مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون28%

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون مؤلف:
تصنيف: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
الصفحات: 126

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون
  • البداية
  • السابق
  • 126 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49716 / تحميل: 5105
الحجم الحجم الحجم
مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

٦٠ ـ إخبار أبي ثمامة الصائدي [عمرو بن كعب] بزوال الشمس للصلاة :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧)

ورأى أبو ثمامة الصائدي(١) زوال الشمس ، فقال للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله نفسي لك الفدا ، أرى هؤلاء قد اقتربوا ، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك ، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه إلى السماء وقال له : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين ، نعم هذا أول وقتها ، سلوهم أن يكفّوا عنا حتى نصلي. فقال له الحصين بن نمير : إنها لا تقبل منك!.فقال له حبيب بن مظاهر : لا تقبل الصلاة زعمت من آل رسول الله وتقبل منك يا ختّار

وفي (مقتل أبي مخنف) ص ٦٥ : فعند ذلك تقدم أبو ثمامة الصيداوي إلى الحسينعليه‌السلام وقال : يا مولاي إننا مقتولون لا محالة ، وقد حضرت الصلاة فصلّ بنا ، فإني أظنها آخر صلاة نصليها ، لعلنا نلقى الله تعالى على أداء فريضة من فرائضه في هذا الموضع العظيم. فقال له : أذّن يرحمك الله. فلما فرغ من الأذان نادى الحسينعليه‌السلام : يا عمر بن سعد أنسيت شرائع الإسلام ، ألا تكفّ عنا الحرب حتى نصلي؟!. فلم يجبه عمر. فناداه الحصين بن نمير : يا حسين صلّ فإن صلاتك لا تقبل!. فقال له حبيب بن مظاهر : ويلك لا تقبل صلاة الحسين وتقبل صلاتك يابن الخمّارة؟!(وفي رواية المقرم ، ص ٣٠١ : وتقبل منك يا حمار). فحمل عليه الحصين ، فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشبّت به ووقع عنها الحصين ، فاحتوشه أصحابه فاستنقذوه.

مصرع حبيب بن مظاهر الأسدي

__________________

(١) روى بعضهم (الصيداوي) والأصح (الصائدي) نسبة إلى صائد بطن من همدان. وقد اختلف في اسم أبي ثمامة ، فبعضهم قال (عمرو بن كعب) وبعضهم (عمرو بن عريب) وبعضهم (عمرو بن عبد الله) الصائدي ، والأول أصح.

٨١

٦١ ـ مصرع حبيب بن مظاهر الأسدي على يد الحصين بن نمير ورجل من تميم ، وقيل بديل بن صريم :

(مقتل المقرّم ، ص ٣٠١)

ثم خرج حبيب بن مظاهر وعمره ينوف على الخامسة والسبعين ، وقاتل قتالا شديدا ، فقتل على كبره اثنين وستين رجلا ، وهو يقول :

أنا حبيب وأبي مظهّر

وفارس الهيجاء ليث قسور

وفي يميني صارم مذكّر

وأنتم ذو عدد وأكثر

ونحن منكم في الحروب أصبر

أيضا وفي كل الأمور أقدر

والله أعلى حجة وأظهر

وفيكم نار الجحيم تسعر

وفي رواية أخرى أنه قال :

أنا حبيب وأبي مظهّر

فارس هيجاء ونار تسعر

أنتم أعدّ عدّة وأكثر

ونحن أعلى حجّة وأظهر

وأنتم عند الهياج أغدر

ونحن أوفى منكم وأصبر

حقا وأتقى منكم وأعذر

وحمل عليه بديل بن صريم فضربه بسيفه ، وطعنه آخر من تميم برمحه ، فسقط إلى الأرض ، فذهب ليقوم وإذا الحصين بن نمير يضربه بالسيف على رأسه ، فسقط لوجهه ، ونزل إليه التميمي واحتزّ رأسه. فهدّ مقتله الحسينعليه‌السلام فقال : عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي(١) واسترجع كثيرا.

وفي (مقتل الحسين المنسوب لأبي مخنف) ص ٦٦ : ثم قال الحسينعليه‌السلام :لله درّك يا حبيب ، لقد كنت فاضلا تختم القرآن في ليلة واحدة.

وقيل : قتله بديل بن صريم(٢) .

٦٢ ـ القاسم بن حبيب يأخذ بثأر أبيه من قاتله :

(لواعج الأشجان ، ص ١٤١ ط نجف)

وقال الحصين التميمي (لبديل) : أنا شريكك في قتله [أي قتل حبيب]. قال : لا

__________________

(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٩ ؛ وتاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥١.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٨ ، وذكر أن حبيب استشهد بعد برير وقبل زهير.

٨٢

والله. قال : أعطني الرأس أعلقه في عنق فرسي ليرى الناس أني شاركتك في قتله ، ثم خذه فلا حاجة لي فيما يعطيك ابن زياد!. فأعطاه الرأس ، فجال به في الناس ثم ردّه إليه. فلما رجع إلى الكوفة علّقه في عنق فرسه.

وكان لحبيب ابن يسمى (القاسم) قد راهق ، فجعل يتبع الفارس الّذي معه رأس أبيه ، فارتاب به. فقال : مالك تتبعني؟. قال : إن هذا الرأس الّذي معك رأس أبي ، فأعطني إياه حتى أدفنه. فقال : إن الأمير لا يرضى أن يدفن ، وأرجو أن يثيبني.فقال : لكن الله لا يثيبك إلا أسوأ الثواب ، وبكى الغلام.

ثم لم يزل يتبع أثر قاتل أبيه بعدما أدرك ، حتى قتله وأخذ بثأر أبيه ، وذلك أنه كان في عسكر ، فهجم عليه وهو في خيمة له نصف النهار ، فقتله وأخذ رأسه.

ترجمة الصحابي حبيب بن مظاهر الأسدي

هو حبيب بن مظاهر بن رئاب بن الأشتر الأسدي الكندي. إماميّ ثقة ، وأدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسينعليه‌السلام . وكان حافظا للقرآن من أوله إلى آخره. وسمع الحديث من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو صحابي.

قال أرباب التاريخ : إن حبيبا نزل الكوفة وصحب علياعليه‌السلام في حروبه كلها. وكان من خاصته وحملة علومه ، علّمه الإمام عليعليه‌السلام علم المنايا والبلايا. وكان من جملة الذين كاتبوا الحسينعليه‌السلام ووفّى له. وعند ورود مسلم بن عقيل الكوفة صار حبيب ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسينعليه‌السلام ، حتى إذا دخل عبيد الله بن زياد الكوفة وتخاذل أهل الكوفة عن سفير الحسين اختفيا ، إلى أن ورد الحسين كربلاء ، خرجا متخفيين ولحقا به وصارا من أصحابه.

ثم كان حبيب على ميسرة الحسينعليه‌السلام يوم كربلاء ، وعمره خمس وسبعون سنة. وهو واحد من سبعين بطلا استبسلوا في ذلك اليوم. وعرض عليهم الأمان فأبوا ، وقالوا : لا عذر لنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن قتل الحسينعليه‌السلام وفينا عين تطرف ، حتى قتلوا حوله.

٨٣

٦٣ ـ رثاء الحسينعليه‌السلام لحبيب بن مظاهر ، وبروز زهير بن القين :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٦٦)

روى أبو مخنف قال : لما قتل العباس وحبيب بن مظاهر(١) بان الانكسار في وجه الحسينعليه‌السلام ، ثم قال : لله درّك يا حبيب ، لقد كنت فاضلا تختم القرآن في ليلة واحدة. قال : فقام إليه زهير بن القين وقال : بأبي أنت وأمي يابن رسول الله ما هذا الانكسار الّذي أراه في وجهك ، ألست تعلم أنا عليا لحق؟. قال : بلى وإله الخلق ، إني لأعلم علما يقينا أني وإياكم على الحق والهدى. فقال زهير : إذا لا نبالي ونحن نصير إلى الجنة ونعيمها. ثم تقدم أمام الحسين فقال : يا مولاي أتأذن لي بالبراز؟.فقال : ابرز. قال : ثم حمل على القوم ، ولم يزل يقاتل حتى قتل خمسين فارسا ، وخشي أن تفوته الصلاة مع الحسينعليه‌السلام فرجع وقال : يا مولاي إني خشيت أن تفوتني الصلاة فصلّ بنا.

الصلاة في المعركة

٦٤ ـ صلاة الظهر ، وقد صلاها الحسينعليه‌السلام في نصف من أصحابه ، وهي صلاة الخوف :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧ ؛ واللواعج ، ص ١٣٧ ؛ ومقتل المقرم ، ص ٢٠٣)

فقال الحسينعليه‌السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي : تقدّما أمامي حتى أصلي الظهر ، فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه ، حتى صلّى بهم صلاة الخوف(٢) . ويقال : إنه صلى وأصحابه فرادى بالإيماء(٣) .

