الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان حفيده الإمام زين العابدين عليه السلام

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان حفيده الإمام زين العابدين عليه السلام0%

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان حفيده الإمام زين العابدين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 155

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان حفيده الإمام زين العابدين عليه السلام

مؤلف: السيّد محسن الحسيني الأميني
تصنيف:

الصفحات: 155
المشاهدات: 23066
تحميل: 3222

توضيحات:

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان حفيده الإمام زين العابدين عليه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 155 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23066 / تحميل: 3222
الحجم الحجم الحجم
الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان حفيده الإمام زين العابدين عليه السلام

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان حفيده الإمام زين العابدين عليه السلام

مؤلف:
العربية

وأَدْأَبَ نَفْسَهُ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَتِكَ ،

وَأَتْعَبَهَا بِالدُّعٰاءِ إِلَىٰ مِلَّتِكَ ،

وَشَغَلَهَا بِالنُّصْحِ لِأهْلِ دَعْوَتِكَ ،

«دأب الرجل في عمله» ـ كمنع ـ إجتهد ، وأدأب نفسه وأجيره : أجهدهما.

و «التبليغ والإبلاغ» الإيصال ، والاسم : البلاغ بالفتح.

و «في» للتعليل.

و «الرسالة» بالكسر لغة : اسم من الإرسال وهو التوجيه ، وعرفاً : تكليف الله تعالى بعض عباده بواسطة ملك يشاهده ويشافهه أن يدعو الخلق إليه ويبلّغهم أحكامه ، وقد تطلق على نفس الأحكام المرسل به كما وقع هنا.

و «الملة» ـ بالكسر ـ لغة : الطريقة المسلوكة ، وإصطلاحاً : الطريقة الإلٰهيّة المجتمعة عليها المثبتة للأحكام المتضمّنة لمصالح العباد وعمارة البلاة والنجاة في المعاد ، والملّة والشريعة والدين متّحدة ذاتاً ومختلفة إعتباراً ، فإنّ الطريقة الإلٰهيّة من حيث أنّها يجتمع عليها تسمى ملّة ، ومن حيث إظهار الله تعالى لها تسمّىٰ شريعة ، ومن حيث أنّه يطاع بها تسمّىٰ ديناً ، واجهاد الرسول صلى الله عليه واله نفسه في تبليغ الرسالة ، وإتعابه لها في الدعاء إلى الملّة من وجوه :

إحدها : مقاساته للمتاعب الكثيرة والمكاره الشديدة من المشركين في بدء دعوته حتّى قال : «ما أوذى نبي مثل ما اُوذيت»(١) .

وقال أميرالمؤمنين عليه السلام مشيراً إلى ذلك : «خاض إلى رضوان الله تعالى

__________________

١ ـ الجامع الصغير : ج ٢ ، ص ١٤٤.

٨١

كلّ غمرة ، وتجرّع فيه كلّ غُصة ، وقد تلوّن له الأدنون وتألّب عليه الأقصون ، وخلعت إليه العرب أعنّتها ، وضربت إلى محاربته بطون رواحلها ، حتّى أنزلت بساحته عداوتها من أبعد الدار وأسحق المزار»(١) .

الثاني : شدّة حرصه على رجوع الخلق إلى الحقّ ، ومبالغته في دعوتهم إليه ، وكمال الإهتمام بشأنهم وكثرة تأسّفه وتحسّره على عدم إيمانهم ، حتّى خاطبه ربّه بقوله تعالى : «لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ »(٢) أي أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على أن لا يؤمنوا.

وبقوله تعالى : «فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا »(٣) شبّهه برجل الذي فارقه أعزّته وهو يتلهّف على آثارهم ، ويهلك نفسه حسرة وتأسّفا على فراقهم.

وقال له : «فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ »(٤) .

الثالث : معالجته للأمراض النفسانيّة ، وإزالته للأعراض الظلمانيّة من نفوس الجهّال وقلوب أهل الزيغ والضلال ، فإنّ النفوس الجاهلة وان كانت في أوّل الفطرة قابلة لنور العلم وظلمة الجهل ، لكنّها بمزاولة آلأعمال السيّئة والأفعال الشهويّة والغضبيّة صارت كالبهائم والسباع مظلمة الذوات ، ورسخت فيها الجهالات والأخلاق الحيوانيّة والدواعي السبعيّة ، فيحتاج معالجتها إلى جهد جهيد ، وعناء شديد ، حتّى

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٠٧ ، الخطبة : ١٩٤.

٢ ـ الشعراء : ٣.

٣ ـ الكهف : ٦.

