أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك50%

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 120

  • البداية
  • السابق
  • 120 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29269 / تحميل: 4594
الحجم الحجم الحجم
أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

أضواء على أدعية النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

( مسعود بن عمر ) : الأزدي الفهمي سيد الأزد وبسبب قتله قامت حرب البصرة بعد هلاك يزيد ، وهو الذي منع من قتل عبيد الله بن زياد يومئذ ، ويكنّى بأبي قيس ، وله شرف ، وهو الذي جمع الناس وخطبهم لنصرة الحسين فلم يتوفق. ويمضى في كتب المقاتل أنّه يزيد بن مسعود النهشلي ، وهذا تميمي يكنّى بأبي خالد وليس من رؤساء الأخماس ، ولعله مكتوب إليه أيضا. والذي يستظهر من الخطبة والكتاب إلى الحسينعليه‌السلام أنّ الذي جمع الناس هذا ، لا مسعود. ولكن الطبري وغيره من المؤرخين لم يذكروا الثاني.

( قيس بن الهيثم ) : بفتح هاء هيثم وسكون الياء المثنّاة تحت وبالثاء المثلّثة ، بن أسماء بن الصلت السلمي ، سيّد أهل العالية ، وله شرف وذكر في حرب البصرة.

( عبد الله بن عبيد الله ) : بن معمر بوزن مقعد التيمي تيم قريش ، وهذا كان في البصرة وله شرف.

( شريك بن الأعور ) : بفتح شين شريك بن الحرث الهمداني ، من المعروفين بالتشيع ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام والمقاتلين بين يديه في حروبه ، ولي الأعمال بعده لآل أميّة ، فأمّا أبوه الحرث الأعور فمن خوّاص أمير المؤمنينعليه‌السلام كما هو معلوم.

( مسلم بن عمرو ) : الباهلي ، هذا أبو قتيبة بن مسلم صاحب خراسان وفارس الحرون الذي جل خيل العرب من نسله إلى مدّة مائتي سنة ، وكان مسلم رسول يزيد لعبيد الله في ولاية المصرين وعزل النعمان فاستصحبه ، ويمضى في بعض الكتب أنّه مسلم بن عقبة ، وهو غلط فإنّ ذلك شامي لم يكن له في حرب الكوفة يد ، وإنّما تولّى حرب المدينة المعروف بحرب الحرّة ليزيد.

حصين ـ بضم الحاء المهملة وفتح الصاد والياء آخر الحروف والنون ـ بن تميم ابن أسامة بن زهير بن دريد التميمي صاحب شرطة عبيد الله. ويمضى في الكتب

٤١

حصين بن نمير السكوني وهو غلط فاحش فإنّ ذلك عند يزيد حارب به أهل المدينة ومكّة ، وله في محاربة عين الوردة رئاسة في أهل الشام وسمعة.

( ضفّة الطف ) : بفتح الضاد وتشديد الفاء جانبه ، والطف شاطي النهر ، ويطلق على جانب نهر الفرات الجنوبي من البصرة إلى هيت(1) ، ويخص بالموضع الذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام .

( القادسية ) : موضع معروف من منازل الحاج عند الكوفة بينه وبينها خمسة عشر فرسخا.

( مخط القلادة ) : يعني موضع خط القلادة وهي في الحقيقة الجلد المستدير من الجيد ، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة كذلك الموت على ولد آدم ، هذا إذا قلنا إنّ مخطّ اسم مكان ، وإن قلنا إنّه اسم مصدر بمعنى خطّ ، فيعني به إنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم من وسطها كما إنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها في حال تقلّده.

( وما أولهني ) : يعني ما أشدّ شوقي ، والوله شدّة الشوق.

( وخير لي ) : يعني خار الله لي مصرعا أي اختار ، ويمضي على بعض الألسنة ، وفي بعض الكتب خير بالتشديد وهو غلط فاحش.

( عسلان الفلوات ) : بضم العين وسكون السين جمع عاسل وهو المهتز والمضطرب ، يقال للرمح وللذئب وأمثالهما ، والمراد هنا المعنى الثاني.

( النواويس ) : جمع ناوس في الأصل ، وهو القبر للنصراني ، والمراد به هنا القرية التي كانت عند كربلا.

( جوفا ) : بضم الجيم وسكون الواو جمع جوفاء وهي الواسعة ويجري على بعض

__________________

(1) قال الحموي : هي بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار. راجع معجم البلدان : 5 / 421.

٤٢

الألسن تحريك الواو أو تشديدها وهو غلط.

( أجربة سغبا ) : أجربة جمع جراب كأغلمة وغلام ، والمراد به البطن مجازا ، وسغبا بضمّتين جمع سغبى من السغب وهو الجوع.

( ورأيت ) : في نسخة ( أحوية ) : فكأنّه جمع لحوية البطن وهي أمعاؤها ، والمعروف حوايا فإن وردت أحوية فما أحسبها إلاّ خيرا من أجربة.

لا يقال : إنّ العسلان لا تتسلّط على أوصال صفوة الله لطفا من الله وإيثارا له ، لأنّا نقول : إنّ الكلام جرى على القواعد العربيّة والأساليب الفصيحة كما يقول قائلهم : عندي جفنة يقعد فيها الخمسة يعني لو كانت ممّا يفعل به ذلك لقعد فيها خمسة رجال ، فيكون معنى الكلام لو جاز ذلك على أوصالي لفعل بها ، وهذا كناية عن قتله وتركه بالعراء.

( لن تشذ ) : لن تنفرد وتتفرّق. ( لحمته ) : بضم اللام وهي القرابة.

( حظيرة القدس ) : اسم الجنّة أو اسم موضع شريف منها.

( التنعيم ) : موضع على أربعة فراسخ من مكّة في الحل.

( وادي العقيق ) : موضع عند المدينة وفيه أرض لابن الزبير ولغيره.

( مغذا ) : مسرعا من أغذ بالسير إذا أسرع.

( ذات عرق ) : بكسر العين موضع يتصل بعرق ، وهو جبل حاجز بين تهامة ونجد.

( الحاجر من بطن الرمة ) : الحاجر بالحاء المهملة والجيم والراء المهملة : موضع ، وأصله ما أمسك شفة الوادي.

( والرمّة ) : بضم الراء المهملة والتشديد ، وقد يخفّف : واد متسع في طريق مكّة تنزل بطنه بنو كلاب فبنو عبس فبنو أسد.

( الثعلبيّة ) : بالثاء المثلثة والعين المهملة والباء المفردة والياء المثنّاة تحت موضع في طريق مكّة ، يقال : هو ثلثا الطريق من الكوفة.

٤٣

( زرود ) : موضع عند الثعلبيّة بينها وبين الخزيميّة.

( زبالة ) : بضم الزاء المعجمة موضع عند الثعلبيّة أيضا بينها وبين الشقوق.

( العقبة ) : بالحركات موضع عند واقصة.

( شراف ) : بفتح الشين المعجمة موضع عند واقصة أيضا بينها وبين الفرعاء.

( ذو حسم ) : بضم الحاء المهملة وفتح السين المهملة والميم بعد : جبل هنالك كان النعمان يصطاد فيه ، وفيه يقول الشاعر : أليلتنا بذي حسم أنيري. ويمضى في الكتب حسب وخشت وجشم وكلّ غلط من النسّاخ.

