أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك33%

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 120

  • البداية
  • السابق
  • 120 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30380 / تحميل: 4979
الحجم الحجم الحجم
أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ولعل الحكمة في تخصيص النبي اليوم الأول من أيام شهر رمضان المبارك بكل هذه القيم والمبادئ والمفاهيم الروحية والتربوية لعل ذلك يرجع إلى كونه أول يوم من شهر مبارك ، خصه الله بنزول القرآن ونزول الكتب السماوية ، وبالصوم ، وجعل فيه ليلة هي عند الله خير من ألف شهر وهي : ليلة القدر ، فهو أول يوم من هذا الشهر يُقبل الإنسان على ربه بهذه الطاعة ، وبهذه العبادة تقربا واحتسابا لما عند الله تعالى.

٢١

دعاء اليوم الثاني :

«اللهم قربني فيه إلى مرضاتك وجنبني فيه من سخطك ونقماتك ، ووفقني فيه لقراءة آياتك برحمتك يا أرحم الراحمين »

أضواء على هذا الدعاء :

القرب تارة يكون قرباً حسياً ملموساً ، مثل قرب بعضا من بعض حيث أن هذا القرب يلمس ويُحس وله أبعاده ومشخصاته.

وتارة يكون قربا معنويا وهنا هو المطلوب في الدعاء ، أي يا رب أجعلني بطاعتي وعبادتي في هذا اليوم قريبا إلى رضاك ورضوانك.

وقد فُسر القرب بعدة تفاسير بالنسبة إلى قرب الله من عبده ، في قوله تعالى :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) (١) .

فقيل :

١ ـ قريب بالإجابة.

وقيل :

٢ ـ قريب بالعلم ، بمعنى أن علمه تعالى محيط بكل شيء ، فهو يسمع أقوال العباد ويرى أعمالهم.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٦.

٢٢

وهو منزهه عن الانحصار في مكان وهو القائل :( وَاللَّـهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ) (١) ، وهو تعالى متعال عن القرب الحسي لتعاليه عن المكان ونظيره.

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وجنبني فيه من سخطك ونقماتك»

ورد في اللغة : جنبه الشيء تجنيبا ، بمعنى : نحّاه عنه ومنه ، قوله تعالى :( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ) (٢) .

ومعنى ما ورد في الدعاء أي باعد بيني وبين ما يوجب سخطك ونقمتك ، وهو المعاصي والذنوب التي تسبب غضب الله وعذابه ، والسّخَط والسُخْط ضد الرضا وقد سخط أي غضب ، فهو ساخط وأسخطه أغضبه.

والنقمة جمعها نَقِمات ونقم عليه فهو ناقم أي عتب عليه ، وانتقم الله منه عاقبه(٣) .

أي جنبني يا رب عن ما يُسبب عقابك وانتقامك ، واجعلني من أهل طاعتك الذين يستحقون ثوابك وثوابهم جنتك التي وعدت بها عبادك المخلصين.

ثم ينتقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه فيطلب من الله تعالى أن يوفقه لتلاوة آيات القرآن الكريم فإن شهر رمضان شهر القرآن ، وشهر التلاوة ، وشهر الذكر والقراءة المفيدة النافعة يجب أن تكون قراءة تدبر وتأمل ، وتلاوة القرآن الكريم والإكثار منها يفتح آفاق النفس على رحاب الله تعالى ، وتنفع

__________________

١ ـ سورة البروج ، الآية : ٢٠.

٢ ـ مختار الصحاح : ١١٢.

٣ ـ مختار الصحاح : ٦٧٨.

٢٣

صاحبها دنيا وآخرة.

قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : «نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن ولا تتخذوها مقابر ، فإن البيت إذا كثرة فيه التلاوة كثر خيره وأتسع أهله وأضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض ».

والقراءة في شهر رمضان لها حلاوة وطعم لذيذ لأنه موسم القرآن الكريم ، وفي الحديث : «أن لكل شيء ربيعا وربيع القرآن هو شهر رمضان » ، يُستحب في سائر الأيام ختم القرآن ختمه واحدة في كل شهر ، وأما في شهر رمضان فالمسنون فيه ختمه في كل ثلاثة أيام.

ثم يستمطر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحمة ربه الغفور الرحيم ، بل هو الأرحم من كل شيء ، وقد نعت ذاته المقدسة بأنه أرحم الراحمين ، وهو الرحمن الرحيم ، والذي وسعت رحمته كل شيء ، وسبقت رحمته غضبه.

٢٤

دعاء اليوم الثالث :

«اللهم ارزقني فيه الذهن والتنبيه ، وباعدني فيه من السفاهة والتمويه ، وأجعل لي نصيبا من كل خير تُنزله فيه يا أجود الأجودين »

أضواء على هذا الدعاء :

[طلب الرزق من وظيفة العباد وتنظيم الأمور وترتيب الأسباب الظاهرية وغير الظاهرية التي تخرج عن اختيار العباد غالبا ، فيكون بتقدير من الباري تعالى](١) .

قال تعالى :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) (٢)

وكما أن الله تعالى يزرق الإنسان رزقا يسد به رمقه ويستعين به على أمور حياته ومن معه في الدنيا ، كذلك يرزق أمورا أخرى مثل : الجاه ، والذكاء ، والشجاعة ، وقوة الحافظة ، والخلود للشهداء الذين يضحون من أجل دينهم ومبادئهم قال تعالى :( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٣)

[معنى قوله :( يُرْزَقُونَ ) أي : يرزقون النعيم في قبورهم ، فهم أحياء حياة محققة ، وترد إليهم أرواحهم في

__________________

١ ـ الأربعون حديثا : ٦١٣.

٢ ـ سورة تبارك ، الآية : ١٥.

٣ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٦٩.

٢٥

قبورهم فيمنعون وإن أرواحهم تدخل الجنة في وقت خروجها من الأجساد](١) .

وبالعودة إلى دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم الثالث من شهر رمضان المبارك نجد أنه يطلب من الله تعالى أن يرزقه الذهن ، و [الذهن لغة الفِطنة والحفظ والتنبيه ، وهو مأخوذ من قولهم نَبُه الرجل أي شرف واشتهر فهو نبيه ونابه وهو ضد الخامل ، ونبه غيره تنبيها رفعه من الخمول](٢) .

