ليالي بيشاور

ليالي بيشاور4%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252271 / تحميل: 4419
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

قال ابن حجر : وقد أخطأ من زعم أن له رؤية [أي للنبي] ، فإن أباه لا تصحّ له صحبة. بل يقال إن له رؤية وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما مات كان له نحو ثمان سنين. وقال أبو حاتم : ليست له صحبة. ويقال : كان يلقّب لطيم الشيطان.

(تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ج ٨ ص ٣٨)

مراسلة البصريين والكوفيين

٤٩٣ ـ اجتماع الشيعة في البصرة بدار مارية بنت سعدة :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٤ ص ٢١)

لما بلغت أخبار الحركة الحسينية إلى البصرة ، اجتمع الشيعة في بيت إحدى النساء العاملات في حقل السياسة ، وكانت توالي أهل البيتعليهم‌السلام . وقرروا نصرة الحسينعليه‌السلام والبيعة له ومكاتبته بذلك.

وقد ذكر ابن الأثير هذا الاجتماع وسجّله في كتابه (الكامل) قال :

واجتمع ناس من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبد القيس ، يقال لها : مارية بنت سعدة ، وكانت تتشيّع ، وكان منزلها لهم مألفا يتحدثون فيه. فعزم يزيد بن بنيط على الخروج إلى الحسينعليه‌السلام وهو من عبد القيس ، وكان له بنون عشرة ، فقال لهم : أيّكم يخرج معي؟. فخرج معه ابنان له : عبد الله وعبيد الله ، فساروا فقدموا عليه بمكة. ثم ساروا معه فقتلوا معه.

تعليق :

سنرى في الفقرة التالية كيف أن الإمام الحسينعليه‌السلام بعث برسالة إلى أهل الأخماس في البصرة ، يطلب منهم فيها بيعته ونصرته ، وقد كان ذلك ابتداء منه دون أن يكاتبوه ، ولو أن أهل الكوفة لم يكاتبوه لابتدأهم أيضا بالدعوة.

وهذا يدل على أن الإمام الحسينعليه‌السلام كان هدفه في نهضته هو إقامة الدولة الإسلامية ، وليس الذهاب إلى كربلاء ليستشهد كما توهّم البعض. وأما علمه بمصيرة المحتوم ، فلا يثنيه عن تكليفه الشرعي.

٤٤١

٤٩٤ ـ كتاب الحسينعليه‌السلام إلى أهل البصرة يستحثهم على نصرته ، وخبر مقتل الرسول سليمان :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٥٩)

وفي مكة كتب الحسينعليه‌السلام نسخة واحدة إلى رؤساء الأخماس(١) بالبصرة ، وهم مالك بن مسمع البكري ، والأحنف بن قيس ، والمنذر بن الجارود ، ومسعود ابن عمرو ، وقيس بن الهيثم ، وعمرو بن عبيد بن معمّر. وأرسله مع مولى له يقال له سليمان(٢) ، وفيه : أما بعد فإن الله اصطفى محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلقه وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته ، ثم قبضه إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما أرسل بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكنا أهله وأولياءه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك ، فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، فإن السّنّة قد أميتت ، والبدعة قد أحييت. فإن تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد.

فسلّم المنذر بن الجارود العبدي رسول الحسين إلى ابن زياد ، فصلبه عشية الليلة التي خرج في صبيحتها إلى الكوفة ليسبق الحسين إليها(٣) . وكانت ابنة المنذر (بحرية) زوجة ابن زياد ، فزعم أن يكون الرسول دسيسا من ابن زياد. (وفي رواية مقتل أبي مخنف ، ص ٢٣) قال : «ولم يبق أحد من الأشراف إلا قرأ الكتاب وكتمه ، ما خلا المنذر بن الجارود ، وكانت ابنته تحت ابن زياد ، فلما قرأ الكتاب قبض الرسول وأدخله على ابن زياد ، فضربت عنقه ، وكان أول رسول قتل في الإسلام»(٤) .

قال ابن كثير في (البداية والنهاية) ج ٦ ص ١٦٥ ، بعد إيراده هذا الكتاب :«وعندي في صحة هذا عن الحسينعليه‌السلام نظر ، والظاهر أنه مطرّز بكلام مزيد من

__________________

(١) إشارة إلى قبائل البصرة الخمس.

(٢) هذا في تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٠٠ ، وفي الله وف ، ص ٢١ : يكنى أبا رزين ، وفي مثير الأحزان لابن نما ، ص ١٢ : أرسله مع ذراع السدوسي.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٠٠.

(٤) لعل المقصود به أنه أول رسول قتله من يدّعي الإسلام.

٤٤٢

بعض رواة الشيعة». يقصد بذلك قولهعليه‌السلام : وكنا أهله وأولياءه ، وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك

٤٩٥ ـ خطاب مسعود بن عمرو في قومه من بني حنظلة بعد وصول كتاب الحسينعليه‌السلام :(مقتل المقرّم ، ص ١٦٠)

وأما مسعود بن عمرو (هذا في تاريخ الطبري وابن الأثير ، وفي مثير الأحزان لابن نما: يزيد بن مسعود) فإنه جمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد ، وخطب فيهم قائلا : يا بني تميم ، إن معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا. ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الظلم. وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمرا ، ظنّ أنه قد أحكمه ، وهيهات والذي أراد. اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل. وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدّعي الخلافة على المسلمين ، ويتأمّر عليهم بغير رضى منهم ، مع قصر حلم وقلة علم ، لا يعرف من الحق موطئ قدميه. فأقسم بالله قسما مبرورا ، لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين. وهذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن رسول الله ، ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل ، له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمه(١) وقرابته ، يعطف على الصغير ويحسن إلى الكبير. فأكرم به راعي رعية ، وإمام قوم وجبت لله به الحجة ، وبلغت به الموعظة. فلا تعشوا عن نور الحق ، ولا تسكّعوا(٢) في وهد الباطل. فقد كان صخر بن قيس(٣) انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصرته. والله لا يقصر أحد عن نصرته إلا أورثه الله تعالى الذل في ولده والقلة في عشيرته ، وهأنذا قد لبست للحرب لامتها(٤) ، وادّرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ، ومن يهرب لم يفت. فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب فتكلمت بنو حنظلة فقالوا : أبا خالد ، نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ، إن رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض والله غمرة إلا خضناها ، ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا.

__________________

(١) القدم : التقدم والسابقة.

(٢) التسكّع : هو التمادي في الباطل.

(٣) يعني الأحنف بن قيس.

(٤) اللامة : الدرع.

٤٤٣

٤٩٦ ـ كتاب مسعود بن عمرو إلى الحسينعليه‌السلام :

(مقتل المقرم ص ١٦٢)

ثم كتب مسعود بن عمرو إلى الحسينعليه‌السلام :

أما بعد فقد وصل إليّ كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك ، والفوز بنصيبي من نصرتك. وإن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير ، ودليل على سبيل نجاة. وأنتم حجة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه.تفرعتم من زيتونة أحمدية ، هو أصلها وأنتم فرعها. فاقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشدّ تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذلّلت لك رقاب بني سعد ، وغسلت درن قلوبها بماء مزن حين استهلّ برقها فلمع.

فلما قرأ الحسينعليه‌السلام الكتاب قال : مالك آمنك الله من الخوف ، وأعزّك وأرواك يوم العطش الأكبر.

ولما تجهّز مسعود بن عمرو إلى المسير ، بلغه قتل الحسينعليه‌السلام ، فاشتدّ جزعه وكثر أسفه ، لفوات الأمنيّة من السعادة بالشهادة(١) .

(أقول) : ولعمري هكذا تكون النصرة ، وهكذا تكون الولاية.

٤٩٧ ـ الكوفة على فوهة بركان :

(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ٧٥)

كان الحسينعليه‌السلام أمر شيعته في الكوفة معقل أبيه ، بالتريّث وعدم التسرع ، مادام معاوية حيا ، وذلك رعاية للظروف وإحكاما لخطة الثورة. فلما مات معاوية ماجت الكوفة بأهلها ، وحدثت بها هزة سياسية. وبدأ أهل الكوفة بمراسلة الإمام الحسينعليه‌السلام يستقدمونه لإمرة المسلمين.

فعقدوا أول اجتماع لهم في دار سليمان بن صرد الخزاعي ، أحد زعماء الشيعة وشجعان العرب المشهورين.

وبعد وصول آلاف الكتب من العراق ، كان على الحسينعليه‌السلام واجب النهوض لإنقاذ المسلمين من براثن الظالمين ، فيحقّ الحقّ ويبطل الباطل. وكانت استجابته سريعة ، لأنه وجد أن المناخ ملائم.

__________________

(١) مثير الأحزان لابن نما ، ص ١٣ ؛ واللهوف على قتلى الطفوف ، ص ٢١.

٤٤٤

٤٩٨ ـ مراسلة الكوفيين للحسينعليه‌السلام يستعجلونه بالقدوم إليهم :

(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٩٤ ط أولى مصر)

اجتمع سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة ورفاعة بن شدّاد وحبيب بن مظاهر من الكوفة ، وكتبوا كتابا للحسينعليه‌السلام . ثم سرّحوا بالكتاب مع عبد الله بن سبيع الهمداني وعبد الله بن وال. ثم سرّحوا إليه قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن ابن عبد الله بن الكدن الأرحبي وعمارة بن عبيد السلولي. فأخذوا معهم نحوا من ٥٣ صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة. ثم سرّحوا إليه شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي وتلاقت الرسل كلها عنده. وذكر المقرم في مقتله ، ص ١٦٣ «أن الكتب تكاثرت عليه حتّى ورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب ، واجتمع عنده من نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب». فقرأ الكتب وسأل الرسل عن أمر الناس. ثم كتب جوابا وأرسله مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله الحنفي.

٤٩٩ ـ خطاب سليمان بن صرد الخزاعي بالشيعة في منزله بالكوفة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٣)

لما علمت الشيعة في الكوفة بنزول الحسينعليه‌السلام مكة ، اجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي. فلما تكاملوا في منزله قام فيهم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي فصلى عليه ، ثم ذكر أمير المؤمنين ومناقبه وترحم عليه. ثم قال :

يا معشر الشيعة ، إنكم علمتم أن معاوية قد هلك ، فصار إلى ربه ، وقدم على عمله ، وسيجزيه الله تعالى بما قدّم من خير وشر ، وقد قعد بموضعه ابنه يزيد. وهذا الحسين بن عليعليه‌السلام قد خالفه ، وصار إلى مكة هاربا من طواغيت آل أبي سفيان.وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله ، وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا له ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه.