( استمرت حذاء ) : استمرت دامت ، و ( حذاء ) : بالحاء المهملة والذال المشدّدة المعجمة الناقة الماضية بسرعة ونشاط ، والناقة المقطوعة الذنب والرحم التي لم يعلق بها أحد وينقطع عنها كل أحد ، وفسّرت الفقرة في التاج(1) بالمعاني الثلاثة ، فعلى الأوّل يكون المعنى أنّ الدنيا أدبر معروفها واستمرت على ذلك ومضت بسرعة ، وعلى الثاني استمرت على ذلك ولم يبق لها شيء يمسكه اللاحق ولا ذنب لها فيقبض ، وعلى الثالث استمرّت على ذلك لم يصلها واصل.

( عمر بن سعد ) : ابن أبي وقّاص وهو مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ، يكنّى بأبي حفص. وأمّه أمة ، وأمّ أبيه حمنة بنت سفيان بن أميّة بن عبد شمس ، وهو ابن عم هاشم المرقال بن عتبة بن أبي وقاص صاحب عليعليه‌السلام .

( عمرو بن الحجاج ) : بن سلمة الزبيدي سيد زبيد ، وله شرف فيهم وذكر في المغازي.

( شمر بن ذي الجوشن ) : بفتح الشين وكسر الميم ويجري على الألسن ويمضى في الشعر الحديث كسر الشين وسكون الميم وهو خلاف المضبوط ، وذو الجوشن

__________________

(1) راجع تاج العروس : 10 / 85.

٤٤

أبوه ، واسمه شراحيل بن الأعور قرط بن عمرو بن معاوية بن كلاب الكلابي الضبابي ، وهو قاتل الحسينعليه‌السلام وكان أبرص خارجيّا.

( أنت أخو أخيك ) : يعني أنّ محمّد بن الأشعث الذي غدر بمسلم بن عقيل في الأمان ، أخوك فأنت مثله في الغدر.

( أفر فرار العبيد ) : أي لا أتاكم ذليلا معطيا باليد ولا أهرب عنكم هرب العبد ، بل أنازلكم حتّى يقضي الله ما هو قاض ، ويجري في بعض الألسن أقرّ إقرار العبيد وهو خطأ.

( أصرخناكم موجفين ) : أي أجبنا صراخكم مسرعين إليكم السير ، والإيجاف نوع من السير فيه سرعة ، والاسم منه الوجيف.

( حششتم ) : أي أوقدتم وأصله من جمع الحشيش للإيقاد.

( إلبا ) : بكسرة الهمزة وفتحها : الاجتماع على الظلم والعدوان ، يقال : هم إلب واحد أي مجتمعون على الظلم والعدوان.

( مشيم ) : بفتح الميم أي مغمد من شام السيف بمعنى أغمده. ( الجأش ) : القلب والفكر.

( يستحصف ) : أي يستحكم ، يقال : رأي حصيف أي محكم. ( الدبا ) : بفتح الدال وتخفيف الباء المفردة الجراد.

( الفراش ) : بفتح الفاء الذي يتساقط على الضوء ليلا.

( عبيد الأمة ) : بتخفيف الميم بمعنى الجارية كناية عن الذل مأخوذة من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ذلّ قوم تملكهم أمة » ، ويجري على الألسن التشديد وهو وإن كان له ضرب من التأويل لم يتعلق ببلاغة.

( شذاذ ) : بضم الشين المعجمة وتشديد الذال المعجمة أيضا جمع شاذّ ، وهم المتفرقون من الجمع ويعبّر عنهم بالفارطة والغوغاء.

٤٥

( شجا للناظر ) : الشجا الحزن ، والشجى ما يعترض بالحق(1) من عظم وغيره للإنسان وغيره.

قال الشاعر :

ربّ من انضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لي موتا لم يطع

ويراني كالشجى في حلقه

عسرا مخرجه ما ينتزع

وكلّ بالقصر ، والمعنى يحتمل كلا.

( وما إن طبنا إلخ ) : الطب بكسر الطاء : العلّة والسبب. والجبن بضم الجيم وسكون الباء : ضدّ الشجاعة بفتح الشين ، والدولة بفتح الدال : الغلبة في الحرب ، وبضمّها التداول في المملكة ، قال الله تعالى( دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ ) (2) ، والمراد به المعنى الثاني على الظاهر. والأبيات لفروة بن مسيك ، بفتح فاء فروة وضم ميم مسيك المرادي. ومعنى البيت إن قتلنا لم يكن عارا علينا لأنّ سببه لم يكن عن جبن وعدم إقدام على المكافح ، ولكن سببه منايانا ودولة آخرين ، ومثل هذا لم يكن عارا. وقال آخر يعتذر لعدوّه في ذلك :

فلم يك طبهم جبنا ولكن

رميناهم بثالثة الأثافي

أنشده ابن قتيبة في ترجمة خفاف له في كتاب معجم الشعر والشعراء.

( مصبّرة ) : أي ممزوجة بالصبر.

( السبج ) : بفتح السين المهملة وفتح الباء المفردة حجارة سوداء يعمل منها الخرز.

( قد نصل ) : يقال نصل الخضاب من اللحية إذا بانت أصولها بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيّام فهي سوداء ، وأصل الشعر أبيض ، ويزعم بعض الناس أنّها اتصل بها

__________________

(1) كذا في الأصل ، والصحيح : بالحلق.

(2) سورة الحشر : الآية 7.

٤٦

الخضاب ، وذلك وهم لعدم فهمه المعنى وتصحيف.

( بتبان ) : بثوب قصير يلبسه الفعلة وأمثالهم.

( يلمع فيه البصر ) : أي لا يثبت فيه البصر لشدّة بياضه.

( بواني صدره ) : البواني الأضلاع المقدمة في الصدر.

( مالك بن النسر ) : بالنون والسين ، ويمضى في بعض الكتب النسير بالتصغير الكندي البدي وهم من كندة.

( سنان ) : بكسر السين بن أنس بن عمرو النخعي كان من أشراف النخع ومن الخوارج.

( خولي بن يزيد الأصبحي ) : خولي بفتح الخاء المعجمة وتسكين الواو واللام قبل ياء في صورة المنسوب ، ويجري على بعض الألسن خولي بكسر الخاء وفتح الواو واللام قبل ألف مقصورة وهو خطأ. والأصبحي نسبة إلى ذي أصبح أحد ملوك حمير الذي تنسب إليه السياط الأصبحيّة.

قد تم ضبط ما يهم من ألفاظ فاتحة الكتاب فلنبدأ بالمقاصد.

٤٧
٤٨

المقصد الأوّل

في آل أبي طالب بن عبد المطلّب ومواليهم

من أنصار الحسينعليه‌السلام

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

ولد في أوائل خلافة عثمان بن عفان ، وروى الحديث عن جدّه علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما حقّقه ابن إدريسقدس‌سره في السرائر ، ونقله عن علماء التاريخ والنسب(1) . أو بعد جدهعليه‌السلام بسنتين كما ذكره الشيخ المفيدقدس‌سره في الإرشاد(2) . وأمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وأمّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أميّة. وأمّها بنت أبي العاص بن أميّة. وكان يشبّه بجدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنطق والخلق والخلق.