والذي يتضح من هذه الفقرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله أن يرزقه في هذا اليوم الذهن الوقاد المتيقظ ، والنباهة التامة الكاملة ليكون قويا في طاعة الله ، وقادرا على تأدية فرائضه ومستحباته.

ثم ينتقل إلى الفقرة الأخرى من الدعاء فيقول :

«وباعدني فيه من السفاهة والتمويه».

وهو تماما عكس الذهن والتنبيه ، حيث نجد في اللغة أن [السفه ضد الحلم ، وأصله الخفة وسفه الرجل صار سفيها ، والسفاهة هي الخفة وعدم الاتزان ، والسفيه هو الذي لا يُحسن التصرف لخفة عقله.

ـ والتمويه لغة مأخوذ من قولهم ـ موه الشيء تمويها طلاه بفضة أو ذهب وتحت ذلك نحاس أو حديد ، ومنه التمويه وهو التلبيس](٣) .

__________________

١ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن : ٤ / ٥٥٣.

٢ ـ مختار الصحاح : ٢٢٤ و ٦٤٤.

٣ ـ مختار الصحاح : ٣٠٢ و ٦٤٠.

٢٦

وهو منهي عنه قرآنياً حيث يقول الحق تبارك وتعالى :( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١)

وهذا ما يدعو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربه أن يبعده عنه ، لأنه لا يتناسب مع الصيام الذي جعله الله جُنة ووقاية من كل الذنوب الظاهرة والباطنة.

ثم يدعو النبي ربه أن يجعل له في هذا اليوم نصيبا ، أي : حظاً وقسمة من كل خير يُنزله الله في ذلك اليوم على عباده من البركات وطول العمر ، ودفع البلايا والأسقام ، وغيرها.

والله تعالى هو الجواد الكريم المنعم المتفضل ، بل هو وحسب دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجود الأجودين ، أي : أكرم الأكرمين ، وهو كذلك أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين ، وأحسن الخالقين ، وتلك أمور لا يعرفها إلا العارفون.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ٤٣.

٢٧

دعاء اليوم الرابع :

«اللهم قوني فيه على إقامة أمرك ، وأذقني فيه حلاوة ذكرك ، وأوزعني فيه لأداء شكرك بكرمك ، واحفظني فيه بحفظك وسترك يا أبصر الناظرين »

أضواء على هذا الدعاء :

في هذا الدعاء يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الله القوة وهو مصدرها وهو القائل :( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا ) (١) .

وفي اللغة : [القوة ضد الضعف ، والقوة الطاقة وجمعها قوى ، ويقال : رجل شديد القوى ، أي : شديد أسْرِ الخَلقَ](٢) .

والدعاء يتضمن طلب القوة من الله تعالى لإقامة أمر الله تعالى من : صوم ، وصلاة ، وتلاوة ، والتذاكر في العلم وسائر العبادات التي تحتاج إلى طاقة وقوة جسدية ، وروحية ، وفكرية ليتمكن الإنسان للقيام بها.

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وأذقني فيه حلاوة ذكرك»

وهو غاية في البلاغة ، وكيف لا يكون كذلك ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفصح من نطق بالضاد ، فقد جعل الذكر حلوا ، وأن الإنسان ليتذوق الحلو ، وذكر الله تعالى هو سبيل أوليائه وهو

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية ١٦٥.

٢ ـ مختار الصحاح : ٥٥٨.

٢٨

القائل :( أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (١) .

ويقول :( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (٢) .

ويقول :( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ ) (٣)

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : «وأوزعني فيه لأداء شكرك بكرمك »

وقد ورد في اللغة : [أوزعه بالشيء أغراه به واتوزعتُ شكر الله فاوزعني ، أي : استلهمته فألهمني](٤) .

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو ربه أن يلهمه القدرة والتمكن من أداء شكره تعالى على نعمه الكثيرة وآلائه العميمة ، والتي هي لا تعد ولا تُحصى.

قال تعالى :( إِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ) ٥ ، وكيف يؤدي العبد شكر الله المنعم المفضل؟

يكون ذلك بلزوم طاعته والانتهاء والكف عن معصيته ، والشكر تارة يكون باللسان وهو المتعارف عليه ، وتارة يكون بالعمل الصالح.

قال تعالى :( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ) (٦) .

كل ذلك يتم بكرم وتفضل وجود من الله تعالى ، ثم يدعو صلى الله عليه وآله وسلم أن يحفظه الله فيه بحفظه لأنه هو الحافظ ، القادر على الحفظ دون غيره ، وهو القائل عز من قائل :( فَاللَّـهُ خَيْرٌ

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٥٥.

٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٥٣.

٣ ـ سورة الحديد ، الآية : ١٦.

٤ ـ مختار الصحاح : ٧١٩.

٥ ـ سورة إبراهيم ، الآية : ٣٤.

٦ ـ سورة سبأ ، الآية : ١٣.

٢٩

حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (١) .

وهو الساتر الذي يستر على عباده عيوبهم ، وهو عز وجل يحب الستر والساترين ، وقد ورد في الدعاء : «يا من أظهر الجميل وستر القبيح ، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ، يا من لم يهتك الستر »

وقد ورد في اللغة : [السُترة ما يُستر به كائنا ما كان ، ورجل مستور وستير ، أي : عفيف ، والمرأة ستيرة ، أي : عفيفة](٢) .

وقد يكون الستر والحفظ معنى واحد في بعض الأحيان. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء يطلب من الله تعالى الحفظ والستر من غوائل الدنيا ، ومصائب الحياة ، ما ظهر منها وما بطن ، وما عُرف منها وما خفيُّ ، وكل ذلك مرده إلى الله تعالى ، فهو القادر على كل شيء وهو أرحم الراحمين ، وهو أبصر الناظرين كما ختم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك دعائه.

__________________

١ ـ سورة يوسف ، الآية : ١٢.