شهادة سعيد بن عبد الله الحنفيرحمه‌الله

__________________

(١) تفرّد أبو مخنف في مقتله باعتبار شهادة العباسعليه‌السلام قبل الأصحاب ، واعتبر استشهاد حبيب في أول المبارزين ، ثم تبعه زهير رضوان الله عليهم.

(٢) مقتل العوالم ص ٨٨ ، ومقتل الخوارزمي ج ٢ ص ١٧ ، والذي نراه أن الصلاة كانت قصرا لعدم الإقامة ، وليست صلاة الخوف.

(٣) مثير الأحزان لابن نما ، ص ٤٤.

٨٤

٦٥ ـ مصرع سعيد بن عبد الله الحنفي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧ ؛ واللواعج ، ص ١٣٨)

فوصل إلى الحسينعليه‌السلام سهم ، فتقدم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه من النبال بنفسه ، وما زال يرمى بالنبل ولا تخطئ ، فما أخذ النبل الحسينعليه‌السلام يمينا وشمالا إلا قام بين يديه ، فما زال يرمى حتى سقط إلى الأرض ، وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود وأبلغ نبيك عني السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإني أردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك(١) . والتفت إلى الحسينعليه‌السلام قائلا : أوفّيت يابن رسول الله؟ قال : نعم أنت أمامي في الجنة(٢) .

(وفي رواية) أنه قال : اللهم لا يعجزك شيء تريده ، فأبلغ محمدا (ص) نصرتي ودفعي عن الحسينعليه‌السلام ، وارزقني مرافقته في دار الخلود.

ثم قضى نحبه رضوان الله عليه ، فوجد في جسمه ثلاثة عشر سهما ، سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح(٣) .

ترجمة سعيد بن عبد الله الحنفي

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ١١٦)

كان سعيد ممن استشهد مع الحسينعليه‌السلام يوم الطف. وكان من وجوه الشيعة بالكوفة ، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم ، وكان ممن حمل الكتب إلى الحسينعليه‌السلام من أهل الكوفة إلى مكة والحسينعليه‌السلام فيها.

ولما أراد الحسينعليه‌السلام أن يصلي الظهر يوم العاشر من المحرم ، انتدبه ليقف أمامه ريثما يتمّ الصلاة ، فوقف بين يديه يقيه السهام ، طورا بوجهه وطورا بصدره وطورا بيديه وطورا بجبينه ، حتى صار جسمه كالقنفذ ، فسقط إلى الأرض صريعا ، وقد وفّى ما عليه في نصرة سيد شباب أهل الجنة ، وسبقه إلى الجنة.

__________________

(١) مقتل العوالم ، ص ٨٨.

(٢) ذخيرة الدارين ، ص ١٧٨.

(٣) اللهوف لابن طاووس ، ص ٦٢.

٨٥

٦٦ ـ بشارة الحسينعليه‌السلام لأصحابه بالجنة ودعوتهم للثبات والدفاع :

(مقتل أبي مخنف ، ص ٦٧)

فلما فرغعليه‌السلام من صلاة الظهر قال لأصحابه : يا كرام هذه الجنة قد فتّحت أبوابها واتصلت أنهارها وأينعت ثمارها وزيّنت قصورها وتؤلّفت ولدانها وحورها.وهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشهداء الذين قتلوا معه ، وأبي وأمي ، يتوقعون قدومكم عليهم ، ويتباشرون بكم وهم مشتاقون إليكم ، فحاموا عن دينكم وذبّوا عن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن إمامكم وابن بنت نبيكم ، فقد امتحنكم الله تعالى بنا ، فأنتم في جوار جدنا والكرام علينا وأهل مودتنا ، فدافعوا بارك الله فيكم عنا فلما سمعوا ضجوا بالبكاء والنحيب وقالوا : نفوسنا دون أنفسكم ودماؤنا دون دمائكم وأرواحنا لكم الفداء. والله لا يصل إليكم أحد بمكروه وفينا الحياة(١) وقد وهبنا للسيوف نفوسنا ، وللطير أبداننا ، فلعلنا نقيكم زحف الصفوف ، ونشرب دونكم الحتوف ، فقد فاز من كسب اليوم خيرا ، وكان لكم من المنون مجيرا.

خيل الحسينعليه‌السلام تعقر

٦٧ ـ عمر بن سعد يعقر خيل الحسينعليه‌السلام ومصرع أبي ثمامة الصائدي :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٠٥)

ثم إن عمر بن سعد وجّه عمرو بن سعيد في جماعة من الرماة فرموا أصحاب الحسينعليه‌السلام حتى عقروا خيولهم(٢) ولم يبق مع الحسين فارس إلا الضحاك بن عبد الله المشرقي. يقول : لما رأيت خيل أصحابنا تعقر أقبلت بفرسي وأدخلتها فسطاطا لأصحابنا. واقتتلوا أشد القتال(٣) . وكان كل من أراد الخروج ، ودّع الحسينعليه‌السلام بقوله : السلام عليك يابن رسول الله ، فيجيبه الحسينعليه‌السلام :وعليك السلام ونحن خلفك ، ثم يقرأ :( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) [الأحزاب : ٢٣](٤) .

__________________

(١) أورد المقرم في مقتله شبيه هذا الكلام ، ص ٣٠٤ نقلا عن (أسرار الشهادة) ص ١٧٥.

(٢) مثير ابن نما ، ص ٣٤٥. وعقر الخيل : أي جرحها ونحرها.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٥.

(٤) مقتل العوالم ، ص ٨٥ ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥.

٨٦

شهادة أبي ثمامة الصائديرحمه‌الله

وخرج أبو ثمامة الصائدي فقاتل حتى أثخن بالجراح. وكان مع عمر بن سعد ابن عم له يقال له (قيس بن عبد الله) بينهما عداوة ، فشدّ عليه وقتله ، رضوان الله عليه.

٦٨ ـ مصرع زهير بن القين البجلي على يد كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي :(مقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٢٠)

ثم خرج زهير بن القين البجلي وهو يقول :

أنا زهير وأنا ابن القين

وفي يميني مرهف الحدّين

أذودكم بالسيف عن حسين

ابن علي الطاهر الجدّين

إن حسينا أحد السبطين

من عترة البرّ التقي الزّين

ذاك رسول الله غير المين(١)

أضربكم ولا أرى من شين

يا ليت نفسي قسّمت قسمين

شهادة زهير بن القين البجلي

وروي أن زهيرا لما أراد الحملة ، وقف على الحسينعليه‌السلام وضرب على كتفه وقال :

اقدم حسين هاديا مهديّا

اليوم تلقى جدّك النبيا

وحسنا والمرتضى عليّا

وذا الجناحين الفتيالكميّا

وأسد الله الشهيد الحيّا

وأضاف أبو مخنف في مقتله ، ص ٦٨ البيتين التاليين :

وفاطما والطاهر الزكيا

ومن مضى من قبلنا تقيا

فالله قد صيّرني وليّا

في حبكم أقاتل الدّعيّا

__________________

(١) المين : الكذب. والشّين : العيب والقبح.

٨٧

فقال الحسينعليه‌السلام : وأنا ألقاهما على أثرك(١) .

ثم قاتل قتالا شديدا ، فشدّ عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي ، فقتلاه. فقال الحسينعليه‌السلام حين صرع زهير : لا يبعدنّك الله يا زهير ، ولعن الله قاتلك ، لعن الذين مسخهم قردة وخنازير.

ترجمة زهير بن القين البجلي

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ١١٧)

هو زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي. كان رجلا شريفا في قومه ، نازلا فيهم بالكوفة ، شجاعا له في المغازي مواقف مشهورة ، ومواطن مشهودة. وكان في البداية عثمانيا ثم اهتدى إلى ولاية أهل البيتعليهم‌السلام ، ولازم الحسينعليه‌السلام من الطريق ، وحامى عنه كأعزّ أنصاره ، حتى استشهد رضوان الله عليه.

وبلغ من أهمية زهير في وقعة الطف أن وضعه الحسينعليه‌السلام على ميمنة جيشه ، وجعل الصحابي حبيبا على الميسرة ، ووقف هو في القلب. فكان زهير وحبيب بالنسبة للحسينعليه‌السلام مثل الجناحين بالنسبة للطائر ، لا يستطيع المضي إلا بهما.

ولما صمم زهير على الشهادة ، خرج برفقة الحر ، وكلاهما من التائبين ، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم ، شدّ الآخر فخلّصه ، حتى قتل الحر ، ولم يلبث أن قتل زهير. وما ذلك إلا ليبيّنا للملأ أنهما اهتديا معا ، وقاتلا في سبيل الحق معا ، واستشهدا مع سيد شباب أهل الجنة معا ، فزفّا إلى الجنة معا ، رضوان الله عليهما.

شهادة عمرو بن قرظة الأنصاريرحمه‌الله

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٠٦ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٣.

