أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك33%

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 120

  • البداية
  • السابق
  • 120 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30408 / تحميل: 4987
الحجم الحجم الحجم
أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

دعاء اليوم الخامس عشر :

«اللهم أرزقني فيه طاعة الخاشعين ، وأشرح فيه صدري بإنابة المخبتين بأمانك يا أمان الخائفين »

أضواء على هذا الدعاء :

أحب شيء للمؤمن الصادق في إيمانه الطاعة المشتملة على الخشوع ، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بالفلاح لأنهم خاشعون في الطاعة والعبادة وأهمها الصلاة ، يقول الحق تعالى :( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) (١) .

وطاعة الخاشعين هي : الطاعة المُثلى فهي طاعة يتصف صاحبها بالخشوع فيها دون تكلف ، أو رياء ، أو تمحل.

والخشوع هو : الخضوع وبابهما واحد ، والتخشع تكلف الخشوع ، وينبغي أن يكون الخشوع لله تعالى دون غيره ، والجوارح مرجعها القلب وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى رجلا يصلي وهو يعبث بشيء ، فقال : «أن هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه ».

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«واشرح فيه صدري بإنابة المخبتين»

وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم مخاطباً نبيه الأمين :

( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) (٢) .

__________________

١ ـ سورة المؤمنون ، الآية : ١.

٢ ـ سورة الانشراح ، الآية : ١.

٦١

وقد جاء في تفسيرها : [ألم نفسحه حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق ، ألم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم ، وبما يسرنا لك تلقي الوحي](١) .

والإنابة : هي الإقبال والتوبة ، يقال : أناب إلى الله تعالى أقبل وتاب.

و [المخبتون ، هم : الخاشعون ، والإخباث ، هو : الخشوع ، يقال : أخبت لله تعالى ، أي : خشع](٢) .

والمراد من الدعاء أن يشرح الله تعالى صدر المؤمن في هذا اليوم بالإقبال على الطاعة التي يتجسد فيها الإخبات والخشوع ، وقد ورد في زيارة أمين الله عن المعصوم عليه السلام قوله : «اللهم أن قلوب المخبتين إليك والهة ، وسبل الراغبين إليك شارعة ، وأعلام القاصدين إليك واضحة »(٣) . وقال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (٤) .

ثم يختم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء بقوله :

«بأمانك يا أمان الخائفين»

أي بحمالك وجوارك فالله المجأ ، والمعين ، والأمان لمن يلتجأ إليه خائفاً ، مذعوراً ، منيباً.

والخائفون هنا من يخافون الله تعالى ويخشونه ويرجون لطفه ، وفضله في أن يتقبل منهم أعمالهم ، ويعفو عن ذنوبهم ، ويغفر لهم سيئاتهم بعد أن يعودوا إلى ساحة طاعته ، وهم

__________________

١ ـ كنز الدقائق : ١٤ / ٣٣٢.

٢ ـ مختار الصحاح : ١٦٧.

٣ ـ مفتاح الجنة : ٩٦.

٤ ـ سورة هود ، الآية : ٢٣.

٦٢

يأملون منه الرضا والقبول.

والخوف من الله درجة الأصفياء ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله : «رأس الحكمة مخافة الله ».

وقال : «أعلى الناس منزلة يوم القيامة أخوفهم منه ».

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «أعلم الناس بالله أخوفهم منه ».

وقال : «الخوف سجن النفس عن الذنوب ، ورادعها عن المعاصي ».

وقال إمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنه يشرف على النار ، ويرجوه رجاء كأنه من أهل الجنة ».

وقال عليه السلام : «من خاف الله عز وجل أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله عز وجل أخافه الله من كل شيء »(١) .

__________________

١ ـ التفسير المعين : ٥٣٣.

٦٣

دعاء اليوم السادس عشر :

«اللهم وفقني فيه لموافقة الأبرار ، وجنبني فيه مرافقة الأشرار ، وآوني فيه برحمتك إلى دار القرار بأِلوهيتك يا إله العالمين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم وفقني فيه لموافقة الأبرار »

يسأل النبي الأعظم ربه تعالى أن يوفقه لموافقة الأبرار ، أي : يكون معهم وفي جماعتهم الصالحة ، و [التوفيق ، هو : النجاح من قولهم وفقة الله ، وأستوقف الله سأله التوفيق](١) .

وموافقة الأبرار تعني عدم مخالفتهم والكون معهم لأنهم أكثر الناس معرفة بالله تعالى ، وقد مدحهم الله تعالى بقوله :

( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ) (٢) .

وقد فُسر الأبرار هنا بأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

«وجنبني فيه مرافقة الأشرار»

كما يطلب صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه أن يوفقه الله لمرافقة الأبرار يدعو الله تعالى أن يجنبه ويبعده مرافقة الأشرار.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٧٣٠.

٢ ـ سورة الإنسان ، الآية : ٦.

٦٤

والمرافقة ، تعني : الصُحبة والرفقة ، وهي : لغة الجماعة ترافقهم في سفرك ، والجمع رفاق ، والرفيق ، هو : المرافق ، والجمع الرفقاء ، فإذا افترقوا ذهب أسم الرفقة ولا يذهب أسم الرفيق ، وهو أيضا واحد وجمع كالصديق ، قال تعالى :( وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا ) (١) .

و [الأشرار جمع شَرّ ، وشرير ، وهو : كثير الشر ، والشر ضد الخير ، ويقال : فلان شرُ الناس ، والشِرة مصدر الشر](٢) .

وقد وردت الأحاديث في ذم الأشرار منها ، قول : النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يُكرّمون اتقاء شرهم ».

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «شر الناس من يظلم الناس ، وشر الناس من لا يُبالي أن يراه الناس مسيئا ».

وقال عليه السلام : «الشر كامن في طبيعة كل أحد فإن غلبه صاحبه بطن وان لم يغلبه ظهر »(٣) .