وروى أبو الفرج أن معاوية قال : من أحقّ الناس بهذا الأمر؟ قالوا : أنت ، قال : لا ، أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن عليعليه‌السلام ، جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه شجاعة بني هاشم ، وسخاء بني أميّة ، وزهو ثقيف.

__________________

(1) السرائر : 1 / 655 ، وفيه : « في أمارة عثمان ».

(2) الإرشاد : 2 / 137.

٤٩

وفي عليعليه‌السلام يقول الشاعر :

لم تر عين نظرت مثله

من محتف يمشي ومن ناعل

يغلي نهيئ اللحم حتّى إذا

أنضج لم يغل على الآكل

كان إذا شبّت له ناره

يوقدها بالشرف القائل

كيما يراها بائس مرمل

أو فرد حيّ ليس بالآهل

لا يؤثر الدنيا على دينه

ولا يبيع الحقّ بالباطل

أعني ابن ليلى ذا السدى والندى

أعني ابن بنت الحسب الفاضل(1)

ويكنّى أبا الحسن ، ويلقّب بالأكبر لأنّه الأكبر على أصحّ الروايات ، أو لأنّ للحسينعليه‌السلام أولادا ستّة ثلاثة أسماؤهم علي ، وثلاثة أسماؤهم عبد الله وجعفر ومحمّد ، كما ذكره أهل النسب فهو أكبر من علي الثالث على رواية.

وروى أبو مخنف عن عقبة بن سمعان قال : لمّا كان السحر من الليلة التي بات بها الحسين عند قصر بني مقاتل ، أمرنا الحسين بالاستقاء من الماء ، ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا ، قال : فلمّا ارتحلنا عن قصر بني مقاتل ، خفق برأسه خفقة ، ثمّ انتبه وهو يقول : « إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين » ، ثمّ كرّرها مرّتين أو ثلاثا ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسينعليه‌السلام ـ وكان على فرس له ـ فقال : « إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين ، يا أبت جعلت فداك ، ممّ استرجعت وحمدت الله »؟ فقال الحسينعليه‌السلام : « يا بنيّ إنّي خفقت برأسي خفقة فعنّ لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا » ، فقال له : « يا أبت لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحق »؟ قال : « بلى ، والذي إليه مرجع العباد »

__________________

(1) راجع مقاتل الطالبيين : 86.

٥٠

قال : « يا أبت ، إذن لا نبالي نموت محقّين » فقال له : « جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده »(1) .

قال أبو الفرج(2) وغيره : وكان أوّل من قتل بالطف من بني هاشم بعد أنصار الحسينعليه‌السلام علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فإنّه لمّا نظر إلى وحدة أبيه تقدّم إليه وهو على فرس له يدعى ذا الجناح ، فاستأذنه للبراز ـ وكان من أصبح الناس وجها ، وأحسنهم خلقا ـ فأرخى عينيه بالدموع وأطرق ثمّ قال : « اللهمّ اشهد أنّه قد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه ، ثمّ صاح : « يا ابن سعد ، قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » ، فلمّا فهم علي الإذن من أبيه شدّ على القوم وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

فقاتل قتالا شديدا ، ثمّ عاد إلى أبيه وهو يقول : يا أبت ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فبكى الحسينعليه‌السلام وقال : « وا غوثاه أنّى لي الماء ، قاتل يا بنيّ قليلا واصبر ، فما أسرع الملتقى بجدّك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا ». فكرّ عليهم يفعل فعل أبيه وجدّه. فرماه مرّة بن منقذ العبدي بسهم في حلقه(3) .

وقال أبو الفرج : قال حميد بن مسلم الأزدي : كنت واقفا وبجنبي مرّة بن منقذ ، وعلي بن الحسين يشدّ على القوم يمنة ويسرة فيهزمهم ، فقال مرّة عليّ آثام العرب

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 309 ، بتفاوت في بعض العبارات.

(2) مقاتل الطالبيين : 115.

(3) راجع اللهوف : 166.

٥١

إن مرّ بي هذا الغلام لأثكلنّ به أباه ، فقلت : لا تقل ، يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه. فقال : لأفعلنّ ، ومرّ بنا عليّ وهو يطرد كتيبة فطعنه برمحه فانقلب على قربوس فرسه فاعتنق فرسه فكرّ به على الأعداء فاحتووه بسيوفهم فقطّعوه(1) . فصاح قبل أن يفارق الدنيا : السلام عليك يا أبتي ، هذا جدّي المصطفى قد سقاني بكأسه الأوفى وهو ينتظرك الليلة ، فشدّ الحسينعليه‌السلام حتّى وقف عليه وهو مقطّع فقال : « قتل الله قوما قتلوك يا بنيّ ، فما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول » ، ثمّ استهلت عيناه بالدموع ، وقال : « على الدنيا بعدك العفا »(2) .

وروى أبو مخنف ، وأبو الفرج عن حميد بن مسلم الأزدي أنّه قال : وكأنّي أنظر إلى امرأة قد خرجت من الفسطاط وهي تنادي : يا حبيباه يا ابن أخيّاه ، فسألت عنها ، فقالوا : هذه زينب بنت علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فجاءت حتّى انكبّت عليه ، فجاء الحسينعليه‌السلام إليها وأخذ بيدها إلى الفسطاط ، ورجع فقال لفتيانه : « احملوا أخاكم » فحملوه من مصرعه ، ثمّ جاءوا به فوضعه بين يدي فسطاطه(3) . وقتل ولا عقب له.

وفيه أقول :

بأبي أشبه الورى برسول

الله نطقا وخلقة وخليقه

قطعته أعداؤه بسيوف

هي أولى بهم وفيهم خليقه

ليت شعري ما يحمل الرهط منه

جسدا أم عظام خير الخليقة

__________________

(1) مقاتل الطالبيين : 115.

(2) راجع مقاتل الطالبيين : 115 ، واللهوف : 167.

(3) تاريخ الطبري : 3 / 331 بتفاوت في بعض الكلمات.

٥٢

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( الخلق ) : بضم الخاء الطبع وبفتحها التصوير. ( يغلي ) : أي يفير.

( النهيء ) : كأمير اللحم النيء. ( يغلي ) : الثاني ضدير خص.

( الشرف ) : الموضع العالي وهو على زنة جبل.

وقال الشاعر :

آتي النديّ فلا يقرّب مجلسي

وأقود للشرف الرفيع حماري

( القابل ) : المقبل عليك ومنه عام قابل.

( السدى ) : ندى أول الليل والندى ندى آخر الليل ويكنّى بكلّ منها وبهما عن الكرم.

( قطع الله رحمك ) : يعني قطع نسلك من ولدك كما قطعت نسلي من ولدي فإنّه لا عقب له.

( الأوفى ) : وصف الكأس وهي مؤنثة بالأوفى ، وهو مذكر غير صحيح على القواعد العربيّة ، فإن صحّت روايته فمحمول على أنّ المراد بالكأس الإناء والظرف وأمثالهما.

( احتووه ) : أي حازوه إليهم واشتملوا عليه ، يقال : احتويت على الصيد إذا حزته إليك واشتملت عليه.

( قربوس ) : السرج بفتح القاف والراء ولا تسكن الراء إلاّ في الضرورة بمعنى حنوه.

( الخليقة ) : الأولى بمعنى الطبيعة ، والثانية بمعنى الجديرة ، والثالثة بمعنى المخلوقات.