٢ ـ مختار الصحاح : ٢٨٦.

٣٠

دعاء اليوم الخامس :

«اللهم اجعلني فيه من المستغفرين ، واجعلني فيه من عبادك الصالحين القانتين ، واجعلني فيه من أوليائك المقربين برأفتك يا أرحم الرحمن »

أضواء على هذا الدعاء :

الجعل قسمان وهما :

١ ـ الجعل التكويني :

قال تعالى :( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) (١) ، وقد ورد في تفسيرها : [جعلناكم شعوبا وقبائل مختلفة لا لكرامة لبعضكم على بعض ، بل لأن تتعارفوا فيعرف بعضكم بعضا ويتم بذلك أمر اجتماعكم](٢)

وهذا الجعل تكويني.

٢ ـ الجعل التشريعي :

[ويراد به ثبوت الحكم في الشريعة ، أي : تشريعه من قبل الله تعالى مثل : وجوب الحج على المسلم](٣) .

قال تعالى :( وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (٤) .

__________________

١ ـ سورة الحجرات ، الآية : ٣.

٢ ـ الميزان في تفسير القرآن : ١٨ / ٢٢٥.

٣ ـ معجم المصطلحات الأصولية : ٦١.

٤ ـ سورة آل عمران ، الآية : ٩٧.

٣١

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله تعالى أن يجعله من المستغفرين فيه ، والاستغفار درجة عالية من درجات عباد الله المخلصين ، وقد سمع أمير المؤمنين علي عليه السلام رجل يقول : [استغفر الله]

فقال : «أتدري ما الاستغفار؟ ، الاستغفار درجة العليين ، وهو أسم واقع على معان ستة :

١ ـ الندم على ما مضى من المعصية أبدا.

٢ ـ العزم على ترك المعصية أبدا.

٣ ـ أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملسا ليس عليك تبعه.

٤ ـ أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها.

٥ ـ أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ لحم جديد.

٦ ـ أن تذيق الجلد ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول : أستغفر الله»(١) .

ثم يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه :

«واجعلني فيه من عبادك الصالحين القانتين »

والعبودية لله تعالى أشرف صفة يتصف بها صفوة أولياء الله ، فهي مقدمة حتى على النبوة ، قال تعالى :( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) (٢)

وقال :( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) (٣) .

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ٧٥٣.

٢ ـ سورة مريم ، الآية : ٣٠.

٣ ـ سورة الإسراء ، الآية : ١.

٣٢

وصفوة عباد الله الصالحون ، ولذلك يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه أن يكون منهم ، قال تعالى :

( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (١) .

والقنوت : أصله الطاعة ، ومنه قوله تعالى :( وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ) ، وقوله تعالى :( وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ ) (٢) .

[وأكثر علمائنا قالوا باستحبابه في الصلاة ، وقال الشيخ الصدوق ، وابن عقيل : بوجوبه ، ومحله في جميع الصلوات الواجبة والمندوبة بعد قراءة السورة الثانية ، وقبل ركوعها ، وفي الجمعة قنوتان في الأولى قبل الركوع ، وفي الثانية بعده ، والقنوت كله جهار كما في رواية زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام ، ويذكر أن الإمام الشافعي ـ محمد بن إدريس ـ كان يقنت بصلاة الصبح فقط لما كان بالقاهرة ، فلما جاء إلى بغداد لم يقنت احتراما لمذهب : أبي حنيفة](٣) .

ثم يدعو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقول :

«واجعلني فيه من أوليائك المقربين»

أي : أجعلني من المحبين المقربين لك بالطاعة والتهجد.

[والأولياء جمع ولي ، وهو لغة ضد العدو وكل من ولي أمرو احد فهو وليه](٤) .

والولي هو : المحب ، والناصر ، والجار ، والحليف ، وابن العم كذلك.

__________________

١ ـ سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٥.

٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٣٨.

٣ ـ كنز العرفان ، ١ / ١٤٥.

٤ ـ مختار الصحاح : ٧٣٦.

٣٣

ولا يكون العبد وليا لله مقربا منه إلا إذا أخلص الطاعة لله تعالى فيكون منه قريبا بالارحمة ، والمغفرة ، والرضوان ، والثوواب ، وقد ورد في دعاء كميل لأمير المؤمنين علي عليه السلام قوله :

«واجعلني من أحسن عبيدك نصيبا عندك ، وأقربهم منزلة منك ، وأخصهم زلفة لديك »(١) .

__________________

١ ـ مفاتيح الجنان : ١٠٥.

٣٤

دعاء اليوم السادس :

«اللهم لا تخذلني فيه لتعرض معصيتك ، ولا تضربني فيه بسياط نقمتك ، وزحزحني فيه من موجبات سخطك بمنك وأياديك يا منتهى رغبة الراغبين »

أضواء على هذا الدعاء :

يتضمن هذا الدعاء كما هي العادة فيما مضى عدة فقرات تحمل مضامين عالية في التربية والتهذيب ، وسوف نأخذ الفقرة الأولى التي يقول فيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم :

«اللهم لا تخذلني فيه لتعرض معصيتك»

والخذلان مأخوذ لغة : [من خذلُه يخذلُه خِذلانا ـ بكسر الخاء ـ أي ترك عونه ونصرته](١)

فالنبي هنا يطلب من الله أن ينصره على النفس ، وأن يعينه على الطاعة لأن التعرض للمعصية خِذلان ، وقد ورد في دعاء الصباح للإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قوله :

«وإن خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان فقد وكلني خِذلانك إلى حيث النصب والحرمان »(٢) .

«ولا تضربني فيه بسياط نقمتك»

وهذا لون بلاغي فريد من نوعه وجديد في بابه ، فجعل للنقمة

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ١٧١.

٢ ـ مفاتيح الجنان : ٩٨.

٣٥

سياط يضرب بها الله تعالى من يعصيه ويؤدب بها من يخالف أوامره ونواهيه ، ومعناه لا تجعل عقابك ضربك لي بسياط النقمة.

والنقمة لغة مأخوذة من : [نقم عليه فهو ناقم ، أي : عتب عليه ، وأنتقم الله منه عاقبه](١) .

