ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235464 / تحميل: 3869
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

عِدّتهُم:

المسلمون في المدينة كانوا بدرجة من الضّعف والفاقة لا يتصورها إنسان؛ والسّبب في ذلك أزمة المهاجرين الّذين خرجوا من مكّة فراراً بدينهم وعقيدتهم نتيجة الاضطهاد الشّرْكي، تاركين أموالهم وبيوتهم. فلمّا توافدوا على المدينة شاطرهم الأنصار بأموالهم وبيوتهم. ولهذا السّبب ضُربت الفاقة على الجميع. إذاً فلم تكن لديهم العُدّة الكافية للوقوف بوجه الأعداء؛ ولهذا كانت عُدّتهم من المؤن والعتاد الحربي قليلة جداً، فإنّهم لا يملكون من وسائل النّقل أكثر من سبعين(70) بعيراً؛ عشرون منها زوّدهم بها سعد بن عبادة، وثلاثة من الخيل، قال الواقدي(1) :

فراح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيوت السّقا لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، وخرج المسلمون معه ثلاثمائة وخمسة (305)؛ فكانت الإبل سبعين (70) بعيراً، وكانوا يتعاقبون الإبل الاثنين والثلاثة والأربعة، فكان

____________________

(1) المغازي، الواقدي، ص151.

٢١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ومرثد بن أبي مرثد، يتعاقبون بعيراً واحداً مساوياً لجميع المسلمين(1) .

فقال عليّعليه‌السلام ومُرثد: «يا رسول الله نحن نمشي عنك».

فأجابهما النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:

«ما أنتما بأقوى منّي، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما».

فلمّا نظر الرّسول القائد إلى أصحابه، وهم يتعاقبون ركوباً وسيراً على الأقدام، توجّه إلى السّماء قائلاً:

«اللّهمّ إنّهم حُفاةٌ فاحملهم، وعراة فاكسهِم وجياعٌ فأشبعهم، وعالةٌ فاغنِهم من فضلك».

فاستجاب الله دعاءه، فما رجع أحد من أصحابه بعد انتهاء الحرب يريد أنْ يركب، إلاّ وجد ظهراً للرّجل البعير والبعيران، واكتسى من كان عارياً، وأصابوا

____________________

(1) شرح النّهج، ابن ابي الحديد، ص88 - 89.

٢٢

طعاماً من ازوادهم، وأصابوا فداء الأسرى، فأغنى كلَّ عائل(1) .

ب- قُوَّة الشِّرك :

القوّة الّتي استنفرتها قريش كانت تستهدف عدة أغراض؛ وهي مايلي:

1 - حماية القافلة الّتي كانت أكبر قافلة تجاريّة لقريش؛ وتعدُّ بحمولة ألف بعير.

2 - تأديب المسلمين واستئصال جذورهم، حتّى لا تقوم لهم قائمة، كما صرّح أبو جهل قائد المشركين، بقوله:

أيظنُّ محمد أنْ يصيب منّا ما أصاب بنخلة وأصحابه، سيعلم أَنمنع عيرنا أم لا!(2) .

3 - إبراز العضلات أمام القبائل العربيّة الأخرى، لتخويفها

____________________

(1) شرح النّهج، ابن أبي الحديد، ص88 - 89.

(2) شرح النّهج، ابن أبي الحديد،14، ص103.

٢٣

وفرض هيبة قريش عليها، لا سيما بعدما تعرّض المسلمون لقوافلها، كما صرّح أبو جهل بذلك حينما سلمت القافلة من الخطر وطُلب إليه الرجوع، قال:

والله لا نرجع حتّى نرد بدراً، فنقيم عَليه ثلاثاً، فننحر الجزر، ونطعم الطّعام، ونُسقي الخمر، وتُعزف علينا القيان، وتسمع بنا العربُ وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها، فامضوا(1) .

ولهذا بَذلتْ أقصى الجهد، في تجميع أكبر عدد ممكن في حملتها هذه؛ فكانت القوّة الّتي أرسلتْها تقدّر بألف فارس؛ بكامل عدتها وعتادها

عَددهَا وعِتادها :

وأخذت تستعد لهذه الحرب أياماً تعدُّ العدّة والسّلاح

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج3، ص270.

٢٤

وتحضُّ على جمع التّبرعات لشراء الأسلحة والذّخيرة الحربيّة، ذكر ابن أبي الحديد:

فأقامت قريش ثلاثاً تتجهّز، وأخرجت أسلحتها واشتروا سلاحاً، وأعان قويّهم ضعيفهم، وقام سهيل بن عمرو في رجال من قريش، فقال: يا معشر قريش، هذا محمّد والصّباة معه من شبّانكم، وأهل يثرب قد عرضوا لعيركم ولطيمتكم، فمن أراد ظهراً فهذا ظهر، ومن أراد قوّة فهذه قوّة.

وقام زمعة بن الأسود قائلاً:

إنّه، واللّات والعُزّى، ما نزل بكم من أمر أعظم من أنّ طمع محمّد وأهل يثرب أنْ يعرضوا ليعركم فيها خزائنكم، فأوعبوا ولا يتخلّف

٢٥

منكم أحد، ومن كان لا قوّة له فهذه قوّة، والله لئن أصابها محمّد وأصحابه، لا يروعكم منهم إلاّ وقد دخلوا عليكم بيوتكم(1) .

وتكلّم آخرون يحثّون النّاس على التّبرع، ويستنهضونهم على الخروج مع هذه الحملة التّأديبيّة، وأقبلت قريش تجمع التّبرعات، وتعدُّ الجيوش والسّلاح والرّجال، مع كامل عدّتهم وعددهم.

وهكذا تجمَّع ما يقرب من ألف رجل مع سبعمائة (700) بعير، ومن الخيل ما يقارب (100) رأس، فقد ذكر الواقدي:

وكانت الخيل لأهل القوّة منهم، وكان في بني مخزوم منها ثلاثون فرساً، وكانت الإبل سبعمائة بعير، وكان أهل الخيل كلّهم

____________________

(1) شرح النّهج، ابن أبي الحديد، ص95 و103.

٢٦

دوارع، وكانوا مئة. وكان في الرّجّالة دوارع سوى ذلك(1) .

وبعث أيماء بن رحضة الغفاري إلى قريش حين مرّوا به، ابناً له مع عدّة ذبائح أهداها لهم، قائلاً:

إنْ أحببتم أنْ نمدَّكم بسلاح ورجال فعلنا.

فأرسلوا إليه مع ابنه:

(إنّ وصْلتك رحم، قد قضيتَ الّذي عليك، فلعمري، لئن كنّا إنّما نقاتل النّاس، فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنّا إنّما نقاتل الله، كما يزعم محمّد، فما لأحد بالله من طاقة(2) ).

____________________

(1) شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ص95 و103.

(2) السّيرة النّبويّة، ابن هشام، ج2، ص273.