٥٣

عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

ولد في المدينة ، وقيل في الطف ، ولم يصح. وأمّه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب بن كلب. وأمّها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب المذكور ، وأمّها ميسون بنت عمرو بن ثعلبة بن حصين بن ضمضم. وأمّها الرباب بنت أوس بن حارثة بن لام الطائي ، وهي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام :

لعمرك إنني لأحب دارا

تحل بها سكينة والرباب

أحبّهما وأبذل جلّ مالي

وليس لعاتب عندي عتاب

وكان امرؤ القيس زوّج ثلاث بناته في المدينة من أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وقصّته مشهورة ، فكانت الرباب عند الحسينعليه‌السلام وولدت له سكينة وعبد الله هذا.

قال المسعودي والأصبهاني والطبري وغيرهم : إنّ الحسين لمّا آيس من نفسه ذهب إلى فسطاطه فطلب طفلا له ليودّعه ، فجاءته به أخته زينب ، فتناوله من يدها ووضعه في حجره ، فبينا هو ينظر إليه إذ أتاه سهم فوقع في نحره فذبحه(1) .

قالوا : فأخذ دمه الحسينعليه‌السلام بكفّه ورمى به إلى السماء وقال : « اللهمّ لا يكن أهون عليك من دم فصيل ، اللهمّ إن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير لنا ؛ وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين ، فلقد هوّن ما بي أنّه بعينك يا أرحم الراحمين »(2) .

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 332 ، مقاتل الطالبيين : 94. ولم أعثر عليه في مروج الذهب ولا في إثبات الوصيّة.

(2) راجع الكامل : 4 / 75.

٥٤

قالوا : فروي عن الباقرعليه‌السلام « أنّه لم تقع من ذلك الدم قطرة إلى الأرض »(1) . ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام حفر له عند الفسطاط حفيرة في جفن سيفه فدفنه فيها بدمائه ورجع إلى موقفه(2) .

وروى السيّد الطاوسي أنّه أخذ الطفل من يدي أخته زينب فأومى إليه ليقبله ، فأتته نشابة فذبحته فأعطاه إلى أخته وقال : خذيه إليك ، ثمّ فعل ما فعل بدمائه ، وقال ما قال بدعائه(3) .

وروى أبو مخنف أنّ الذي رماه بالسهم حرملة بن الكاهن الأسدي(4) . وروى غيره إنّ الذي رماه عقبة بن بشر الغنوي(5) . والأول هو المروي عن أبي جعفر محمّد الباقرعليهما‌السلام .

يا لرضيع أتاه سهم ردى

حيث أبوه كالقوس من شفقه

قد خضبت جسمه الدماء فقل

بدر سماء قد اكتسى شفقه

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( الحجر ) : هو بتثليث الحاء المهملة وبعدها الجيم الساكنة حضن الإنسان.

( الكاهن ) : بالنون ، ويجري على بعض الألسن ويمضى في بعض الكتب باللام ، والمضبوط خلافه.

__________________

(1) اللهوف : 169 ، مثير الأحزان : 70 ، وعنه البحار : 45 / 46.

(2) الاحتجاج : 2 / 101 ، وليس فيه : ورجع إلى موقفه.

(3) اللهوف : 169.

(4) تاريخ الطبري : 3 / 343.

(5) راجع مقاتل الطالبيين : 95. وليس فيه : الغنوي.

٥٥

( الشفقة ) : الأولى الحذر من جهة المحبّة ، والثانية هي شفق مضاف إلى ضمير البدر ، والشفق هو : الحمرة الشديدة عند أوّل الليل بين المغرب والعشاء.

العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

ولد سنة ست وعشرين من الهجرة. وأمّه أمّ البنين ، فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر المعروف بالوحيد بن كلاب بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وأمّها ثمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب. وأمّها عمرة بنت الطفيل فارس قرزل ، ابن مالك الأخزم رئيس هوازن ، بن جعفر بن كلاب. وأمّها كبشة بنت عروة الرحّال بن عتبة بن جعفر بن كلاب. وأمّها أم الخشف بنت أبي معاوية فارس هوازن ، ابن عبادة بن عقيل بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وأمّها فاطمة بنت جعفر بن كلاب. وأمّها عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف. وأمّها آمنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن ذودان بن أسد بن خزيمة. وأمّها بنت حجدر بن ضبيعة الأغرّ بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن ربيعة بن نزار. وأمّها بنت مالك بن قيس بن ثعلبة. وأمّها بنت ذي الرأسين خشين ابن أبي عاصم بن سمح بن فزارة. وأمّها بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان.

قال السيد الداودي في العمدة : إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال لأخيه عقيل ـ وكان نسّابة عالما بأخبار العرب وأنسابهم ـ : ابغني امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاما فارسا ، فقال له : أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيّة ، فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس(1) .

__________________

(1) عمدة الطالب : 324 بتفاوت في بعض الكلمات.

٥٦

وفي آبائها يقول لبيد للنعمان بن المنذر ملك الحيرة :

نحن بنو أم البنين الأربعه

ونحن خير عامر بن صعصعة

الضاربون الهام وسط المجمعة

فلا ينكر عليه أحد من العرب ، ومن قومها ملاعب الأسنّة أبو براء الذي لم يعرف في العرب مثله في الشجاعة ، والطفيل فارس قرزل ، وابنه عامر فارس المزنوق ، فتزوجها أمير المؤمنينعليه‌السلام فولدت له وأنجبت. وأوّل ما ولدت له العبّاسعليه‌السلام يلقّب في زمنه قمر بني هاشم ، ويكنّى أبا الفضل. وبعده عبد الله ، وبعده جعفرا ، وبعده عثمان. وعاش العبّاس مع أبيه أربع عشرة سنة ، حضر بعض الحروب فلم يأذن له أبوه بالنزال ، ومع أخيه الحسن أربعا وعشرين سنة ، ومع أخيه الحسينعليه‌السلام أربعا وثلاثين سنة ، وذلك مدّة عمره ، وكانعليه‌السلام أيدا شجاعا فارسا وسيما جسيما يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطان في الأرض.

وروي عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « كان عمّنا العبّاس بن علي نافذ البصيرة ، صلب الإيمان ، جاهد مع أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وأبلى بلاء حسنا ، ومضى شهيدا(1) .

وروي عن علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه نظر يوما إلى عبيد الله بن العبّاس بن عليعليه‌السلام فاستعبر ثمّ قال : « ما من يوم أشدّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من يوم أحد ، قتل فيه عمّه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمّه جعفر ابن أبي طالب ، ولا يوم كيوم الحسين ، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل ، يزعمون أنّهم من هذه الأمّة ، كلّ يتقرّب إلى الله عزّ وجلّ بدمه ، وهو يذكّرهم بالله فلا يتّعظون ، حتّى قتلوه بغيا وظلما وعدوانا ، ثمّ قال : « رحم الله العبّاس فلقد آثر وأبلى ، وفدى

__________________

(1) الخصال : 86 ، باب الاثنين ، عمدة الطالب : 323.

٥٧

أخاه بنفسه حتّى قطعت يداه ، فأبدله الله عزّ وجلّ منهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب.

وإنّ للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة »(1) .

