أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك33%

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 120

  • البداية
  • السابق
  • 120 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30380 / تحميل: 4979
الحجم الحجم الحجم
أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم إلا كتب الله له بكل شعرة مرت يدع عليها حسنة »(١) .

ثم ينتقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الفقرة الثانية فيقول :

«اللهم أرزقني فيه أطعام الطعام»

وإطعام الطعام فيه ثواب عظيم وأجر كبير في هذا الشهر خصوصا إفطار الصائمين ، فشهر رمضان شهر الكرم ، والجود ، لذا يقول الناس عنه (رمضان كريم).

وقد روى العلامة الحلي قدس سره في الرسالة السعدية عن الإمام الصادق : «أن أيما مؤمن أطعم مؤمنا لقمة في شهر رمضان كتب الله له أجر من أعتق ثلاثين رقبة مؤمنة ، وكان له عند الله دعوة مستجابة » ، ويقول عليه السلام : «أن الله عز وجل يحبّ الإطعام في الله ، ويحبّ الذي يطعم الطعام في الله ، والبركة في بيته أسرع من الشفرة في سنام البعير »(٢) .

ويزداد الأجر ويعظم الثواب إذا كان الذين يقدم لهم الطعام فقراء محتاجين فهم أولى من غيرهم بالإطعام.

ثم يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم :

اللهم أرزقني إفشاء السلام

وهي خصلة تدل على الكرم وسمو الأخلاق ، وإفشاء السلام أمر محبب ، والسلام أسم من أسماء الله الحسنى.

__________________

١ ـ التفسير المعين : ١٢.

٢ ـ مكارم الأخلاق : ١ / ٢٩٤ ، ح ٩١٢ / ١٧.

٤١

[وإفشاء السلام يعني نشره وإذاعته حتى يعتاد الناس عليه ، وفشا الخبر لغو ذاع](١) .

وقد وردت أحاديث كثيرة في السلام وآدابه منها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح ، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار ».

وقال أيضا : «أن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام ».

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «السلام تطوع ورده فريضة ».

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «السلام سبعون حسنة تسعة وستون للمبتدأ وواحد للراد ».

وقال الإمام الصادق عليه السلام : «السلام تحية لملتنا ، وأمان لذمتنا »(٢) .

ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«وارزقني فيه صحبة الكرام»

والصحبة ، تعني : المرافقة والمصاحبة ، ولكن يجب أن تكون مع كرام الناس دينا ، وخلقا ، وورعا ، وتواضعا ، فإن الإنسان يستفيد كل هذه المعاني والقيم من خلال صحبته لهم.

ثم يختم النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعائه بقوله :

«بطولك يا ملجأ الآملين»

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٥٠٤.

٢ ـ بحار الأنوار : ٧٦ / ١٢.

٤٢

و [الطَولُ لغة لمن ، يقال تطوّلَ عليه ، أي : أمتن عليه](١) ، والله تعالى يلجأ إليه الآملون فضله ، وثوابه ، ورضوانه ، وعفوه ، ويقال لغة : [الجأ آمره إلى الله أسنده].

و [الآمل هو الرجاء ، يقال أمَلَ خيره يأمُل أملا وأملَه تأميلا ، أي رجاه](٢) .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٠١.

٢ ـ مختار الصحاح : ٢٥.

٤٣

دعاء اليوم التاسع :

«اللهم أجعل لي فيه نصيبا من رحمتك الواسعة ، واهدني فيه لبراهينك الساطعة ، وخذ بناصيتي إلى مرضاتك الجامعة بمحبتك يا أمل المشتاقين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم أجعل لي فيه نصيبا من رحمتك الواسعة »

و [النصيب لغة ، هو : الحظ والجد ، يقال حظّ الرجل يحظُ حظا ، أي : صار ذا حظٍ من الرزق](١) .

وبعد معرفة المعنى لغويا يتضح المقصود من هذه الفقرة من الدعاء الشريف ، أي أجعل لي يا رب حظا من رحمتك التي وسعت كل شيء ، كما ورد أيضا في دعاء كميل لأمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول : «اللهم أني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء »(٢) .

وقد قال الإمام زين العابدين علي عليه السلام في دعاء السَحَر : «واجعلني من أوفر عبادك عندك نصيبا من كل خير أنزلته وتنزله في شهر رمضان وفي ليلة القدر »

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«واهدني فيه لبراهينك الساطعة»

ولا شك بأن الهداية للعبد من الله بتوسط إرادة العبد نفسه.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ١٤٣.

٢ ـ مفاتيح الجنان : ١٠٠.

٤٤

١ ـ والهداية تشريعية ، وهي التي أرسل الله بها الرسل والأنبياء لهداية البشرية ، قال تعالى :( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .

٢ ـ والهداية التكوينية ، وتشترك بها المخلوقات والحق سبحانه يقول :( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) (١) .

و [البراهين جمع برهان من الدعاء أن يهديه الله تعالى وهو الهادي ليعرف الله بالبرهان والدليل والحجة ، وليقيم بذلك الحجة على المنكرين ، وكيف يمكن للمنكر أن ينكر البرهان الساطع والحجة الدامغة قال تعالى :( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ ) (٣) .

ثم قال في الفقرة الأخيرة من الدعاء :

«وخذ بناصيتي إلى مرضاتك الجامعة بمحبتك يا أمل المشتاقين ».

الناصية لغة واحدة النواصي ، وهي : مقدمة شعر الرأس والمراد بالدعاء أن يهديه الله ويوجهه إلى حيث ما يوجب رضاه ، ومغفرته ، وعفوه ، ومرضاة الله الجامعة كل ما يؤدي إلى رضا الله عن البعد ، ويبعد عنه غضبه وسخطه ، وأن يأخذ بيده لِما فيه الخير ، والصلاح ، والرضوان.

__________________

١ ـ سورة السجدة ، الآية : ٢.

٢ ـ مختار الصحاح : ٥٠.