فقال القوم : بل نؤويه وننصره ونقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ، حتّى ينال حاجته.

ثم قال : فاكتبوا إليه الآن كتابا من جماعتكم أنكم له كما ذكرتم ، وسلوه القدوم

٤٤٥

عليكم. فقالوا : أفلا تكفينا أنت الكتاب؟. قال : بل نكتب إليه جماعتكم. فكتب القوم إلى الحسينعليه‌السلام :

١٠ شهر رمضان سنة ٦٠ ه

٥٠٠ ـ من كتاب كتبه أهل الكوفة للحسينعليه‌السلام بعد أن اجتمعوا في دار سليمان بن صرد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٤)

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . للحسين بن علي أمير المؤمنين ، من سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة وحبيب بن مظاهر ورفاعة بن شدّاد وعبد الله بن وال وجماعة من المؤمنين. سلام عليك ، أما بعد فالحمد لله الّذي قصم عدوّك وعدوّ أبيك من قبل ، الجبار العنيد ، الغشوم الظلوم ، الّذي ابتزّ هذه الأمة أمرها ، وغصبها فيأها ، وتأمّر عليها بغير رضى منها. ثم قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها ، فبعدا له كما بعدت ثمود. ثم إنه قد بلغنا أن ولده اللعين قد تأمّر على هذه الأمة بلا مشورة ولا إجماع ، ولا علم من الخيار. وبعد فإنا مقاتلون معك وباذلون أنفسنا من دونك ، فأقبل إلينا فرحا مسرورا ، مباركا منصورا ، سعيدا سديدا ، إماما مطاعا ، وخليفة مهديا ، فإنه ليس علينا إمام ولا أمير إلا النعمان بن بشير الأنصاري ، وهو في قصر الإمارة ، وحيد طريد ، لا نجتمع معه في جمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولا نؤدي إليه الخراج. يدعو فلا يجاب ، ويأمر فلا يطاع. ولو بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه عنا حتّى يلحق بالشام(١) . فاقدم علينا فلعل الله تعالى أن يجمعنا بك على الحق. والسلام عليك يابن رسول الله وعلى أبيك وأخيك ورحمة الله وبركاته.

ثم طووا الكتاب وختموه ودفعوه إلى عبد الله بن سبيع الهمداني وعبد الله ابن مسمع البكري (وقيل : عبد الله بن وال) ، فخرجا مسرعين حتّى قدما على الحسينعليه‌السلام بمكة لعشر من شهر رمضان(٢) .

__________________

(١) مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤١ ط نجف.

(٢) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٣٦.

٤٤٦

فقرأ الحسينعليه‌السلام كتاب أهل الكوفة ، فسكت ولم يجبهم بشيء.

٥٠١ ـ كتب أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)

ثم بعث أهل الكوفة بعدهما بيومين قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله ابن عبد الرحمن الأرحبي وعامر بن عبيد السلولي وعبد الله بن وال التميمي ، ومعهم نحو من خمسين ومائة كتاب ، الكتاب من الرجلين والثلاثة والأربعة ، يسألونه القدوم عليهم ، والحسينعليه‌السلام يتأنى في أمره ، ولا يجيبهم في شيء.

ترجمة سليمان بن صرد الخزاعي

(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٩)

كان سليمان بن صرد خيّرا فاضلا ، له دين وعبادة. سكن الكوفة أول ما نزلها المسلمون. وكان له قدر وشرف في قومه ، وشهد مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام مشاهده كلها.

قال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) : قال ابن سعد : سليمان بن صرد ، كنيته أبو المطرف ، صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان اسمه (يسار) فسمّاه رسول الله (سليمان). وكان له سنّ عالية وشرف في قومه. فلما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحوّل فنزل الكوفة ، وشهد مع عليعليه‌السلام الجمل وصفين.

وكان في الذين كتبوا إلى الحسينعليه‌السلام أن يقدم الكوفة ، غير أنه لم يقاتل معه خوفا من ابن زياد [أو أنه كان محبوسا عند ابن زياد حين حبس أربعة آلاف وخمسمائة لأنهم كاتبوا الحسينعليه‌السلام ]. ثم ندم سليمان بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ألا يكون قد استشهد معه ، فخرج هو والمسيّب بن نجبة الفزاري وجميع من خذله ولم يقاتل معه ، في ثورة (التوّابين) ، وقالوا : ما لنا توبة إلا أن نطلب بدم الحسينعليه‌السلام . فخرجوا من الكوفة مستهل ربيع الآخر من سنة ٦٥ ه‍ ، وولوا أمرهم سليمان بن صرد وسمّوه أمير التوّابين. وساروا إلى عبيد الله بن زياد ، وكان قد سار من الشام في جيش كبير يريد العراق ، فالتقوا (بعين الوردة) من أرض الجزيرة في سورية ، وهي رأس العين من أعمال قرقيسيا.

٤٤٧

وكان على أهل الشام الحصين بن نمير ، فاقتتلوا ، فترجّل سليمان ، فرماه الحصين بسهم فقتله ، فوقع وقال : فزت وربّ الكعبة. وقتل معه المسيّب بن نجبة ، فقطع رأسيهما وبعث بهما إلى مروان بن الحكم في الشام. وكانت سنّ سليمان يوم قتل ثلاثا وتسعين (٩٣) سنة.

٥٠٢ ـ أحد كتب أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط ٢ نجف)

ولما استقرّ الحسينعليه‌السلام بمكة وعلم به أهل الكوفة ، كتبوا إليه يقولون : إنا حبسنا أنفسنا عليك ، ولسنا نحضر الصلاة مع الولاة ، فاقدم علينا فنحن في مائة ألف. فقد فشا فينا الجور ، وعمل فينا بغير كتاب الله وسنة نبيّه. ونرجو أن يجمعنا الله بك على الحق ، وينفي عنا بك الظلم ، فأنت أحقّ بهذا الأمر من يزيد وأبيه ، الّذي غصب الأمة فيئها ، وشرب الخمور ولعب بالقرود والطنابير ، وتلاعب بالدين.

٥٠٣ ـ من كتاب كتبه شيعة الكوفة للحسينعليه‌السلام بواسطة هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)

ثم قدم عليه بعد (يومين) هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي بكتاب ، وهو آخر ما ورد إليه من أهل الكوفة ، وفيه :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. للحسين بن علي أمير المؤمنين من شيعته(١) وشيعة

__________________

(١) وردت كلمة (شيعة) بشكل مضاف وبشكل مفرد في عهد الحسينعليه‌السلام . وقد ذكرت نبيلة عبد المنعم داود في رسالتها (نشأة الشيعة الإمامية) لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي من جامعة بغداد ، طبع بغداد ١٩٦٨ ص ٧٤ و ٧٦ : أن ظهور (الشيعة) كان على عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أطلقت هذه الكلمة على شيعة عليعليه‌السلام وأنصاره. وأول الشيعة من الصحابة : سلمان الفارسي وأبوذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر. وظلت هذه الكلمة لا تستعمل بمفردها بل بشكل مضاف (شيعة علي) إلى أيام الحسينعليه‌السلام حيث بدأت تستعمل مفردة معرّفة بأل التعريف (الشيعة) يقصد بها أتباع أمير المؤمنين علي وأبنائه المعصومينعليه‌السلام ، القائلون بإمامتهم ولزوم اتباعهم.

٤٤٨

أبيه. أما بعد فحيّهلا(١) فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل يابن رسول الله. فقد اخضرّ الجناب(٢) ، وأينعت الثمار ، وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار. فاقدم إذا شئت ، فإنما تقدم إلى جند لك مجنّدة(٣) والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبل.

فقال الحسينعليه‌السلام لهانئ وسعيد : خبّراني من اجتمع على هذا الكتاب الّذي كتب معكما؟. فقالا له : يابن رسول الله اجتمع عليه شبث بن ربعي ، وحجّار بن أبجر ، ويزيد بن الحرث ، ويزيد بن رويم ، وعزرة بن قيس ، وعمرو ابن الحجاج ، ومحمد بن عمير بن عطارد.

٥٠٤ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام وقد استخار الله في أمر السفر إلى العراق ، بعد توارد الكتب عليه :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)

فعندها قام الحسينعليه‌السلام وتوضأ وصلّى ركعتين بين الركن والمقام(٤) ولما انفتل من صلاته سأل ربه الخير فيما كتب إليه أهل الكوفة ، ثم رجع إلى الرسل فقال لهم : إني رأيت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامي ، وقد أمرني بأمر وأنا ماض لأمره. فعزم الله لي بالخير ، فإنه ولي ذلك والقادر عليه.

ترجمة شبث بن ربعي

قال السيد إبراهيم الموسوي في (وسيلة الدارين) ص ٨٧ ، على ما رواه ابن الأثير في (أسد الغابة) وابن عبد البر في

(الاستيعاب) وابن حجر العسقلاني في (الإصابة) : شبث بفتح أوله والموحدة ثم مثلثة ، ابن ربعي التميمي اليربوعي ، أبو عبد القدوس ، له إدراك مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________________

(١) حيّهلا : اسم فعل بمعنى أقبل وأسرع ، وأصلها حيّ هلا.

(٢) الجناب : الناحية وما قرب من محلة القوم. والكلام كناية عن استتباب الأمر.

(٣) مثير الأحزان لابن نما ، ص ١١.

(٤) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٢٠.

٤٤٩

وقال الدار قطني : يقال إنه كان مؤذّن (سجاح) التي ادّعت النبوة ، ثم راجع الإسلام.

وقال هشام الكلبي : كان من أصحاب عليعليه‌السلام في صفين ، ثم صار مع الخوارج ، ثم تاب ، ثم كان فيمن قاتل الحسينعليه‌السلام .

وقال السماوي في (إبصار العين) : وولده عبد القدوس المعروف بأبي الهندي الشاعر الزنديق السكّير. وسبطه صالح بن عبد القدوس الزنديق الّذي قتله المهدي على الزندقة وصلبه على جسر بغداد.

