• البداية
  • السابق
  • 345 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14297 / تحميل: 5283
الحجم الحجم الحجم
الأخلاق في القرآن

الأخلاق في القرآن الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٨١٣٩-٠٥-٩
العربية

الأخلاق في القرآن

الجزء الأوّل

آية الله العظمى

الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

١
٢

الاهداء :

الى الذين عشقوا القرآن الكريم

إلى رواد ماء الحياة من هذا الينبوع الصافي

الى الذين يريدون أن يفهموا القرآن ويعلموا به

بمساعدة مجموعة من الفضلاء

١ ـ محمد جعفر الامامي

٢ ـ محمدرضا الاشتياني

٣ ـ عبدالرسول الحسني

٤ ـ محمد الاسدي

٥ ـ حسين الطوسي

٦ ـ سيد شمس الدين الروحاني

٧ ـ محمد محمدي الاشتهاردي

٣
٤

المقدمّة :

لا يخفى أنّ المسائل الأخلاقيّة ، تخطى بأهميّةٍ كبيرةٍ في كلّ زمانٍ ، ولكنّ في عصرنا الحاضر ، إكتسبت أهمية خاصة ، وذلك :

١ ـ إنّ قوى الإنحراف وعناصر الشرّ والفساد ، قد إزدادت في هذا العصر ، أكثر من جميع العصور السّالفة ، فإذا كان التّحرك في الماضي في خطّ الباطل والإنحراف ، يكلّف الإنسان مبلغاً من المال ، أو شيئاً من الجهد ، ففي هذا الزّمان وبسبب التّقدم العلمي والتّطور الحضاري ، أصبحت أدوات الفساد في متناول الجميع ، هذا من جهةٍ :

٢ ـ ومن جهةٍ اخرى ، إنّنا نعيش في هذا العصر ضخامة المقاييس ، فبينما كانت المقاييس والموازين محدودةً في الماضي ، وبتبع ذلك نرى محدوديّة المفاسد الإجتماعية والأخلاقيّة ، فإنّ القتل في هذا الزّمان بسبب أسلحة الدّمار الشّامل ، والفساد الأخلاقي بسبب انتشار أشرطة الفيديو والسّينما الخليعة ، وكذلك ما يفرزه «الأنترنيت» من معلوماتٍ فاسدةٍ ، ويضعها في متناول الجميع ، كلّ ذلك يحكي عن إنفجار في دائرة الفساد والإنحراف ، وكسر القوالب الضّيقة الّتي كانت تحدد قوى الباطل في الماضي ، ليسري إلى خارج الحدود ، ويصل إلى أقصى بقعةٍ في العالم.

وإذا كان إنتاج المواد المخدّرة في السّابق ، ينحصر بقريةٍ أو منطقةٍ محدودةٍ ، ولا يتجاوز ضرره سوى المناطق المجاورة ، فاليوم نرى أنّ الابتلاء بمرض الإدمان ، ومن خلال عمليّة التّهريب الواسعة لعصابات الموت ، قد غطى أجواء العالم أجمع.

٣ ـ ومن جهةٍ ثالثةٍ ، أنّنا نشاهد توسّعاً هائلاً في العلوم النّافعة لِلبشر ، في مختلف جوانب الحياة في علوم الطّب والفضاء ، والإتصالات والمواصلات وأمثال ذلك ، وكذلك الحال في

٥

العلوم الشّيطانية ووسائل الفساد والإنحراف ، حيث تطورت بشكل مذهلٍ ، الى حدٍ إنّ القوى الشيطانيّة التي تقف وراء إنتاج أدوات الإفساد الإجتماعي ، يتوصلون إلى تحقيق أهدافهم بطرق ملتويةٍ كثيرةٍ ويسيرةٍ ، ومثل هذه الظّروف والأجواء تحتم علينا الإهتمام بالمسائل الأخلاقية أكثر من أيّ وقت مضى ، وإلّا فعلينا أن نتوقّع الكارثة ، أو الكوارث التي تشلّ في الناس إرادة المواجهة ، وتحولهم إلى كياناتٍ مهزوزةٍ أمام حالات الخطر.

ويجب على العلماء الواعين والمفكّرين المخلصين ، أن يتحركوا من موقع التّكاتف فيما بينهم ، لتعميق الأخلاق في قلوب الناس ، وتفعيل عناصر الخير في وجدانهم ، والانتباه إلى الخطر المحيط بالأخلاق ، بحيث إنّ البعض أنكر فائدتها من الأساس ، أو ذهب إلى أنّها غير ضروريّةٍ ، والبعض الآخر تعامل معها من موقع المصلحة والبرُاجماتية ، للوصول إلى مطامعه السّياسية.