٤ ـ فاطر : ٨.

٨٢

يزيل عنها ظلمة الجهل ويجعلها قابلة لنور العلم ، فيفيض عليها الحقائق العلميّة والمعارف اليقينيّة ، هذا مع تفاوت مراتب الأذهان في قبول التعليم ، وتباين الفطن والأفهام في الإستعداد للتفهيم ، وفي ذلك من التعب والمشقّة ما لا خفاء به ، ألا ترى أنّ طبيب البدن يشقّ عليه علاج الأمراض الصعبة كحمى الدق والسل ، والمرض المزمن ما لا يشقّ عليه غيرها ، خصوصاً إذا كثرت عليه المرضى واختلفت أمزجتهم في قبول الدواء ، فإنّ الأنبياء عليهم السلام ومن يقوم مقامهم أطبّاء النفوس المبعثون لعلاج أمراضها ، كما أنّ الحكماء أطبّاء الأبدان المخصوصون بمداواتها لغاية بقائها على صلاحها أو رجوعها إلى العافية من أمراضه.

رئي المسيح عليه السلام خارجاً من بيت فاجرة مجاهرة بالفجور ، فقيل : يا روح الله ما تصنع ها هنا؟ فقال : إنّما يأتى الطبيب المرضى(١) .

الرابع : إشتغاله حال التبليغ والدعوة بالخلق عن الخلق ، والإلتفات من المقام الأسنى إلى المقام الأدنى ، فإنّه صلى الله عليه واله لمّا كان دائم التوجّه إلى الملأ الأعلى ، مستغرقا في الإلتفات إليه ، مرتبطاً به أشدّ الإرتباط ، مقبلاً عليه وكان مع ذلك منصوباً لتشريع الشريعة ، وتأسيس الملّة ، وإرشاد الخلائق ، وإفادة الحقائق ، لم يكن له بدّ من النزول عن ذلك المقام العلوي إلى هذا العالم السفلي ، فكان يجد عند ذلك من الجهد والتعب والمشقّة والنصب ما لا مزيد عليه ، ومن هنا قال صلى الله عليه واله : «إنّه لَيُغَان على قلبي وإنّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرّة»(٢) .

قوله عليه السلام : «وشغلها بالنصح لأهل دعوتك» الشغل بالضمّ وبضمتين :

__________________

١ ـ لم نعثر عليه.

٢ ـ سنن أبي داود : ج ٢ ، ص ٨٤ ، ح ١٥١٥.

٨٣

خلاف الفراغ ، وشغله ـ كمنعه ـ ، شغلاً بالفتح ، ويضم ولا تقل : أشغله إشغالاً فإنّها لغة متروكة أو رديّة.

ومما يحكى من أدب الصاحب بن عباد رحمه الله ، إنّ بعض العمّال كتب إليه : إن رأى مولانا أن يأمر بإشغالى ببعض أشغاله ، فوقع تحت الرقعة : من كتب إشغالى لا يصلح لأشغالى.

ويقال : «اشتغل» بأمره فهو «مشتغل» بالبناء للفاعل نصّ عليه الأزهري(١) وغيره. وقال ابن فارس : ولا يكادون يقولون : «أشتغل» وهو جائز ، يعنى بالبناء للفاعل(٢) .

و «النصح» بالضمّ مصدر نصح له من باب ـ منع ـ ، هذه اللغة الفصيحة ، وعليها قوله تعالى : «إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ »(٣) وفي لغة يتعدّى بنفسه ، فيقال : نصحته ، والاسم : النصيحة ، وهي كلمة جامعة ، ومعناها : حيازة الخير للمنصوح له ، من نصحت العسل إذا صفّيته من الشمع ، شبّهوا تخليص العقول من الغشّ بتخليص العسل من الشمع.

وقال الراغب : أصلها من نصحت الثوب إذا خطته ، وهي إخلاص المحبّة لغيرك في إظهار ما فيه صلاحه إنتهى(٤) .

والمراد بنصحه صلى الله عليه واله لهم : إرشادهم إلى مصالح دينهم ودنياهم ، وتعليمهم إيّاها ، وعونهم عليها ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، والذبّ عنهم وعن أعراضهم ، والسخاء عليهم بموجوده ، والإيثار لهم و

__________________

١ ـ المصباح المنير : ص ٣١٦.

٢ ـ المصباح المنير : ص ٣١٦.

٣ ـ هود : ٣٤.

٤ ـ المفردات : ص ٤٩٤ ، مع اختلاف يسير في العبارة.