(أقول) : يظهر من سيرة (شبث بن ربعي) طبع المنافقين في التقلب والتغير. فلا غرابة إذا كان شبث أول من كتب إلى الحسينعليه‌السلام يدعوه إلى العراق ، ثم كان أول خارج عليه ، لا بل كان أحد أصحاب رايات ابن زياد وقائد فرقة تعدادها أربعة آلاف فارس ، خرجت لقتال الحسينعليه‌السلام في صعيد كربلاء. الله م إنا نعوذ بك من فساد السريرة وسوء العاقبة!.

ترجمة حجّار بن أبجر

(إبصار العين للسماوي)

هو حجّار بن أبجر بن جابر العجلي. أبوه (أبجر) نصراني مات على النصرانية بالكوفة ، فشيّعه بالكوفة : النصارى لأجله ، والمسلمون لأجل ولده ، إلى الجبانة. وكان حجّار عازما على قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام مشتملا على السيف الّذي ضربه به.

٥٠٥ ـ كتاب الحسينعليه‌السلام إلى أهل الكوفة ردا على كتبهم ، وفيه يخبرهم بإرسال مسلم بن عقيل :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٥)

ولما اجتمع عند الحسينعليه‌السلام ما ملأ خرجين ، كتب إليهم كتابا واحدا دفعه إلى

٤٥٠

هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ، وكانا آخر الرسل ، على هذا النحو : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين ، سلام عليكم. أما بعد ، فإن هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله قدما عليّ من رسلكم ، وقد فهمت الّذي اقتصصتم وذكرتم ، ولست أقصر عما أحببتم.

(وفي رواية)(١) : «ومقالة جلّكم ، أنه ليس لنا إمام ، فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الهدى». وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي ، (وفي رواية)(٢) :

«وثقتي من أهل بيتي» ، مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وخبركم ورأيكم ورأي ذوي الحجى والفضل منكم ، وهو متوجه إليكم إنشاء الله ولا قوة إلا بالله. فإن كنتم على ما قدمت به رسلكم ، وقرأت في كتبكم(٣) فقوموا مع ابن عمي وبايعوه ولا تخذلوه ، فلعمري ما الإمام العامل بالكتاب القائم بالقسط ، كالذي يحكم بغير الحق ، ولا يهتدي سبيلا. جمعنا الله وإياكم على الهدى ، وألزمنا كلمة التقوى ، إنه لطيف لما يشاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

٥٠٦ ـ ما قاله الحسينعليه‌السلام لمسلم بن عقيل حين قرر إنفاذه إلى الكوفة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٦)

ثم طوى الكتاب وختمه ودعا بمسلم بن عقيل فدفع إليه الكتاب ، وقال : إني موجّهك إلى أهل الكوفة ، وسيقضي الله من أمرك ما يحبّ ويرضى ، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء ، فامض ببركة الله وعونه ، حتّى تدخل الكوفة ، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها ، وادع الناس إلى طاعتي ، فإن رأيتهم مجتمعين على بيعتي فعجّل عليّ بالخبر حتّى أعمل على حسب ذلك إنشاء الله تعالى. ثم عانقهعليه‌السلام وودعه وبكيا جميعا.

__________________

(١) مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٤٢ ؛ ومقتل أبي مخنف ، ص ١٩.

(٢) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي.

(٣) وفي مقتل المقرم ، ص ١٦٥ نقلا عن الطبري ، ج ٦ ص ١٩٨ ؛ والأخبار الطوال ، ص ٢٣٨ تتمة الكلام : أقدم عليكم وشيكا إنشاء الله ، فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله والسلام.

٤٥١

الفصل الرابع عشر

مسير مسلم بن عقيل

خرج من مكة في منتصف شهر رمضان ووصل إلى الكوفة في ٥ شوال سنة ٦٠ ه‍ واستشهد فيها يوم التروية ٨ ذي الحجة.

قال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٢ ص ٧٧ :

وكان مسلم بن عقيل أرجل ولد عقيل وأكملهم ، ولذلك انتخبه الحسينعليه‌السلام سفيرا له إلى العراق.

٥٠٧ ـ مسير مسلم بن عقيل إلى المدينة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٦)

قال أخطب خوارزم : خرج مسلم من مكة نحو المدينة مستخفيا ليلا ، لئلا يعلم أحد من بني أمية. فلما دخل المدينة بدأ بمسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى ركعتين.

٥٠٨ ـ ما حصل لمسلم بن عقيل في طريقه إلى الكوفة :

(المصدر السابق)

ثم خرج مسلم في جوف الليل وودّع أهل بيته ، واستأجر دليلين من قيس عيلان يدلّانه على الطريق ، ويمضيان به إلى الكوفة على غير الجادة.

فخرج به الدليلان من المدينة ليلا ، فسارا فأضلّا الطريق ، وجارا عن القصد.واشتدّ بهما العطش ، فماتا جميعا عطشا. وصار مسلم بن عقيل ومن معه إلى الماء ، وقد كادوا أن يهلكوا عطشا.

فكتب مسلم بن عقيل إلى الحسينعليه‌السلام :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . للحسين بن عليعليه‌السلام من مسلم بن عقيل :

٤٥٢

أما بعد فإني خرجت من المدينة مع دليلين استأجرتهما ، فضلّا عن الطريق ، واشتدّ بهما العطش فماتا. ثم إنا صرنا إلى الماء بعد ذلك ، وقد كدنا أن نهلك ، فنجونا بحشاشة أنفسنا ، وقد أصبنا الماء بموضع يقال له المضيق (وفي رواية :المضيق من بطن الخبت ، وهو ماء لبني كلب). وقد تطيّرت من وجهي الّذي وجّهتني فيه ، فرأيك في إعفائي عنه ، والسلام.

٥٠٩ ـ جواب الحسينعليه‌السلام لمسلم :(المصدر السابق)

فلما ورد كتابه على الحسينعليه‌السلام علم أنه قد تشاءم وتطيّر من موت الدليلين ، وأنه جزع. فكتب إليه :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . من الحسين بن عليعليهما‌السلام إلى مسلم بن عقيل : أما بعد ، فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ ، في الاستعفاء من وجهك الّذي أنت فيه ، إلا الجبن والفشل ، فامض لما أمرت به ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

فلما ورد كتاب الحسينعليه‌السلام على مسلم ، كأنه وجد [أي حزن] من ذلك في نفسه. فقال : لقد نسبني أبو عبد الله إلى الجبن والفشل ، وهذا شيء لم أعرفه من نفسي ساعة قط.

وأقبل حتّى دخل الكوفة.

٥١٠ ـ دخول مسلم بن عقيل الكوفة ونزوله بدار المختار :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٧)

وكان مسلم قد خرج من مكة للنصف من شهر رمضان ، ووصل الكوفة لخمس خلون من شوال. فنزل في دار مسلم بن المسيب ، وهي دار المختار بن أبي عبيد الثقفي. (وفي البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٦٥) : وقيل نزل في دار مسلم ابن عوسجة الأسدي.

البيعة

فجعلت الشيعة تختلف إليه ، وهو يقرأ عليهم كتاب الحسينعليه‌السلام ، والقوم يبكون شوقا إلى مقدم الحسينعليه‌السلام .

(وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٥ ط ٢ نجف) : ثم قالوا : والله لنضربنّ بين يديه بسيوفنا حتّى نموت جميعا.

٤٥٣

٥١١ ـ جرأة عابس بن شبيب الشاكري وثباته :(المصدر السابق)

ثم تقدم إلى مسلم رجل من همدان يقال له عابس الشاكري ، فقال : أما بعد ، فإني لا أخبرك عن الناس بشيء ، فإني لا أعلم ما في أنفسهم ، ولكن أخبرك عما أنا موطّن عليه نفسي. إني والله لأجيبنكم إذا دعوتم ، ولأقاتلن معكم عدوكم ، ولأضربنّ بسيفي دونكم أبدا حتّى ألقى الله ، وأنا لا أريد بذلك إلا ما عنده.

ثم قام حبيب بن مظاهر الأسدي (فقال : رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك) ثم قال : وأنا والله الّذي لا إله إلا هو ، لعلى مثل ما أنت عليه.وتتابعت الشيعة على مثل كلام هذين الرجلين. ثم بذلوا الأموال فلم يقبل مسلم منهم شيئا.

٥١٢ ـ كتاب مسلم بن عقيل للحسينعليه‌السلام بتوطّد الأمر :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٣٥ ط نجف)

وتسابق الناس على بيعة مسلم بن عقيل ، حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا ، (وفي رواية) اثنا عشر ألفا. فكتب مسلم إلى الحسينعليه‌السلام كتابا يقول فيه :

أما بعد ، فإن الرائد(١) لا يكذب أهله ، وإن جميع أهل الكوفة معك ، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفا ، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وأرسل الكتاب مع عابس بن شبيب الشاكري وقيس بن مسهر الصيداوي(٢) .

يزيد وعماله في العراق

٥١٣ ـ خطبة النعمان بن بشير في أهل الكوفة ، وموقفه المسالم من مسلم :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٧ ط نجف)

وبلغ النعمان بن بشير قدوم مسلم بن عقيل الكوفة ، واجتماع الشيعة إليه ، والنعمان يومئذ أمير الكوفة (وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقرّه يزيد عليها.

__________________

(١) الرائد : هو الّذي يرسله أرباب الماشية ليكتشف لهم خصوبة الأرض ومجامع الماء ، فإنه لا يكذبهم ، لأن الأمر الّذي يخبر عنه يهمه كما يهمّهم.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٠.

٤٥٤

وكان من الصحابة وابن رئيس الأنصار ، وحضر مع معاوية حرب صفين ، وكان من أتباعه).

فخرج من قصر الإمارة مغضبا حتّى دخل المسجد الأعظم ، ونادى بالناس فاجتمعوا إليه. فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

أما بعد يا أهل الكوفة ، فاتقوا الله ربكم ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فإن فيها سفك الدماء وقتل الرجال وذهاب الأموال. واعلموا أني لست أقاتل إلا من قاتلني ، ولا أثب بالقرف والظنّة والتهمة ، غير أنكم أبديتم صفحتكم ، ونقضتم بيعتكم ، وخالفتم إمامكم. فإن أنتم انتهيتم عن ذلك ورجعتم ، وإلا فوالذي لا إله إلا هو ، لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن منكم لي ناصر ؛ مع أني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يريد الباطل.

