٩٧٤

وربّما أوحى الله تعالى إلى غير الإنسان كما في قوله سبحانه :( وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ) (١) .

وممّا لا شكّ فيه أنّ الوحي له مراتب فالمرتبة الأعلى والأقوى منها تحصل للأنبياء ، والأدنى منها تحصل لغير الأنبياء بإرادة الله القادر المنّان.

كما أنّنا نستفيد من كلام الله تعالى ، أنّ أوامره إلى عباده وهدايتهم لمقاصده ، لا تنحصر بطريق الوحي ، فإنه قادر أن يبلّغها لمن يريد بأي طريق شاء ، ولو بخلق النداء والصوت ، كما حدث ذلك لمريم ابنة عمران ، فقد قال سبحانه :( فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا* وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا* فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) (٢) .

فكما إن الله عز وجلّ بلّغ مراده إلى أم موسى بالوحي ، وإلى أمّ عيسى بالنداء ، فقد بلّغ أبا طالب أيضا بأنّه انتخب اسم عليّ واشتقّه من اسمه الأعلى لوليد الكعبة ، فسمّاه عليّا.

ولا نقول بأنّ الوحي الذي كان ينزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل على أبي طالب ولا نعتقد نبوّته ، وانما نقول بأنّ الله تعالى نبّه أبا طالب وبلّغه إمّا بالنداء أو بمشاهدته لوحا مكتوبا أن يسمّي ولده بالاسم المشتق من اسم الله العليّ الأعلى ، فيسمّيه عليا وقد فعل أبو طالب

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٦٨.

(٢) سورة مريم ، الآية ٢٤ ـ ٢٦.

٩٧٥

ذلك ، ولم ننفرد نحن بهذا القول ، بل وافقنا فيه بعض أعلامكم أيضا.

روى العلاّمة الهمداني الشافعي في كتابه مودّة القربى / المودّة الثامنة ، ونقل عنه الحافظ القندوزي في كتابه ينابيع المودّة / الباب السادس والخمسون : عن العباس بن عبد المطلبرضي‌الله‌عنه قال : [لما ولدت فاطمة بنت أسد عليّا سمّته باسم أبيها أسد ، ولم يرض أبو طالب بهذا الاسم فقال : هلمّ حتى نعلو [جبل] أبا قبيس ليلا وندعو خالق الخضراء لعلّه ينبئنا في اسمه ، فلمّا أمسيا خرجا وصعدا أبا قبيس ودعيا الله تعالى ، فأنشأ أبو طالب شعرا :

يا ربّ هذا الغسق الدجيّ

والفلق المنبلج المضيّ

بيّن لنا عن أمرك المقضيّ

بما نسمّي ذلك الصبي؟

فاذا خشخشة من السماء ، فرفع أبو طالب طرفه فإذا لوح مثل زبرجد أخضر فيه أربعة أسطر فأخذه بكلتي يديه وضمّه إلى صدره ضمّا شديدا فإذا مكتوب :

خصّصتما بالولد الزكيّ

والطاهر المنتجب الرضيّ

واسمه من قاهر عليّ

عليّ اشتق من العليّ

فسر أبو طالب سرورا عظيما وخرّ ساجدا لله تبارك وتعالى وعقّ [عنه] بعشر من الإبل ، وكان اللوح معلّقا في بيت الله الحرام يفخر به بنو هاشم على قريش حتى غلب الحجاج بن الزبير.] انتهى كلام العلاّمة الهمداني.

أقول : وهذه الرواية عطف على ما سبق وتدلّ على أنّ أبا طالب كان مؤمنا بالله موحّدا له سبحانه متوجّها إليه في مهامّه وحوائجه.

وأمّا قولك يا شيخ : بأنّ فقهاء الشيعة يفتون بوجوب ذكر

٩٧٦

عليّعليه‌السلام في الأذان. فهو كذب وافتراء ، ولو كنت صادقا فاذكر لنا فتوى واحد من فقهائنا.