«وزحزحني فيه من موجبات سخطك»

ومعنى ذلك أي : باعد بين وبين ما يوجب سخطك وغضبك ، وليس إلا المعصية ما يجب سخط الله وغضبه ، وكل المعاصي توجب سخط الله ، وترك الطاعات أيضاً يوجب سخطه تعالى.

والمعنى اللغوي للزحزحة هو : [زحزحه عن كذا باعده ، وتزحزح تنحى](٢) .

ومنه قوله تعالى :( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) (٣) .

وقد جاء في تفسيرها : [نُجي من النار وفاز وظفر بالبغية](٤) .

وقوله تعالى :( وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ ) (٥) .

وقد جاء في تفسيرها : [بمباعده من العذاب](٦) .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٦٧٨.

٢ ـ مختار الصحاح : ٢٦٩.

٣ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٨٥.

٤ ـ تفسير شبر : ١٠٥.

٥ ـ سورة البقرة ، الآية : ٩٦.

٦ ـ تفسير شبر : ٥٤.

٣٦

«بمنك وأياديك يا منتهى رغبة الراغبين»

والمَن كما قال الزجاج : [كل ما يمُن الله تعالى به مما لا تعب فيه ولا نصب ، ومَن عليه أنعم ، والمنان مِن أسماء الله تعالى](١) .

والمقصود هنا به التفضل الإلهي على العبد ، ومنه قول أمير المؤمنين علي عليه السلام في دعاء كميل المشهور : «ومُنّ عليّ بحُسن إجابتك وأقلني عَقرتي وأغفر زلتي »(٢) .

والأيادي : مأخوذة لغة من : [اليد ، وهي : النعمة والإحسان] والأيادي هنا النعم الإلهية التي تكرم بها على الخلق ، والأيادي لغة أيضا ، جمع الأيدي ومنه قول الشاعر :

له أيادٍ عليّ وافرة

أعدُّ منها ولا أعددها

«يا منتهى رغبة الراغبين»

ومعناه يا من لا يرجو الراغبون غيره ، ولا يرجعون إلا إليه لأنه المنتهى للراغب ، والقاضي حاجات الطالب.

والرغبة لغة من : [من رغب فيه أراده ، ورغب عنه لم يُرده](٣) .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٦٣٦.

٢ ـ مفاتيح الجنان : ١٠٥.

٣ ـ مختار الصحاح : ٢٤٨.

٣٧

دعاء اليوم السابع :

«اللهم اعني فيه على صيامه وقيامه ، وجنبني فيه من هفواته وآثامه ، وارزُقني فيه ذكرك بدوامه بتوفيقك يا هادي المضلين »

أضواع على هذا الدعاء :

في هذا الدعاء يطلب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من الله الإعانة على الصيام والقيام في ذلك اليوم ، وليس للمؤمن عون إلا الله خصوصا في الهداية والتوفيق للطاعة والبُعد عن المعصية.

والعون لغة هو : [الظهير على الأمر ، والجمع الأعوان ، والمعونة الإعانة.

وفي الدعاء : «رَبِّ أعني ولا تُعن عليّ »(١) .

وقد ورد في الدعاء أيضا : «اللهم أعنا على أنفسنا بما تعين به الصالحين على أنفسهم »

وفي الدعاء أيضا : «اللهم وأعنا على الاستنان بسنته فيه ونيل الشفاعة لديه ، اللهم وأجعله شفيعا مشفعا ، وطريقا إليك مهيعا »(٢) .

ثم ينتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى الفقرة الثانية فيقول :

«وجنبني فيه من هفواته وآثامه»

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٦٣.

٢ ـ مفاتيح الجنان : ٢١٧.

٣٨

أي : باعد يا ربي بيني وبين الهفوات والآثام التي توجب البعد عن الله تعالى ، والقرب من الشيطان.

و [الهفوات : جمع هفوة ، وهي : الزلة مأخوذة من هفا يهفو هفوة](١) .

و [الآثام : جمع أثم ، وهو : الذنب وقد أثم إثما ومُأثما إذا وقع في الآثم ، فهو : آثم ، والمأثوم المجزي جزاء إثمه.

وقد تسمى الخمر إثما ومنه قول الشاعر :

شربت الآثم حتى ضلّ عقلي

كذلك الآثم تَذهب بالعقول](٢)

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وارزقني فيه ذكرك بدوامه»

أي : أجعلني دائم الذكر لك في ذلك اليوم ، وليكن لساني بذكرك لهجا وقلبي بحبك متيما.

«وبتوفيقك يا هادي المضلين»

والتوفيق من الله تعالى يهبه لمن يستحق التوفيق ، ومن أكثر من النبي الأكرم عند الله توفيقا.

والله تعالى هو الهادي الذي يهدي المضلين الغافلين لكي يؤتدعوا ويعودوا إلى طريق الصواب ، ويبتعدوا عن طريق الضلال.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٦٩٦.

٢ ـ مختار الصحاح : ٦.

٣٩

دعاء اليوم الثامن :

«اللهم أرزقني فيه رحمة الأيتام ، وإطعام الطعام ، وإنشاء السلام ، وصحبة الكرام بطولك يا ملجأ الأملين ».

أضواء على هذا الدعاء :

يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في دعاء هذا اليوم : اللهم أرزقني أن أكون رحيما للأيتام ، والرحمة باليتيم لها مصااديق منها :

١ ـ أن تمسح على رأسه لتعوضه حنان من فقد.

٢ ـ أن لا تأكل ماله كما نهانا عن ذلك القرآن ، إذ يقول الحق تبارك وتعالى :( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) .

٣ ـ أن ندخل على قلبه الفرح ، والسرور ، وأن نمد له يد المساعدة وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله : «أن في الجنة دارا يقال لها الفرح لا يدخلها إلا من فرح يتامى المؤمنين ».

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا أتقى الله عز وجل » وأشار بالسبابة والوسطى ، وأتي إلى النبي برجل يشكو قسوة قلبه ، قال له :

«أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ، أرحم اليتيم وأمسح رأسه وأطعمه من طعامك يلين قلبك وتدرك حاجتك ».