٨٤

حسن الخلق معهم ، واغتفار سيّئاتهم وإكرامهم على حسناتهم والدعاء لهم ، وبالجملة جلب خير الدنيا والآخرة إليهم خالصاً مخلصاً لوجه الله ، ومن ثم قيل : النصيحة في وجازة لفظها وجميع معانيها كلفظ الفلاح الجامع لخير الدنيا والآخرة.

و «الدعوة» ـ بالفتح ـ : اسم من الدعاء وما دعوت إليه من طعام وشراب يقال : نحن في دعوة فلان ، والمراد بها هنا : الدعوة التي نسبها الله تعالى إلى نفسه في قوله سبحانه : «لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ »(١) . عن ابن عباس : «دعوة الحق : قول لا إلٰه إلّا الله»(٢) .

قيل : وإنّما سمّيت دعوة لأنّها التي يدعى إليها أهل الملل الكافرة.

وقيل : الدعوة : العبادة ، فإنّ عبادته تعالى هي الحق والصدق.

وقيل : هي بمعنى الدعاء الحق : أي الدعوة الثابتة الواقعة في محلّها المجابة عند وقوعها. وإضافتها إلى الحقّ ، للإيذان بملابستها له واختصاصها به وكونها بمعزل عن شائبة الباطل ، كما يقال : كلمة الحقّ.

قال الزجاج : وجائز أن يكون ـ والله أعلم ـ دعوة الحق أنّه من دعا الله تعالى موحّداً استجيب له دعاؤُه(٣) إنتهى.

فالمراد بقوله عليه السلام لأهل دعوتك : إمّا أهل توحيدك ، أو أهل عبادتك ، أو أهل دعائك ، ويحتمل : أن يكون من قبيل الإضافه إلى الفاعل ، أي الذين دعوتهم فأجابوا دعوتك وعلى كلّ وجه فالمراد بهم : المسلمون كما يقتضيه تشريفهم باضافتهم إلى الدعوة المضافة إليه.

__________________

١ ـ الرعد : ١٤.

٢ ـ مجمع البيان : ج ٥ ـ ٦ ، ص ٢٨٣.

٣ ـ لسان العرب : ج ١٤ ، ص ٢٥٨.

٨٥

قال بعضهم : ولا يبعد أن يراد بتبليغ الرسالة : مطلق الرسالة دون تبين الأحكام الأُصوليّة والفروعيّة ، وبالدعاء إلى الملّة : تبليغ الأحكام الأصولية كما يشعر به لفظ الملّة ، وبالنصح لأهل الدعوة : تبليغ الأحكام المفصّلة الشرعيّة الفرعيّة كما يشعر به لفظ النصح ، هذا كلامه والله أعلم.

* * *

٨٦

وَهَاجَرَ إِلَىٰ بِلاَدِ الْغُرْبَةِ وَمَحَلِّ النَّأيِ

عَنْ مَوْطِنِ رَحْلِهِ ، وَمَوضِعِ رِجْلِهِ

وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ وَمَأْنَسِ نَفْسِهِ ،

«هاجر مهاجرة» : إذا خرج من أرض إلى أرض ، والاسم : الهجرة بالكسر ، والضم قليل.

قال الواحدي : المهاجر : الذي فارق عشيرته ووطنه ، وأصله من الهجر الذي هو ضد الوصل(١) .

و «البلاد» ـ بالكسر ـ : جمع بلدة مؤنث بلد. وهو من الأرض ما كان مأوىٰ للإنسان وإن لم يكن فيه بناء ، وجمعه : بلدان بالضمّ.

و «الغربة» ـ بالضمّ ـ : البعد والنوى ، غرب الشخص بالضمّ غرابة كشرف شرافة : بَعُدَ عن وطنه ، فهو غريب فعيل بمعنى فاعل. وغرّبته أنا تغريباً ، فتغرّب واغترب وغرّب بنفسه أيضا تغريباً ، وأغرب بالألف : دخل في الغربة.

و «النأي» ـ بالهمز ـ : البعد ، نأي نأياً من باب ـ نفع ـ : بَعُدَ ، ويتعدّى بنفسه وبالحرف وهو الأكثر ، فيقال : نأيته ونأيت عنه ، ويتعدّى بالهمزة إلى ثان ، فيقال : أنأيته عنه ، والمراد ببلاد الغربة ومحلّ النأي : مهاجره صلى الله عليه واله وهو المدينة المنوّرة وجمعيّة البلاد باعتبار ما حولها من القرى.

وقوله : «عن موطن رحله» متعلّق بهاجر ، ويحتمل تعلّقه بالنأي.