وروى أبو مخنف أنّه لما منع الحسينعليه‌السلام وأصحابه من الماء وذلك قبل أن يجمع على الحرب اشتدّ بالحسين وأصحابه العطش ، فدعا أخاه العبّاس فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليلا ، فجاءوا حتّى دنوا من الماء ، واستقدم أمامهم باللواء نافع فمنعهم عمرو بن الحجاج الزبيدي ، فامتنعوا منه بالسيوف وملأوا قربهم وأتوا بها والعباس بن علي ونافع يذبان عنهم ويحملان على القوم حتّى خلصوا بالقرب إلى الحسين(2) . فسمّي السقّاء وأبا قربة.

وروى أبو مخنف أنّه لما كاتب عمر بن سعد عبيد الله بن زياد في أمر الحسينعليه‌السلام وكتب إليه على يدي شمر بن ذي الجوشن بمنازلة الحسين ونزوله ، أو بعزله وتولية شمر العمل ، قام عبد الله بن أبي المحلّ بن حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر الوحيد ـ وكانت عمّته أمّ البنين ـ فطلب من عبيد الله كتابا بأمان العبّاس وإخوته ، وقام معه شمر في ذلك ، فكتب أمانا وأعطاه لعبد الله ، فبعثه إلى العبّاس وإخوته مع مولى له يقال له : كزمان ، فأتى به إليهم فلمّا قرءوه قالوا له : أبلغ خالنا السلام وقل له أن لا حاجة لنا في الأمان ، أمان الله خير من أمان ابن سميّة. فرجع ، قال : ووقف شمر في اليوم العاشر ناحية فنادى : أين بنو أختنا ، أين العبّاس وإخوته ، فلم يجبه أحد ، فقال لهم الحسينعليه‌السلام : أجيبوه ولو كان فاسقا ، فقام إليه العبّاس فقال له : ما تريد؟ قال : أنتم

__________________

(1) الخصال : 68 ، باب الاثنين ، ح 101.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 312 ، بتفاوت وسقط في بعض الكلمات.

٥٨

آمنون يا بني أختنا. فقال له العبّاس : لعنك الله ولعن أمانك ، لئن كنت خالنا أتؤمنّا وابن رسول الله لا أمان له؟ وتكلّم إخوته بنحو كلامه ثمّ رجعوا(1) .

وروى أبو مخنف أيضا وغيره أنّ عمر بن سعد نادى في اليوم التاسع : يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنّة. فركب الناس وزحفوا ، وذلك بعد صلاة العصر ، والحسينعليه‌السلام جالس أمام بيته محتبيا بسيفه وقد خفق على ركبتيه ، فسمعت زينب الصيحة فدنت منه وقالت : أما تسمع الأصوات يا أخي قد اقتربت! فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه وأخبرها برؤية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه يدعوه ، فلطمت زينب وجهها وقالت : يا ويلتاه ، فقال لها : ليس الويل لك يا أخيّة ، اسكتي رحمك الرحمن. ثمّ قال العبّاس له : يا أخي قد أتاك القوم فنهض ، ثمّ قال : « يا عبّاس ، اركب بنفسي أنت حتّى تلقاهم فتقول لهم : ما لكم؟ وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم » ، فأتاهم العبّاس في نحو عشرين فارسا فيهم زهير وحبيب فقال لهم : ما لكم وما بدا لكم وما تريدون؟ فقالوا : جاء أمر عبيد الله أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم. قال : فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا ثمّ قالوا : القه فأعلمه ذلك ، ثمّ أعلمنا بما يقول. فانصرف العبّاس يركض فرسه إلى الحسينعليه‌السلام يخبره ، ووقف أصحابه يخاطبون القوم حتّى أقبل العبّاس يركض فرسه فانتهى إليهم ، فقال : يا هؤلاء : إنّ أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشيّة حتّى ينظر في هذا الأمر ، فإنّ هذا أمر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق ، فإذا أصبحنا التقينا فإمّا رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه أو كرهنا فرددناه. قال : وإنّما أراد بذلك أن يردّهم عن الحسين تلك العشيّة حتى يأمر بأمره ويوصي أهله ، وقد كان الحسينعليه‌السلام قال له : « يا أخي ان استطعت أن تؤخّرهم هذه العشيّة إلى غدوة ،

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 313.

٥٩

وتدفعهم عنّا لعلّنا نصلّي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أني قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار » ، فقال لهم العبّاس ما قال ، فقال عمر بن سعد : ما ترى يا شمر؟ فقال : ما ترى أنت ، أنت الأمير والرأي رأيك ، فقال : قد أردت أن لا أكون ذا رأي. ثمّ أقبل على الناس فقال : ما ذا ترون؟ فقال عمرو بن الحجاج : سبحان الله! والله لو كانوا من الديلم ثمّ سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها. وقال قيس بن الأشعث : لا تجبهم إلى ما سألوك فلعمري ليصبحنّك بالقتال غدوة. فقال : والله لو أعلم أن يفعلوا ما أخّرتهم العشيّة ، ثمّ أمر رجلا أن يدنو من الحسينعليه‌السلام بحيث يسمع الصوت فينادي : إنّا قد أجّلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرّحنا بكم إلى الأمير ، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم(1) .

وروى أهل السير عن الضحّاك بن قيس المشرقي ، قال : إنّ الحسينعليه‌السلام جمع تلك الليلة أهل بيته وأصحابه فخطبهم بخطبته التي قال فيها : « أمّا بعد : فإنّي لا أعلم أهل بيت إلخ ». فقام العبّاس فقال : لم نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا(2) . ثمّ تكلّم أهل بيته وأصحابه بما يشبه هذا الكلام ، وسيذكر بعد.

قالوا : ولمّا أصبح ابن سعد جعل على ربع المدينة عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي ، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس ، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي ، وجعل الميمنة لعمرو بن الحجاج الزبيدي ، والميسرة لشمر بن ذي الجوشن الضبابي ، والخيل لعزرة بن قيس الأحمسي ، والرجال لشبث بن ربعي ، وأعطى الراية لدريد

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 313 ، وأورده الشيخ المفيد في الإرشاد 2 / 90.

(2) راجع الإرشاد : 2 / 91.

٦٠

دعاء اليوم الخامس عشر :

«اللهم أرزقني فيه طاعة الخاشعين ، وأشرح فيه صدري بإنابة المخبتين بأمانك يا أمان الخائفين »

أضواء على هذا الدعاء :

أحب شيء للمؤمن الصادق في إيمانه الطاعة المشتملة على الخشوع ، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بالفلاح لأنهم خاشعون في الطاعة والعبادة وأهمها الصلاة ، يقول الحق تعالى :( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) (١) .

وطاعة الخاشعين هي : الطاعة المُثلى فهي طاعة يتصف صاحبها بالخشوع فيها دون تكلف ، أو رياء ، أو تمحل.

والخشوع هو : الخضوع وبابهما واحد ، والتخشع تكلف الخشوع ، وينبغي أن يكون الخشوع لله تعالى دون غيره ، والجوارح مرجعها القلب وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى رجلا يصلي وهو يعبث بشيء ، فقال : «أن هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه ».

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«واشرح فيه صدري بإنابة المخبتين»

وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم مخاطباً نبيه الأمين :

( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) (٢) .