٣ ـ سورة الطور ، الآية : ٣٥.

٤٥

ويقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمحبة الله لأوليائه ومحبة أوليائه له أن يوفقه الله لذلك.

والله تعالى هو أمل من أملهُ من عباده الصالحين المشتاقين لعفوه ورحمته ، وقد ورد في دعاء كميل لأمير المؤمنين علي عليه السلام قوله : «وهب لي الجدَ في خشيتك ، والدوام في الاتصال بخدمتك حتى أسرح إليك في ميادين السابقين ، وأسرع إليك في المبادرين ، وأشتاق إلى قربك في المشتاقين »(١) .

__________________

١ ـ مفاتيح الجنان : ١٠٥.

٤٦

دعاء اليوم العاشر :

«اللهم أجعلني فيه من المتوكلين عليك ، واجعلني فيه من الفائزين لديك ، واجعلني فيه من المقربين إليك بإحسانك يا غاية الطالبين »

أضواء على هذا الدعاء :

[التوكل ـ لغة ـ : أظهار العجز والاعتماد على غيرك ، وأتكل على فلان في أمره إذا أعتمده ، وإذا أتكل كل واحد منهما على صاحبه ، أي : أعتمد عليه](١) .

والمؤمن الصادق في إيمانه لا يعتمد إلا على الله تعالى في كل أموره ومهامه ، وإذا لم يتكل ويعتمد على الله فعلى من يعتمد إذن؟ ، وهو القادر على كل شيء وبيده مقاليد الأمور.

والفوز ، معناه : النجاة والظفر بالخير والسلامة ، ومنه قوله تعالى :( فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ) ٢ ، أي : بمنجاة منه.

والمؤمن يطلب من الله تعالى الفوز بالرضوان والجنة ، ويطمع دائما بكرم الله تعالى أن يجعله من الفائزين عنه ، وأن يحقق له النجاح في دينه ودنياه

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«واجعلني فيه من المقربين إليك»

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٧٣٤.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٨٨.

٤٧

والمؤمن يكون مقربا من الله بإيمانه ، وتقواه ، وورعه ، ورجاءه فيكون مشمولا بالرحمة الإلهية والإمداد الغيبي وغاية منى العبد أن يكون مقربا إلى الله تعالى ، وقريبا من رحمته ، ولا يتم ذلك إلا بالجهد ، وبالجد ، والاجتهاد ، وترويض النفس.

ويختم الطصفى دعائه لليوم العاشر من شهر رمضان المبارك بقوله :

«بإحسانك يا غاية الطالبين»

والله تعالى هو المحسن المتفضل ، وقد أمر بالإحسان بقوله تعالى :( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ) (١) .

وهو تعالى مصدر الإحسان و [الحُسنُ لغة ضد القبح ، والجمع محاسن ، والحسنة ضد السيئة والمحاسن ضد المساوئ والحُسنى ضد السُوءى](٢) .

وهنا ندرك المعاني الجميلة للإحسان ومشتقاته والله تعالى هو الغاية القصوى المرجوة من العبد الذي يطلب من الله الرحمة ، والرضا ، والقبول ، والعفو ، والصفح ، و [الغاية لغة مدى الشيء ، والجمع غاي](٣) .

__________________

١ ـ سورة النحل ، الآية : ٩٠.

٢ ـ مختار الصحاح : ١٣٦.

٣ ـ مختار الصحاح : ٤٨٨.

٤٨

دعاء اليوم الحادي عشر :

«اللهم حَبَبْ إليّ فيه الإحسان ، وكرّه إليّ فيه الفُسوق والعصيان ، وحرم عليَّ فيه السَخط والنيران بعونك يا غياث المستغيثين ».

أضواء على هذا الدعاء :

في هذا الدعاء المبارك يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الله تعالى أن يجعل الإحسان لديه محبوبا حتى يفعله ويأتي به ، والإنسان إذا أحب شيء صار مرغوبا عنده فيقدم عليه وهو ضد الكُره ، ومراد الدعاء على اختصاره أن يلقي الله محبة الإحسان في قلب المؤمن حتى يواظب عليه ، وعادة إذا لم يحب الإنسان أمراً ما يبتعد عنه وينأى بنفسه عنه ، وإذا أحب أمراً ما أقبل عليه ، ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وكرّه إليّ فيه الفُسوق والعصيان»

فإذا كره الإنسان شيئاً أبتعد عنه وأعرض ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله أن يكون الفسوق والعصيان عنده مكروهين بقدرة الله وتوفيقه ، وتأييده ، وهدايته.

[الفسوق لغة مأخوذ من فسقت الرطبة خرجت من قشرها ، وفسق عن أمر ربه ، أي : خرج](١) .

وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى :( بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ) (٢) .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٥٠٣.

٢ ـ سورة الحجرات ، الآية : ١١.

٤٩

والفسوق شرعا هو الخروج عن طريق الطاعة ، و [العصيان لغة ضد الطاعة ، وقد عصاه معصية وعصياناً ، فهو عاص](١) .

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وحرم عليّ فيه السَخط والنيران»

أي اجعل يا ربي السَخط وهو الغضب والنيران حراما عليّ لأني في طاعتك وعبادتك ، وفي فناء شهرك الفضيل الذي تغلق فيه أبواب النيران ، وتفتح فيه أبواب الجنان ، فلا تحرمني من عفوك وجنانك ، لأن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ، لأنه شهر المغفرة ، والعفو ، والرحمة ، والحرمة لغة ما لا يحل انتهاكه.

ويختم الدعاء صلى الله عليه وآله وسلم بقوله :

«بعونك يا غياث المستغيثين»

فالله تعالى هو المستعان ومنه نطلب العون وبه نستعين ، وهو غياث من لا غياث له ، وسند من لا سند له ، وذخر من لا ذخر له ، والمستغيث هو : من يطلب الغوث ، وهو : النصرة والمساعدة.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٣٨.