نعم نحن نذكر اسم الإمام عليّعليه‌السلام ونشهد له بالولاية والإمامة ، بقصد الندب وإجهارا بالحق ، لأنّا نعرف مندوبيّة ذلك ومطلوبيّة ذكر اسم عليّ بالولاية والإمامة بعد ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة ، نعرفه ممّا ذكرنا من الروايات في كتبكم المعتبرة والتي مرّت مع ذكر المصادر الكثيرة ، بأنّ الله عزّ وجلّ قرن اسم عليّعليه‌السلام مع اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر عليا بعد ذكر حبيبه ورسوله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى في عرشه العظيم وعلى أبواب الجنان قبل أن يخلق الأرض والسماوات.

ونكتفي بهذا ونرجع إلى صلب الموضوع في الحوار وهو ذكر أمهات الفضائل وأصول المناقب الثابتة لعليّعليه‌السلام .

زهد الإمام عليّعليه‌السلام وتقواه

والفضيلة الثانية التي امتاز بها ولا يساويه أحد فيها فضيلة الزهد والتقوى. وأجمع علماء الاسلام عامّة ، وجمهور المحدثين وأصحاب السيرة والتاريخ بأنّ عليّ بن أبي طالب كان أزهد الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأورعهم واتقاهم ، حتى أنّ العلاّمة ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة نقل قول الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أنّه قال : [ما علمنا أحدا كان في هذه الأمّة بعد النبي (ص) أزهد من عليّ بن أبي طالب(١) .]

__________________

(١) وجاء في كتاب تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي / الباب الخامس في ذكر ورعه

٩٧٧

__________________

وزهد وعبادتهعليه‌السلام / قال [أخبرنا غير واحد ، ثم ذكر الإسناد إلى محمد بن قيس عن أبي شهاب قال : كان عمر بن عبد العزيز (رض) يقول : ما علمنا أنّ أحدا من هذه الأمة بعد رسول الله (ص) أزهد من عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ما وضع لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة.]

وبه قال عبد الله بن أحمد بن حنبل.

قال ابن أبي الحديد في مقدمته على شرح نهج البلاغة وهو يصفه [وأمّا الزهد في الدنيا فهو سيّد الزهّاد ، وبدل الأبدال ، وإليه تشدّ الرحال ، ما شبع من طعام قطّ ، وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا.

قال عبد الله بن أبي رافع : دخلت إليه يوم عيد ، فقدّم جرابا مختوما ، فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا ، فقدّم فأكل. فقلت : يا أمير المؤمنين ، فكيف تختمه؟

قال : خفت هذين الولدين أن يلتّاه بسمن أو زيت.

وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وليف أخرى ونعلاه من ليف ، وكان يلبس الكرباس الغليظ.

وكان يأتدم اذا ائتدم بخلّ أو بملح فإن ترقّى عن ذلك فبعض نبات الأرض ، فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل. ولا يأكل اللحم إلا قليلا ، ويقول : لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان. وهو الذي طلّق الدنيا ، وكانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الإسلام إلاّ من الشام ، فكان يفرّقها.]

ونقل ابن أبي الحديد في ج ٢ / ٢٠١ ، ط دار إحياء الكتب العربية / قال : وروى معاوية بن عمار عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال «ما اعتلج على عليّ عليه‌السلام أمران في ذات الله سبحانه ، إلاّ أخذ بأشدّهما ، ولقد علمتم أنّه كان يأكل ـ يا أهل الكوفة ـ عندكم من ماله بالمدينة ؛ وأن كان ليأخذ السويق فيجعله في جراب ويختم عليه مخافة أن تزاد عليه من غيره ؛ ومن كان أزهد في الدنيا من عليّ عليه‌السلام ؟!».

٩٧٨

ونقل أعلام محدثيكم في كتبهم عن الأحنف بن قيس قال : [دخلت على عليّ بن أبي طالب وقت إفطاره إذ دعا بجراب مختوم فيه سويق الشعير.