ولحسن الحظ فإنّنا كمسلمين ، نمتلك مصدراً عظيماً للمعارف الأخلاقيّة ، وهو القرآن الكريم ، الذي لا يُدانيه أيّ مصدر ديني آخر في العالم.

ورغم أنّ العلماء والمفسّرين ، قد تناولوا البحوث القرآنية في دائرة الأخلاق ، بالبحث والدّراسة ، إلّا أنّ هذه الأبحاث والدراسات جاءت متفرقة ولا تفي بالغرض ، ولهذا إفتقرت السّاحة الثقافية والتّفسيرية ، إلى كتابٍ أو كُتبٍ لدراسة هذا الموضوع ، بالإستيحاء من الآيات القرآنية ، فكان هذا الكتاب الذي بين أيديكم وبإسم : (الأخلاق في القرآن) ، إستجابة عمليّةً لِهذه الحاجة الماسّة في حركة الواقع الثّقافي والدّيني ، لسدّ هذه الثّغرة في صرح البناء الثقافي والحضاري للإسلام.

وجاء هذا الكتاب ، بعد بحوثٍ ودراسات في التّفسير الموضوعي للقرآن الكريم شملت المعارف والعقائد الإسلاميّة في دورته الاولى ، ولتكون الدّورة الثّانية ، مختصّةً ببحوث الأخلاق الإسلاميّة في القرآن الكريم.

وبحمد الله فقد إنتهينا من هذه الأبحاث الأخلاقية في ثلاث أجزاء ، تناول الجزء الأوّل منها ، دراسة المسائل الأخلاقيّة الكليّة في دائرة الأخلاق ، وهذا هو الكتاب الذي بين أيديكم ،

٦

حيث يمكن الإستفادة منه بعنوان كتابٍ درسي للرّاغبين ، ويتكفل الجزء الثاني والثالث ، ببيان تفاصيل هذه المسائل الكليّةً وجزئيّاتها ومصاديقها.

نأمل أن تكون هذه الأبحاث الأخلاقية ، المستوحاة من أجواء القرآن الكريم ، خطوة اخرى على طريق حلّ المشاكل الأخلاقيّة والثقافيّة للإنسان ، في حركة الحياة والواقع الإجتماعي ، ونسأل الله تعالى أن ينظر إليها بنظرة القبول ، ويجعلها ذخيرةً لنا يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ، ونرجو من الاخوة أن يتفضلوا علينا بإرشادنا إلى موضع النّقص إن وجد.

والحمد لله ربّ العالمين

ربيع الأول ١٤١٩ ه‍. ق

٧
٨

١

أهميّة الأبحاث الأخلاقيّة

تنويه :

هذا البحث يعدّ من أهم الأبحاث القرآنيّة ، ويعتبر من أهمّ أهداف الأنبياء كذلك ، إذ لو لا الأخلاق ، لما فهم الناس الدّين ولَما إستقامت دنياهم : وكما قال الشّاعر :

وإنما الامم الأخلاق ما بَقيتْ

فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذَهبوا

فلا يُعتبر الإنسان إنساناً إلّا باخلاقه ، وإلّا سوف يصبح حيواناً ضارياً كاسراً ، يحطّم ويكتسح كلّ شيء ، وخصوصاً وهو يتمتّع بالذّكاء الخارق ، فيثير الحروب الطّاحنة ، لغرض الوصول لأهدافه الماديّة غير المشروعة ، ولأجل أن يبيع سلاحه الفتّاك ، يزرع بذور الفُرقة والنّفاق ويقتل الأبرياء!

نعم ، يمكن أن يكون متمدّناً في الظّاهر ، إلّا أنّه لا يقوم له شيء ، ولا يميّز الحلال من الحرام ، ولا يفرّق بين الظّلم والعدل ، ولا الظّالم والمظلوم!

بعد هذه الإشارة نعرّج على القرآن الكريم لنستوحي من آياته الكريمة التالية ، تلك الحقيقة :

١ ـ ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ

٩

الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) (١) .

٢ ـ ( لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) (٢) .

٣ ـ ( كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) (٣) .

٤ ـ ( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (٤) .

٥ ـ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ) (٥) .

٦ ـ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) (٦) .

٧ ـ ( وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) (٧) .