٨٨

٦٩ ـ مصرع عمرو بن قرظة الأنصاري من أصحاب الحسينعليه‌السلام ، ومصرع أخيه من أصحاب عمر بن سعد :

(مقتل المقرّم ، ص ٣٠٦)

وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري ، فاستأذن الحسينعليه‌السلام فأذن له. فبرز وهو يرتجز ويقول(١) :

قد علمت كتيبة الأنصار

أني سأحمي حوزة الذّمار

ضرب غلام ليس بالفرّار

دون حسين مهجتي وداري

فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء ، وبالغ في خدمة سلطان السماء ، حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد ، وجمع بين سداد وجهاد(٢) .

وجاء عمرو بن قرظة الأنصاري ووقف أمام الحسينعليه‌السلام يقيه العدو ويتلقى السهام بصدره وجبهته ، فلم يصل إلى الحسينعليه‌السلام سوء. ولما كثر فيه الجراح التفت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام وقال : أوفيت يابن رسول الله؟. قال : نعم أنت أمامي في الجنة ، فأقرئ رسول الله مني السلام وأعلمه أني في الأثر ، وخرّ ميّتا(٣) رضوان الله عليه.

فنادى أخوه علي بن قرظة وكان مع عمر بن سعد : يا حسين يا كذاب ، غررت أخي حتى قتلته؟!. فقالعليه‌السلام : إني لم أغرّ أخاك ، ولكن الله هداه وأضلّك.فقال : قتلني الله إن لم أقتلك. ثم حمل على الحسينعليه‌السلام ليطعنه فاعترضه نافع بن هلال الجملي ، فطعنه حتى صرعه(٤) .

شهادة نافع بن هلال الجملي

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٢.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٥٠.

(٣) مقتل العوالم ص ٨٨. وذكر ابن حزم في (جمهرة أنساب العرب) أنه كان لقرظة بن عمرو ابنان : عمرو بن قرظة وقتل مع الحسينعليه‌السلام ، وآخر مع عمر بن سعد ولم يسمّه.

(٤) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٧.

٨٩

٧٠ ـ شجاعة أسير : قتال نافع بن هلال الجملي ، ومصرعه أسيرا :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٠٧)

ثم خرج نافع بن هلال الجملي [وقيل : هلال بن نافع(١) ] وجعل يرميهم بالسهام فلا تخطئ ، وكان خاضبا يده ، وكان يرمي ويقول :

أرمي بها معلّمة أفواقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

مسمومة تجري بها أخفاقها

ليملأنّ أرضها رشّاقها

فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه. ثم ضرب إلى قائم سيفه فاستلّه ، وحمل وهو يقول(٢) :

أنا الغلام اليمنيّ الجملي

ديني على دين حسين وعلي

إن أقتل اليوم فهذا أملي

وذاك رأيي وألاقي عملي

(وفي مقتل الحسين للمقرّم) قال : ورمى نافع بن هلال الجملي بنبال مسمومة كتب اسمه عليها(٣) وهو يقول(٤) : (البيتين السابقين).

فقتل اثني عشر رجلا سوى من جرح. ولما فنيت نباله جرّد سيفه يضرب فيهم ، فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتى كسروا عضديه وأخذوه أسيرا(٥) ، فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه. فقال له ابن سعد : ما حملك على ما صنعت بنفسك؟. قال : إن الله يعلم ما أردت. فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته : أما ترى ما بك؟!. فقال : والله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت ، وما ألوم نفسي عليا لجهد ، ولو بقيت لي عضد ما أسرتموني(٦) . وجرّد الشمر سيفه ، فقال له نافع : والله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٢ ؛ وكامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ٢٩ ؛ والبداية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٨٤.

(٤) مقتل العوالم ، ص ٩٠.

(٥) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢١.

(٦) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٣.

٩٠

الله بدمائنا ، فالحمد لله الّذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه. ثم قدّمه الشمر وضرب عنقه(١) .

ترجمة نافع بن هلال المذحجي الجملي

كان نافع سيدا شريفا سريّا شجاعا. وكان قارئا كاتبا ومن حملة الحديث.وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام شهد حروبه الثلاث : الجمل وصفين والنهروان. وعندما بلغه امتناع الحسينعليه‌السلام من البيعة خرج إليه فاستقبله في الطريق. وكان قد أوصى أن يتبع بفرسه المسمى (بالكامل) ، فأتبع مع جماعة من أصحابه. وقد قتل أسيرا رضوان الله عليه.

شهادة جون مولى أبي ذررحمه‌الله

٧١ ـ مصرع جون مولى أبي ذرّ الغفاري :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٢)

ثم خرج جون مولى أبي ذر الغفاري ، وهو شيخ كبير السن من الموالي ، وكان عبدا أسود ، فجعل يحمل عليهم ويقول(٢) :

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود

بالمشرفيّ القاطع المهنّد

أحمي الخيار من بني محمّد

أذبّ عنهم باللسان واليد

أرجو بذاك الفوز يوم المورد

من الإله الواحد الموحدّ

ووقف جون(٣) مولى أبي ذرّ الغفاري أمام الحسينعليه‌السلام يستأذنه ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٣ ؛ والبداية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٨٤.

(٢) مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٩.

(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٣٩. وذكر ابن شهر اشوب في مناقبه ، ج ٢ ص ٢١٨ ط إيران ، أن اسمه (جوين) وهو اشتباه ، ولم يذكر الخوارزمي هذا الكلام في مقتله واكتفى بالشعر.

٩١

فقالعليه‌السلام : يا جون ، إنما تبعتنا طلبا للعافية ، فأنت في إذن مني (وفي اللهوف :فلا تبتل بطريقتنا) فوقع على قدميه يقبّلهما ويقول : أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدة أخذلكم!. والله إن ريحي لنتن ، وحسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفّس(١) عليّ بالجنة ، ليطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيضّ وجهي. لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. فأذن له الحسين(٢) . فقتل ٢٥ شخصا حتى قتل رضوان الله عليه.

(وفي رواية أبي مخنف في مقتله ، ص ٧١) قال : «فلم يزل يقاتل حتى قتل سبعين رجلا ، فوقعت في محاجر عينه ضربة ، وكبا به جواده إلى الأرض ، فوقع على أمّ رأسه ، فأحاطوا به من كل جانب ومكان ، فقتلوه». فوقفعليه‌السلام وقال : اللهم بيّض وجهه وطيّب ريحه واحشره مع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرّف بينه وبين آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام : أن الناس كانوا يحضرون المعركة فيدفنون القتلى ، فوجدوا جونا بعد عشرة أيام تفوح منه رائحة المسك(٣) .

ترجمة جون مولى أبي ذرّ الغفاري

(مجلة البيان النجفية ، السنة ٢ العدد ٣٥ ـ ٣٩)

هو جون بن حوي بن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن حوي النوبي. اشتراه الإمام عليعليه‌السلام من الفضل بن العباس ابن عبد المطلب بمائة وخمسين دينارا ، ووهبه لأبي ذرّ ليخدمه. فانتقل من بيئة تزخر بالثراء والجاه إلى أخرى قد خيّم عليها جلال الزهد والتقوى ، وغمرها سلطان الإيثار والقناعة والتقشف. رافق جون أباذر في حياته وعاش معه مآسيه ، وكان رفيقه المخلص في (الربذة) حتى قضى رضوان الله عليه ، فبكاه بدموع سخيّة.

__________________

(١) تنفّس عليّ بالجنة (بصيغة الأمر) : أي تفضّل عليّ بما يدخلني الجنة.

(٢) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٦١.

(٣) مثير الأحزان للجواهري ، ص ٧٥.

٩٢

وحين بلغه نبأ مسير الحسينعليه‌السلام لمناهضة الباطل وتجديد الدين ، تجددت في نفسه مآسيه السابقة وذكرياته السالفة ، فأسرع لنصرة الحسينعليه‌السلام وخدمة أهل البيت (ع) ، حتى استشهد رضوان الله عليه ، بعد بلاء مرير ، وبعد أن أظهر لجيوش الأعداء ، كيف يكون الإباء والشمم والإيمان بالمبدأ ، وأنه ليس هناك إلا النفس الكريمة تسيل على حدّ السيوف في مثل لمح البصر ، فتروي نبتة الحق والحقيقة ، وتفوز بالخلود في الفردوس الأعلى مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.

٧٢ ـ تنافس بقية الأصحاب على الموت :

(مقتل أبي مخنف المقتبس من الطبري ، ص ١٣٨)

قال أبو مخنف : فلما رأى أصحاب الحسينعليه‌السلام [أنهم قد غلبوا] وأن الأعداء قد كثروا ، وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسيناعليه‌السلام ولا أنفسهم ، تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه.

شهادة حنظلة بن أسعد الشباميرحمه‌الله

٧٣ ـ مصرع حنظلة بن أسعد الشبامي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٤)

ثم جاء إليه حنظلة بن أسعد العجلي الشبامي(١) فوقف بين يدي الحسينعليه‌السلام يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره ، وأخذ ينادي :( يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠)مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١)وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢)يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) (٣٣) [غافر : ٣٠ ـ ٣٣]. ويا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم

__________________

(١) ذكر الطبري أن اسمه (حنظلة بن سعد) ، وفي اللهوف أنه (الشامي) وأنه استشهد قبل صلاة الخوف.

