مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون28%

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون مؤلف:
تصنيف: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
الصفحات: 126

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون
  • البداية
  • السابق
  • 126 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49699 / تحميل: 5103
الحجم الحجم الحجم
مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

المجلس التاسع

الموضوع : الامام الكاظمعليه‌السلام والتقية وتحرزه عنها في مقام اتمام الحجة

القصيدة: للسيد مهدي الأعرجي

يا جنة الفردوس ما بال الحشى

قد بات يصلي منكِ ذاتَ وقودِ

ذهبت بزهرتكِ الليالي السوديا

تباً لهاتيكَ الليالي السودِ

لم تحتفل لكِ في عهودٍ مثل ما

لأبن (الرضا) لم تحتفل بعهودِ

جلبوه قسراً من مدينة جدّه

نحو المدائن موثقاً بقيود

حبسوه في (طامورةٍ) لم ينفجر

ليلَ الشقا عن صبحها بعمود

تبّت يد الرجس (الرشيد) بفعله

إذ ليس فيها قد جنى برشيدِ

أوحى إلى (سنديّة) يسمّه

سمّاً تذوب به صخور البيد

فقضى سميماً في السجون مُشرّداً

في منزل عمّن يحبُّ بعيد

* * *

شنهو الذنب سواه حتى ايبعدونه

عن الوطن وابسجن مظلم يذبونه

او هارون آمر بعد سجنه يسمّونه

أو گضّه عليه او بعد ما اتفيد الندامه

* * *

او آمر يشيلون النعش اربع حماميل

واعلى الجسر خلوه وابرجله الزناجيل

او صاح المنادي ابصوت خله المدمع ايسيل

يالشيعة هذا ايمامكم خلصت أيّامه

٦١

المقدمة

كان هارون الرشيد طاغوت زمانه وقد بلغ هارون إلى اوج قدرة الخلافة وصارت سعة الممالك التي تحت حكومته إلى حيث نقل انه خاطب السحاب في السماء بقوله «أينما تمطرين يأتيني خراجك» وكان من شدّة حرصه على الخلافة والإمارة أن خاطب ولده المأمون «والله لو نازعتني في هذا الأمر أخذتُ الذي فيه عيناك فانَّ الملك عقيم».

وقد كانت شدّة التقية حول الامام موسى الكاظمعليه‌السلام بحيث يحتشم التصريح باسمه الشريف بين عامة الناس حتى أن في الروايات المروية عنهعليه‌السلام ربّما اقتصرت عند التسمية عنه بالفقيه، والعالم، والعبد الصالح والشيخ(١) وأمثالها حذراً عن التصريح به بما لا يوجد مثله في روايات آبائه الكرام وأبنائه المعصومين.

الامام الكاظمعليه‌السلام والتقية وتحرزه عنها في مقام اتمام الحجة

لقد ورد عنهعليه‌السلام في التقية: «أن أكرم الناس عند الله أعملهم بالتقية». وروى في المحاسن للبرقي ص ٢٥٨ بسنده عن عبدالله بن حبيب عن موسى بن جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ »، قالعليه‌السلام : اشدّكم تقية. والظاهر ان مورد التقية كانت في غير مقام اتمام الحجة، واما في بيان العقائد الحقة والاحكام الالهية، فانما تسوغ اذا حصل اتمام الحجة ببيان آخر صدر منه او من امام آخر تمت به الحجة. ولذلك ترى ان الحمل على التقية انما يجوز عند الفقهاء اذا كان هناك حديث معارض له، وعند ذلك ورد الأمر بالأخذ بما خالف العامة والغاء ما وافقهم واسقاطه عن الحجية.

ملاحظة: نقل عن آية الله العظمى الكوهكمريقدس‌سره انه يقول في ابحاثه الفقهية
اني لم أجد مورداً صدَرَ عنهم عليهم‌السلام في مقام التقية كلام يخالف الواقع بل كل ما
صدر عنهم في مقام التقية فله محل صحيح، والتقية مجرد إيهام الخلاف وبالدقة
_________________________

(١) وهذا الأخير ورد في حديث ابن مسكان في الكافي ج ١ ص ٣٧٣.

٦٢

في معنى كلامهم يُعرف معناه الصحيح على طبق الواقع، مثال ذلك: ان المنصور سأل الصادقعليه‌السلام عن يوم الفطر وحيث كانعليه‌السلام في المحذور من الحكم بيوم الفطر في قبال المنصور، الذي كان يدعى امامة الامة وخلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في جوابه «ذلك للإمام ان افطرت افطرنا» فأوهم للمنصور انه يقول: ان المنصور هو الإمام وانهعليه‌السلام لا يفطر إلا بحكم المنصور لانه الإمام، ولكن الدقة في معنى كلامه تعطي الاذعان بانهعليه‌السلام لم يقل إلا الحق، فانه يقوله ذلك للإمام. كلام كلي معناه ان الحكم يختص بالامام، واما ان الامام هو المنصور فهو خارج من معناه، وانما التقية في مقام العمل ولذلك صح قولهعليه‌السلام ان افطرت افطرنا.

«ووصية لعلي بن يقطين بان يتوضأ على وضوء العامة»

روى المفيد في الإرشاد عن محمد بن اسماعيل عن محمد بن الفضل قال: اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء أهو من الأصابع إلى الكعبين أم من الكعبين إلى الإصابع فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسىعليه‌السلام جعلت فداك ان اصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فان رأيت ان تكتب إليّ بخطك ما يكون عملي عليه فعلت انشاءالله تعالى.

«فكتب إليه أبو الحسنعليه‌السلام فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك ان تتمضمض ثلثا وتستنشق ثلثا وتغسل وجهك ثلثا وتخلل شعر لحيتك وتغسل يدك من اصابعك إلى المرفقين وتمسح راسك كله وتمسح ظاهر اذنيك وباطنها وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً ولا تخالف ذلك إلى غيره».

فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب مما رسم له فيه مما أجمع العصابة على خلافه. ثم قال: مولاي اعلم بما قال وانا ممتثل لامره فكان يعمل في وضوءه على هذا الحد ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالاً لأمر ابي الحسنعليه‌السلام وسعى بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقيل له انه رافضي مخالف لك. فقال الرشيد لبعض خاصته قد كثر عندي القول في علي بن يقطين والقرف له بخلافنا وميله إلى الرفض ولست أرى في خدمته لي تقصيراً وقد امتحنته مراراً فما ظهرت منه على ما

٦٣

يقرف به واحبّ ان استبرئ امره من حيث لا يشعر بذلك فيحترز مني فقيل له ان الرافضة يا أمير المؤمنين يخالف الجماعة في الوضوء فتخففه ولا ترى غسل الرجلين فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه.

فقال: اجل ان هذا الوجه يظهر به امره ثم تركه مدة وناطه بشيء من الشغل في الدار حتى دخل وقت الصلاة وكان علي بن يقطين يخلوا إلى حجرة في الدار لوضوئه وصلاته فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء الحائط بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو فدعى بالماء فتمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً وغسل وجهه ثلاثاً وخلل شعر لحيته وغسل يديه الى المرفقين ثلاثا ومسح رأسه واذنيه وغسل رجليه ثلاثاً والرشيد ينظر إليه. فلما رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتى أشرف عليه من حيث يراه ثم ناداه كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة وصلحت حاله عنده وورد عليه كتاب أبي الحسنعليه‌السلام ابتدأ «من الآن يا علي بن يقطين توضأ كما أمر الله غسل وجهك مرة فريضة واخرى اسباغاً واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح راسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كان يخاف عليك والسلام».

عدم مبالاة الإمام الكاظمعليه‌السلام بسطوة هارون في مقام إتمام الحجة

قال الشيخ الجليل الحسن بن علي الحرّاني: ان موسى بن جعفرعليه‌السلام دخل اليه وقد عمد على القبض عليه، لاشياء كذبت عليه عنده، فاعطاه طوماراً طويلاً فيه مذاهب وشنعة نسبتها إلى شيعته (فقرأه) ثم قال له «يا أمير المؤمنين نحن أهل البيت منينا بالتقوّل علينا، وربنا غفور ستور أبى أن يكشف اسرار عباده إلّا في وقت محاسبته( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) . إلى أن قال: ثم قال له اني اريد أن اسألك عن العباس وعليّ بما صار عليّ أولى بميراث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العباس، والعباس عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصنو أبيه «فقال له موسىعليه‌السلام : اعفني. قال: والله لا اعفينك، فاجبني. قال: فان لم تعفني فآمنّي. قال: آمنتك. قال موسىعليه‌السلام : ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، ان اباك العباس آمن ولم

٦٤

يهاجر وان عليّاً آمن وهاجر وقال الله تعالى:( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم
مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا
) ، فالتمع لون هارون وتغيّر وقال: مالكم لا تنسبون إلى علي وهو أبوكم وتنسبون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو جدّكم؟ فقال موسىعليه‌السلام : ان الله نسب المسيح عيسى بن مريمعليه‌السلام إلى خليله ابراهيمعليه‌السلام بامه مريم البكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله:( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ
وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ
وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ
) فنسبه بأمه وحدها إلى خليله ابراهيمعليه‌السلام كما نسب داود وسليمان وايوب وموسى وهارونعليهم‌السلام بابائهم وامهاتهم فضيلة لعيسىعليه‌السلام ومنزلة رفيعة بأمه وحدها. وذلك قوله في قصة مريمعليها‌السلام :( إِنَّ اللَّـهَ
اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ
) بالمسيح من غير بشر وكذلك اصطفى ربنا فاطمةعليها‌السلام وطهرها وفضلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة».