٥٠

دعاء اليوم الثاني عشر :

«اللهم زينيّ فيه بالستر والعفاف ، واستُرني فيه بلباس القنوع والكَفاف ، واحملني فيه على العدل والأنصاف ، وآمني فيه من كل ما أخاف بمعصيتك يا عصمة الخائفين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم زينيّ فيه بالستر والعفاف » ، ورد في اللغة : أن [الزينة ما يُتزين به ، ويوم الزينة يوم العيد ، والزين ضد الشين ، وزينة تزينا وتزين وازدان بمعنى ، ويقال وأزينت الأرض بعُشبها](١) .

والستر لغة : جمعه ستور ، وأستار ، وستر الشيء غطاه ، والعفاف مأخوذ من عفّ ، أي : كف ، فعف عن الحرام ، معناه : كف عن الحرام ، ويقال : رجل عفيف وامرأة عفة وعفيفة ، ويقال : تعفف عن المسألة تكلف العفة.

والتعفف هنا يعني الحياء ، قال تعالى :( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ) (٢) .

والمقصود من هذه الفقرة : اللهم جملني فيه بأن تجعلني مستور العيوب ، مليئا بالعفة والحياء حتى أبدو جميلا في هذا اليوم وفي كل يوم.

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«واستُرني فيه بلباس القنوع والكَفاف»

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٢٨٠.

٢ ـ سورة البقرة : الآية : ٢٧٣.

٥١

واللباس ما يُلبس وكذا الملبس ، وهنا يراد به اللباس المادي من ثياب وغيرها التي تستر البدن ، والمقصود من قوله صلى الله عليه وآله وسلم هو اللباس بالمعنى الثاني غير المادي كما في قوله تعالى :( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) (١) ،( لِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) (٢) .

[والمقصود به هنا الحياة](٣) .

[القنوع لغة : السؤال والتذلل ، وبابه خضع فهو : قانع ، وقال الفراء : القانع الذي يسألك فما أعطيته قبلهُ ، والقناعة الرضا بالقسم ، وقال بعض أهل العلم أن القنوع قد يكون بمعنى الرضا ، والقانع بمعنى الراضي](٤) .

وقد ورد في القناعة كثير من الأحاديث ففي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى :( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) (٥) ، قال كما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «أنها القناعة والرضا بما قسم الله »(٦) .

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : «من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس » ، وعن علي عليه السلام قال : «الهم نفسك القنوع »(٧) .

و [الكفاف من الرزق القوت ، وهو ما كفَّ عن الناس ، أي :

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٧.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ٢٦.

٣ ـ مختار الصحاح : ٥٩٠.

٤ ـ مختار الصحاح : ٥٥٢.

٥ ـ سورة النحل ، الآية : ٩٧.

٦ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن : ٦ / ٣٨٤.

٧ ـ التفسير المعين : ٣٣٦.

٥٢

اغنى ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم : «اللهم أجعل رزق آل محمد كَفافا »](١) .

والكفاف والقنوع معنيان متقاربان في هذا الدعاء.

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«واحملني فيه على العدل والإنصاف»

والمعنى واضح جلي ، أي اجعلني فيه متصفا بالعدل في الحكم والقول وكل ما يجب فيه العدل.

و [العدل ضد الجور ، يقال : عدل عليه في القضية فهو عادل ، وبسط الوالي عدله.

والأنصاف هو العدل ، يقال : أنصف الرجل عَدَل ، ويقال : أنصفه من نفسه](٢) .

والأنصاف والعدل معنيان متقاربان في هذا الدعاء ، ثم ينتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى فقرة أخرى من الدعاء يقول فيها :

«وآمني فيه من كل ما أخاف بعصمتك يا عصمة الخائفين »

و [الأمان والأمانة بمعنى واحد ، وقد أمن أمانا فهو آمن وآمنه غيره من الأمن والأمان ، والأمن ضد الخوف](٣) .

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يطلب في دعائه أن يكون آمنا في ذلك اليوم من كل ما يسبب الخوف والهلع سواء كانت مخاوف دنيوية أو أخروية ، ويعتصم بالله تعالى الذي هو عصمة الخائفين ، وأمل الراجين من كل ما يحذر ويخاف.

و [العصمة لغة ، هي : المنع ، يقال عصمه الطعام ،

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٥٧٤.

٢ ـ مختار الصحاح : ٦٦٣.

٣ ـ مختار الصحاح : ٢٦.

٥٣

أي : منعه من الجوع ، والعصمة أيضا الحفظ ، وأعتصم بالله أمتنع بلطفه ، ومنه قوله تعالى :( قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ ) ١ ، وقوله تعالى :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) (٢) .

وقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قوله : «من ألهم العصمة أمن الزلل ».

وقال عليه السلام : «من أعتصم بالله عزّ مطلبه ».

وقد سُئل الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام : ما معنى قولكم أن الإمام لا يكون إلا معصوما؟!

فقال : «المعصوم هو الممتنع بالله من جميع المحارم »(٣) .

وقد قال الله تعالى :( وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّـهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٤) .

__________________

١ ـ سورة هود ، الآية : ٤٣.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٠٢.

٣ ـ التفسير المعين : ٢٤١.

٤ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٠١.

٥٤

دعاء اليوم الثالث عشر :

«اللهم طهرني فيه من الدنس والأقذار ، وصبرني فيه على كائنات الأقدار ، ووفقني فيه للثقى وصحبة الأبرار يعونك يا قرة عين المساكين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم طهرني فيه من الدنس والأقذار » ، والطهارة هنا معنوية وهي : [لغة مأخوذا من طهُر الشيء يطهُر طهارة ، وقوم يتطهرون ، أي يتنزهون من الأدناس ، ورجل طاهر الثياب ، أي منزه ، وبهذه الإضاءة اللغوية يتضح معنى : الدعاء.

والدنس لغة الوسخ ، وقد دنس التوب توسخ وتدنس ودنسه غيره تدنيسا.