«وآوني فيه برحمتك إلى دار القرار»

ودار القرار ، هي : الآخرة التي هي دار المقر والقرار بعد أن كان الإنسان في دار الممر وهي الدنيا الفانية الزائلة.

وآواه ، لغة أنزله ، والمأوى كل مكان يَأوي إليه شيء ليلا أو نهارا ، ويقال : آوى إلى منزلة ومنه قوله تعالى :( سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ) (٤) .

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ٦٩.

٢ ـ مختار الصحاح : ٣٣٤.

٣ ـ التفسير المعين : ٤٥٦.

٤ ـ سورة هود ، الآية : ٤٣.

٦٥

«بأِلوهيتك يا إله العالمين»

وهنا يقسم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على الله تعالى أن يوفقه لمرافقة الأبرار ، وأن يجنبه مرافقة الأشرار ، وأن يأويه وينزله برحمته إلى دار القرار بألوهيته المتفردة بالكمال المطلق ، والقدرة المطلقة ، والإرادة والمشيئة والعلم وكل صفات الكمال التي لا تليق إلا بالحق تبارك وتعالى ، وإله العالمين هو الخالق المتفرد بالخلق ، والذي لا ينازعه بذلك أحد ، قال تعالى :( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) (١) .

__________________

١ ـ سورة تبارك ، الآية : ٢.

٦٦

دعاء اليوم السابع عشر :

«اللهم أهدني فيه لصالح الأعمال ، وأقض لي فيه الحوائج والآمال يا من لا يحتاج إلى التفسير والسؤال يا عالما بما في صدور العالمين صل على محمد وآله الطاهرين »

أضواء على هذا الدعاء :

لا شك أن الهداية من الله تعالى والمقصود بها هنا التوفيق للأعمال الصالحة التي تقرب العبد من الله زلفى وتجعله من عباد الله الصالحين الذين سيكونون وارثين الأرض فيما بعد :( أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (١) .

وقد أكد القرآن على صالح الأعمال في كثير من الآيات منها قوله تعالى :( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) ٢ ، وقال :( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) ٣ ، وقال تعالى :( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (٤) .

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«وأقض لي فيه الحوائج والآمال»

__________________

١ ـ سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٥.

٢ ـ سورة العصر ، الآية : ٢.

٣ ـ سورة التين ، الآية : ٦.

٤ ـ سورة فصلت ، الآية : ٣٣.

٦٧

والحوائج جمع حاجة والله تعالى هو قاضي الحاجات وتُجمع الحاجة على حاجات أيضا ، وتبقى الحوائج معطلة إلى أن يأذن الله تعالى بقضائها.

والآمال جمع أمل وهو ما يأمله الإنسان ويرجوه من الخير والنجاح والرزق والصحة والعلم وكل ما يدر عليه بالنفع ، ويقال : [لو لا الأمل لما أرضعت الأم رضيعها ولما زرع الزارع أرضه] ، وقال الشاعر :

علل انلفس بالآمال ارقبها

ما أضيق العيش لو لا فسحة الأمل

ثم انتقل صلى الله عليه وآله وسلم فقال :

«يا من لا يحتاج إلى التفسير والسؤال»

والذي يحتاج إلى التفسير والسؤال ، هو : العاجز وأما القادر فهو من لا يحتاج إلى ذلك.

و [التفسير ، هو : البيان لأنه مأخوذ لغة من فسر فسرا والفسر والتفسير شيء واحد ، وهو : البيان واستفسر ، سأله أن يُفسره](١) .

والسؤال والمسألة ينبعان من الحاجة ، والضعف ، والفقر ، أما لطلب رزق ، أو دفع بلاء ، أو توضيح شيء. وهذه كلها يلجأ إليها الإنسان المفتقر لغيره ، والكل مفتقر إلى رحمة الله الغني.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٥٠٣.

٦٨

«يا عالما بما في صدور العالمين ، صل على محمد وآله الطاهرين ».

الله تعالى عالم بكل شيء ، وهو : القائل جل أسمه :( وَاللَّـهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ) ١ ، ويقول تعالى :( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) (٢) ، ويقول تعالى :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (٣) ، ويقول :( فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) ٤ ، ويقول تعالى :( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) (٥) .

ويختم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأعظم دعائه بقوله :

«صل على محمد وآله الطاهرين»

وهم أشرف خلق الله ، وكيف لا وفيهم خير الخلائق أجمعين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذي مثلهم «كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك »(٦) ، كما ورد في الحديث عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

__________________

١ ـ سورة البروج ، الآية : ٢٠.

٢ ـ سورة المؤمن ، الآية : ٤٠.

٣ ـ سورة ق ، الآية : ١٦.

٤ ـ سورة طه ، الآية : ٧.

٥ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٥٥.

٦ ـ رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين : ٢ / ١٥١ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ، ٥٧٣.

٦٩

دعاء اليوم الثامن عشر :

«اللهم نبهني فيه لبركات أسحاره ، ونور فيه قلبي بضياء أنواره ، وخذ بكل أعضائي إلى إتباع آثاره بنورك يا منور قلوب العارفين »

أضواء على هذا الدعاء :

الذي استفيده من هذا الدعاء أن ليلة هذا اليوم ، هي : من ليالي القدر التي ينبغي للمؤمن أن يسهر فيها لأحيائها بالعبادة والتهجد حتى بلوغ السَحَر ، وهي : ليلة عظيمة من ليالي شهر رمضان المبارك ، وفيها أصيب أمير المؤمنين علي عليه السلام بالمحراب حتى شهادته ليلة الحادي والعشرين من الشهر الفضيل سنة ٤١ هـ.

والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله أن يكون منتبها ومستعدا لنيل بركات تلك الأسحار المفعمة بالإيمان والعطاء الروحي والتربوي.

ولغة ، يقال : [نَبُه الرجل شَرفُ واشتهر فهو نبيه ونابه ، وهو : ضد الخامل ونبهه غيره تنبيها رفعه من الخمول ، وانتبه من نومه استيقظ وأنبهه غيره ونبههُ نتبيها ، ونبهه على الشيء وقفه عليه فتنبه هو عليه](١) .