فقال له هارون وقد اضطرب وساءه ما سمع:

«ما ورد عن الامام الكاظمعليه‌السلام في ابطال القياس»

عن محمد بن حكيم، قال: قلت لابي الحسنعليه‌السلام : انا نتلاقى فيما بيننا فلا يكاد يرد علينا شيء إلا وعندنا فيه شيء وذلك شيء أنعم الله به علينا بكم، وقد يرد علينا الشيء وليس عندنا فيه شيء وعندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه؟ فقال: لا، وما لكم للقياس، ثم قال لعن الله أبا فلان، كان يقول: قال علي وقلت، وقالت الصحابة وقلت.

ثم قال: كنت تجلس إليه؟ قلت: لا ولكن هذا قوله، فقال أبو الحسنعليه‌السلام إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها (ووضع يده على فمه) فقلتُ ولم ذاك؟ قال: لان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى الناس بما اكتفوا به على عهده وما يحتاجون إليه من بعده إلى يوم القيامة(١).

_________________________

(١) المحاسن ص ٢٠١٢ ـ ٢٠١٣.

٦٥

تعريضهعليه‌السلام لفقهاء أهل العامة على فتواهم بغير علم

ومما صدر عن الامام السابععليه‌السلام في قبال فقهاء أهل العامة تعريضهم بالفتوى بغير علم قال ابوالحسنعليه‌السلام : «من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة الارض وملائكة السماء»(١).

تعريضهعليه‌السلام لفقهاء أهل العامة على عملهم في الاحكام الشرعية بالرأي

بيّن الامام السابععليه‌السلام ان العمل بالرأي في الاحكام بدعة ومستلزم للهلاك وانّ ترك الرجوع إلى أهل البيت في استعلام الاحكام الشرعية ضلالة. وفي ذلك روى الكليني عن يونس بن عبدالرحمن قال قلت لابي الحسن الأولعليه‌السلام : «بما أوحّد الله؟ فقال: يا يونس لا تكونن مبتدعاً، مَنْ نَظَر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضل، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر»(٢).

إفحامهعليه‌السلام للفقيه المعروف بـ (ابي يوسف القاضي)

قال ابو يوسف للمهدي وعنده موسى بن جعفرعليه‌السلام تأذن لي ان اسأله عن مسائل ليس عنده فيها شيء؟ فقال له: نعم، فقال لموسى بن جعفرعليه‌السلام اسألك؟ قال: نعم، قال: ما تقول في التظليل للمحرم، قال: لا يصلح، قال: فيضرب الخباء في الأرض ويدخل البيت؟ قال: نعم، قال: فما الفرق بين هذين؟ قال ابو الحسنعليه‌السلام : ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال: لا، قال: فتقضي الصوم؟ قال: نعم، قال: ولم؟ قال: هكذا جاء، قال أبو الحسنعليه‌السلام وهكذا جاء، فقال المهدي لابي يوسف: ما أراك صنعت شيئاً؟ قال: رماني بحجر دامغ.

هارون الرشيد للإمام حد فدكاً حتى أردها اليك

فقال الامامعليه‌السلام لا أحدَّها إلا بحدودها قال وما حدودها؟ قال إن حددتها لم
تردها قال بحقِّ جدِّك إلا فعلت؟! قال عليه‌السلام أما الاحد الأول فعدن فتغير وجه الرشيد
_________________________

(١) المحاسن ٢٠٥.

(٢) الكافي ١ / ٥٦.

٦٦

وقال ايهاً قال والحد الثاني سمرقند فاربدَّ وجهه قال والحد الثالث افريقيا فاسودَّ وجهه وقال هيه قال والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وارمينيه قال الرشيد فلم يبق لنا شيء فتحوّل إلى مجلسي قال موسىعليه‌السلام قد علمتك انني ان حددتها لم تردَّها فعند ذلك عزم على قتله، فقال بحقِّ القبر والمنبر وبحق قرابتك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرني أنت تموت قبلي أو أنا أموت قبلك لأنك تعرف هذا من علم النجوم فقال له موسىعليه‌السلام آمني حتى أخبرك فقال لك الأمان فقالعليه‌السلام انا أموت قبلك وما كذبت ولا أكذب ووفاتي قريب ثم ان هارون اذن له في الانصراف فتوجه إلى الرقة ثم تقولوا عليه شيئاً فاستعاده هارون واطعمه السم فتوفى (عليه السلام وصلوات الله عليه) في حبس السندي بعد ما كان يضيق عليه غاية التضييق إلى ان سقاه السم بأمر الرشيد في رطبات مسمومة فلما أكل عشر رطبات تغير لونه فقال كل منها قال حسبك قد بلغت ما تحتاج اليه فيما أمرت به ثم أنه احضر القضاة والعدول قبل وفاة بأيّام وأخرجه اليهم وقال إن الناس يقولون إن ابا الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام في ضنك شديد وها هو ذا لا علّة به ولا مرض فقالعليه‌السلام ايتها الجماعة اعلموا اني مقتول بالسم وسأحمر في آخر هذا اليوم حمرة شديدة واصفر غداً وابيض بعد غد وامضي إلى رحمة الله ورضوانه. رحم الله مَن نادى وا اماماه وا كاظماه واسيّداه.

للقيدِ في رجليه خشخشة

وبه أضرّ السّجن والدّنفُ

ما زال تقذفه السّجون فمن

سجن لأضيق منه ينقذفُ

حتّى قضى بالسمّ محتدماً

حزناً بكاه المجد والشرف

حملته حمّالون أربعه

إذ لا وقار به مذ انصرفوا

* * *

عليه ضاگ الهوه أو مل من حياته

ولا يعرف وكت بيه الصلاته

لمن سموا أو بيه صارت وفاته

عگب ما ذاب چبده وخلص بالسم

* * *

٦٧

ثلث تيام ظل من غير تغسيل

ما عنده عشيره النعشه اتشيل

شالوا للجسر أربع حماميل

أو بي سمعت الناس أو عدت تلتم

* * *

وضعوه فوق الجسر مطر

وحاً على نهج العبور

* * *

٦٨

المجلس العاشر

الموضوع : علي بن يقطين وبعض نشاطاته

القصيدة: عبدالمجيد البغدادي الحلّي

وأمضّ الخطوب أن يقطع الأد

نون أو يقتفوا الدنيّ الخسيسا

خلفت عصبة الشقاق بنو

العم فنالوا من ابن جعفر موسى

بلغوا من أبي الرّضا أن سقوه

السّم عند اغترابه مدسوسا

بأبي ثاوياً ببغداد قاسى

كربات حتّى قضى محبوسا

شيّعت نعشه النفوس ولكن

رزؤه شيّع الأسى والنفوسا

كيف نامت على الهوان حمولاً

من على الضّيم لا تطيق الجلوسا

أتناست باب الحوائج فهر

وهو في قيده يعاني الحبوسا

أفك القوم بالنّداء عليه

فانجلى ما تقوّلوا معكوسا

حيث كان الرشيد في الظّلم فرعو

ن وموسى فيها تحمّل موسى

فتولّى منه سليمان أمراً

كان من دون الرشيد يؤوسا

* * *

اولن من الگصر مشرف اسليمان

نعش باب الحوايج لاح إله وبات

يگلهم هالجنازة مالها اعوان

غريبه اولا وراها ناس يمشون

گالوله غريب اهله امبينين

لاچن بالمدينة اعله بعيدين

ابن عمّك الكاظم گال هالحين

انزلوا واخذوا نعشه او لا تخافون

* * *

٦٩

جابه وغسّله او حنّطه او لفّه

ابحبرته او شال تابوته اعلى چتفه

مشه مكشوف راسه حافي خلفه

كثر تشييعهم والناس يبچون

* * *

ولا واحد حضر لحسين ذاك اليوم

يخلّص جثته من سحك خيل الگوم

يواريه او يخلّص زينب او چلثوم

أو يخلص أطفال تبچي ولا يهيدون

ترجمته

علي بن يقطين، كوفي الأصل بغدادي المسكن، ثقةٌ جليل القدر من أجلّاء الأصحاب، وجيهاً عند الامام موسى الكاظمعليه‌السلام ، وكان أبوه يقطين من الدعاة للعباسيين ووقع في محنةٍ عظيمة أيام مروان الحمار، لأنَّ مروان طلبه ففرَّ من وطنه واختفى ووُلد علي ابنه بالكوفة عام (١٢٤ هـ) وفرّت زوجة يقطين أيضاً مع ولديها علي وعبيد أولاد يقطين من خوف مروان إلى المدينة، وما زالوا مختفين حتى قُتل مروان واستولى العباسيون على الحكم فخرج يقطين وجاءت زوجته مع أولاده إلى الكوفة وطنهم وصار يقطين من أعوان السفاح والمنصور ومع هذا كان شيعيّاً وقائلاً بالإمامة وهكذا أبناؤه، وفي بعض الأحيان كان يحمل الأموال إلى الامام الصادقعليه‌السلام فوُشِيَ به عند المنصور والمهدي لكنّ اللهُ نجّاه من كيدهم وبقي يقطين بعد ولادة ابنه علي تسع سنين وتوفي ١٣٣ هـ وكان يقطين يبيع الأبزار (التوابل).