٢٧

أَهدافها :

أراد المسلمون في غزوتهم هذه، أن يستفيدوا منها النّقاط التّاليّة:

1 - أن يستردوا بعض أموالهم؛ الّتي تركوها في هجرتهم من مكّة إلى المدينة المنوّرة؛ لتساعدهم على الضنْك الّذي يعيشونه، ولا يمكن ذلك إلاّ بالتّعرض للقافلة القرشيّة؛ لتكون عوضاً عمّا تركوه في مكّة من أموال.

2 - إضعاف قريش من النّاحية الاقتصاديّة؛ ومن ثمَّ فرض الحصار الاقتصادي عليها، لأنّه لو سيطر المسلمون على القافلة؛ لحلّت بقريش كارثة اقتصاديّة عظيمة ولفقدت جلَّ ما تملُك.

3 - إضعاف معنوية قريش وكسر شوكتها وهيبتها في نفوس القبائل العربيّة الأخرى؛ حتّى يتمكن المسلمون أنْ يتَّصلوا بهذه القبائل وينشروا الإسلام وتعاليمه بين صفوفها.

٢٨

الرّسول( صلّى الله عليه وآله ) يستعدّ لهذه الغزوة :

هذه هي بعض الأهداف المستوحاة من هذه الغزوة، ولهذا لمّا سمع الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، برجوع القافلة من الشّام بقيادة أبي سفيان، ندب إليها المسلمين، قائلاً:

«هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعلّ ينفلكموها»(1) .

فاستجاب المسلمون لنداء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخرج النّبي يوم الاثنين لثمان ليال مضت من شهر رمضان بالعدد المذكور، وتخلّف بعض النّاس؛ وذلك أنّهم لم يظنّوا أنّ الرّسول يلقى حرباً؛ وإنّما هي غزوة تصدٍّ لقافلة لا أكثر، والتّصدّي لا يحتاج إلى كثير رِجال؛ ولهذا تخلّف غالبيّة المسلمين.

القافلةوأخبارها :

القافلة القرشيّة كانت جداً حذرة في سيرها ومسيرها،

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2،ص258.

٢٩

لأنّها تخشى من المسلمين وسيطرتهم عليها، ولهذا نرى قائد القافلة أبا سفيان يسير قبل القافلة بمسافة كبيرة؛ لأجل استخبار الوضع وتحصيل المعلومات عن تحرُّك المسلمين وتواجدهم، فلمّا وصل أبو سفيان ومعه عمرو ابن العاص إلى الزّرقاء، وقيل إلى تبوك، لقيه رجل من جذام، قائلاً:

قد كان عرض محمّد لكم في بدأتكم في أصحابه، فقلنا: ما شعرنا، قال: بلى، فأقام شهراً، ثمَّ رجع إلى يثرب، وأنتم يوم عرض محمّد لكم مُخفّون، فهو.. الآن أحرى أن يعرض لكم؛ إنّما يعُدُّ لكم الأيّام عدّاً، فاحذروا على عيركم، فو الله ما أرى من عدد ولا كراع ولا خلقة(1) .

____________________

(1) شرح النّهج، ابن أبي الحديد،ج14، ص92.

٣٠

ففكَّر أبو سفيان مع جماعته وقرَّ رأيهم؛ أنْ يرسلوا رسولاً إلى قريش يخبرهم بذلك. فبعثوا رجلاً اسمه ضمضم بن عمرو الغفاري، وأمروه أنْ يسير بالسّرعة القصوى، فإذا وصل إلى مكّة، أن يدخلها بهيئة مخصوصة ويستغيث بنداء يُثير الهِمم، فلمّا وصلها عمد إلى أنف بعيره فقطعه، وحوَّل رحله، وشق قميصه مِن قبل ودبر، وصرخ مستغيثاً منادياً:

يا معشر قريش، اللطيمة، اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمّد في أصحابه، لا أرى إلاّ أنْ تدركوها، الغوث، الغوث(1) .

فعندها تجهَّزت قريش سراعاً، فكانوا بين رجلين: إمّا خارج، وإما باعث مكانه رجلاً. ولم يتخلّف من أشرافها أحدٌ، وخرجوا مسرعين.

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص260.

٣١

أبو سفيان ينجو بقافلته :

ولمّا علم أبو سفيان بخروج محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في المدينة للسيطرة على القافلة، غيّر مسراه؛ وسار في طريق غير مسلوك سيراً لا يهدأ ليلاً ولا نهارا،ً حتّى أفلت من قبضة المسلمين. وأرسل رسولاً إلى قريش يُخبرهم بسلامته وسلامة قافلته، قائلاً:

إنّكم إنّما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجّاها الله، فارجعوا(1) .

الخلافيدبّ بين صفوف قريش :

ولمّا سمعت قريش بنجاة القافلة ووصولها سالمة، اختلفوا فيما بينهم، فبعضهم أراد الرّجوع، وعلى رأسهم الأخنس بن شريق بن عمرو الثّقفي، فإنّه قام خطيباً في بني زُهرة، وكان حليفاً لهم في منطقة الجُحفة، قائلاً:

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام، ج2، ص270.

٣٢

يا بني زُهرة، قد نجّى الله لكم أموالكم، وخلّص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل - وكان مع القافلة -، وإنّما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بي جُبنها وارجعوا، فإنّه لا يصلح لكم بأنْ تخرجوا في غيرة صنيعة؛ أي منفعة، لا ما يقول هذا - ويعني بأبي جهل - فرجعوا فلم يشهدها زهريّ واحد.

ثُمَّ جاء حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة، قائلاً له:

يا أبا الوليد، إنّك كبيرُ قريش وسيِّدُها والمطاع فيها، هل لك أنْ لا تزال تُذكر فيها بخير إلى آخر الدّهر؟

فقال عُتبة:

وما ذاك يا حكيم؟، قال: ترجع

٣٣

بالنّاس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي، قال: قد فعلتَ أنت عليّ بذلك، إنّما هو حليفي فعليَّ عقلهُ وما أُصيب من ماله، فأتِ بن الحنظليّة - ويعني بأبي جهل - فإنّي لا أخشى أنْ يشجر أمر النّاس غيرُه، ثم قام خطيباً، قائلاً:

يا معشر قريش، إنّكم والله ما تصنعون بأنْ تلقوا محمّداً وأصحابه شيئاً، والله لئن أصبتموه لا يزال الرّجلُ ينظر في وجه رجل يكره النّظر إليه، قَتَل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته، فارجعوا، وخلّوا بين محمّد وبين سائر العرب، فإنْ أصابوه فذاك الّذي أردتم، وإنْ كان غير

٣٤

ذلك، ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون.

أبو جهل رأس المعارضة:

ولمّا انتهى عُتبة من كلامه؛ وكان رجلاً منصفاً، سار حكيم بن حزام إلى أبي جهل، فقال له: يا أبا الحكم، إن عُتبة أرسلني إليك، وسرد عليه ما قاله عُتبة. فانتفخ سحرهُ غاضباً، قائلاً:

(كلا، والله لا نرجع حتّى يحكم الله بيننا وبين محمّد، وما بعُتبة ما قال، ولكنّهُ رأى أنّ محمّداً وأصحابه أكلةُ جزور، وفيهم ابنه، فقد تخوّفكم عليه)(1) .