__________________

١ ـ سورة المؤمنون ، الآية : ١.

٢ ـ سورة الانشراح ، الآية : ١.

٦١

وقد جاء في تفسيرها : [ألم نفسحه حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق ، ألم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم ، وبما يسرنا لك تلقي الوحي](١) .

والإنابة : هي الإقبال والتوبة ، يقال : أناب إلى الله تعالى أقبل وتاب.

و [المخبتون ، هم : الخاشعون ، والإخباث ، هو : الخشوع ، يقال : أخبت لله تعالى ، أي : خشع](٢) .

والمراد من الدعاء أن يشرح الله تعالى صدر المؤمن في هذا اليوم بالإقبال على الطاعة التي يتجسد فيها الإخبات والخشوع ، وقد ورد في زيارة أمين الله عن المعصوم عليه السلام قوله : «اللهم أن قلوب المخبتين إليك والهة ، وسبل الراغبين إليك شارعة ، وأعلام القاصدين إليك واضحة »(٣) . وقال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (٤) .

ثم يختم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء بقوله :

«بأمانك يا أمان الخائفين»

أي بحمالك وجوارك فالله المجأ ، والمعين ، والأمان لمن يلتجأ إليه خائفاً ، مذعوراً ، منيباً.

والخائفون هنا من يخافون الله تعالى ويخشونه ويرجون لطفه ، وفضله في أن يتقبل منهم أعمالهم ، ويعفو عن ذنوبهم ، ويغفر لهم سيئاتهم بعد أن يعودوا إلى ساحة طاعته ، وهم

__________________

١ ـ كنز الدقائق : ١٤ / ٣٣٢.

٢ ـ مختار الصحاح : ١٦٧.

٣ ـ مفتاح الجنة : ٩٦.

٤ ـ سورة هود ، الآية : ٢٣.

٦٢

يأملون منه الرضا والقبول.

والخوف من الله درجة الأصفياء ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله : «رأس الحكمة مخافة الله ».

وقال : «أعلى الناس منزلة يوم القيامة أخوفهم منه ».

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «أعلم الناس بالله أخوفهم منه ».

وقال : «الخوف سجن النفس عن الذنوب ، ورادعها عن المعاصي ».

وقال إمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنه يشرف على النار ، ويرجوه رجاء كأنه من أهل الجنة ».

وقال عليه السلام : «من خاف الله عز وجل أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله عز وجل أخافه الله من كل شيء »(١) .

__________________

١ ـ التفسير المعين : ٥٣٣.

٦٣

دعاء اليوم السادس عشر :

«اللهم وفقني فيه لموافقة الأبرار ، وجنبني فيه مرافقة الأشرار ، وآوني فيه برحمتك إلى دار القرار بأِلوهيتك يا إله العالمين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم وفقني فيه لموافقة الأبرار »

يسأل النبي الأعظم ربه تعالى أن يوفقه لموافقة الأبرار ، أي : يكون معهم وفي جماعتهم الصالحة ، و [التوفيق ، هو : النجاح من قولهم وفقة الله ، وأستوقف الله سأله التوفيق](١) .

وموافقة الأبرار تعني عدم مخالفتهم والكون معهم لأنهم أكثر الناس معرفة بالله تعالى ، وقد مدحهم الله تعالى بقوله :

( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ) (٢) .

وقد فُسر الأبرار هنا بأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

«وجنبني فيه مرافقة الأشرار»

كما يطلب صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه أن يوفقه الله لمرافقة الأبرار يدعو الله تعالى أن يجنبه ويبعده مرافقة الأشرار.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٧٣٠.

٢ ـ سورة الإنسان ، الآية : ٦.

٦٤

والمرافقة ، تعني : الصُحبة والرفقة ، وهي : لغة الجماعة ترافقهم في سفرك ، والجمع رفاق ، والرفيق ، هو : المرافق ، والجمع الرفقاء ، فإذا افترقوا ذهب أسم الرفقة ولا يذهب أسم الرفيق ، وهو أيضا واحد وجمع كالصديق ، قال تعالى :( وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا ) (١) .

و [الأشرار جمع شَرّ ، وشرير ، وهو : كثير الشر ، والشر ضد الخير ، ويقال : فلان شرُ الناس ، والشِرة مصدر الشر](٢) .

وقد وردت الأحاديث في ذم الأشرار منها ، قول : النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يُكرّمون اتقاء شرهم ».

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «شر الناس من يظلم الناس ، وشر الناس من لا يُبالي أن يراه الناس مسيئا ».

وقال عليه السلام : «الشر كامن في طبيعة كل أحد فإن غلبه صاحبه بطن وان لم يغلبه ظهر »(٣) .

«وآوني فيه برحمتك إلى دار القرار»

ودار القرار ، هي : الآخرة التي هي دار المقر والقرار بعد أن كان الإنسان في دار الممر وهي الدنيا الفانية الزائلة.

وآواه ، لغة أنزله ، والمأوى كل مكان يَأوي إليه شيء ليلا أو نهارا ، ويقال : آوى إلى منزلة ومنه قوله تعالى :( سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ) (٤) .

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ٦٩.

٢ ـ مختار الصحاح : ٣٣٤.

٣ ـ التفسير المعين : ٤٥٦.

٤ ـ سورة هود ، الآية : ٤٣.

٦٥

«بأِلوهيتك يا إله العالمين»

وهنا يقسم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على الله تعالى أن يوفقه لمرافقة الأبرار ، وأن يجنبه مرافقة الأشرار ، وأن يأويه وينزله برحمته إلى دار القرار بألوهيته المتفردة بالكمال المطلق ، والقدرة المطلقة ، والإرادة والمشيئة والعلم وكل صفات الكمال التي لا تليق إلا بالحق تبارك وتعالى ، وإله العالمين هو الخالق المتفرد بالخلق ، والذي لا ينازعه بذلك أحد ، قال تعالى :( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) (١) .

__________________

١ ـ سورة تبارك ، الآية : ٢.

٦٦

دعاء اليوم السابع عشر :

«اللهم أهدني فيه لصالح الأعمال ، وأقض لي فيه الحوائج والآمال يا من لا يحتاج إلى التفسير والسؤال يا عالما بما في صدور العالمين صل على محمد وآله الطاهرين »

أضواء على هذا الدعاء :

لا شك أن الهداية من الله تعالى والمقصود بها هنا التوفيق للأعمال الصالحة التي تقرب العبد من الله زلفى وتجعله من عباد الله الصالحين الذين سيكونون وارثين الأرض فيما بعد :( أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (١) .

وقد أكد القرآن على صالح الأعمال في كثير من الآيات منها قوله تعالى :( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) ٢ ، وقال :( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) ٣ ، وقال تعالى :( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (٤) .

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«وأقض لي فيه الحوائج والآمال»

__________________

١ ـ سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٥.

٢ ـ سورة العصر ، الآية : ٢.

٣ ـ سورة التين ، الآية : ٦.

٤ ـ سورة فصلت ، الآية : ٣٣.

٦٧

والحوائج جمع حاجة والله تعالى هو قاضي الحاجات وتُجمع الحاجة على حاجات أيضا ، وتبقى الحوائج معطلة إلى أن يأذن الله تعالى بقضائها.