بشَّرهُ الامام الكاظمعليه‌السلام

عن عبدالله بن يحيى الكاهلي قال: كنت عند أبي إبراهيمعليه‌السلام إذ أقبل علي بن يقطين فالتفت إلى أصحابه فقال: من سره أن يرى رجلاً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلينظر إلى هذا المقيل! فقال له رجل من القوم: هو إذن من أهل الجنة؟ فقال أبو الحسنعليه‌السلام أما أنا فأشهد أنه من أهل الجنة(١).

_________________________

(١) اختصار رجال الطوسي: ٢ / ٧٣٠.

٧٠

علي بن يقطين بذل ماله ومودته للإمام الكاظمعليه‌السلام

روى بكر بن محمد الأشعري أن أبا الحسن الأولعليه‌السلام قال: إني استوهبت علي بن يقطين من ربي عزّ وجلّ البارحة فوهبه لي، إن علي بن يقطين بذل ماله ومودته، فكان لذلك منّا مستوجباً(١).

دعاء الامام الكاظمعليه‌السلام في موقف عرفة لعلي بن يقطين

روي عن داود الرقي إنّه قال: دخلتُ على أبي الحسنعليه‌السلام يوم النحر، فقال مبتدئاً ما عَرَضَ في قلبي أحد وأنا على الموقف إلّا علي بن يقطين، فانّه ما زال معي وما فارقني حتى أفضتُ(٢).

مائة وخمسين رجلاً حجّوا عنه في عام واحد

قال سليمان بن الحسين، كاتب علي بن يقطين: «أحصيت لعلي بن يقطين من وافى عنه في عام واحد مائة وخمسين رجلاً، أقل من أعطاه منهم سبع مائة درهم، وأكثر من أعطاه عشرة آلاف درهم»(٣).

كان يرسل أمواله إلى الامام الكاظمعليه‌السلام

في معجم السيد الخوئي ١٣ / ٢٤٧ عن إسماعيل بن سلام، وإسماعيل بن جميل،
قالا: بعث إلينا علي بن يقطين فقال: اشتريا راحلتين وتجنبا الطريق، ودفع إلينا
أموالاً وكتباً حتى توصلا ما معكما من المال والكتب إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام
ولا يعلم بكما أحد، قالا: فأتينا الكوفة فاشترينا راحلتين ووضعنا لها العلف وقعدنا
نأكل، فبينا نحن كذلك إذ راكب قد أقبل ومعه شاكري فلما قرب منا فإذا هو
_________________________

(١) رجال الطوسي: ٢ / ٧٣٢.

(٢) منتهى الآمال للمحدث القمي: ٢ / ٣٨٨.

(٣) اختصار معرفة لرجال الطوسي: ٢ / ٣٣٢.

٧١

أبوالحسنعليه‌السلام فقمنا إليه وسلمنا عليه، ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا، فأخرج من كمّه كتباً فناولنا إياها فقال: هذه جوابات كتبكم، فقلنا إن زادنا قد فنيَ فلو أذنت لنا فدخلنا المدينة فزرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتزودنا بزاد، فقال: هاتا ما معكما من الزاد، فأخرجنا الزاد فقلّبه بيده، فقال: هذا يبلغكما إلى الكوفة، وأما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد رأيتماه، وإني صليتُ معهم الفجر، وإني أريد أن أُصلي معهم الظهر، إنصرفا في حفظ الله!

الامام الكاظمعليه‌السلام أجازه في عمله مع هارون

قال علي بن يقطين للامام الكاظمعليه‌السلام : أما ترى حالي وما أنا فيه؟ فقال: يا علي إنّ لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي(١).

وفي البحار استأذن علي بن يقطين الامام الكاظمعليه‌السلام في ترك عمل السلطان فلم يأذن له وقال: لا تفعل فانَّ لنا بك أنساً ولإخوانك بك عزّاً وعسى أن يجبر الله بك كسراً ويكسر بك نائرةَ المخالفين عن أوليائه.

يا علي كفّارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم. إضمن لي واحدة وأضمن لك ثلاثاً: إضمن لي أن لا تلقي أحداً من أوليائنا إلّا قضيت حاجته وأكرمته وأضمن لك ان لا يظلّك سقف سجن أبداً ولا ينالك حدّ سيف أبداً ولا يدخل الفقر بيتك أبداً، يا علي من سرَّ مؤمناً فبالله بدأ وبالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثنّى وبنا ثلّث(٢).

أقول: من أدخل سروراً على مؤمن أدخله على الله سبحانه والرسول والأئمة فكيف بمن أدخلَ السرور على فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وذلك من خلال إسعادها في بكاءها على ولدها الحسينعليه‌السلام المظلوم الشهيد وإقامة مجالسه وإبكاء الناس على مصيبته.

_________________________

(١) نفس المصدر السابق: ٢ / ٧٣٠ ـ ٧٣١.

(٢) البحار: ٤٨ / ١٣٦.

٧٢

وكأني بلسان حال مولاتي الزهراءعليها‌السلام

وينه اليواسيني ابدمعته

على ابني الذي حزوا رگبته

وظلت ثلث تيام جثته

اويلاه يبني الماحضرته

ولا غسلت جسمه او دفنته

أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً

وقد مات عطشاناً بشط فرات

المصدر: شعراء القطيف ص ٢٢٩

* * *

٧٣

٧٤

المجلس الحادي عشر

الموضوع: السجون التي مَرَّ بها الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام

القصيدة: للشاعر الحاج منصور الجشي

مُصابٌ أطلَّ على الكائنات

فأوحشَ بالثكلِ أزمانَها

وأفجعنا وجمع الورى

وأوقد في القلب نيرانَها

فلله سهمٌ رمى المكرمات

فهدّ عُلاها وبنيانَها

ألم تدر يا دهر من ذا رميت

أصبتَ بسهمك فرقانَها

أصبتَ بسهمكَ قلبَ الوجودِ

وهدَّمتَ واللهِ أركانَها

غداة ابن جعفر موسى قضى

مُذابَ الحشاشة حرَّانها

قضى مُستضاماً بضيق السجون

يُكابدُ بالهمِّ أشجانَها

أيهنى لعينيَّ طيبَ الكرى

وهل تألفُ النفس سلوانَها

وبابُ الحوائج في مهلكٍ

عليه الفضا ضاق حيرانَها

أتاحَ لهُ السمّ أشقى الورى

فألهبَ أحشاهُ نيرانَها

وألمه بثقل القيود

ولم يرع في الحقّ ديّانها

على الجسر مُلقىً برمضائها

به أشفت القومُ أضغانَها

* * *

ظل مطروح والسندي ينادي اعليه

ابذاك النده الما واحد گدر يطريه

حميت النسب بسليمان هاجت بيه

اجه يمه او فل وجها وبچه وشمه

٧٥

* * *

ناده غلمانه او ويلاده اريد

اتشيعونه ابرغم هارون الرشيد

شيعوه او نزعوا منه الحديد

وصار للوادم عليه نوح وعويل

* * *

وبعد تشييعه ابوسط لحده اندفن

والدموع عليه من دم اذرفن

آه بس احسين ظل ابلا چفن

عالترب مطروح وابدمّه غسيل

أبيات الحسچه للاستاذ المرحوم الشيخ محمد سعيد المنصوريرحمه‌الله

يا سائلاً وشظايا القلب في شجن

هل جهّزوا لقتيلٍ ماتَ ممتحنِ

أجبته بقلبٍ والهٍ حَزَن

ما غسلوه ولا لقوهُ في كفن

يوم الطفوفِ ولا مدّوا عليه ردا

من دعاء الامامعليه‌السلام : «يا سيّدي نجني من حبس هارون وخلصني من يده يا مخلص الشجر من بين رملٍ وطين، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم ويا مخلص الولد من بين مشيمةٍ ورحم، ويا مخلص النار من الحديد والحجر... خلصني من يد هارون».

