الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على لسان وصيّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على لسان وصيّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام11%

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على لسان وصيّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
الناشر: شفق للطباعة والنشر
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
ISBN: 978-964-485-069-1
الصفحات: 335

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على لسان وصيّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 335 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35109 / تحميل: 4546
الحجم الحجم الحجم
الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على لسان وصيّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على لسان وصيّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

مؤلف:
الناشر: شفق للطباعة والنشر
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٤٨٥-٠٦٩-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

طالبعليه‌السلام قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله : «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ »(١) دعاني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : يا علي إنّ الله أمرني «أن أنذر عشيرتي الأقربين» فضقت بذلك ذرعاً ، وعلمت أنّي متى اُناديهم بهذا الأمر أرىٰ منهم ما أكره ، إلى أن قال : يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتى فيكم؟ قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت : أنا وأنا لأحدثهم سنّا وأرمصهم(٢) عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم(٣) ساقاً أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ، ثم قال : إن هذا أخي ووصيّ وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوه. فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لإبنك وتطيع(٤) .

أقول : ولو لم يكن لأمير المؤمنينعليه‌السلام في استخلاف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله له إلّا هذا الخبر وهذه القضيّة لكفىٰ «لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ »(٥) .

ولرسول الله كما تقدّم معاجز كثيرة متنوّعة تبلغ أربعة آلاف وأربعماءة وأربعين معجزة كما جاء في المناقب لإبن شهراشوب فراجع(٦) .

__________________

١ ـ الشعراء : ٢١٤.

٢ ـ الرمص بالتحريك : وسخ يجتمع في موق العين ، فإن سال فهو غمص ، وإن جمد فهو رمص ، الصحاح : ج ٣ ، ص ١٠٤٢.

٣ ـ رجل أحمش الساقين : دقيقهما ، الصحاح : ج ٣ ، ص ١٠٠٢.

٤ ـ تاريخ الطبري : ج ١ ، ص ٥٤٢ ـ ٥٤٣ ، وقريب منه ما أخرجه إبن سعد في الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ١٤٧.

٥ ـ ق : ٣٧.

٦ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ١٤٤.

٢٢١

وقال الجزري : وقد صنّف العلماء في معجزات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كتباً كثيرة ذكروا فيها كلّ عجيبة(١) .

ونختم حديثنا بما رواه إبن سعد في طبقاته : أن قريشاً لمّا تكاتبت على بني هاشم ألّا يناكحوهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يخالطوهم في شيئ ، ولا يكلّموهم حين أبوا أن يدفعوا إليهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ومكثو في شعبهم ثلاث سنين محصورين. ثم إطلع الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أمر صحيفتهم ، وأنّ الأرضة قد أكلت ما كان فيها من جور وظلم ، وبقي ما كان فيها من ذكر الله ، فجاءهم أبوطالب فقال لهم : إن إبن أخي قد أخبرني ولم يكذّبني قط أن الله قد سلّط على صحيفتكم الأرضة ، فلحست كلّ ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم وبقي فيها كل ما ذكر به الله فإن كان إبن أخي صادقاً نزعتم عن سوء رأيكم ، وإن كان كاذباً دفعته إليكم فقتلتموه أواستحييتموه. قالوا : قد أنصفتنا. فأرسلوا إلى الصحيفة ففتحوها فإذا هي كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قد أكلت الأرضة كلّها إلّا ما كان من ذكر الله فيها ، فسقط في أيديهم ونكّسوا على رؤوسهم.

فقال أبوطالب : علامَ نُحبس ونحصر وقدبان الأمر؟.

ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة ، فقال : اللّهم اُنصرنا ممّن ظلمنا ، وقطع أرحامنا ، واستحلّ ما يحرم عليه منّا ، ثم انصرفوا إلى الشعب.

وتلاوم رجال من قريش على ما صنعوا ببني هاشم ، فلبسوا السلاح ثم خرجوا إلى بني هاشم وبني المطّلب فأمروهم بالخروج إلى مساكنهم

__________________

١ ـ الكامل في التاريخ : ج ٢ ، ص ٤٧.

٢٢٢

ففعلوا ، فلمّا رأت قريش ذلك سقط في أيديهم وعرفوا أن لن يسلموهم ، وكان خروجهم من الشعب في السنة العاشرة(١) .

* * *

__________________

١ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ١٦٣ ـ ١٦٤.

٢٢٣

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ)(١)

وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ : خٰاضَ إِلىٰ رِضْوٰانِ اللهِ كُلَّ غَمْرَةٍ ، وَتَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّةٍ. وَقَدْ تَلَوَّنَ لَهُ الْأَدْنَوْنَ ، وَتَأَلَّبَ عَلَيْهِ الْأَقْصَوْنَ ، وَخَلَعَتْ إِلَيْهِ الْعَرَبُ أَعِنَّتَهٰا ، وَضَرَبَتْ إِلىٰ مُحٰارَبَتِهِ بُطُونَ رَوٰاحِلِهٰا ، حَتّىٰ أَنْزَلَتْ بِسٰاحَتِهِ عَدٰاوَتَهٰا مِنْ أَبْعَدِ الدّٰارِ ، وَأَسْحَقِ الْمَزٰارِ.

قولهعليه‌السلام : «وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ » قال الله تعالى : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ »(٢) .

قولهعليه‌السلام : «خٰاضَ إِلىٰ رِضْوٰانِ اللهِ كُلَّ غَمْرَةٍ » أي تحمّلصلى‌الله‌عليه‌وآله في سبيل الدعوة إلى الإسلام وتبليغ رسالته والوصول إلى رضوان الله كلّ مكروه وشدّة.

روى السروي عن زين العابدينعليه‌السلام أن قريشاً اجتمعت إلى أبي طالب والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عنده فقالوا : نسألك من إبن أخيك النصف. قال : وما النصف منه؟.

قالوا : يكفّ عنّا ونكفّ عنه ، فلا يكلّمنا ولا نكلّمه ، ولا يقاتلنا ولا نقاتله ، ألا إنّ هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب وزرعت الشحناء(٣) ، وأنبتت البغضاء ، فقال : يا إبن أخي أسمعت؟

قال : يا عمّ لو أنصفني بنو عمّي لأجابوا دعوتى وقبلوا نصيحتّى ، إنّ الله تعالى أمرني أن أدعو إلى دين الحنيفيّة ملّة إبراهيم ، فمن أجابنى فله

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٠٧ ، الخطبة ١٩٤.

٢ ـ آل عمران : ١٤٤.

٣ ـ الشحناء : العداوة والبغضاء.

٢٢٤

عند الله الرضوان والخلود في الجنان ، ومن عصاني قاتلته حتّى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين الحديث(١) .

قولهعليه‌السلام : «وَتَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّةٍ » أي تجرّع الغموم والهموم من أذى قريش والمشركين لهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأجل تحصيل رضى الرّب المؤدّي إلى رضوانه تعالى.

وفي المناقب إن طارق المحاربي قال : رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في سويقة ذي المجاز ، وعليه حلّة حمراء وهو يقول : يا أيها الناس قولوا لا إلٰه إلّا الله تفلحوا ، وأبو لهب يتبعه ويرميه بالحجارة ، وقد أدمى كعبيه وعرقوبيه ، وهو يقول : يا أيّها الناس لا تطيعوه فإنّه كذاب(٢) .

وفي الخبر : نهى أبوجهل : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصّلاة وقال : إن رأيت محمّدًا يصلّي لأطأنّ عنقه ، فنزل : «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا »(٣) (٤) .

وعن الزهري : لمّا توفي أبوطالب ، واشتدّ على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله البلاء ، عمد إلى ثقيف بالطائف رجاء أن يأويه سادتها : عبد نائل ، ومسعود ، وحبيب بنو عمروبن نمير الثقفي ، فلم يقبلوه ، وتبعه سفاؤهم بالأحجار ، ودموا رجليه ، فخلّص منهم ، واستظلّ في ظل حبلة(٥) منه ، وقال : اللّهمّ إنّى أشكو إليك من ضعف قوتي ، وقلّة حيلتي وناصري وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين. فأنفذ عتبة وشيبة إبنا ربيعة إليه بطبق عنب على يدي

__________________

١ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ٥٩.

٢ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ٥٦.

٣ ـ الإنسان : ٢٤.

٤ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ٥٧.

٥ ـ الحُبلة ـ بالضمّ ـ الكرم أو أصل من أصوله.

٢٢٥

غلام يدعىٰ عداساً ، وكان نصرانيّاً ، فلمّا مدّ يده وقال : بسم الله.

فقال : إن أهل هذا البلد لا يقولونها ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أين أنت؟

قال : من بلدة نينوى ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من مدينة الرجل الصالح يونس إبن متّى؟

قال : وبما تعرفه؟ قال : أنا رسول الله ، والله أخبرني خبر يونس ، فخرّ عداس ساجداً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل يقبّل قدميه وهما يسيلان دماً.