و «الموطن» : الوطن ، وهو مكان الإنسان ومقرّه.

و «الرحل» ـ بفتح الراء وسكون الحاء المهملتين ـ : مركب للبعير وما يستصحبه المسافر من الأثاث.

__________________

١ ـ تهذيب الأسماء واللغات : الجزء الثاني من القسم الثاني ، ص ١٧٩.

٨٧

و «رحل الشخص» : مأواه ومنزله في الحضر ، ومنه : «إذا ابتلّت النعال فالصّلاة في الرحال»(١) .

وإنّما قيل لأمتعة المسافر : «رحل» ، لأنّها مأواه في السفر.

والمراد به هنا : إمّا رحل البعير ، أو أثاث المسافر ، فيكون موطن رحله : كناية عن مكان إقامته كما يقال : محطّ رحله وملقى رحله ، وفلان حطّ رحله وألقىٰ رحله ، أي أقام وإن لم يكن له رحل ، أو مأواه ومنزله ، أي الموطن الذي فيه مأواه مسكنه.

و «موضع رجله» : كناية عن منشئه ومرباء ، لأنّه أوّل موضع وضع فيه رجله حين نشأ وأخذ يمشي ، كما أنّ مسقط رأسه كناية عن مولده.

و «المسقط» ـ كمعقد ومنزل ـ : موضوع السقوط ، وسقط الولد من بطن أُمّه : خرج. وإنّما أُضيف المسقط إلى الرأس؛ لأنّ أوّل ما يسقط من الولد رأسه ، يقال : هذا البلد مسقط رأسي ، قال الشاعر :

خرجنا جميعاً من مساقط رؤوسنا

على ثقة منّا بجود ابن عامر

ولا ينافي ذلك ما ورد في بعض الأخبار : «إنّ من خصائصه صلى الله عليه واله أنّه وقع على قدميه حين الولادة لا على رأسه تكريماً له وتعظيما»(٢) . لأنّ مسقط رأس الرجل صار كناية عن مولده سواء ولد على رأسه أو على رجليه بناء على الغالب عند الولادة.

على أنّ المشهور : إنّه عليه السلام وقع على الأرض معتمداً على يديه رافعاً رأسه إلى السماء(٣) . والله أعلم.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ٣ ، ص ٤٧٨ ، ح ٤.

٢ ـ السيرة الحلبيّة : ج ١ ، ص ٥٤.

٣ ـ بحار الأنوار : ج ١٥ ، ص ٢٩٧ ، ح ٣٦.

٨٨

و «المأنس» ـ بفتح العين وكسرها ـ : محلّ الأُنس بالضمّ ، وهو ضد الوحشة ، أي المحلّ الذي كانت تأنس به نفسه.

والمراد بموطن رحله إلى آخره : مكّة شّرفها الله تعالى ، وقد كان يعزّ عليه صلوات الله عليه فراقها ، والهجرة عنها.

روي : إنّه لمّا خرج منها مهاجراً إلتفت إليها فظنّ أنّه لا يعود إليها ولا يراها بعد ذلك فأدركته رقّة وبكىٰ ، فأتاه جبرئيل عليه السلام وتلا عليه قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ »(١) (٢) .

وقيل : نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجرته ، وقد إشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم عليه السلام ، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال له : أتشتاق إلى مكّة؟ قال : نعم ، فأوحاها إليه(٣) .

وروى عبد الله بن الحمراء : «إنّه سمع رسول الله صلى الله عليه واله وهو واقف على راحلته يقول مخاطباً مكّة : «والله إنّك لخير أرض الله ، وأحبّها إلى الله ، ولو لا إنّي اُخرجت منك ما خرجت»(٤) .

تبصرة

قيل : في هذه الفقرات إشارة إلى أنّ مكّة شرّفها الله أفضل من سائر البقاع ، لأنّه صلى الله عليه واله أفضل الأنبياء ، فينبغي أن يكون موطنه ومنشأه ومولده ومأنسه أفضل الأماكن. وقد اختلف العلماء من العامّة في التفضيل بين مكّة والمدينة.

__________________

١ ـ القصص : ٨٥.

٢ ـ مجمع البيان : ج ٧ ـ ٨ ، ص ٢٦٨ ، نقلاً بالمعنى.

٣ ـ الدر المنثور : ج ٥ ، ص ١٣٩.

٤ ـ معجم البلدان : ج ٥ ، ص ١٨٣.

٨٩

فذهب جمهورهم إلى أفضليّة المكّة ، وبعضهم إلى أفضليّة المدينة ، ولكلّ من الفريقين حجج عقليّة ونقليّة يطول ذكرها ، وأجمعوا على أنّ الموضع الذي ضمّ أعضاءه الشريفة أفضل بقاع الأرض.