والآمال جمع أمل وهو ما يأمله الإنسان ويرجوه من الخير والنجاح والرزق والصحة والعلم وكل ما يدر عليه بالنفع ، ويقال : [لو لا الأمل لما أرضعت الأم رضيعها ولما زرع الزارع أرضه] ، وقال الشاعر :

علل انلفس بالآمال ارقبها

ما أضيق العيش لو لا فسحة الأمل

ثم انتقل صلى الله عليه وآله وسلم فقال :

«يا من لا يحتاج إلى التفسير والسؤال»

والذي يحتاج إلى التفسير والسؤال ، هو : العاجز وأما القادر فهو من لا يحتاج إلى ذلك.

و [التفسير ، هو : البيان لأنه مأخوذ لغة من فسر فسرا والفسر والتفسير شيء واحد ، وهو : البيان واستفسر ، سأله أن يُفسره](١) .

والسؤال والمسألة ينبعان من الحاجة ، والضعف ، والفقر ، أما لطلب رزق ، أو دفع بلاء ، أو توضيح شيء. وهذه كلها يلجأ إليها الإنسان المفتقر لغيره ، والكل مفتقر إلى رحمة الله الغني.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٥٠٣.

٦٨

«يا عالما بما في صدور العالمين ، صل على محمد وآله الطاهرين ».

الله تعالى عالم بكل شيء ، وهو : القائل جل أسمه :( وَاللَّـهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ) ١ ، ويقول تعالى :( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) (٢) ، ويقول تعالى :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (٣) ، ويقول :( فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) ٤ ، ويقول تعالى :( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) (٥) .

ويختم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأعظم دعائه بقوله :

«صل على محمد وآله الطاهرين»

وهم أشرف خلق الله ، وكيف لا وفيهم خير الخلائق أجمعين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذي مثلهم «كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك »(٦) ، كما ورد في الحديث عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

__________________

١ ـ سورة البروج ، الآية : ٢٠.

٢ ـ سورة المؤمن ، الآية : ٤٠.

٣ ـ سورة ق ، الآية : ١٦.

٤ ـ سورة طه ، الآية : ٧.

٥ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٥٥.

٦ ـ رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين : ٢ / ١٥١ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ، ٥٧٣.

٦٩

دعاء اليوم الثامن عشر :

«اللهم نبهني فيه لبركات أسحاره ، ونور فيه قلبي بضياء أنواره ، وخذ بكل أعضائي إلى إتباع آثاره بنورك يا منور قلوب العارفين »

أضواء على هذا الدعاء :

الذي استفيده من هذا الدعاء أن ليلة هذا اليوم ، هي : من ليالي القدر التي ينبغي للمؤمن أن يسهر فيها لأحيائها بالعبادة والتهجد حتى بلوغ السَحَر ، وهي : ليلة عظيمة من ليالي شهر رمضان المبارك ، وفيها أصيب أمير المؤمنين علي عليه السلام بالمحراب حتى شهادته ليلة الحادي والعشرين من الشهر الفضيل سنة ٤١ هـ.

والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله أن يكون منتبها ومستعدا لنيل بركات تلك الأسحار المفعمة بالإيمان والعطاء الروحي والتربوي.

ولغة ، يقال : [نَبُه الرجل شَرفُ واشتهر فهو نبيه ونابه ، وهو : ضد الخامل ونبهه غيره تنبيها رفعه من الخمول ، وانتبه من نومه استيقظ وأنبهه غيره ونبههُ نتبيها ، ونبهه على الشيء وقفه عليه فتنبه هو عليه](١) .

والبركات جمع بركة ، وهي : النماء ، والزيادة ، والتبريك الدعاء بالبركة ، ويقال : بارك الله لك وفيك وعليك ، وتبرك به تيمن به.

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٦٤٤.

٧٠

و [الأسحار جمع سَحَر ، هو : قبيل الصُبح ، تقول لقيته سَحَرا إذا أردت به سَحَر ليلتك](١) .

«ونَور قلبي فيه بضياء أنواره»

والقلب يُشرق نورا بالطاعة ، ويكون قاتما ، معتما ، مظلما بالمعصية ، وضياء أنواره كل ما كان لله تعالى فيه شعار ، وحكم ، وأمر ، ونهي فإذا ألتزم الإنسان بذلك كله تشرق أنوار الطاعة في أسارير نفسه ، ويكون قلبه منعما بالهُدى والاستقامة فيكون أهلا للقبول والرضا عند الله تعالى فيُشمل بالرحمة الإلهية.

«وخذ بكل أعضائي لاتباع آثاره»

والدعاء هنا أن تكون كل أعضاء الإنسان في خط الطاعة والاستقامة ، والانقياد ، والإتباع لآثار ذلك اليوم ، وهي : كل الأعلام التي نصبها الله لعباده ليطيعوه من خلالها ، وهي : التقيد والالتزام بالأوامر ، والانتهاء والابتعاد عن النواهي ، وبذلك يضمن العبد أنه من الطائعين المستحقين للرحمة الربانية.

«بنورك يا منور قلوب العارفين»

ويسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنوره الأنوار والله تعالى يصف ذاته المقدسة بقوله :( اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٢٨٨.

٧١

كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) (١) .

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «يا نور المستوحشين في الظلم ».

وقد ورد في الدعاء الرمضاني في ليالي السَحَر قول الامام محمد الباقر عليه السلام : «اللهم أني أسالك من نورك بأنواره ، وكل نورك نيّر ، اللهم أن أسألك من نورك كله »(٢) .

والله تعالى هو : الذي يُنير قلوب المؤمنين بالإيمان ، والهُدى ، والصلاح فيكون الإنسان مستقيما في حياته في أمور دينه ودنياه ، فهو نور المستوحشين في الظلم.

__________________

١ ـ سورة النور ، الآية ٣٥.

٢ ـ مفتاح الجنة : ١٣٨.

٧٢

دعاء اليوم التاسع عشر :

«اللهم وفر فيه حظي من بركاته ، وسهل سبيلي إلى خيراته ، ولا تحرمني قبول حسناته يا هاديا إلى الحق المبين ».

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم وفر فيه حظي من بركاته »

في هذه الفقرة من الدعاء يطلب صلى الله عليه وآله وسلم من الله تبارك وتعالى أن يجعل حظه ونصيبه وافرا مستفيضا من بركات ذلك اليوم ، وفي كل يوم بعده.

و [الموفور ـ لغة ـ الشيء التام ، ويقال : وفر عليه حقه توفيراً ، واستوفره ، أي : استوفاه ، وهم متوافرون ، أي : هم كثيرُ](١) .

«وسهل سبيلي إلى خيراته»

أي : أجعل طريقي لاحباً إلى ما في ذلك اليوم من خيرات ونعم ، وقد ورد في دعاء آخر عن أهل البيت عليهم السلام :

«اللهم وأجعل رزقك لي واسعاً ، ومطلبه سهلاً ومأخذه قريباً ، ولا تعنني بطلب ما لم تقدر لي فيه رزقاً فإنك غني عن عذابي ، وأنا فقير إلى رحمتك ».

و [الخيرات ، هي : البركات ، وهي مأخوذة ـ لغة ـ

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٧٣٠.

٧٣

من الخير ضد الشر ، والخير ، هو : المال أيضا ، يقال : ترك فلان خيرا ، أي : مالا](١) .