الآيات الأربع الأُول : تقرّر حقيقةً واحدةً ، ألا وهي ، أنّ إحدى الأهداف المهمّة ، لبعثة النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هو تزكية النّفوس وتربيّة الإنسان ، وبلورة الأخلاق الحسنة ، في واقعه الوجداني ، بحيث يمكن أن يقال : إنّ تلاوة الآيات وتعليم الكتاب والحكمة التي أشارت إليها الآية المباركة الاولى ، يعُد مقدمة لمسألة تزكية النّفوس وتربية الإنسان ، والذي بدوره يشكّل الغاية الأساسيّة لعلم الأخلاق.

ولأجل ذلك يمكن تعليل تقدم كلمة : «التزكية» ، على : «التعليم» ، في الآيات الثلاث ، من حيث إنّ «التّزكية» هي الهدف والغاية النهائيّة ، وإن كان «التّعليم» من الناحية العمليّة مقدمٌ عليها.

__________________

١ ـ سورة الجُمعة ، الآية ٢.

(٢). سورة آل عمران ، الآية ١٦٤.

(٣). سورة البقرة ، الآية ١٥١.

(٤). سورة البقره ، الآية ١٢٩.

(٥). سورة الشّمس : الآيات ٩ و ١٠.

(٦). سورة الأعلى : الآيات ١٤ و ١٥.

(٧). سورة لقمان ، الآية ١٢.

١٠

وإن نظرنا«للآية الرابعة» : من بحثنا هذا ، وتقديمها لكلمة التّعليم على التّزكية ، فهي ناظرةٌ إلى المسألة من حيث الترتب العملي الطبيعي لها ، بإعتبار أنّ التّعليم مقدمةٌ «للتربية والتّزكية».

ولهذا نرى أنّ الآيات الأربع الاولى ، كلّ منها تنظر إلى المسألة من منظارها الخاص.

وليس بعيداً إحتمال رأيٌ آخر ، من التّفسير في الآيات المباركة الأربع ، وهو أنّ الغرض ، من التّقديم والتّأخير الحاصل لهذين الكلمتين : (التّربية والتعليم) ، بإعتبار أنّ إحداها تؤثّر في الاخرى ، يعني كما أنّ التعليم الصّحيح يكون سبباً في الصّعود بالأخلاق ، وتزكية النّفوس ، تكون تزكية النفوس هي الاخرى مؤثّرة في رفع المستوى العلمي ، لأنّ الإنسان بوصوله للحقيقة العلميّة ، يكون قد تطهر من «العناد» و «الكِبر» و «التّعصب الأعمى» ، حيث تكون الأخيرة مانع من التّقدم العلمي ، ومعها سوف يُران على قلبه على حد تعبير القرآن الكريم ، ولن يرى الحقيقة كما هي في الواقع.

ويمكن الإشارة الى نكات اخرَى في الآيات الكريمة الأربعُ :

الآية الاولى : تشير إلى أنّ بعث رسول يُعلِّم الأخلاق ، هي من علامات حضور الباري تعالى في واقع الإنسان لتفعيل عناصر الخير في وجدانه ، وأنَّ النقطة المعاكسة (للتربية والتعليم) هي الضّلال المبين ، فهي تبين مدى إهتمام القرآن الكريم بالسلوك الأخلاقي للإنسان في حركة الحياة.

الآية الثّانية : نجد فيها أن إرسال رسول يُزكيهم ويُعلّمهم الكتاب والحكمة ، هي من المنن والمواهب الإلهيّة العظيمة ، التي منّ الله بها علينا ، وهي دليل آخر على أهميّة الأخلاق.

الآية الثّالثة : وهي الآية التي نزلت بعد آيات تغيير القبلة ، من القدس الشّريف إلى الكعبة المشرّفة ، حيث عُدَّ هذا التغيير من النّعم الإلهيّة الكبرى ، وأنّ هذه النعمة هي كإرسال الرسول للتعليم والتّزكية وتعليم الإنسان اموراً لم يكن يعلمها ولن يتمكن من الوصول إليها إلّا عن طريق الوحي الإلهي(١) .

__________________

١ ـ ففي جملة : «ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون» ، إشارةً إلى أنّ الوصول إلى هذا العلم ، لا يمكن الّا بالوَحي.

١١

الآية الرّابعة : تتحدث عن أنّ إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، وبعد إكماله لبناء الكعبة ، طلب من الباري تعالى : أن يخلق من ذريّته امّةً مسلمةً ؛ وأن يبعث فيهم رسولاً من ذريّته ، ليزكّيهم في دائرة التربية الأخلاقيّة ، ويعلّمهم الكتاب والحكمة.