فقال عتبة لأخيه : قد أفسد عليك غلامك ، فلمّا انصرف عنه سأل عن مقالته.

فقال : والله إنّه نبيّ صادق ، فقالوا : إنّ هذا رجل خدّاع لا يفتنّنك عن نصرانيّتك ، وقالوا : لو كان محمّد نبيّاً لشغلته النبوّة عن النساء ، ولأمكنه جميع الآيات ولأمكنه منع الموت عن أقاربه(١) .

وروى الطبري في منتخب ذيل المذيل : عن منيب بن مدرك الأزدي ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الجاهليّة ، وهو يقول للناس : «قولوا لا إلٰه إلّا الله تفلحوا» فمنهم من تفّل في وجهه ، ومنهم من حثا عليه التراب ، ومنهم من سبّه حتّى انتصف النهار ، الحديث(٢) .

وأخرجه الكليني بإسناده عن عليعليه‌السلام لمّا أمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإظهار الإسلام ، وظهر الوحي رأى قلّة من المسلمين ، وكثرة من المشركين ، فاهتمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله همّاً شديداً ، فبعث الله تعالى إليه جبرئيلعليه‌السلام بسدرٍ من سدرة المنتهى ، فغسل به رأسه ، فجلا به همّه(٣) .

وقولهعليه‌السلام : «وَقَدْ تَلَوَّنَ لَهُ الْأَدْنَوْنَ » أي تغيّر لأجلهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقار به من قريش كعمّه أبو لهب وأبوجهل. وذكروا : أنّه كان إذا قدم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

١ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ٦٨.

٢ ـ منتخب ذيل المذيل : ص ٨٠.

٣ ـ الكافي : ج ٦ ، ص ٥٠٥ ، ح ٧.

٢٢٦

وفد ليعلموا علمه ، إنطلقوا بأبي لهب إليهم ، وقالوا له : أخبر عن إبن أخيك ، فكان يطعن في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويتقوّل الباطل ، ويقول : إنّنا لم نزل نعالجه من الجنون. فيرجع القوم ولا يلقونه(١) .

وفي المناقب عن أبي أيوب الأنصاري : وقف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بسوق ذي المجاز ، فدعاهم إلى الله تعالى ، والعباس قائم يسمع الكلام ، قال : أشهد أنّك كذّاب ، ومضى إلى أبي لهب ، وذكر ذلك ، فأقبلا يناديان : إن إبن أخينا هذا كذّاب ، فلا يغرّنكم عن دينكم.

وأضاف في القول قائلاً إستقبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو طالب ، فاكتنفه ، وأقبل على أبي لهب والعباس فقال لهما : ما تريدان؟ تربت أيديكما(٢) والله أنّه لصادق القيل ، ثم أنشأ أبوطالب :

أنت الرّسول رسول الله نعلمه

عليك ينزل من ذي العزّة الكتب(٣)

وفيه ايضاً قال أبوجهل : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتّى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منّا نبيّ يوحى إليه ، والله لا نؤمن به ، ولا نتّبعه أبداً ، إلّا أن يأتينا وحي كما يأتيه ، فنزل «وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ»(٤) (٥) .

__________________

١ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ٥٦.

٢ ـ ترب الرجل : إذا إفتقر ، أي لصق بالتراب.

٣ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ٥٦.

٤ ـ الانعام : ١٢٤.

٥ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ٥٠ ـ ٥١.

٢٢٧

وقال إبن أبي الحديد : ومن قرأ كتب السيرة علم ما لاقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذات الله سبحانه من المشقّة ، واستهزاء قريش به في أوّل الدعوة ، ورميهم إيّاه بالحجارة ، حتّى أدموا عَقبَهُ ، وصياح الصبيان به ، وفرث الكرش على رأسه ، وفتل الثوب في عنقه ، وحصره وحصر أهله في شعب بني هاشم عدّة ، سنين محرّمة معاملتهم ومبايعتهم ومناكحتهم وكلامهم ، حتّى كادوا يموتون جوعاً ، لولا أنّ بعض من كان يحنو عليهم لرحم أولسبب غيره ، فهو يسرق الشيئ القليل من الدقيق أوالتمر فيلقيه إليهم ليلاً ، ثم ضربهم أصحابه وتعذيبهم بالجوع والوثاق في الشمس ، وطرد هم إيّاهم عن شعاب مكة ، حتّى خرج من خرج منهم إلى الحبشة ، وخرجعليه‌السلام مستجيراً منهم تارة بثقيف. وتارة ببني عامر ، وتارة بربيعة الفَرَس ، وبغيرهم ، ثم أجمعوا على قتله والفتك به ليلاً ، حتّى هرب منهم لائذاً بالأوس والخزرج ، تاركاً أهله وأولاده ، وما حوته يده ، ناجياً بحشاشة نفسه ، حتّى وصل إلى المدينة ، فناصبوه الحرب ، ودموه بالمناسر(١) والكتائب ، وضربوا إليه آباط الإبل ، ولم يزل منهم في عناء شديد ، وحروب متّصلة ، حتّى أكرمه الله تعالى ونصره ، وأيّد دينه وأظهره(٢) .

قولهعليه‌السلام : «وَتَأَلَّبَ عَلَيْهِ الْأَقْصَوْنَ » أي اجتمعوا على حربهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنابذته وإيذائه الأباعد منه نسباً من أقصى البلاد.

قال السروي نهى أبوجهل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصّلاة ، وقال : إن رأيت محمّداً يصلّي لأطأنّ عنقه ، فنزل : «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ

__________________

١ ـ المنسر : قطعة من الجيش تمر قدام الجيش الكبير.

٢ ـ شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ، ج ١٠ ، ص ١٦٥ ـ ١٦٦.

٢٢٨

وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا »(١) (٢) .

وفي خبر آخر جاء أبوجهل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يصلّي ليطأ على رقبته ، فجعل ينكص على عقبيه ، فقيل له : مالك؟

قال : إنّ بيني وبينه خندقاً من نار مهولا ، ورأيت ملائكة ذوي أجنحة ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لودنا منّي لاختطفته الملائكة عضواً عضوا ، فنزل : «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ *عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ »(٣) (٤) .

وذكروا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا مشى يتكفّأ ، وكان الحكم بن أبي العاص يحكيه ، فالتفتصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً فرآه يفعل ذلك.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فكذلك فلتكن ، فكان الحكم مختلجاً يرتعش من يومئذٍ(٥) .

قولهعليه‌السلام : «وخلعت إليه العرب أعنّتها » هذا مثل معروف بين الناس ، معناه أوجفوا إليه مسرعين لمحاربته ، لأن الخيل إذا خلعت أعنّتها كان أسرع لجريها ، قاله : إبن أبي الحديد(٦) .

قولهعليه‌السلام : «وَضَرَبَتْ إِلىٰ مُحٰارَبَتِهِ بُطُونَ رَوٰاحِلِهٰا » الرواحل : جمع الراحلة وفي لسان العرب : الراحلة من الإبل : البعير القوي على الأسفار والأحمال ، والذكر والاُنثى فيه سواء ، والهاء فيها للمبالغة(٧) .

وقال الجزري وفي الحديث : «تجدون الناس كابل مائةٍ ليس فيها راحلة» أي : الرجل الكامل في الناس قليل كقلّة الراحلة في الآبال(٨) .

__________________

١ ـ الإنسان : ٢٤.

٢ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ٥٧.

٣ ـ العلق : ٩ ـ ١٠.

٤ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ٧١.

٥ ـ الإستيعاب : ١ ، ص ٢٥٩ ـ ٣٦٠.

٦ ـ شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : ج ١٠ ، ص ١٦٤.

٧ ـ لسان العرب : ج ١١ ، ص ٢٧٧ ، مادة «رحل».

٨ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٢ ، ص ٢٠٩.

٢٢٩

وقال إبن أبي الحديد : كناية عن إسراع العرب نحوه للحرب ، لأنّ الرواحل إذا ضربت بطونها لتساق كان أوحى لها ، ومراده أنهم كانوا فرساناً وركباناً(١) .

قولهعليه‌السلام : «حَتّىٰ أَنْزَلَتْ بِسٰاحَتِهِ عَدٰاوَتَهٰا » أي أسرعوا إلى حربهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قولهعليه‌السلام : «مِنْ أَبْعَدِ الدّٰارِ ، وَأَسْحَقِ الْمَزٰارِ » وفيه إشارة إلى شدّة عداوتهم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأن إثارة الحرب من مكان البعيد لا يكون إلّا عن عداوة شديده لهم.

* * *

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : ج ١٠ ، ص ١٦٤ ـ ١٦٥.

٢٣٠

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ)(١)

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ،

أَرْسَلَهُ ، وَأَعْلٰامُ الْهُدىٰ دٰارِسَةٌ ، وَمَنٰاهِجُ الدِّينِ طٰامِسَةٌ. فَصَدَعَ بِالْحَقِّ ، وَنَصَحَ

لِلْخَلْقِ ، وَهَدىٰ إِلَى الرُّشْدِ ، وَأَمَرَ

بِالْقَصْدِ. صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ وَسَلَّمَ.