والبركات جمع بركة ، وهي : النماء ، والزيادة ، والتبريك الدعاء بالبركة ، ويقال : بارك الله لك وفيك وعليك ، وتبرك به تيمن به.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٦٤٤.

٧٠

و [الأسحار جمع سَحَر ، هو : قبيل الصُبح ، تقول لقيته سَحَرا إذا أردت به سَحَر ليلتك](١) .

«ونَور قلبي فيه بضياء أنواره»

والقلب يُشرق نورا بالطاعة ، ويكون قاتما ، معتما ، مظلما بالمعصية ، وضياء أنواره كل ما كان لله تعالى فيه شعار ، وحكم ، وأمر ، ونهي فإذا ألتزم الإنسان بذلك كله تشرق أنوار الطاعة في أسارير نفسه ، ويكون قلبه منعما بالهُدى والاستقامة فيكون أهلا للقبول والرضا عند الله تعالى فيُشمل بالرحمة الإلهية.

«وخذ بكل أعضائي لاتباع آثاره»

والدعاء هنا أن تكون كل أعضاء الإنسان في خط الطاعة والاستقامة ، والانقياد ، والإتباع لآثار ذلك اليوم ، وهي : كل الأعلام التي نصبها الله لعباده ليطيعوه من خلالها ، وهي : التقيد والالتزام بالأوامر ، والانتهاء والابتعاد عن النواهي ، وبذلك يضمن العبد أنه من الطائعين المستحقين للرحمة الربانية.

«بنورك يا منور قلوب العارفين»

ويسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنوره الأنوار والله تعالى يصف ذاته المقدسة بقوله :( اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٢٨٨.

٧١

كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) (١) .

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «يا نور المستوحشين في الظلم ».

وقد ورد في الدعاء الرمضاني في ليالي السَحَر قول الامام محمد الباقر عليه السلام : «اللهم أني أسالك من نورك بأنواره ، وكل نورك نيّر ، اللهم أن أسألك من نورك كله »(٢) .

والله تعالى هو : الذي يُنير قلوب المؤمنين بالإيمان ، والهُدى ، والصلاح فيكون الإنسان مستقيما في حياته في أمور دينه ودنياه ، فهو نور المستوحشين في الظلم.

__________________

١ ـ سورة النور ، الآية ٣٥.

٢ ـ مفتاح الجنة : ١٣٨.

٧٢

دعاء اليوم التاسع عشر :

«اللهم وفر فيه حظي من بركاته ، وسهل سبيلي إلى خيراته ، ولا تحرمني قبول حسناته يا هاديا إلى الحق المبين ».

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم وفر فيه حظي من بركاته »

في هذه الفقرة من الدعاء يطلب صلى الله عليه وآله وسلم من الله تبارك وتعالى أن يجعل حظه ونصيبه وافرا مستفيضا من بركات ذلك اليوم ، وفي كل يوم بعده.

و [الموفور ـ لغة ـ الشيء التام ، ويقال : وفر عليه حقه توفيراً ، واستوفره ، أي : استوفاه ، وهم متوافرون ، أي : هم كثيرُ](١) .

«وسهل سبيلي إلى خيراته»

أي : أجعل طريقي لاحباً إلى ما في ذلك اليوم من خيرات ونعم ، وقد ورد في دعاء آخر عن أهل البيت عليهم السلام :

«اللهم وأجعل رزقك لي واسعاً ، ومطلبه سهلاً ومأخذه قريباً ، ولا تعنني بطلب ما لم تقدر لي فيه رزقاً فإنك غني عن عذابي ، وأنا فقير إلى رحمتك ».

و [الخيرات ، هي : البركات ، وهي مأخوذة ـ لغة ـ

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٧٣٠.

٧٣

من الخير ضد الشر ، والخير ، هو : المال أيضا ، يقال : ترك فلان خيرا ، أي : مالا](١) .

«ولا تحرمني قبول حسناته»

أي : تقبل مني يا رب حسناتي فيه مقبولا حسن ولا تحرمني رحمتك ، وعفوك ، ورضوانك بعد قبولها ، ولا تمنعني القبول ، يقال : حرمه الشيء ، أي : منعه إياه ، مأخوذة من حرمه الشيء يحرُمه.

والحسنات جمع حسنة ، وهي : ضد السيئة.

«يا هاديا إلى الحق المبين»

والله تعالى ، هو الذي يهدي إلى الحق ، وهو القائل :( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، وهو الذي أرسل الأنبياء كلهم بالهدى لهداية الناس وإرشادهم إلى الخير والصلاح ، وبما فيه صلاحهم وخيرهم ، قال تعالى :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٢) ، وأرسلهم بالكتب السماوية التي تحمل لهم الهداية والاستقامة وآخرها القرآن الكريم الذي يقول عنه الحق تبارك وتعالى :( ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) (٣) .

وكل الكتب السماوية نزلت في شهر رمضان المبارك و [الحق ضد الباطل ، والحق أيضا واحد حقوق ، والمبين هو : الواضح الناصع ، يقال : بان الشيء بياناً إتضح فهو : بيّن ،

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ١٩٤.

٢ ـ سورة التوبة ، الآية : ٣٣.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢.

٧٤

وكذا أبان الشيء فهو : مبين فهو واضح جلي لا غبار عليه](١) .

والهادي هو المرشد والدليل لأن الهُدى هو الرشاد والدلالة ، يقال : هداه الله للدين يهديه ، قال تعالى :( الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّـهُ ) (٢) .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٧٣.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ٤٣.