فقام إليه (عبد الله بن) مسلم بن سعيد الحضرمي (حليف بني أمية) فقال : أيها الأمير أصلحك الله (إنه لا يصلح ما ترى إلا الغشم) ، إن هذا الّذي أنت عليه من رأيك ، إنما هو رأي المستضعفين.

فقال له النعمان : يا هذا لأن أكونن من المستضعفين في طاعة الله تعالى أحب إليّ من (أن) أكون من الغاوين في معصية الله.

ثم نزل عن المنبر ودخل قصر الإمارة.

٥١٤ ـ عيون يزيد يخبرونه بالأمر :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٨)

فكتب عبد الله بن مسلم إلى يزيد بن معاوية :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . لعبد الله يزيد أمير المؤمنين من شيعته من أهل الكوفة:أما بعد ، فإن مسلم بن عقيل قدم الكوفة ، وبايعه الشيعة للحسين بن علي ، وهم خلق كثير. فإن كان لك حاجة بالكوفة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ فيها أمرك ، ويعمل فيها كعملك في عدوك ، فإن النعمان بن بشير ضعيف أو هو يتضعّف ، والسلام.

وكتب إليه أيضا عمارة بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وعمر بن سعد ابن أبي وقاص بمثل ذلك.

٤٥٥

٥١٥ ـ استشارة يزيد كاتبه سرجون الرومي فيمن يولي على الكوفة :

(المصدر السابق)

فلما اجتمعت الكتب عند يزيد ، دعا بغلام كان كاتبا عند أبيه ، يقال له (سرجون) فأعلمه بما ورد عليه (وفي رواية ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٩ : سرجون مولى معاوية ، فأقرأه الكتب ، واستشاره فيمن يوليه الكوفة. وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد). فقال له سرجون : أشير عليك بما تكره. قال : وإن كرهت. قال : استعمل عبيد الله بن زياد على الكوفة. قال : إنه لا خير فيه ـ وكان يبغضه ـ فأشر بغيره.

قال : لو كان معاوية حاضرا أكنت تقبل قوله وتعمل (برأيه)؟. قال : نعم. قال : فهذا عهد عبيد الله على الكوفة ، أمرني معاوية أن أكتبه ، فكتبته وخاتمه عليه ، فمات وبقي العهد عندي. قال : ويحك فامضه.

٥١٦ ـ كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد بتعيينه على الكوفة :

(المصدر السابق)

وكتب : من عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى عبيد الله بن زياد ، سلام عليك. أما بعد ، فإن الممدوح مسبوب يوما ، وإن المسبوب ممدوح يوما ، ولك مالك ، وعليك ما عليك ، وقد انتميت ونميت إلى كل منصب ، كما قال الأول :

رفعت فما نلت السحاب تفوقه

فما لك إلا مقعد الشمس مقعد

وقد ابتلي بالحسين زمانك من بين الأزمان ، وابتلي به بلدك من بين البلدان ، وابتليت به (أنت من) بين العمال ، وفي هذه تعتق أو تكون (وفي رواية : تعود) عبدا تعبد كما تعبد العبيد.

(وفي تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ٢٤٢) : «فإن قتلته ، وإلا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عبيد ، فاحذر أن يفوتك».

وقد أخبرني شيعتي من أهل الكوفة أن مسلم بن عقيل بالكوفة ، يجمع الجموع ويشقّ عصا المسلمين ، وقد اجتمع إليه خلق كثير من شيعة أبي تراب.

فإذا أتاك كتابي هذا ، فسر حين تقرؤه حتّى تقدم الكوفة فتكفيني أمرها ، فقد ضممتها إليك وجعلتها زيادة في عملك.

وكان عبيد الله أمير البصرة.

٤٥٦

(وفي لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢٦ ط نجف) : كتب يزيد لابن زياد :أما بعد ، فإنه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل فيها ، يجمع الجموع ليشقّ عصا المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة ، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة ، حتّى تثقبه ، فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسلام.

ثم دفع يزيد كتابه إلى مسلم بن عمرو الباهلي ، وأمره أن يسرع السير إلى ابن زياد بالبصرة. فلما ورد الكتاب إلى عبيد الله وقرأه ، أمر بالجهاز وتهيأ للمسير إلى الكوفة.

تعليق السيد مرتضى العسكري على هذا الكتاب :

لعل يزيد يشير في كتابه هذا إلى أن زيادا والد عبيد الله ، ولد من أبوين عبدين ، وهما : عبيد وسميّة ، وبعد أن ألحقه معاوية بأبيه أبي سفيان ، أصبح أمويا ومن الأحرار في حساب العرف القبلي الجاهلي. وإن يزيد يهدد (عبيد الله) أنه إن لم يقم بواجبه في القضاء على الحسينعليه‌السلام فإنه سينفيه من نسب آل أبي سفيان ، فيعود عبدا.

(أقول) : كأن الأنساب ملعبة بيد الحكام ، يديرونها كيفما شاؤوا وفق مصالحهم وأهوائهم.

٥١٧ ـ قتل أبي رزين رسول الحسينعليه‌السلام إلى أشراف البصرة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٩)

وقد كان الحسينعليه‌السلام كتب إلى رؤساء أهل البصرة وهم : الأحنف بن قيس ، ومالك بن مسمع [البكري] ، والمنذر بن الجارود ، وقيس بن الهيثم ، ومسعود بن عمرو ، وعمرو بن عبيد الله بن معمر ، يدعوهم لنصرته والقيام معه في حقه ، لكل واحد كتابا. فكل من قرأ كتاب الحسينعليه‌السلام كتمه ، إلا المنذر بن الجارود خشي أن يكون هذا الكتاب دسيسا من ابن زياد ، وكانت بحرية بنت المنذر تحت عبيد الله بن زياد. فأتى ابن زياد وأخبره ، فغضب وقال : من رسول الحسين إلى أهل البصرة؟فقال المنذر : رسوله إليهم مولى يقال له سليمان (أبو رزين). قال : فعليّ به ، فأتي به وكان مختفيا عند بعض الشيعة بالبصرة. فلما رآه ابن زياد لم يكلمه بشيء ، دون أن قدّمه فضرب عنقه صبرا ، ثم أمر بصلبه.

٤٥٧

٥١٨ ـ خطبة ابن زياد في أهل البصرة :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٥٩)

ثم صعد ابن زياد المنبر فخطب في أهل البصرة ، فقال :

أما بعد ، فوالله ما بي تقرن الصّعبة ، وما يقعقع لي بالشنّان ، وإني لنكل لمن عاداني ، وسهم لمن حاربني ، وقد أنصف القارة من راماها.

يا أهل البصرة ، إن أمير المؤمنين (يزيد) قد ولاني الكوفة ، وأنا غاد إليها بالغداة ، وقد استخلفت عليكم أخي عثمان بن زياد ، فإياكم الخلاف والإرجاف.فوالله لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليه ، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تستقيموا ، ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاقّ. وإني أنا ابن زياد ، أشبهته من بين من وطئ الحصى ، فلم ينتزعني شبه خال ولا عمّ.

إسراع ابن زياد إلى الكوفة

٥١٩ ـ ضمّ الكوفة إلى البصرة :

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٣ ص ٢٩٩)

وكان على الكوفة النعمان بن بشير ، فخاف يزيد أن لا يقدم النعمان على الحسينعليه‌السلام ، فكتب إلى عبيد الله بن زياد وهو على البصرة ، فضمّ إليه الكوفة ، وقال له : إن كان لك جناحان فطر إلى الكوفة!. فبادر متعمما متنكّرا. ومرّ في السوق ، فلما رآه السّفلة اشتدوا بين يديه ، يظنونه الحسينعليه‌السلام وصاحوا : يابن رسول الله ، الحمد لله الّذي أراناك. وقبّلوا يده ورجله. فقال : ما أشدّ ما فسد هؤلاء!.

ثم دخل المسجد ، فصلى ركعتين ، وصعد المنبر وكشف لثامه.

٥٢٠ ـ مقدم عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ، والناس يظنونه الحسينعليه‌السلام :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ١٦)

لما وصل إلى عبيد الله في البصرة عهد يزيد على الكوفة ، تجهّز ابن زياد وتهيّأ من وقته للمسير إلى الكوفة. وخرج في غد ، واستخلف أخاه عثمان بن زياد. وأقبل ابن زياد إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته. حتّى دخل الكوفة مما يلي النجف ، وعليه عمامة سوداء ، وهو متلثّم.

٤٥٨

فقالت امرأة : الله أكبر ، ابن رسول الله وربّ الكعبة. فتصايح الناس وقالوا : إنا معك أكثر من أربعين ألفا. وازدحموا حتّى أخذوا بذنب دابته.

وكان الناس قد بلغهم إقبال الحسينعليه‌السلام إليهم وهم ينتظرونه ، فظنوا أنه الحسينعليه‌السلام . فأخذ لا يمرّ على جماعة من الناس إلا سلّموا عليه ، وقالوا :مرحبا بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم. فرأى من تباشرهم بالحسينعليه‌السلام ما ساءه.

فقال مسلم الباهلي لما أكثروا : تأخروا ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد.

وسار حتّى وافى القصر ليلا ومعه جماعة قد التفّوا به ، لا يشكّون أنه الحسينعليه‌السلام . فأغلق النعمان بن بشير القصر عليه

٥٢١ ـ ابن زياد يتزيّى بزيّ الحسينعليه‌السلام ليخدع الناس :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٩٩)

فلما كان من الغد نادى في الناس ، وخرج من البصرة يريد الكوفة ، ومعه أبو قتيبة مسلم بن عمرو الباهلي ، والمنذر بن الجارود العبدي ، وشريك بن عبد الله الهمداني. فلم يزل يسير حتّى بلغ قريبا من الكوفة ، ثم نزل.

ولما أمسى وجاء الليل ، دعا بعمامة سوداء فاعتجر بها متلثما ، ثم تقلد سيفه وتوشح قوسه وتنكّب كنانته ، وأخذ في يده قضيبا ، واستوى على بغلة له شهباء.وركب أصحابه ، وسار حتّى دخل الكوفة عن طريق البادية ، وذلك في ليلة مقمرة ، والناس يتوقعون قدوم الحسينعليه‌السلام . فجعلوا ينظرون إليه وإلى أصحابه ، وهو في ذلك يسلّم عليهم ، وهم لا يشكوّن في أنه الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فهم يمشون بين يديه ويقولون : مرحبا بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم. فرأى عبيد الله من تباشير الناس ما ساءه ، فسكت ولم يكلمهم ولا ردّ عليهم شيئا. فتكلم مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال : إليكم عن الأمير يا ترابيّة ، فليس هذا من تظنون ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد ، فتفرق الناس عنه.