قولهعليه‌السلام : «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ » قال تعالى : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ »(٢) أي رسوله بالحق.

قولهعليه‌السلام : «أَرْسَلَهُ وَأَعْلٰامُ الْهُدىٰ دٰارِسَةٌ » أي أرسله ربّه إلى الخلق بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ، في حين علائم الهدى إلى صراط الله مندرسة.

قولهعليه‌السلام : «وَمَنٰاهِجُ الدِّينِ طٰامِسَةٌ » المناهج : جمع منهج أي الطريق الواضح ، ذكر الجوهري(٣) والدين في اللغة الطاعة ، وفي العرف الشرعي : هو الشريعة الصادرة بواسطة الرسلعليهم‌السلام ولمّا كان إتّباع الشريعة طاعة مخصوصة كان ذلك تخصيصاً من الشارع للعام بأحد مسمّياته ولكثرة إستعماله صار حقيقة دون سائر المسمّيات ، لأنّه المتبادر إلى الفهم حال إطلاق لفظ الدين.

و «طامسة» أي ممحوّة : فالمراد من قولهعليه‌السلام «ومناهج الدين طامسة» أي أنّ طريق المعارف الإسلاميّة والدين الواضح المبين كان

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ، الخطبة ١٩٥.

٢ ـ آل عمران : ١٤٤.

٣ ـ الصحاح : ج ١ ، ص ٣٤٦ ، مادة «نهج».

٢٣١

ممحوّة قبل الإسلام أي في زمن الفتره.

وقال داودعليه‌السلام في زبوره : «اللّهم إبعث مقيم السنّة بعد الفترة»(١) ، أي طريق المعارف الحقّة ممحوّة.

وفي المناقب : في زبور داود اللّهم ابعث مقيم السنّة بعد الفترة(٢) .

قولهعليه‌السلام : «فَصَدَعَ بِالْحَقِّ » أي أعلن بالحقّ كما أمر ، قال تعالى : «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ»(٣) .

قولهعليه‌السلام : «وَنَصَحَ لِلْخَلْقِ » النصح : مصدر نصح له من باب ـ منع ـ هذه اللغة الفصيحة ، وعليها قوله تعالى : «إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ »(٥) وفي لغة يتعدّى بنفسه فيقال : نصحته ، والاسم : النصيحة ، وهي كلمة جامعة ، ومعناها : حيازة الخير للمنصوح له ، من نصحت العسل إذا صفّيته من الشمع ، شبّهوا تخليص العقول من الغشّ بتخليص العسل من الشمع.

وقال الراغب : أصلها من نصحت الثوب إذا خطّته ، وهي إخلاص المحبّة لغيرك في إظهار مافيه صلاحه(٦) .

__________________

١ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ١٤.

٢ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ١٤.

٣ ـ الحجر : ٩٤.

٤ ـ إكمال الدين وإتمام النعمة : ص ٣٤٤ ، ح ٢٨.

٥ ـ هود : ٣٤.

٦ ـ المفردات : ص ٤٩٤ ، مع إختلاف يسير في العبارة.

٢٣٢

والمراد بنصحهصلى‌الله‌عليه‌وآله للخلق : إرشادهم إلى مصالح دينهم ودنياهم ، وتعليمهم إيّاها ، وعونهم عليها ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، والذبّ ، عنهم ، وعن أعراضهم ، والسخاء عليهم بوجوده ، والإيثار لهم وحسن الخلق معهم واغتفار سيّئاتهم وإكرامهم على حسناتهم والدعاء لهم ، وبالجملة جلب خير الدنيا والآخرة إليهم خالصاً مخلصاً لوجه الله.

قولهعليه‌السلام : «وَهَدىٰ إِلَى الرُّشْدِ » أي إلى ما يوجب هدايتهم إلى الرشد والصواب ، قال تعالى : «قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ »(١) .

قولهعليه‌السلام : «وَأَمَرَ بِالْقَصْدِ » أي أمر بالعدل وهو الصراط المستقيم قال تعالى : «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(٢) .

قولهعليه‌السلام : «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ» قال تعالى : «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا »(٣) . فالصلاة من الله تعالى : الرحمة ، ومن الملائكة : الإستغفار ، ومن الآدميين : الدعاء.

قولهعليه‌السلام : «وَاٰلِهِ وَسَلَّمَ» أي آل الرسول ، وهم أصحاب الكساء ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً كما قال تعالى : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا »(٤) .

أخرج الطبراني : عن اُم سلمة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة : ائتيني

__________________

١ ـ البقرة : ٢٥٦.

٢ ـ الأعراف : ١٥٧.

٣ ـ الأحزاب : ٥٦.

٤ ـ الأحزاب : ٣٣.

٢٣٣

بزوجك وإبنيك ، فجاءت بهم ، فألقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم كساء فدكيّاً ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : اللّهم إنّ هؤلاء أهل محمّد وفي نسخة لفظ ـ آل محمّد ـ فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد كما جعلتها على آل إبراهيم ، إنّك حميد مجيد قالت اُم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم فجزبه من يدى ، وقال : إنّك على خير(١) .

وفي هذا المعنى روايات كثيرة ، انظر كتب السير والتاريخ.

* * *

__________________

١ ـ المعجم الكبير : ج ٢٣ ، ص ٣٣٦ ، ح ٧٧٩ ـ ٧٨٠.

٢٣٤

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ)(١)

بَعَثَهُ حِينَ لٰا عَلَمٌ قٰائِمٌ ، وَلٰا مَنٰارٌ

سٰاطِعٌ ، وَلٰا مَنْهَجٌ وٰاضِحٌ.

قولهعليه‌السلام : «بَعَثَهُ حِينَ لٰا عَلَمٌ قٰائِمٌ » أي في زمان الفترة لم يكن عالم حتّى يهتدى به المكلّف. فبعثته في تلك الفترة تكون بمقتضى وجوب اللطف على الله سبحانه ، لئلاّ تخلو الأرض من الحجّة. قال الله : «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ »(٢) .

قولهعليه‌السلام : «وَلٰا مَنٰارٌ سٰاطِعٌ » أي لا يكون للطريق علم مرتفع حتّى يكون دليلاً على الإرشاد والهداية لهم.

قولهعليه‌السلام : «وَلٰا مَنْهَجٌ وٰاضِحٌ » أي ما كان لهم في تلك الفتره مسلك وطريق واضح لأنّ الجهل والاُميّة. والخرافة كانت تسيطر على الجزيزة العربيّة وتعبث بالعقول والمعتقدات ولم يكن العرب أهل كتاب ولا ديانة سماويّة ترفع من مستواهم الفكري ، أو تنظّم حياتهم الإجتماعيّة ، وتعمّق وعيهم الحضاري ، بل كانوا أعراباً جاهلين يعبدون الأصنام والأوثان والجن والنجوم والملائكة ، وعندما نعرف هذه الحقيقة نستطيع أن نفهم عظمة نبيّ الإسلام الهادي إلى الرشد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي إستطاع بمشيئة الله ولطفه على العباد أن ينقذ البشريّة ، من الجهل والاُميّة.

* * *

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٣١٠ ، الخطبة ١٩٦.

٢ ـ النساء : ١٦٥.

٢٣٥

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ)(١)

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا نَجِيبُ اللهِ.

وَسَفِيرُ وَحْيِهِ ، وَرَسُولُ رَحْمَتِهِ.

قولهعليه‌السلام : «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا نَجِيبُ اللهِ » النجيب : الكريم ، النفيس في نوعه ، فضيل بمعنى فاعل ، من نجُبَ ـ كَكرُمَ ـ نجابة ، ويحتمل أن يكون بمعنى مفعول ، أي اللّباب الخالص الذي انتجبه الله من خلقه ، فالمراد إذن من قولهعليه‌السلام : «محمّد نجيب الله» أي كريم النسب وأفضل الناس حسباً ونسباً.

قولهعليه‌السلام : «وَسَفِيرُ وَحْيِهِ » الوحي في اللغة : الإشارة والرسالة والإلهام وكلّ ما ألقيته إلى غيرك ليعلمه فهو وحي ، وهو مصدر وحى إليه يحيي من باب وعد ، وأوحى إليه بالألف مثله ، وهي لغة القرآن الفاشية ، ثم غلب إستعمال الوحي فيما يلقىٰ إلى الأنبياء من عند الله ، قال تعالى : «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ »(٢) .

قولهعليه‌السلام : «وَرَسُولُ رَحْمَتِهِ » أي أنّ رسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت رحمة للعالمين ، قال تعالى : «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ »(٣) وفي الحديث : أنا نبيّ الرحمة(٤) وفي آخر قالصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما أنا رحمة مهداة(٥) وتفصيل هذه الرحمة من وجوه.