والمستفاد من أحاديث أهل البيت عليهم السلام : أن مكّة أفضل من سائر الأرض ، وأنّ الصّلاة في المسجد الحرام أفضل من الصّلاة في مسجد النبي

امّا كون مكّة أفضل من سائر الأرض فيدلّ عليه ما رواه : رئيس المحدّثين في الفقيه بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أحبّ الأرض إلى الله مكّة ، وما تربة أحبّ إلى الله من تربتها ، ولا حجر أحبّ إلى الله من حجرها ، ولا شجر أحبّ إلى الله عزّوجلّ من شجرها ، ولا جبل أحبّ إلى الله من جبالها ، ولا ماء أحبّ إلى الله من مائها(١) .

وأمّا كون الصّلاة في المسجد الحرام أفضل من الصّلاة في مسجد النبي صلى الله عليه واله فيدلّ عليه صريحاً مارواه : رئيس المحدّثين أيضا في كتاب ثواب الأعمال بإسناده عن مسعد بن صدقة : عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : صلاة في مسجدي تعدل عند الله عشرة آلاف صلاة في غيره من المساجد إلّا مسجد الحرام فإنّ الصّلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة(٢) . وفي هذا المعنى أخبار أخر.

وقال شيخنا الشهيد قدس سره في الدروس : مكّة أفضل بقاع الأرض ما عدا قبر رسول الله صلى الله عليه واله وروي : في كربلا على ساكنيها السلام. مرجّحات(٣) . والأقرب أن موضع قبور الأئمة عليهم السلام كذلك أما البلدان

__________________

١ ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ، ص ١٥٧ ، ح ٦٧٦/٧.

٢ ـ ثواب الأعمال : ص ٣٠ ، ح ١ ، باب ثواب الصّلاة في مسجد النبي صلى الله عليه واله.

٣ ـ الكافي : ج ٤ ، ص ٥٨٧ ، ح ٦.

٩٠

التي هم فيها فمكة أفضل منها حتّى المدينة(١) .

وروى صامت عن الصادق عليه السلام : «إن الصّلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة»(٢) .

ومثله رواية السكوني عنه ، عن آبائه عنه عليه السلام(٣) .

واختلفت الروايات في كراهة المجاورة بها واستحبابها والمشهور الكراهة. إمّا لخوف الملالة وقلّة الإحترام. وإمّا لخوف ملابسة الذنوب بها أعظم ، وقال الصادق عليه السلام : كلّ الظلم فيها إلحاد حتّى ضرب الخادم(٤) . ولذلك كرّه الفقهاء سكنى مكّة. وإمّا ليدوم شوقه إليها إذا أسرع خروجه منها ولهذا ينبغي الخروج منها عند قضاء المناسك

وروي : أنّ المقام بها يقسّي القلب(٥) .

والأصحّ : استحباب المجاورة بها للواثق من نفسه بعدم هذه المحذورات لما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام : من جاور بمكة سنة غفر الله له ذنبه ولأهل بيته ولكلّ من استغفرله ولعشيرته ولجيرانه ذنوب تسع سنين قد مضت وعصموا من كلّ سوء أربعين ومائة سنة(٦) .

وروي أنّ الطاعم بمكّة كالصائم فيها سواها ، وصيام يوم بمكّة يعدل صيام سنة فيما سواها(٧) .

__________________

١ ـ الدروس للشهيد : ص ١٣٩.

٢ ـ الكافي : ج ٤ ، ص ٥٢٦ ، ح ٥.

٣ ـ الكافي : ج ٤ ، ص ٥٢٦ ، ح ٦.

٤ ـ الكافي : ج ٤ ، ص ٥٢٧ ، ح ٢.

٥ ـ علل الشرائع : ص ٤٤٦ ، ح ٣.

٦ ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ، ص ١٤٦ ، ح ٦٤٦/٩٦.

٧ ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ، ص ١٤٦ ، ح ٦٤٥/٩٥.

٩١

ومن ختم القرآن بمكّة من جمعة إلى جمعة أو أقل أو أكثر كتب الله له من الأجر والحسنات من أوّل جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون ، وكذلك إن ختمه في سائر الأيّام(١) .

وقال بعض الأصحاب : إن جاور للعبادة استحب ، وإن كان للتجارة ونحوها كُره ، جمعاً بين الروايات.

وروى محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليه السلام : لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكّة سنة(٢) .