٧٥

دعاء اليوم العشرين :

«اللهم أفتح لي فيه أبواب الجنان ، وأغلق عني فيه أبواب النيران ، ووفقني فيه لتلاوة القرآن يا منزل السكينة في قلوب المؤمنين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم أفتح لي فيه أبواب الجنان»

وأبواب الجنان لا تفتح إلا للمطيعين القائمين والصائمين ، وقد ورد في الحديث : «إذا أقبل شهر رمضان فتحت أبواب الجنان ، وأغلقت أبواب النيران ، وإن الشياطين أيديها مغلولة » ، أي : لا تفعل شيئا لأن الصائم القائم المتعبد أوصد على الشياطين كل الأبواب التي يمكن أن تنفذ منها ، حيث أن الصوم يدرب ويربي الإنسان على الطاعة والصبر عليها.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «الصيام جُنة فإذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإذا سابه أحد وقائله ، فليقل : إني صائم أني صائم ».

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «من صام صامت جوارحه ».

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «صيام القلب عن الفكر بالآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام ».

وقال : «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ ».

٧٦

«وأغلق عني فيه أبواب النيران»

ولاشك أن المعنى في هذا المقطع من الدعاء ، والمقطع الذي سبقه هو المعنى مجازي والمقصود بذلك ، أي : افتح لي أبواب رضاك ووفقني لطاعتك حتى تكون أبواب الجنة فيما بعد مُفَتحة لي فأدخلها ، وأبعدني عن معاصيك وزواجرك حتى تكون أبواب النيران مغلقة وموصدة ، ولا يتم ذلك إلا بأن يجهد الإنسان نفسه ، ويبذل وسعه ، ويجاهد هواه ، ويواظب على ما يُرضي الله ، ويبتعد عما يسخطه تعالى ليحظى بما آمله وطلبه من رب العالمين.

«ووفقني فيه لتلاوة القرآن »

وهي : تلاوة التدبر والتأمل كما قال الله تعالى :( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (١) ، وكما قال تعالى :( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) (٢) .

وشهر رمضان شهر القرآن وأفضل الأعمال في ليالي شهر رمضان وأيامه هو تلاوة القرآن والإكثار من تلاوته في هذا الشهر ففيه كان نزول القرآن الكريم ، وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) (٣) ، قال : «فغرة الشهور رمضان ، وقلب شهر رمضان ليلة القدر ، وفيها أنزل القرآن الكريم ».

__________________

١ ـ سورة محمد ، الآية : ٢٤.

٢ ـ سورة النساء ، الآية : ٨٢.

٣ ـ سورة التوبة ، الآية : ٣٦.

٧٧

فضل تلاوة القرآن ودراسته :

١ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«أن أردتم عيش السعداء ، وموت الشهداء ، والنجاة يوم الحسرة ، والظل يوم الحرور ، والهُدى يوم الضلالة فادرسوا القرآن فإنه كلام الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان ».

٢ ـ قال جعفر الصادق عليه السلام :

«أن البيت إذا كان فيه المسلم يتلو القرآن يتراءاه أهل السماء كما يتراءا أهل الدنيا الكوكب الدري في السماء »(١) .

ثم انتقل صلى الله عليه وآله وسلم فقال :

«يا منزل السكينة في قلوب المؤمنين»

و [السكينة ـ لغة ـ هي : الوَدَاع والوقار والرجل الوديع الساكن والوادع أيضا](٢) .

وسكن الشيء هدأ واستقر والله تعالى كما في هذا المقطع هو من ينزل السكينة في قلوب المؤمنين ليطمئنوا إلى عفوه ورضوانه ، وبعد ذلك دخول جنته فإن هذه غاية ما يتمناه المؤمن ، والأمل الذي يسعى إليه ، وأن قلوب المؤمنين خير القلوب وأطهرها لأنها وعاء للإيمان والهُدى ، والصلاح ،

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ٩٢ / ١٩.

٢ ـ مختار الصحاح : ٧١٤.

٧٨

والخير وحب الآخرين ليس فيها أحقاد ، ولا ضغائن ولا غير ذلك.

وإذا كانت وعاء للإيمان فهي خير الأوعية إذا قال أمير المؤمنين علي عليه السلام :

«يا كميل أن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها فاحفظ عني ما أقول لك الناس ثلاثة فعالم رباني ، ومتعلم في سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق »(١) .

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ٦٩١.

٧٩

دعاء اليوم الحادي والعشرين :

«اللهم أجعل لي فيه إلى مرضاتك دليلا ، ولا تجعل للشيطان فيه عليّ سبيلا ، واجعل الجنة لي منزلا ومقيلا يا قاضي حوائج الطالبين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم أجعل لي فيه إلى مرضاتك دليلا »

المرضاة ، هي : الرضا والله تعالى لا يرضى إلا عن المطيع ، والنبي الأكرم يدعو الله تعالى أن يجعل له لما يُرضيه عنه دليلا يستدل به ، ونورا يهتدي به.

ومرضاة الله تعالى تحتاج إلى دليل يستدل به الإنسان على تلك المرضاة ، ولكن الله تعالى ، هو : الدليل الذي لا يحتاج إلى دليل.

قال الإمام الحسين عليه السلام في دعاء يوم عرفة : «متى غِبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، ومتى بعُدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك ، وكيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، عميت عين لا تراك عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم يجعل لك من حبه نصيبا »(١) .

وقال محيي الدين بن العربي : [الله هو الذي يبرهن على الوجود ولا يصح أن نتخذ من الوجود برهان على الله تماما ، كما نقول أن النور يبرهن على النهار ، ونعكس الآية

__________________

١ ـ مفاتيح الجنان : ٣٥٥.

٨٠

لو قلنا أن النهار يبرهن على النور](١) .

«ولا تجعل للشيطان فيه عليّ سبيلاً »

و [الشيطان معروف ، وكل عاتٍ متمردٍ من الأنس والجن والدواب شيطان](٢) .

وهو : الذي يزين للإنسان عمل السوء ، ويجره إليه فإذا فعله تخلى عنه وخذله ، قال تعالى :( وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٣) .

وقد عَلم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه كي يطردوا الشيطان فقال : «إلا أخبركم بشيء أن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق عن المغرب؟ »

قالوا : بلى.

قال : «الصوم يُسوّد وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحب في الله والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه »(٤) .

وقال الإمام علي عليه السلام : «ذكر الله مطردة للشيطان » وقال : «ذكر الله دعامة الإيمان وعصمة من الشيطان »(٥) .