أحدها : أنّه الهادي إلى سبيل الرشاد ، والقائد إلى رضوان الله

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٣١٢ ، الخطبة ١٩٨.

٢ ـ النجم : ٣ ـ ٤.

٣ ـ الأنبياء : ١٠٧.

٤ ـ مسند أحمد بن حنبل : ج ٤ ، ص ٣٩٥.

٥ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ١٥١.

٢٣٦

سبحانه ، وبسبب هدايتهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكون وصول الخلق إلى المقاصد العالية ، ودخول جنّات النعيم التي هي غاية الرحمة.

الثاني : أن التكاليف الواردة على يديهصلى‌الله‌عليه‌وآله أسهل التكاليف وأخفّها على الخلق بالنسبة إلىٰ سائر التكاليف الواردة على أيدي الأنبياء السابقين لاُممهم ، ومن هنا نرى أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : بعثت بالحنيفيّة السمحة السهلة(١) وذلك عناية من الله تعالى ورحمة اختصّ بها اُمّته على يديه.

الثالث : إنّه ثبت أنّ الله يعفو عن عصاة اُمّته ويرحمهم بسبب شفاعته.

الرابع : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله سأل ربّه أن يرفع عن اُمّته بعده عذاب الإستيصال ، فأجاب الله دعوته ، ورفع العذاب رحمة.

الخامس : أنّ الله وضع في شريعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله الرّخص تخفيفاً ورحمة لاُمّته.

السادس : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رحم كثيراً من أعدائه كاليهود والنصارىٰ والمجوس. برفع السيف عنهم ، وبذل الأمان لهم ، وقبول الجزية منهم.

بيد أنّه لم يقبل أحد من الأنبياء الجزية قبله.

السابع : إنّ الله تعالى أخّر عذاب من كذّبه ولم يصدّقه إلى الموت ، أو القيامة قال تعالى : «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ »(٢) مع العلم بأنّ كلّ نبيّ من الأنبياء قبله إذا كذّب ، أهلك الله من كذّبه ، وغير ذلك من الوجوه التي لا تحصى كثرة.

وفي المناقب : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صبر في ذات الله ، وأعذر قومه إذ كذّب في ذات الله وشرّد ، وحصب بالحصاة ، وعلاه أبوجهل بسلا شاة ، فأوحى الله إلى جاجائيل ملك الجبال أن شق الجبال وانته إلى أمر محمّد ،

__________________

١ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ١ ، ص ٤٥١.

٢ ـ الأنفال : ٣٣.

٢٣٧

فأتاه فقال له : قد اُمرت لك بالطاعة ، فان أمرت أطبقت عليهم الجبال فأهلكتهم بها.

قال : إنما بعثت رحمة ، اللّهم إهد قومي ، فانّهم لا يعلمون(١) .

* * *

__________________

١ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ٢١٥.

٢٣٨

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ)(١)

ثُمَّ إِنَّ اللهَ سُبْحٰانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ بِالْحَقِّ حِينَ دَنٰا مِنَ الدُّنْيَا الْإِنْقِطٰاعُ ، وَأَقْبَلَ مِنَ الْاٰخِرَةِ الْإِطِّلٰاعُ ، وَأَظْلَمَتْ بَهْجَتُهٰا بَعْدَ إِشْرٰاقٍ ، وَقٰامَتْ بِأَهْلِهٰا عَلىٰ سٰاقٍ ، وَخَشُنَ مِنْهٰا مِهٰادٌ ، وَأَزِفَ مِنْهٰا قِيٰادٌ. فِى انْقِطٰاعٍ مِنْ مُدَّتِهٰا ، وَاقْتِرٰابٍ مِنْ أَشْرٰاطِهٰا ، وَتَصَرُّمٍ مِنْ أَهْلِهٰا ، وَانْفِصٰامٍ مِنْ حَلْقَتِهٰا ، وَانْتِشٰارٍ مِنْ سَبَبِهٰا ، وَعَفٰاءٍ مِنْ أَعْلٰامِهٰا ، وَتَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرٰاتِهٰا ، وَقِصَرٍ مِنْ طُولِهٰا. جَعَلَهُ اللهُ سُبْحٰانَهُ بَلٰاغًا لِرِسٰالَتِهِ ، وَكَرٰامَةً لِأُمَّتِهِ ، وَرَبِيعًا لِأَهْلِ زَمٰانِهِ ، وَرِفْعَةً لِأَعْوٰانِهِ ، وَشَرَفًا لِأَنْصٰارِهِ.

قولهعليه‌السلام : «ثُمَّ إِنَّ اللهَ سُبْحٰانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ بِالْحَقِّ حِينَ دَنٰا مِنَ الدُّنْيَا الْإِنْقِطٰاعُ » أي قرب زمان إنقطاع الدنيا كما في قولهعليه‌السلام في الخطبة الثامنة والعشرين : «أما بعد فإنّ الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع» وقد إختلف الناس في مدّة عمر الدنيا ، إختلافاً شديداً ، فذهب قوم إلى أنّ عمر الدنيا خمسون ألف سنة ، قد ذهب بعضها ، وبقي بعضها واحتجّوا بقوله تعالى : «تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ »(٢) لأنّ اليوم إشارة إلى الدنيا ، وفيها يكون عروج الملائكة والروح إليه ، وذكر إبن أبي الحديد نقلاً عن حمزة بن الحسن الإصفهاني في كتابه المسمّىٰ «تواريخ الأُمم» أنّ اليهود تذهب إلى أنّ عدد السنين من إبتداء التناسل إلى سنة الهجرة لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعة آلاف واثنتان وأربعون سنة وثلاثة أشهر.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٣١٤ ـ ٣١٥ ، الخطبة ١٩٨.

٢ ـ المعارج : ٤.

٢٣٩

والنصارى : تذهب إلى أنّ عدد ذلك خمسة آلاف وتسعماءة وتسعون سنة وثلاثة أشهر.

وأنّ الفرس تذهب إلى أنّ من عهد كيومرث والد البشر عندهم إلى هلاك يزدجرد إبن شهريار الملك : أربعة آلاف وماءة واثنتين وثمانين سنة وعشرة أشهر وتسعة عشر يوماً ، ويسندون ذلك إلى كتابهم الذي جاء به زردشت ، وهو الكتاب المعروف بأبستا.

فأما اليهود والنصارى فيسندون ذلك إلى التوراة ، ويختلفون في كيفيّة استنباط المدّة.

وتزعم النصارى واليهود أنّ مدّة الدنيا كلّها سبعة آلاف سنة ، قد ذهب منها ما ذهب ، وبقي ما بقي.

وامّا الأخباريّون من المسلمين ، فأكثرهم يقولون : إنّ عمر الدنيا سبعة آلاف سنة ويقولون إنّنا في السابع.

والحقّ أنّه لا يعلم أحد هذا إلّا الله تعالى وحده كما قال سبحانه : «يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا *فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا *إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا »(١) (٢) .

وقال المسعودي : كيف توجب أن يوقّت عمر الدّنيا بسبعة آلاف سنة ، والله عزّوجلّ يقول : وقد ذكر الأجيال ومن ضمّه الهلاك «وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا »(٣) والله تعالى ذكره لا يقول الكثير إلّا في الشيئ الحقيقي الكثير ، وأعلمنا في كتابه خلقة آدم.

__________________

١ ـ النازعات : ٤٢ ـ ٤٣.

٢ ـ شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : ج ١٠ ، ص ١٩٧ ـ ١٩٨.

٣ ـ الفرقان : ٣٨.

٢٤٠

وما كان من أمره وأمر الأنبياء بعده ، وأخبر عن شأن بدأ الخلق ، ولم يخبرنا. بمقدار ذلك فنقف عليه كوقوفنا عندما أخبرنا به إلى أن قال : فلا نحصر ما لم يحصره الله عزّوجلّ ، ولا تقبل من اليهود ما أوردته ، لنطق القرآن «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ »(١) «لَيَكْتُمُونَ الْحقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ »(٢) ونفيهم النبوّات وجحدهم ما أتوا به من الآيات ممّا أظهره الله عزّوجلّ على يدي عيسى بن مريم من المعجزات ، وعلى يدي نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله من البراهين الباهرات والدلائل والعلامات.(٣)

قولهعليه‌السلام : «وَأَقْبَلَ مِنَ الْاٰخِرَةِ الْإِطِّلٰاعُ » أي الإشراف. وفي النهاية لإبن الأثير المطّلع : مكان الإطلاع من موضع عالٍ. يقال : مطّلع هذا الجبل من مكان كذا : أي مأتاه ومصعده ومنه حديث عمر «لو أنّ لي ما في الأرض جميعاً لا فتديت به من هول المطّلع» يريد به الموقف يوم القيامة ، أوما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت فشبّهه بالمطّلع الذي يشرف عليه من موضع عال(٤) .

ويشهد لما قالهعليه‌السلام : من دنّوا إطلاع الآخرة قوله تعالى : «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ »(٥) وقوله تعالى : «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ »(٦) .