و [الأقذار جمع قذر ، وهو ضد النظافة وشيء قذر بيَّن القذارة ، ويقال : قذرتُ الشيء فقذرته واستقذرته ، أي : كرهته] ١ ، والقذر والدنس معنيان متقاربان في هذا الدعاء.

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وصبرني فيه على كائنات الأقدار»

أي أجعلني صابرا على القضاء والقدر راضيا بقضائك وقدرك.

والصبر منزلة عالية لا ينالها إلا من امتحن الله تعالى قلبه

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٢٢٥.

٥٥

بالإيمان قال تعالى :( وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) ١ ، وقال تعالى :( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ ) (٢) .

وقد سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما الإيمان؟ ،

قال : «الصبر »

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «الصبر أحسن حلل الإيمان وأشرف خلائق الإنسان »

وقال عليه السلام : «الصبر عن الشهوة عفة وعن الغضب نجدة وعن المعصية ورع »(٣) .

ثم ينتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى المقطع الثالث من الدعاء فيقول :

«ووفقني فيه للتقى وصحبة الأبرار»

ولا شك بأن المؤمن يحتاج إلى توفيق الله تعالى له بالهداية شرط أن يكون مستعدا لها ، وقد ورد في الدعاء عن الإمام المهدي عليه السلام قوله : «اللهم أرزقنا توفيق الطاعة وبُعد المعصية ، وصدق النية ، وعرفان الحرمة ، وأكرمنا بالهدى ، والاستقامة ، وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة »(٤) .

ولا يستغني المؤمن عن التوفيق الإلهي في أموره كلها خصوصا ما يتعلق منها بطاعة الله وعبادته ، والخوف منه ، وكل ذلك بتوفيق الله ، والتُقى هو التقوى ، وما هو يُتقى به

__________________

١ ـ سورة النحل ، الآية ١٢٧.

٢ ـ سورة النحل ، الآية : ١٢٧.

٣ ـ التفسير المعين : ٥٠٦.

٤ ـ مفاتيح الجنان : ١٧٠.

٥٦

سخط الله وذلك بلزوم الطاعات وترك المعاصي والمحرمات.

و [الأبرار جمع بر ، وتجمع على بررة وكله مأخوذ لغة من برر ، والبر هو : ضد العقوق ، ويقال فلان يبر خالقه ، أي يطيعه](١) ، وإذن الأبرار هنا هم المطيعون والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله تعالى أن يوفقه لصحبة الأبرار المطيعين لله تعالى.

ثم يختم صلى الله عليه وآله وسلم دعائه بقوله :

«بعونك يا قرة عين المساكين»

فهو يستعين بالله تعالى أن يوفقه لكل ما تقدم لأن ذلك يحصل بعونه تعالى لعبده المؤمن ، إذا كان مستعدا لذلك يقال : لغة [قرت عينه ضد سخنت وأقر الله عينه أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه ، ويقال : حتى تبرُد ولا تسخن فللسرور دمعة باردة وللحزن دمعة حارة](٢) .

والمسكين جمعه مساكين ، وهو : الفقير الذي لا شيء له ، وقيل المسكين أحسن حالا من الفقير ، وقيل العكس.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٧.

٢ ـ مختار الصحاح : ٥٢٨.

٥٧

دعاء اليوم الرابع عشر :

«اللهم لا تؤاخذني فيه بالعثرات ، واقلني فيه من الخطايا والهفوات ، ولا تجعلني فيه غرضا للبلايا ، والآفات بعزتك يا عز المسلمين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم لا تؤاخذني فيه بالعثرات »

أخذ لعة تناول والمقصود بالدعاء هناك : اللهم لا تتناولني بالعقوبة إذا عثرت في حياتي فعصيتُ لك أمراً وخالفت لك حُكما.

وقد جاء في قوله تعالى :( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ) (١) .

و [العثرات جمع عثرة ، وهي : لغة الزلة التي تؤدي إلى السقوط ، فيقال عثر في ثوبه ، وعثر به فرسه فسقط](٢) .

والمقصود بها في الدعاء الذنوب التي تؤدي بالسقوط في المعاصي.

«وأقلني فيه من الخطايا والهفوات»

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦.

٢ ـ مختار الصحاح : ٤١٢.

٥٨

و [الخطايا جمع خطيئة ، وهي : الذنب والخاطئ من تعمد ما لا ينبغي](١) .

و [الهفوات جمع هفوة ، وهي : لغة الزلة وقد هفا يهفو هفوة](٢) .

والمعنيان هنا متقاربان ، ومعنى ذلك ، أي : يا ربي أحملني فيه على التباعد عن الخطايا والهفوات حتى أسرح في رياض طاعتك وأذوق حلاوة عبادتك ، وقد جاء في دعاء كميل :

«وأقلني عثرتي ، وأغفر زلتي ، ولا تجعلني فيه غرضا للبلايا والآفات »

والغرض ـ لغة ـ ، هو : الهدف الذي يُرمى فيه ويقال فيهم غرضه ، أي قصده.

والبلايا جمع بلية والبلوى والبلاء ، ومنه ما هو بلاء حسن ، ومنه بلاء خير حسن في نتائج البلاء وانعكاسها ، و [الآفات جمع آفة ، وهي : العاهة والزرع وأصابتهُ آفة فتلف](٣) .

والمراد بالدعاء هنا : يا ربي لا تجعلني هدفا للمصائب ، والابتلاءات الصعبة التي يصعب النجاح فيها ، وادفع عني الأرزاء ، والعاهات وكل ما يمنعني من مواصلة عبادتك ، والصبر على طاعتك.

«بعزتك يا عز المسلمين»

والعِزة ضد الذل والله تعالى هو : ذو العزة والجلال ويهب العِزة لأوليائه ، وفي طليعة أوليائه الرسول الأعظم

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ١٨٠.

٢ ـ مختار الصحاح : ٦٩٦.

٣ ـ مختار الصحاح : ٣٢.