وفيها إشارة إلى التعليل بالملل وأنّه لا يكره أقلّ من سنة(٣) .

* * *

__________________

١ ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ، ص ١٤٦ ، ح ٦٤٤/٩٤.

٢ ـ علل الشرايع : ص ٤٤٦ ، ح ٤.

٣ ـ الدروس للشهيد : ص ١٣٩.

٩٢

إرَادَةً مِنْهُ لإِعْزَازِ دِينِكَ ، و

اسْتِنْصَاراً عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِكَ.

«الإرادة» : هي العزم على الفعل أو الترك بعد تصوّره وتصوّر الغاية المترتّبة عليه من خير أو نفع أو لذّة أو نحو ذلك ، وهي : أخصّ من المشيئة ، لأنّ المشيئة إبتداء العزم على الفعل ، فنسبتها إلى الإرادة نسبة الضعف إلى القوّة ، والظنّ إلى الجزم ، فإنّك ربما شئت شيئاً ولا تريده لمانع عقليّ أو شرعيّ.

وأمّا الإرادة فمتى حصلت صدر الفعل لا محالة ، وقد يطلق كلّ منهما على الاُخرى توّسعاً.

وإنتصابها على المفعول لأجله : أي هاجر لأجل إرادته.

«إعزاز دينك» : أي لتقويته ، من العزة بمعنى الشدّة والقوّة.

قال في المحكم : عززت القوم وأعززتهم وعزّزتهم : قوّيتهم ، وفي التنزيل : «فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ »(١) أي فقوّينا وشدّدنا(٢) إنتهى.

أو لإكرام دينك من عزّ علّي يعزّ عزّاً وعزّة وعزازة : كرم ، وأعززته : أكرمته.

و «الدين» ـ في اللغة ـ : الطاعة ، وفي العرف الشرعي : هو الشريعة الصادرة بواسطة الرسل عليهم السلام ، ولمّا كان إتّباع الشريعة طاعة مخصوصة كان ذلك تخصيصاً من الشارع للعام بأحد مسمّياته ، ولكثره إستعماله صار حقيقة دون سائر المسمّيات ، لأنّه المتبادر إلى الفهم حال إطلاق لفظة الدين.

__________________

١ ـ يس : ١٤.

٢ ـ المحكم في اللغة لإبن سيده : ج ١ ، ص ٣٣.

٩٣

و «الإستنصار» طلب النصرة ، إستنصره وإستنصر به فنصره على عدوّه : أعانه وقوّاه.

وقوله عليه السلام «بك» : يحتمل تعلّقه به وبالكفر ، إذ يقال : كفره وكفر به.

والمراد بأهل الكفر : أهل الملل المتفرّقة والأهواء المنتشرة الذين كانوا عند مقدمه صلى الله عليه واله كما قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : بعث الله محمّداً صلى الله عليه واله لإنجاز عدته ، وتمام نبوّته ، مأخوذاً على النبيين ميثاقه ، مشهورة سماته ، كريماً ميلاده ، وأهل الأرض يومئذٍ ملل متفرّقة ، وأهواء منتشرة ، وطرائق متشتّة ، بين مشبّه لله بخلقه ، أو ملحد في إسمه ، أو مشير إلى غيره ، فهداهم به من الضلالة ، وأنقذهم بمكانه من الجهالة(١) .

قال بعض العلماء : إعلم أن الخلق عند مقدمه صلى الله عليه واله إمّا من عليه اسم الشرائع ، أو غيرهم.

أمّا الأوّلون : فاليهود والنصارى والمجوس ، وقد أديانهم إظمحلّت من أيديهم ، وإنّما بقوا متشبّهين بأهل الملل ، وقد كان الغالب عليهم دين التشبيه ومذهب التجسّم ، كما حكى القرآن الكريم عنهم : «وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ »(٢) ، «وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ »(٣) .

والمجوس أثبتوا أصلين أسندوا إلى أحدهما : الخير وإلى الثاني : الشرّ ، وسمّوهما : النور والظلمة ، وبالفارسيّة : يزدان وأهرمن ، ثم زعموا أنّه جرت بينهما محاربة ، ثم إنّ الملائكة توسّطت وأصلحت بينهما علىٰ أن

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٤٤ ، الخطبة ١.

٢ ـ المائدة : ١٨.

٣ ـ التوبة : ٣٠.

٩٤

يكون العالم السفلي خالصاً لأهر من الذي هو الظلمة ، سبعة آلاف سنة ، ثم يخلّي العالم ويسلّمه إلى يزدان الذي هو النور ، إلى غير ذلك من هذيانهم وخبطهم.