الآية الخامسة : نجد أن القرآن الكريم ، وبعد ذكر أحدَ عشرَ قَسَماً مهماً ، وهي من أطول الأقسام في القرآن ، ـ قسماً بالشّمس والقمر والنّجوم والنفس الإنسانية ـ ، وبعد ذلك قال :( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ) .

وهذا التأكيد المتكرّر والشّديد في هذه الآيات ، يدلّ على أنّ القرآن الكريم ، يولّي أهميّةً بالغةً لمسألة الأخلاق ، وأنّ التّزكية هي الهدف الأهم للإنسان ، وتكمن فيها كلّ القيم الإنسانيّة ، بحيث تكون نجاة الإنسان بها.

ونفس المعنى أعلاه ورد في :«الآية السّادسة» ، واللّطيف فيها أَنّ ذكر التّزكية جاء قبل الصلاة ، وذكر الله تعالى ، إذ لو لا التّزكية وصفاء الرّوح لا يكون للصّلاة معنى ، ولا لذكر الله.

وجاء في«الآية الأخيرة» ، ذكر لُقمان الحكيم ، حيث عبّر عن علم الأخلاق بالحكمة ، فقال :( وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) .

وبالنّظر للآيات الشّريفة ، نرى أنّ خصوصيّة : «لقمان الحكيم» ، هي تربية النّفوس والأخلاق ، ومنها يتّضح أنّ المقصود من الحكمة هنا ، هو الحكمة العمليّة وتعاليمها المؤدّية إليها ، وبعبارة اخرَى يعني : «التّعليم» لأجل «التّربية».

ويجب الإنتباه وكما ذكرنا مراراً ، إلى أنّ أصل معنى «الحكمة» هو لجام الفرس ، وبعدها أطلقت على كلّ شيء رادعٍ ، وبإعتبار أنّ العلوم والفضائل الأخلاقيّة ، تردع الإنسان عن الرّذائل فأطلقت عليها هذهِ الكلمة.

النّتيجة :

نستوحي من هذهِ الآيات ، الإهتمام الكبير للقرآن الكريم بالمسائل الأخلاقيّة وتهذيب

١٢

النفوس ، بإعتبارها مسألةً أساسيّةً ، تنشأ منها وتبتني عليها جميع الأحكام والقوانين الإسلاميّة ، فهي بمثابة القاعدة الرّصينة والبناء التحتي ، الذي يقوم عليه صرح الشّريعة الإسلاميّة.

نعم إنّ التّكامل الأخلاقي للفرد والمجتمع ، هو أهم الأهداف التي تعتمد عليه جميع الأديان السّماوية ، إذ هو أساس كلّ صلاحٍ في المجتمع ، ووسيلةٍ رادعةٍ لمحاربة كلّ أنواع الفساد والإنحراف ، في واقع الإنسان والمجتمع البشري في حركة الحياة.

والآن نعطف نظرنا إلى الروايات الإسلاميّة ، لنرى أهميّة هذه المسألة فيها :

أهميّة الأخلاق في الرّوايات الإسلاميّة :

لقد أولت الأحاديث الشّريفة لهذه المسألة أهمية بالغةً سواء كانت في الروايات الواردة عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم عن طريق الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، ونورد بعضاً منها :

١ ـ الحديث المعروف عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إِنّما بُعثتُ لأُتمَمَ مكارمَ الأخلاقِ» (١) .

وجاء في حديثٍ آخر :«إنّما بُعثتُ لأُتمَمَ حُسنَ الأخلاقِ» (٢) .

وجاء في آخر :«بُعثتُ بمكارمِ الأخلاقِ ومحاسِنها» (٣) .

ونرى أن كلمة «إنّما» تفيد الحصر ، يعني أنّ كلّ أهداف بعثة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تتلخص في التّكامل الأخلاقي.

٢ ـ وجاء في حديثٍ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حيث قال :

«لَو كُنّا لا نَرجو جنّةً ولا ناراً ولا ثواباً ولا عِقاباً ، لكان يَنبغي لَنا أن نُطالِبَ بِمكارمِ الأخلاقِ فإنّها ممّا تَدُلُّ على سبيلِ النجاحِ» (٤) .

__________________

١ ـ كنز العمّال : ج ٣ ، ص ١٦ ، ح ٥٢١٧٥.

٢ ـ المصدر السابق ، ح ٥٢١٨.

٣ ـ بحار الأنوار : ج ٦٦ ، ص ٤٠٥.

٤ ـ مستدرك الوسائل ، ج ٢ ، ص ٢٨٣ الطبعة القديمة.