ثُمَّ بعث إلى عامر بن الحضرمي - وكان أخوه قتله المسلمون، فقال له:

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص275.

٣٥

هذا حليفك - يعني عُتبة - يريد أنْ يرجع بالنّاس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك.

فقام أخو القتيل منادياً صارِخاً:

واعمراه.. واعمراه.

فحميت الحرب، وفشلت مساعي السّلم، وأفسد على النّاس الرّأي الّذي دعاهم إليه عُتبة.

عَليٌّ يَرأسُ دَوريّة الاستِطلاع:

فلمّا وصل الرّسول الأعظم إلى قرب بدر، أرسل فرقة استطلاعية يرأسها عليّعليه‌السلام ؛ لاستكشاف الحال وجمع المعلومات عن تحرّكات الأعداء، فسار عليّ بفرقته الاستكشافيّة، حتّى وصل إلى ماء بدر، فظفر برجلين؛ أحدهما اسمه: اسلم، وهو مولى لبني الحجاج، والثّاني اسمه: عريض، أبو يسار، مولى لبني العاص بن سعيد؛ يستقيان الماء

٣٦

لجيش قريش، فأتى بهما مخفورين إلى الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسألهما قائلاً:

نحنُ سُقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء.

فقال الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«اخبراني عن قريش؟»،

قالا: هم والله وراء هذا الكثيب الّذي ترى بالعُدْوة القصوى - (وهم العَقَنْقَل) -، فقال لهما الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«كم القوم؟»،

قالا: كثير، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما عددهم؟»، قالا: لا ندري.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كم ينحرون كلَّ يوم؟»،

قالا: يوماً تسعاً، ويوماً عشراً.

٣٧

فقال رسول الله: «القوم فيما بين التّسعمائة والألف».

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما: «فمن فيهم من أشراف قريش؟»، قالا:

(عُتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختريّ بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، والنّضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأُميّة بن خلف، ونبيه ومُنبّه ابنا الحجّاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبدود(1) .

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص269.

٣٨

الرّسول يَسَتشيُر أصَحابُه

فلمّا علم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ قريشاً قد أعدّت العُدَّة الكافيّة لمحاربته، والقضاء على دعوته، ولم يكن هو مستعداً لهذا الجيش القادم؛ وإنّما كان استعداده لمقابلة قافلة تجاريّة، تحميها عشرات من الرّجال، كان أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدور بين أنْ يرجع وبين أنْ يقتحم المعركة ويقاتل بجيشه الصّغير عدَّة وعدداً، والكبير روحاً ومعنويّة. فعندها التفت إلى أصحابه ليستخبر نيّاتهم، ويستكشف غاياتهم، وهو في منطقة (وادي ذفران)، قائلاً: «أشيروا عليَّ، هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها».

فقام إليه المقداد بن عمرو (رضوان الله عليه)، قائلاً:

يا رسول الله، امض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى، بل نقول:

اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما

٣٩

مقاتلون، فوالّذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى بَرك الغِماد(1) لجالدنا معك من دونه، حتّى تبلغه(2) .

فدعا له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيراً، ثم توجّه نحو الأنصار، قائلاً:

«أشيروا عليَّ أيها النّاس».

فأجابه سعد بن معاذ، قائلاً:

والله لكأنَّك تريدُنا يا رسول الله؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أجل!»، قال سعد: (فقد آمنَّا بك وصدَّقناك، وشهدنا أنْ ماجئت به هو الحق،

____________________

(1) بَرك الغِماد: موضع بناحية اليمن، ويضرب به المثل لبُعده.

(2) السّيرة النّبويّة، ابن هشام، ج2، ص266 و267.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

إنّ عليا وجعفرا ثقتي

عند ملمّ الزمان والنّوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما

أخي لأمي من بينهم وأبي

والله لا أخذل النبيّ ولا

يخذله من بني ذو حسب(١) ]

فهل من المعقول أنّ رجلا يأمر ولده بمتابعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ويأمره بنصرته وعدم خذلانه ، ثم هو يخالف ذاك الرسول ولا يؤمن به؟

شواهد أخرى على إيمان أبي طالبعليه‌السلام

ذكر كبار علمائكم وجميع المؤرخين من دون استثناء ، أنّ قريشا حين قاطعوا بني هاشم وحاصروهم محاصرة اقتصادية واجتماعية ، التجأ بنو هاشم بأبي طالب ، فأخذهم الى شعب له يعرف بشعب أبي طالب ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٦٥ ، ط إحياء الكتب العربية [وكان سيّد المحصورين في الشعب ورئيسهم وشيخهم أبو طالب بن عبد المطلب ، وهو الكافل والمحامي ، وقال في صفحة ٦٤ : وكان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله (ص)

__________________

(١) ديوان أبي طالب ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٤ / ٧٦ ، ط دار احياء التراث العربي.

(٢) نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٥٢ ، ط إحياء الكتب العربية من كتاب السيرة والمغازي لمحمد بن إسحاق بن يسار ، وقال : إنّه كتاب معتمد عند أصحاب الحديث والمؤرّخين. قال : إنّ أبا طالب رأى عليا يصلي. قال له : أي بني ما هذا الذي تصنع؟ قال : يا أبتاه ، آمنت بالله ورسوله وصدّقته قال له : أما انّه لا يدعوك إلاّ إلى خير ، فالزمه.

«المترجم»

٩٤١

البيات إذا عرف مضجعه ، يقيمه ليلا من منامه ويضجع ابنه عليّا مكانه.

فقال له عليّ ليلة : يا ابت ، إنّي مقتول؟ فقال له :

اصبرن يا بنيّ فالصبر أحجى

كل حيّ مصيره لشعوب

قدّر الله والبلاء شديد

لفداء الحبيب وبن الحبيب

لفداء الأغرّ ذي الحسب الثا

قب والباع والكريم النجيب

إن تصبك المنون فالنبل تبري

فمصيب منها ، وغير مصيب

كلّ حيّ وإن تملّى بعمر

آخذ من مذاقها بنصيب

فأجاب عليعليه‌السلام ، فقال له :

أتأمرني بالصّبر في نصر أحمد

ووالله ما قلت الذي قلت جازعا

ولكنّني أحببت أن ترى نصرتي

وتعلم أنّي لم أزل لك طائعا

سأسعى لوجه الله في نصر أحمد

نبيّ الهدى المحمود طفلا ويافعا]

بالله عليكم فكّروا وانصفوا! هل يضحّي أحد بابنه إلاّ في سبيل العقيدة؟

هل من المعقول أنّ أبا طالب يقدّم ابنه عليا فداء لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو غير مؤمن به وبرسالته السماوية؟!

وذكر كثير من المؤرخين والمحدّثين منهم : سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواصّ فقال : وقال ابن سعد حدثني الواقدي قال : [قال عليعليه‌السلام «لمّا توفي أبو طالب. أخبرت رسول الله (ص) فبكى بكاء شديدا ، ثم قال : اذهب فغسّله وكفّنه وواره ، غفر الله له ورحمه».