(وفي مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٦٧) :

حتّى انتهى إلى القصر وفيه النعمان بن بشير ، فتحصّن (النعمان) فيه ثم أشرف عليه ، فقال : يابن رسول الله مالي ولك![يظن القادم هو الحسين] ، وما حملك على قصد بلدي من بين البلدان؟. فقال ابن زياد : لقد طال نومك يا نعيم ، وحسر اللثام

٤٥٩

عن فيه فعرفه ، ففتح له. وتنادى الناس : ابن مرجانة ، وحصبوه بالحصباء ، ففاتهم ودخل القصر.

(وفي لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٨ ط نجف) :

ودخل عبيد الله بن زياد الكوفة ليلا مسرعا ، وقد لبس ثيابا يمانية وعمامة سوداء ، وهو متلثّم ليوهم الناس أنه الحسينعليه‌السلام ، فلما رآه الناس ظنوه الحسينعليه‌السلام فتصايحوا وقالوا : إنا معك أكثر من أربعين ألفا. وأخذ لا يمرّ على جماعة من الناس إلا سلّموا عليه وقالوا : مرحبا بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم.وازدحموا عليه ، حتّى أتى قصر الإمارة.

وفي الصباح نادى ابن زياد في الناس : الصلاة جامعة ، فخطب فيهم وهددهم وتوعّد منهم كل من يساعد مسلم بن عقيل.

٥٢٢ ـ أول خطاب لابن زياد في أهل الكوفة :

(أيام العرب في الإسلام لمحمد أبي الفضل إبراهيم ، ص ٤٠٤ ط ٤)

وأصبح ابن زياد فجلس على المنبر ، وقال :

أما بعد ، فإن أمير المؤمنين ولّاني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متّبع فيكم أمره ، ومنفّذ عهده ؛ فأنا لمحسنكم كالوالد البرّ ، ولمطيعكم كالأخ الشقيق ، وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليبق امرؤ على نفسه.

٥٢٣ ـ ابن زياد يعامل الناس معاملة شديدة :

(المصدر السابق)

ثم نزل ، وأخذ العرفاء والناس أخذا شديدا ، وقال : اكتبوا إلى الغرباء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ، ومن فيكم من الحرورية [فريق من الخوارج] وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق ، فمن كتبهم لنا برئ ، ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته ؛ ألّا يخالفنا فيهم مخالف ، ولا يبغي علينا منهم باغ ؛ فمن لم يفعل برئت منه الذمة ، وحلال لنا دمه وماله. وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا ، صلب على باب داره ، وألغيت تلك العرافة من العطاء.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799

800

801

802

803

804

805

806

807

808

809

810

811

812

813

814

815

816

817

818

819

820

821

822

823

824

825

826

827

828

829

830

831

832

833

834

835

836

837

838

839

840

841

842

843

844

845

846

847

848

849

850

851

852

853

854

855

856

857

858

859

860

861

862

863

864

865

866

867

868

869

870

871

872

873

874

875

876

877

878

879

880

881

882

883

884

885

886

887

888

889

890

891

892

893

894

895

896

897

898

899

900

901

902

903

904

905

906

907

908

909

910

911

912

913

914

915

916

917

918

919

920

921

922

923

924

925

926

927

928

929

930

931

932

933

934

935

936

937

938

939

940

941

942

943

944

945

946

947

948

949

950

951

952

953

954

955

956

957

958

959

960

961

962

963

964

965

966

967

968

969

970

971

972

973

974

975

976

977

978

979

980

وفي الخبر المرويّ عن أهل البيتعليهم‌السلام [أنّ الإمام عليعليه‌السلام في الليلة التي ضرب فيا بسيف ابن ملجم لعنه الله ، كان ضيفا عند ابنته زينب الكبرىعليها‌السلام فقدّمت له الفطور في طبق فيه قرصان من خبز الشعير ، وقصعة فيها اللبن حامض ، وقليل من الملح ، فلما نظر الإمام إلى فطوره عاتب ابنته قائلا : بنيّة! متى رأيت أباك يجلس على مائدة فيها إدامان؟ ارفعي اللّبن فإنّ في الملح كفاية ، ثم أكل قرصا واحدا مع الملح وحمد الله تعالى. ثم قال : في حلال الدنيا حساب وفي حرامها عذاب وعقاب(١) .

زهده في ملبسه

لقد وصف المحدّثون والمؤرخون ملبوس الإمام عليّعليه‌السلام فقالوا : كان كرباسا خشنا غليظا ورخيصا ، بعض قدّره بثلاث دراهم ، وبعض

__________________

(١) جاء في كتاب أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة ، كما في نهج البلاغة : «.. وإنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب المزلق ، ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القزّ ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :

وحسبك عارا أن تبيت ببطنة

وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ

أأقنع من نفسي بأن يقال لي أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر ، أو اكون أسوة لهم في جشوبة العيش.». الخ.

«المترجم»

٩٨١

بخمسة دراهم ، وكان لباسه مرقّعا تارة بجلد وتارة بالليف ، ونقل سبط ابن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس ، عن الزمخشري أنّه روى في كتابه ربيع الأبرار ، عن أبي النّوار أنّه قال [والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ولقد قيل لي ألا تستبدلها فقلت للقائل : ويحك أعزب! فعند الصباح يحمد القوم السرى.]

ونقل أكثر أصحاب السيرة والتاريخ من أعلامكم ، منهم محمد ابن طلحة في كتابه مطالب السئول / الفصل السابع / قال [ومنها ـ أي من قضايا زهدهعليه‌السلام ـ أنّه خرج إلى الناس وعليه إزار مرقوع ، فعوتب في لبسه. فقال : يخشع القلب بلبسه ، ويقتدي به المؤمن إذا رآه عليّ(١) ] قال [وقد اشترى يوما ثوبين غليظين فخيّر بشر ـ وهو خادمه ـ فيهما فأخذ واحدا ولبس هو واحد.]

نعم هكذا عاش سلام الله عليه ، يأكل الخبز الشعير اليابس ويؤكل الفقراء واليتامى البرّ بالعسل والتمر بالزيت ، وكان يلبس الخشن ، ويلبس الأرامل واليتامى والمعوزين ملابس فاخرة ، أثمن مما كان يلبس هوعليه‌السلام . وكان يقول «يجب على أئمة الحق أن يتأسّوا بأضعف رعيتهم في الأكل والملبس».

ضرار بن ضمرة يصف علياعليه‌السلام

نقل المحدّثون من أعلامكم كابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، والحافظ أبي نعيم في حلية الأولياء ج ١ / ٨٤ ، والعلامة الشبراوي في الإتحاف بحبّ الأشراف : ٨ ، ومحمد بن طلحة في

__________________

(١) رواه أيضا العلاّمة سبط ابن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس. «المترجم»

٩٨٢

مطالب السّئول / الفصل السابع ، والعلاّمة نور الدين بن صبّاغ المالكي في الفصول المهمّة ١٢٨ ، والقندوزي في الينابيع : باب ٥١ ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس آخر الباب ، وغير هؤلاء من علمائكم والخبر مشهور عن ضرار بن ضمرة الضبائي قال في مجلس معاوية [اشهد بالله لقد رأيت علي بن أبي طالب في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، قابضا على لحيته ، يتململ تململ السّليم ، ويبكي بكاء الحزين ويقول : يا دنيا غرّي غيري ، أبي تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات ، طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعمرك قصير وخطرك كبير وعيشك حقير ، آه من قلّة الزاد وبعد السّفر ووحشة الطريق.] فبكى معاوية وقال : رحم الله أبا الحسن لقد كان والله كذلك(١) .

__________________

(١) أرى أن انقل للقارىء الكريم خبر ضرار بن ضمرة بكامله لما فيه من فوائد جمّة ، أنقله من كتاب تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، قال في آخر الباب الخامس ، بإسناده إلى جدّه أبي الفرج بن الجوزي وهو بإسناده المتّصل عن محمد بن السّائب الكلبي عن أبي صالح قال [دخل ضرار بن ضمرة على معاوية فقال له : يا ضرار! صف لي عليا! فقال : أو تعفني؟ قال : لا أعفيك قالها مرارا.

فقال ضرار : أما إذ لا بدّ ، فكان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ويحكم عدلا ، يتفجّر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل وظلمته ، كان والله غزير الدمعة كثير الفكرة ، يقلّب كفّه ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب ، كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا إذا أتيناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن والله مع قربه منّا ودنوّه إلينا لا نكلّمه هيبة له ، ولا نبتديه لعظمه ، فإن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظّم أهل الدين ، ويحبّ المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ،

٩٨٣

بالله عليكم أنصفوا! من من الزعماء والرؤساء والملوك والأمراء ، هكذا عامل الدنيا وزهرتها وتغاضى عن زينتها وزخرفها؟!

الزهد عطيّة الله تعالى لعليّعليه‌السلام

روى كثير من علمائكم المحدّثين ، منهم العلاّمة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / باب ٤٦ / بإسناده الى عمار بن ياسر قال : سمعت رسول الله (ص) يقول لعليّ بن أبي طالب «إنّ الله قد زيّنك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحبّ إلى الله منها ، الزهد في الدنيا ، وجعلك لا تنال من الدنيا شيئا ولا تنال الدنيا منك شيئا ، ووهب لك حبّ المساكين فرضوا بك إماما ورضيت بهم أتباعا ، فطوبى لمن أحبّك وصدّق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذّب عليك ، فأمّا الذين أحبّوك وصدّقوا فيك ، جيرانك في دارك ورفقاؤك في قصرك ، وأمّا الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذّابين يوم القيامة(١) ». «ثم قال : هذا حديث حسن».

__________________

ولا يبأس الضعيف من عدله ، فاشهد بالله

ولمّا انتهى من كلامه ، بكى معاوية وقال : رحم الله أبا حسن فقد كان والله كذلك ، ثم قال : فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ فقال : حزن من ذبح ولدها في حجرها ، فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها.]