١٣

يبيّن لنا هذا الحديث أهمية الأخلاق وفضائلها ، إذ هي ليست سبباً في النجاة في الاخرى فقط ، بل هي سبب لصلاح الدّنيا أيضاً ، (وسنتناول هذا البحث مفصّلاً في القريب العاجل إن شاء الله تعالى).

٣ ـ الحديث الآخر الذي ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث قال :

«جَعَلَ اللهُ سُبحانَهُ مكارمَ الأخلاقِ صِلةً بينه وبين عبادِهِ فحسب أَحدِكُم أَن يتمسّكَ بخُلقٍ مُتَّصلٍ باللهِ» (١) .

وبعبارةٍ اخرى : أنّ الباري تعالى هو المعلم الأكبر للأخلاق ، وهو مربّي النّفوس ، ومصدر لكلّ الفضائل ، والقرب منه تعالى لا يتمّ إلّا بالتّحلي بالأخلاق الإلهيّة.

وعلى هذا نرى أنّ كلّ فضيلةٍ يتحلى بها الإنسان ، تؤدي إلى تعميق العلاقة بينه وبين ربّه ، وتقربه من الذّات المقدّسة أكثر فأكثر.

وحياة المعصومينعليهم‌السلام كلّها تبيّن هذهِ المسألة ، فإنّهم كانوا دائماً يدعون إلى الأخلاق ، والتّحلي بالفضائل ، وهم القُدوة الحسنة في سلوك هذا الطريق ، وسنتطرق في المستقبل إلى نماذج من أخلاقيّاتهمعليهم‌السلام ، ويكفي شرفاً للرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّ الله تعالى نعته في سورة القَلم :

( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .(٢)

إشارات مهمة :

١ ـ تعريف علم الأخلاق

أخلاق جمعخُلق (على وزن قُفل) ، وخُلُق على وزن افُق ، وعلى حد تعبير الرّاغب في كتابه المفردات ، أنّ هاتين الكلمتين ترجعان إلى أصلٍ واحدٍ ، وهو«خلق» بمعنى الهيئة والشّكل الذي يراه الإنسان بعينه ، والخُلق بمعنى القوى والسّجايا الذاتية للإنسان.

ولذا يمكن القول بأنّ : «الأخلاق هي مجموعة الكمالات المعنويّة والسّجايا الباطنيّة

__________________

١ ـ تنبيه الخواطر ، ص ٣٦٢.

٢ ـ سورة القلم ، الآية ٤.

١٤

للإنسان» ، وقال بعض العلماء : إنّ الأخلاق أحياناً تُطلق على العمل والسّلوك ، الذي ينشأ من الملكات النفسانية للإنسان أيضاً ، (فالأولى الأخلاق الصفاتية والثانية السلوكيّة).

ويمكن تعريف الأخلاق من آثارها الخارجيّة أيضاً ، حيث يصدر أحياناً من الإنسان فعل إعتباطي ولكن عند ما يتكرّر ذلك العمل منه : (مثل البخل وعدم مساعدة الآخرين) ، يكون دليلاً على أنّ ذلك الفعل يمدّ جذوره في أعماق روح ذلك الإنسان ، تلك الجذور تسمى بالخُلق والأخلاق.

وفي ذلك قال«ابن مِسكَوَيه» ، في كتاب«تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق» : إنّ الخُلق هو تلك الحالة النفسانيّة التي تدعو الإنسان ، لأفعالٍ لا تحتاج إلى تفكّر وتدبّر»(١) .

وهو نفس ما إشار إليه المرحومالفيض الكاشاني في كتاب«الحقائق» ، حيث يقول : «إعلم أنّ الخُلق هو عبارة عن هيئة قائمة في النفس ، تصدر منها الأفعال بسهولة من دون الحاجة إلى تدبّر وتفكّر»(٢) .

وعليه قسمّوا الأخلاق إلى قسمين : الملكات التي تنبع منها الأعمال والسّلوكيات الحسنة وتسمى «الفضائل » ، واخرى تكون مصدراً للأعمال والسلوكيات السّيئة وتسمى الرذائل.

ومن هنا يمكن أن نعرّف علم الأخلاق بأنّه : «علمً يُبحَث فيه عن المَلكات والصّفات الحسنة والسيئة وآثارها وجذورها».

وبعبارة اخرَى : «علمٌ يُبحَث فيه عن اسس إكتساب هذهِ الصفات الحسنة ، وطُرق محاربة الصّفات السّيئة ، وآثارها على الفرد والمجتمع».