«ولا تحرمني قبول حسناته»

أي : تقبل مني يا رب حسناتي فيه مقبولا حسن ولا تحرمني رحمتك ، وعفوك ، ورضوانك بعد قبولها ، ولا تمنعني القبول ، يقال : حرمه الشيء ، أي : منعه إياه ، مأخوذة من حرمه الشيء يحرُمه.

والحسنات جمع حسنة ، وهي : ضد السيئة.

«يا هاديا إلى الحق المبين»

والله تعالى ، هو الذي يهدي إلى الحق ، وهو القائل :( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، وهو الذي أرسل الأنبياء كلهم بالهدى لهداية الناس وإرشادهم إلى الخير والصلاح ، وبما فيه صلاحهم وخيرهم ، قال تعالى :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٢) ، وأرسلهم بالكتب السماوية التي تحمل لهم الهداية والاستقامة وآخرها القرآن الكريم الذي يقول عنه الحق تبارك وتعالى :( ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) (٣) .

وكل الكتب السماوية نزلت في شهر رمضان المبارك و [الحق ضد الباطل ، والحق أيضا واحد حقوق ، والمبين هو : الواضح الناصع ، يقال : بان الشيء بياناً إتضح فهو : بيّن ،

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ١٩٤.

٢ ـ سورة التوبة ، الآية : ٣٣.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢.

٧٤

وكذا أبان الشيء فهو : مبين فهو واضح جلي لا غبار عليه](١) .

والهادي هو المرشد والدليل لأن الهُدى هو الرشاد والدلالة ، يقال : هداه الله للدين يهديه ، قال تعالى :( الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّـهُ ) (٢) .

__________________

١ ـ مختار الصحاح : ٧٣.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ٤٣.

٧٥

دعاء اليوم العشرين :

«اللهم أفتح لي فيه أبواب الجنان ، وأغلق عني فيه أبواب النيران ، ووفقني فيه لتلاوة القرآن يا منزل السكينة في قلوب المؤمنين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم أفتح لي فيه أبواب الجنان»

وأبواب الجنان لا تفتح إلا للمطيعين القائمين والصائمين ، وقد ورد في الحديث : «إذا أقبل شهر رمضان فتحت أبواب الجنان ، وأغلقت أبواب النيران ، وإن الشياطين أيديها مغلولة » ، أي : لا تفعل شيئا لأن الصائم القائم المتعبد أوصد على الشياطين كل الأبواب التي يمكن أن تنفذ منها ، حيث أن الصوم يدرب ويربي الإنسان على الطاعة والصبر عليها.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «الصيام جُنة فإذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإذا سابه أحد وقائله ، فليقل : إني صائم أني صائم ».

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «من صام صامت جوارحه ».

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : «صيام القلب عن الفكر بالآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام ».

وقال : «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ ».

٧٦

«وأغلق عني فيه أبواب النيران»

ولاشك أن المعنى في هذا المقطع من الدعاء ، والمقطع الذي سبقه هو المعنى مجازي والمقصود بذلك ، أي : افتح لي أبواب رضاك ووفقني لطاعتك حتى تكون أبواب الجنة فيما بعد مُفَتحة لي فأدخلها ، وأبعدني عن معاصيك وزواجرك حتى تكون أبواب النيران مغلقة وموصدة ، ولا يتم ذلك إلا بأن يجهد الإنسان نفسه ، ويبذل وسعه ، ويجاهد هواه ، ويواظب على ما يُرضي الله ، ويبتعد عما يسخطه تعالى ليحظى بما آمله وطلبه من رب العالمين.

«ووفقني فيه لتلاوة القرآن »

وهي : تلاوة التدبر والتأمل كما قال الله تعالى :( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (١) ، وكما قال تعالى :( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) (٢) .

وشهر رمضان شهر القرآن وأفضل الأعمال في ليالي شهر رمضان وأيامه هو تلاوة القرآن والإكثار من تلاوته في هذا الشهر ففيه كان نزول القرآن الكريم ، وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) (٣) ، قال : «فغرة الشهور رمضان ، وقلب شهر رمضان ليلة القدر ، وفيها أنزل القرآن الكريم ».

__________________

١ ـ سورة محمد ، الآية : ٢٤.

٢ ـ سورة النساء ، الآية : ٨٢.

٣ ـ سورة التوبة ، الآية : ٣٦.

٧٧

فضل تلاوة القرآن ودراسته :

١ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«أن أردتم عيش السعداء ، وموت الشهداء ، والنجاة يوم الحسرة ، والظل يوم الحرور ، والهُدى يوم الضلالة فادرسوا القرآن فإنه كلام الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان ».

٢ ـ قال جعفر الصادق عليه السلام :

«أن البيت إذا كان فيه المسلم يتلو القرآن يتراءاه أهل السماء كما يتراءا أهل الدنيا الكوكب الدري في السماء »(١) .

ثم انتقل صلى الله عليه وآله وسلم فقال :

«يا منزل السكينة في قلوب المؤمنين»

و [السكينة ـ لغة ـ هي : الوَدَاع والوقار والرجل الوديع الساكن والوادع أيضا](٢) .

وسكن الشيء هدأ واستقر والله تعالى كما في هذا المقطع هو من ينزل السكينة في قلوب المؤمنين ليطمئنوا إلى عفوه ورضوانه ، وبعد ذلك دخول جنته فإن هذه غاية ما يتمناه المؤمن ، والأمل الذي يسعى إليه ، وأن قلوب المؤمنين خير القلوب وأطهرها لأنها وعاء للإيمان والهُدى ، والصلاح ،

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ٩٢ / ١٩.

٢ ـ مختار الصحاح : ٧١٤.

٧٨

والخير وحب الآخرين ليس فيها أحقاد ، ولا ضغائن ولا غير ذلك.

وإذا كانت وعاء للإيمان فهي خير الأوعية إذا قال أمير المؤمنين علي عليه السلام :

«يا كميل أن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها فاحفظ عني ما أقول لك الناس ثلاثة فعالم رباني ، ومتعلم في سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق »(١) .

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ٦٩١.

٧٩

دعاء اليوم الحادي والعشرين :

«اللهم أجعل لي فيه إلى مرضاتك دليلا ، ولا تجعل للشيطان فيه عليّ سبيلا ، واجعل الجنة لي منزلا ومقيلا يا قاضي حوائج الطالبين »

أضواء على هذا الدعاء :

«اللهم أجعل لي فيه إلى مرضاتك دليلا »

المرضاة ، هي : الرضا والله تعالى لا يرضى إلا عن المطيع ، والنبي الأكرم يدعو الله تعالى أن يجعل له لما يُرضيه عنه دليلا يستدل به ، ونورا يهتدي به.

ومرضاة الله تعالى تحتاج إلى دليل يستدل به الإنسان على تلك المرضاة ، ولكن الله تعالى ، هو : الدليل الذي لا يحتاج إلى دليل.

قال الإمام الحسين عليه السلام في دعاء يوم عرفة : «متى غِبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، ومتى بعُدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك ، وكيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، عميت عين لا تراك عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم يجعل لك من حبه نصيبا »(١) .

وقال محيي الدين بن العربي : [الله هو الذي يبرهن على الوجود ولا يصح أن نتخذ من الوجود برهان على الله تماما ، كما نقول أن النور يبرهن على النهار ، ونعكس الآية

__________________

١ ـ مفاتيح الجنان : ٣٥٥.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120