والسبيل هو الطريق ، قال تعالى :( قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي ) (٦) .

وقال تعالى :( وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ) (٧) .

__________________

١ ـ حوار مع صديقي الملحد : ٩.

٢ ـ مختار الصحاح : ٣٣٨.

٣ ـ سورة الأنعام ، الآية : ٤٣.

٤ ـ بحار الأنوار : ٦٩ / ٣٨٠.

٥ ـ التفسير المعين : ١٣٣.

٦ ـ سورة محمد ، الآية : ٦.

٧ ـ التفسير المعين : ٥٠٧.

٨١

والسبيل أيضا السبب ، قال تعالى :( يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ) (١) .

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«وأجعل الجنة لي منزلا ومقيلا»

الجنة ـ لغة ـ البستان ، ومنه الجنات ، والعرب تُسمي النخيل جنة ، وجنة الله تعالى التي أعدت للمتقين عرضها كعرض السماوات والأرض ، قال تعالى :( سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ) ٢ ، قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : «من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات » ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أكثر ما تلج به آمتي الجنة تقوى الله ، وحسن الخلق » ، وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «الدنيا دار الأشقياء ، والجنة دار الأتقياء » ، وقال الإمام جعفر الصادق عليهم السلام : «ثلاث من أتى الله بواحدة منهن أوجب الله له الجنة الأنفاق من إقتار ، والبُشر لجميع العالم ، والأنصاف من نفسه »(٣) .

والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله أن تكون الجنة له منزلاً ومؤلاً ومعاداً يكون فيه النعيم الأبدي ، والسعادة الدائمة.

«يا قاضي حوائج الطالبين»

والحوائج جمع حاجة ، وتجمع على حاجات ، وحوائج العباد بين يدي رحمة الله فهو القادر دون غيره على قضائها

__________________

١ ـ سورة الفرقان ، الآية : ٢٧.

٢ ـ سورة محمد ، الآية : ٥ ـ ٦.

٣ ـ التفسير المعين : ٥٠٧.

٨٢

وقضاء حوائج العباد التي يقدر المرء على قضائها من أفضل الأعمال لأن الله يسخر بعض عباده لقضاء حوائج المحتاجين ، وقد وردت في ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السلام حيث يقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام : «الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة ».

وقال عليهم السلام : «من قضي لأخيه المؤمن حاجة قضى الله له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنة ».

قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام : «أن الله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة »(١) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ٧٤ / ٣١٩.

٨٣

دعاء اليوم الثاني والعشرين :

«اللهم أفتح لي فيه أبواب فضلك ، وأنزل عليّ فيه بركاتك ، ووفقني فيه لموجبات مرضاتك ، وأسكني فيه بحبوحات جناتك يا مجيب دعوة المضطرين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم افتح لي فيه أبواب فضلك »

جعل المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه هذا لفضل الله تعالى أبوابا وهذه الأبواب يطرقها الأولياء بالطاعة ، والإنابة ، والعبادة ، ويدعو الله أن تكون هذه الأبواب مفتوحة لينهل المؤمن من فضل الله سبحانه وما أكثر أبواب فضل الله وما أوسعها للطالبين ، والراغبين ، والمطيعين.

وأبواب فضله سبحانه هي أبواب رحمته التي وسعت كل شيء وجميع المخلوقات ، وأبواب فضل الله وسعتها لا يمكن ان تملأ من علمنا القاصر المتناهي لسعتها اللامتناهية.

ومن أبواب فضل الله أن خلقنا وأمدنا بالحياة ، والصحة ، والرزق لنحيا ، ونبقى ، ونعمر الأرض لنا ولغيرنا ، وأن هدانا وأصلح أمرنا ووفقنا للإيمان ، والإسلام ، والاستقامة ، والولاية لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين فكل ذلك بفضل من الله ، وتأييده ، وتوفيقه.

ثم قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم :

٨٤

«وأنزل عليّ فيه بركاتك »

ولولا بركات الله لما أستطاع المرء أن يعيش ويبقى ، ولن يستغني العبد عن بركات رب العالمين ، ولكن المقصود هنا بالبركات ، هي : البركات المعنوية كالإيمان ، والصلاح ، والهداية التي لولاها لما استمر الإنسان في طاعة ربه وعبادته ، ومنها : الصيام تلك العبادة التي يكابد الإنسان خلالها ببعض النصب والمشقة ، ولذلك قال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١) .

وفي ذلك تخفيف للنصب والمشقة التي يُعانيها الصائم أثناء صومه خصوصا في الحر الشديد ، والساعات الطوال ، والعمل الشاق الذي يقوم به الإنسان الصائم في حياته لدنياه.

وقد قيل للأحنف بن قيس ، أتصوم هذا اليوم مع شدة الحر؟!

قال : [صمت ليوم أشد منه حرا ]

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«ووفقي فيه لموجبات مرضاتك»

أي وفقني لما يوجب رضاك عني ، وما أكثر ما يوجب مرضاة الله تعالى سواء ما يقدمه الإنسان من عمل عبادي لنفسه ، أو ما يقدمه من أعمال للناس ويتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى ومنها إفطار الصائم ، وإكرام الضيف ، والمسح على رأس اليتيم ولتحنن عليه ، والمشي والعسي في قضاء حوائج الناس وكل ذلك يوجب مرضاة الله تعالى ، ويجعل الإنسان قريبا من رحمته ورضوانه.

__________________

١ ـ سورة البقرة : ١٨٣.

٨٥

ثم ينتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى الفقرة التالية من الدعاء : فيقول :

«واسكني في بحبوحات جناتك»

وهذا نظير ما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «وأجعل الجنة لي منزلا ومقيلا ».

ولغة يقال : [بُحبُوبة الدار وسُطها] ١ ، والوسط يكون عادة أوسع وأرحب من غيره من أجزاء الدار ، والمقصود بالدعاء أسكني يا ربي في وسط جناتك لأنها أرحب وأوسع ، ولا يحصل الإنسان على ذلك إلا بالجهد والمكابدة ، وأن يحبس نفسه على طاعة الله ، ويصبر عن معاصيه.