طبعاً وكما ذكرنا سابقاً ، يُطلق على الأعمال والأفعال النّابعة من هذهِ الصفات أحياناً«الأخلاق» ، فمثلاً الشّخص الذي يعيش في حالةٍ من الغضب والحدّة دائماً ، يقال عنه بأنّه ذو أخلاقٍ رديئةٍ ، وبالعكس عند ما يكون الشّخص كريماً ، فيقولون أنّ الشّخص الفلاني يتحلى بأخلاقٍ طيِّبةٍ ، وفي الحقيقة أن هذين الإثنين هما عِلّة ومعلول للآخر ، بحيث ، يطلق إسم أحداهما على الآخر.

__________________

١ ـ تهذيب الأخلاق ، ص ٥١.

٢ ـ الحقائق ، ص ٥٤.

١٥

وعرّف بعض الغربيين الأخلاق بما يُوافق تعاريفنا لها ، فمثلاً في كتاب : «فلسفة الأخلاق» ، لشخصٍ يدعى(جكسون) ، وهو أحد فلاسفة الغرب ، عرّف الأخلاق فيه بقوله : (علمُ الأخلاق عبارةٌ عن التّحقيق في سلوك الإنسان على الصورة التي ينبغي أن يكون عليها)(١) .

وللبعض مثل«فولكيه» ، رأي آخر في المسألة ، حيث عرّفوا علم الأخلاق بأنّه : (مجموعة قوانين السّلوك التي يستطيع الإنسان بواسطتها أن يصل إلى هدفه)(٢) .

هذا هو كلام اناس لا يعيرون للقيم الإنسانيّة أهميّة ، والمهم عندهم الوصول إلى الهدف كيفما كان وكيفما إتّفق ، إذ الأخلاق عندهم ليست إلّا وسيلةً تُمكّن الإنسان من الوصول إلى الهدف!.

٢ ـ علاقة الأخلاق بالفلسفة

الفلسفة في معناها ومفهومها الكلي ، تعني : معرفة العالم بما لدى الإنسان من قدرة ، وبهذا المعنى يمكن أن تدخل جميع العلوم تحت هذا المفهوم الكلّي ، بحيث نرى في الأعصار السّابقة والقديمة ، عند ما كانت العلوم محصورةً ومعدودةً كانت الفلسفة تلقي الضوء عليها جميعاً ، والفيلسوف كان له الباع الطويل في جميع العلوم ، وفي ذلك الوقت قسّمت الفلسفة إلى قسمين :

أ ـ الامور التي لا دخل للإنسان فيها ، والتي تستوعب جميع العالم ، عدا أفعال الإنسان.

ب ـ الامور التي تنضوي تحت إختيار الإنسان وله دخل فيها ، يعني أفعال الإنسان.

فالقسم الأول يسمّى بالحكمة النظريّة ، وتقسم إلى ثلاثة أقسام :

الفلسفة الاولى أو الحكمة الالهيّة : وهي التي تتناول الأحكام الكلية للوجود والمبدأ والمعاد.

٢ ـ الطّبيعيات : وفيها أقسام مختلفة.

__________________

١ ـ فلسفة أخلاق ، ص ٩.

٢ ـ الأخلاق النظريّة ، ص ١٠.

١٦

٣ ـ الرّياضيات : وهي أيضاً لها فروع متعددة.

وأما التي تتعلق بأفعال الإنسان ، فتسمى بالحكمة العمليّة ، وهي بدورها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

١ ـ الأخلاق والأفعال : التي تكون سبباً في سعادة أو ضلال الإنسان ، وتكون جذورها ومصدرها النفس الإنسانيّة.

٢ ـ تدبير المنزل : وكل ما يتعلق بالعائلة.

٣ ـ سياسة وتدبير المدن : والتي تتناول طرق إدارة المجتمعات البشرية.

وهكذا فقد أفردوا للأخلاق حقلها الخاص بها ، في مقابل (تدبير البيت) و (سياسة المدن). وعليه يمكن القول بأنّ علم الأخلاق هو فرع من :«الفلسفة العملية» أو«الحكمة العمليّة».

ولكنّ تعدد العلوم في عصرنا الحاضر دعى للفصل بينها ، وغالباً ما تأتي الفلسفة والحكمة ، والفلسفة بمعنى الحكمة النظريّة من نوعها الأوّل ، وهي الامور التي تتعلق بالعالم والكون وكذلك المبدأ والمعاد.