وأمّا غيرهم من أهل الأهواء المنتشرة والطرائق المتشتّة فمنهم : العرب أهل مكّة وغيرهم ، وقد كانت منهم معطّلة ، ومنهم محصّلة نوع تحصيل. أمّا المعطلة : فصنف منهم أنكروا الخالق والبعث والإعادة ، وقالوا : بالطبع المحيي والدهر المفني ، وهم الذين حكى القرآن عنهم : «وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ »(١) وقصروا الموت والحياة على تحلّل الطبائع المحسوسة وتركّبها ، فالجامع هو الطبع ، والمهلك هو الدهر : «وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ »(٢) .

وصنف منهم : أقرّوا بالخالق وإبتداء الخلق عنه ، وأنكروا البعث والإعادة ، وهم المحكيّ عنهم في القرآن الكريم : «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ »(٣)

وصنف منهم : إعترفوا بالخالق ونوع من الإعادة ، لكنّهم عبدوا الأصنام وزعموا أنّها شفعاؤهم عند الله كما قال تعالى : «وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ »(٤) .

__________________

١ ـ الجاثية : ٢٤.

٢ ـ الجاثية : ٢٤.

٣ ـ يس : ٧٨ ـ ٧٩.

٤ ـ يونس : ١٨.

٩٥

ومن هٰؤلاء : قبيلة ثقيف وهم أصحاب اللات بالطائف وقريش ، وبنو كنانة ، وغيرهم أصحاب العزّى.

ومنهم : من كان يجعل الأصنام على صور الملائكة ويتوجّه بها إلى الملائكة.

ومنهم : من كان يعبد الملائكة كما قال تعالى : «بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ»(١) .

وأمّا المحصّلة : فقد كانوا في الجاهلية على ثلاثة أنواع من العلوم.

أحدها : علم الأنساب والتواريخ والأديان.

والثاني : علم تعبير الرؤيا.

والثالث : علم الأنواء ، وذلك ممّا يتولّاه الكهنة والقافة منهم.

وعن النبي صلى الله عليه واله : «من قال : مطرنا بنوء كذا فقد كفر بما اُنزل على محمّد»(٢) .

ومن غير العرب : البراهمة من أهل الهند ، ومدار مقالتهم على التحسين والتقبيح العقليين والرجوع في كلّ الأحكام إلى العقل وإنكار الشرائع ، وإنتسابهم إلى رجل منهم يقال له : براهام.

ومنهم : أصحاب البددة والبددة(٣) عندهم شخص في هذا العالم لم يولد ولا ينكح ولا يطعم ولا يشرب ولا يهرم ولا يموت.

ومنهم : أهل الفكرة ، وهم أهل العلم منهم بالفلك وأحكام النجوم.

__________________

١ ـ سبإ : ٤١.

٢ ـ سنن أبي داود : ج ٤ ، ص ١٦ ، ح ٣٩٠٦ ، مع اختلاف يسير في العبارة ، وكذا جاء في الموطأ : ج ١ ، ص ١٩٢ ، ح ٤ ، ومسند أحمد بن حنبل : ج ٤ ، ص ١١٧.

٣ ـ (الف) و (ج) البدوة والبدوة.

٩٦

ومنهم : أصحاب الروحانيّات الذين أثبتوا وسائط روحانيّة تأتيهم بالرسالة من عند الله في صورة البشر من غير كتاب فتأمرهم وتنهاهم.

ومنهم : عبدة الكواكب.

ومنهم : عبدة الشمس.

ومنهم : عبدة القمر ، وهٰؤلاء يرجعون بالأخرة إلى عبادة الأصنام ، إذ لا تستمرّ لهم طريقة إلّا بشخص حاضر ينظرون إليه ويرجعون إليه في مهمّاتهم ، ولهذا كان أصحاب الروحانيّات والكواكب يتّخذون أصناماً على صورها ، فكان الأصل في وضع الأصنام ذلك ، إذ يبعد ممّن له أدنى فطنة أن يعمل خشباً أو حجراً بيده ثم يتّخذه إلٰهاً إلّا أنّ الخلق لما عكفوا عليها وربطوا حوائجهم بها من غير إذن شرعي وبرهان من الله تعالى كان عكوفهم عليها وعبادتهم لها إثباتاً لإلٰهيّتها ووراء ذلك من أصناف الآراء الباطلة والمذاهب الفاسدة أكثر من أن تحصى وهي مذكورة في الكتب المصنّفة في هذا الفنّ ، ويدخل أربابها جميعهم تحت أهل الكفر.