المقدمة: الأسباب التي دعت هارون لسجن الامامعليه‌السلام

١ ـ سمو شخصية الامامعليه‌السلام : الامام موسى الكاظمعليه‌السلام من ألمع الشخصيات الإسلامية في ذلك العصر، فهو أحد أوصياء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما دان بإمامته جمهورٌ كبيرٌ من المسلمين، وقد أجمع المسلمون على اختلاف مذاهبهم على إكبار الامام وتقديره وقد تحدَّث الناس في عصره عن علومه وتقواه وورعه ومكارمه، وكان هارون نفسه ممّن يجلّه ويعتقد بأن الخلافة الإسلامية هو أولى بها منه، كما حدَّث بذلك المأمون، فقد قال لندمائه، أتدرون من علّمني التشيّع؟ فانبروا جميعاً قائلين: لا والله ما نعلم، علّمني ذلك الرشيد، فقالوا كيف ذلك؟ والرشيد كان يقتل أهل هذا

٧٦

البيت؟ قال: كان يقتلهم على الملك لانَّ المُلك عقيم ثم أخد يحدثهم عن ذلك قائلاً: لقد حججت معه سنة فلما انتهى إلى المدينة قال لا يدخل عليَّ رجل من أهلها أمن المكيين سواء كان من أبناء المهاجرين والأنصار أو من بني هاشم حتى يعرفني بنسبه وأسرته، فأقبلت إليه الوفود تترى وهي تعرّف الحاجب بأنسابها، فيأذن لها، وكان يمنحها العطاء حسب مكانتها ومنزلتها، وفي ذات يوم اقبل الفضل بن الربيع حاجبه وهو يقول له: رجل على الباب، زعم أنه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، فلما سمع ذلك هارون أمر جلساءه بالوقار والهدوء ثم قال لرئيس تشريفاته إئذن له، ولا ينزل إلا على بساطي. وأقبل الامامعليه‌السلام وقد وصفه المأمون فقال إنه شيخٌ قد انهكته العبادة كأنه شن بال قد كلمَّ السجود وجهه، فلما رآه هارون قام إليه وأراد الامام أن ينزل عن دابته، فصاح الرشيد لا والله إلا على بساطي فمنعه الحجاب من الترجل ونظرنا إليه بالإجلال والإكبار والاعظام، وسار راكب إلى البساط، والحجاب وكبار القوم محدقون به، واستقبله هارون فقبل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيّره في صدر مجلسه وأقبل يسأله عن أحواله ويحدّثه ثم قال له:

يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟ قال الامام يزيدون على الخمسمائة. قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الامام: لا أكثرهم موالي وحشمي وأما الولد فلي نيف وثلاثون ثم بين له عدد الذكور والإناث، فقال هارون: لم لا تتزوج النسوة من بني عمومتهن؟ فقال الامامعليه‌السلام : اليد تقصر عن ذلك. فقال هارون: ما حالُ الضيعة؟ قال الامامعليه‌السلام تعطي في وقت وتمنع في آخر، قال هارون: فهل عليك دين؟ قال الامامعليه‌السلام : نعم، قال هارون: كم؟ قال الامامعليه‌السلام : نحو من عشرة آلاف دينار، قال هارون: يا بن عم، أنا أعطيك من المال ما تزوج به أولادك وتعمر به الضياع. قال الامامعليه‌السلام : وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله لك هذه النية الجميلة، والرحم ماسة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصِنو أبيه وعم علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك وقد بسط يدك وأكرم عنصرك وأعلى محتدك، فقال هارون: أفعل ذلك يا أبا الحسن وكرامة، فقال له

٧٧

الامامعليه‌السلام : إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد فرض على ولاة العهد أن ينعشوا فقراء الأمة، ويقضوا على الغارمين، ويؤدوا عن المثقل ويكسو العاري وأنت أولى من يفعل ذلك. قال هارون: أفعل ذلك يا أبا الحسن.

ثم انصرف الامامعليه‌السلام فقام هارون تكريماً له فقبل ما بين عينيه ووجهه ثم التفت إلى أولاده فقال لهم: قوموا بين يدي عمكم وسيدكم، وخذوا بركابه وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله، فانطلقوا مع الامام بخدمته وأسرعليه‌السلام إلى المأمون فبشَّرهُ بالخلافة وأوصاه بالإحسان إلى ولده، ولمّا فرغوا من القيام بخدمة الامام وإيصاله إلى داره قال المأمون: كنتُ أجراُ ولد أبي عليه، فلما خلا المجلس قلت له: يا أمير المؤمنين، من هذا الرجل؟ الذي عظمته وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له. قال هارون: هذا إمام الناس وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده، قال المأمون: يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟

قال هارون: أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر وموسى بن جعفرعليه‌السلام إمام حق، والله يا بني إنّه لأحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّي ومن الخلق جميعاً والله لو نازعتني هذا الأمر لأخذتُ الذي فيه عينيك فان المُلك عقيم... الخ(١).

٢ ـ حقد هارون: كان الحقدُ من مقومات ذات الرشيد، ومن أبرز صفاته النفسية لقد حَسَدَ الرشيد البرامكة لما ذاع اسمهم وتحدثت الناس عن مكارمهم فقد أخذ الحقد ينخر في قلبه حتى أنزل بهم العقاب الأليم فمحا وجودهم وأزال ظلهم.

وكذلك لم يرق لهارون أن يرى في المجتمع من هو أفضل منه، والجماهير تؤمن بأن الامام الكاظمعليه‌السلام هو أولى بالأمر من غيره، وانه في القمة العليا علماً وفضلاً وأن المسلمين أجمعوا على تعظيمه، فساءه ذلك فقدم على ارتكاب الجريمة فأودع الامام في ظلمات السجون(٢).

_________________________

(١) حياة موسى بن جعفرعليه‌السلام للشيخ باقر شريف القرشي: ٢ / ٤٤٣ ـ ٤٤٦.

(٢) حياة موسى بن جعفرعليه‌السلام للقرشي: ٤٤٩ ـ ٤٥٠.

٧٨

٣ ـ حرصه على الملك: كان هارون حريصاً على ملكه متفانياً في حب سلطانه فهو يُضحى في سبيله جميع المقدسات والقيم، وقد عبَّر عن مدى حرصه على سلطته بكلمته المعروفه: «لو نازعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأخذتُ الذي فيه عيناه»(١).

٤ ـ بغضه للعلويين: لقد ورث هارون عداء العلويين وبغضهم من آبائه وسلفه الذين نكلوا بالعلويين، وصبوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم، وساقوهم إلى القبور والسجون، وطاردوهم حتى هربوا خائفين هائمين على وجوههم، وزاد هارون على أسلافه، فدفن العلويين وهم أحياء وأشاع في بيوتهم الثكل والحزن والحداد، وفرض عليهم الإقامة الإجبارية في بغداد، وجعلهم تحت المراقبة، ولم يسمح للاتصال بهم وحرمهم من جميع حقوقهم الطبيعية. وكان أبغض شيء عليه أن يرى عميد العلويين موسى بن جعفرعليه‌السلام في دعة واطمئنان وأمان، فعَمَد إلى سجنه وحرمان الامة الاسلامية من علومه ومن الاستفادة من نصائحه(٢).

٥ ـ الوشاية به: وعَمدَ فريقٌ من باعة الضمير إلى السعي بالامامعليه‌السلام والوشاية به عند الطاغية هارون ليتزلفوا إليه بذلك، وكانت وشاية هؤلاء المجرمين بالامام ذات طوابع متعددة وهي:

أ ـ جباية الأموال له: انطلق بعض الأشرار، فأخبر هارون بأن الامام تُجبى له الأموال الطائلة من شتى الأقطار الإسلامية وإنّه اشترى بها ضيعة تسمى «البسرية» اشتراها بثلاثين ألف دينار، فأشار ذلك كوامن الغيظ والحقد في نفس هارون، فان سياسته كانت تجاه العلويين تقضي بفقرهم ووضع الحصار الاقتصادي عليهم، فان فقرهم أحب إليه من غناهم ـ كما قال لولده المأمون ـ وقد ذهب ابن الصباغ إلى أن هذه الوشاية من جملة الأسباب التي دعت إلى سجن الامامعليه‌السلام (٣).

_________________________

(١) نفس المصدر السابق: ٤٥٠.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) نفس المصدر السابق: ٢٥١ ـ ٢٥٢.