ويوجد اختلاف بين الفلاسفة ، في أيّهما أفضل :الحكمة النظريّة أمالحكمة العمليّة ، فقسم إدّعى الأفضلية للُاولى ، وقسم آخر إدّعى الأفضلية لِلثانية ، وعند التّدقيق في مدّعاهم نرى ، أنّ الإثنين على حق وهذا ليس بحثنا الآن.

وسنتعرض لعلاقة الأخلاق بالفلسفة ، في موارد اخرى في المستقبل ، إن شاء الله تعالى.

٣ ـ علاقة الأخلاق بالعِرفان

أمّا بالنسبة لعلاقة (الأخلاق) ب (العرفان) و (السير والسلوك إلى الله) ؛ فيمكن القول أنّالعرفان أكثر ما ينظر للمعارف الإلهيّة ، ولكن ليس عن طريق العلم والإستدلال ، بل عن طريق الشّهود الباطني ، بمعنى أنّ قلب الإنسان يجب أن يكون كالمرآة الصافية ، لدرجةٍ يستطيع فيها أن يرى الحقيقة لتزول عنه الحُجب ، وليرى بقلبه الذّات الإلهيّة وأسمائه وصفاته ، ومنها يصل إلى العشق الإلهي الحق.

١٧

وبما أنّ علم الأخلاق ، له اليد الطُولى في المساعدة على دفع ورفع الرذائل ، والتي هي بمثابة الحُجب على القلوب ، فمن البديهي أن تكون الأخلاق من اسس ومقدمات العرفان الإلهي.

وأما«السّير والسّلوك إلى الله» ، والذي يكون هدفه النّهائي هو معرفة الله والقرب منه ، فهو في الحقيقة مجموعة من «العرفان» و «الأخلاق» ، فما كان من«السّير والسّلوك الباطني» ، فهو نوع من «العرفان» ، الذي يوصل الإنسان يوماً بعد يوم للذات الإلهيّة ، ويرفع عن قلبه الحجب والأدران ، ويمهد الطّريق إليه ؛ وما كان من«السّير والسّلوك الخارجي» : فهو نفس الأخلاق التي تهدف لتهذيب النفوس ، وليس فقط لأجل الحياة الماديّة المرفّهة.

٤ ـ علاقة العلم بالأخلاق

بالنّسبة للآيات السّابقة وكما ذكرنا أنّ القرآن الكريم ، أتىب : «تعليم الكتاب والحكمة» إلى جانب :«التزكية والتّهذيب الأخلاقي» ، فتارةً يقدِّم «التّزكية» على «التّعليم» ، واخرىُ يقدِّم «التعليم» على التزكية ، وهو أمر يُبيّن مدى العلاقة الوثيقة التي تربط بين الإثنين.

وهذا يعني أنّ الإنسان ، عند ما ينفتح على المعرفة ، وتكون لديه خبرةٌ بالأعمال الحسنة والسيئة ، ويعرف عواقب «الفضيلة» و «الرذيلة» ، فممّا لا شك فيه أنّها ستؤثر في تربيته ، بحيث يمكن القول أنّ كثيراً من الرذائل ناتجة من عدم الإطّلاع والفهم. ومن ذلك يمكن القول ؛ أنَّه إذا ما إستطعنا أن ننهض بالمستوى العلمي للأفراد ، وبعبارةٍ اخرى : إذا أمكننا نشر الثقافة بين الناس ، فستحل الفضائل مكان الرّذائل ، وإن كان هذا الأمر ليس كليّاً.

ومع الأسف الشديد ، نرى أنّ البعض بالغوا فيها لدرجة الإفراط والتّفريط.

فبعض إتّبعوا الحكيم سُقراط اليوناني ، حيث كان يعتقد بأنّ العلم والحكمة هي منشأ الأخلاق الحميدة ، والرّذائل الأخلاقيّة منشؤها الجهل ، ولذلك فإنّه كان يعتقد أيضاً أنّه ولأجل محاربة الفساد والرّذائل الأخلاقية وإحلال الفضائل الأخلاقية محلّها ، يجب العمل على رفع المستوى العلمي للمجتمع ، وبالتّالي تتساوى (الفضيلة) مع (المعرفة).

١٨

هؤلاء يدّعون أنّه لا يوجد إنسان يتجه نحو الرّذيلة وهو على علم بها ، وإذا ما شخّصَ الإنسان الفضيلة فسوف لن يتركها ، ولذلك يتوجّب علينا كسب العلم ، ومعرفة الخير وتمييزه من الشر لنا ولغيرنا ، كي تزرع في نفوسنا بذور الفضائل الأخلاقية!.