قولهعليه‌السلام : «وَأَظْلَمَتْ بَهْجَتُهٰا بَعْدَ إِشْرٰاقٍ » اَلبهْجَةُ : الحُسن. يقال : رجل ذوبَهْجَةٍ قاله الجوهري(٧) . والمراد بعد ما كانت الدنيا مبتهجة

__________________

١ ـ النساء : ٤٦.

٢ ـ البقرة : ١٤٦.

٣ ـ مروج الذهب : ج ٢ ، ص ٢٧٩.

٤ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٣ ، ص ١٣٢ ـ ١٣٣.

٥ ـ القمر : ١.

٦ ـ الأنبياء : ١.

٧ ـ الصحاح : ج ١ ، ص ٣٠٠ ، مادة «بهج».

٢٤١

بوجود الأنبياء السابقين مشرقة مضيئة بأنوار هدايتهم ، فأظلمت بهجتها أي ذهب حسنها ونضارتها بطول زمان الفترة وتمادي مدّة الغفلة والضلالة.

قولهعليه‌السلام : «وَقٰامَتْ بِأَهْلِهٰا عَلىٰ سٰاقٍ » إشارة إلى أنّ الدنيا كانت في زمان الفترة أي قبل بعثتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غاية الشدّة بأهلها من ضيق المعيشة ، والقتل والدمار وإثارة الفتن ، وتهييج الشرور والمفاسد ، وغير ذلك.

قولهعليه‌السلام : «وَخَشُنَ مِنْهٰا مِهٰادٌ » المهاد : الفراش ، وكنى بهعليه‌السلام عن عدم الإستقرار بها ، وفقدان طيب العيش والراحة.

قولهعليه‌السلام : «وَأَزِفَ مِنْهٰا قِيٰادٌ » أي قرب زمان إنقيادها إلى الفناء والزوال.

قولهعليه‌السلام : «فِى انْقِطٰاعٍ مِنْ مُدَّتِهٰا » أي بانقضائها وفنائها.

قولهعليه‌السلام : «وَاقْتِرٰابٍ مِنْ أَشْرٰاطِهٰا » اقتباس من قوله تعالى : «فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا »(١) أي آياتها وعلاماتها الدّالة على زوالها ، وإضافتها إلى الدنيا لأنّها تحدث في الدنيا وإن كانت هي من علامات وأشراط الساعة.

قولهعليه‌السلام : «وَتَصَرُّمٍ مِنْ أَهْلِهٰا » أي الإنقطاع منهم.

قولهعليه‌السلام : «وَانْفِصٰامٍ مِنْ حَلْقَتِهٰا » فصم الشيئ : كسره من غير أن يبيّن. قاله الجوهري(٢) والمراد هنا أي الإنكسار في العقائد الباطلة في زمن الفترة. أي في زمن الجاهليّة.

قولهعليه‌السلام : «وَانْتِشٰارٍ مِنْ سَبَبِهٰا » السبب : كلّ شيئ يتوصّل به إلى غيره يقال له : السبب والسبب ايضاً : الحبل قاله الجوهري(٣) والمراد إنتشار حبل الإسلام.

__________________

١ ـ محمّد : ١٨.

٢ ـ الصحاح : ج ٥ ، ص ٢٠٠٢ ، مادة «فصم».

٣ ـ الصحاح : ج ١ ، ص ١٤٥ ، مادة «سبب».

٢٤٢

قولهعليه‌السلام : «وَعَفٰاءٍ مِنْ أَعْلٰامِهٰا » قال الجوهري : العفاء : الدروس والهلاك(١) والمراد إندراس العلماء والصلحاء الذين يهتدى بهم في ظلمات الجهالة.

قولهعليه‌السلام : «وَتَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرٰاتِهٰا » العورة : سوأة الإنسان وكلّ ما يستحيامنه ، قاله الجوهري(٢) أي ظهور معايبها ومساوئها التي كانت مستورة.

قولهعليه‌السلام : «وَقِصَرٍ مِنْ طُولِهٰا » من الواضح أن طول الدنيا وبقائها إنّما يكون عند صلاحها باتّباع أحكام الإسلام ، إذن قصرها يكون عند فسادها وعدم تطبيق النظام الإسلامي.

قولهعليه‌السلام : «جَعَلَهُ اللهُ سُبْحٰانَهُ بَلٰاغًا لِرِسٰالَتِهِ » أي أرسل الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعباده لتبيين شريعته وأحكامه قال الله : «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ »(٣) وقال تعالى : «وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ »(٤) .

قولهعليه‌السلام : «وَكَرٰامَةً لِأُمَّتِهِ » أي أكرم الله عزّوجلّ أُمّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله رسولاً لهم ، وبجعلهم أُمّة له.

قولهعليه‌السلام : «وَرَبِيعًا لِأَهْلِ زَمٰانِهِ » أي أنّ وجودهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل زمانه كان كالربيع لهم. فكانوا يبتهجون ببهجة جماله وحسن أخلاقه كما يبتهجون بالربيع وطراوته. ولقد أجاد أبو طالب حيث قال :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل

__________________

١ ـ الصحاح : ج ٦ ، ص ٢٤٣١ ، مادة «عفا».

٢ ـ الصحاح : ج ٢ ، ص ٧٥٩ ، مادة «عور».

٣ ـ النساء : ١٦٥.

٤ ـ النور : ٥٤ ، والعنكبوت : ١٨.

٢٤٣

أخرجه الشيخ الطوسي في أماليه عن مسلم الملائي قال : جاء أعرابي إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : والله يا رسول الله ، لقد أتيناك ومالنا بعير يئط(١) ، ولا غنم تغط(٢) ، ثم أنشأ أبياتاً :

أتيناك يا خير البريّة كلّها

لترحمنا ممّا لقينا من الأزْلِ(٣)

أتيناك والعذراء يدمىٰ لبانها(٤)

وقد شغلت اُم البنين عن الطفل

وألقى بكفّيه الفتى إستكانة

من الجوع ضعفاً ما يمّر ولا يحلي

ولا شيئ ممّا يأكل الناس عندنا

سوى الحنظل العاميّ(٥) والعِلهَز(٦) الفَسْل

وليس لنا إلّا إليك فرارنا

وأين فرار الناس إلّا إلى الرسول

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للصحابة : إنّ هذا الأعرابي يشكو قلّة المطر وقحطاً شديداً. ثم قام يجرّ رداءه حتّى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه إلى أن قال : اللّهم إسقنا غيثاً مُغيثاً ، مريئاً ، مُرِيعاً ، غَدَقاً ، طَبَقاً ، عاجِلاً غير رائثٍ(٧) . نافعاً غير ضارٍّ تملأ به الزرع ، وتنبت الزرع ، وتحيى به الأرض بعد موتها.

__________________

١ ـ أطيط الإبل : صوتها وحنينها.

٢ ـ الغطيط : الصوت ايضاً.

٣ ـ الأزل : القحط والجدب.

٤ ـ اللبان ـ بالكسر ـ : الرضاع.

٥ ـ الحنظل العامي : أي اليابس ، الذي اُتي عليه عام.

٦ ـ العلهز : نبت كالبردي.

٧ ـ المغيث : العام ، والمريع ، المخصب ، والغَدَق : الغزير الغامر ، وغير رائث : أي غير بطيئ.

٢٤٤

فما ردّ يده إلى نحره حتّى أحدق السحاب بالمدينة كالإكليل ، والتقت السماء بأرواقها(١) وجاء أهل البطاح يضجّون : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الغرق الغرق. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهم حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب عن السماء ، فضحك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : لله درّ أبي طالب لو كان حيّاً لقرّت عيناه ، من ينشدنا قوله؟.

فقام عمر بن خطاب ، فقال : عسى أردت يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

وما حملت من ناقة فوق ظهرها

أبرّ وأوفى ذمة من محمّد

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس هذا من قول أبي طالب ، هذا من قول حسّان بن ثابت.

فقام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقال : كأنّك أردت يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل

تلوذبه الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

كذبتم وبيت الله يُبزىٰ(٢) محمّد

ولمّا نماصع(٣) دونه ونقاتل

ونسلّمه حتّى نصرّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

__________________

١ ـ الأرواق : جمع روق ، وروق السحاب : سيله ، أي ألقت السماء بجميع ما فيها من المطر.

٢ ـ يبزى : أي يترك ويسلم.

٣ ـ المماصعة : أي المقاتلة والمجادلة بالسيوف.

٢٤٥

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أجل.

فقام رجل من بني كنانة ، فقال :

لك الحمد والحمد ممّن شكر

سقينا بوجه النبي المطر

دعا الله خالقه دعوة

وأشخص منه إليه البصر

فلم يك إلّا كإلقاء الرداء

وأسرع حتّى أتانا الدرر

فكان كما قاله عمّه

أبوطالب ذا رواءٍ غُزر

به الله يسقي صيوب الغمام

فهذا العيان وذاك الخبر

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا كناني بوّأك الله بكلّ بيت قلته بيتاً في الجنّة(١) .