٧٩

ب ـ طلب الخلافة: وهناك مجموعة من السعاة لهارون على إمامنا الكاظمعليه‌السلام بحجة انه يطلب الخلافة قد سخّرهم بعض أعوان هارون ليتقرّب من هارون مثل يحيى البرمكي وغيره.

٦ ـ احتجاج الامام: من الأسباب التي حفزت هارون لاعتقال الإمام وزجّهُ في غياهب السجون، احتجاجهعليه‌السلام عليه بأنه أولى بالنبي العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع المسلمين فهو أحد أسباطه ووريثه وأنّه أحقُّ بالخلافة مِن غيره وقد جرى احتجاجهعليه‌السلام معه في مرقد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك حينما زاره هارون وقد احتفَّ به الوجوه والأشراف وقادة الجيش وكبار الموظفين بالدولة فقد أقبل بوجهه على الضريح المقدَّس وسلّم عَلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلاً: «السلام عليك يا بن العم» وقد اعتزَّ بذلك على من سواه وافتخر على غيره برحمه الماسّة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّه إنّما نال الخلافة لقربه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان الإمامعليه‌السلام آنذاك حاضراً فسلّمَ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلاً: «السلام عليك يا أبتِ» ففقد الرشيد صوابه واستولّت عليه موجات من الأستياء حيث قد سبقه الامامعليه‌السلام إلى ذلك المجد والفخر فاندفع قائلاً بنبرات تقطرُ غضباً: «لِمَ قلت أنّك أقرب إلى رسول الله منّا؟؟» فأجابهُعليه‌السلام بجواب لم يتمكن الرشيد من الردَّ عليه أو المناقشة فيه قائلاً: «لو بُعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّاً فخطبَ منك كريمتك هل كنت تجيبهُ إلى ذلك؟» فقال هارون سبحان الله وكنتُ أفتخر بذلك على العرب والعجم.

فقال الامامعليه‌السلام : «لكنّه لا يخطب منّي ولا أزوّجه لانّه والدنا لا والدكم فلذلك نحن أقربُ إليه منكم». اذن فالإمام أولى بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هارون وأحقَّ بالخلافة فهو سبطه ووارثه. لذلك ازداد هارون غيظاً على الامام وزجَّ به في السجن.

القبض على الإمامعليه‌السلام

وفي اليوم الثاني ألقى القبض على الامامعليه‌السلام فالقت الشرطة القبض على الامامعليه‌السلام وهو قائمٌ يُصلّي لربّه عند رأس جدّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقطعوا عليه صلاته ولم

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

ويعرف قبره قبل بسيد السادات ويعرف الآن «شاه چراغ» وبقي قبره مخفياً، ولكنه ظهر في عهد الأمير مقرب الدين مسعود بن بدر فبنى عليه بناءاً، وقيل وجد في قبره كما هو صحيحاً طرياً لم يتغير وفي يده خاتم نقش عليه «العزة لله، أحمد بن موسى» فعرفوه به.

٥ ـ الحسين: يلقب بالسيد علاء الدين(١) وكان سيداً جليل القدر رفيع الشأن ومما يدل على سمو مكانته رواية البزنطي، فقد جاء فيها أنه سئل الامام الجوادعليه‌السلام أي عمومتك أبرّ بك؟ فقال: الحسين قال الامام الرضاعليه‌السلام صدق والله، هو والله أبرهم به وأخيرهم.

وقال المرحوم السيد جعفر آل بحر العلوم، إن قبره بشيراز.

٦ ـ حمزة: يكنى أبا القاسم، أمه أم ولد، كان عالماً فاضلاً كاملاً مهيباً جليلاً رفيع المنزلة، عالي الرتبة، مقدراً عند الخاصة والعامة سافر مع أخيه الامام الرضاعليه‌السلام إلى خراسان، وكان واقفاً في خدمته ساعياً في مآريه طالباً لرضائه ممتثلاً لأمره، فلما وصل إلى «سوسعد» إحدى قرى «ترشير» خرج عليهم قوم من أتباع المأمون فقتلوه، وقبره في «بسنتان» وقد أعقب ولدين، أحدهما علي والآخر القاسم أبا محمد وإليه تنتمي السادة الصفوية، وصرحت بعض المصادر أن قبره في الري بالقرب من قبر السيد الجليل شاه عبدالعظيم(٢).

٧ ـ محمد: يكنى أبا ابراهيم، كان كريماً جليلاً موقراً يعرف بالعابد لكثرة وضوئه وصلاته، فكان في كل ليلة يتوضأ ويصلي ويرقد قليلاً ثم يقوم لعبادة الله تعالى حتى يتبلج نور الصبح، قال بعض شيعة أبيه ما رأيته قط إلا ذكرت قول الله تعالى: «كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ».

وقال الرواة إنه دخل شيراز واختفى بها وأخذ يستنسخ القرآن الكريم ومن أجرته أعتق الف مملوك.

_________________________

(١) تحفة العالم: ٢ / ٣١.

(٢) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٤١٩ ـ ٤٢٠.

١٠١

أعقب سبعة أولاد منهم أربع بنات وهن: السيدة حكيمة وكلثم وبريهة وفاطمة، والرجال: جعفر ومحمد وابراهيم الذي يُعرف بالمجاب وسبب تلقيبه بذلك ـ فيما يقول المؤرخون ـ انه سلم على قبر جده الامام الحسينعليه‌السلام فسمع صوت من القبر الشريف: وعليك السلام يا ولدي، وقد دفن بجار جده الامام الحسينعليه‌السلام وفيه يقول بعض ولده مفتخراً به وبجده الامام موسىعليه‌السلام :

من اين للناس مثل جدي

موسى وابنه المجاب

اذ خاطب السيد وهو رمس

اجابه اكرم الجواب

توفي السيد محمد العابد بشيراز ودفن فيها وكان قبره مخفياً إلى زمان بك بن سعد بن زنكي فبنى له قبة في محلة «باغ قتلغ» وقد جدد بناؤه عدة مرات في زمان السلطان نادر خان...(١).

٨ ـ صالح: أعقب السادة الشهرين بالشجعان، ولهم شجرة، وقد توفي في تجريش، وقبره مشيد وعليه بناية ضخمة(٢).

٩ ـ آمنة: توفيت في مصر، وقبرها هناك يزار.

١٠ ـ حكيمة: أمرها أخوها الامام الرضاعليه‌السلام بأن تحضر عند الخيزران (أم الامام الجوادعليه‌السلام ) عند ولادتها به، وقد روت كيفية ولادته وما جرى له من المعجز آنذاك.

١١ ـ فاطمة الصغرة: قبرها في «بادكوبه» يقع في وسط مسجد بناؤه قديم.

١٢ ـ ابراهيم الاصغر: يلقب بالمرتضى وهو المشهور بابراهيم المجاب وهو أصغر ولد أبيه، وأمه نوبية اسمها بخية وذكر العبيدلي النسابة ان ابراهيم الصغير بن الكاظم كان عالماً عابداً وهو المعقب المكثر جد المرتضى والرضي قيل دفن في كربلاء بالحائر الحسيني.

١٣ ـ إبراهيم الأكبر: وكان سخياً شجاعاً كريماً، تقلد الإمرة على اليمن في أيام
المأمون من قبل محمد بن محمد بن زيد بن علي الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة
_________________________

(١) نفس المصدر السابق: ٤٣٥.

(٢) كنز الانساب.

١٠٢

ومضى إليها ففتحها وأقام بها مدّة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان، فأخذ له الأمان من المأمون(١).

١٤ ـ اسحق: ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرضاعليه‌السلام وكان يلقب بالأمين وتوفي سنة ٢٤٠هـ في المدينة(٢).

١٥ ـ إسماعيل: وهو صاحب الجعفريات، وقبره في مصر، قال النجاشي، سكن مصر وولده بها، وله كتب يرويها عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام . منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحج، كتاب الجنائز، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب الحدود، كتاب الدعاء، كتاب السنن والآداب، كتاب الرؤيا(٣).

١٦ ـ جعفر: ويقال له الخواري، ويقال لولده الخواريون والشجريون لأن أكثرهم بادية حول المدينة يرعون الشجر، وفي مشجر العميدي، كان جعفر موصوفاً بالشجاعة والفروسية، وعده أبو نصر البخاري من خلص الموسوية الذين لم يجد أحداً يشك فيهم من النساب(٤).

١٧ ـ زيد: وهو الخارج بالبصرة أيام الأمين والمأمون، عقد له محمد بن محمد ابنه زيد بن علي على الأهواز أيام أبي السرايا، ولما دخل البصرة وغلب عليها أحرق دور بني العباس فقيل له زيد النار، وحاربه الحسن بن سهل فظفر به. وأرسله إلى مرو مقيداً، فعفا عنه المأمون، ثم سقاه السم وقتله وقبره بمرو(٥).