* * *

٩٧

حَتَى اسْتَتَبَّ لَهُ مَا حَاوَلَ فِي أَعْدَآئِكَ ، وَاسْتَتَمَّ لَهُ مَا دَبَّرَ فِي أَوْلِيآئِكَ

قال ابن الأثير في النهاية في حديث الدعاء : حتّى استتبّ له ما حاول في اعدائك : أي إستقام وإستمرّ(١) .

وقال الجوهري : إستتب له الأمر : أي تهيّأ واستقام(٢) .

وقال الزمخشري في الأساس : استتبّ له الأمر : أي إستقام وتمّ ، ويجوز أن يقال للإستقامة والتمام : الإستتباب ، أي طلب التباب لأنّ التباب يتّبع التمام إنتهى(٣) .

يريد بالتباب : النقص والهلاك لأنّ الشي إذا تمّ نقص وخلص ، فكأنّه هلك.

و «حاول الشيء» أراده. وقيل المحاولة : طلب الشيء بحيلة. و «استتم» أي تمّ كقّر واستقرّ.

قال الرضي : ولا بدّ في «إستقرّ» من مبالغة(٤) .

و «دبّر الأمر تدبيراً» فعله عن فكر ورويّة ، مأخوذ من الدّبر كأنّه نظر في دبره أي في عاقبته وآخرته. ومفعولاً حاول ودبّر محذوفان : أي ماحاوله ودبّره ، والمراد بما حاوله في الأعداء غلبته عليهم والقهر لهم ، وبما دبّر فى الأولياء صدق رغبتهم في الجهاد وإجتماع قلوبهم عليه لما عرفهم من عظيم فضله وجزيل أجره فعلم حينئذٍ أنّهم سيغلبون وينتصرون.

__________________

١ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ١ ، ص ١٧٨.

٢ ـ الصحاح : ج ١ ، ص ٩٠.

٣ ـ أساس البلاغة : ص ٥٩.

٤ ـ شرح الشافية : ج ١ ، ص ١١١.

٩٨

فَنَهَدَ إِلَيْهِمْ مُسْتَفْتِحَاً بِعَوْنِكَ ،

وَمُتَقَوِّيَاً عَلَى ضَعْفِهِ بِنَصْرِكَ ،

«نهد إلى العدوّ نهداً» من بابي ـ نفع وقتل ـ : نهض وبرز ، والفاعل ناهد ، والجمع نهّاد ، مثل كافر وكفّار ، وناهدته مناهدة : ناهضته ، وتناهدوا في الحرب : نهض بعضهم إلى بعض للمحاربة.

و «مستفتحاً» أي مستنصراً وطالباً للفتح ، فالباء : للإستعانة يقال : فتح الله على نبيّه ، أي نصره ، وهو يستفتح الله للمسلمين على الكفّار.

ويحتمل أن يكون بمعنى مفتتحاً والباء للملابسة ، أي مفتتحاً للجهاد حال كونه ملتبساً بعونك ، أو للسببيّة أي بسبب عونك له.

و «متقوّياً» اسم فاعل من تقوّىٰ ، أي صار ذا قوّة.

و «على» بمعنى مع ، أي مع ضعفه ، مثلها في قوله تعالى : «وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ»(١) .

و «الضعف» ـ بالفتح والضمّ ـ خلاف القوّة.

وقيل : هو بالضمّ في الجسد ، وبالفتح في العقل والرأي.

ويروى عن ابن عمر أنّه قال : قرأت على النبي صلى الله عليه واله : الذي خلقكم من ضعف بالفتح ، فأقرأني «من ضُعف» بالضمّ(٢) .

و «الضعف» ـ محركة ـ لغة في الضعف حكاها ابن الأعرابي(٣) .

و «النصر» الإعانة على العدو ، وفيه إشارة إلى أن إستفتاحه عليه السلام وتقوّيه على الكفّار إنّما كان بعون الله ونصره ، لا بالأسباب الظاهرة و

__________________

١ ـ البقرة : ١٧٧.

٢ ـ الدر المنثور : ج ٥ ، ص ١٥٨.

٣ ـ لسان العرب : ج ٩ ، ص ٢٠٣.

٩٩

التدبير الذي دبّره ، كما قد يتوّهم من الفقرة السابقة ، فإنّها بمعزل عن التأثير ، وإنّما التأثير مختصّ به تعالى كما قال تعالى : «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ»(١) أي كائن من عنده من غير أن يكون فيه شركة من جهة الأسباب والعدد وإنّما هي مطابقة له بطريق جريان السنّة الإلٰهيّة.

* * *

__________________

١ ـ آل عمران : ١٢٦.

١٠٠