__________________

١ ـ سورة الأنعام ، الآية : ١٥٢.

٤٠

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم إلا كتب الله له بكل شعرة مرت يدع عليها حسنة »(١) .

ثم ينتقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الفقرة الثانية فيقول :

«اللهم أرزقني فيه أطعام الطعام»

وإطعام الطعام فيه ثواب عظيم وأجر كبير في هذا الشهر خصوصا إفطار الصائمين ، فشهر رمضان شهر الكرم ، والجود ، لذا يقول الناس عنه (رمضان كريم).

وقد روى العلامة الحلي قدس سره في الرسالة السعدية عن الإمام الصادق : «أن أيما مؤمن أطعم مؤمنا لقمة في شهر رمضان كتب الله له أجر من أعتق ثلاثين رقبة مؤمنة ، وكان له عند الله دعوة مستجابة » ، ويقول عليه السلام : «أن الله عز وجل يحبّ الإطعام في الله ، ويحبّ الذي يطعم الطعام في الله ، والبركة في بيته أسرع من الشفرة في سنام البعير »(٢) .

ويزداد الأجر ويعظم الثواب إذا كان الذين يقدم لهم الطعام فقراء محتاجين فهم أولى من غيرهم بالإطعام.

ثم يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم :

اللهم أرزقني إفشاء السلام

وهي خصلة تدل على الكرم وسمو الأخلاق ، وإفشاء السلام أمر محبب ، والسلام أسم من أسماء الله الحسنى.

__________________

١ ـ التفسير المعين : ١٢.

٢ ـ مكارم الأخلاق : ١ / ٢٩٤ ، ح ٩١٢ / ١٧.

٤١

[وإفشاء السلام يعني نشره وإذاعته حتى يعتاد الناس عليه ، وفشا الخبر لغو ذاع](١) .

وقد وردت أحاديث كثيرة في السلام وآدابه منها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح ، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار ».

وقال أيضا : «أن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام ».

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «السلام تطوع ورده فريضة ».

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «السلام سبعون حسنة تسعة وستون للمبتدأ وواحد للراد ».

وقال الإمام الصادق عليه السلام : «السلام تحية لملتنا ، وأمان لذمتنا »(٢) .

ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«وارزقني فيه صحبة الكرام»

والصحبة ، تعني : المرافقة والمصاحبة ، ولكن يجب أن تكون مع كرام الناس دينا ، وخلقا ، وورعا ، وتواضعا ، فإن الإنسان يستفيد كل هذه المعاني والقيم من خلال صحبته لهم.

ثم يختم النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعائه بقوله :

«بطولك يا ملجأ الآملين»

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٥٠٤.

٢ ـ بحار الأنوار : ٧٦ / ١٢.

٤٢

و [الطَولُ لغة لمن ، يقال تطوّلَ عليه ، أي : أمتن عليه](١) ، والله تعالى يلجأ إليه الآملون فضله ، وثوابه ، ورضوانه ، وعفوه ، ويقال لغة : [الجأ آمره إلى الله أسنده].

و [الآمل هو الرجاء ، يقال أمَلَ خيره يأمُل أملا وأملَه تأميلا ، أي رجاه](٢) .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٠١.

٢ ـ مختار الصحاح : ٢٥.

٤٣

دعاء اليوم التاسع :

«اللهم أجعل لي فيه نصيبا من رحمتك الواسعة ، واهدني فيه لبراهينك الساطعة ، وخذ بناصيتي إلى مرضاتك الجامعة بمحبتك يا أمل المشتاقين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم أجعل لي فيه نصيبا من رحمتك الواسعة »

و [النصيب لغة ، هو : الحظ والجد ، يقال حظّ الرجل يحظُ حظا ، أي : صار ذا حظٍ من الرزق](١) .

وبعد معرفة المعنى لغويا يتضح المقصود من هذه الفقرة من الدعاء الشريف ، أي أجعل لي يا رب حظا من رحمتك التي وسعت كل شيء ، كما ورد أيضا في دعاء كميل لأمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول : «اللهم أني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء »(٢) .

وقد قال الإمام زين العابدين علي عليه السلام في دعاء السَحَر : «واجعلني من أوفر عبادك عندك نصيبا من كل خير أنزلته وتنزله في شهر رمضان وفي ليلة القدر »

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«واهدني فيه لبراهينك الساطعة»

ولا شك بأن الهداية للعبد من الله بتوسط إرادة العبد نفسه.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ١٤٣.

٢ ـ مفاتيح الجنان : ١٠٠.

٤٤

١ ـ والهداية تشريعية ، وهي التي أرسل الله بها الرسل والأنبياء لهداية البشرية ، قال تعالى :( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .

٢ ـ والهداية التكوينية ، وتشترك بها المخلوقات والحق سبحانه يقول :( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) (١) .

و [البراهين جمع برهان من الدعاء أن يهديه الله تعالى وهو الهادي ليعرف الله بالبرهان والدليل والحجة ، وليقيم بذلك الحجة على المنكرين ، وكيف يمكن للمنكر أن ينكر البرهان الساطع والحجة الدامغة قال تعالى :( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ ) (٣) .

ثم قال في الفقرة الأخيرة من الدعاء :

«وخذ بناصيتي إلى مرضاتك الجامعة بمحبتك يا أمل المشتاقين ».

الناصية لغة واحدة النواصي ، وهي : مقدمة شعر الرأس والمراد بالدعاء أن يهديه الله ويوجهه إلى حيث ما يوجب رضاه ، ومغفرته ، وعفوه ، ومرضاة الله الجامعة كل ما يؤدي إلى رضا الله عن البعد ، ويبعد عنه غضبه وسخطه ، وأن يأخذ بيده لِما فيه الخير ، والصلاح ، والرضوان.

__________________

١ ـ سورة السجدة ، الآية : ٢.

٢ ـ مختار الصحاح : ٥٠.

٣ ـ سورة الطور ، الآية : ٣٥.

٤٥

ويقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمحبة الله لأوليائه ومحبة أوليائه له أن يوفقه الله لذلك.