«يا مجيب دعوة المضطرين»

ومن غير الله تعالى يجيب دعوة المضطر ، وهو القائل :( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) ٢ ، والإجابة والاستجابة بمعنى واحد ، ومنه استجاب الله دعائه مأخوذة من إجابة عن سؤاله ، والمضطر يسأل الله وينتظر الإجابة ، والله هو المجيب له ، والدعوة هنا تعني الدعاء وجمعه أدعية ، قال تعالى :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) (٣) .

و [المضطر ، هو : المحتاج إلى الشيء الملتجأ لغيره لخلاصه منه ، ويقال رجل ذو ضرورة ، أي : ذو حاجة ، وجمع المضطر مضطرون](٤) .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤١.

٢ ـ سورة النمل ، الآية : ٢.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٦.

٤ ـ مختار الصحاح : ٣٧٩.

٨٦

دعاء اليوم الثالث والعشرون :

«اللهم أرزقني فيه فضل ليلة القدر ، وصير أموري فيه من العسر إلى اليسر ، واقبل معاذيري وحطَّ عني الذنب والوزر يا رؤوفا بعباده الصالحين »

أضواء على هذا الدعاء :

«قال الشيخ القمي في المفاتيح :

[اختلفت كتب الدعوات في تقديم بعض الدعوات والعبادات على بعض ، والرواية في ذلك غير معتبرة عندي لذلك لم أتعرض لشيء منه وقد ذكر الكفعمي دعاء اليوم السابع والعشرين لليوم التاسع والعشرين ولا يبعد أن تكون الأنسب على مذهب الشيعة الدعاء في الثالث والعشرين](١) .

٢ ـ وقد سئل المرحوم المرجع الراحل السيد الخوئي قدس سره عن ليلة القدر ، فقال : [هي في روايات أهل البيت عليهم السلام ، ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك].

ولذلك جعلت هذا الدعاء لليوم الثالث والعشرين.

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في دعائه :

«اللهم أرزقني فيه فضل ليلة القدر»

وفضل ليلة القدر لا يعلمه إلا الله تعالى ، وهو القائل :( لَيْلَةُ

__________________

١ ـ مفاتيح الجنان : ٣١٥.

٨٧

الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (١) ، وقال :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )

وليلة القدر هي قلب شهر رمضان المبارك ، وهي ليلة مميزة عن كل ليالي السنة بل هي خير من ألف شهر ، وهي خير وبركة لأنها فاتحة عهد جديد بالنسبة للعرب والبشرية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر الأخير من شهر رمضان شدّ مئزره ، وأحيا ليلة القدر ، وأيقظ أهله ، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر » ، وأهل بيته يعلمون ليلة القدر.

قال الإمام محمد الباقر عليه السلام لأبي الهُذيل : «يا أبا الهُذيل لا تخفى علينا ليلة القدر أن الملائكة يطوفون بنا فيها »(٣) .

«وصير أموري فيه من العسر إلى اليسر»

باعتبار أن الله تعالى يقدر في ليلة القدر ما شاء من أمره إلى السنة القابلة ، من أمر الموت ، والأجل ، والرزق ولذلك سميت ليلة القدر على بعض الأقوال وهي كثيرة.

والأمور هنا هي المطالب ، والمقاصد ، والحاجات ، وما يتعلق منها في أحوال الدنيا والآخرة ، والله تعالى يجعل لوليه بعد الضيق والشدة فرجا ، وبعد العسر يسرا ، قال تعالى :

__________________

١ ـ سورة القدر ، الآية : ٣٦.

٢ ـ سورة الدخان ، الآيتان : ٣ ـ ٤.

٣ ـ كشف الغمة : ٢ / ٣٥١.

٨٨

( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب ) (١) .

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وأقبل معاذيري وحطَّ عني الذنب والوزر»

والمعاذير والأعذار شيء واحد ، وهي : جمع عذر ، فإذا أعتذر الإنسان من ذنبه وأقلع عنه فإن الله تعالى قابل التوبة من عباده ، وقد قال علماء الاجتماع : [أن التوبة أبلغ أنواع الاعتذار].

والله تعالى يحث الإنسان على التوبة والاعتذار من المعاصي ترغيبا منه تبارك وتعالى لعباده بالطاعة ، وإنقاذا لهم من العقاب ، ففتح لهم باب التوبة والعفو الإلهي لكي يفتحوا لهم صفحة جديدة ، وسجلا آخر وعند ذلك يحطَّ عنهم الذنوب والأوزار إذا كانوا صادقين في التوبة غير عائدين إلى المعصية ، قال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ) (٢) .

ويختم النبي الأعظم دعائه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«يا رؤوفا بعباده الصالحين»

والله تعالى من أسمائه الحسنى الرؤوف الذي يرأف بعباده ، وهو أرأف وأرحم عليهم من أي قريب إليهم ، والمؤمن يستمطر رحمة الله وينتظر منه الرأفة والرحمة ، وإذا لم يرأف الله تعالى بالمؤمنين بمن يرأف إذن؟!.

__________________

١ ـ سورة الشرح ، الآية : ٨.

٢ ـ سورة التحريم ، الآية : ٨.

٨٩

وقد ورد في دعاء كميل لأمير المؤمنين علي عليه السلام قوله : «وكن اللهم بعزتك لي في كل الأحوال رؤوفا ، وعليّ في جميع الأمور عطوفا ».

وقوله أيضا في نفس الدعاء : «يا مولاي فكيف يبفى في العذاب وهو يرجو ما سلف من حلمك ورأفتك ، أم كيف تؤلمه النار وهو يأملُ فضلك ورحمتك »(١) .

__________________

١ ـ مفتاح الجنة : ٥٠.