فقلت : يا أمير المؤمنين لم أعهدك بخيلا فكيف ختمت على هذا الشعير؟!

فقال : لم اختمه بخلا ولكن خفت أن يلينه الحسن أو الحسين بسمن أو زيت.

قلت : هما حرام عليك؟ قال : لا ولكن يجب على الأئمة أن

__________________

وروى في صفحة ٢٠٠ عن بكر بن عيسى ، قال [كان عليّعليه‌السلام يقول : يا أهل الكوفة ، إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي ورحلي وغلامي فلان ؛ فأنا خائن ، فكانت نفقته تأتيه من غلّته بالمدينة بينبع.]

ونقل محمد بن طلحة العدوي النصيبي في كتابه مطالب السئول / الفصل السابع / فقال إنّه عليه‌السلام كان قد ولى على عكبرا رجلا من ثقيف فقال هذا الوالي : [قال لي عليه‌السلام إذا صلّيت الظهر غدا فعد إليّ. قال : فلمّا كان الغد وصلّيت الظهر غدوت إليه فلم أجد عنده حاجبا يحبسني دونه ، فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز ماء ، فدعا بوعاء مشدود عليه ختم فلمّا كسر الختم وحلّه فإذا فيه سويق فأخرج منه فصبّه في القدح وصب عليه ماء وشرب وسقاني ، فلم أصبر فقلت : يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق كثير؟! فقال : أما والله ما أختم عليه بخلا ولكنّني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يوضع في من غيره وأنا أكره أن يدخل بطني إلاّ طيّبا ، فلذلك احترزت بما ترى. فإيّاك وتناول ما لا تعلم حله.]

رواه أيضا سبط بن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس / بسنده عن عبد الملك بن عمر ورواه آخرون من أعلام العامة.

«المترجم»

٩٧٩

يغتذوا بغذاء ضعفاء الناس وافقرهم ليراهم الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه ، ويراهم الغني فيزداد شكرا وتواضعا(١) .]

ونقل المحدّثون عن سويد بن غفلة وغيره ، قال [دخلت على عليّ ابن أبي طالب في الكوفة فرأيت بين يديه رغيفا من شعير وقدحا من لبن والرغيف يابس ، تارة يكسره بيده وتارة بركبتيه ، فشقّ عليّ ذلك.

فعاتبت جارية له يقال لها فضّة فقلت : ألا ترحمين هذا الشيخ وتنخلين له هذا الشعير ، أما ترين نشارته على وجهه وما يعاني منه؟!

فقالت : إنّه عهد إلينا أن لا ننخل له طعاما قطّ. فالتفت عليّ إليّ وقال : ما تقول لها؟ فأخبرته وقلت : يا أمير المؤمنين! ارفق بنفسك.

فقال : ويحك يا سويد ما شبع رسول الله (ص) من خبز برّ ثلاثا حتى لقي الله ، ولا نخل له طعام قط ، يا ابن غفلة! ذلك أحرى أن يذل النفس ويقتدي بي المؤمنون ، وألحق برسول الله (ص)(٢) .]

ونقل العلاّمة القندوزي في الينابيع / الباب الحادي والخمسون / قال : أخرج الموفق بن أحمد الخوارزمي عن عدي بن ثابت قال : أوتي عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه بفالوذج فأبى أن يأكل منه وقال [إنه شيء لم يأكل منه رسول الله (ص) فلا أحب أن آكل منه(٣) .]

__________________

(١) رواه سبط ابن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس ، ورواه الحافظ القندوزي في الينابيع / الباب الحادي والخمسون.

(٢) رواه سبط ابن الجوزي عن سويد بن غفلة والقندوزي عن علقمة. ورواه الخطيب الخوارزمي في المناقب والطبري في تاريخه.

«المترجم»

(٣) الفالوذج : نوع من الحلوى.

٩٨٠

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205