فقال له العباس : يا رسول الله إنّك لترجو له؟ فقال «أي والله! إنّي لأرجو له». وجعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج

٩٤٢

من بيته وقال علي يرثيه :

أبا طالب عصمة المستجير

وغيث المحول ونور الظلم

لقد هدّ فقدك أهل الحفاظ

فصلّى عليك وليّ النعم

ولقّاك ربّك رضوانه

فقد كنت للطّهر من خير عم

فأسألكم : أما قال الله سبحانه في كتابه :( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ ) (١) ؟.

فإذا مات أبو طالب مشركا كما تزعمون ، فكيف جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر له أياما لا يخرج من بيته؟!

والمشهور أنّ طلب الرحمة والمغفرة للمشرك حرام.

ثم كلّنا نعلم أنّ تجهيز الميّت أي تغسيله وتكفينه من سنن الإسلام ، فإذا لم يكن أبو طالب مسلما ، فكيف يأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا بتغسيله وتكفينه ومواراته؟

وهل من المعقول أنّ علياعليه‌السلام وهو سيد الموحدين وإمام المتقين وأمير المؤمنين ، يرثي مشركا بذاك الرثاء الذي هو جدير أن يرثى به الأنبياء والأوصياء ، ولا سيما وصفه : «بنور الظلم» ، وأنه «صلى عليه وليّ النعم وهو الله سبحانه وتعالى ، «ولقّاك ربّك رضوانه ..» وهل الله عزّ وجلّ يلقى رضوانه المشركين؟!

فهذه كلها دلائل ناصعة ، وبراهين ساطعة في إيمان أبي طالب.

الشيخ عبد السلام : إذا كان أبو طالب مؤمنا ، فلما ذا لم يعلن إيمانه مثل حمزة والعباس؟

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٤٨.

٩٤٣

قلت : إنّ إعلان حمزة إيمانه وإظهار إسلامه ، وكتمان أبي طالب إيمانه وإسلامه كان عن حكمة وتدبير ، فقد كان حمزة رجل الضّرب والحرب ، جسورا في اقتحام المعارك ، فلما أظهر إيمانه وأعلن اسلامه ، قويت شوكة المسلمين وكانوا مستضعفين ، فإسلام حمزة بعث فيهم الروح وقوّى معنوياتهم وشدّ عزائمهم. لكن أبا طالب كان رجل الحكمة والتدبير ، وكان هو آنذاك يتزعّم بني هاشم ، فكانوا تحت لوائه ، وحتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان تحت كفالته وحمايته ، وكانت قريش تراعي مقامه وشخصيّته لأنّهم يحسبونه منهم ، وعلى طريقتهم ودينهم ، فكانوا يتنازلون له ويواجهونه باللّين ، حتى أنّهم كانوا يطمعون فيه أن يسلّمهم محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقضوا عليه ويقتلوه(١) .

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٨١ و ٨٢ ، ط دار إحياء الكتب العربية : قالوا [وإنما لم يظهر أبو طالب الإسلام ويجاهر به ، لأنّه لو أظهره لم يتهيّأ له من نصر النبي (ص) ما تهيّا له ، وكان كواحد من المسلمين الذين اتّبعوه ، نحو أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما ممّن أسلم ، ولم يتمكن من نصرته والقيام دونه حينئذ ، وإنّما تمكّن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش وان أبطن الإسلام ، كما لو أنّ إنسانا كان يبطن التشيّع مثلا ، وهو في بلد من بلاد الكرّامية ـ أعداء للشيعة ـ وله في ذلك البلد وجاهة وقدم ، وهو يظهر مذهب الكرامية ، ويحفظ ناموسه بينهم بذلك وكان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة لا يزالون ينالون بالأذى والضرر من أهل ذلك البلد ورؤسائه ، فإنّه ما دام قادرا على إظهار مذهب أهل البلد ، يكون أشدّ تمكّنا من المدافعة والمحاماة عن أولئك النفر ، فلو أظهر ما يجوز من التشيّع ، وكاشف أهل البلد بذلك. صار حكمه حكم واحد من أولئك النفر ، ولحقه من الأذى والضرر ما يلحقهم ، ولم يتمكّن من الدفاع أحيانا عنهم كما كان أوّلا.] «المترجم»

٩٤٤

ولكن يا ترى هل تنازل أبو طالب أمام قريش في شيء مما طلبوا منه في ابن أخيه ، من طرده وترك نصرته و...؟!

وأما العباس بن عبد المطلب ، فإنّه سبق إلى الاسلام وآمن بابن أخيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن بأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتم إيمانه أيضا ، فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أنّ العباس أراد أن يهاجر مع رسول الله (ص) إلى المدينة ، ولكن النبي (ص) أمره بالبقاء فيها وقال «بقاؤك في مكّة خير لي». فكان العباس يكتب إلى النبي (ص) أخبار مكة ويرسلها إليه ، حتى أخرجه المشركون كرها إلى بدر فكان من الأسرى ففدّى نفسه وأطلق ، ولما اقتضت الأمور وارتفعت الموانع ، أعلن إسلامه وأظهر إيمانه يوم فتح خيبر.

وقال الشيخ القندوزي في ينابيع المودّة / الباب السادس والخمسون / تحت عنوان ذكر إسلام العباسرضي‌الله‌عنه ـ وفي الباب عناوين كثيرة ـ : قال أهل العلم بالتاريخ : إنّ العباس أسلم قديما وكتم إسلامه ، وخرج مع المشركين يوم بدر فقال النبي (ص) «من لقي العباس فلا يقتله فإنه خرج مكرها». وهو يكتب أخبار المشركين من أهل مكة إلى النبي (ص) وكان المسلمون يؤمنون به وكان يحب الهجرة إلى المدينة ، لكن النبي (ص) كتب إليه «إنّ مقامك بمكة خير لك». ولمّا بشّر أبو رافع ـ رقّ النبي (ص) ـ بإسلام العباس ، أعتقه النبي (ص).

فيا ترى لو كان العباس يموت قبل إعلانه وإظهار إيمانه ، ما كان يتّهم بالشرك؟

فأبو طالب كذلك آمن بالنبي الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن الحكمة وحسن التدبير اقتضت أن لا يظهر ايمانه ، ليتمكّن من حماية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٩٤٥

ونصرته.

ولذلك ذكر المؤرّخون كلهم ، منهم ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ١٤ / ٧٠ قال [وفي الحديث المشهور : إنّ جبرائيلعليه‌السلام قال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة مات أبو طالب : «أخرج منها فقد مات ناصرك»(١) .]

الشيخ عبد السلام : هل اشتهر اسلام أبي طالب على عهد النبي (ص) وهل عرفه المسلمون؟

قلت : نعم اشتهر إيمان أبي طالب وإسلامه ، وكل المؤمنين والمسلمين كانوا يذكرون أبا طالب بالخير ويعظّمونه ويحترمونه.