٩٣

الله بعذاب( وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) [طه : ٦١]. فقال له الحسينعليه‌السلام : يابن أسعد رحمك الله ، إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ، ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين!. فقال : صدقت جعلت فداك ، أفلا نروح إلى ربنا فنلحق بإخواننا(١) !. فقال له الحسينعليه‌السلام : رح إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى. فقال : السلام عليك يابن رسول الله ، وعلى أهل بيتك ، وجمع الله بيننا وبينك في الجنة. فقال الحسينعليه‌السلام : آمين آمين. ثم تقدم فقاتل قتالا شديدا ، فحملوا عليه فقتلوه.

شهادة شوذب مولى بني شاكررحمه‌الله

٧٤ ـ مصرع شوذب مولى بني شاكر :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١١ ؛ ولواعج الأشجان ، ص ١٦٠)

وأقبل عابس بن شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى بني شاكر. وكان شوذب من الرجال المخلصين ، وداره مألف للشيعة يتحدثون فيها فضل أهل البيتعليهم‌السلام .فقال : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟. قال : أقاتل معك دون ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أقتل. قال : ذلك الظن بك ، فتقدم بين يدي أبي عبد اللهعليه‌السلام حتى يحتسبك كما احتسب غيرك ، وحتى أحتسبك أنا ، فإن هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه ، فإنه لا عمل بعد اليوم ، وإنما هو الحساب. فتقدم شوذب فقال :السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته ، أستودعك الله. ثم قاتل حتى قتل.

شهادة عابس بن شبيب الشاكريرحمه‌الله

__________________

(١) اللهوف لابن طاووس ، ص ٦١ و ٦٢ ؛ ومقتل المقرم ، ص ٣١١ عن تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٥٤.

٩٤

٧٥ ـ مصرع عابس بن شبيب الشاكري على يد جماعة من القوم :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٣)

وجاء عابس بن شبيب الشاكري ، فتقدم وسلّم على الحسينعليه‌السلام وقال له : يا أبا عبد الله ، أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ منك. ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلت!. السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أني على هداك وهدى أبيك. ثم مشى بالسيف نحوهم. قال ربيع بن تميم : فلما رأيته مقبلا عرفته ـ وقد كنت شاهدته في المغازي فكان أشجع الناس ـ فقلت للقوم : أيها الناس ، هذا أسد الأسود ، هذا ابن شبيب ، لا يخرجنّ إليه أحد منكم. فأخذ ينادي : ألا رجل؟. ألا رجل لرجل!.فتحاماه الناس لشجاعته. فقال لهم عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة(١) فرموه بالحجارة من كل جانب. فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ، وشدّ على الناس فهزمهم بين يديه.

(قال الراوي) : فو الله لقد رأيته يطرد أكثر من مئتين من الناس ، ثم أحاطوا به من كل جانب فقتلوه ، فرأيت رأسه في أيدي الرجال ، كلّ يقول : أنا قتلته(٢) .

ترجمة عابس بن شبيب الشاكري الهمداني

بنو شاكر بطن من همدان. ذكر أرباب السير أن عابسا كان رئيسا شجاعا خطيبا ناسكا مجتهدا. وكان من رجال الشيعة ، وكذلك بنو شاكر كانوا من المخلصين بولاء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وفيهم قال عليعليه‌السلام يوم صفين :«لو تمّت عدّتهم ألفا لعبد الله حقّ عبادته». وكانوا من شجعان العرب وحماتهم ، وكانوا يلقبون (فتيان الصباح). وكان عابس رسول مسلم بن عقيل إلى الحسينعليه‌السلام وقد أرسله بكتابه إليه ، وقد صحبه (شوذب) مولاه ، واستشهد معه.

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٢ نقلا عن تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٤.

(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٥٨.

٩٥

مصرع سعد ابن حنظلة التميميرحمه‌الله

٧٦ ـ مصرع سعد بن حنظلة التميمي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٤)

ثم خرج من بعده سعد بن حنظلة التميمي ، وهو يقول :

صبرا على الأسياف والأسنّه

صبرا عليها لدخول الجنّه

وحور عين ناعمات هنّه

لمن يريد الفوز لا بالظّنّه

يا نفس للراحة فاطرحنّه

وفي طلاب الخير فارغبنّه

ثم حمل وقاتل قتالا شديدا ، حتى قتل رضوان الله عليه.

مصرع عمير ابن عبد الله المذحجيرحمه‌الله

٧٧ ـ مصرع عمير بن عبد الله المذحجي :

(المصدر السابق)

ثم خرج من بعده عمير بن عبد الله المذحجي ، وهو يقول :

قد علمت سعد وحيّ مذحج

أني لدى الهيجاء ليث محرج

أعلو بسيفي هامة المدجج

وأترك القرن لدى التعرّج

فريسة الضبع الأزلّ الأعرج

فمن تراه واقفا بمنهجي؟!

ولم يزل يقاتل قتالا شديدا ، حتى قتله مسلم الضبابي وعبد الله البجلي ، اشتركا في قتله.

٩٦

٧٨ ـ شهادة عبد الرحمن اليزني :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧ ؛ واللواعج ، ص ١٤٣)

ثم خرج عبد الرحمن بن عبد الله اليزني ، وهو يقول :

أنا ابن عبد الله من آل يزن

ديني على دين حسين وحسن

أضربكم ضرب فتى من اليمن

أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن

ثم حمل فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

٧٩ ـ شهادة يحيى بن سليم المازني :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٧)

ثم خرج من بعده يحيى بن سليم المازني ، وهو يقول :

لأضربنّ القوم ضربا فيصلا

ضربا شديدا في العداة معجلا

لا عاجزا عنهم ولا مهلهلا

ولا أخاف اليوم موتا مقبلا

ما أنا إلا الليث يحمي أشبلا

ثم حمل فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

٨٠ ـ شهادة قرّة بن أبي قرة الغفاري :

(المصدر السابق ، ص ١٨)

ثم خرج من بعده قرّة بن أبي قرة الغفاري ، وهو يقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

بأنني الليث الهزبر الضاري

لأضربن معشر الفجّار

بكل عضب ذكر بتّار

يشع لي في ظلمة الغبار

دون الهداة السادة الأبرار

رهط النبي أحمد المختار

ثم حمل فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

٨١ ـ شهادة رجل من بني أسد :

(تاريخ ابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدّى [أي ينزل في البدو ، أي يقيم في الصحراء] فينزل قريبا من الموضع الّذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام ، فكنا لا

٩٧

نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!.قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام ، قال أبي : انطلقوا بنا ننظر هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام ؟. فأتينا المعركة وطوّفنا ، فإذا الأسدي مقتول.

(أقول) : لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحارث الكاهلي أو الأسدي ، لأن الكاهلي أسدي. وهو نفسه أنس بن كاهل الأسدي الّذي ذكر في زيارة الناحية المقدسة. وذكر في بعض المصادر : مالك بن أنس الكاهلي ، وهو تصحيف.

وقد مرّت هذه الفقرة في الجزء الأول من الموسوعة برقم ٢١٤ بعنوان : ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء ، فراجع.

مصرع أنس بن الحارث الكاهليرحمه‌الله

٨٢ ـ مصرع أنس بن الحارث الكاهلي ، وكان صحابيا :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣١٣)

وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخا كبيرا صحابيا ، رأى النبي (ص) وسمع حديثه ، وشهد معه بدرا وحنينا. فاستأذن الحسينعليه‌السلام وبرز شادّا وسطه بالعمامة ، رافعا حاجبيه بالعصابة. ولما نظر إليه الحسينعليه‌السلام بهذه الهيئة بكى ، وقال : شكر الله سعيك يا شيخ.

ثم حمل ولم يزل يقاتل حتى قتل على كبره ثمانية عشر رجلا ، وقتل أمام الحسينعليه‌السلام (١) .

وفي (وسيلة الدارين) ص ١٠٢ : روى أهل السير أنه لما جاءت نوبة أنس ، استأذن الحسينعليه‌السلام في القتال ، فأذن له ، فبرز وهو يقول :

__________________

(١) ذكر أبو مخنف في مقتله ، ص ٧٣ ما يشبه هذا الكلام عن (جابر بن عروة الغفاري) وكان شيخا كبيرا صحابيا.

٩٨

قد علمت كاهل ثم ذودان

والخندفيّون وقيس عيلان

بأن قومي آفة الأقران

لدى الوغى وسادة الفرسان

نباشر الموت بطعن آن

لسنا نرى العجز عن الطعان

آل علي شيعة الرحمن

وآل حرب شيعة الشيطان

ثم حمل فقاتل حتى قتل أربعة عشر رجلا [على رواية ابن شهر اشوب] ، وثمانية عشر رجلا [على رواية الصدوق في أماليه] ، ثم قتل رضوان الله عليه.