وذكر الشيخ عباس القميرحمه‌الله في منتهى الآمال، وعظم فعل زيد على الامام
الرضا عليه‌السلام فحلف أن لا يكلّمه أبداً، ومن جملة ما قالهعليه‌السلام لزيد: يا زيد أغرّك قول سفلة
أهل الكوفة: إنّ فاطمة عليها‌السلام أحصنت فرجها فحرّم الله ذريتها على النار؟ ذلك للحسن
_________________________

(١) الارشاد: ٢ / ٢٤٥ الامام موسى بن جعفر سيرة وتأريخ ص ١٠٠.

(٢) بحار الأنوار: ٤٨ / ٢٨٤ الامام موسى بن جعفر سيرة وتأريخ: ص ١٠١.

(٣) نفس المصدر: ٤٨ / ٣١٤ الامام موسى بن جعفر سيرة وتأريخ: ص ١٠٢.

(٤) بحار الأنوار: ٤٨ / ٢٨٤ الامام موسى بن جعفر سيرة وتأريخ: ص ١٠٢.

(٥) تاريخ الطبري: ١٠ / ٢٣١.

١٠٣

والحسينعليهما‌السلام خاصّة إن كنت ترى انّك تعصي الله عز وجل وتدخل الجنة وموسى بن جعفرعليه‌السلام أطاع الله ودخل الجنّة، فأنت إذن اكرم على الله تعالى من موسى بن جعفرعليه‌السلام والله ما ينال أحد ما عند الله تعالى إلّا بطاعته وزعمت انّك تناله بمعصيته؟! فبئس ما زعمت، فقال له زيد: أنا أخوك وابن أبيك، فقال له أبوالحسنعليه‌السلام : أنت أخي ما أطعت الله عزَّ وجلَّ انّ نوحاًعليه‌السلام قال: «رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ
الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ
» فقال الله تعالى: «يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ
غَيْرُ صَالِحٍ
...» فأخرجه الله تعالى عز وجل من أن يكون من أهله بمعصيته(١).

وذكر الشيخ المفيدرحمه‌الله من جملة أولاده العباس وهارون وعبدالله وعبيدالله والفضل وسليمان والحسن ورقية وأم أبيها ورقية الصغرة (كلثوم) وأم جعفر ولبابة وزينب وخديجة وعليّة وحسنة وبريهة وعبّاسة وأم سلمة وميمونة وأم كلثوم، وقال الشيخ المفيدرحمه‌الله ولكلّ واحد من ولد أبي الحسن موسىعليه‌السلام فضلٌ ومنقبة مشهورة.

أقول: أولاد الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام ظلموا، قتلوا، شرّدوا، كما صنعوا بالائمة الطاهرين من أبناء الزهراعليها‌السلام وقبورهم شتى والعزاء لمولاتي الزهراءعليها‌السلام . نعزّيها بأبناءها على لسان الشاعر:

هالنوح يا فاطم على منهو توحين

نوحچ على المسموم لو نوحچ على احسين

نادت ودمع العين على الخد بادي

لو تسألوني يا خلگ كلهم أولادي

لچن مصاب احسين ساطي في فؤادي

أعظم مصيبة هوَّنتها امصيبة حسين

دهري رماني بالرزايا بكل غالي

وشتّت اولادي عن يميني وعن شمالي

ما شوف يوم من الحزن مرتاح بالي

البعيد عني والذي مني قريبين

منهم ابسامرا ومنهم في خراسان

ومنهم بارض طيبه ومنهم بارض كوفان

اعظم مصيبة مصيبة المذبوح عطشان

حسين وينه اللي يواسيني على احسين

لا تحسبوني للرضا في طوس ما جيت

ولا إلى بغداد ما رحت أو تعنّيت

كلهم عليهم نوَّحت والدمع هلّيت

واعظم عليَّ لو نعى الناعي على احسين

_________________________

(١) منتهى الآمال: ٢ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

١٠٤

* * *

أبچي على اولادي ذبايح يوم عاشور

لنصب عليهم ماتمي في وسط الگبور

وانسيت ضلعي اللي ابسد الباب مكسور

كل البچه والنوح والصيحة على احسين

* * *

هذا بسامرا وذاك بكربلا

وبطوس ذاك وذاك في بغداد

* * *

١٠٥
١٠٦

المجلس الرابع عشر

الموضوع : أسباب استدعاء الامام الكاظمعليه‌السلام وسجنه

القصيدة: للشيخ اليعقوبي ديون الذخائر

ما أنصفتك بنو الأعمام إذ قطعت

أواصراً برسول الله تتحد

أبكيكَ رهن السجون المظلمات وقد

ضاق الفضا وتوالى حولك الرصدُ

لبثت فيهن أعواماً ثمانيةً

ما بارحتك القيود الدهم والصفد

تُمسي وتغدو بنو العباس في مرحٍ

وأنت في محبس السندي مضطهدُ

دسوا إليك نقيع السم في رطب

فاخضرَّ لونك مذ ذابت به الكبدُ

حتى قضيت غريب الدار منفرداً

لله ناءٍ غريب الدار منفردُ

أبكي لنعشِكَ والأبصار ترمقه

ملقىً على الجسر لا يدنو له أحدُ

أبكيكَ ما بين حمالين أربعة

تشال جهراً وكل الناس قد شهدوا

* * *

يگلبي على الكاظم تولم

يعيني اعليه سحّي الدمع من دم

غريب وبالحبس ويولج بالسم

يتگلب يسار ونوبه ايمين

* * *

عالج ولاج وگضى نحبه غريب

لا حضر موته صحابه اولا قريب

ويل گلبي يوم جس نبضة الطبيب

گال مسموم او مَضْ بيه الصواب

* * *

أيُحملُ موسى والحديدُ برجلهِ

كما حُمِلَ السجّاد عان مُقيّدا

١٠٧

المقدمة

الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام مجمع الفضائل ومكارم الأخلاق الحسنة والتُقى والكرم. فالقلوب تهوي إليه وتتوجه نحو ومن هنا قال الامام الكاظمعليه‌السلام لهارون: «أنا إمام القلوب، وأنت إمام الجسوم»(١).

والعباسيون تعاملوا مع أهل البيتعليهم‌السلام وفق معايير ثابتة تقوم على أساس التصدّي لمدرسة أهل البيت ومطاردة شيعتهم وقمع الطالبين والنكاية بهم بسبب هاجس الخوف من نشاط الامامعليه‌السلام والغيرة من دوره الفاعل والمحرّك في الحياة الاسلامية.

لذلك هناك مجموعة من الأسباب التي أدَّت إلى استدعاء الامامعليه‌السلام وسجنه وهي:

١ ـ الخوف من عمل الأمامعليه‌السلام : ولعلَّ من أبرز الشواهد على ذلك ماروي أن هارون العباسي (لعنه الله) لمّا صار إلى المدينة وَصَلَ كل هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري ممن دَخَلَ عليه بخمسة آلاف درهم وما دونها إلى مائتي دينار، على قدر شرفه وهجرة آبائه، وحين دخل الامام الكاظمعليه‌السلام رحّب به، وعند منصرفه من الحج أمر بصرّة سوداء فيها مائتا دينار أرسلها إليه، فسأله المأمون وكان جريئا عليه: يا أمير المؤمنين، تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش وبني هاشم ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى مادونها، وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي دينار؟! أخسّ عطيّة أعطيتها أحداً من الناس، فقال: اسكت لا أمّ لك، فاني لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم(٢).

_________________________

(١) ينابيع المودة القندوزي: ٣ / ١٢٠.

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ١ / ٨٨.

١٠٨

٢ ـ الحقد والغيرة: إنَّ دأبَ الطغاة في كل عصر هو احتكار أسباب العظمة والتعالي لذواتهم، فتستعر نفوسهم غيرةً وحقداً على كل شخصية مرموقةٍ في المجتمع تتميّز برجاحة العلم والحلم والزهد والكرم الشجاعة وغيرها.

ومن أوضح الأمثلة على غيرة هارون اللئيم من الإمام الكاظمعليه‌السلام في موقف افتخر فيه الامامعليه‌السلام على هارون حين جاء مكة حاجاً، فأتى قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زائراً له وحوله قريش وأفياء القبائل ومعه موسى بن جعفرعليه‌السلام ، فلما انتهى إلى القبر قال: «السلام عليك يا رسول الله يا بن عمي، افتخاراً على مَنْ حوله، لأنه كان في مقام استعراض لذلك يريد التضليل على الناس بالايحاء بأنه أقربهم إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبذلك فهو أحق بالخلافة.

فدنا موسى بن جعفرعليه‌السلام فقال: السلام عليك يا أبة، أسألكُ الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى أن يصلّي عليك فتغيّر وجه هارون وتبيَّن فيه الغضب، وقال: هذا الفخر يا أباالحسن حقاً، ولم يحتملها هارون، فلم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه وسجنه فأطال سجنه، فلم يخرج إلّا ميتاً مقيداً مسموماً»(١).