الشيخ عبد السلام : كيف يمكن أن يكون أمره شائعا مشهورا في عهد رسول الله وبعد النبي (ص) بثلاثين سنة تقريبا ، يكذبون على رسول الله (ص) ويضعون ويجعلون حديثا عنه ، بخلاف ذلك الأمر الشائع ، بحيث يخفونه على المسلمين ويغيّرون الواقع والحقيقة!

قلت : ليس هذه أول قارورة كسرت في الإسلام ، فإنّ هناك حقائق كثيرة أنكروها وحتى أحكام كانت على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شائعة. يعمل بها المسلمون ويصدّقها المؤمنون ، غيّرها المبتدعون وبدّلها المبطلون ، حتى نسيها الجيل الذي أتى بعد ذلك العهد.

__________________

(١) ذكر سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص : ١٩ ، ط بيروت / قال [قال ابن سعد : حدثنا الواقدي قال : دعا أبو طالب قريشا عند موته ، فقال : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد ابن أخي وما اتبعتم أمره ، فاتّبعوه واعينوه فأرشدكم.]

أيها القارئ الكريم فكّر هل تخرج هذه الوصية إلاّ من مؤمن برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كامل للايمان! «المترجم»

٩٤٦

الشيخ عبد السلام : إذا كان كذلك فاذكر لنا نموذجا ، حتى نعرف!

قلت : الشواهد لقولي كثيرة ، ولكنّ الوقت لا يسمح أن اذكرها ، وإنّما أذكر نموذجا واحدا وهو حكم اتّفق عليه الجمهور ، ومستند إلى كتاب الله وسنّة رسوله وقد عمل به المسلمون والصحابة وكان شائعا بينهم ، إلاّ أن الخليفة الثاني حرّمه ومنع المسلمين من العمل به ، وهو الزواج المنقطع ، والنكاح الموقّت.

فقد ذكر المحدّثون والفقهاء وأصحاب التاريخ والسّير : أنّ الزواج الموقّت كان جاريا من عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعمل به المسلمون في عهد أبي بكر أيضا ، وكذلك معمول به في شطر من خلافة عمر ، ولكنّه رأى بعد ذلك تحريمه ، ومنع المسلمين من العمل به ، فصعد المنبر وأعلن فقال [متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما.]

فجاء حكم عمر ناسخا لحكم الله ورسوله إلى يومنا هذا ، بحيث نرى حتى بعض أهل العلم من العامّة يتهجّمون على الشيعة في كتبهم ويفترون عليهم بأنّهم أهل البدع والضلال ويستشهدون لصدق كلامهم ، بأنّ الشيعة يلتزمون بالزواج الموقّت ويجيزونه ويبيحونه.

فالافتراء على أبي طالبعليه‌السلام ، واتهامه بالكفر ، وقذفه بالشرك ، وتغيير واقعه في التاريخ ، وتبديل حقيقته بين كثير من الناس ، مثلكم أنتم وأمثالكم ، لم يكن بأعجب ولا أصعب ، من تغيير حكم الله وتبديل سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأمر الذي عمل به أكثر الصحابة وذكر الله في كتابه بالصراحة ، وإذا به ينقلب حراما بحكم عمر بن الخطاب ، ويعيّن لفعله عقابا وعذابا صارما.

والناس يقبلون منه التغيير ويمتنعون بحكمه من حكم الله

٩٤٧

سبحانه ، وحتى أنتم اليوم ملتزمون بحكم الخليفة وجعل حلال الله تعالى حراما.

الشيخ عبد السلام : أتريد أن تقول أنّ ألوف الملايين من المسلمين الذين جاءوا بعد عمر الفاروق كلهم عملوا على خلاف حكم الله سبحانه ورجّحوا كلام الخليفة على كلام الله وسنّة رسوله (ص)؟

والحال كل أهل العالم يعلمون بأننا نتمسّك بسنّة رسول الله (ص) ونعمل بها حتى أطلقوا علينا كلمة «أهل السنّة» وأطلقوا عليكم كلمة «الرافضة» لأنّكم رفضتم سنّة النبي (ص)(١) .

نحن أهل السنّة وأنتم الرافضة

قلت : ربّ مشهور لا أصل له ، أنتم تسمّون أهل مذهبكم ـ أهل السنّة ـ وتسمّون شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الرافضة ـ وليس الأمر كما تدّعي بأنّ أهل العالم أطلقوا كلمة ـ أهل السنّة ـ عليكم وكلمة ـ الرافضة ـ على الشيعة. فإنّ الأصل على عكس التسميتين ، فإنكم إذا فتحتم أعينكم وأبصرتم الحقائق بقلوبكم وعقولكم لعرفتم أنّ الشيعة هم في الحقيقة أتباع القرآن الكريم وسنّة سيد المرسلين ، وغيرهم هم الذين رفضوا العمل بالقرآن والتمسّك بالسنة الشريفة.

الشيخ عبد السلام قال ـ مستهزئا ـ : أحسنت. إذ سمّيت ألوف

__________________

(١) لا يخفى على المحقّق الخبير ، والمتتبّع البصير أنّ معاوية هو الذي أطلق اسم ـ أهل السنّة والجماعة ـ على العامّة ، وأطلق كلمة ـ الرافضة ـ على شيعة الإمام عليّعليه‌السلام وأتباعه ، فهو الآخر ، قد قلب الحقائق ، وبدّل واقع الأمور.

«المترجم»

٩٤٨

الملايين من المسلمين المتمسكين بكتاب الله وسنّة رسوله (ص) روافض ليت شعري ما هو دليلك على هذا الادّعاء؟!

قلت : أراك تأثّرت من كلامي وقولي : بأننا نحن أهل السنة وأنتم الرافضة ، وأنتم منذ مئات السنين تدّعون هذا الأمر وتسمّون ألوف الملايين من شيعة آل محمد وأهل بيته الطاهرين طول التاريخ بالرافضة ، بل ترمونهم بالكفر والضلال ، بغير دليل ولا برهان ، بل ادّعاء محض وافتراء واضح البطلان.

ولكنّي كما أثبتّ في طول مناقشاتي في الليالي الماضية أنّي لا أتكلم بغير دليل ولا أستند في حديثي بالأقاويل والأباطيل ، فكذلك هذه الليلة

وأما دليلي على أنّنا نحن أتباع القرآن الحكيم وسنّة سيد المرسلين فهو حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أثبتناه في الليالي الماضية وذكرنا مصادره من كتبكم المعتبرة ، وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا».

وأنتم أعرضتم عن أهل البيت وتمسكتم بغيرهم بل تمسكتم أحيانا بأعدائهم ومخالفيهم ، وتركتم حكم الله الذي عمل به أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته ، وتمسكتم بحكم عمر الذي غيّر حكم الله وحرّم حلاله ، وكذلك أبو بكر خالف حكم الله سبحانه في عدم إعطاء خمس الغنائم لأهل البيتعليهم‌السلام في صريح قوله تعالى :( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) (١) وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته يعمل بهذه الآية الشريفة ، وقد أثبتنا ذلك في الليالي الماضية ونقلنا لكم أقوال أعلامكم بأنّ أبا بكر غيّر حكم الخمس وتبعه

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ٤١.