والله تعالى هو أمل من أملهُ من عباده الصالحين المشتاقين لعفوه ورحمته ، وقد ورد في دعاء كميل لأمير المؤمنين علي عليه السلام قوله : «وهب لي الجدَ في خشيتك ، والدوام في الاتصال بخدمتك حتى أسرح إليك في ميادين السابقين ، وأسرع إليك في المبادرين ، وأشتاق إلى قربك في المشتاقين »(١) .

__________________

١ ـ مفاتيح الجنان : ١٠٥.

٤٦

دعاء اليوم العاشر :

«اللهم أجعلني فيه من المتوكلين عليك ، واجعلني فيه من الفائزين لديك ، واجعلني فيه من المقربين إليك بإحسانك يا غاية الطالبين »

أضواء على هذا الدعاء :

[التوكل ـ لغة ـ : أظهار العجز والاعتماد على غيرك ، وأتكل على فلان في أمره إذا أعتمده ، وإذا أتكل كل واحد منهما على صاحبه ، أي : أعتمد عليه](١) .

والمؤمن الصادق في إيمانه لا يعتمد إلا على الله تعالى في كل أموره ومهامه ، وإذا لم يتكل ويعتمد على الله فعلى من يعتمد إذن؟ ، وهو القادر على كل شيء وبيده مقاليد الأمور.

والفوز ، معناه : النجاة والظفر بالخير والسلامة ، ومنه قوله تعالى :( فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ) ٢ ، أي : بمنجاة منه.

والمؤمن يطلب من الله تعالى الفوز بالرضوان والجنة ، ويطمع دائما بكرم الله تعالى أن يجعله من الفائزين عنه ، وأن يحقق له النجاح في دينه ودنياه

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«واجعلني فيه من المقربين إليك»

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٧٣٤.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٨٨.

٤٧

والمؤمن يكون مقربا من الله بإيمانه ، وتقواه ، وورعه ، ورجاءه فيكون مشمولا بالرحمة الإلهية والإمداد الغيبي وغاية منى العبد أن يكون مقربا إلى الله تعالى ، وقريبا من رحمته ، ولا يتم ذلك إلا بالجهد ، وبالجد ، والاجتهاد ، وترويض النفس.

ويختم الطصفى دعائه لليوم العاشر من شهر رمضان المبارك بقوله :

«بإحسانك يا غاية الطالبين»

والله تعالى هو المحسن المتفضل ، وقد أمر بالإحسان بقوله تعالى :( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ) (١) .

وهو تعالى مصدر الإحسان و [الحُسنُ لغة ضد القبح ، والجمع محاسن ، والحسنة ضد السيئة والمحاسن ضد المساوئ والحُسنى ضد السُوءى](٢) .

وهنا ندرك المعاني الجميلة للإحسان ومشتقاته والله تعالى هو الغاية القصوى المرجوة من العبد الذي يطلب من الله الرحمة ، والرضا ، والقبول ، والعفو ، والصفح ، و [الغاية لغة مدى الشيء ، والجمع غاي](٣) .

__________________

١ ـ سورة النحل ، الآية : ٩٠.

٢ ـ مختار الصحاح : ١٣٦.

٣ ـ مختار الصحاح : ٤٨٨.

٤٨

دعاء اليوم الحادي عشر :

«اللهم حَبَبْ إليّ فيه الإحسان ، وكرّه إليّ فيه الفُسوق والعصيان ، وحرم عليَّ فيه السَخط والنيران بعونك يا غياث المستغيثين ».

أضواء على هذا الدعاء :

في هذا الدعاء المبارك يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الله تعالى أن يجعل الإحسان لديه محبوبا حتى يفعله ويأتي به ، والإنسان إذا أحب شيء صار مرغوبا عنده فيقدم عليه وهو ضد الكُره ، ومراد الدعاء على اختصاره أن يلقي الله محبة الإحسان في قلب المؤمن حتى يواظب عليه ، وعادة إذا لم يحب الإنسان أمراً ما يبتعد عنه وينأى بنفسه عنه ، وإذا أحب أمراً ما أقبل عليه ، ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وكرّه إليّ فيه الفُسوق والعصيان»

فإذا كره الإنسان شيئاً أبتعد عنه وأعرض ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله أن يكون الفسوق والعصيان عنده مكروهين بقدرة الله وتوفيقه ، وتأييده ، وهدايته.

[الفسوق لغة مأخوذ من فسقت الرطبة خرجت من قشرها ، وفسق عن أمر ربه ، أي : خرج](١) .

وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى :( بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ) (٢) .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٥٠٣.

٢ ـ سورة الحجرات ، الآية : ١١.

٤٩

والفسوق شرعا هو الخروج عن طريق الطاعة ، و [العصيان لغة ضد الطاعة ، وقد عصاه معصية وعصياناً ، فهو عاص](١) .

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وحرم عليّ فيه السَخط والنيران»

أي اجعل يا ربي السَخط وهو الغضب والنيران حراما عليّ لأني في طاعتك وعبادتك ، وفي فناء شهرك الفضيل الذي تغلق فيه أبواب النيران ، وتفتح فيه أبواب الجنان ، فلا تحرمني من عفوك وجنانك ، لأن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ، لأنه شهر المغفرة ، والعفو ، والرحمة ، والحرمة لغة ما لا يحل انتهاكه.

ويختم الدعاء صلى الله عليه وآله وسلم بقوله :

«بعونك يا غياث المستغيثين»

فالله تعالى هو المستعان ومنه نطلب العون وبه نستعين ، وهو غياث من لا غياث له ، وسند من لا سند له ، وذخر من لا ذخر له ، والمستغيث هو : من يطلب الغوث ، وهو : النصرة والمساعدة.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٣٨.

٥٠

دعاء اليوم الثاني عشر :

«اللهم زينيّ فيه بالستر والعفاف ، واستُرني فيه بلباس القنوع والكَفاف ، واحملني فيه على العدل والأنصاف ، وآمني فيه من كل ما أخاف بمعصيتك يا عصمة الخائفين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم زينيّ فيه بالستر والعفاف » ، ورد في اللغة : أن [الزينة ما يُتزين به ، ويوم الزينة يوم العيد ، والزين ضد الشين ، وزينة تزينا وتزين وازدان بمعنى ، ويقال وأزينت الأرض بعُشبها](١) .