٣ ـ الوشاية: ومن الذين وشوا بالإمام هو محمد بن إسماعيل بن جعفر
الصادق عليه‌السلام وفي هذه الرواية أن محمد بن إسماعيل بن جعفر استأذن الإمام
الكاظم عليه‌السلام في الخروج إلى العراق فأذن له، وقال له: «أوصيك أن تتقي الله في
دمي، فقال: لعن الله من يعسى في دمك، ثم ناوله أبو الحسن عليه‌السلام (٤٥٠) ديناراً
فقبضها محمد، ثم أمر لف بألف وخمسمائة درهم كانت عنده، فقلت له في ذلك
واستكثرته، فقال هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني ووصلته. قال: فخرج إلى
العراق واستأذن على هارون فأمر بدخوله، وقال يا أمير المؤمنين، خليفتان في
الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يُجبى له الخراج، وأنت بالعراق يُجبى لك
_________________________

(١) تاريخ بغداد: ١٣ / ٣١.

١٠٩

الخراج، فقال والله: فقال: والله، قال فأمر له بمائة ألف درهم، فلمّا قبضها وحملت إلى منزله أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات، وحُوِّل من الغد المال الذي حمل إليه إلى الرشيد»(١).

وقال ابن شهرآشوب: «كان محمد بن إسماعيل بن الصادقعليه‌السلام عند عمه موسى الكاظمعليه‌السلام يكتب له الكتب إلى شيعته في الآفاق، فلما ورد هارون الحجاز سعى بعمه إلى هارون، فقال الرشيد: ويلك أنا ومن؟ قال: موسى بن جعفر، وأظهر أسراره، فقبض عليه، وحظي محمد عند هارون، ودعا عليه موسى الكاظمعليه‌السلام بدعاء استجابه الله فيه وفي أولاده(٢).

٤ ـ مناظرة الرشيد في مسألة فدك:

فدك هو رَمْز لحق مغتصب وخلافة مسلوبة، روى المؤرخون أن هارون الرشيد قال لموسى بن جعفرعليه‌السلام : «حدّ فدكاً حتى أردها إليك، فيأبى الإمام حتى ألحَّ عليه هارون، فقالعليه‌السلام لا آخذها إلّا بحدودها، قال: وما حدودها؟ قال: إن حددتها لم تردها؟ قال: بحق جدك إلا فعلت، قال أما الحد الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد وقال: إيهاً، قال والحد الثاني سمرقند، فاربدّ وجهه، والحد الثالث افريقية، فاسودّ وجهه وقال: هيه، قال: والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية قال الرشيد، فلم يبقَ لنا شيء، فتحول إلى مجلسي، قال موسىعليه‌السلام : قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها، فعند ذلك عزم على قتله».

إنَّ موقف الامام الكاظمعليه‌السلام كان مع هارون موقفاً صريحاً لا لين فيه، فانه يراه
غاصباً لمنصب الخلافة ومختلساً للسلطة والحكم مما دعا هارون ان يودع الامام
السجن عليه‌السلام وذلك بعد أن أصدر أوامره بإلقاء القبض على الامام، فألقت الشرطة
عليه القبض وهو قائم يصلّي لربّه عند رأس جده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقطعوا عليه صلاته ولم
_________________________

(١) رجال الكشي: ٢٦٣ / ٤٧٨.

(٢) مناقب اكابي طالب: ٣ / ٤٤٠.

١١٠

يمهلوه من اتمامها فحمل من ذلك المكان الشريف، وقيد وهو يذرف الدموع ويوجه شكواه إلى جده الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلاً: «إليك أشكوا يا رسول الله»(١).

ولم يحترم هارون قداسة القبر الشريف، فهتك حرمته، وحرمة أبناءه التي هي أولى بالرعاية والمودة من كل شيء، كما لم يحترم الصلاة التي هي أقدس عبادة في الإسلام فقطع عليه صلاته وأمر بتقييده وحمل إليه الامام وهو يرسف في ذل القيود فلما مثل عنده جفاه وأغلظ له في القول، وكان اعتقاله في سنة (١٧٩هـ) في شهر شوال لعشرٍ بقين منه(٢).

قطع الرشيد عليه فرض صلاته

قسراً وأظهر كامن الأحقاد

حتى إليه دسَّ سمّاً قاتلاً

فأصاب أقصى منيةٍ ومراد

* * *

عجيب امصيبته والله عجيبه

من سجن السجن ظالم يجيبه

او چبده امن الولم زايد لهيبه

ولم يزلعليه‌السلام يُنقل من سجن إلى سجن حتى قضى إمامنا نحبه صابراً محتسباً مسموماً في سجن السندي بن شاهك.

هلن دمه ابدال الدمع يعيون

على الگظه غريب ابسجن هارون

امگيد بالحديد أو زرگ المتون

أجل چا وين هاشم ما يحضرون

الجثة الكاظم خل يشيعون

_________________________

(١) حياة الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام لمحقق الشيخ باقر شريف القرشي ج ٢ ص ٢٦٤ ـ
٢٦٥ نقلاً عن المناقب ٢ / ٣٨٥.

(٢) حياة الامام موسى بن جعفر للشيخ باقر شريف القرشي ج ٢ ص ٤٦٥ نقلاً عن البحار
١١ / ٢٩٦ ط. القديمة.

١١١

چف الدهر ريته اليوم ينشال

جرح گلبي ولا أظن بعد ينشال

نعش موسى على احماميل ينشال

أو يظل فوگ الجسر ثاوي رميه

* * *

ونادوا على جسر الرصافة حوله

نداءً له السبع الطباق تزلزلُ

* * *

١١٢

المجلس الخامس عشر

الموضوع : مواقف الإمامعليه‌السلام إزاء تصرفات السلطة

القصيدة: للسيد مهدي الأعرجي

جلبوهُ قسراً من مدينة جدّهِ

نحو المدائنِ موثقاً بقيود

حبسوهُ في «طامورةٍ» لم يَنفجرْ

ليلَ الشقا عنْ صبحها بعمودِ

تبتْ يد الرجس (الرشيد) بفعلهِ

إذْ ليسَ فيما قد جنى برشيدِ

أوحى إلى (سنديّه) ليسمهُ

سماً تذوب به صخور البيدِ

فقضى سميماً في السجون مشرَّداً

في منزلٍ عمَّن يحبُ بعيدِ

وضعوا على جسر الرصافةِ نعشه

وعليه جهراً بالإهانةِ نودي

* * *

ثلثتيام ظل من غير تغسيل

ما عنده عشيرة النعشه اتشيل

شالوا للجسر أربع حماميل

أو بي سمعت الناس أو غدت تلتم

* * *

اشحال ابنه الرضا لمن گصد ليه

أو عاين للحديد أو شاف رجليه

ظل يبچي إعلى حاله أو ينحب اعليه

حتى انچتل بخريسان بالسم

* * *

من مبلغ الإسلام أنَّ زعيمهُ

قد مات في سجن الرشيد سميما

١١٣

١ ـ موقفه في السجن:

بعث الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام برسالة وهو في السجن إلى هارون: «إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلّا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون»(١).

السجن عند الامام الكاظمعليه‌السلام مدرسة للعبادة والطاعة والصبر يسخرها الانسان العارف لبلوغ مدارج الكمال، فصَبَرَ الامام الكاظمعليه‌السلام راضياً بما قضاه الله حتى سمّي الكاظم لما تحمّل من صعاب وما كظم من غيظ عما فعله الظالمون به.

لذلك كان يشكر الله الامامعليه‌السلام ويقول: «اللهمَّ إنّك تعلم أني كنت أسألكَ أن تفرّغني لعبادتك اللهمَّ وقد فعلت، فلك الحمد»(٢).

لقد واجه الامام الكاظمعليه‌السلام السجن بروح ملؤها الصبر، فلم يهن ولم ينكل، ولم يظهر الإذعان والخضوع إلى السلطان الجائر فقد قيل لهعليه‌السلام وهو في الحبس: «لو كتبت إلى فلان يكلم فيك الرشيد؟ فقال: حدثني أبي عن آبائه: إن الله عز وجل أوحى إلى داود، يا داود، إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني... إلّا وقطعتُ عنه أسباب السماء وأسخت الأرض من تحته»(٣).

٢ ـ موقفه من الرشيد:

للإمام حالات معينة مع الرشيد حسب متطلبات المرحلة والوقت الذي يملي عليه الموقف، ففي بعض الأحيان يكون الموقف:

أ ـ الموعظة: فقد روي عن إسماعيل بن بشر بن عمّار، قال: كتب هارون الرشيد إلى أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام عِظني وأوجز قال: فكتب إليه: ما من شيءٍ تراه عينك إلّا وفيه موعظةُ(٤).