ترجمة الصحابي أنس بن الحارث الكاهلي

(وسيلة الدارين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ١٠١)

هو أنس بن الحارث بن نبيه بن كاهل الأسدي. كان صحابيا كبيرا ممن رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمع حديثه. وكان فيما سمع منه وحدّث به ، ما رواه جمّ غفير من العامة والخاصة عنه ، أنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول والحسين في حجره : «إن ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق. ألا فمن شهده فلينصره». فلما رآه أنس في العراق وشهده ، نصره وقتل معه.

(ذكر ذلك الجزري في أسد الغابة ، وابن حجر في الإصابة وغيرهما).

٨٣ ـ شهادة عمرو بن مطاع الجعفي :

(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ١٨)

ثم خرج من بعده عمرو بن مطاع الجعفي ، وهو يقول :

أنا ابن جعف وأبي مطاع

وفي يميني مرهف قطّاع

وأسمر سنانه لمّاع

يرى له من ضوئه شعاع

اليوم قد طاب لنا القراع

دون حسين وله الدفاع

(وفي مقتل أبي مخنف ، ص ٧١) عبّر عنه بلفظ (عمير) وذكر رجزه :

أنا عمير وأبي المطاع

وفي يميني صارم قطّاع

كأنه من لمعه شعاع

إذا فقد طاب لنا القراع

دون الحسين الضرب والصراع

صلى عليه الملك المطاع

٩٩

ولم يزل يقاتل حتى قتل ثلاثين رجلا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

٨٤ ـ شهادة أنيس بن معقل الأصبحي :

(المصدر السابق ، ص ١٩)

ثم خرج من بعده أنيس بن معقل الأصبحي ، فجعل يقول :

أنا أنيس وأنا ابن معقل

وفي يميني نصل سيف فيصل

أعلو به الهامات بين القسطل

حتى أزيل خطبه فينجلي

عن الحسين الفاضل المفضّل

ابن رسول الله خير مرسل

ثم حمل ولم يزل يقاتل حتى قتل [على رواية ابن شهر اشوب] نيّفا وعشرين رجلا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

٨٥ ـ شهادة الحجاج بن مسروق الجعفي :

(المصدر السابق ، ص ٢٠)

ثم برز من بعده الحجاج بن مسروق الجعفي ، وهو مؤذّن الحسينعليه‌السلام ، وكان قد خرج من الكوفة إلى مكة فالتحق بالحسينعليه‌السلام ، وصحبه منها إلى العراق ، فجعل يقول :

اقدم حسينا هاديا مهديّا

اليوم تلقى جدّك النبيّا

ثم أباك ذا الندى عليا

ذاك الّذي نعرفه وصيّا

والحسن الخير الرضا الوليا

وأسد الله الشهيد الحيّا

وذا الجناحين الفتى الكميّا

وفاطما والطاهر الزكيّا

ومن مضى من قبله تقيا

فالله قد صيّرني وليّا

في حبكم أقاتل الدعيّا

وأشهد الشهيد الحيّا

لتبشروا يا عترة النبيا

بجنّة شرابها رويّا

والحوض حوض المرتضى عليا

وقد مرّ شبيه هذه الأبيات في شهادة زهير بن القين (رض).

ثم حمل على القوم وقاتل قتال المشتاقين ، حتيقتل منهم ثمانية عشر رجلا ، ثم قتل رضوان الله عليه.

٨٦ ـ مبارزة الاثنين :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٢٩٤)

ولما نظر من بقي من أصحاب الحسينعليه‌السلام إلى كثرة من قتل منهم ، أخذ

١٠٠

ويعرف قبره قبل بسيد السادات ويعرف الآن «شاه چراغ» وبقي قبره مخفياً، ولكنه ظهر في عهد الأمير مقرب الدين مسعود بن بدر فبنى عليه بناءاً، وقيل وجد في قبره كما هو صحيحاً طرياً لم يتغير وفي يده خاتم نقش عليه «العزة لله، أحمد بن موسى» فعرفوه به.

٥ ـ الحسين: يلقب بالسيد علاء الدين(١) وكان سيداً جليل القدر رفيع الشأن ومما يدل على سمو مكانته رواية البزنطي، فقد جاء فيها أنه سئل الامام الجوادعليه‌السلام أي عمومتك أبرّ بك؟ فقال: الحسين قال الامام الرضاعليه‌السلام صدق والله، هو والله أبرهم به وأخيرهم.

وقال المرحوم السيد جعفر آل بحر العلوم، إن قبره بشيراز.

٦ ـ حمزة: يكنى أبا القاسم، أمه أم ولد، كان عالماً فاضلاً كاملاً مهيباً جليلاً رفيع المنزلة، عالي الرتبة، مقدراً عند الخاصة والعامة سافر مع أخيه الامام الرضاعليه‌السلام إلى خراسان، وكان واقفاً في خدمته ساعياً في مآريه طالباً لرضائه ممتثلاً لأمره، فلما وصل إلى «سوسعد» إحدى قرى «ترشير» خرج عليهم قوم من أتباع المأمون فقتلوه، وقبره في «بسنتان» وقد أعقب ولدين، أحدهما علي والآخر القاسم أبا محمد وإليه تنتمي السادة الصفوية، وصرحت بعض المصادر أن قبره في الري بالقرب من قبر السيد الجليل شاه عبدالعظيم(٢).

٧ ـ محمد: يكنى أبا ابراهيم، كان كريماً جليلاً موقراً يعرف بالعابد لكثرة وضوئه وصلاته، فكان في كل ليلة يتوضأ ويصلي ويرقد قليلاً ثم يقوم لعبادة الله تعالى حتى يتبلج نور الصبح، قال بعض شيعة أبيه ما رأيته قط إلا ذكرت قول الله تعالى: «كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ».

وقال الرواة إنه دخل شيراز واختفى بها وأخذ يستنسخ القرآن الكريم ومن أجرته أعتق الف مملوك.

_________________________

(١) تحفة العالم: ٢ / ٣١.

(٢) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٤١٩ ـ ٤٢٠.

١٠١

أعقب سبعة أولاد منهم أربع بنات وهن: السيدة حكيمة وكلثم وبريهة وفاطمة، والرجال: جعفر ومحمد وابراهيم الذي يُعرف بالمجاب وسبب تلقيبه بذلك ـ فيما يقول المؤرخون ـ انه سلم على قبر جده الامام الحسينعليه‌السلام فسمع صوت من القبر الشريف: وعليك السلام يا ولدي، وقد دفن بجار جده الامام الحسينعليه‌السلام وفيه يقول بعض ولده مفتخراً به وبجده الامام موسىعليه‌السلام :

من اين للناس مثل جدي

موسى وابنه المجاب

اذ خاطب السيد وهو رمس

اجابه اكرم الجواب

توفي السيد محمد العابد بشيراز ودفن فيها وكان قبره مخفياً إلى زمان بك بن سعد بن زنكي فبنى له قبة في محلة «باغ قتلغ» وقد جدد بناؤه عدة مرات في زمان السلطان نادر خان...(١).

٨ ـ صالح: أعقب السادة الشهرين بالشجعان، ولهم شجرة، وقد توفي في تجريش، وقبره مشيد وعليه بناية ضخمة(٢).

٩ ـ آمنة: توفيت في مصر، وقبرها هناك يزار.

١٠ ـ حكيمة: أمرها أخوها الامام الرضاعليه‌السلام بأن تحضر عند الخيزران (أم الامام الجوادعليه‌السلام ) عند ولادتها به، وقد روت كيفية ولادته وما جرى له من المعجز آنذاك.

١١ ـ فاطمة الصغرة: قبرها في «بادكوبه» يقع في وسط مسجد بناؤه قديم.

١٢ ـ ابراهيم الاصغر: يلقب بالمرتضى وهو المشهور بابراهيم المجاب وهو أصغر ولد أبيه، وأمه نوبية اسمها بخية وذكر العبيدلي النسابة ان ابراهيم الصغير بن الكاظم كان عالماً عابداً وهو المعقب المكثر جد المرتضى والرضي قيل دفن في كربلاء بالحائر الحسيني.

١٣ ـ إبراهيم الأكبر: وكان سخياً شجاعاً كريماً، تقلد الإمرة على اليمن في أيام
المأمون من قبل محمد بن محمد بن زيد بن علي الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة
_________________________

(١) نفس المصدر السابق: ٤٣٥.

(٢) كنز الانساب.

١٠٢

ومضى إليها ففتحها وأقام بها مدّة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان، فأخذ له الأمان من المأمون(١).

١٤ ـ اسحق: ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرضاعليه‌السلام وكان يلقب بالأمين وتوفي سنة ٢٤٠هـ في المدينة(٢).

١٥ ـ إسماعيل: وهو صاحب الجعفريات، وقبره في مصر، قال النجاشي، سكن مصر وولده بها، وله كتب يرويها عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام . منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحج، كتاب الجنائز، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب الحدود، كتاب الدعاء، كتاب السنن والآداب، كتاب الرؤيا(٣).

١٦ ـ جعفر: ويقال له الخواري، ويقال لولده الخواريون والشجريون لأن أكثرهم بادية حول المدينة يرعون الشجر، وفي مشجر العميدي، كان جعفر موصوفاً بالشجاعة والفروسية، وعده أبو نصر البخاري من خلص الموسوية الذين لم يجد أحداً يشك فيهم من النساب(٤).