والستر لغة : جمعه ستور ، وأستار ، وستر الشيء غطاه ، والعفاف مأخوذ من عفّ ، أي : كف ، فعف عن الحرام ، معناه : كف عن الحرام ، ويقال : رجل عفيف وامرأة عفة وعفيفة ، ويقال : تعفف عن المسألة تكلف العفة.

والتعفف هنا يعني الحياء ، قال تعالى :( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ) (٢) .

والمقصود من هذه الفقرة : اللهم جملني فيه بأن تجعلني مستور العيوب ، مليئا بالعفة والحياء حتى أبدو جميلا في هذا اليوم وفي كل يوم.

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«واستُرني فيه بلباس القنوع والكَفاف»

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٢٨٠.

٢ ـ سورة البقرة : الآية : ٢٧٣.

٥١

واللباس ما يُلبس وكذا الملبس ، وهنا يراد به اللباس المادي من ثياب وغيرها التي تستر البدن ، والمقصود من قوله صلى الله عليه وآله وسلم هو اللباس بالمعنى الثاني غير المادي كما في قوله تعالى :( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) (١) ،( لِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) (٢) .

[والمقصود به هنا الحياة](٣) .

[القنوع لغة : السؤال والتذلل ، وبابه خضع فهو : قانع ، وقال الفراء : القانع الذي يسألك فما أعطيته قبلهُ ، والقناعة الرضا بالقسم ، وقال بعض أهل العلم أن القنوع قد يكون بمعنى الرضا ، والقانع بمعنى الراضي](٤) .

وقد ورد في القناعة كثير من الأحاديث ففي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى :( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) (٥) ، قال كما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «أنها القناعة والرضا بما قسم الله »(٦) .

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : «من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس » ، وعن علي عليه السلام قال : «الهم نفسك القنوع »(٧) .

و [الكفاف من الرزق القوت ، وهو ما كفَّ عن الناس ، أي :

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٧.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ٢٦.

٣ ـ مختار الصحاح : ٥٩٠.

٤ ـ مختار الصحاح : ٥٥٢.

٥ ـ سورة النحل ، الآية : ٩٧.

٦ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن : ٦ / ٣٨٤.

٧ ـ التفسير المعين : ٣٣٦.

٥٢

اغنى ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم : «اللهم أجعل رزق آل محمد كَفافا »](١) .

والكفاف والقنوع معنيان متقاربان في هذا الدعاء.

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«واحملني فيه على العدل والإنصاف»

والمعنى واضح جلي ، أي اجعلني فيه متصفا بالعدل في الحكم والقول وكل ما يجب فيه العدل.

و [العدل ضد الجور ، يقال : عدل عليه في القضية فهو عادل ، وبسط الوالي عدله.

والأنصاف هو العدل ، يقال : أنصف الرجل عَدَل ، ويقال : أنصفه من نفسه](٢) .

والأنصاف والعدل معنيان متقاربان في هذا الدعاء ، ثم ينتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى فقرة أخرى من الدعاء يقول فيها :

«وآمني فيه من كل ما أخاف بعصمتك يا عصمة الخائفين »

و [الأمان والأمانة بمعنى واحد ، وقد أمن أمانا فهو آمن وآمنه غيره من الأمن والأمان ، والأمن ضد الخوف](٣) .

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يطلب في دعائه أن يكون آمنا في ذلك اليوم من كل ما يسبب الخوف والهلع سواء كانت مخاوف دنيوية أو أخروية ، ويعتصم بالله تعالى الذي هو عصمة الخائفين ، وأمل الراجين من كل ما يحذر ويخاف.

و [العصمة لغة ، هي : المنع ، يقال عصمه الطعام ،

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٥٧٤.

٢ ـ مختار الصحاح : ٦٦٣.

٣ ـ مختار الصحاح : ٢٦.

٥٣

أي : منعه من الجوع ، والعصمة أيضا الحفظ ، وأعتصم بالله أمتنع بلطفه ، ومنه قوله تعالى :( قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ ) ١ ، وقوله تعالى :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) (٢) .

وقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قوله : «من ألهم العصمة أمن الزلل ».

وقال عليه السلام : «من أعتصم بالله عزّ مطلبه ».

وقد سُئل الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام : ما معنى قولكم أن الإمام لا يكون إلا معصوما؟!

فقال : «المعصوم هو الممتنع بالله من جميع المحارم »(٣) .

وقد قال الله تعالى :( وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّـهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٤) .

__________________

١ ـ سورة هود ، الآية : ٤٣.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٠٢.

٣ ـ التفسير المعين : ٢٤١.

٤ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٠١.

٥٤

دعاء اليوم الثالث عشر :

«اللهم طهرني فيه من الدنس والأقذار ، وصبرني فيه على كائنات الأقدار ، ووفقني فيه للثقى وصحبة الأبرار يعونك يا قرة عين المساكين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم طهرني فيه من الدنس والأقذار » ، والطهارة هنا معنوية وهي : [لغة مأخوذا من طهُر الشيء يطهُر طهارة ، وقوم يتطهرون ، أي يتنزهون من الأدناس ، ورجل طاهر الثياب ، أي منزه ، وبهذه الإضاءة اللغوية يتضح معنى : الدعاء.

والدنس لغة الوسخ ، وقد دنس التوب توسخ وتدنس ودنسه غيره تدنيسا.

و [الأقذار جمع قذر ، وهو ضد النظافة وشيء قذر بيَّن القذارة ، ويقال : قذرتُ الشيء فقذرته واستقذرته ، أي : كرهته] ١ ، والقذر والدنس معنيان متقاربان في هذا الدعاء.

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وصبرني فيه على كائنات الأقدار»

أي أجعلني صابرا على القضاء والقدر راضيا بقضائك وقدرك.

والصبر منزلة عالية لا ينالها إلا من امتحن الله تعالى قلبه

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٢٢٥.