٥٩

صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون ، قال تعالى :( وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) ١ ، والله تعالى هو : عز المسلمين الذين آمنوا به وعبدوه ، ووحدوه ، ولم يُشركوا به شيئا ، وآمنوا برسله ، وملائكته ، واليوم الآخر ، يستمدون قوتهم ومنعتهم ورفعتهم من صاحب العِزة الأول وهو : الله تبارك وتعالى ، ومن أسمائه الحسنى تبارك أسمه العزيز.

قال تبارك وتقدس :( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) (٢) .

__________________

١ ـ المنافقون : ٨.

٢ ـ سورة تبارك ، الآية : ١.

٦٠

دعاء اليوم الخامس عشر :

«اللهم أرزقني فيه طاعة الخاشعين ، وأشرح فيه صدري بإنابة المخبتين بأمانك يا أمان الخائفين »

أضواء على هذا الدعاء :

أحب شيء للمؤمن الصادق في إيمانه الطاعة المشتملة على الخشوع ، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بالفلاح لأنهم خاشعون في الطاعة والعبادة وأهمها الصلاة ، يقول الحق تعالى :( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) (١) .

وطاعة الخاشعين هي : الطاعة المُثلى فهي طاعة يتصف صاحبها بالخشوع فيها دون تكلف ، أو رياء ، أو تمحل.

والخشوع هو : الخضوع وبابهما واحد ، والتخشع تكلف الخشوع ، وينبغي أن يكون الخشوع لله تعالى دون غيره ، والجوارح مرجعها القلب وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى رجلا يصلي وهو يعبث بشيء ، فقال : «أن هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه ».

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«واشرح فيه صدري بإنابة المخبتين»

وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم مخاطباً نبيه الأمين :

( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) (٢) .

__________________

١ ـ سورة المؤمنون ، الآية : ١.

٢ ـ سورة الانشراح ، الآية : ١.

٦١

وقد جاء في تفسيرها : [ألم نفسحه حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق ، ألم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم ، وبما يسرنا لك تلقي الوحي](١) .

والإنابة : هي الإقبال والتوبة ، يقال : أناب إلى الله تعالى أقبل وتاب.

و [المخبتون ، هم : الخاشعون ، والإخباث ، هو : الخشوع ، يقال : أخبت لله تعالى ، أي : خشع](٢) .

والمراد من الدعاء أن يشرح الله تعالى صدر المؤمن في هذا اليوم بالإقبال على الطاعة التي يتجسد فيها الإخبات والخشوع ، وقد ورد في زيارة أمين الله عن المعصوم عليه السلام قوله : «اللهم أن قلوب المخبتين إليك والهة ، وسبل الراغبين إليك شارعة ، وأعلام القاصدين إليك واضحة »(٣) . وقال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (٤) .

ثم يختم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء بقوله :

«بأمانك يا أمان الخائفين»

أي بحمالك وجوارك فالله المجأ ، والمعين ، والأمان لمن يلتجأ إليه خائفاً ، مذعوراً ، منيباً.

والخائفون هنا من يخافون الله تعالى ويخشونه ويرجون لطفه ، وفضله في أن يتقبل منهم أعمالهم ، ويعفو عن ذنوبهم ، ويغفر لهم سيئاتهم بعد أن يعودوا إلى ساحة طاعته ، وهم

__________________

١ ـ كنز الدقائق : ١٤ / ٣٣٢.

٢ ـ مختار الصحاح : ١٦٧.

٣ ـ مفتاح الجنة : ٩٦.

٤ ـ سورة هود ، الآية : ٢٣.

٦٢

يأملون منه الرضا والقبول.

والخوف من الله درجة الأصفياء ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله : «رأس الحكمة مخافة الله ».

وقال : «أعلى الناس منزلة يوم القيامة أخوفهم منه ».

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «أعلم الناس بالله أخوفهم منه ».

وقال : «الخوف سجن النفس عن الذنوب ، ورادعها عن المعاصي ».

وقال إمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنه يشرف على النار ، ويرجوه رجاء كأنه من أهل الجنة ».

وقال عليه السلام : «من خاف الله عز وجل أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله عز وجل أخافه الله من كل شيء »(١) .

__________________

١ ـ التفسير المعين : ٥٣٣.

٦٣

دعاء اليوم السادس عشر :

«اللهم وفقني فيه لموافقة الأبرار ، وجنبني فيه مرافقة الأشرار ، وآوني فيه برحمتك إلى دار القرار بأِلوهيتك يا إله العالمين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم وفقني فيه لموافقة الأبرار »

يسأل النبي الأعظم ربه تعالى أن يوفقه لموافقة الأبرار ، أي : يكون معهم وفي جماعتهم الصالحة ، و [التوفيق ، هو : النجاح من قولهم وفقة الله ، وأستوقف الله سأله التوفيق](١) .

وموافقة الأبرار تعني عدم مخالفتهم والكون معهم لأنهم أكثر الناس معرفة بالله تعالى ، وقد مدحهم الله تعالى بقوله :

( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ) (٢) .

وقد فُسر الأبرار هنا بأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

«وجنبني فيه مرافقة الأشرار»

كما يطلب صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه أن يوفقه الله لمرافقة الأبرار يدعو الله تعالى أن يجنبه ويبعده مرافقة الأشرار.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٧٣٠.

٢ ـ سورة الإنسان ، الآية : ٦.

٦٤

والمرافقة ، تعني : الصُحبة والرفقة ، وهي : لغة الجماعة ترافقهم في سفرك ، والجمع رفاق ، والرفيق ، هو : المرافق ، والجمع الرفقاء ، فإذا افترقوا ذهب أسم الرفقة ولا يذهب أسم الرفيق ، وهو أيضا واحد وجمع كالصديق ، قال تعالى :( وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا ) (١) .

و [الأشرار جمع شَرّ ، وشرير ، وهو : كثير الشر ، والشر ضد الخير ، ويقال : فلان شرُ الناس ، والشِرة مصدر الشر](٢) .