ومن أبياته رحمه الله في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً :

تلَقّوا ربيع الأبطحين محمّداً

على ربوة في رأس عنقاء عيطل(٢)

قولهعليه‌السلام : «وَرِفْعَةً لِأَعْوٰانِهِ ، وَشَرَفًا لِأَنْصٰارِهِ » أي شرف الله المسلمين ، ورفع شأنهم في الدنيا والآخرة ، بمتابعتهم لرسوله ومعاونتهم له.

* * *

__________________

١ ـ أمالى الشيخ الطوسي : ص ٧٤ ـ ٧٦ ، ح ١١٠ / ١٩ ، المجلس الثالث.

٢ ـ العيطل : الطويل العنق.

٢٤٦

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ)(١)

أَرْسَلَهُ بِالضِّيٰاءِ وَقَدَّمَهُ فِى الْإِصْطِفاءِ ، فَرَتَقَ بِهِ الْمَفٰاتِقَ ، وَسٰاوَرَ بِهِ الْمُغٰالِبَ ، وَذَلَّلَ بِهِ الصُّعُوبَةَ ، وَسَهَّلَ بِهِ الْحُزُونَةَ ، حَتّىٰ سَرَّحَ الضَّلٰالَ عَنْ يَمِينٍ وَشِمٰالٍ.

قولهعليه‌السلام : «أَرْسَلَهُ بِالضِّيٰاءِ » أي بالنور اللامع الساطع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو نور يهتدى به في ظلمات الجهل ، ويقتدى بأحكامه وسننه.

ويمكن أن يكون المراد بالنور إمّا نور الإيمان ، وبه فسرّ قوله تعالى : «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ »(٢) أي يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.

وإمّا نور العلم ، يعني : النبوّة والرسالة الذي كان في قلب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويؤيّده ما ورد في كتاب التوحيد عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى : «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ » قال : كذلك الله عزّوجلّ : «مَثَلُ نُورِهِ » قال : محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، «كَمِشْكَاةٍ» قال : صدر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله «فِيهَا مِصْبَاحٌ »(٣) قال : فيه نور العلم ، يعني النّبوة(٤) .

وإمّا نور القرآن كما في قوله تعالى : «كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ »(٥) .

قولهعليه‌السلام : «وَقَدَّمَهُ فِى الْإِصْطِفاءِ » الصفي : إمّا بمعنى المصطفىٰ أي

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٣٠ ، الخطبة ٢١٣.

٢ ـ البقرة : ٢٥٧.

٣ ـ النور : ٣٥.

٤ ـ التوحيد : ص ١٥٧ ، ح ٢ ، باب ١٥ ، تفسير قول الله عزّوجلّ : «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ....».

٥ ـ إبراهيم : ١.

٢٤٧

المختار ومنه الصفي والصفيّة لما يختاره الرئيس لنفسه من الغنيمة ، أو بمعني الحبيب المصافي من صافاه الودّ والإخاء ، يقال : هو صفّي من بين إخواني ، ويحتمل أن يكون المراد باصطفائه تعالى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعله صفوة خلقه وعباده ، أي قدّمه على جميع من إختاره من الأنبياء والمرسلين وفضّله عليهم حتّى صار المصطفىٰ علماً له.

وفي الحديث : إنّ الله إصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، وإصطفىٰ من ولد إسماعيل كنانة ، وإصطفىٰ من كنانة قريشاً ، وإصطفىٰ من قريش بني هاشم ، وإصطفاني من بني هاشم(١) .

قولهعليه‌السلام : «فَرَتَقَ بِهِ الْمَفٰاتِقَ » الرتق : ضد الفتق ، والمفاتق : جمع مفتق وهو مصدر ، كالمضرب والمقتل ، والمراد أنّه أصلح ما فسد من اُمورنا في زمن الجاهليّة ، من قطع الأرحام ، وسفك الدماء ، وعبادة الأصنام وغير ذلك.

قولهعليه‌السلام : «وَسٰاوَرَ بِهِ الْمُغٰالِبَ » أي وثب على من أراد الغلبة عليه فصار عالياً على المغالب ، وإلى هذا أشار سبحانه وتعالى : «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ »(٢) .

وفي المجمع فى ذيل هذه الآية قال : ويروى أنّ المسلمين قالوا لمّا رأوا ما يفتح الله عليهم من القرى : ليفتحنّ الله علينا الروم وفارس ، فقال المنافقون : أتظنّون أن فارس والروم كبعض القرى التي غلبتهم عليها؟ فأنزل الله هذه الآية(٣) .

وكقوله تعالى «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ

__________________

١ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ١٨ ، ومسند أحمد بن حنبل : ج ٤ ، ص ١٠٧.

٢ ـ المجادلة : ٢١.

٣ ـ مجمع البيان : ج ٩ ـ ١٠ ، ص ٢٥٥.

٢٤٨

عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ »(١) أي أنّ دين الإسلام هو الغالب على جميع الأديان بالأدلّة الواضحة والقهر والغلبة.

وفي الحديث عن إبن عبّاس : اجتمع قريش في الحجر ، فتعاقدوا باللات والعزّى ومناة لو رأينا محمّداً لقمنا مقام رجل واحد ، ولنقتلنّه ، فدخلت فاطمةعليها‌السلام على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله باكية ، وحكت مقالتهم ، فقال : يا بنيّة أدني وضوءاً ، فتوضأ وخرج إلى المسجد ، فلمّا رأوه قالوا : ها هوذا ، وخفضت رؤوسهم ، وسقطت أذقانهم في صدورهم ، فلم يصل إليه منهم ، فأخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قبضة من التراب فحصبهم بها وقال : شاهت الوجوه ، فما أصاب رجلاً منهم إلّا قتل يوم بدر(٢) .

قولهعليه‌السلام : «وَذَلَّلَ بِهِ الصُّعُوبَةَ ». أي ذلّل صعوبة الجاهليّة والسنن الماضية ، قال الله تعالى : «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ »(٣) .

قولهعليه‌السلام : «وَسَهَّلَ بِهِ الْحُزُونَةَ » الحزونة ضد السهولة ، أي سهّل طريق الحق بالهداية والإرشادات الحكيمة والنصائح الكثيرة.

قولهعليه‌السلام : «حَتّىٰ سَرَّحَ الضَّلٰالَ عَنْ يَمِينٍ وَشِمٰالٍ ». أي أزال الضلال رأساً ، قال الله : «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ »(٤) .

* * *

__________________

١ ـ التوبة : ٣٣ ، والفتح : ٢٨ ، والصف : ٩.

٢ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ٧١.

٣ ـ الأعراف : ١٥٧.

٤ ـ الجمعة : ٢.

٢٤٩

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ)(١)

أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَسَيِّدُ عِبٰادِهِ ، كُلَّمٰا نَسَخَ اللهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِى خَيْرِهِمٰا ، لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عٰاهِرٌ ، وَلٰا ضَرَبَ فِيهِ فٰاجِرٌ.

قولهعليه‌السلام : «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ » محمّد علم منقول من الصفة التي معناها كثير الخصال المحمودة ، وهذا الإسم الشريف الواقع علماً عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أعظم أسمائه وأشهرها كأنّه حمد مرّة بعد مرّة أخرى(٢) .

وقال الجوهري : المحمّد : الذي كثرت خصاله المحمودة(٣) .

وفي لسان العرب : محمّد وأحمد من أسماء سيّدنا المصطفى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد سمّيت محمّداً وأحمداً(٤) .

وقال الزبيدي : وقد سمّت العرب أحمداً ومحمّداً وهما من أشرف أسمائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يعرف من تسمّى قبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأحمد ، إلّا ما حكي أنّ الخضرعليه‌السلام كان إسمه كذلك(٥) .

وقال إبن فارس : سمّي نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله محمّداً : لكثرة خصاله المحمودة(٦) . يعنى ألْهَمَ تعالى أهلهصلى‌الله‌عليه‌وآله تسميته بذلك لما علم من خصاله الحميدة.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٣٠ ، الخطبة ٢١٤.

٢ ـ تاج العروس : ج ٨ ، ص ٣٩ ـ ٤٠ ، مادة «حمد».

٣ ـ الصحاح : ج ٢ ، ص ٤٦٦ ، مادة «حمد».

٤ ـ لسان العرب : ج ٣ ، ص ١٥٧ ، مادة «حمد».

٥ ـ تاج العروس : ج ٨ ، ص ٤٠ ، مادة «حمد».

٦ ـ مجمل اللّغة : ج ١ ، ص ٢٥٠ ، ومعجم مقاييس اللّغة : ج ٢ ، ص ١٠٠.

٢٥٠

وقال الطريحي : ومحمّد إسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في القرآن ، سمّى به لأنّ الله وملائكته وجميع أنبيائه ورسله وجميع أُممهم يحمدونه ويصلّون عليه.