٥٥

بالإيمان قال تعالى :( وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) ١ ، وقال تعالى :( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ ) (٢) .

وقد سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما الإيمان؟ ،

قال : «الصبر »

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «الصبر أحسن حلل الإيمان وأشرف خلائق الإنسان »

وقال عليه السلام : «الصبر عن الشهوة عفة وعن الغضب نجدة وعن المعصية ورع »(٣) .

ثم ينتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى المقطع الثالث من الدعاء فيقول :

«ووفقني فيه للتقى وصحبة الأبرار»

ولا شك بأن المؤمن يحتاج إلى توفيق الله تعالى له بالهداية شرط أن يكون مستعدا لها ، وقد ورد في الدعاء عن الإمام المهدي عليه السلام قوله : «اللهم أرزقنا توفيق الطاعة وبُعد المعصية ، وصدق النية ، وعرفان الحرمة ، وأكرمنا بالهدى ، والاستقامة ، وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة »(٤) .

ولا يستغني المؤمن عن التوفيق الإلهي في أموره كلها خصوصا ما يتعلق منها بطاعة الله وعبادته ، والخوف منه ، وكل ذلك بتوفيق الله ، والتُقى هو التقوى ، وما هو يُتقى به

__________________

١ ـ سورة النحل ، الآية ١٢٧.

٢ ـ سورة النحل ، الآية : ١٢٧.

٣ ـ التفسير المعين : ٥٠٦.

٤ ـ مفاتيح الجنان : ١٧٠.

٥٦

سخط الله وذلك بلزوم الطاعات وترك المعاصي والمحرمات.

و [الأبرار جمع بر ، وتجمع على بررة وكله مأخوذ لغة من برر ، والبر هو : ضد العقوق ، ويقال فلان يبر خالقه ، أي يطيعه](١) ، وإذن الأبرار هنا هم المطيعون والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله تعالى أن يوفقه لصحبة الأبرار المطيعين لله تعالى.

ثم يختم صلى الله عليه وآله وسلم دعائه بقوله :

«بعونك يا قرة عين المساكين»

فهو يستعين بالله تعالى أن يوفقه لكل ما تقدم لأن ذلك يحصل بعونه تعالى لعبده المؤمن ، إذا كان مستعدا لذلك يقال : لغة [قرت عينه ضد سخنت وأقر الله عينه أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه ، ويقال : حتى تبرُد ولا تسخن فللسرور دمعة باردة وللحزن دمعة حارة](٢) .

والمسكين جمعه مساكين ، وهو : الفقير الذي لا شيء له ، وقيل المسكين أحسن حالا من الفقير ، وقيل العكس.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٧.

٢ ـ مختار الصحاح : ٥٢٨.

٥٧

دعاء اليوم الرابع عشر :

«اللهم لا تؤاخذني فيه بالعثرات ، واقلني فيه من الخطايا والهفوات ، ولا تجعلني فيه غرضا للبلايا ، والآفات بعزتك يا عز المسلمين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم لا تؤاخذني فيه بالعثرات »

أخذ لعة تناول والمقصود بالدعاء هناك : اللهم لا تتناولني بالعقوبة إذا عثرت في حياتي فعصيتُ لك أمراً وخالفت لك حُكما.

وقد جاء في قوله تعالى :( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ) (١) .

و [العثرات جمع عثرة ، وهي : لغة الزلة التي تؤدي إلى السقوط ، فيقال عثر في ثوبه ، وعثر به فرسه فسقط](٢) .

والمقصود بها في الدعاء الذنوب التي تؤدي بالسقوط في المعاصي.

«وأقلني فيه من الخطايا والهفوات»

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦.

٢ ـ مختار الصحاح : ٤١٢.

٥٨

و [الخطايا جمع خطيئة ، وهي : الذنب والخاطئ من تعمد ما لا ينبغي](١) .

و [الهفوات جمع هفوة ، وهي : لغة الزلة وقد هفا يهفو هفوة](٢) .

والمعنيان هنا متقاربان ، ومعنى ذلك ، أي : يا ربي أحملني فيه على التباعد عن الخطايا والهفوات حتى أسرح في رياض طاعتك وأذوق حلاوة عبادتك ، وقد جاء في دعاء كميل :

«وأقلني عثرتي ، وأغفر زلتي ، ولا تجعلني فيه غرضا للبلايا والآفات »

والغرض ـ لغة ـ ، هو : الهدف الذي يُرمى فيه ويقال فيهم غرضه ، أي قصده.

والبلايا جمع بلية والبلوى والبلاء ، ومنه ما هو بلاء حسن ، ومنه بلاء خير حسن في نتائج البلاء وانعكاسها ، و [الآفات جمع آفة ، وهي : العاهة والزرع وأصابتهُ آفة فتلف](٣) .

والمراد بالدعاء هنا : يا ربي لا تجعلني هدفا للمصائب ، والابتلاءات الصعبة التي يصعب النجاح فيها ، وادفع عني الأرزاء ، والعاهات وكل ما يمنعني من مواصلة عبادتك ، والصبر على طاعتك.

«بعزتك يا عز المسلمين»

والعِزة ضد الذل والله تعالى هو : ذو العزة والجلال ويهب العِزة لأوليائه ، وفي طليعة أوليائه الرسول الأعظم

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ١٨٠.

٢ ـ مختار الصحاح : ٦٩٦.

٣ ـ مختار الصحاح : ٣٢.

٥٩

صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون ، قال تعالى :( وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) ١ ، والله تعالى هو : عز المسلمين الذين آمنوا به وعبدوه ، ووحدوه ، ولم يُشركوا به شيئا ، وآمنوا برسله ، وملائكته ، واليوم الآخر ، يستمدون قوتهم ومنعتهم ورفعتهم من صاحب العِزة الأول وهو : الله تبارك وتعالى ، ومن أسمائه الحسنى تبارك أسمه العزيز.

قال تبارك وتقدس :( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) (٢) .

__________________

١ ـ المنافقون : ٨.

٢ ـ سورة تبارك ، الآية : ١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120