٩٤٩

عمر ، وأما عثمان فقد خصّه لقرباه عوض قربى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعطى الخمس لمروان وأبيه وأخيه وغيرهم من بني أمية الذين طردهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعنهم. وأنتم أيضا إلى اليوم تتبعون سنّة أبي بكر وهي على خلاف سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسنّته الشريفة.

هل اكتفيتم أم أزيدكم؟!

الشيخ عبد السلام : ما هو دليلكم من كتاب الله عزّ وجلّ على تشريع الزواج المؤقّت ، هل عندكم دليل صريح من القرآن الحكيم؟

دليلنا في تشريع الزواج المؤقّت

قلت : نعم دليلنا من القرآن الكريم في تشريع الزواج المؤقّت الآية الكريمة التي تصرّح وتقول :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) .

هذا هو صريح حكم الله جلّ وعلا وما نسخ بآية أخرى ، فيكون الحكم باقيا إلى آخر الدنيا ، فإنّ حلال محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

الشيخ عبد السلام : كيف عرفتم أنّ هذه الآية تشير إلى الزواج المؤقّت!

فإن الاستمتاع يحصل في الزواج الدائم وإيتاء الأجور وهو المهر واجب فيه وفرض أيضا.

قلت : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار. فلا بدّ في مثل هذه القضايا المشتبهة أن نراجع كتب التفسير ، وأنّ

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢٤.

٩٥٠

مفسّريكم مثل الطبري في تفسيره : ج ٥ والفخر الرازي في تفسيره : ج ٣ وغيرهما ذكروا في تفسير الآية الزواج المؤقّت وقالوا [بأنّ الآية نزلت في تشريع الزواج المؤقّت.]

إضافة إلى بيان مفسريكم في تفسير الآية الكريمة ، فإنكم تعلمون أنّ الله عزّ وجلّ في سورة النساء قد بيّن أنواع النكاح المشروع في الإسلام. فقال في النكاح الدائم :( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا* وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (١) .

وقال سبحانه في الآية ٢٤ :( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) في هذه الآية صرّح بتشريع الاستمتاع من النساء ، مقابل أجر فرض بينهما ، والاستمتاع هو زواج المتعة أو المؤقّت.

وشرّع نوعا ثالثا في النكاح وهو ملك اليمين ، فقال عزّ وجلّ :( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ ، فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ) (٢) .

فإذا كانت آية الاستمتاع أيضا تتضمّن الزواج والنكاح الدائم فيكون ذكر هذا الموضوع في سورة واحدة مكررا ، وهذا إلى اللغو أقرب ، وحاشا كلام الله العزيز من اللغو ، والله جلّ جلاله حكيم واللغو لا يصدر من الحكيم.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢ و ٣.

(٢) سورة النساء ، الآية ٢٥.

٩٥١

ثم إننا نجد الكلمات والتعابير في الآيتين مختلفة ، ففي الآية الأولى يقول سبحانه :( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ ) . وفي الآية الثانية يقول تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) . فبدّل النكاح بالاستمتاع والصداق بالأجور. كما أنّ المؤرخين قد ذكروا أنّ المسلمين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يتزوجون بزواج المتعة وهو الزواج المؤقت. فإذا كانت آية المتعة ـ على حدّ زعمكم ـ تشير إلى الزواج الدائم لا المؤقّت ، فما هي الآية التي عرف المسلمون منها وفهموا بها الزواج المؤقّت؟

وعلى استناد أيّة آية من كلام الله العزيز شرّع لهم الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زواج المتعة؟

روايات المتعة عن طريق أهل السنّة

أما الروايات الواردة ، والأخبار المرويّة في المتعة والزواج المؤقّت في كتبكم المعتبرة ، من علمائكم وأعلام أئمتكم ، فكثيرة لا يمكن رفضها ونقضها ، لأنّ بعضها جاءت في الصحاح ، فقد روى البخاري في صحيحه كتاب التفسير باب فمن تمتع بالعمرة الى الحج وأحمد في المسند ج ٤ / ٤٢٩ عن أبي رجاء عن عمران بن حصين أنّه قال [نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها على عهد رسول الله (ص) ، ولم ينزل قرآن بحرمتها ولم ينه عنها رسول الله (ص) حتى إذا مات ، قال رجل برأيه ما يشاء.]

وروى مسلم في صحيحه : ج ١ / ٥٣٥ ، باب نكاح المتعة / عن عطاء قال [قدم جابر بن عبد الله معتمرا ، فجئناه في منزله ، فسأله القوم

٩٥٢

عن أشياء ثم ذكروا المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وعلى عهد أبي بكر وعمر(١) .]

وروى مسلم في نفس الجزء ٤٦٧ ، في نفس الباب وفي كتاب الحج / باب التقصير في العمرة / مسندا عن أبي نضرة قال [كنت عند جابر بن عبد الله إذ أتاه آت فقال : انّ ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله (ص) ثم نهانا عنهما عمر.] ورواه أحمد في المسند : ج ١ / ٢٥ بطريق آخر باختلاف يسير في اللفظ(٢) .

وروى مسلم في صحيحه نفس الجزء / باب نكاح المتعة / بسنده عن أبي الزبير قال [سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر ، حتى نهى عمر عنه في شأن عمرو بن حريث(٣) .]

وفي صحاحكم ومسانيدكم توجد أخبار وروايات كثيرة جدا في هذا الباب لا مجال لذكرها ، وكلها تكشف عن عمل الصحابة بالمتعة على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وأوائل عهد عمر ، ثم نهاهم عمر

__________________

(١) ورواه أيضا أبو داود في صحيحه : ج ١٣ ، باب الصداق ، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده : ج ٣ / ٣٨٠ ، ونقله المتقي في كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٤.

(٢) ورواه أحمد أيضا في المسند : ج ٣ / ٣٢٥ و ٣٥٦ و ٣٦٣ باختصار ، ورواه أيضا البيهقي في سننه ج ٧ / ٢٠٦ ، ورواه الطحاوي باختصار في شرح معاني الآثار في كتاب مناسك الحج / ٤٠١ ، ورواه المتقي في كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٤ وقال :أخرجه ابن جرير.

(٣) ورواه البيهقي في سننه ج ٧ / باب ما يجوز أن يكون مهرا ، وذكره العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ١٠ / ٣٧١ ، ونقله المتقي في كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٤.

«المترجم»

٩٥٣

عنها وتوعّد من يستمتع بالرجم(١) .