وذكر عن إبن الأعرابي : أنّ لله تعالى ألف إسم وللنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ألف إسم ، ومن أحسنها محمّد ومحمود وأحمد.

وأحمد : إسم نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله في الإنجيل لحسن ثناء الله عليه في الكتاب بما حمد من أفعاله(١) .

وورد في أخبار كثيرة من طرق أهل البيتعليهم‌السلام عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «سمّاني الله من فوق عرشه ، وشقّ لي إسماً من أسمائه فسمّاني محمّداً وهو محمود» ، وجعل إسمي في القرآن محمّداً ، فأنا محمود في جميع أهل قيامة في فصل القضاء ، لا يشفع أحد غيري ، وسمّاني في الإنجيل : أحمد ، فأنا محمود في أهل السماء(٢) .

وأخرج البخاري في تاريخه الصغير : من طريق علي بن زيد ، قال : كان أبو طالب يقول :

وَشقّ مِنْ إسمِهِ ليُجلّهُ

فذوالعَرشِ مَحمُودٌ وَهذا محمّد(٣)

قال القسطاني في المواهب : وقد سماّه الله تعالى بهذا الإسم قبل الخلق بألفي عام ، كما ورد من حديث أنس بن مالك من طريق أبي نعيم في مناجاة موسىعليه‌السلام (٤) .

__________________

١ ـ مجمع البحرين : ج ٣ ، ص ٤٠ ، مادة «حمد».

٢ ـ الخصال : ص ٤٢٥ ، ح ١ ، باب العشر أسماء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، معاني الأخبار : ص ٥٠ ، ح ١ ، باب معاني أسماء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣ ـ شرح المواهب : ج ٣ ، ص ١٥٥. نقلاً عنه.

٤ ـ شرح المواهب : ج ٣ ، ص ١٥٦.

٢٥١

قال إبن قتبية : ومن أعلام نبوّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه لم يسمّ أحد قبله بإسمه محمّد ، صيانة من الله بهذا الإسم كما فعل بيحيى إذ «لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا »(١) .

وذلك أنّه تعالى سماّه في الكتب المتقدّمة وبشّر به الأنبياء ، فلو جعل إسمه مشتركاً فيه لوقعت الشبهة ، إلّا أنّه لمّا قرب زمانه وبشّر أهل الكتاب بقربه سمّى قوم أولادهم بذلك رجاء أن يكون هو ، ولكن «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ »(٢) (٣) .

وهو أبو القاسم محمّد بن عبد الله بن عبد المطلّب ، خاتم النبيين ، وسيّد المرسلين ، حملت به أُمّه في أيّام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى ليلة الجمعة ، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة ، ولدصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة يوم الجمعة عند طلوع الشّمس السابع عشر من شهر ربيع الأوّل عام الفيل وفاقاً لما عليه جمهور الشيعة.

وعند جمهور العامة : أنّه ولد يوم الإثنين من ربيع الأوّل.

ومات أبوه عبد الله بن عبد المطّلب ، وهو إبن شهرين أو سبعة أشهر ، ولمّا بلغ أربعاً أو ستّاً من السنين ماتت أُمّه ، وعاش في حجر جدّه عبد المطّلب ثماني سنين وشهرين وعشرة أيّام.

فتوفّي عبد المطّلب ووليه عمّه أبو طالبعليه‌السلام وذهب به إلى الشام بعد ماتمّ له اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيّام ، ورجع من بصرى وخرج إلى الشام مرّة أخرى مع ميسرة غلام خديجة في تجارة لها قبل أن يتزوّجها ، ثم تزوّجها بعد ما بلغ خمساً وعشرين ، وبقيت معه ثمانية عشرة سنة.

ولمّا بلغ خمساً وثلاثين شهد بنيان الكعبة ، فلمّا بلغ أربعين سنة بعثه

__________________

١ ـ مريم : ٧.

٢ ـ الأنعام : ١٢٤.

٣ ـ شرح المواهب : ج ٣ ص ١٥٨ ، نقلاً عن إبن القتيبة.

٢٥٢

الله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً يوم الإثنين في السابع والعشرين من رجب فما من شجر وحجر إلّا سلّم عليه قائلاً : السلام عليك يا رسول الله ، وفرض عليه التبليغ وقراءة القرآن.

ولمّا تمّت له إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر اُسري به «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ »(١) وفرض عليه خمس الصلوات.

ولمّا بلغ ثلاثاً وخمسين هاجر إلى المدينة يوم الإثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأوّل ، ودخلها ضحى يوم الإثنين ، واُذن له في الجهاد في السنة الثانية لمن إبتدأه في غير الأشهر الحرم ، ثم اُبيح له إبتداؤهم فيها أيضاً ، وفيها وجب صوم شهر رمضان ، واختلفوا في الزّكاة هل فرضت قبله أو بعده؟ وفي فرض الحجّ هل كان في الخامسة أو السادسة؟ وفي السنة الخامسة : كانت بيعة الرضوان ، وفي الثامنة : فتح مكّة. وقال تعالى : «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا »(٢) .

وفي العاشرة كانت حجّة الوداع ، وكانت وقفة عرفة فيها يوم الجمعة بالإجماع ، ولم يحجّ بعد الهجرة إلّا إيّاها وقبلها لم يضبط ، واعتمر أربعاً ، وكانت غزواته سبعاً وعشرين ، وسراياه ستّاً وخمسين ، وقيل : غير ذلك.

وتزوّج إحدى وعشرين إمرأة ، وطلّق ستّاً ، وماتت عنده خمس ، وتُوفيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تسع.

وأولاده ستّة ذكران وهما : القاسم وإبراهيم ، وأربع بنات : وهنّ فاطمةعليها‌السلام ، وزينب ، ورقيّة ، واُم كلثوم ، وكلّهم من خديجةعليها‌السلام ، إلّا إبراهيم فإنّه من مارية القبطيّة ، هذا هو المتّفق عليه ، واختلف فيما سوى هٰؤلاء.

ولمّا بلغصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثاً وستّين ، وقيل : خمساً وستّين إختاره الرفيق الأعلى

__________________

١ ـ النجم : ٨ ـ ٩.

٢ ـ النصر : ١ ـ ٢.

٢٥٣

يوم الإثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة.

وقيل : لثنتي عشرة خلت من أوّل ربيعي السنة المذكورة ، ودفن ليلة الثلاثاء أو الأربعاء في حجرته التي قبض فيها صلوات الله وسلامه عليه.

فأمّا كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله عبد الله فيشهد له آيات من القرآن الكريم كقوله تعالى : «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ »(١) ، وفي قوله : «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا »(٢) وفي قوله : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا »(٣) .

وأمّا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رسوله فيشهد له قوله تعالى : «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ »(٤) وقوله : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ »(٥) وقوله : «مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ »(٦) .

قولهعليه‌السلام : «وَسَيِّدُ عِبٰادِهِ » لا خلاف في ذلك بل هذا هو المجمع عليه بين المسلمين ، ويشهد له قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر(٧) .

وفي حديث آخر : قال : النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله اُدعوا لي سيّد العرب عليّاً ، فقالت عائشة : ألست سيّد العرب؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا سيّد البشر ، وعلي سيّد العرب(٨) .

وأخرجه الشيخ الصدوق ، عن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا سيّد من خلق الله ، وأنا خير من جبرئيل

__________________

١ ـ الحديد : ٩.

٢ ـ الفرقان : ١.

٣ ـ الكهف : ١.

٤ ـ الفتح : ٢٩.

٥ ـ آل عمران : ١٤٤.

٦ ـ الأحزاب : ٤٠.

٧ ـ مسند أحمد : ج ١ ، ص ٢٨١ ، وأخرجه الترمذي في سننه : ج ٥ ، ص ٢٨٨ ، ح ٣١٤٨.

٨ ـ شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : ج ١١ ، ص ٦٦.

٢٥٤

وميكائيل وحملة العرش ، وجميع الملائكة الله المقربين ، وأنبياء الله المرسلين ، وأنا صاحب الشفاعة والحوض الشريف ، وأنا وعليعليه‌السلام أبوا هذه الأُمّة ، من عرفنا فقد عرف الله ، ومن أنكرنا فقد أنكر الله عزّوجلّ(١) الحديث.

وفي الكافي بإسناده عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأيّ شيئ سبقت ولد آدم؟ قال : إنّني أوّل من أقرّ بربّي ، إن الله أخذ ميثاق النبيّين «وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ »(٢) فكنت أوّل من أجاب(٣) .

قولهعليه‌السلام : «كُلَّمٰا نَسَخَ اللهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِى خَيْرِهِمٰا » قال الشيخ الصدوق : إعتقادنا في آباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّهم مسلمون من آدمعليه‌السلام إلى أبيه عبدالله(٤) .

وأخرجه الترمذي عن واثلة بن الأسقع ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم(٥) .