٩٠

دعاء اليوم الرابع والعشرين :

«اللهم أن أسألك فيه ما يُرضيك ، وأعوذ بك مما يؤذيك ، وأسألك التوفيق فيه لأن أطيعك ولا اعصيك يا جواد السائلين »

أضواء على هذا الدعاء :

سبق أن تكرر هذا المعنى في الأدعية المتقدمة مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «اللهم أجعل لي إلى مرضاتك سبيلا » ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا : «ووفقني فيه لموجبات مرضاتك ».

وكل ما يرضي الله تعالى من العبد ، هو : الالتزام بأوامره ، والانتهاء عن نواهيه ، فمن فعل ذلك فقد استحق رضا الله تبارك وتعالى.

ولا شك أن هناك أمورا آخرى تدخل في سجل ما يُرضي الله تعالى غير ما ذكرنا مثل إدخال السرور على قلوب المؤمنين ، وزيارة مرضاهم ، والسعي في قضاء حوائجهم وغير ذلك.

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وأعوذ بك مما يؤذيك»

وهنا يتعوذ صلى الله عليه وآله وسلم بالله عز وجل مما يؤذيه ، أي : يُسخطه ويغضبه بقرينة قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «أسألك فيه ما يرضيك » ، والذي يقابل الرضا هو الغضب والسخط لا غير وإلا فإن

٩١

الله تبارك وتعالى أجل من أن يؤذيه شيء ، وهذا ما أفهمه من فقرات هذا الدعاء.

و [الاستعاذة مأخوذة ـ لغة ـ عاذ به واستعاذ به لجأ إليه ، وهي : عياذه ، أي : مُلجؤه ، وقولنا معاذ الله ، أي : أعوذ بالله أي : الجأ إليه وأستجير به](١) .

وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعاء آخر : «اللهم أني أعوذ بك مما استعاذ منه عبادك المخلصون ، وأسألك خير ما سألك عبادك الصالحون »(٢) .

وفي القرآن الكريم سورتان تسميان امعوذتين أولها سورة [الفلق] والتي تبدأ بقوله تعالى :( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ، والثانية سورة [الناس] التي تبدأ بقوله تعالى :( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) .

ثم ينتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى الفقرة الثالثة من الدعاء فيقول :

«وأسألك التوفيق فيه لأن أطيعك ولا اعصيك»

ولا شك بأن توفيق الطاعة من الله تعالى بتوسط إرادة العبد الذي وطن نفسه على الطاعة فوفقه الله إليها وهداه لها فإذا كان المرء في طريق الطاعة والاستقامة فإن الله تعالى يزيد في توفيقه وهدايته فيستمر عليها ويواظب في طاعته لأنه أصبح أهلا للتوفيق ، وهو النجاح والفوز والفلاح في الأعمال فإذا حصل للإنسان ذلك التوفيق وتلك الهداية فإنه يبتعد عن ساحة معصية الله تعالى كل البعد ، ويكون من أهل

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٤٦١.

٢ ـ عمدة الزائر : ٢٦١.

٩٢

طاعته فقط ، ولم يكن في ذهنه تفكر في الذنوب والمعاصي. ويختم النبي الأكرم دعائه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«يا جواد السائلين»

والجواد ، هو : الكريم الذي يتكرم على الناس ويجود والله تعالى هو أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ، والسائل صاحب المسألة والحاجة لا يلجأ إلا لله تعالى طالبا قضاء حاجته وحل مسألته فيطرق باب أجود السائلين فهو أجود من سُئل وخير من أعطى يُعطي من سأله ومن لم يسأله تحننا منه ورحمة.

٩٣

دعاء اليوم الخامس والعشرين :

«اللهم أجعلني فيه محبا لأوليائك ، ومعاديا لأعدائك مستنا بسنة خاتم أنبيائك يا عاصم قلوب النبيين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم إجعلني فيه محبا لأوليائك ، ومعاديا لأعدائك »

والحب والبغض يجب أن يكونا لله وفي الله وحب الله يستوجب حب أوليائه ويستوجب أيضا بغض أعدائه ، وهو دليل الإيمان والالتزام بالمبادئ والقيم السماوية ، ولا يمكن أن تجتمع محبة الله ومحبة أعدائه في قلب واحد ، وكذلك لا يمكن أن تجتمع محبة أولياء الله ومحبة أعدائه في قلب واحد.

قال تعالى :( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) (١) .

ويروى أن الله أوحى إلى موسى هل عملت لي عملا؟

فقال : «إلهي أني صليت لك وصمت وتصدقت وزكيت »

فقال : «أن الصلاة لك برهان ، والصوم جُنة ، والصدق ضل والزكاة نور فأي عمل عملت لي؟! »

قال : موسى «إلي دُلني على عمل هو لك »

__________________

١ ـ سورة المجادلة ، الآية ٢٢.

٩٤

قال : «يا موسى هل واليت لي وليا قط ، وعاديت لي عدوا قط؟ »

فعلم موسى أن أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أتدرون أي عُرى الإيمان أو اثق؟ »

قلنا : الصلاة.

قال : «الصلاة حسنة وليست بذلك »

قلنا : الصيام.

فقال : مثل ذلك حتى ذكرنا الجهاد.

فقال : مثل ذلك.

قلنا : أخبرنا يا رسول الله؟

قال : «أواثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض فيه ، ولو ان رجلا صام النهار ولا يُفطر ، وقام الليل لم ينم ، وجاهد ولم يُحب في الله ويبغض في الله ما نفعه ذلك شيء »(١) .

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أحب الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله ».

وفي مكارم الأخلاق للطبرسي عن المعصوم عليه السلام : «من تولى جائراً في جوره كان قرين هامان في جهنم ».

ويروى عن الحسن البصري قوله : [مصارمة الفاسق قربان إلى الله عز وجل].

__________________

١ ـ النصائح الكافية : ١٥٦.

٩٥

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «إياك أن تُحب أعداء الله أو تُصفي ودك لغير أولياء الله فإن من أحب قوما حُشر معهم ».