١٧ ـ زيد: وهو الخارج بالبصرة أيام الأمين والمأمون، عقد له محمد بن محمد ابنه زيد بن علي على الأهواز أيام أبي السرايا، ولما دخل البصرة وغلب عليها أحرق دور بني العباس فقيل له زيد النار، وحاربه الحسن بن سهل فظفر به. وأرسله إلى مرو مقيداً، فعفا عنه المأمون، ثم سقاه السم وقتله وقبره بمرو(٥).

وذكر الشيخ عباس القميرحمه‌الله في منتهى الآمال، وعظم فعل زيد على الامام
الرضا عليه‌السلام فحلف أن لا يكلّمه أبداً، ومن جملة ما قالهعليه‌السلام لزيد: يا زيد أغرّك قول سفلة
أهل الكوفة: إنّ فاطمة عليها‌السلام أحصنت فرجها فحرّم الله ذريتها على النار؟ ذلك للحسن
_________________________

(١) الارشاد: ٢ / ٢٤٥ الامام موسى بن جعفر سيرة وتأريخ ص ١٠٠.

(٢) بحار الأنوار: ٤٨ / ٢٨٤ الامام موسى بن جعفر سيرة وتأريخ: ص ١٠١.

(٣) نفس المصدر: ٤٨ / ٣١٤ الامام موسى بن جعفر سيرة وتأريخ: ص ١٠٢.

(٤) بحار الأنوار: ٤٨ / ٢٨٤ الامام موسى بن جعفر سيرة وتأريخ: ص ١٠٢.

(٥) تاريخ الطبري: ١٠ / ٢٣١.

١٠٣

والحسينعليهما‌السلام خاصّة إن كنت ترى انّك تعصي الله عز وجل وتدخل الجنة وموسى بن جعفرعليه‌السلام أطاع الله ودخل الجنّة، فأنت إذن اكرم على الله تعالى من موسى بن جعفرعليه‌السلام والله ما ينال أحد ما عند الله تعالى إلّا بطاعته وزعمت انّك تناله بمعصيته؟! فبئس ما زعمت، فقال له زيد: أنا أخوك وابن أبيك، فقال له أبوالحسنعليه‌السلام : أنت أخي ما أطعت الله عزَّ وجلَّ انّ نوحاًعليه‌السلام قال: «رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ
الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ
» فقال الله تعالى: «يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ
غَيْرُ صَالِحٍ
...» فأخرجه الله تعالى عز وجل من أن يكون من أهله بمعصيته(١).

وذكر الشيخ المفيدرحمه‌الله من جملة أولاده العباس وهارون وعبدالله وعبيدالله والفضل وسليمان والحسن ورقية وأم أبيها ورقية الصغرة (كلثوم) وأم جعفر ولبابة وزينب وخديجة وعليّة وحسنة وبريهة وعبّاسة وأم سلمة وميمونة وأم كلثوم، وقال الشيخ المفيدرحمه‌الله ولكلّ واحد من ولد أبي الحسن موسىعليه‌السلام فضلٌ ومنقبة مشهورة.

أقول: أولاد الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام ظلموا، قتلوا، شرّدوا، كما صنعوا بالائمة الطاهرين من أبناء الزهراعليها‌السلام وقبورهم شتى والعزاء لمولاتي الزهراءعليها‌السلام . نعزّيها بأبناءها على لسان الشاعر:

هالنوح يا فاطم على منهو توحين

نوحچ على المسموم لو نوحچ على احسين

نادت ودمع العين على الخد بادي

لو تسألوني يا خلگ كلهم أولادي

لچن مصاب احسين ساطي في فؤادي

أعظم مصيبة هوَّنتها امصيبة حسين

دهري رماني بالرزايا بكل غالي

وشتّت اولادي عن يميني وعن شمالي

ما شوف يوم من الحزن مرتاح بالي

البعيد عني والذي مني قريبين

منهم ابسامرا ومنهم في خراسان

ومنهم بارض طيبه ومنهم بارض كوفان

اعظم مصيبة مصيبة المذبوح عطشان

حسين وينه اللي يواسيني على احسين

لا تحسبوني للرضا في طوس ما جيت

ولا إلى بغداد ما رحت أو تعنّيت

كلهم عليهم نوَّحت والدمع هلّيت

واعظم عليَّ لو نعى الناعي على احسين

_________________________

(١) منتهى الآمال: ٢ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

١٠٤

* * *

أبچي على اولادي ذبايح يوم عاشور

لنصب عليهم ماتمي في وسط الگبور

وانسيت ضلعي اللي ابسد الباب مكسور

كل البچه والنوح والصيحة على احسين

* * *

هذا بسامرا وذاك بكربلا

وبطوس ذاك وذاك في بغداد

* * *

١٠٥
١٠٦

المجلس الرابع عشر

الموضوع : أسباب استدعاء الامام الكاظمعليه‌السلام وسجنه

القصيدة: للشيخ اليعقوبي ديون الذخائر

ما أنصفتك بنو الأعمام إذ قطعت

أواصراً برسول الله تتحد

أبكيكَ رهن السجون المظلمات وقد

ضاق الفضا وتوالى حولك الرصدُ

لبثت فيهن أعواماً ثمانيةً

ما بارحتك القيود الدهم والصفد

تُمسي وتغدو بنو العباس في مرحٍ

وأنت في محبس السندي مضطهدُ

دسوا إليك نقيع السم في رطب

فاخضرَّ لونك مذ ذابت به الكبدُ

حتى قضيت غريب الدار منفرداً

لله ناءٍ غريب الدار منفردُ

أبكي لنعشِكَ والأبصار ترمقه

ملقىً على الجسر لا يدنو له أحدُ

أبكيكَ ما بين حمالين أربعة

تشال جهراً وكل الناس قد شهدوا

* * *

يگلبي على الكاظم تولم

يعيني اعليه سحّي الدمع من دم

غريب وبالحبس ويولج بالسم

يتگلب يسار ونوبه ايمين

* * *

عالج ولاج وگضى نحبه غريب

لا حضر موته صحابه اولا قريب

ويل گلبي يوم جس نبضة الطبيب

گال مسموم او مَضْ بيه الصواب

* * *

أيُحملُ موسى والحديدُ برجلهِ

كما حُمِلَ السجّاد عان مُقيّدا

١٠٧

المقدمة

الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام مجمع الفضائل ومكارم الأخلاق الحسنة والتُقى والكرم. فالقلوب تهوي إليه وتتوجه نحو ومن هنا قال الامام الكاظمعليه‌السلام لهارون: «أنا إمام القلوب، وأنت إمام الجسوم»(١).

والعباسيون تعاملوا مع أهل البيتعليهم‌السلام وفق معايير ثابتة تقوم على أساس التصدّي لمدرسة أهل البيت ومطاردة شيعتهم وقمع الطالبين والنكاية بهم بسبب هاجس الخوف من نشاط الامامعليه‌السلام والغيرة من دوره الفاعل والمحرّك في الحياة الاسلامية.

لذلك هناك مجموعة من الأسباب التي أدَّت إلى استدعاء الامامعليه‌السلام وسجنه وهي:

١ ـ الخوف من عمل الأمامعليه‌السلام : ولعلَّ من أبرز الشواهد على ذلك ماروي أن هارون العباسي (لعنه الله) لمّا صار إلى المدينة وَصَلَ كل هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري ممن دَخَلَ عليه بخمسة آلاف درهم وما دونها إلى مائتي دينار، على قدر شرفه وهجرة آبائه، وحين دخل الامام الكاظمعليه‌السلام رحّب به، وعند منصرفه من الحج أمر بصرّة سوداء فيها مائتا دينار أرسلها إليه، فسأله المأمون وكان جريئا عليه: يا أمير المؤمنين، تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش وبني هاشم ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى مادونها، وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي دينار؟! أخسّ عطيّة أعطيتها أحداً من الناس، فقال: اسكت لا أمّ لك، فاني لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم(٢).

_________________________

(١) ينابيع المودة القندوزي: ٣ / ١٢٠.

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ١ / ٨٨.

١٠٨

٢ ـ الحقد والغيرة: إنَّ دأبَ الطغاة في كل عصر هو احتكار أسباب العظمة والتعالي لذواتهم، فتستعر نفوسهم غيرةً وحقداً على كل شخصية مرموقةٍ في المجتمع تتميّز برجاحة العلم والحلم والزهد والكرم الشجاعة وغيرها.

ومن أوضح الأمثلة على غيرة هارون اللئيم من الإمام الكاظمعليه‌السلام في موقف افتخر فيه الامامعليه‌السلام على هارون حين جاء مكة حاجاً، فأتى قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زائراً له وحوله قريش وأفياء القبائل ومعه موسى بن جعفرعليه‌السلام ، فلما انتهى إلى القبر قال: «السلام عليك يا رسول الله يا بن عمي، افتخاراً على مَنْ حوله، لأنه كان في مقام استعراض لذلك يريد التضليل على الناس بالايحاء بأنه أقربهم إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبذلك فهو أحق بالخلافة.