«المترجم»

(١) قال محمد بن طلحة العدوي النصيبي في كتابه مطالب السئول / الفصل السابع :[وأما زهده فقد شهد له بذلك رسول الله (ص) ، وأخبر أنّ الله تعالى حلاّه من

٩٨٤

عليعليه‌السلام امام المتقين

امّا في التقوى فهو سيد المتقين والممتاز باعلا درجات اليقين والانسان كلما ازداد يقينا ازداد تقوى ، وهو الذي اشتهر عنه الخبر كما نقله كثير من أعلام محدّثيكم وكبار علماءكم منهم محمد بن طلحة العدوي النصيبي في كتابه مطالب السئول / الفصل السابع قال [وقد

__________________

الزهد بحليته ، وحباه بزينة بزّته ، وكساه بزّة زينته فقال (ص) ما رواه الحافظ أبو نعيم (رض) بسنده في حليته «يا علي! إنّ الله تعالى قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة أحبّ إلى الله منها هي زينة الأبرار عند الله ، الزهد في الدنيا ، فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا ولا ترزأ الدنيا منك شيئا».

ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٩ / ١٦٦ ، ضمن الأحاديث الواردة في فضائل علي عليه‌السلام قال [الخبر الأول : يا عليّ ، إنّ الله قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة أحبّ إليه منها ، هي زينة الأبرار عند الله تعالى ، الزهد في الدنيا ، جعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا ولا ترزأ الدنيا منك شيئا ، ووهب لك حب المساكين ، فجعلك ترضى بهم أتباعا ، ويرضون بك إماما.] قال : رواه أبو نعيم الحافظ في كتابه المعروف بحلية المتقين ، قال : وزاد فيه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في المسند : [فطوبى لمن أحبّك وصدّق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذّب فيك.]

ورواه جلّ أعلام العامّة الذين كتبوا في المناقب والفضائل منهم ابن المغازلي في المناقب : ح رقم ١٤٨ ، والمحب الطبري في الذخائر : ١٠٠ وفي الرياض : ج ٢ / ٢٢٨ ، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٢١ و ١٣٢ وقال رواه الطبراني ، والمتقي في كنز العمال : ج ٥ ص ٣٥ وفي أسد الغابة : ج ٤ / ٢٣ وغيرهم أيضا.

«المترجم»

٩٨٥

كان عليعليه‌السلام منطويا على يقين لا غاية لمداه ولا نهاية لمنتهاه وقد صرّح بذلك تصريحا مبينا فقالعليه‌السلام «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا». فكانت عبادته الى الغاية القصوى تبعا ليقينه وطاعته في الذروة العليا لمتانة دينه.

ولقد لقّبه الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإمام المتقين ، كما روى ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٩ / ١٧٠ ، الخبر الحادي عشر من الأحاديث التي ذكرها في فضائل الامام عليعليه‌السلام . ورواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء والعلاّمة الهمداني في كتابه مودّة القربى والعلاّمة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / باب ٥٤ عن أنس بن مالك قال : قال لي رسول الله (ص) «يا أنس أسكب لي وضوء ، فتوضّأ ثم قام وصلّى ركعتين ثم قال (ص) : يا أنس أوّل من يدخل عليك من هذا الباب هو أمير المؤمنين وإمام المتقين وسيد المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين وخاتم الوصيين». قد وردت الرواية بألفاظ مختلفة وانا انقلها كما يخطر ببالي.

قال أنس : قلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمته ، إذ جاء علي فقال (ص) «من هذا يا أنس؟ قلت : علي بن أبي طالب. فقام النبي (ص) مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق عليّ بوجهه ، قال عليّ : يا رسول الله لقد رأيتك صنعت بي شيئا ما صنعت بي قبل. قال : وما يمنعني وأنت تؤدّي عني وتسمعهم صوتي وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي».

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قالعليه‌السلام «مرحبا بسيد المسلمين وإمام المتقين». رواه عن الحافظ أبي نعيم في الحلية.

٩٨٦

وقال محمد بن طلحة في كتابه مطالب السئول / آخر الفصل الرابع / أمّا حصول صفة التقوى له فقد أثبتها رسول الله (ص) بأبلغ الطرق وأعلاها فأنه قال له يوما : «مرحبا بسيد المسلمين وإمام المتقين». ثم قال : إذا وصفه بكونه إمام أهل التقوى كان مقدّما عليهم بزيادة تقواه.

وروى الحاكم في المستدرك : ج ٣ / ١٣٨ ، والشيخان مسلم والبخاري في صحيحيهما عن النبي (ص) قال «أوحي إليّ في علي أنّه سيّد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجّلين(١) ».

وروى العلاّمة الكنجي في كفاية الطالب / باب ٤٥ بسنده عن عبد الله بن أسعد بن زرارة قال : قال رسول الله (ص) «لمّا أسري بي إلى السماء انتهى بي إلى قصر من لؤلؤ فراشه من ذهب يتلألأ ، فأوحى إليّ وأمرني في عليّ بثلاث خصال : بأنّه سيد المسلمين ، وإمام المتّقين وقائد الغر المحجّلين(٢) ».

وروى أحمد في المسند أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما خاطب عليا

__________________

(١) ورد في كثير من الكتب عن كبار علمائهم ، منهم : الخطيب البغدادي في تاريخه : ج ٤ / ٤١ بطرق شتى عن أبي الأزهر ثم قال : ورواه محمد بن حمدون النيسابوري ، وأخرجه الذهبي أيضا في ميزان الاعتدال : ج ٢ / ٦١٣ و ١٢٨ في «ط» ، وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ١ / ١٢ ، والجزري في أسد الغابة : ج ١ / ٦٩ وج ٣ / ١١٦ ، والموفّق الخوارزمي في المناقب / ٢٢٩ ، والهيثمي في المجمع : ج ٩ / ١٢١ وقال : رواه الطبراني في الكبير ، وأخرجه أيضا المحبّ الطبري في ذخائر العقبى / ٧٠ ، والمتقي في منتخب الكنز : ج ٥ / ٣٤ وقال :أخرجه ابن النجار. ورواهما جمع آخر.

«المترجم»

(٢) ورد في كثير من الكتب عن كبار علمائهم ، منهم : الخطيب البغدادي في تاريخه : ج ٤ / ٤١ بطرق شتى عن أبي الأزهر ثم قال : ورواه محمد بن حمدون النيسابوري ، وأخرجه الذهبي أيضا في ميزان الاعتدال : ج ٢ / ٦١٣ و ١٢٨ في «ط» ، وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ١ / ١٢ ، والجزري في أسد الغابة : ج ١ / ٦٩ وج ٣ / ١١٦ ، والموفّق الخوارزمي في المناقب / ٢٢٩ ، والهيثمي في المجمع : ج ٩ / ١٢١ وقال : رواه الطبراني في الكبير ، وأخرجه أيضا المحبّ الطبري في ذخائر العقبى / ٧٠ ، والمتقي في منتخب الكنز : ج ٥ / ٣٤ وقال :أخرجه ابن النجار. ورواهما جمع آخر.

«المترجم»

٩٨٧

فقال : «يا عليّ! النظر إلى وجهك عبادة ، إنّك إمام المتّقين وسيّد المؤمنين ، من أحبّك فقد أحبّني ومن أحبّني فقد أحبّ الله ، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله».

من الواضح أنّه إذا وصف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدا واعطاه اللّقب فانّ مدحه للشخص يفرق عن سائر الناس ، فربما وصف الناس ملكا وسلطانا بما لا يليق به فيغالون في الوصف والمدح ، كمدح كثير من المؤرخين لكثير من الوزراء والأمراء والسلاطين. ولكنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزّه من التملّق والمغالاة في مدح الأشخاص ، ولا يقول إلاّ حقا ، ولا يصف إلاّ واقعا ، بل في مثل هذه القضايا فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) .

ولا سيما في هذا الأمر ، إذ يؤكّد فيقول «ليلة أسري بي إلى السماء أوحي إليّ وأمرني في عليّ بثلاث خصال : بأنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجّلين». فهذه خصائص عظيمة ومقامات كريمة خصّ الله تعالى بها وليّه عليّ بن أبي طالب على لسان خاتم أنبيائه وسيّد رسله ، وبعد وصف ربّ العالمين وبيانه المبين لأمير المؤمنين سلام الله عليه لا يسع المسلمين إلا الخضوع أمامه والخشوع له والتسليم لأمره.

الشيخ عبد السلام : كلّما قلته من مناقب وفضائل سيدنا عليّ كرم الله وجهه فهو قليل من كثير ونحن نعرف أكثر مما قلتم حتى أنّ معاوية (رض) قال فيه [عقمت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب.]

قلت : فكما أنّهعليه‌السلام قد امتاز بنسبه ونورانية خلقته من حيث

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ٣ و ٤.

٩٨٨

الورع والتقوى ، فهو مقدّم على الجميع من هذه الجهة أيضا.

وقد قال الله الحكيم في كتابه الكريم :( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١) .

فإذا كان أهل التقوى أكرم العباد عند الله تبارك وتعالى ، فما بالكم بإمام المتقين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟

وهنا قد خطر شيء في بالى وهو السؤال التالي : هل يحتمل في إمام المتقين أن يتّبع الهوى ويعصي ربّه لأجل الدنيا؟

الشيخ عبد السلام : لا يحتمل ذلك في سيدنا عليّ كرم الله وجهه ، كيف وهو الذي طلّق الدنيا ثلاثا ، كما ذكرتم فيما نقلتم من ضرار بن ضمرة! فمقام سيدنا عليّ كرم الله وجهه أجلّ من أن ينسب إليه ذلك.

قلت : فعلى ذلك كانت أعمال الإمام عليّعليه‌السلام من حركاته وسكناته وقيامه وقعوده وتكلّمه وسكوته وموافقته ومخالفته وحربه وسلمه ، كلّها لله تعالى وإحقاقا للحق.

الشيخ عبد السلام : نعم هكذا كان سيدنا عليّ كرّم الله وجهه.

فاقضوا أيها المنصفون!!

قلت : إذا كان كذلك ، يجب أن تفكروا في عدم مبايعة الإمام عليّعليه‌السلام لأبي بكر في أوّل الأمر ، بل اعترض على خلافته اعتراضا شديدا.

والمفروض أنّ المتقي ولا سيما إمام المتّقين ، لا يترك الحق ولا يعارضه ، وحديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي نقلته لكم في بعض الليالي

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ١٣.

٩٨٩

الماضية إذ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «علي مع الحق والحقّ مع عليّ حيثما دار».