_________________________

(١) الامام موسى الكاظمعليه‌السلام سيرة وتأريخ ص ٧٣ عن تذكرة الخواص ص ٣٦٠.

(٢) نفس المصدر السابق ص ٧٤ نقلاً عن الإرشاد ٢ / ٢٤٠.

(٣) نفس المصدر السابق نقلاً عن تأريخ اليعقوبي ٢ / ٤١٤.

(٤) نفس المصدر السابق نقلاً عن أمالي الصدوق: ٥٩٩.

١١٤

وروى عن عبد العظيم الحسني عن محمد بن علي عن أبيه، قال: «دخل موسى ابن جعفرعليه‌السلام على هارون الرشيد، وقد استخفه الغضب على رجلٍ، فقال له الامام الكاظمعليه‌السلام : إنّما تغضب لله عزّ وجل، فلا تغضب له بأكثر مما غضب لنفسه»(١).

وكذلك قال الرشيد للإمام الكاظمعليه‌السلام : «إنّي قاتلك! فقال الامام: لا تفعل، فإني سمعت أبي يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ العبد يكون واصلاً لرحمه وقد بقي من أجله ثلاث سنين فيمدها الله حتى ثلاثين سنة، ويكون العبد قاطعاً لرحمه وقد بقي من أجله ثلاثون سنة فيصيرها الله حتى يجعلها ثلاث سنين»(٢).

ب ـ قد تكون المواجهة أشد وأكثر وقعاً كما في المناظرات التي ردّ الامامعليه‌السلام شبهات الرشيد ومنها كيفية انتسابهم إلى جدهم المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفضلهم على بني العباس. وهذا نص الحوار:

دَخَلَ الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام ذات يوم على الرشيد فقال الرشيد للإمامعليه‌السلام : لِمَ جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون لكم: يا بني رسول الله وأنتم بنو علي، وإنما ينسبُ المرءُ إلى أبيه، وفاطمة إنما هي وعاء، والنبيّ جدكم من قبل أمكم؟ فقلت يا أمير المؤمنين، لو أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله! ولم لا أجيبه؟ بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك، فقلت: لكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخطب إليَّ ولا أُزوجه فقال ولِمَ؟ فقلت: لأنه ولدني ولم يلدك، فقال أحسنت يا موسى.

ثم قال: كيف قلتم: إنا ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنبي لم يعقب، وإنما العقب للذكر لا للأنثى، أنتم ولد البنت، ولا يكون لها عقب؟

فقلت: أسألك بحق القرابة والقبر تومن فيه إلّا ما أعفيتني عن هذه المسألة،
فقال: لا أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي، وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام
زمانهم، كذا أُنهي إليَّ، ولستُ أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتى تأتيني فيه
_________________________

(١) نفس المصدر السابق ص ٧٥ نقلاً عن عيون أخبار الرضا ١ / ٢٩٢.

(٢) نفس المصدر السابق ص ٧٥ نقلاً عن ربيع الأبرار للزمخشري ٣ / ٥٥٣.

١١٥

بحجة من كتاب الله تعالى، وأنتم تدّعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلّا تأويله عندكم واحتججتم بقوله عزّ وجل( مَّا فَرَّطْنَا فِي
الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ
) (١) وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم، فقلت: تأذن لي في الجواب؟ فقال: هات! فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ
الرَّحِيمِ... وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ
مَن أبو عيسى يا أميرَ المؤمنين؟ فقال: ليس لعيسى أب، فقلت إنما ألحقناه بذراري الأنبياءعليهم‌السلام من طريق مريمعليها‌السلام وكذكل أُلحقنا بذراري النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل أمنا فاطمةعليها‌السلام .

أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال: هات! قلت: قول الله عز وجل( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ
مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ
وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ
) (٢).

فكان تأويل قوله (أبناءنا) الحسن والحسين، ونساءنا (فاطمةعليها‌السلام ) وأنفسنا (علي بن أبي طالب)(٣).

٣ ـ مقاطعة الدولة:

من جملة المواقف التي اتخذها الامام الكاظمعليه‌السلام مقاطعة الدولة وتحريم
الانضواء في أجهزتها إلّا في حالات خاصة (كما بالنسبة لعلي بن يقطين) وهذا ما
نلمسه بشكل واضح بالنسبة لصفوان بن مهران الجمّال من أصحابه قال صفوان
«دخلت على أبي الحسن الأول عليه‌السلام فقال لي يا صفوان كل شيء منك حسن
وجميل ما خلا شيئاً واحداً، قلت: جعلت فداك، أي شيء؟ قال: اكراؤك جمالك
من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ قال والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا
للهو، ولكنّي أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاه بنفسي، ولكن
_________________________

(١) سورة الانعام: ٣٨.

(٢) سورة آل عمران: ٦١.

(٣) عيون أخبار الرضا ١ / ٨٣.

١١٦

أبعث معه غلماني فقال يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم، جعلت فداك، قال: فقال لي: أتحبّ بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت نعم، قال: مَن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم ورد النار، قال صفوان فذهبت فبعت جمالي عن آخرها.

ولهذا الموقف أسباب أهمّها

١ ـ أنَّ السلطة العباسية قد أمعنت في إقصاء الأمّة عن قيادة الامة ومارست معهم شتّى أساليب الظلم والجور والقتل والسجن وغيرها، لذلك فإنَّ التعاون مع تلك السلطات هو تعبير عن حالة الرضا عن ذلك الموقف.

٢ ـ العمل في أجهزة الدولة العباسية يغيِّر عن الاعتراف والإقرار بشرعيتها وأحقيّة ممارستها.

٣ ـ هذا الموقف بمثابة دعوة صريحة للأمة إلى الأنفتاح على مبادئها الرسالية وتوعيتها على واقع الظلم والفساد(١).

تباً لهم من أمةٍ لم يحفظوا

عهد النبي بآله الأمجاد

قد شتتوهم بين مقهور ومأ

سورٍ ومتخورٍ بسيف عناد

لهفي وهل يجدي أسىً لهفي

على موسى بن جعفر علة الايجاد

ما زال ينقل في السجون معانياً

عضَّ القيود ومثقل الأصفاد

* * *

يا گلبي ذوب أو يا دمع عيني تفجّر

للي گضه ابسجن الرجس گلبه تفطر

امر الطاغي اتشيل ابن جعفر حماميل

شالوا الجنازه او لا مشت خلفه رياجيل

واعله الجسر ذبوه وابرجله زناجيل

واگلوب شيعتهم عليه ابنار تسعر

* * *

_________________________

(١) الامام موسی الكاظمعليه‌السلام سيرة وتأريخ علی موسی الكعبي ص ٧٨ ـ ٧٩.

١١٧

شيعة علي الكرار فجعتهم شديدة

من عاينوه امغلل او بالساگ گيده

مطروح فوگ الجسر ما فكوا حديده

صاحت يبوا ابراهيم يومك صاير أگشر

* * *

وضعوا على جسر الرصافة نعشه

وعليه نادى بالهوان منادي

* * *

١١٨

الخاتمه

اللهمَّ لك الحمدُ ولك الشكر على ما وفقتنا من كتابة هذه المجالس، وأعنتنا على ذلك، فلك الحمد.

وبعد فهذه المجالس مع اختصارها لا تفي بسيرة الامام العظيم موسى بن جعفر (عليه الاف التحية والثناء) ولكن أحببنا أن نكتب في سيرة الامام الكاظمعليه‌السلام الصابر، وأسأل الله سبحانه أن يمدَّ في أعمارنا لنكمل هذه المجالس في طبعةٍ جديدة لغير هذه الطبعة لنضيف لها ما لم يتسع المجال لكتابته في هذه الطبعة والله من وراء القصد وهو وليُّ التوفيق «وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ »

يوم الأربعاء العاشر من شهر شعبان ١٤٣٤هـ

١١٩

شكر وتقدير

إلى كل مَن رفدنا بكتابٍ أو خدمةٍ أو معروفٍ في إصدار هذا الكتاب، لا سيما من أشرف على صف الحروف وتنضيدها وإخراج الكتاب ومن صمّم الغلاف ومن طبعه وشكراً لناشر الكتاب، وقد روي عن الامام الرضاعليه‌السلام أنّه قال «مَن لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الخالق» فالشكر لجميع من ساهم في إخراج وإصدار هذا الكتاب ومنهم الشاب الموفّق السيد محمد شبّر على عناءه واهتمامه ومثابرته فجزاه الله خير جزاء المحسنين.

كما لا يفوتني أن أشكر الأخ العزيز الأستاذ الحاج عادل المياحي على جهوده والحاج الأستاذ ابو رضوان والشاب الموَّفق الحاج محمّد مهدي الغفوري وكل مَن ساهم فجزى الله جميعاً خير الجزاء.

١٢٠

121

122

123

124

125

126