وقد وردت الأحاديث في ذم الأشرار منها ، قول : النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يُكرّمون اتقاء شرهم ».

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «شر الناس من يظلم الناس ، وشر الناس من لا يُبالي أن يراه الناس مسيئا ».

وقال عليه السلام : «الشر كامن في طبيعة كل أحد فإن غلبه صاحبه بطن وان لم يغلبه ظهر »(٣) .

«وآوني فيه برحمتك إلى دار القرار»

ودار القرار ، هي : الآخرة التي هي دار المقر والقرار بعد أن كان الإنسان في دار الممر وهي الدنيا الفانية الزائلة.

وآواه ، لغة أنزله ، والمأوى كل مكان يَأوي إليه شيء ليلا أو نهارا ، ويقال : آوى إلى منزلة ومنه قوله تعالى :( سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ) (٤) .

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ٦٩.

٢ ـ مختار الصحاح : ٣٣٤.

٣ ـ التفسير المعين : ٤٥٦.

٤ ـ سورة هود ، الآية : ٤٣.

٦٥

«بأِلوهيتك يا إله العالمين»

وهنا يقسم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على الله تعالى أن يوفقه لمرافقة الأبرار ، وأن يجنبه مرافقة الأشرار ، وأن يأويه وينزله برحمته إلى دار القرار بألوهيته المتفردة بالكمال المطلق ، والقدرة المطلقة ، والإرادة والمشيئة والعلم وكل صفات الكمال التي لا تليق إلا بالحق تبارك وتعالى ، وإله العالمين هو الخالق المتفرد بالخلق ، والذي لا ينازعه بذلك أحد ، قال تعالى :( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) (١) .

__________________

١ ـ سورة تبارك ، الآية : ٢.

٦٦

دعاء اليوم السابع عشر :

«اللهم أهدني فيه لصالح الأعمال ، وأقض لي فيه الحوائج والآمال يا من لا يحتاج إلى التفسير والسؤال يا عالما بما في صدور العالمين صل على محمد وآله الطاهرين »

أضواء على هذا الدعاء :

لا شك أن الهداية من الله تعالى والمقصود بها هنا التوفيق للأعمال الصالحة التي تقرب العبد من الله زلفى وتجعله من عباد الله الصالحين الذين سيكونون وارثين الأرض فيما بعد :( أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (١) .

وقد أكد القرآن على صالح الأعمال في كثير من الآيات منها قوله تعالى :( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) ٢ ، وقال :( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) ٣ ، وقال تعالى :( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (٤) .

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«وأقض لي فيه الحوائج والآمال»

__________________

١ ـ سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٥.

٢ ـ سورة العصر ، الآية : ٢.

٣ ـ سورة التين ، الآية : ٦.

٤ ـ سورة فصلت ، الآية : ٣٣.

٦٧

والحوائج جمع حاجة والله تعالى هو قاضي الحاجات وتُجمع الحاجة على حاجات أيضا ، وتبقى الحوائج معطلة إلى أن يأذن الله تعالى بقضائها.

والآمال جمع أمل وهو ما يأمله الإنسان ويرجوه من الخير والنجاح والرزق والصحة والعلم وكل ما يدر عليه بالنفع ، ويقال : [لو لا الأمل لما أرضعت الأم رضيعها ولما زرع الزارع أرضه] ، وقال الشاعر :

علل انلفس بالآمال ارقبها

ما أضيق العيش لو لا فسحة الأمل

ثم انتقل صلى الله عليه وآله وسلم فقال :

«يا من لا يحتاج إلى التفسير والسؤال»

والذي يحتاج إلى التفسير والسؤال ، هو : العاجز وأما القادر فهو من لا يحتاج إلى ذلك.

و [التفسير ، هو : البيان لأنه مأخوذ لغة من فسر فسرا والفسر والتفسير شيء واحد ، وهو : البيان واستفسر ، سأله أن يُفسره](١) .

والسؤال والمسألة ينبعان من الحاجة ، والضعف ، والفقر ، أما لطلب رزق ، أو دفع بلاء ، أو توضيح شيء. وهذه كلها يلجأ إليها الإنسان المفتقر لغيره ، والكل مفتقر إلى رحمة الله الغني.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٥٠٣.

٦٨

«يا عالما بما في صدور العالمين ، صل على محمد وآله الطاهرين ».

الله تعالى عالم بكل شيء ، وهو : القائل جل أسمه :( وَاللَّـهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ) ١ ، ويقول تعالى :( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) (٢) ، ويقول تعالى :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (٣) ، ويقول :( فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) ٤ ، ويقول تعالى :( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) (٥) .

ويختم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأعظم دعائه بقوله :

«صل على محمد وآله الطاهرين»

وهم أشرف خلق الله ، وكيف لا وفيهم خير الخلائق أجمعين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذي مثلهم «كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك »(٦) ، كما ورد في الحديث عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

__________________

١ ـ سورة البروج ، الآية : ٢٠.

٢ ـ سورة المؤمن ، الآية : ٤٠.

٣ ـ سورة ق ، الآية : ١٦.

٤ ـ سورة طه ، الآية : ٧.

٥ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٥٥.

٦ ـ رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين : ٢ / ١٥١ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ، ٥٧٣.

٦٩

دعاء اليوم الثامن عشر :

«اللهم نبهني فيه لبركات أسحاره ، ونور فيه قلبي بضياء أنواره ، وخذ بكل أعضائي إلى إتباع آثاره بنورك يا منور قلوب العارفين »

أضواء على هذا الدعاء :

الذي استفيده من هذا الدعاء أن ليلة هذا اليوم ، هي : من ليالي القدر التي ينبغي للمؤمن أن يسهر فيها لأحيائها بالعبادة والتهجد حتى بلوغ السَحَر ، وهي : ليلة عظيمة من ليالي شهر رمضان المبارك ، وفيها أصيب أمير المؤمنين علي عليه السلام بالمحراب حتى شهادته ليلة الحادي والعشرين من الشهر الفضيل سنة ٤١ هـ.

والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله أن يكون منتبها ومستعدا لنيل بركات تلك الأسحار المفعمة بالإيمان والعطاء الروحي والتربوي.

ولغة ، يقال : [نَبُه الرجل شَرفُ واشتهر فهو نبيه ونابه ، وهو : ضد الخامل ونبهه غيره تنبيها رفعه من الخمول ، وانتبه من نومه استيقظ وأنبهه غيره ونبههُ نتبيها ، ونبهه على الشيء وقفه عليه فتنبه هو عليه](١) .

والبركات جمع بركة ، وهي : النماء ، والزيادة ، والتبريك الدعاء بالبركة ، ويقال : بارك الله لك وفيك وعليك ، وتبرك به تيمن به.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٦٤٤.

٧٠

و [الأسحار جمع سَحَر ، هو : قبيل الصُبح ، تقول لقيته سَحَرا إذا أردت به سَحَر ليلتك](١) .

«ونَور قلبي فيه بضياء أنواره»

والقلب يُشرق نورا بالطاعة ، ويكون قاتما ، معتما ، مظلما بالمعصية ، وضياء أنواره كل ما كان لله تعالى فيه شعار ، وحكم ، وأمر ، ونهي فإذا ألتزم الإنسان بذلك كله تشرق أنوار الطاعة في أسارير نفسه ، ويكون قلبه منعما بالهُدى والاستقامة فيكون أهلا للقبول والرضا عند الله تعالى فيُشمل بالرحمة الإلهية.

«وخذ بكل أعضائي لاتباع آثاره»

والدعاء هنا أن تكون كل أعضاء الإنسان في خط الطاعة والاستقامة ، والانقياد ، والإتباع لآثار ذلك اليوم ، وهي : كل الأعلام التي نصبها الله لعباده ليطيعوه من خلالها ، وهي : التقيد والالتزام بالأوامر ، والانتهاء والابتعاد عن النواهي ، وبذلك يضمن العبد أنه من الطائعين المستحقين للرحمة الربانية.

«بنورك يا منور قلوب العارفين»

ويسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنوره الأنوار والله تعالى يصف ذاته المقدسة بقوله :( اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٢٨٨.

٧١

كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) (١) .

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «يا نور المستوحشين في الظلم ».

وقد ورد في الدعاء الرمضاني في ليالي السَحَر قول الامام محمد الباقر عليه السلام : «اللهم أني أسالك من نورك بأنواره ، وكل نورك نيّر ، اللهم أن أسألك من نورك كله »(٢) .

والله تعالى هو : الذي يُنير قلوب المؤمنين بالإيمان ، والهُدى ، والصلاح فيكون الإنسان مستقيما في حياته في أمور دينه ودنياه ، فهو نور المستوحشين في الظلم.

__________________

١ ـ سورة النور ، الآية ٣٥.

٢ ـ مفتاح الجنة : ١٣٨.

٧٢

دعاء اليوم التاسع عشر :

«اللهم وفر فيه حظي من بركاته ، وسهل سبيلي إلى خيراته ، ولا تحرمني قبول حسناته يا هاديا إلى الحق المبين ».

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم وفر فيه حظي من بركاته »

في هذه الفقرة من الدعاء يطلب صلى الله عليه وآله وسلم من الله تبارك وتعالى أن يجعل حظه ونصيبه وافرا مستفيضا من بركات ذلك اليوم ، وفي كل يوم بعده.

و [الموفور ـ لغة ـ الشيء التام ، ويقال : وفر عليه حقه توفيراً ، واستوفره ، أي : استوفاه ، وهم متوافرون ، أي : هم كثيرُ](١) .

«وسهل سبيلي إلى خيراته»

أي : أجعل طريقي لاحباً إلى ما في ذلك اليوم من خيرات ونعم ، وقد ورد في دعاء آخر عن أهل البيت عليهم السلام :

«اللهم وأجعل رزقك لي واسعاً ، ومطلبه سهلاً ومأخذه قريباً ، ولا تعنني بطلب ما لم تقدر لي فيه رزقاً فإنك غني عن عذابي ، وأنا فقير إلى رحمتك ».

و [الخيرات ، هي : البركات ، وهي مأخوذة ـ لغة ـ

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٧٣٠.

٧٣

من الخير ضد الشر ، والخير ، هو : المال أيضا ، يقال : ترك فلان خيرا ، أي : مالا](١) .

«ولا تحرمني قبول حسناته»

أي : تقبل مني يا رب حسناتي فيه مقبولا حسن ولا تحرمني رحمتك ، وعفوك ، ورضوانك بعد قبولها ، ولا تمنعني القبول ، يقال : حرمه الشيء ، أي : منعه إياه ، مأخوذة من حرمه الشيء يحرُمه.

والحسنات جمع حسنة ، وهي : ضد السيئة.

«يا هاديا إلى الحق المبين»

والله تعالى ، هو الذي يهدي إلى الحق ، وهو القائل :( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، وهو الذي أرسل الأنبياء كلهم بالهدى لهداية الناس وإرشادهم إلى الخير والصلاح ، وبما فيه صلاحهم وخيرهم ، قال تعالى :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٢) ، وأرسلهم بالكتب السماوية التي تحمل لهم الهداية والاستقامة وآخرها القرآن الكريم الذي يقول عنه الحق تبارك وتعالى :( ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) (٣) .

وكل الكتب السماوية نزلت في شهر رمضان المبارك و [الحق ضد الباطل ، والحق أيضا واحد حقوق ، والمبين هو : الواضح الناصع ، يقال : بان الشيء بياناً إتضح فهو : بيّن ،

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ١٩٤.

٢ ـ سورة التوبة ، الآية : ٣٣.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢.

٧٤

وكذا أبان الشيء فهو : مبين فهو واضح جلي لا غبار عليه](١) .