فإذا كانت خلافة أبي بكر حقا! فلما ذا وكيف لا يبايعه الامام عليعليه‌السلام ؟

بل عارضه بشدّة ، حتى انتهى الأمر إلى اقتحام دار فاطمة وعليّ ، وآل الهجوم إلى قتل الجنين ـ محسن ـ ووفاة السيدة فاطمةعليها‌السلام و...

[وقد ذكرنا ذلك بالتفصيل في الليلة الماضية ، مع ذكر المصادر من كتبكم] وإذا كانت خلافة أبي بكر باطلا وخلافا ، فلما ذا أنتم تتمسكون بالباطل إلى يومنا هذا؟

الشيخ عبد السلام : إنّي أتعجب من كلام الشيعة حيث يقولون : سيدنا علي كرم الله وجهه لم يبايع أبا بكر (رض) ، فقد ذكر المؤرّخون كلهم حتى مؤرخيكم : بأن سيدنا علي (كرم الله وجهه) بايع أبا بكر بعد وفاة فاطمة الزهراء ، ولم يخالف الإجماع.

قلت : العجب في كلامك هذا ، وكأنّك نسيت حديثنا وحوارنا في الليالي الماضية ، حيث أثبتنا أنهعليه‌السلام أجبر وأكره على البيعة ، فعدم رغبته وعدم مطاوعته في بيعة أبي بكر دليل على بطلان خلافته ، ثم أنت تعترف بأنهعليه‌السلام ما بايع إلاّ بعد وفاة الزهراء سيّدة النساءعليها‌السلام ، وصرّح أعلامكم كالبخاري ومسلم وغيرهما أنّ وفاتها كانت بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بستة أشهر ، فهل في هذه المدة كان عليّعليه‌السلام تاركا للحق وسالكا غير سبيل المتقين؟!

الشيخ عبد السلام : لقد كان سيدنا علي كرم الله وجهه أعرف من غيره بتكليفه ولا يجوز لنا أن نتدخّل في خلافات الصحابة ونجدّد قضايا مرّت عليها الدهور والقرون!!

٩٩٠

قلت : إنّ هذا الكلام انهزام من الواقع والحق وليس بجواب مرضيّ في الحوار ، لأن تلك الخلافات تمسّنا أيضا. إذ يجب على كلّ مسلم بل كل إنسان أن يبحث عن الحقائق ، ويلتزم بالحق ، ويعتنقه ، ويصدّق الواقع المعلوم ، ويبتعد عن الكذب والموهوم.

الشيخ عبد السلام : إذا أردت بهذا الاستدلال والبرهان أن تبيّن أنّ أبا بكر (رض) كان باطلا وخلافته كانت غير مشروعة ومناقضة لدين الله! فلما ذا سكت وسكن الإمام علي كرم الله وجهه! بل كان عليه أن ينهض ويثور على الخليفة وأنصاره ، ويسترجع حقّه ويبطل الباطل ، وهو ذلك الشجاع الذي لا تأخذه في الله لومة لائم.

سكوت بعض الأنبياء واعتزالهم عن أممهم

قلت : نحن نعتقد بأنّ الأنبياء والأوصياء يعملون في المجتمع ويتعاملون مع أممهم على أساس الأوامر التي يتلقونها من الله عزّ وجلّ ، لذلك لا نعترض عليهم ولا ننتقد أعمالهم بأنهم لما ذا سكتوا أو لما ذا لم يقاتلوا أو لما ذا تكلموا؟!

واذا راجعنا تاريخ الأنبياء ، نجد كثيرا منهم كانوا مغلوبين مقهورين أو مهجورين ومنعزلين ، فهذا القرآن الحكيم يحدثنا عن نوح وهو من أولي العزم وشيخ الأنبياء :( فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) (١) .

ويحدثنا عن اعتزال ابراهيم الخليل لقومه قائلا :

__________________

(١) سورة القمر ، الآية ١٠.

٩٩١

( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي ) (١) .

الشيخ عبد السلام : أظن أنّهعليه‌السلام اعتزل عنهم قلبا لا جسما.

[فهو وإن كان مخالفا لهم قلبا ، ولكنه كان يعيش بينهم ويشاركهم].

قلت : ولكن لو راجعت التفاسير لوجدت أنّ أكثر المفسرين قالوا : بأنّهعليه‌السلام فارقهم بجسمه أيضا وابتعد عنهم ، فالفخر الرازي في تفسيره الكبير : ج ٥ / ٨٠٩ قال [الاعتزال للشيء هو التباعد عنه ، والمراد إنّي أفارقكم في المكان وأفارقكم في طريقتكم.]

وذكر أرباب السير والتاريخ أنّ إبراهيم هاجر من بابل ، وسكن الجبال مدّة سبعة أعوام ، ثم رجع إليهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده ، وأن يتركوا عبادة الأصنام ، ثم جرى ما جرى حتى ألقوه في النار ، فجعلها الله سبحانه عليه بردا وسلاما.

ويحدّثنا القرآن الحكيم عن فرار موسى بن عمران وخروجه من بلده خائفا ، فيقول :( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٢) .

ويحدثنا الله تعالى في كتابه عن مخالفة قوم موسى لأخيه وخليفته هارون ، وأنّهم عبدوا العجل الذي صنعه السامريّ ، فلما عاد إليهم موسى ورأى انقلابهم وكفرهم وسكوت هارون على أفعالهم المخالفة للدين وللشريعة الإلهية ، عاتبه على ذلك ، كما نفهم من قول الله سبحانه :( وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ، قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٤٨.

(٢) سورة القصص ، الآية ٢١.

٩٩٢

اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ ) (١) .

تشابه أمر عليّعليه‌السلام بهارون

فكما أنّ هارون كان خليفة أخيه موسى بن عمران في قومه ، ولكنهم لم يأخذوا بقوله وخالفوه وتوجّهوا إلى العجل الذي صنعه السامريّ لهم فعبدوه ، ولما منعهم هارون من ذلك ، وقال لهم [هذا شرك وكفر بالله ، عزّ وجلّ] هاجموه وكادوا يقتلونه ، ولمّا لم يجد أعوانا وأنصارا سكن وسكت وتركهم في غيّهم وطغيانهم يعمهون.

كذلك أمير المؤمنين وسيد الوصيين عليعليه‌السلام ـ الذي شبّهه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهارون في حديث المنزلة وقد ذكرناه في الليالي السالفة مع المصادر الموثوقة والمعتبرة عندكم ـ لمّا رأى القوم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انقلبوا على أعقابهم وتركوا الحق وخالفوا أمر ربهم فوعظهم وأرشدهم ، ولكنهم هاجموه وكادوا يقتلونه ، فسكت وسكن وتحمّل وصبر.

وذكر كبار علمائكم : أنّ عمر وأصحابه لمّا جاءوا بعليّعليه‌السلام إلى المسجد ، وطلبوا منه البيعة ، وهدّدوه بالقتل إن لم يبايع ، نظر إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأشار إليه مخاطبا : يا( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (٢) .

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٥٠.

(٢) ذكر ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم المتوفى سنة ٢٧٠ من أكبر علماء السنة وأشهر أعلامهم ، قال في كتابه الامامة والسياسة تحت عنوان : كيف كانت بيعة

٩٩٣

__________________

علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه قال [وإنّ أبا بكر (رض) تفقّد قوما تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار عليّ فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنّها على من فيها. فقيل له : يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة ، فقال : وإن.

فخرجوا فبايعوا إلاّ عليّا فإنّه زعم أنّه قال : حلفت أن لا أخرج ، ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن. فوقفت فاطمة (رض) على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله (ص) جنازة بين أيدينا قطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقا. فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة! فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : اذهب فادع لي عليّا. قال : فذهب إلى عليّ فقال له : ما حاجتك؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله. فقال علي : لسريع ما كذّبتم على رسول الله (ص). فرجع فأبلغ الرسالة.

قال : فبكى أبو بكر طويلا. فقال عمر ثانية : أن لا تمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة.

فقال أبو بكر (رض) لقنفذ : عد إليه فقل له : أمير المؤمنين يدعوك لتبايع. فجاءه قنفذ فأدّى ما أمر به. فرفع عليّ صوته فقال : سبحان الله لقد ادّعى ما ليس له.

فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة. فبكى أبو بكر طويلا. ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقّوا الباب ، فلمّا سمعت أصواتهم ، نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله! ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة؟!

فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر ، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليا. فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع. فقال : إن أنا لم أفعل فمه؟

قالوا : إذا والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك. قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله. قال عمر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا. وأبو بكر ساكت

٩٩٤

ثم إنّ سيرة خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير دليل لنا ، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتم رسالته في مكة عشر سنين ثم أعلنها ثلاث سنين لا يطالب أهلها إلاّ بكلمة التوحيد ، هاتفا : قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا ، وسكت عن سائر عاداتهم الجاهليّة ، ومع ذلك هجموا عليه إلى الدار وأرادوا قتله ، ففرّ منهم مهاجرا إلى يثرب ، لأنّه لم يكن له أنصار في مكة يتمكنون من حمايته والذّبّ عنه. وقد قيل :

الفرار مما لا يطاق من سنن المرسلين.

والأعجب من هذا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى عند ما أصبح مقتدرا وحاكما ما تمكّن من تغيير ما كان يرى تغييره لازما.

الشيخ عبد السلام : هذا كلام غريب وأمر عجيب! كيف عجز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تغيير ما كان يلزم تغييره؟!

قلت : هذا الأمر العجيب الغريب عندكم قد نقله بعض كبار أعلامكم منهم أحمد بن حنبل في المسند ، والعلاّمة الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت : قال لي رسول الله (ص) «يا عائشة! لو لا أنّ قومك حديثوا عهد بشرك ؛ لهدمت الكعبة ،

__________________

لا يتكلم. فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك!! فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.

فلحق عليّ بقبر رسول الله (ص) يصيح ويبكي وينادي : يا ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) .]

أقول : والحديث ذو شجون ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

«المترجم»

٩٩٥

فألزقتها بالأرض ، وجعلت لها بابين : بابا شرقيّا وبابا غربيّا ، وزدت فيها ستّة أذرع من الحجر ، فإنّ قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة(١) ».

فإذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقدم على مثل ذلك الأمر المهم رعاية لبعض المصالح ، فكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو تلميذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمتعلم منه ، فهوعليه‌السلام رعاية لبعض الجهات الدينية العامّة والمصالح الإسلاميّة الهامّة سكت وسكن وصبر وتحمّل كل ما أوردوه عليه من الظلم والجفاء ، بسبب البغضاء والشحناء التي كانت مكتومة في صدورهم ومكنونة في قلوبهم ، وقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم ذلك فيخبر عليا في حياته ويبكي على غربته ومظلوميته ، كما روى الخوارزمي في مناقبه والعلاّمة الفقيه ابن المغازلي أيضا في مناقبه : [أنّ النبي (ص) يوما نظر إلى عليّعليه‌السلام فبكى ، فقال له : ما يبكيك يا رسول الله صلّى الله عليك؟ قال (ص) : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها حتى أفارق الدنيا. قالعليه‌السلام : فما أصنع يا رسول الله؟ قال : تصبر ، فيعطيك ربّك أجر الصابرين(٢) ].

__________________

(١) صحيح مسلم : ج ٢ / كتاب الحج باب «٦٩» نقض الكعبة وبنائها : رواه بطرق شتى وكلها بالإسناد إلى عائشة بألفاظ مختلفة.

«المترجم»

(٢) المذكور في متن الكتاب إنما هو الترجمة العربيّة لما ذكره السيد المؤلف بالفارسية ، وأما نصّ الحديث كما في ينابيع المودّة للعلاّمة القندوزي الباب الخامس والأربعون ، قال [أخرج الموفق بن أحمد الخوارزمي ، والحمويني بالإسناد عن أبي عثمان النهدي عن عليّ كرّم الله وجهه قال «كنت أمشي مع رسول الله (ص) فأتينا على حديقة ، فاعتنقني وأجهش باكيا ، فقلت : ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال

٩٩٦

لما ذا قعد عليّعليه‌السلام ولم يطالب بحقه؟

إنّ علياعليه‌السلام كان متفانيا في الله سبحانه ، فلا يريد شيئا لنفسه ولا يطلب المصالح الشخصيّة ، بل أثبت في حياته وسلوكه أنّهعليه‌السلام كان وراء المصالح العامّة ، وكان يبتغي مرضاة الله تعالى بالحفاظ على الدين ، وإبقاء شريعة سيد المرسلين. ولا يخفى أن الإسلام في ذلك الوقت كان بعد جديدا ولم ينفذ في قلوب أكثر معتنقيه ، فكانوا مسلمين بألسنتهم ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم ، لذا كان الإمام عليعليه‌السلام يخشى من حرب تقع بين المسلمين إذا جرّد السيف لمطالبة حقه بالخلافة التي كانت له لا لغيره ، أو مطالبة فدك لفاطمة الزهراءعليها‌السلام أو مطالبة إرثها من أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي منعها أبو بكر بحجّة الحديث الذي افتراه على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث»!

فسكت عليّعليه‌السلام وسكن لكي لا تقع حرب داخلية ، لأنّه كان يرى في المطالبة بحقه في تلك الظروف الزمنية زوال الدين

__________________

(ص) : أبكي لضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك إلاّ بعدي ، فقلت : في سلامة من ديني؟ فقال : في سلامة من دينك»].

أقول : ورواه العلاّمة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب الباب السادس والستون بالإسناد إلى ابن عساكر وهو بإسناده إلى أنس بن مالك ـ والرواية أكثر تفصيلا ممّا في المناقب والينابيع ـ ثم قال العلاّمة الكنجي بعد نقل الرواية : هذا حديث حسن رزقناه عاليا بحمد الله ومنّه. وهذا سياق الحافظ مؤرّخ الشام ، في مناقب أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام .

«المترجم»

٩٩٧

وإفناء الإسلام لو وقعت حرب بين المسلمين. وقد كان أكثرهم ينتظرون الفرصة حتى يرتدّوا إلى الكفر.

لذلك جاء في روايات أهل البيت والعترة الطاهرةعليهم‌السلام : «أنّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها لما رجعت من المسجد بعد ما خطبت خطبتها العظيمة وألقت الحجج على خصومها ، خاطبت أبا الحسنعليه‌السلام وهو جالس في البيت فقالت : يا ابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، وخانك ريش الأعزل! هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحلة أبي وبلغة ابنيّ ، لقد أجهر في خصامي وألفيته الألدّ في كلامي الخ.

فأجابها عليعليه‌السلام : نهنهي عن نفسك يا ابنة الصفوة وبقية النبوّة ، فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري. فإن كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون. وما أعدّ لك أفضل مما قطع عنك.

قالوا : فبينما عليعليه‌السلام يكلّمها ويهدّأها وإذا بصوت المؤذّن ارتفع ، فقال لها عليّعليه‌السلام : يا بنت رسول الله! إذا تحبين أن يبقى هذا الصوت مرتفعا ويخلد ذكر أبيك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحتسبي الله واصبري.

فقالت : حسبي الله. وامسكت».

[فضحّى عليعليه‌السلام بحقه وحق زوجته فاطمة وسكت عن المغتصبين ، حفظا للدين وشريعة سيد المرسلين من الضياع والانهيار.]

أسباب قعود عليعليه‌السلام

نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ٣٠٧ ، ط إحياء الكتب العربية عن المدائني عن عبد الله بن جنادة ، ونقله غير ابن أبي

٩٩٨

الحديد أيضا ، أنّهعليه‌السلام خطب في أول إمارته وخلافته بالمدينة المنوّرة : [فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي وصلّى عليه ثم قال «أما بعد ، فإنّه لما قبض الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قلنا : نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس ، لا ينازعنا سلطانه أحد ، ولا يطمع في حقنا طامع ، إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبيّنا ، فصارت الإمرة لغيرنا وصرنا سوقة ؛ يطمع فينا الضعيف ، ويتعزّز علينا الذليل ؛ فبكت الأعين منّا لذلك ، وخشنت الصدور وجزعت النفوس ، وأيم الله لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين ، وأن يعود الكفر ويبور الدين ، لكنّا على غير ما كنّا لهم عليه». الخ.]

ونقل ابن أبي الحديد أيضا بعد هذه الخطبة في صفحة ٣٠٨ تحت عنوان : خطبته عند مسيره للبصرة ، قال : وروى الكلبي أنّه لمّا أراد عليّعليه‌السلام المسير إلى البصرة ، قام فخطب الناس ، فقال بعد أن حمد الله وصلى على رسوله (ص) «إنّ الله لمّا قبض نبيّه ، استأثرت علينا قريش بالأمر ، ودفعتنا عن حقّ نحن أحق به من الناس كافّة. فرأيت أنّ الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم ، والناس حديثوا عهد بالإسلام ، والدين يمخض مخض الوطب ، يفسده أدنى وهن ، ويعكسه أقلّ خلف.». الخ.

ولعليعليه‌السلام في نهج البلاغة كتاب إلى أهل مصر ، بعثه مع مالك الأشتررحمه‌الله تعالى ، جاء فيه : «أما بعد ؛ فإنّ الله سبحانه بعث محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نذيرا للعالمين ومهيمنا على المرسلين ، فلمّا مضىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تنازع المسلمون الأمر من بعده ، فو الله ما كان يلقى في روعي ، ولا يخطر ببالي أنّ العرب تزعج

٩٩٩

هذا الأمر من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أهل بيته ، ولا أنّه منحّوه عنّي من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه ، فأمسكت بيدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما ، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيّام قلائل يزول منها ما كان ، كما يزول السراب وكما يتقشّع السّحاب ، فنهضت في تلك الأحداث حتّى زاح الباطل وزهق ، واطمأنّ الدين وتنهنه».

ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٦ / ٩٤ ، ـ ط إحياء الكتب العربي تحت عنوان : خطبة الإمام عليّعليه‌السلام بعد مقتل محمد بن أبي بكر ، قال : وروى إبراهيم ـ صاحب كتاب الغارات ـ عن رجاله عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال : خطب عليعليه‌السلام بعد فتح مصر ، وقتل محمد بن أبي بكر. فنقل خطبة بليغة ذكر فيها وقائع أليمة وقعت بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر بعض ما كتبه لأهل مصر الذي نقلته لكم قبل هذا ، وأشار في خطبته إلى الشورى التي أمر بها عمر بن الخطاب ، وخرج بالنتيجة قائلا :

«فصرفوا الولاية إلى عثمان وأخرجوني منها ثم قالوا : هلمّ فبايع وإلاّ جاهدناك ؛ فبايعت مستكرها وصبرت محتسبا ، فقال قائلهم : يا ابن أبي طالب ، إنّك على هذا الأمر لحريص ؛ فقلت : أنتم أحرص منّي وأبعد أيّنا أحرص؟ أنا الذي طلبت ميراثي وحقّي الذي جعلني الله ورسوله أولى به ، أم أنتم اذ تضربون وجهي دونه وتحولون بيني وبينه! فبهتوا ، والله لا يهدي القوم الظالمين».

١٠٠٠

1001

1002

1003

1004

1005

1006

1007

1008

1009

1010

1011

1012

1013

1014

1015

1016

1017

1018

1019

1020

1021

1022

1023

1024

1025

1026

1027

1028

1029

1030

1031

1032

1033

1034

1035

1036

1037

1038

1039

1040

1041

1042

1043

1044

1045

1046

1047

1048

1049

1050

1051

1052

1053

1054

1055

1056

1057

1058

1059

1060

1061

1062

1063

1064

1065

1066

1067

1068

1069

1070

1071

1072

1073

1074

1075

1076

1077

1078

1079

1080

1081

1082

1083

1084

1085

1086

1087

1088

1089

1090

1091

1092

1093

1094

1095

1096

1097

1098

1099

1100

1101

1102

1103

1104

1105

1106

1107

1108

1109

1110

1111

1112

1113

1114

1115

1116

1117

1118

1119

1120

1121

1122

1123

1124

1125

1126

1127

1128

1129

1130

1131

1132

1133

1134

1135

1136

1137

1138

1139

1140

1141

1142

1143

1144

1145

1146

1147

1148

1149

1150

1151

1152

1153

1154

1155

1156

1157

1158

1159

1160

1161

1162

1163

1164

1165

1166

1167

1168

1169

1170

1171

1172

1173

1174

1175

1176

1177

1178

1179

1180

1181

1182

1183

1184

1185

1186

1187

1188

1189

1190

1191

1192

1193

1194

1195

1196

1197

1198

1199

1200

1201

1202

1203

1204

1205