__________________

(١) تأكيدا لكلام المؤلّف أنقل للقارىء الكريم بعض الروايات التي عثرت عليها في كتب علماء العامّة فقد روى أحمد في المسند : ج ٢ / ٩٥ ، بسنده عن سالم قال [كان عبد الله بن عمر يفتي بالذي أنزل الله عزّ وجلّ من الرخصة بالتمتع ، وسنّ رسول الله (ص) فيه ، فيقول ناس لابن عمر : كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك! فيقول له عبد الله : ويلكم ألا تتقون الله! (إلى أن قال) فلم تحرّمون ذلك وقد أحلّه الله وعمل به رسول الله (ص)! أفرسول الله (ص) أحقّ أن تتبّعوا سنّته أم سنّة عمر!!]

أقول : وهذه الرواية صريحة بأنّ القوم رفضوا سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتمسّكوا بسنّة عمر ، فهم الرافضة ، والشيعة هم أهل السنة.

ورعاية للاختصار أذكر لكم المصادر في الموضوع من غير نقل الروايات واذا احببتم فراجعوا :

صحيح البخاري / كتاب التفسير / باب فمن تمتّع بالعمرة الى الحج وكتاب النكاح وكتاب التوحيد / باب قول الله :( هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ ) .

صحيح مسلم / كتاب الحج / باب جواز التمتع وباب التقصير في العمرة ، وفي كتاب النكاح / باب نكاح المتعة.

صحيح ابن ماجة صفحة ٢٢٠ باب التمتع بالعمرة الى الحج.

صحيح الترمذي : ج ١ / باب ما جاء في التمتع.

صحيح النسائي : ج ٢ في القرآن.

مسند أحمد بن حنبل : ج ٣ / ٣٢٥ و ٣٥٦ و ٣٦٣ و ٣٨٠ وفي ج ٤ / ٤٢٩ و ٤٣٤ و ٤٣٦ و ٤٣٨ و ٤٣٩ وفي ج ١ / ٥٢.

مسند أبي داود الطيالسي : ج ٨ / ٢٤٠ ، وفي ج ٧ / ٢١٧ ، روى بسنده عن مسلم القرشي قال [دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء. فقالت : فعلناها على عهد النبي (ص).] وفي ج ٨ / ٢٤٧.

٩٥٤

__________________

سنن البيهقي : ج ٥ / ٢١ وج ٧ / باب نكاح المتعة / روى فيه بسنده بطريقين عن عمر قال [متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، احداهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة ، والأخرى متعة الحج ، افصلوا حجّكم عن عمرتكم فإنّه أتمّ لحجّكم وأتمّ لعمرتكم.] ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار / كتاب مناسك الحج : ص ٤٠١ ، وذكره المتقي في الكنز : ج ٨ / ٢٩٤ بطريقين وقال : أخرجهما ابن جرير ، ورواه جمع آخر من الأعلام.

سنن البيهقي : ج ٥ / ١٦ وروى في صفحة ٢١ عن ابن عمر بطريقين أنّه كان يفتي بالمتعة فقيل له [أتخالف أباك وقد نهى عنها؟ قال لهم ابن عمر : ويلكم ألا تتقون الله فلم يحرّمون ذلك وقد أحلّه الله وعمل به رسول الله (ص) ، أفرسول الله (ص) أحقّ أن تتبّعوا سنّته أم سنّة عمر!] وفي الرواية الثانية قال [أفكتاب الله عزّ وجلّ أحقّ أن يتبع أم عمر!]

سنن الدارمي : ج ٢ / ٣٥ روى بسنده عن محمد بن عبد الله بن نوفل قال [سمعت عام حجّ معاوية يسأل سعد بن مالك كيف تقول بالتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : حسنة جميلة. فقال : قد كان عمر ينهى عنها ، فأنت خير من عمر! قال : عمر خير مني وقد فعل ذلك النبي (ص) وهو خير من عمر.]

ومن المصادر في الموضوع : شرح معاني الآثار للطحاوي في كتاب مناسك الحج ص ٣٧٣ و ٣٧٤ و ٤٠١ وفي كتاب النكاح / باب نكاح المتعة روى بسنده عن سعيد ابن جبير مضمون الرواية الآتية في مسند أحمد.

وفي مسند أحمد : ج ٤ / ٣ روى بسنده عن أبي إسحاق بن يسار قال : إنّا لبمكّة إذ خرج علينا عبد الله بن الزبير فنهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج وأنكر أن يكون الناس صنعوا ذلك مع رسول الله (ص). فبلغ ذلك عبد الله بن عباس فقال [وما علم ابن

٩٥٥

__________________

الزبير بهذا ، فليرجع إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فليسألها فإن لم يكن الزبير رجع إليها حلالا وحلّت. فبلغ ذلك أسماء ، فقالت : يغفر الله لابن عباس والله لقد أفحش ، قد والله صدق ابن عباس لقد حلّوا وأحللنا وأصابوا النساء.]

كتاب الموطّأ لمالك بن أنس إمام المذهب المالكي / في قسم الحج / باب ما جاء في التمتع.

ومسند محمد بن إدريس الشافعي إمام المذهب الشافعي : ص ٩٤ و ٢١٦.

كنز العمال : ج ٨ / ٢٩٣ روى عن ابن عمر قال [قال عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج.] وفي صفحة ٢٩٤ عن أبي قلابة وقال فيه [أنا أنهى عنهما وأضرب فيهما.] (قال) أخرجه ابن جرير وابن عساكر.

الإصابة لابن حجر العسقلاني : ج ٣ / القسم ١ / ١١٤ و ١٣٣ وفي ج ٨ / القسم ١ / ١١٣.

حلية الأولياء لأبي نعيم الحافظ : ج ٥ / ٢٠٥.

التفسير الكبير للفخر الرازي / في تفسير قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ ) الخ قال : وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال «لو لا أنّ عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلاّ شقيّ».

الطحاوي في شرح معاني الآثار ، في كتاب النكاح / باب نكاح المتعة ، روى بسنده عن عطاء عن ابن عباس قال [ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها هذه الامة ولو لا نهي عمر بن الخطاب عنها ما زنى الا شقي.]

ورواه السيوطي أيضا في تفسير الدرّ المنثور في تفسير الآية الكريمة ، عن عطاء عن ابن عباس.

أقول [هذه الروايات بعض ما عثرت عليه في مصادر العامّة المعتبرة لديهم ولا يمكن ردّها لأنّ أكثرها جاءت في الصحاح ، وهي صريحة بأنّ عمر نهى عن متعة الحج ومتعة النساء ، وهو يعلم علم اليقين بأنّ الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرّعاها ، فغيّر وبدّل دين

٩٥٦

إضافة على ما نقلت لكم ، فإنّ مفسريكم قد نقلوا روايات حاصلها أنّ جماعة من الصحابة منهم أبيّ بن كعب وابن عباس وعبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير والسدّي وغيرهم ، كانوا يقرءون الآية هكذا : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى.

رواها جار الله الزمخشري في الكشّاف عن ابن عباس ، ومحمد ابن جرير الطبري في تفسيره والفخر الرازي في تفسير مفاتيح الغيب ، والثعلبي في تفسيره ، ونقل العلاّمة النووي في شرح صحيح مسلم في باب نكاح المتعة عن القاضي عياض عن المازري أنه روى عن عبد الله بن مسعود : فما أسمعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى.