والهادي هو المرشد والدليل لأن الهُدى هو الرشاد والدلالة ، يقال : هداه الله للدين يهديه ، قال تعالى :( الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّـهُ ) (٢) .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٧٣.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ٤٣.

٧٥

دعاء اليوم العشرين :

«اللهم أفتح لي فيه أبواب الجنان ، وأغلق عني فيه أبواب النيران ، ووفقني فيه لتلاوة القرآن يا منزل السكينة في قلوب المؤمنين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم أفتح لي فيه أبواب الجنان»

وأبواب الجنان لا تفتح إلا للمطيعين القائمين والصائمين ، وقد ورد في الحديث : «إذا أقبل شهر رمضان فتحت أبواب الجنان ، وأغلقت أبواب النيران ، وإن الشياطين أيديها مغلولة » ، أي : لا تفعل شيئا لأن الصائم القائم المتعبد أوصد على الشياطين كل الأبواب التي يمكن أن تنفذ منها ، حيث أن الصوم يدرب ويربي الإنسان على الطاعة والصبر عليها.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «الصيام جُنة فإذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإذا سابه أحد وقائله ، فليقل : إني صائم أني صائم ».

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «من صام صامت جوارحه ».

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «صيام القلب عن الفكر بالآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام ».

وقال : «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ ».

٧٦

«وأغلق عني فيه أبواب النيران»

ولاشك أن المعنى في هذا المقطع من الدعاء ، والمقطع الذي سبقه هو المعنى مجازي والمقصود بذلك ، أي : افتح لي أبواب رضاك ووفقني لطاعتك حتى تكون أبواب الجنة فيما بعد مُفَتحة لي فأدخلها ، وأبعدني عن معاصيك وزواجرك حتى تكون أبواب النيران مغلقة وموصدة ، ولا يتم ذلك إلا بأن يجهد الإنسان نفسه ، ويبذل وسعه ، ويجاهد هواه ، ويواظب على ما يُرضي الله ، ويبتعد عما يسخطه تعالى ليحظى بما آمله وطلبه من رب العالمين.

«ووفقني فيه لتلاوة القرآن »

وهي : تلاوة التدبر والتأمل كما قال الله تعالى :( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (١) ، وكما قال تعالى :( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) (٢) .

وشهر رمضان شهر القرآن وأفضل الأعمال في ليالي شهر رمضان وأيامه هو تلاوة القرآن والإكثار من تلاوته في هذا الشهر ففيه كان نزول القرآن الكريم ، وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) (٣) ، قال : «فغرة الشهور رمضان ، وقلب شهر رمضان ليلة القدر ، وفيها أنزل القرآن الكريم ».

__________________

١ ـ سورة محمد ، الآية : ٢٤.

٢ ـ سورة النساء ، الآية : ٨٢.

٣ ـ سورة التوبة ، الآية : ٣٦.

٧٧

فضل تلاوة القرآن ودراسته :

١ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«أن أردتم عيش السعداء ، وموت الشهداء ، والنجاة يوم الحسرة ، والظل يوم الحرور ، والهُدى يوم الضلالة فادرسوا القرآن فإنه كلام الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان ».

٢ ـ قال جعفر الصادق عليه السلام :

«أن البيت إذا كان فيه المسلم يتلو القرآن يتراءاه أهل السماء كما يتراءا أهل الدنيا الكوكب الدري في السماء »(١) .

ثم انتقل صلى الله عليه وآله وسلم فقال :

«يا منزل السكينة في قلوب المؤمنين»

و [السكينة ـ لغة ـ هي : الوَدَاع والوقار والرجل الوديع الساكن والوادع أيضا](٢) .

وسكن الشيء هدأ واستقر والله تعالى كما في هذا المقطع هو من ينزل السكينة في قلوب المؤمنين ليطمئنوا إلى عفوه ورضوانه ، وبعد ذلك دخول جنته فإن هذه غاية ما يتمناه المؤمن ، والأمل الذي يسعى إليه ، وأن قلوب المؤمنين خير القلوب وأطهرها لأنها وعاء للإيمان والهُدى ، والصلاح ،

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ٩٢ / ١٩.

٢ ـ مختار الصحاح : ٧١٤.

٧٨

والخير وحب الآخرين ليس فيها أحقاد ، ولا ضغائن ولا غير ذلك.

وإذا كانت وعاء للإيمان فهي خير الأوعية إذا قال أمير المؤمنين علي عليه السلام :

«يا كميل أن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها فاحفظ عني ما أقول لك الناس ثلاثة فعالم رباني ، ومتعلم في سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق »(١) .

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ٦٩١.

٧٩

دعاء اليوم الحادي والعشرين :

«اللهم أجعل لي فيه إلى مرضاتك دليلا ، ولا تجعل للشيطان فيه عليّ سبيلا ، واجعل الجنة لي منزلا ومقيلا يا قاضي حوائج الطالبين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم أجعل لي فيه إلى مرضاتك دليلا »

المرضاة ، هي : الرضا والله تعالى لا يرضى إلا عن المطيع ، والنبي الأكرم يدعو الله تعالى أن يجعل له لما يُرضيه عنه دليلا يستدل به ، ونورا يهتدي به.

ومرضاة الله تعالى تحتاج إلى دليل يستدل به الإنسان على تلك المرضاة ، ولكن الله تعالى ، هو : الدليل الذي لا يحتاج إلى دليل.

قال الإمام الحسين عليه السلام في دعاء يوم عرفة : «متى غِبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، ومتى بعُدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك ، وكيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، عميت عين لا تراك عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم يجعل لك من حبه نصيبا »(١) .

وقال محيي الدين بن العربي : [الله هو الذي يبرهن على الوجود ولا يصح أن نتخذ من الوجود برهان على الله تماما ، كما نقول أن النور يبرهن على النهار ، ونعكس الآية

__________________

١ ـ مفاتيح الجنان : ٣٥٥.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120