فدنا موسى بن جعفرعليه‌السلام فقال: السلام عليك يا أبة، أسألكُ الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى أن يصلّي عليك فتغيّر وجه هارون وتبيَّن فيه الغضب، وقال: هذا الفخر يا أباالحسن حقاً، ولم يحتملها هارون، فلم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه وسجنه فأطال سجنه، فلم يخرج إلّا ميتاً مقيداً مسموماً»(١).

٣ ـ الوشاية: ومن الذين وشوا بالإمام هو محمد بن إسماعيل بن جعفر
الصادق عليه‌السلام وفي هذه الرواية أن محمد بن إسماعيل بن جعفر استأذن الإمام
الكاظم عليه‌السلام في الخروج إلى العراق فأذن له، وقال له: «أوصيك أن تتقي الله في
دمي، فقال: لعن الله من يعسى في دمك، ثم ناوله أبو الحسن عليه‌السلام (٤٥٠) ديناراً
فقبضها محمد، ثم أمر لف بألف وخمسمائة درهم كانت عنده، فقلت له في ذلك
واستكثرته، فقال هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني ووصلته. قال: فخرج إلى
العراق واستأذن على هارون فأمر بدخوله، وقال يا أمير المؤمنين، خليفتان في
الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يُجبى له الخراج، وأنت بالعراق يُجبى لك
_________________________

(١) تاريخ بغداد: ١٣ / ٣١.

١٠٩

الخراج، فقال والله: فقال: والله، قال فأمر له بمائة ألف درهم، فلمّا قبضها وحملت إلى منزله أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات، وحُوِّل من الغد المال الذي حمل إليه إلى الرشيد»(١).

وقال ابن شهرآشوب: «كان محمد بن إسماعيل بن الصادقعليه‌السلام عند عمه موسى الكاظمعليه‌السلام يكتب له الكتب إلى شيعته في الآفاق، فلما ورد هارون الحجاز سعى بعمه إلى هارون، فقال الرشيد: ويلك أنا ومن؟ قال: موسى بن جعفر، وأظهر أسراره، فقبض عليه، وحظي محمد عند هارون، ودعا عليه موسى الكاظمعليه‌السلام بدعاء استجابه الله فيه وفي أولاده(٢).

٤ ـ مناظرة الرشيد في مسألة فدك:

فدك هو رَمْز لحق مغتصب وخلافة مسلوبة، روى المؤرخون أن هارون الرشيد قال لموسى بن جعفرعليه‌السلام : «حدّ فدكاً حتى أردها إليك، فيأبى الإمام حتى ألحَّ عليه هارون، فقالعليه‌السلام لا آخذها إلّا بحدودها، قال: وما حدودها؟ قال: إن حددتها لم تردها؟ قال: بحق جدك إلا فعلت، قال أما الحد الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد وقال: إيهاً، قال والحد الثاني سمرقند، فاربدّ وجهه، والحد الثالث افريقية، فاسودّ وجهه وقال: هيه، قال: والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية قال الرشيد، فلم يبقَ لنا شيء، فتحول إلى مجلسي، قال موسىعليه‌السلام : قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها، فعند ذلك عزم على قتله».

إنَّ موقف الامام الكاظمعليه‌السلام كان مع هارون موقفاً صريحاً لا لين فيه، فانه يراه
غاصباً لمنصب الخلافة ومختلساً للسلطة والحكم مما دعا هارون ان يودع الامام
السجن عليه‌السلام وذلك بعد أن أصدر أوامره بإلقاء القبض على الامام، فألقت الشرطة
عليه القبض وهو قائم يصلّي لربّه عند رأس جده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقطعوا عليه صلاته ولم
_________________________

(١) رجال الكشي: ٢٦٣ / ٤٧٨.

(٢) مناقب اكابي طالب: ٣ / ٤٤٠.

١١٠

يمهلوه من اتمامها فحمل من ذلك المكان الشريف، وقيد وهو يذرف الدموع ويوجه شكواه إلى جده الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلاً: «إليك أشكوا يا رسول الله»(١).

ولم يحترم هارون قداسة القبر الشريف، فهتك حرمته، وحرمة أبناءه التي هي أولى بالرعاية والمودة من كل شيء، كما لم يحترم الصلاة التي هي أقدس عبادة في الإسلام فقطع عليه صلاته وأمر بتقييده وحمل إليه الامام وهو يرسف في ذل القيود فلما مثل عنده جفاه وأغلظ له في القول، وكان اعتقاله في سنة (١٧٩هـ) في شهر شوال لعشرٍ بقين منه(٢).

قطع الرشيد عليه فرض صلاته

قسراً وأظهر كامن الأحقاد

حتى إليه دسَّ سمّاً قاتلاً

فأصاب أقصى منيةٍ ومراد

* * *

عجيب امصيبته والله عجيبه

من سجن السجن ظالم يجيبه

او چبده امن الولم زايد لهيبه

ولم يزلعليه‌السلام يُنقل من سجن إلى سجن حتى قضى إمامنا نحبه صابراً محتسباً مسموماً في سجن السندي بن شاهك.

هلن دمه ابدال الدمع يعيون

على الگظه غريب ابسجن هارون

امگيد بالحديد أو زرگ المتون

أجل چا وين هاشم ما يحضرون

الجثة الكاظم خل يشيعون

_________________________

(١) حياة الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام لمحقق الشيخ باقر شريف القرشي ج ٢ ص ٢٦٤ ـ
٢٦٥ نقلاً عن المناقب ٢ / ٣٨٥.

(٢) حياة الامام موسى بن جعفر للشيخ باقر شريف القرشي ج ٢ ص ٤٦٥ نقلاً عن البحار
١١ / ٢٩٦ ط. القديمة.

١١١

چف الدهر ريته اليوم ينشال

جرح گلبي ولا أظن بعد ينشال

نعش موسى على احماميل ينشال

أو يظل فوگ الجسر ثاوي رميه

* * *

ونادوا على جسر الرصافة حوله

نداءً له السبع الطباق تزلزلُ

* * *

١١٢

المجلس الخامس عشر

الموضوع : مواقف الإمامعليه‌السلام إزاء تصرفات السلطة

القصيدة: للسيد مهدي الأعرجي

جلبوهُ قسراً من مدينة جدّهِ

نحو المدائنِ موثقاً بقيود

حبسوهُ في «طامورةٍ» لم يَنفجرْ

ليلَ الشقا عنْ صبحها بعمودِ

تبتْ يد الرجس (الرشيد) بفعلهِ

إذْ ليسَ فيما قد جنى برشيدِ

أوحى إلى (سنديّه) ليسمهُ

سماً تذوب به صخور البيدِ

فقضى سميماً في السجون مشرَّداً

في منزلٍ عمَّن يحبُ بعيدِ

وضعوا على جسر الرصافةِ نعشه

وعليه جهراً بالإهانةِ نودي

* * *

ثلثتيام ظل من غير تغسيل

ما عنده عشيرة النعشه اتشيل

شالوا للجسر أربع حماميل

أو بي سمعت الناس أو غدت تلتم

* * *

اشحال ابنه الرضا لمن گصد ليه

أو عاين للحديد أو شاف رجليه

ظل يبچي إعلى حاله أو ينحب اعليه

حتى انچتل بخريسان بالسم

* * *

من مبلغ الإسلام أنَّ زعيمهُ

قد مات في سجن الرشيد سميما

١١٣

١ ـ موقفه في السجن:

بعث الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام برسالة وهو في السجن إلى هارون: «إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلّا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون»(١).

السجن عند الامام الكاظمعليه‌السلام مدرسة للعبادة والطاعة والصبر يسخرها الانسان العارف لبلوغ مدارج الكمال، فصَبَرَ الامام الكاظمعليه‌السلام راضياً بما قضاه الله حتى سمّي الكاظم لما تحمّل من صعاب وما كظم من غيظ عما فعله الظالمون به.

لذلك كان يشكر الله الامامعليه‌السلام ويقول: «اللهمَّ إنّك تعلم أني كنت أسألكَ أن تفرّغني لعبادتك اللهمَّ وقد فعلت، فلك الحمد»(٢).

لقد واجه الامام الكاظمعليه‌السلام السجن بروح ملؤها الصبر، فلم يهن ولم ينكل، ولم يظهر الإذعان والخضوع إلى السلطان الجائر فقد قيل لهعليه‌السلام وهو في الحبس: «لو كتبت إلى فلان يكلم فيك الرشيد؟ فقال: حدثني أبي عن آبائه: إن الله عز وجل أوحى إلى داود، يا داود، إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني... إلّا وقطعتُ عنه أسباب السماء وأسخت الأرض من تحته»(٣).

٢ ـ موقفه من الرشيد:

للإمام حالات معينة مع الرشيد حسب متطلبات المرحلة والوقت الذي يملي عليه الموقف، ففي بعض الأحيان يكون الموقف:

أ ـ الموعظة: فقد روي عن إسماعيل بن بشر بن عمّار، قال: كتب هارون الرشيد إلى أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام عِظني وأوجز قال: فكتب إليه: ما من شيءٍ تراه عينك إلّا وفيه موعظةُ(٤).