وقال الإمام الحسن السبط عليه السلام : «القريب من قربته المودة وأن بَعُد نسبه ، والبعيد من باعدته المودة وأن قَرُبَ نسبه ».

وعن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال : «البِشر الحسن ، وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة وقربة من الله ، وعبوس الوجه وسوء البِشر مكسبة للمقت وبعد من الله ».

وقال جعفر الصادق عليه السلام : «ثلاث تورث المحبة : الدين ، والتواضع ، والبذل »(١) .

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«مستنا بسنة خاتم أنبياءك»

أي : متبعا سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي : المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن عند المسلمين ، وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله ، وفعله ، وتقريره وقد يقول قائل أن الدعاء وارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يطلب من الله أن يجعله مستنا بسنته؟

والجواب على ذلك : لأن سنة النبي ليست ملكا له ولا خاصة به فهي لعموم المسلمين ، وهو : سيدهم.

وقد يكون ذلك من باب تعليم المسلمين حتى يلتزموا بالسنة ولا يخالفوا لها أمرا.

لأن مَن يخالف أمراً أو نهياً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد خالف الله

__________________

١ ـ التفسير المعين : ٦٥.

٩٦

وعصاه لأن الله يقول :( مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ ) (١) . وقال :( وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ ) (٢) ، ومخالفة الرسول ومعصية ما يصدر عنه مخالفة لله تبارك وتعالى.

ثم يختم النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعائه بقوله :

«يا عاصم قلوب النبيين»

فالأنبياء عليهم السلام معصومون والله تعالى عصمهم من الذنوب والمعاصي والأخطاء لأنهم قادة وهُداة ، وهم : يهدون غيرهم إلى الصواب والصلاح فكيف يتصور في حقهم الانحراف أو الانزلاق والأخطاء ، والله تعالى وجد فيهم الاستعداد لذلك فعصمهم من الذنوب وكل ما لا يناسب مقامهم الديني والروحي والتبليغي المؤثر في الأمم والشعوب.

وقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام : «من ألهم العصمة أمن الزلل ».

وقال : «من اعتصم بالله لم يضره الشيطان »(٣) .

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ٥٩.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٢٢.

٣ ـ التفسير المعين : ٢٤١.

٩٧

دعاء اليوم السادس والعشرين :

«اللهم أجعل سعيي فيه مشكورا ، وذنبي فيه مغفورا ، وعلمي فيه مقبولا ، وعيبي فيه مستورا يا أسمع السامعين ».

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم اجعل سعيي فيه مشكورا »

أي أجعل عملي من صيام ، وقيام ، وتلاوة القرآن ، وسائر الفرائض والمستحبات مشكوراً ، أ] : مقبولاً لديك ، ويقال : دائماً شكر الله سعيك.

والسُعي مأخوذ من قولهم : سعى سعياً ، أي : عدا وكذا إذا عمل وكسب.

و [من أعمال الحج السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط تختتم في عمرة التمتع بالتقصير ، أي : أخدُ شيء من الشعر ، أو الأظافر ، ولكن الأحوط عدم الاكتفاء بأخذ شيء من أظافر اليد أو الرجل ، وتأخير الإتيان به عن الأخذ من الشعر](١) .

ويكون السعي هذا بعد الطواف وركعتيه ، وهناك سعي آخر هو لحج التمتع يكون بعد واف الحج وركعتيه ، ويكون بعد الوقوفين بعرفات ومِنى.

وشكر الله لعباده ، هو : قبوله بلطفه أعمالهم الصالحة.

__________________

١ ـ مناسك الحج : ١٧٨.

٩٨

ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم :

«وذنبي فيه مغفورا»

فشهر رمضان شهر التوبة ، والمغفرة ، والإنابة ، والعودة ، والرجوع إلى الله تعالى ، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته الشهيرة التي أستقبل بها شهر رمضان وهي من بليغ كلامه صلى الله عليه وآله وسلم :

«أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة ، والرحمة ، والمغفرة » ، وقال : «أن الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم »(١) .

والله تعالى يغفر ذنوب العباد إذا أقلعوا عنها وتركوها ، ويروى أن عيسى بن مريم عليه السلام مر على قوم يبكون ، فقال : «ما لكم تبكون؟ »

قالوا : نبكي لذبوبنا

فقال : «أتركوها تُغفر لكم ».

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يُعلم بذلك أمته وإلا ليس للنبي ذنب.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :

«وعملي فيه مقبولا»

وكل عمل يقوم به المرء ويكون خالصا لوجه الله تعالى سيكون مقبولا عند الله ، وعمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك اليوم هو العبادة من صوم ، وصلاة ، وهداية الناس وإرشادهم لما فيه خيرهم وصلاحهم وكل ذلك عمل مقبول عند الله تبارك وتعالى

__________________

١ ـ مفاتيح الجنان : ٢٣٥.

٩٩

«وعيبي فيه مستورا»

والعيب ، هو : الشيء المستقبح الذي لا يمكن إظهاره ، ولابد من ستره ، والله تعالى هو ستار العيوب وغفار الذنوب والإنسان يجب عليه أن يفتش عن عيوبه ليسترها قبل أن يتحدث عن عيوب الآخرين ، قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه »(١) . وقال : «أعقل الناس من كان بعيبه بصيرا ، وعن عيب غيره ضريرا » ، وقال أيضا : «من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره »(٢) .

ثم يختم الدعاء بقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«يا أسمع السامعين»

والله تعالى ، هو : أسمع السامعين ، وأبصر الناظرين ، وقد تفضل الله على الإنسان أن جعله سميعا بصيرا حيث يقول تعالى :( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) (٣) .

وقال :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) ٤ ، وقال :( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) (٥) .

وقال :( وَاللَّـهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٦) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ٧٧ / ١٢٦.

٢ ـ التفسير المعين : ٦٠٣.

٣ ـ سورة الدهر ، الآية : ٢.

٤ ـ سورة الإسراء ، الآية : ٣٦.

٥ ـ سورة مريم ، الآية : ٣٨.

٦ ـ سورة النحل ، الآية : ٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120