وفي المقابل يوجد من ينفي هذهِ العلاقة بين الإثنين بالكامل ، لأنّ العلم والذكاء للإنسان المجرم سيكون عاملاً مساعداً له في إرتكاب جرائم أخطر ، وعلى حدّ تعبير المثل الذي يقول :(إذا كان مع اللص مصباحاً فانه سوف ينتفي البضائع الجيدة).

ولكن الحق والإنصاف أنّه ليس بإمكاننا نفي تأثير العلم بالكامل ، ولا نفي معلولية أحداهما للاخر.

والشّاهد على ذلك المُثل الحيّة التي نراها في المجتمع ، فكثيراً ما شاهدنا اناساً كانوا يفعلون الرذائل ، وعند ما أدركوا قبح فعالهم ونتائجها السيئة ، أقلعوا عنها وإتجهوا نحو الفضائل ، ووجدنا هذا الأمر حتى في وقتنا الحاضر هذا.

وفي المقابل نعرف أشخاصاً عندهم المعرفة التامة بالخير والشرّ ، ولكنهم يُصرّون على الشرّ وهو متأصل في نفوسهم.

وكلّ ذلك لأنّ الإنسان لديه بُعدان : بعد العلم والادراك وبُعد عملي ، وهو الميول والغرائز والشّهوات ، ولأجل ذلك فساعةً يميل الى هذا ، وساعةً يُرجحُ ذلك.

والذي يقول بأحد القولين ، فانه يفترض أنّ الإنسان فيه بُعدٌ واحد لا أكثر ، ويغفل عن وجود البعد الآخر.

ونشير هنا إلى الآيات القرآنية التي وردت في هذا الباب ، والتي أكدت على التّأثير المتبادل بين عُنصر الجهل وسوء العمل ، قال تعالى :

( أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ؛ ) (١) .

ويوجد شبيه لهذا المعنى في سورة النساء : الآية (١٧) ، وسورة النحل : الآية (١١٩).

ومن البديهي أنّ الجهل المذكور ليس هو الجهل المطلق الذي لا يوائم التوبة ، بل هو مرتبةٌ من مراتب الجهل ، فإذا إرتفع فسوف يهتدي الإنسان بعدها للطّريق القويم.

__________________

١ ـ سورة الأنعام ، الآية ٥٤.

١٩

وذكرنا في الجزء الأول من دورة نفحات القرآن أنّ الجهل هو السبب لكثير من الضلالات ، فهو ـ الجهل ـ سبب للكفر وإشاعة الفساد والتعصب والعناد والتقليد الأعمى والفُرقة وسوء الظّن والجسارة وقلّة الأدب ، وفي واحدةٍ يمكن القول ، أنّ الجهل عامل لإفساد كثير من القِيم(١) .

ومن جهة اخرَى تُصرِّح الآيات الشريفة بوجود حالة العناد في الإنسان ، مع علمه بأنّه يتحرك في طريق الظّلم والطغيان ، مثل آل فرعون ، حيث يتحدث عنهم القرآن الكريم :

( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا ) (٢) .

وكذلك ما ورد بالنسبة إلى بعض أهل الكتاب ، كما قال الباري تعالى :( وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٣) .

وورد هذا المعنى في ما بعدها من الآيات(٤) .

وقد يكون المراد من الآية هو موضوع الكَذب ، ولكنّه أيضاً يؤيّد مدّعانا ، لأنّ قبح الكذب حكم به العقل والشّرع ، وهو من الامور الواضحة التي لا تخفى على أحد.

فالحقائق والتجارب أثبتت ، أنّ المعرفة والعلم بنتائج الأخلاق الرذيلة على الفرد والمجتمع ، يمكنه أن يكون في كثير من الموارد ، عاملاً مهماً في ردع الإنسان عن غيّه والرّجوع إلى ساحة الصّواب ، ولكن ومن جهة اخرَى ، أيضاً نجد أنّ هناك من يعرف الرّذيلة حقَّ معرفتها ؛ ولكنه يُصرّ عليها ويعاند على سلوك طريق الإنحراف ، والطريقة الوسطى في الحقيقة هي الجادّة وتنطبق على الواقع أكثر.

__________________

١ ـ نفحات القرآن ، الدّورة الاولى ، ج ١ ص ٨٦ ـ ٩٨.

٢ ـ سورة النّمل ، الآية ١٤.

٣ ـ آل عمران ، الآية ٧٥.

٤ ـ سورة آل عمران ، الآية ٧٨.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345