_________________________

(١) الامام موسى الكاظمعليه‌السلام سيرة وتأريخ ص ٧٣ عن تذكرة الخواص ص ٣٦٠.

(٢) نفس المصدر السابق ص ٧٤ نقلاً عن الإرشاد ٢ / ٢٤٠.

(٣) نفس المصدر السابق نقلاً عن تأريخ اليعقوبي ٢ / ٤١٤.

(٤) نفس المصدر السابق نقلاً عن أمالي الصدوق: ٥٩٩.

١١٤

وروى عن عبد العظيم الحسني عن محمد بن علي عن أبيه، قال: «دخل موسى ابن جعفرعليه‌السلام على هارون الرشيد، وقد استخفه الغضب على رجلٍ، فقال له الامام الكاظمعليه‌السلام : إنّما تغضب لله عزّ وجل، فلا تغضب له بأكثر مما غضب لنفسه»(١).

وكذلك قال الرشيد للإمام الكاظمعليه‌السلام : «إنّي قاتلك! فقال الامام: لا تفعل، فإني سمعت أبي يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ العبد يكون واصلاً لرحمه وقد بقي من أجله ثلاث سنين فيمدها الله حتى ثلاثين سنة، ويكون العبد قاطعاً لرحمه وقد بقي من أجله ثلاثون سنة فيصيرها الله حتى يجعلها ثلاث سنين»(٢).

ب ـ قد تكون المواجهة أشد وأكثر وقعاً كما في المناظرات التي ردّ الامامعليه‌السلام شبهات الرشيد ومنها كيفية انتسابهم إلى جدهم المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفضلهم على بني العباس. وهذا نص الحوار:

دَخَلَ الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام ذات يوم على الرشيد فقال الرشيد للإمامعليه‌السلام : لِمَ جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون لكم: يا بني رسول الله وأنتم بنو علي، وإنما ينسبُ المرءُ إلى أبيه، وفاطمة إنما هي وعاء، والنبيّ جدكم من قبل أمكم؟ فقلت يا أمير المؤمنين، لو أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله! ولم لا أجيبه؟ بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك، فقلت: لكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخطب إليَّ ولا أُزوجه فقال ولِمَ؟ فقلت: لأنه ولدني ولم يلدك، فقال أحسنت يا موسى.

ثم قال: كيف قلتم: إنا ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنبي لم يعقب، وإنما العقب للذكر لا للأنثى، أنتم ولد البنت، ولا يكون لها عقب؟

فقلت: أسألك بحق القرابة والقبر تومن فيه إلّا ما أعفيتني عن هذه المسألة،
فقال: لا أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي، وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام
زمانهم، كذا أُنهي إليَّ، ولستُ أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتى تأتيني فيه
_________________________

(١) نفس المصدر السابق ص ٧٥ نقلاً عن عيون أخبار الرضا ١ / ٢٩٢.

(٢) نفس المصدر السابق ص ٧٥ نقلاً عن ربيع الأبرار للزمخشري ٣ / ٥٥٣.

١١٥

بحجة من كتاب الله تعالى، وأنتم تدّعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلّا تأويله عندكم واحتججتم بقوله عزّ وجل( مَّا فَرَّطْنَا فِي
الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ
) (١) وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم، فقلت: تأذن لي في الجواب؟ فقال: هات! فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ
الرَّحِيمِ... وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ
مَن أبو عيسى يا أميرَ المؤمنين؟ فقال: ليس لعيسى أب، فقلت إنما ألحقناه بذراري الأنبياءعليهم‌السلام من طريق مريمعليها‌السلام وكذكل أُلحقنا بذراري النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل أمنا فاطمةعليها‌السلام .

أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال: هات! قلت: قول الله عز وجل( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ
مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ
وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ
) (٢).

فكان تأويل قوله (أبناءنا) الحسن والحسين، ونساءنا (فاطمةعليها‌السلام ) وأنفسنا (علي بن أبي طالب)(٣).

٣ ـ مقاطعة الدولة:

من جملة المواقف التي اتخذها الامام الكاظمعليه‌السلام مقاطعة الدولة وتحريم
الانضواء في أجهزتها إلّا في حالات خاصة (كما بالنسبة لعلي بن يقطين) وهذا ما
نلمسه بشكل واضح بالنسبة لصفوان بن مهران الجمّال من أصحابه قال صفوان
«دخلت على أبي الحسن الأول عليه‌السلام فقال لي يا صفوان كل شيء منك حسن
وجميل ما خلا شيئاً واحداً، قلت: جعلت فداك، أي شيء؟ قال: اكراؤك جمالك
من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ قال والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا
للهو، ولكنّي أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاه بنفسي، ولكن
_________________________

(١) سورة الانعام: ٣٨.

(٢) سورة آل عمران: ٦١.

(٣) عيون أخبار الرضا ١ / ٨٣.

١١٦

أبعث معه غلماني فقال يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم، جعلت فداك، قال: فقال لي: أتحبّ بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت نعم، قال: مَن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم ورد النار، قال صفوان فذهبت فبعت جمالي عن آخرها.

ولهذا الموقف أسباب أهمّها

١ ـ أنَّ السلطة العباسية قد أمعنت في إقصاء الأمّة عن قيادة الامة ومارست معهم شتّى أساليب الظلم والجور والقتل والسجن وغيرها، لذلك فإنَّ التعاون مع تلك السلطات هو تعبير عن حالة الرضا عن ذلك الموقف.

٢ ـ العمل في أجهزة الدولة العباسية يغيِّر عن الاعتراف والإقرار بشرعيتها وأحقيّة ممارستها.

٣ ـ هذا الموقف بمثابة دعوة صريحة للأمة إلى الأنفتاح على مبادئها الرسالية وتوعيتها على واقع الظلم والفساد(١).

تباً لهم من أمةٍ لم يحفظوا

عهد النبي بآله الأمجاد

قد شتتوهم بين مقهور ومأ

سورٍ ومتخورٍ بسيف عناد

لهفي وهل يجدي أسىً لهفي

على موسى بن جعفر علة الايجاد

ما زال ينقل في السجون معانياً

عضَّ القيود ومثقل الأصفاد

* * *

يا گلبي ذوب أو يا دمع عيني تفجّر

للي گضه ابسجن الرجس گلبه تفطر

امر الطاغي اتشيل ابن جعفر حماميل

شالوا الجنازه او لا مشت خلفه رياجيل

واعله الجسر ذبوه وابرجله زناجيل

واگلوب شيعتهم عليه ابنار تسعر

* * *

_________________________

(١) الامام موسی الكاظمعليه‌السلام سيرة وتأريخ علی موسی الكعبي ص ٧٨ ـ ٧٩.

١١٧

شيعة علي الكرار فجعتهم شديدة

من عاينوه امغلل او بالساگ گيده

مطروح فوگ الجسر ما فكوا حديده

صاحت يبوا ابراهيم يومك صاير أگشر

* * *

وضعوا على جسر الرصافة نعشه

وعليه نادى بالهوان منادي

* * *

١١٨

الخاتمه

اللهمَّ لك الحمدُ ولك الشكر على ما وفقتنا من كتابة هذه المجالس، وأعنتنا على ذلك، فلك الحمد.

وبعد فهذه المجالس مع اختصارها لا تفي بسيرة الامام العظيم موسى بن جعفر (عليه الاف التحية والثناء) ولكن أحببنا أن نكتب في سيرة الامام الكاظمعليه‌السلام الصابر، وأسأل الله سبحانه أن يمدَّ في أعمارنا لنكمل هذه المجالس في طبعةٍ جديدة لغير هذه الطبعة لنضيف لها ما لم يتسع المجال لكتابته في هذه الطبعة والله من وراء القصد وهو وليُّ التوفيق «وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ »

يوم الأربعاء العاشر من شهر شعبان ١٤٣٤هـ

١١٩

شكر وتقدير

إلى كل مَن رفدنا بكتابٍ أو خدمةٍ أو معروفٍ في إصدار هذا الكتاب، لا سيما من أشرف على صف الحروف وتنضيدها وإخراج الكتاب ومن صمّم الغلاف ومن طبعه وشكراً لناشر الكتاب، وقد روي عن الامام الرضاعليه‌السلام أنّه قال «مَن لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الخالق» فالشكر لجميع من ساهم في إخراج وإصدار هذا الكتاب ومنهم الشاب الموفّق السيد محمد شبّر على عناءه واهتمامه ومثابرته فجزاه الله خير جزاء المحسنين.

كما لا يفوتني أن أشكر الأخ العزيز الأستاذ الحاج عادل المياحي على جهوده والحاج الأستاذ ابو رضوان والشاب الموَّفق الحاج محمّد مهدي الغفوري وكل مَن ساهم فجزى الله جميعاً خير الجزاء.

١٢٠

121

122

123

124

125

126