وقال إبن أبي الحديد : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما افترقت فرقتان منذ نسل آدم ولده إلّا كنت في خيرهما(٦) .

__________________

١ ـ إكمال الدين وإتمام النعمة : ص ٢٦١ ، ح ٧.

٢ ـ الأعراف : ١٧٢.

٣ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ١٢ ، ح ٣ ، ونحوه : ح ١ ، فراجع.

٤ ـ الإعتقادات : ٤٥.

٥ ـ سنن الترمذي : ج ٥ ، ص ٥٤٤ ، كتاب المناقب : ٥٠ ، ح ٣٦٠٥ ، وأخرجه إبن سعد في الطبقات الكبرىٰ : ج ١ ، ص ١٧ ـ ١٨.

٦ ـ نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : ج ١١ ، ص ٦٧.

٢٥٥

اُخرجه الترمذي : عن عبّاس بن عبد المطلب في حديث ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم ، من خير فرقهم ، وخير الفريقين ، ثم تخيّر القبائل فجعلني من خير قبيلة ، ثم تخيّر البيوت فجعلني من خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً(١) .

قولهعليه‌السلام : «لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عٰاهِرٌ » قال الجوهري : القَهْر : الزنا ، وكذلك القَهَر مثل نَهْر ونَهَر(٢) أي لم يكن في نسبه الشريف رجلاً زانياً.

قولهعليه‌السلام : «وَلٰا ضَرَبَ فِيهِ فٰاجِرٌ » أي لم يكن في نسبه رجلاً فاجراً ، قال الشيخ الصدوق ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدمعليه‌السلام (٣) .

وأخرجه المتّقي الهندي : عن إبن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح(٤) .

وأخرجه عن عليعليه‌السلام قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولّدني أبي واُمّي ، لم يصبني من سفاح الجاهليّة شيئ(٥) .

وأخرجه أيضاً عن عائشة ، قالت : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : خرجت من نكاح غير سفاح(٦) .

__________________

١ ـ سنن الترمذي : ج ٥ ، ص ٥٤٥ ، كتاب المناقب : ٥٠ ، ح ٣٦٠٧ و ٣٦٠٨.

٢ ـ الصحاح : ج ٢ ، ص ٧٦٢.

٣ ـ الإعتقادات : ٤٥.

٤ ـ كنز العمّال : ج ١١ ، ص ٤٠٢ ، ح ٣١٨٧٠ ، وأخرجه إبن سعد في الطبقات الكبرىٰ : ج ١ ، ص ٥١.

٥ ـ كنز العمّال : ج ١١ ، ص ٤٠٢ ، ح ٣١٨٧١.

٦ ـ كنزل العمّال : ج ١١ ، ص ٤٠٢ ، ح ٣١٨٦٦ ، وأخرجه إبن سعد في الطبقات الكبرىٰ : ج ١ ، ص ٥١.

٢٥٦

وأخرجه إبن سعد بإسناده عن محمّد بن علي بن حسين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّما خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم ، لم يصبني من سفاح أهل الجاهليّة شيئ ، لم اُخرج إلّا من طُهْرِهِ(١) .

وقال إبن سعد : أخبرنا هشام بن محمّد بن السائب الكلبي ، عن أبيه قال : كتبت للنبيّ عليه الصّلاة والسّلام خمسمائه اُم ، فما وجدت فيهن سفاحاً ولا شيئاً ممّا كان من أمر الجاهليّة(٢) .

* * *

__________________

١ ـ طبقات الكبرىٰ : ج ١ ، ص ٥٠ ، وأخرجه المتقي في كنز العمّال : ج ١١ ، ص ٤٢٩ ، ح ٣٢٠١٥.

٢ ـ طبقات الكبرىٰ : ج ١ ، ص ٥٠.

٢٥٧

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ)(١)

فَصَدَعَ بِمٰا أُمِرَ بِهِ ، وَبَلَّغَ رِسٰالَةَ رَبِّهِ. فَلَمَّ اللهُ بِهِ الصَّدْعَ ، وَرَتَقَ بِهِ الْفَتْقَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ ذَوِى الْأَرْحٰامِ ، بَعْدَ الْعَدٰاوَةِ الْوٰاغِرَةِ فِى الصُّدُورِ ، وَالضَّغٰائِنِ الْقٰادِحَةِ فِى الْقُلُوبِ.

قولهعليه‌السلام : «فَصَدَعَ بِمٰا أُمِرَ بِهِ » أي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أظهر ما أمر به بعد ما كان مختفياً خمس سنوات لا يستطيع أن يظهر دينه ، ويشهد له ما ورد عن الصّادقعليه‌السلام قال : إكتتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة مستخفياً خائفاً خمس سنين ، ليس يظهر ، وعليعليه‌السلام معه وخديجة ، ثم أمره الله تعالى أن يصدع بما يؤمر فظهر وأظهر أمره(٢) .

وفي خبر أخر عن الحلبي قال : سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول : مكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة بعد ما جاءه الوحي عن الله تعالى ، ثلاث عشرة سنة منها ثلاث سنين مستخفياً خائفاً لا يظهر حتّى أمره الله تعالى أن يصدع بما يؤمر فأظهر حينئذٍ الدعوة(٣)

قولهعليه‌السلام : «وَبَلَّغَ رِسٰالَةَ رَبِّهِ » من الحكم والمواعظ وغير ذلك.

قولهعليه‌السلام : «فَلَمَّ اللهُ بِهِ الصَّدْعَ » أي جمع الله بالنبي التشتّت والإفتراق السائد آنذاك بين الأعراب وألّف بين قلوبهم.

قولهعليه‌السلام : «وَرَتَقَ بِهِ الْفَتْقَ » الرتق : ضدّ الفتق ، والمراد أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رفع ما كان بين الأعراب من إختلاف الآراء وتشتّت الأهواء وإفتراق

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٥٣ ، الخطبة ٢٣١.

٢ ـ كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ص ٢٠١ ـ ٢٠٢.

٣ ـ كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ص ٢٠٢.

٢٥٨

الكلمة بالعداوة والبغضاء ، ويشهد له ما أخرجه إبن شهراشوب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم ، فلقي رهطاً من الخزرج ، فقال : ألا تجلسون أُحدّثكم؟ قالوا : بلى. فجلسوا إليه ، فدعاهم إلىٰ الله تعالى ، وتلا عليهم القرآن ، فقال بعضهم لبعض : يا قوم تعلموا ، والله إنّه النبيّ الذي كان يوعدكم به اليهود ، فلا يسبقنّكم إليه أحد. فأجابوه ، وقالوا له : إنّا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشرّ مثل ما بينهم ، وعسى أن يجمع الله بينهم بك ، فتقدم عليهم ، وتدعوهم إلى أمرك ، وكانوا ستّة نفر ، فلمّا قدموا المدينة فأخبر قومهم بالخبر ، فما دار حول إلّا وفيها حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى إذا كان العام المقبل أتى الموسم من الأنصار إثنىٰ عشر رجلاً فلقوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فبايعوه على بيعة النساء أن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يسرقوا إلى آخرها(١) .

قولهعليه‌السلام : «وَأَلَّفَ بَيْنَ ذَوِى الْأَرْحٰامِ » كما ألّفصلى‌الله‌عليه‌وآله بين الأوس والخزرج إبني حارثة ، ويقال لهما : إبني قيلة نسبة إلى أُمّهما.

قولهعليه‌السلام : «بَعْدَ الْعَدٰاوَةِ الْوٰاغِرَةِ فِى الصُّدُورِ » الواغرة : أي : المتوقّدة في الصدور.

قولهعليه‌السلام : «وَالضَّغٰائِنِ الْقٰادِحَةِ فِى الْقُلُوبِ » الضغائن جمع الضغينة ، أي الحقد ، والقادحة : أي المشتعلة ، والمراد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ألف بين ذوى الأرحام بعد ما كانت العداوة والبغضاء والحقد. مشتعلة في قلوبهم.

* * *

__________________

١ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ١٨١.

٢٥٩

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ)(١)

فَجَعَلْتُ أَتْبَعُ مَأْخَذَ رَسُولِ

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ فَأَطَأُ

ذِكْرَهُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْعَرَجِ.

قولهعليه‌السلام : «فَجَعَلْتُ أَتْبَعُ مَأْخَذَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ » أي بعد ما خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة مهاجراً إلى المدينة ، قالعليه‌السلام : أخذت أتّبع الطريقة والجهة التي سلكها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن إنتهيت إلى العرج.

قولهعليه‌السلام : «فَأَطَأُ ذِكْرَهُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْعَرَجِ » أي إطمأنّ قلبهعليه‌السلام على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورد المدينة سالماً ، لأنّ ذلك المكان كان قريباً من المدينة المنورة. بيد أنّ قدماه قد توّرمتا من بُعد المسافة وسرعة المشي حافياً.

* * *

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٥٦ ، الخطبة ٢٣٦.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335