ويروي الفخر الرازي عن أبيّ بن كعب وعن ابن عباس مثله ثم قال : والأمّة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة فكان ذلك إجماعا على صحّة ما ذكرنا.

ويقول بعده بورقة : فإنّ تلك القراءة لا تدلّ إلاّ على أنّ المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه.

__________________

الله وحكمه ، وقد قال تعالى :( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) المائدة : ٤٤.

وجاء في الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه : ج ٩ / ٢٢٩ وج ٦ / ٣٤٤ وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ٤ / ٢٣٧ كلاهما عن ابن عمر عن النبي (ص) قال «من قال في ديننا برأيه فاقتلوه». وتوجد روايات أخرى بهذا المعنى في أكثر الصحاح والمسانيد فتدبّر وخذ النتيجة.] «المترجم»

٩٥٧

الشيخ عبد السلام : نعم نتّفق معكم بأنّ المتعة كانت في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربّما نسخها ، فما دليلكم على عدم نسخها؟

قلت : أوّلا كلامكم في النسخ ادّعاء محض ، ولا بدّ للمدّعي من إقامة الدليل لإثبات ادّعائه ، فنحن نطالبكم بالدليل.

ولكن مماشاة لكم وتلبية لطلبكم أقول : دليلنا على عدم نسخها في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الروايات التي ذكرناها ولا سيما قول عمر : (متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما.) في بعضها [وأنا أنهى عنهما.]

كما أن عمل الأصحاب وسيرتهم في خلافة أبي بكر على ذلك أيضا(١) .

الشيخ عبد السلام : ولكن نستفيد من القرآن نسخ المتعة إذ يقول سبحانه :( إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (٢) .

فقد ذكر سبحانه في هذه الآية الكريمة سببين للحلّيّة وهما الزوجيّة وملك اليمين ، ونسخ المتعة لأنّها ليست تزويجا ، فلا إرث بينهما ولا نفقة ولا طلاق ولا عدّة ، وهذه كلها من لوازم الزوجيّة.

__________________

(١) قال ابن حجر العسقلاني في «الإصابة» ج ٣ / القسم ١ / ١١٤ : وقال ابن حزم في «المحلّى» : ثبت على تحليل المتعة بعد النبي (ص) من الصحابة ، ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة ومغيرة ابنا أميّة بن خلف. (قال ابن حجر) وذكر آخرين. (انتهى).

أقول : الصحيح أنهم ثبتوا على تحليل المتعة بعد عمر لأنه هو الذي حرّمها.

وهؤلاء خالفوا عمر وثبتوا على حكم الله ورسوله (ص).

«المترجم»

(٢) سورة المؤمنون ، الآية ٦.

٩٥٨

حكم المتعة غير منسوخ في القرآن

قلت : لا تدلّ هذه الآية على نسخ حكم المتعة ، بل هي في حدّ الزوجيّة ثم هذه الآية في سورة : [المؤمنون] وهي مكّيّة وتشريع المتعة في سورة النساء ، وهي مدنيّة ، فكيف الناسخ نزل قبل المنسوخ؟!

وأما قولك : بأنّ المتعة ليس فيها لوازم الزوجيّة من الإرث والنفقة والطلاق والعدّة.

فأقول : كلامك يدلّ على عدم اطلاعك لفقهنا وعدم مطالعتك لكتب علمائنا ، فإنّهم أثبتوا أنّ جميع آثار الزوجيّة تترتّب على المتعة ، إلاّ ما خرج بالدليل ، ولا يخفى أنّ الله سبحانه أسقط بعض شروط الزوجيّة ولوازمها ، لغرض التسهيل والتخفيف في هذا النوع من النكاح والتزويج.

ثم اعلم إنّ الإرث والنفقة ليسا من اللوازم الثابتة للزوجيّة فقد أفتى فقهاء الإسلام من الشيعة والسنّة : أنّ الزوجة الكتابيّة والناشزة والتي قتلت زوجها ، لا ترث منه ولا تستحق النفقة. مع العلم أنّ الزوجيّة باقية ، اذ لا يجوز لها أن تتزوّج برجل آخر ، وتجب عليها عدّة الوفاة ـ أربعة أشهر وعشرة أيّام ـ إذا توفّى الزوج.

وأما الطلاق في المتعة ، فإنّ حكم الطلاق بانقضاء الأجل المسمّى والمدّة المعيّنة ، أو بأن يهب الرجل ما تبقّى من المدّة ويتنازل عن حقه ، ويجب عليها العدّة وأقلّها خمسة وأربعين يوما ، والمشهور أن ترى المرأة طهرين ، أمّا إذا مات الرجل قبل انقضاء الأجل المسمّى وقبل أن يهبها ما تبقى من المدّة ، فيجب على المرأة أن تعتدّ عدة الوفاة ـ أربعة أشهر وعشرة أيّام ـ وهي عدّة المتوفّى عنها زوجها.

٩٥٩

الشيخ عبد السلام : لقد روى بعض علمائنا روايات تصرّح بأنّ النبي (ص) نسخ حكم المتعة ، فبعضها تشير بأنّ النبي (ص) نسخها عند ما فتح خيبر ، وبعضها تقول نسخها يوم فتح مكة ، وبعضها تقول في حجّة الوداع وبعضها في تبوك وبعضها في عمرة القضاء.

قلت : أوّلا : ـ هذا الاختلاف الفاحش دليل قويّ على وضع تلك الأخبار وكذبها. ومن الواضح أنّ غرض الواضعين والجاعلين تبرئة عمر وتنزيهه.

ثانيا : ـ لو قايسنا هذه الأخبار مع الروايات التي نقلناها من صحاحكم ومسانيدكم ومصادر أعلامكم ، وجدناها واهية ضعيفة بحيث لا تعدّ شيئا.

ثالثا : ـ كلام عمر كما نقلناه من كتبكم المعتبرة [متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أحرّمهما ، وما قال : كانتا ونسختا ، بل قال : أنا أحرّمهما.] فلو كانت آية ناسخة لاستند بها ولو كان حديث ناسخ من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاستدل به. ولكنّه أسند التحريم الى نفسه.

ونحن نجد في مصادركم وصحاحكم روايات صريحة بعدم نسخ المتعة وقد نقلنا بعضها لكم ، فإنّ في القائلين بعدم النسخ نجد بعض الصحابة الكبار مثل عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي ذر وعمران بن حصين وغيرهم. وتبعهم كبار علمائكم وقالوا بعدم نسخ حكم المتعة ، منهم جار الله الزمخشري في الكشّاف فإنّه بعد ما ينقل رواية ابن عبّاس يقول [آية المتعة من محكمات القرآن وما نسخت.]

ومنهم مالك بن أنس فإنّه أفتى بجواز المتعة وعدم نسخها ، كما

٩٦٠

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

981

982

983

984

985

986

987

988

989

990

991

992

993

994

995

996

997

998

999

1000

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205